ضيف الحلقة:
الشيخ د.عبد الكريم بكار ( الرياض - السعودية )
موضوع الحلقة:
تنمية الشخصية (تحرير الروح)
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أيها الأخوة المشاهدون، أيتها الأخوات المشاهدات السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ومرحبا بكم في حلقة جديدة من برنامج كلمة مضيئة.
أيها الأخوة الكرام، أيتها الأخوات الكريمات لأول مرة في تاريخ البشرية يعيش الناس في ظل حضارة واحدة في الماضي كانت هناك حضارات إقليمية لكن اليوم هناك حضارة غالبة تعم العالم كله لذلك ليس هناك اليوم صراع حضاري كما يقال... هناك حضارة واحدة وهناك ثقافات متعددة نعم هناك صراع ثقافي وخصوصيات ثقافية ورؤى ثقافية خاصة... ومن بين تلك الرؤى رؤيتنا نحن أي الثقافة الإسلامية.
هذه الحضارة لا شك أنها هي الحضارة الغربية ولأول مرة في التاريخ أيضا يخيم على العالم نمط حضاري إلحادي لا يؤمن بالله تعالى ولا يقيم وزنا يذكر لتعاليمه وحضارة تتحدث عن حقوق الإنسان ولكنها لا تتحدث بأي شيء عن حقوق الله تبارك وتعالى... هذه الحضارة مشكلاتها كثيرة والمآخذ عليها كثيرة ومنافعها أيضا كثيرة والفرص التي تتيحها كثيرة لكن في تصوري أن أكبر نقطة ضعف في هذه الحضارة التي نعيش في ظلالها اليوم هي أنها جعلت كل ما يتعلق بقضية الروح وقضية القلب، قضية الوجدان، قضية المشاعر، جعلتها في المؤخرة بل لم تعطها أي اهتمام ولهذا أكبر نقطة ضعف في هذه الحضارة هي أنها تهمل مسائل الروح إهمالا شبه كامل... لا في المناهج المدرسية، لا في السياسات، لا في خطط التنمية، لا في الإعلام، ولا في أي شيء من الأدوات المؤثرة في توجيه الناس وفي صياغة أفكارهم وصياغة حياتهم ليس في أي شيء من هذه المجالات ومن هذه الأدوات..
هناك أي اهتمام بقضية الروح ولذلك في تصوري أن على المسلمين اليوم أن ينشؤا انتفاضة جديدة يمكن أن أسميها انتفاضة الروح..
نحن من غير خفاء نعاني اليوم من مشكلة كبرى هي أننا نتعرض لتيار شهواني جارف...تيار مادي شهواني يعطي كل شيء للدنيا ولا يعطي للآخرة إلا أقل القليل بل لا يعطي للآخرة شيئا بل يهدم ما يمكن أن يؤدي إلى إعمار قلب المسلم وروحه...
هذا التيار الذي نواجهه اليوم تنشره مجلات وتنشره فضائيات وتنشره شبكات الاتصال العالمية وتنشره أفلام وتنشره وتنشره... يأتينا الآن من كل حد وصوب... لا شك أن الناس لم يستسلموا لهذا الوضع وحاولوا قدر الإمكان أن يقاوموا... نشأت لدينا أفكار كثيرة، ألفت لدينا كتب كثيرة، ألقيت محاضرات كثيرة من أجل مواجهة هذا التيار الشهواني الذي يجتاح الآن كل شيء لم يترك مكانا لم يصل إليه بطريقة من الطرق لكن في تصوري أننا لا نستطيع أبدا أن نقاوم هذا التيار عن طريق إنتاج المزيد من الأفكار... الفكر ضروري وأساسي في حياة الناس وهو يرسم لنا خريطة العمل لكنه للأسف لا يستطيع أن يقاوم عنفوان الشهوة وجاذبية الشهوة لا يستطيع أن يقاومهم.... إذا كيف سنقاوم هذا التيار الشهواني الذي نتعرض له اليوم ويأتينا من كل حد وصوب ؟
في تصوري أن التيار الشهواني لا يقابل إلا بتيار روحي لأن الناس يجدون متعة في الشهوة، والصالحون يجدون متعة حين يرتقون روحيا وهي متعة عالية جدا أعلى من متعة الشهوة لأنها أبقى من متعة الشهوة فإذا أردنا أيها الأخوة أن نخفف من تيار الشهوات الذي يجتاحنا أن نخفف من هجمته علينا... يصعب أن نقضي عليه لكن إذا أردنا أن نخفف من هجمته علينا فالطريق لهذا هو أن ننشأ تيارا روحيا... كيف ننشئ هذا التيار الروحي ليس هناك وسائل كثيرة لإنشاء هذا التيار وليس له طرق متعددة في تصوري الشخصي ليس هناك سوى طريق واحد هذا الطريق هو زيادة التعبد لله تبارك وتعالى... الانتعاش الروحي أيها الإخوان، الارتقاء الروحي، التيار الروحي، الإيمان... كل هذه المعاني تدل في النهاية على شيء متقارب هو أشبه بشجرة هذه الشجرة لا تنتعش لا تعيش لا تنمو لا تكبر إلا إذا سقيناها ماؤها الذي تحتاجه هذا الماء هو التعبد فكلما أكثر المسلم وزاد في عبادته لله تبارك وتعالى وجد أن حياته الروحية بدأت تتألق وبدأت تتوهج وبدأت تنبني شيئا وراء شيء لكن هناك تحذير لا بد منه القضايا الروحية بطبيعتها أنها شديدة الجاذبية وكثيرا ما جذبت أشخاصا من المسلمين ومن المتدينين جذبتهم عن الطريق الشرعي الصحيح وصاروا بظنهم يتعبدون ويتقربون إلى الله تعالى بأشياء لم يشرعها الله تبارك وتعالى ولا أذن بها ولا شرعها نبيه عليه الصلاة والسلام ولا فعلها السلف يعني هي في حقيقة الأمر بدع يعبدون الله تعالى عن طريق بدعيات أنشئوها من عند أنفسهم ظنا منهم أنها تقربهم إلى الله تعالى لكن طريق القرب إلى الله تعالى لا ينبغي أن يكون أبدا إلا طريقا فقهيا مشروعا.
التعبد يعني هناك شيء أنا شخصيا أسميه الأناقة الروحية أو إن شئت أن تسميه الرفاهية الروحية... الأناقة الروحية أو الرفاهية الروحية لا يشعر بها المسلم إلا إذا تجاوز مرحلة الواجب حين نؤدي الواجبات الشرعية علينا لا نشعر بالكثير من الرفاهية الروحية أو من الأناقة الروحية... نشعر بالأناقة الروحية أو الرفاهية الروحية إذا زدنا على مقدار الواجب يعني الذي يستيقظ يوميا قبل الفجر بنصف ساعة أو بساعة هو يفعل شيئا فوق الواجب ولذلك هو يشعر برفاهية روحية عالية جدا... الذي يلزم نفسه بقراءة جزء من القرآن في كل يوم، الذي يلزم نفسه بصدقة زائدة عن الزكاة، الذي يلزم نفسه بزيارات لأصدقائه لأرحامه يعني الحمد لله طرق التعبد المشروعة لدينا واضحة ومعروفة... إذا تجاوز المسلم حد الواجب في التعبد تبدأ حياته الروحية بالانتعاش ويبدأ يشعر بالرفاهية الروحية كما أشرت قبل قليل هذا هو الطريق الوحيد الذي نستطيع من خلاله أن ننعش كما قلت أو ننشئ تيارا روحيا جديدا أو كما قلنا انتفاضة روحية لنقاوم بهذه الانتفاضة الإغراء الشهواني الذي يأتينا من كل مكان والذي تقريبا أصاب الجميع إلا يمكن أن تكون هناك استثناءات قليلة لكن معظم الناس أصابهم شيء من هذا التيار الجامح والقوي.
في مفهوم أساسي في هذا الباب وهو أنه لا بد أن نحاول استحضار معنى نبيل وهذا المعنى يقوم على مبدأ هو... نظري إلى نفسي أهم من نظر الناس إلي...يعني ماذا أنا في نظر نفسي يجب أن أهتم بهذا وأحسن موقعي في نظر نفسي وأهتم بتحسين هذا الموقع أكثر من اهتمامي بنظر الناس إلي وهذا يقوم في حقيقة الأمر على الإخلاص ويقوم على نبل الذات واستقامة الذات ويقوم على معان عظيمة في أعماق الشخصية وفي أعماق الذات وينبغي أيضا أن يكون اهتمامي بنظر الله تبارك وتعالى إلي أكبر من اهتمامي بنظرتي لنفسي...
يعني إذا عندنا ثلاث درجات نظر الناس إلي، نظري لنفسي، نظر الله إلي.
الشيء الأول هو نظر الله تبارك وتعالى إلي يجب أن يكون أهم أهم من كل شيء... اليوم أيها الإخوان يعني شيء مؤسف أنا في تصوري كل شيء لدينا يلمع بيوتنا تلمع سياراتنا تلمع زاجها يلمع أشياؤنا تلمع هناك الآن يعني فتح على الناس باب الجراحات التجميلية يريدون الناس أن يظهروا دائما بأنهم شباب وبأنهم يعني... الإسلام لا يعارض في الأساس أن يهتم الإنسان بمظهره لكن حينما يكون الرجل هو عبارة عن مظهر فقط ليس هناك فكر عميق، ليس هناك روح، ليس هناك استقامة، ليس هناك مضمون... فهذا يعني أننا أصبنا بما يشبه الكارثة.
إن أرواحنا تحتاج إلى تحرير وتحريرها يكون بأن نخطو خطوة إلى الوراء وهذه الخطوة إلى الوراء كما قلت وأعيد وأكرر أن ننشئ تيارا روحيا جديدا يقوم على المزيد من التعبد لله تبارك وتعالى.
هذا ما أردت قوله في هذه الحلقة وأسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمنا رشدنا في الأمر كله وأن يوفقنا لما هو خير وأبقى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.