منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 المجلد الرابع

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 28 يوليو 2016, 7:17 am

وهذه الحيل من شياطين الجن نظير حيل شياطين الانس المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق ويتوصلوا به إلى أغراضهم الفاسدة في الامور الدينية والدنيوية وذلك كحيل القرامطة الباطنية على إفساد الشرائع وحيل الرهبان على اشباه الحمير من عابدي الصليب بما يموهون به عليهم من المخاريق والحيل كالنور المصنوع وغيره مما هو معروف عند الناس وكحيل ارباب الاشارات من الاذن والتسيير والتغيير وإمساك الحيات ودخول النار في الدنيا قبل الاخرة.

وامثال ذلك من حيل اشباه النصارى التي تروج على أشباه الانعام وكحيل أرباب الدك وخفة اليد التي يخفى على الناظرين أسبابها ولا يتفطنون لها وكحيل السحرة على اختلاف أنواع السحر فإن سحر البيان هو من أنواع التحيل إما لكونه بلغ في اللطف والحسن إلى حد استمالة القلوب فأشبه السحر من هذا الوجه وإما لكون القادر على البيان يكون قادرا على تحسين القبيح وتقبيح الحسن فهو أيضا يشبه السحر من هذا الوجه أيضا.

وكذلك سحر الوهم أيضا هو حيلة وهمية والواقع شاهد بتأثير الوهم والايهام الا ترى ان الخشبة التي يتمكن الانسان من المشيء عليها اذا كانت قريبة من الارض لا يمكن المشي عليها اذا كانت على مهواة بعيدة القعر والاطباء تنهى صاحب الرعاف عن النظر إلى الشيء الاحمر وتنهى المصروع عن النظر إلى الاشياء القوية اللمعان أو الدوران فإن النفوس خلقت مطيعة الاوهام والطبيعة فعالة والاحوال الجسمانية تابعة للاحوال النفسانيه.

وكذلك السحر بالاستعانة بالارواح الخبيثة إنما هو بالتحيل على استخدامها بالاشراك بها والاتصاف بهيآتها الخبيثة ولهذا لا يعمل السحر إلا مع الانفس الخبيثة المناسبة لتلك الارواح وكلما كانت النفس اخبث كان سحرها اقوى وكذلك سحر التمزيجات وهو أقوى ما يكون من السحر أن يمزج بين القوى النفسانية الخبيثة الفعالة والقوى الطبيعية المنفعلة.

والمقصود ان السحر من أعظم انواع الحيل التي ينال بها الساحر غرضه وحيل الساحر من أضعف الحيل وأقواها ولكن لا تؤثر تأثيرا مستقرا إلا في الانفس الباطلة المنفعلة للشهوات الضعيفة تعلقها بفاطر الارض والسموات المنقطعة عن التوجه اليه والاقبال عليه فهذه النفوس محل تأثير السحر.

وكحيل ارباب الملاهي والطرب على استمالة النفوس إلى محبة الصور والوصول إلى الالتذاذ بها فحيلة السماع الشيطاني على ذلك من أدنى الحيل عليه حتى قيل: أول ما وقع الزنا في العالم فإنما كان بحيلة اليراع والغناء لما اراد الشيطان ذلك لم يجد عليه حيلة ادنى من الملاهي.

وكحيل اللصوص والسراق على اخذ اموال الناس وهم انواع لا تحصى فمنهم السراق بأيديهم ومنهم السراق بأقلامهم ومنهم السراق بأمانتهم ومنهم السراق بما يظهرونه من الدين والفقر والصلاح والزهد وهم في الباطن بخلافه ومنهم السراق بمكرهم وخداعهم وغشهم.

وبالجملة فحيل هذا الضرب من الناس من اكثر الحيل وتليها حيل عشاق الصور على الوصول إلى أغراضهم فإنها تقع في الغالب خفية وإنما تتم غالبا على النفوس القابلة المنفعلة الشهوانية.

وكحيل التتار التي ملكوا بها البلاد وقهروا بها العباد وسفكوا بها الدماء واستباحوا بها الاموال وكحيل اليهود وإخوانهم من الرافضة فإنهم بيت المكر والاحتيال ولهذا ضربت على الطائفتين الذلة وهذه سنة الله في كل مخادع محتال بالباطل.

ارباب الحيل نوعان:
ثم أرباب هذه الحيل نوعان نوع يقصد به حصول مقصوده ولا يظهر انه حلال كحيل اللصوص وعشاق الصور المحرمة ونحوهما ونوع يظهر صاحبه ان مقصوده خير وصلاح ويبطن خلافه.

وأرباب النوع الاول أسلم عاقبة من هؤلاء فإنهم أتوا البيوت من أبوابها والامر من طريقه ووجهه وأما هؤلاء فقلبوا موضوع الشرع والدين ولما كان ارباب هذا النوع إنما يباشرون الاسباب الجائزة ولا يظهرون مقاصدهم أعضل امرهم وعظم الخطب بهم وصعب الاحتراز منهم وعز على العالم استنقاذ قتلاهم فاستبيحت بحيلهم الفروج واخذت بها الاموال من اربابها فأعطيت لغير اهلها وعطت بها الواجبات وضيعت بها الحقوق وعجت الفروج والاموال والحقوق إلى ربها عجيجا وضجت مما حل بها اليه ضجيجا ولا يختلف المسلمون ان تعليم هذه الحيل حرام والافتاء بها حرام والشهادة على مضمونها حرام والحكم بها مع العلم بحالها حرام.

والذين جوزوا منها ما جوزوا من الائمة لا يجوز ان يظن بهم انهم جوزوه على وجه الحيلة إلى المحرم وإنما جوزوا صورة ذلك الفعل ثم إن المتحيل المخادع المكار اخذ صورة ما افتوا به فتوسل به إلى ما منعوا منه وركب ذلك على اقوالهم وفتواهم وهذا فيه الكذب عليهم وعلى الشارع مثاله ان الشافعي رحمه الله تعالى يجوز إقرار المريض لوارثه فيتخذه من يريد ان يوصى لوارثه وسيلة إلى الوصية له بصورة الاقرار ويقول هذا جائز عند الشافعي وهذا كذب على الشافعي فإنه لا يجوز الوصية للوارث بالتحيل عليها بالاقرار فكذلك الشافعي يجوز للرجل اذا اشترى من غيره سلعة بثمن ان يبيعه إياها بأقل مما اشتراها منه بناء على ظاهر السلامة ولا يجوز ذلك حيلة على بيع مائة بمائة وخمسين إلى سنة فالذي يسد الذرائع يمنع ذلك ويقول هو يتخذ حيلة إلى ما حرمه الله ورسوله.

فلا يقبل إقرار المريض لوارثه ولا يصح هذا البيع ولا سيما فإن إقرار المرء شهادة على نفسه فإذا تطرق اليها التهمة بطلب كالشهادة على غيره والشافعي يقول أقبل إقراره إحسانا للظن بالمقر وحملا لإقراره على السلامة ولا سيما عند الخاتمة.

ومن هذا الباب احتيال المراة على فسخ نكاح الزوج بما يعلمه إياها أرباب المكر والاحتيال بأن تنكر ان تكون أذنت للولى أو بان النكاح لم يصح لان الولى أو الشهود جلسوا وقت العقد على فراش حرير أو استندوا إلى وسادة حرير وقد رأيت من يستعمل هذه الحيلة إذا طلق الزوج امرأته ثلاثا وأراد تخليصه من عار التحليل وشناره أرشده إلى القدح في صحة النكاح بفسق الولى أو الشهود فلا يصح الطلاق في النكاح الفاسد وقد كان النكاح صحيحا لما كان مقيما معها عدة سنين فلما اوقع الطلاق الثلاث فسد النكاح.

ومن هذا احتيال البائع على فسخ البيع بدعواه انه لم يكن بالغا وقت العقد أو لم يكن رشيدا أو كان محجورا عليه أو لم يكن المبيع ملكا له ولا مأذونا له في بيعه.

أنواع الحيل المحرمة:
فهذه الحيل وامثالها لا يستريب مسلم في أنها من كبائر الاثم واقبح المحرمات وهي من التلاعب بدين الله واتخاذ آياته هزوا وهي حرام من جهتها في نفسها لكونها كذبا وزورا وحرام من جهة المقصود بها وهو إبطال حق وإثبات باطل


فهذه ثلاثة اقسام:
أحدها ان تكون الحيلة محرمة ويقصد بها المحرم.
الثاني أن تكون مباحة في نفسها ويقصد بها المحرم فيصير حراما تجريم الوسائل كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس المعصومة.
وهذان قسمان تكون الحيلة فيهما موضوعة للمقصود الباطل المحرم ومفضية اليه كما هي موضوعة للمقصود الصحيح الجائز ومفضية اليه فإن السفر طريق صالح لهذا.
وهذا الثالث أن تكون الطريق لم توضع للإفضاء إلى المحرم وإنما وضعت مفضية إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة ونحو ذلك فيتخذها المتحيل سلما وطريقا إلى الحرام وهذا معترك الكلام في هذا الباب وهو الذي قصدنا الكلام فيه بالقصد الاول.
القسم الرابع أن يقصد بالحيلة اخذ حق أو دفع باطل وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة اقسام أيضا.

أحدها أن يكون الطريق محرما في نفسه وان كان المقصود بها حقا مثل ان يكون له على رجل حق فيجحده ولا بينة له فيقيم صاحبه شاهدي زور يشهدان به ولا يعلمان ثبوت هذا الحق ومثل ان يطلق الرجل امرأته ثلاثا ويجحد الطلاق ولا بينة لها فتقيم شاهدين يشهدان انه طلقها ولم يسمعا الطلاق منه ومثل ان يكون له على رجل دين وله عنده وديعة فيجحد الوديعة فيجحد هو الدين أو بالعكس ويحلف ما له عندي حق أو ما اودعني شيئا وان كان يجيز هذا من يجيز مسألة الظفر ومثل ان تدعى عليه المرأة كسوة أو نفقة ماضية كذبا باطلا فينكر ان تكون مكنته من نفسها أو سلمت نفسها اليه أو يقيم شاهدي زور انها كانت ناشزا فلا نفقة لها ولا كسوة ومثل ان يقتل الرجل وليه فيقيم شاهدي زور ولم يشهدا القتل فيشهدا انه قتله ومثل ان يموت موروثه فيقيم شاهدي زور انه مات وانه وارثه وهما لا يعلمان ذلك ونظائره ممن له حق لا شاهد له به فيقيم شاهدي زور يشهدان له به فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود وفي مثل هذا جاء الحديث: "أد الامانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك".

فصل: انواع من الحيل المباحة
القسم الثاني ان يكون الطريق مشروعة وما يفضى اليه مشروع وهذه هي الاسباب التي نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها كالبيع والاجارة والمساقاة والمزارعة والوكالة بل الاسباب محل حكم الله ورسوله وهي في اقتضائها لمسبباتهم شرعا على وزان الاسباب الحسية في اقتضائها لمسبباتها قدرا فهذا شرع الرب تعالى وذلك قدره وهما خلقه وامره والله له الخلق والامر ولا تبديل لخلق الله ولا تغيير لحكمه فكما لا يخالف سبحانه بالاسباب القدرية احكامها بل يجريها على اسبابها وما خلقت له فهكذا الاسباب الشرعية لا يخرجها عن سببها وما شرعت له بل هذه سنته شرعا وامرا وتلك سنته قضاء وقدرا وسنته الأمرية قد تبدل وتتغير كما يعصى امره ويخالف واما سنته القدرية فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا كما لا يعصى امره الكوني القدري.

ويدخل في هذا القسم التحيل على جلب المنافع وعلى دفع المضار وقد ألهم الله تعالى ذلك لكل حيوان فلأنواع الحيوانات من انواع الحيل والمكر ما لا يهتدى اليه بنو آدم.

وليس كلامنا ولا كلام السلف في ذم الحيل متناولا لهذا القسم بل العاجز من عجز عنه والكيس من كان به أفطن وعليه أقدر ولا سيما في الحرب فإنها خدعة والعجز كل العجز ترك هذه الحيلة والانسان مندوب إلى استعاذته بالله تعالى من العجز والكسل فالعجز عدم القدرة على الحيلة النافعة والكسل عدم الارادة لفعلها فالعاجز لا يستطيع الحيلة والكسلان لا يريدها ومن لم يحتل وقد امكنته هذه الحيلة أضاع فرصته وفرط في مصالحه كما قال: إذا المرأ لم يحتل وقد جد جده أضاع وقاسى امره وهو مدبر.

وفي هذا قال: بعض السلف الامر امران امر فيه حيلة فلا يعجز عنه وامر لا حيلة فيه فلا يجزع منه.

فصل: قسم آخر من أقسام الحيل المباحة
القسم الثالث ان يحتال على التوصل إلى الحق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم توضع موصلة إلى ذلك بل وضعت لغيره فيتخذها هو طريقا إلى هذا المقصود الصحيح أو قد يكون قد وضعت له لكن تكون خفية ولا يفطن لها والفرق بين هذا القسم والذي قبله ان الطريق في الذي قبله نصبت مفضية إلى مقصودها ظاهرا فسالكها سالك للطريق المعهود والطريق في هذا القسم نصبت مفضية إلى غيره فيتوصل بها إلى ما لم توضع له فهي في الفعال كالتعريض الجائز في المقال أو تكون مفضية اليه لكن بخفاء ونذكر لذلك امثلة ينتفع بها في هذا الباب.

المثال الاول:
اذا استأجر منه دارا مدة سنين بأجرة معلومة فخاف ان يغدر به المكرى في آخر المدة ويتسبب إلى فسخ الاجارة بأن يظهر انه لم تكن له ولاية الايجار أو ان المؤجر ملك لابنه أو امرأته أو انه كان مؤجرا قبل ايجاره ويتبين ان المقبوض اجرة المثل لما استوفاه من المدة وينتزع المؤجر له منه فالحيلة في التخلص من هذه الحيلة ان يضمنه المستأجر درك العين المؤجرة له أو لغيره فإذا استحقت أو ظهرت الاجارة فاسدة رجع عليه بما قبضه منه أو يأخذ إقرار من يخاف منه بأنه لا حق له في العين وان كل دعوى يدعيها بسببها فهى باطلة أو يستأجرها منه بمائة دينار مثلا ثم يصارفه كل دينار بعشرة دراهم فإذا طالبه بأجرة المثل طالبه هو بالدنانير التي وقع عليها العقد فإنه لم يخف من ذلك ولكن يخاف ان يغدر به في آخر المدة فليقسط مبلغ الاجرة على عدد السنين ويجعل معظمها للسنة التي يخشى غدره فيها وكذلك إذا خاف المؤجر ان يغدر المستأجر ويرحل في اخر المدة فليجعل معظم الاجرة على المدة التي يأمن فيها من رحيله والقدر اليسير منها لآخر المدة.

المثال الثاني:
ان يخاف رب الدار غيبة المستأجر ويحتاج إلى داره فلا يسلمها أهله اليه فالحيلة في التخلص من ذلك ان يؤجر هاربها من امرأة المستأجر ويضمن الزوج ان ترد اليه المرأة الدار وتفرغها متى انقضت المدة أو تضمن المرأة ذلك إذا استأجرها الزوج فمتى استأجر احدهم وضمن الاخر الرد لم يتمكن احدهما من الامتناع وكذلك إن مات المستأجر فجحد ورثته الاجارة وادعوا ان الدار لهم نفع رب الدار كفالة الورثة وضمانهم رد الدار إلى المؤجر فإن خاف المؤجر إفلاس المستأجر وعدم تمكنه من قبض الاجرة فالحيلة ان يأخذ منه كفيلا بأجره ما سكن ابدا ويسمى اجرة كل شهر للضمين ويشهد عليه بضمانه.

المثال الثالث:

ان يأذن رب الدار للمستأجر ان يكون في الدار ما يحتاج اليه أو يعلف الدابة بقدر حاجتها وخاف ان لا يحتسب له ذلك من الاجرة فالحيلة في اعتداده به عليه ان يقدر ما يحتاج اليه الدابة أو الدار ويسمى له قدرا معلوما ويحسبه من الاجرة ويشهد على المؤجر انه قد وكله في صرف ذلك القدر فيما تحتاج اليه الدار أو الدابة.

فإن قيل:
فهل تجوزون لمن له دين على رجل ان يوكله في المضاربة به أو الصدقة به أو إبراء نفسه منه أو ان يشتري له شيئا ويبرأ المدين إذا فعل ذلك؟

قيل:
هذا مما اختلف فيه وفي صورة المضاربة بالدين قولان في مذهب الامام احمد.

احدهما:
انه لا يجوز ذلك وهو المشهور لانه يتضمن قبض الانسان من نفسه وابراءه لنفسه من دين الغريم بفعل نفسه لانه متى اخرج الدين وضارب به فقد صار المال أمانة وبريء منه وكذلك اذا اشترى به شيئا أو تصدق به.

والقول الثاني:
انه لا يجوز وهو الراجح في الدليل وليس في الادلة الشرعية ما يمنع من جواز ذلك ولا يقتضى تجويزه مخالفة قاعدة من قواعد الشرع ولا وقوعا في محظور من ربا ولا قمار ولا بيع غرر ولا مفسدة في ذلك بوجه ما فلا يليق بمحاسن الشريعة المنع منه وتجويزه من محاسنها ومقتضاها.

وقولهم:

إنه يتضمن ابراء الانسان لنفسه بفعل نفسه كلام فيه إجمال يوهم انه هو المستقل بإبراء نفسه وبالفعل الذي به يبرأ وهذا إيهام فإنه إنما برء بما أذن له رب الدين من مباشرة الفعل الذي تضمن براءته من الدين فأي محذور في ان يفعل فعلا اذن له فيه رب الدين ومستحقه يتضمن براءته فكيف ينكر ان يقع في الاحكام الضمنية التبعية مالا يقع مثله في المتبوعات ونظائر ذلك اكثر من ان تذكر حتى لو وكله أو أذن له ان يبريء نفسه من الدين جاز وملك ذلك كما لو وكل المرأة ان تطلق نفسها فأي فرق بين ان يقول طلقي نفسك إن شئت أو يقول لغريمه ابرئ نفسك إن شئت وقد قالوا: لو أذن لعبده في التكفير بالمال ملك ذلك على الصحيح فلو أذن له في الاعتاق ملكه فلو اعتق نفسه صح على احد القولين والقول الآخر لا يصح لمانع آخر وهو ان الولاء للمعتق والعبد ليس من اهل الولاء نعم المحذور ان يملك إبراء نفسه من الدين بغير رضا ربه وبغير إذنه فهذا هو المخالف لقواعد الشرع.

فإن قيل:
فالدين لا يتعين بل هو مطلق كلى ثابت في الذمة فإذا اخرج مالا واشترى به أو تصدق به لم يتعين ان يكون هوالدين ورب الدين لم يعينه فهو باق على إطلاقه.

قيل:
هو في الذمة مطلق وكل فرد من أفراده طابقه صح ان يعين عنه ويجزئ وهذا كإيجاب الرب تعالى الرقبة المطلقة في الكفارة فإنها غير معينة ولكن أي رقبة عينها المكلف وكانت مطابقة لذلك المطلق تأدى بها الواجب ونظيره ههنا ان أي فرد عينه وكان مطابقا لما في الذمة تعين وتأدى به الواجب وهذا كما يتعين عند الاداء إلى ربه وكما يتعين عند التوكيل في قبضه فهكذا يتعين عند توكيله لمن هو في ذمته ان يعينه ثم يضارب به أو يتصدق أو يشتري به شيئا وهذا محض الفقه وموجب القياس وإلا فما الفرق بين تعيينه إذا وكل الغير في قبضه والشراء أو التصدق به وبين تعيينه اذا وكل هو في ذمته ان يعينه ويضارب أو يتصدق به فهل يوجب التفريق فقه أو مصلحة لهما أو لاحدهما أو حكمة للشارع فيجب مراعاتها.

فإن قيل:
تجوزوا على هذا ان يقول له اجعل الدين الذي عليك رأس مال السلم في كذا وكذا.

قيل:
شرط صحة النقض امران احدهما ان تكون الصورة التي تنقض بها مساوية لسائر الصور في المعنى الموجب للحكم الثاني ان يكون الحكم فيها معلوما بنص أو اجماع وكلا الامرين منتف ههنا فلا اجماع معلوم في المسألة وإن كان قد حكى وليس مما نحن فيه فإن المانع من جوازها رأى انها من باب بيع الدين بالدين بخلاف ما نحن فيه والمجوز له يقول ليس عن الشارع نص عام في المنع من بيع الدين بالدين وغاية ما ورد فيه حديث ما فيه انه نهى عن بيع الكاليء بالكاليء والكالئ هو المؤخر وهذا كما اذا كان رأس مال السلم دينا في ذمة المسلم فهذا هو الممنوع منه بالاتفاق لانه يتضمن شغل الذمتين بغير مصلحة لهما.

وأما إذا كان الدين في ذمة المسلم اليه فاشترى به شيئا في ذمته فقد سقط الدين من ذمته وخلفه دين آخر واجب فهذا من باب بيع الساقط بالواجب فيجوز كما يجوز بيع الساقط بالساقط في باب المقاصة فإن بنى المستأجر أو انفق على الدابة وقال انفقت كذا وكذا وانكر المؤجر فالقول قول المؤجر لان المستأجر يدعى براءة نفسه من الحق الثابت عليه والقول قول المنكر.

فإن قيل: فهل ينفعه إشهاد رب الدار أو الدابة على نفسه انه مصدق فيما يدعى إنفاقه.

قيل:
لا ينفعه ذلك وليس بشيء ولا يصدق انه انفق شيئا إلا ببينة لان مقتضى العقد الا يقبل قوله في الانفاق ولكن ينتفع بعد الانفاق بإشهاد المؤجر انه صادق فيما يدعى انه انفقه والفرق بين الموضعين انه بعد الانفاق مدع فإذا صدقه المدعى عليه نفعه ذلك وقبل الانفاق ليس مدعيا ولا ينفعه اشهاد المؤجر بتصديقه فيما سوف يدعيه في المستقل فهذا شيء وذاك شيء آخر.

فإن قيل:
فما الحيلة على ان يصدق المؤجر المستأجر فما يدعيه من النفقة؟

قيل:
الحيلة ان يسلف المستأجر رب الدار أو الحيوان من الاجرة ما يعلم انه بقدر الحاجة ويشهد عليه بقبضه ثم يدفع رب الدار إلى المستأجر ذلك الذي قبضه منه ويوكله في الانفاق على داره أو دابته فيصير امينة فيصدق على ما يدعيه إذا كان ذلك نفقة مثله عرفا فإن خرج من العادة لم يصدق به وهذه حيلة لا يدفع بها حقا ولا يتوصل بها لمحرم ولا يقيم بها باطلا.

المثال الرابع:
إذا خاف رب الدار أو الدابة ان يعوقها عليه المستأجر بعد المدة فالحيلة في أمنه من ذلك ان يقول متى حبستها بعد انقضاء المدة فأجرتها كل يوم كذا وكذا فإنه يخاف من حبسها ان يلزمه بذلك.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:33 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 9:41 pm

المثال الخامس:
لا يجوز استئجار الشمع ليشعله لذهاب عين المستأجر والحيلة في تجويز هذا العقد ان يبيعه من الشمعة أواقي معلومة ثم يؤجره إياها فإن كان الذي أشعل منها ذلك القدر وإلا احتسب له بما اذهبه منها واحسن من هذه الحيلة ان يقول بعتك من هذه الشمعة كل اوقية فيها بدرهم قل المأخوذ منها أو كثر وهذا جائز على احد القولين في مذهب الامام احمد واختاره شيخنا وهو الصواب المقطوع به وهو مخرج على نص الامام احمد في جواز إجارة الدار كل شهر بدرهم وقد اجر على كرم الله وجهه في الجنة نفسه كل دلو بتمرة ولا محذور في هذا اصلا ولا يفضى إلى تنازع ولا تشاحن بل عمل الناس في اكثر بياعاتهم عليه ولا يضره جهالة كمية المعقود عليه عند البيع لان الجهالة المانعة من صحة العقد هي التي تؤدي إلى القمار والغرر ولا يدري العاقد على أي شيء يدخل وهذه لا تؤدي إلى شيء من ذلك بل إن أراد قليلا أخذ والبائع راض وإن اراد كثيرا أخذ والبائع راض والشريعة لا تحرم مثل هذا ولا تمنع مه بل هي اسمح من ذلك واحكم.

فان قيل:
لكن في العقد على هذا الوجه محذوران احدهما تضمنه للجمع بين البيع والاجارة والثاني ان مورد عقد الاجارة يذهب عينه أو بعضه بالإشعال.

قيل:
لا محذور في الجمع بين عقدين كل منهما جائز بمفرده كما لو باعه سلعة وأجره داره شهراً بمائة درهم وأما ذهاب أجزاء المستأجر بالانتفاع فإنما لم يجز لانه لم يتعوض عنه المؤجر وعقد الاجارة يقتضي رد العين بعد الانتفاع واما هذا العقد فهو عقد بيع يقتضى ضمان المتلف بثمنه الذي قدر له وأجرة انتفاعه بالعين قبل الاتلاف فالاجرة في مقابلة انتفاعه بها مدة بقائها والثمن في مقابلة ما أذهب منها فدعونا من تقليد آراء الرجال ما الذي حرم هذا واين هو في كتاب الله وسنة رسوله أو اقوال الصحابة أو القياس الصحيح الذي يكون فيه الفرع مساويا للأصل ويكون حكم الاصل ثابتا بالكتاب أو السنة أو الاجماع وليس كلامنا في هذا الكتاب مع المقلد المتعصب المقر على نفسه بما شهد عليه به جميع اهل العلم انه ليس من جملتهم فذاك وما اختار لنفسه وبالله التوفيق.

المثال السادس:
ان تشترط المرأة دارها أو بلدها أو ان لا يتزوج عليها ولا يكون هناك حاكم يصحح هذا الشرط أو تخاف ان يرفعها إلى حاكم يبطله فالحيلة في تصحيحه ان تلزمه عند العقد بإن يقول إن تزوجت عليك امرأة فهى طالق وهذا الشرط يصح وان قلنا لا يصح تعليق الطلاق بالنكاح نص عليه احمد لان هذا الشرط لما وجب الوفاء به من منع التزويج بحيث لو تزوج فلها الخيار بين المقام معه ومفارقته جاز اشتراط طلاق من يتزوجها عليها كما جاز اشتراط عدم نكاحها.

فإن لم تتم لها هذه الحيلة فلتأخذ شرطه انه ان تزوج عليها فأمرها بيدها أو امر الضرة بيدها ويصح تعليق ذلك بالشرط لانه توكيل على الصحيح ويصح تعليق الوكالة على الشرط على الصحيح من قولى العلماء وهو قول الجمهور ومالك وأبي حنيفة واحمد كما يصح تعليق الولاية على الشرط بالسنة الصحيحة الصريحة ولو قيل: لا يصح تعليق الوكالة بالشرط لصح تعليق هذا التوكيل الخاص لانه يتضمن الاسقاط فهو كتعليق الطلاق والعتق بالشرط ولا ينتقض هذا بالبراءة فإنه يصح تعليقها بالشرط وقد فعله الامام احمد واصوله تقتضي صحته وليس عنه نص بالمنع ولو سلم انه تمليك لم يمنع تعليقه بالشرط كا تعلق الوصية واولى بالجواز فإن الوصية تمليك مال وهذا ليس كذلك فإن لم تتم لها هذه الحيلة فليتزوجها على مهر مسمى على انه ان اخرجها من دارها فلها مهر مثلها وهو اضعاف ذلك المسمى ويقر الزوج بأنه مهر مثلها وهذا الشرط صحيح لانها لم ترض بالمسمى إلا بناء على إقرارها في دارها فإذا لم يسلم لها ذلك وقد شرطت في مقابلته زيادة جاز وتكون تلك الزيادة في مقابلة ما فاتها من الغرض الذي إنما ارخصت المهر ليسلم لها فإذا لم يسلم لها انتقلت إلى المهر الزائد وقد صرح اصحاب أبي حنيفة بجواز مثل ذلك مع قولهم لا يصح اشتراط دارها ولا ان لا يتزوج عليها.

وقد أغنى الله عن هذه الحيلة بوجوب الوفاء بهذا الشرط الذي هو احق الشروط ان يوفى به وهو مقتضى الشرع والعقل والقياس الصحيح فان المرأة لم ترض ببذل بضعها للزوج إلا على هذا الشرط ولو لم يجب الوفاء به لم يكن العقد عن تراض وكان إلزاما لها بما لم تلتزمه وبما لم يلزمها الله تعالى ورسوله به فلا نص ولا قياس والله الموفق.

المثال السابع:
إذا خاصمته امرأته وقالت قل كل جارية اشتريها فهى حرة وكل امرأة أتزوجها فهى طالق فالحيلة في خلاصه ان يقول ذلك ويعنى بالجارية السفينة لقوله إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ويمسك بيده حصاة أو خرقه ويقول فهى طالق فيرد الكناية اليها فإن تفقهت عليه الزوجة وقالت قل كل رقيقة أو أمة فليقل ذلك وليعن فهى حرة الخصال غير فاجرة فإنه لو قال: ذلك لم تعتق كما لو قال: له رجل غلامك فاجر زان فقال ما أعرفه إلا حرا عفيفا ولم يرد العتق لم يعتق وإن تفقهت عليه وقالت قل فهى عتيقة فليقل ذلك ولينو ضد الجديدة أي عتيقة في الرق فإن تفقهت وقالت قل فهى معتوقة وقد أعتقتها إن ملكتها فليرد الكناية إلى حصاة في يده أو خرقة فإن لم تدعه ان يمسك شيئا فليردها إلى نفسه ويعنى ان قد أعتقها من النار بالاسلام أو فهى حرة ليست رقيقة لأحد ويجعل الكلام جملتين فإن حصرته وقالت قل فالجارية التي أشتريها معتوقة فليقيد ذلك بزمن معين أو مكان معين في نيته ولا يحنث بغيره فإن حصرته وقالت من غير تورية ولا كناية ولا نية تخالف قولى وهذا آخر التشديد فلا يمنعه ذلك من التورية والكناية وان قال: بلسانه لا أورى ولا أكنى والتورية والكناية في قلبه كما لو قال: لا أستثنى بلسانه ومن نيته الاستثناء ثم استثنى فإنه ينفعه حتى لو لم ينو الاستثناء ثم عزم عليه واستثنى نفعه ذلك بالسنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بوجه في غير حديث كقول الملك لسليمان قل إن شاء الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر بعد ان ذكره به العباس وقوله إن شاء الله بعد ان قال: لأغزون قريشا ثلاث مرات ثم قال: بعد الثالثة وسكوته إن شاء الله والقرآن صريح في نفع الاستثناء إذا نسيه ولم ينوه في أول كلامه ولا أثناءه في قوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيت} وهذا إما ان يختص بالاستثناء إذا نسيه كما فسره به جمهور المفسرين أو يعمه ويعم غيره وهو الصواب فأما ان يخرج منه الاستثناء الذي سيق الكلام لاجله ويرد إلى غيره فلا يجوز ولان الكلام الواحد لا يعتبر في صحته نية كل جملة من جملة وبعض من أبعاضه فالنص والقياس يقتضى نفع الاستثناء وان خطر له بعد انقضاء الكلام وهذا هو الصواب المقطوع به.

المثال الثامن:
لا تصح إجارة الارض المشغولة بالزرع فإن اراد ذلك فله حيلتان جائزتان إحداهما ان يبيعه الزرع ثم يؤجره الارض فتكون الارض مشغولة بملك المستأجر فلا يقدح في صحة الاجارة فان لم يتمكن من هذه الحيلة لكون الزرع لم يشتد أو كان زرعا للغير انتقل إلى الحيلة الثانية وهي ان يؤجره إياها لمدة تكون بعد اخذ الزرع ويصح هذا بناء على صحة الاجارة المضافة.

المثال التاسع:
 لا تصح إجارة الارض على ان يقوم المستأجر بالخراج مع الاجرة أو يكون قيامه به هو أجرتها ذكره القاضي لان الخراج مؤنة تلزم المالك بسبب تمكنه من الانتفاع فلا يجوز نقله إلى المستأجر والحيلة في جوازه ان يسمى مقدار الخراج ويضيفه إلى الاجرة قلت ولا يمنع ان يؤجره الارض بما عليها من الخراج اذا كان مقدارا معلوما لا جهالة فيه فيقول أجرتكها بخراجها تقوم به عنى فلا محذور في ذلك ولا جهالة ولا غرر وأي فرق بين ان يقول آجرتك كل سنة بمائة أو بالمائة التي عليها كل سنة خراجا.

فإن قيل:
 الاجرة تدفع إلى المؤجر والخراج إلى السلطان.

قيل:
بل تدفع الاجرة إلى المؤجر أو إلى من اذن له بالدفع اليه فيصير وكيله في الدفع.

المثال العاشر:
 لا يصح ان يستأجر الدابة بعلفها لانه مجهول والحيلة في جوازه ان يسمى ما يعلم انها تحتاج اليه من العلف فيجعله أجرة ثم يوكله في إنفاق ذلك عليها وهذه الحيلة غير محتاج اليها على أصلنا فإنا نجوز ان يستأجر الظئر بطعامها وكسوتها والاجير بطعامه وكسوته فكذلك إجارة الدابة بعلفها وسقيها.

فإن قيل:
علف الدابة على مالكها فإذا شرطه على المستأجر فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد فأشبه ما لو شرط في عقد النكاح ان تكون نفقة الزوجة على نفسها.

قيل:
هذا من أفسد القياس لان العلف قد جعل في مقابلة الانتفاع فهو نفسه أجرة مغتفرة جهالتها اليسيرة للحاجة بل الحاجة إلى ذلك أعظم من حاجة استئجار الاجير بطعامه وكسوته إذ يمكن الاجير ان يشتري له بالاجرة ذلك فأما الدابة فإن كلف ربها ان يصحبها ليعلفها شق عليه ذلك فتدعو الحاجة إلى قيام المستأجر عليها ولا يظن به تفريطه في علفها لحاجته إلى ظهرها فهو يعلفها لحاجته وان لم يمكنها مخاصمته.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:34 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 9:45 pm

المثال الحادي عشر:
 إذا اراد ان يستأجر دارا أو حانوتا ولا يدري مدة مقامه فإن استأجره سنة فقد يحتاج إلى التحول قبلها فالحيلة ان يستأجر كل شهر بكذا وكذا فتصح الاجارة وتلزم في الشهر الاول وتصير جائزة فيما بعده من الشهور فلكل واحد منهما الفسخ عقيب كل شهر إلى تمام يوم وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي الاجارة فاسدة وعن احمد نحوه والصحيح الاول فإذا خاف المستأجر ان يتحول قبل تمام الشهر الثاني فيلزمه اجرته فالحيلة ان يستأجرها كل اسبوع بكذا فإن خاف التحول قبل الاسبوع استأجرها كل يوم بكذا ويصح ويكون حكم اليوم كحكم الشهر.

المثال الثاني عشر:
لو وكله ان يشترى له جارية معينة فلما رآها الوكيل أعجبته واراد شراءها لنفسه من غير إثم يدخل عليه ولا غدر بالموكل جاز ذلك لان شراءه إياها لنفسه عزل لنفسه وإخراج لها من الوكالة والوكيل يملك عزل نفسه في حضور الموكل وغيبته وإذا عزل نفسه واشترى الجارية لنفسه بماله ملكها وليس في ذلك بيع على بيع اخيه أو شراء على شراء اخيه إلا ان يكون سيدها قد ركن إلى الموكل وعزم على إمضاء البيع له فيكون شراء الوكيل لنفسه حينئذ حراما لأنه شراء على شراء أخيه ولا يقال العقد لم يتم والشراء على شرائه هو ان يطلب من البائع فسخ العقد في مدة الخيار ويعقد معه هو لعدة أوجه أحدها ان هذا حمل للحديث على الصورة النادرة والاكثر خلافها الثاني ان النبي صلى الله عليه وسلم قرن ذلك بخطبته على خطبة اخيه وذلك إنما يكون قبل عقد النكاح الثالث انه نهى ان يسوم على سوم اخيه وذلك أيضا قبل العقد الرابع ان المعنى الذي حرم الشارع لأجله ذلك لا يختص بحالة الخيار بل هو قائم بعد الركون والتراضي وإن لم يعقداه كما هو قائم بعد العقد الخامس ان هذا تخصيص لعموم الحديث بلا موجب فيكون فاسدا فإن شراءه على شراء اخيه متناول لحال الشراء وما بعده والذي غر من خصه بحالة الخيار ظنه ان هذا اللفظ إنما يصدق على من اشترى بعد شراء اخيه وليس كذلك بل اللفظ صادق على القسمين السادس انه لو اختص اللفظ بما بعد الشراء لوجب تعديته بتعدية علته إلى حالة السوم.

أما على اصل أبي حنيفة فلا يتأتى ذلك لان الوكيل لا يملك عزل نفسه في غيبة الموكل فلو اشتراها لنفسه لكان عزلا لنفسه في غيبة موكله وهو لا يملكه.

قالوا:
فالحيلة في شرائها لنفسه ان يشتريها بغير جنس الثمن الذي وكل ان يشتري به وحينئذ فيملكها لأن هذا العقد غير الذي وكل فيه فهو بمنزلة ما لو وكله في شراء شاة فاشترى فرسا فإن العقد يكون للوكيل دون الموكل فإن أراد الموكل الاحتراز من هذه الحيلة وان لا يمكن الوكيل من شرائها لنفسه فليشهد عليه انه متى اشتراها لنفسه فهى حرة فإن وكل الوكيل من يشتريها له انبنى ذلك على أصلين احدهما ان الوكيل هل له ان يوكل ام لا والثاني ان من حلف لا يفعل شيئا فوكل في فعله هل يحنث ام لا وفي الاصلين نزاع معروف.

فإن وكله رجل في بيع جارية ووكله آخر في شرائها وأراد هو شراءها لنفسه فالحكم على ما تقدم غير ان ههنا اصلا آخر وهو ان الوكيل في بيع الشيء هل يملك بيعه لنفسه فيه روايتان عن الامام احمد إحداهما لا يملك ذلك سدا للذريعة لانه لا يستقصى في الثمن والثانية يجوز إذا زاد على ثمنها في النداء لتزول التهمة فعلى هذه الرواية يفعل ذلك من غير حاجة إلى حيلة والثانية لا يجوز فعل هذا وهل يجوز له التحيل على ذلك فقيل له ان يتحيل عليه بأن يدفع إلى غيره دراهم ويقول له اشترها لنفسك ثم يتملكها منه والذي تقتضيه قواعد المذهب ان هذا لا يجوز لانه تحيل على التوصل إلى فعل محرم ولان ذلك ذريعة إلى عدم استقصائه واحتياطه في البيع بل يسامح في ذلك لعلمه انها تصير اليه وانه هو الذي يزن الثمن ولانه يعرض نفسه للتهمة ولان الناس يرون ذلك نوع غدر ومكر فمحاسن الشريعة تأبى الجواز.

فإن قيل:
فلو وكله أحدهما في بيعها والآخر في شرائها ولم يرد ان يشتريها لنفسه فهل يجوز ذلك

قيل:
هذا ينبنى على شراء الوكيل في البيع لنفسه فإن اجزناه هناك جاز ههنا بطريق الاولى وإن منعناه هناك فقال القاضي لا يجوز أيضا ههنا لتضاد الغرضين لان وكيل البيع يستقصى في زيادة الثمن ووكيل الشراء يستقصى في نقصانه فيتضادان ولم يذكر غير ذلك ويتخرج الجواز وإن منعنا الوكيل من الشراء لنفسه من نص احمد على جواز كون الوكيل في النكاح وكيلا من الطرفين وكونه أيضا وليا من الطرفين وانه يلي بذلك على إيجاب العقد وقبوله ولا ريب ان التهمة التي تلحقه في الشراء لنفسه اظهر من التهمة التي تلحقه في الشراء لموكله
والحيلة الصحيحة في ذلك كله ان يبيعها بيعا بتاتا ظاهرا لأجنبي يثق به ثم يشتريها منه شراء مستقلا فهذا لا بأس به والله أعلم.

المثال الثالث عشر:
إذا قال:
الرجل لامرأته الطلاق يلزمني لا تقولين لي شيئا إلا قلت لك مثله فقالت له انت طالق ثلاثا فالحيلة في التخلص من ان يقول لها مثل ذلك ان يقول لها قلت لي انت طالق ثلاثاً.

قال:
اصحاب الشافعي وفي هذه الحيلة نظر لا يخفى لانه لم يقل لها مثل ما قالت له وانما حكى كلامها من غير ان يقول لها نظيره ولو ان رجلا سب رجلا فقال له المسبوب انت قلت لي كذا وكذا لم يكن قد رد عليه عند أحد لا لغة ولا عرفا فهذه الحيلة ليست بشيء.

وقالت طائفة اخرى:
 الحيلة ان يقول لها انت طالق ثلاثا بفتح التاء فلا تطلق وهذا نظير ما قالت له سواء وهذه إن كانت أقرب من الاولى فإن المفهوم المتعارف لغة وعقلا وعرفا من الرد على المرأة ان يخاطبها خطاب المؤنث فإذا خاطبها خطاب المذكر لم يكن ذلك ردا ولا جوابا ولو فرض أنه رد لم يمنع وقوع الطلاق بالمواجهة وإن فتح التاء كأنه قال: ايها الشخص أو الانسان.

وقال طائفة اخرى:
 الحيلة في ذلك ان يقول انت طالق ثلاثا ان شاء الله أو ان كلمت السلطان أو إن سافرت ونحو ذلك فيكون قد قال: لها نظير ما قالت ولا يضره زيادة الشرط وهذه الحيلة اقرب من التي قبلها ولكن في كون المتكلم بها رادا أو مجيبا نظر لا يخفى لان الشرط وان تضمن زيادة في الكلام لكنه يخرجه عن كونه نظيرا لكلامها ومثلا له وهو إنما حلف أن يقول لها مثل ما قالت له والجملة الشرطية ليست مثل الجملة الخبرية بل الشرط يدخل على الكلام التام فيصيره ناقصا يحتاج إلى الجواب ويدخل على الخبر فيقلبه إنشاء ويغير صورة الجملة الخبرية ومعناها ولو قال: رجل لغيره لعنك الله فقال له لعنك الله إن بدلت دينك أو ارتددت عن الاسلام لم يكن سابا له ولو قال: له يا زان فقال بل انت زان إن وطئت فرجا حراما لم يكن الثاني قاذفا له ولو بذلت له مالا على ان يطلقها فقال انت طالق إن كلمت السلطان لم يستحق المال ولم يكن مطلقا.

وقالت طائفة اخرى:
 لا حاجة إلى شيء من ذلك والحالف لم تدخل هذه الصورة في عموم كلامه وان دخلت فهى من المخصوص بالعرف والعادة والعقل فإنه لم يرد هذه الصورة قطعا ولا خطرت بباله ولا تناولها لفظه فإنه انما تناول لفظه القول الذي يصح ان يقال له وقولها انت طالق ثلاثا ليس من القول الذي يصح ان يواجه به فهو لغو محض وباطل وهو بمنزلة قولها انت امرأتي وبمنزلة قول الأمة لسيدها انت امتي وجاريتي ونحو هذا من الكلام اللغو الذي لم يدخل تحت لفظ الحالف ولا إرادته اما عدم دخوله تحت إرادته فلا اشكال فيه واما عدم تناول لفظه له فان اللفظ العام انما يكون عاما فيما يصلح له وفيما سيق لأجله.

وهذا اقوى من جميع ما تقدم وغايته تخصيص العام بالعرف والعادة وهذا اقرب لغة وعرفا وعقلا وشرعا من جعل ما تقدم مطابقا ومماثلا لكلامها مثله فتأمله والله الموفق.

المثال الرابع عشر:
اذا خاف الرجل لضيق الوقت ان يحرم بالحج فيفوته فيلزمه القضاء ودم الفوات فالحيلة ان يحرم إحراما مطلقا ولا يعينه فإن اتسع له الوقت جعله حجا أو قرانا أو تمتعا وإن ضاق عليه الوقت جعله عمرة ولا يلزمه غيرها

المثال الخامس عشر:
ذا جاوز الميقات غير محرم لزمه الاحرام ودم لمجاوزته للميقات غير محرم فالحيلة في سقوط الدم عنه ان لا يحرم من موضعه بل يرجع إلى الميقات فيحرم منه فإن أحرم من موضعه لزمه الدم ولا يسقط برجوعه إلى الميقات.

المثال السادس عشر:
إذا سرق له متاع فقال لامرأته ان لم تخبريني من أخذه فأنت طالق ثلاثا والمرأة لا تعلم من أخذه فالحيلة في التخلص من هذه اليمين ان تذكر الاشخاص التي لا يخرج المأخوذ عنهم ثم تفرد كل واحد واحد وتقول هو اخذه فإنها تكون مخبرة عن الآخذ وعن غيره فيبر في يمينه ولا تطلق.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:35 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 9:47 pm

المثال السابع عشر:
 إذا ادعت المرأة النفقة والكسوة لمدة ماضية فقد اختلف في قبول دعواها فمالك وابو حنيفة لا يقبلان دعواها ثم اختلفا في مأخذ الرد فأبو حنيفة يسقطها بمضي الزمان كما يقوله منازعوه في نفقة القريب ومالك لا يسمع الدعوى التي يكذبها العرف والعادة ولا يحلف عنده فيها ولا يقبل فيها بينة كما لو كان رجل حائزا دارا متصرفا فيها مدة السنين الطويلة بالبناء والهدم والاجارة والعمارة وينسبها إلى نفسه ويضيفها إلى ملكه وانسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة ومع ذلك لا يعارضه فيها ولا يذكر ان له فيها حقا ولا مانع يمنعه من خوف أو شركة في ميراث ونحو ذلك ثم جاء بعد تلك المدة فادعاها لنفسه فدعواه غير مسموعة فضلا عن إقامة بينته قالوا: وكذلك إذا كانت المرأة مع الزوج مدة سنين يشاهده الناس والجيران داخلا بيته بالطعام والفاكهة واللحم والخبز ثم ادعت بعد ذلك انه لم ينفق عليها في هذه المدة فدعواها غير مسموعة فضلا عن ان يحلف لها أو يسمع لها بينة قالوا: وكل دعوى ينفيها العرف وتكذبها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة.

وهذا المذهب هو الذي ندين الله به ولا يليق بهذه الشريعة الكاملة سواه وكيف يليق بالشريعة ان تسمع مثل هذه الدعوى التي قد علم الله وملائكته والناس انها كذب وزور وكيف تدعى المرأة انها اقامت مع الزوج ستين سنة أو اكثر لم ينفق عليها فيها يوما واحدا ولا كساها فيها ثوبا ويقبل قولها عليه ويلزم بذلك كله ويقال الاصل معها وكيف يعتمد على أصل يكذبه العرف والعادة والظاهر الذي بلغ في القوة إلى حد القطع والمسائل التي يقدم فيها الظاهر القوى على الاصل اكثر من ان تحصى ومثل هذا المذهب في القوة مذهب أبي حنيفة وهو سقوطها بمضي الزمان فإن البينة قد قامت بدونها فهى كحق المبيت والوطء.

ولا يعرف احد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع انهم ائمة الناس في الورع والتخلص من الحقوق والمظالم قضى لامرأة بنفقة ماضية أو استحل امرأة منها ولا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك امرأة واحدة منهن ولا قال: لها ما مضى من النفقة حق لك عند الزوج فإن شئت فطالبيه وإن شئت حللتيه وقد كان صلى الله عليه وسلم يتعذر عليه نفقة اهله اياما حتى سألنه إياها ولم يقل لهن هي باقية في ذمتي حتى يوسع الله وأقضيكن ولما وسع الله عليه لم يقض لامرأة منهن ذلك ولا قال: لها هذا عوض عما فاتك من الانفاق ولا سمع الصحابة لهذه المسألة خبرا وقول عمر رضي الله عنه للغياب إما ان تطلقوا وإما ان تبعثوا بنفقة ما مضى في ثبوته نظر فإن قال: ابن المنذر ثبت عن عمر فإن في إسناده ما يمنع ثبوته ولو قدر صحته فهو حجة عليهم ودليل على انهم اذا طلقوا لم يلزمهم بنفقة ما مضى.

فإن قيل:
وحجة عليكم في الزامه لهم بها وانتم لا تقولون بذلك.

قيل:
 بل نقول به وان الازواج اذا امتنعوا من الواجب عليهم مع قدرتهم عليه لم يسقط بالامتناع ولزمهم ذلك وأما المعذور العاجز فلا يحفظ عن احد من الصحابة انه جعل النفقة دينا في ذمته أبدا وهذا التفصيل هو أحسن ما يقال في هذه المسألة.

والمقصود ان على هذين المذهبين لا تسمع هذه الدعوى ويسمعها الشافعي واحمد بناء على قاعدة الدعاوي وان الحق قد ثبت ومستحقه ينكر قبضه يقبل قول الدافع عليه إلا ببينة فعلى قولهما يحتاج الزوج إلى طريق تخلصه من هذه الدعوى ولا ينفعه دعوى النشوز فإن القول فيه قول المرأة ولا يخلصه دعوى عدم التسليم الموجب للانفاق لتمكن المرأة من إقامة البينة عليه فله حيلتان إحداهما أن يقيم البينة على نفقته وكسوته لتلك المدة وللبينة ان تشهد على ذلك بناء على ما علمته وتحققته بالاستفاضة والقرائن المفيدة للقطع فإن الشاهد يشهد بما علمه بأي طريق علمه وليس على الحاكم ان يسأل البينة عن مستند التحمل ولا يجب على الشاهد ان يبين مستنده في الشهادة والحيلة الثانية ان ينكر التمكين الموجب لثبوت المدعى به في ذمته ويكون صادقا في هذا الانكار فإن التمكين الماضي لا يوجب عليه ما ادعت به الزوجة اذا كان قد اداه اليها والتمكين الذي يوجب ما ادعت به لا حقيقة له فهو صادق في إنكاره.

المثال الثامن عشر:
 اذا اشترى ربويا بمثله فتعيب عنده ثم وجد به عيبا فإنه لا يمكنه رده للعيب الحادث ولا يمكنه اخذ الارش لدخول التفاضل فالحيلة في استدراك ظلامته ان يدفع إلى البائع ربويا معيبا بنظير العيب الذي وجده بالمبيع ثم يسترجع منه الذي دفعه اليه فإن استهلكه استرد منه نظيره وهذه الحيلة على اصل الشافعي واما على اصل أبي حنيفة فالحيلة في الاستدراك ان يأخذ عوض العيب من غير جنسه بناء على اصله في تجويز مسألة مد عجوة واما على اصل الإمام احمد فإن كان البائع علم بالبيع فكتمه لم يمنع العيب الحادث عند المشتري رده عليه بل لو تلف جميعه رجع عليه بالثمن عنده وان لم يكن من البائع تدليس فإنه يرد عليه المبيع ومعه أرش العيب الحادث عنده ويسترد العوض وليس في ذلك محذور فإنه يبطل العقد فالزيادة ليست زيادة في عوض فلا يكون ربا.

المثال التاسع عشر:
إذا أبرأ الغريم من دينه في مرض موته ودينه يخرج من الثلث وهو غير وارث فخاف المبرأ ان تقول الورثة لم يخلف مالا سوى الدين ويطالبون بثلثيه فالحيلة ان يخرج المريض إلى الغريم مالا بقدر دينه فيهبه إياه ثم يستوفيه منه من دينه فإن عجز عن ذلك ولم تغب عنه الورثة فالحيلة ان يقر بأنه شريكه بقدر الدين الذي عليه فإن عجز عن ذلك فالحيلة ان يقر بأنه كان قبضه منه أو أبرأه منه في صحته فان خاف ان يتعذر عليه مطالبته به إذا توفى فالحيلة ان يشهد عليه انه ان ادعى عليه أو أي وقت ادعى عليه أو متى ادعى عليه بكذا وكذا فهو صادق في دعواه فان لم يدع عليه بذلك لم يلزمه وليس لوارثه بعده ان يدعى به فإنه انما صدق الموروث ان ادعى ولم تحصل دعواه وانما ينتقل إلى الورثة ما ادعى به الموروث وصدقه المدعى عليه ولم يتحقق ذلك

المثال العشرون:
إذا اراد ان يعتق عبده وخاف ان يجحد الورثة المال ويرقوا ثلثيه فالحيلة ان يبيعه لاجنبي ويقبض ثمنه منه ثم يهب الثمن للمشتري ويسأله إعتاق العبد ولا ينفعه ان يأخذ إقرار الورثه ان العبد يخرج من الثلث لان الثلث انما يعتبر عند الموت لا قبله فان لم يرد تنجيز عتقه واحب تدبيره وخاف عليه من ذلك فالحيلة ان يملكه لرجل يثق به ويعلق المشتري عتقه بموت السيد المملك فلا يجد الورثة اليه سبيلاً.

المثال الحادي والعشرون:
إذا كان لأحد الورثة دين على الموروث واحب ان يوفيه اياه ولا بينة له به فان اقر له به ابطلنا إقراره وان اعطاه عوضه كان تبرعا في الظاهر فلباقي الورثة رده فالحيلة في خلاصه من دينه ان يقبض الوارث ماله عليه في السر ثم يبيعه سلعة أو دارا أو عبدا بذلك الثمن فيسترد منه المال ويدفع اليه تلك السلعة التي هي بقدر دينه

فإن قيل:
وأي حاجة له إلى ذلك اذا امكنه ان يعطيه ماله عليه في السر.

 قيل:
بل في ذلك خلاص الوارث من دعوى بقية الورثة واتهامهم له وشكواهم إياه انه استولى على مال موروثنا أو صار اليه بغير الحق فإذا لم يخرج المال الذي عاينوه عند الموروث عن التركة سلم من تطرق التهمة والاذى والشكوى.

المثال الثاني والعشرون:
 اذا زوج عبده من ابنته صح فإن خاف من انفساخ النكاح بموته حيث تملكه أو بعضه فالحيلة في ابقاء النكاح ان يبيعه من اجنبي ويقبض ثمنه أو يهبه اياه فإن مات بعد ذلك هو أو الاجنبي لم ينفسخ النكاح.

المثال الثالث والعشرون:
 اذا كان موليه سفيها إن زوجه طلق وإن سراه اعتق وإن اهمله فسق فالحيلة ان يشتري جارية من مال نفسه ويزوجه اياها فإن اعتقها لم ينفذ عتقه وان طلقها رجعت إلى سيدها فلا يطالبه بمهرها.

المثال الرابع والعشرون:
 اذا طلب عبده منه ان يزوجه جاريته فحلف بالطلاق الا يزوجه إياها فالحيلة على جواز تزويجه بها ولا يحنث ان يبيعهما جميعا أو يملكهما لمن يثق به ثم يزوجها المشتري فإذا فعل ذلك استردهما ولا يحنث لانه لم يزوج احدهما الآخر وإنما فعل ذلك غيره وقال القاضي ابو يعلى وهذا غير ممتنع على أصلنا لان الصفة قد وجدت في حال وجدت في حال زوال ملكه فلا يتعلق به حنث ولا يتعلق الحنث باستدامة العقد بعد ان ملكهما لان التزويج عبارة عن العقد وقد تقضى وإنما بقى حكمه فلم يحنث باستدامته قال: ويفارق هذا اذا حلف على عبده لا ادخل هذه الدار فباعه ودخلها ثم ملكه ودخلها بعد ذلك فإنه يحنث لان الدخول عبارة عن الكون وذلك موجود بعد الملك كما كان موجودا في الملك الاول قال: وقد علق احمد القول في رواية مهنا في رجل قال: لامرأته انت طالق إن رهنت كذا وكذا فإذا هي قد رهنته قبل اليمين فقال اخاف ان يكون قد حنث قال: وهذا محمول على انه قال: إن كنت رهنتيه فيحنث لانه حلف على ماض.

ولا يخفى ما في هذا الحمل من مخالفة ظاهر كلام السائل وكلام الامام احمد اما كلام السائل فظاهر في انه انما اراد رهنا تنشئه بعد اليمين فإن أداة الشرط تخلص الفعل الماضي للاستقبال فهذا الفعل مستقبل بوضع اللغة والعرف والاستعمال وأما كلام الامام احمد فإنه لو فهم من السائل ما حمله عليه القاضي لجزم بالحنث ولم يقل اخاف فهو انما يطلق هذه اللفظة فيما عنده فيه نوع توقف واستقراء اجوبته يدل على ذلك وانما وجه هذا انه جعل استدامة الرهن رهنا كاستدامة اللبس والركوب والسكنى والجماع والاكل والشرب ونحو ذلك ولما كان لها شبه بهذا وشبه باستدامة النكاح والطيب ونحوهما لم يجزم بالحنث بل قال: أخاف ان يكون قد حنث والله أعلم.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:35 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 9:49 pm

المثال الخامس والعشرون:
 هل تصح الشركة بالعروض والفلوس إن قلنا هي عروض والنقود المغشوشة على قولين هما روايتان عن الامام احمد فإن جوزنا الشركة بها لم يحتج إلى حيلة بل يكون رأس المال قيمتها وقت العقد وان لم نجوز الشركة بها فالحيلة على ان يصيرا شريكين فيها ان يبيع كل واحد منها صاحبه نصف عرضه بنصف عرضه مشاعا فيصير كل منهما شريكا لصاحبه في عرضه ويصير عرض كل واحد منهما بينهما نصفين ثم يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف هذا إذا كان قيمة العرضين سواء فإذا كانا متفاوتين بأن يساوي أحدهما مائة والاخر مائتين فالحيلة ان يبيع صاحب العرض الادنى ثلثي عرضه بثلث عرض صاحبه كما تقدم فيكون العرضان بينهما اثلاثا والربح على قدر الملكين عند الشافعي وعند احمد على ما شرطاه ولا تمتنع هذه الحيلة على أصلنا فإنها لا تبطل حقا ولا تثبت باطلا ولا توقع في محرم.

المثال السادس والعشرون:
اذا كان له عليه الف درهم فأراد ان يصالحه على بعضها فلها ثمان صور فإنه إما يكون مقرا أو منكرا وعلى التقديرين فإما ان تكون حالة أو مؤجلة ثم الحلول والتأجيل إما ان يقع في المصالح عنه أو في المصالح به وانما تتبين احكام هذه المسائل بذكر صورها وأصولها.

الصورة الاولى:
 ان يصالحه عن الف حالة قد اقر بها على خمسمائة حالة فهذا صلح على الاقرار وهو صحيح على احد القولين باطل على القول الاخر فإن الشافعي لا يصحح الصلح إلا على الاقرار والخرقى ومن وافقه من اصحاب الامام احمد لا يصححه إلا على الانكار وابن أبي موسى وغيره يصححونه على الاقرار والانكار وهو ظاهر النص وهو الصحيح فالمبطلون له مع الاقرار يقولون هو هضم للحق لانه إذا اقر له فقد لزمه ما اقر به فإذا بذل له دونه فقد هضمه حقه بخلاف المنكر فإنه يقول إنما افتديت يمينى والدعوى على بما بذلته والآخذ يقول اخذت بعض حقى.

والمصححون له يقولون:
 إنما يمكن الصلح مع الاقرار لثبوت الحق به فتمكن المصالحة على بعضه أما مع الانكار فأي شيء ثبت حتى يصالح عليه فإن قلتم صالحه عن الدعوى واليمين وتوابعهما فإن هذا لا تجوز المعاوضة عليه ولا هو مما يقابل بالاعواض فهذا اصل والصواب جواز الامرين للنص والقياس والمصلحة فإن الله تعالى امرنا بالوفاء بالعقود ومراعاة العهود واخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان المسلمين على شروطهم وأخبر ان الصلح بين المسلمين جائز إلا صلحا احل حراما أو حرم حلالا وقول من منع الصلح على الاقرار انه هضم للحق ليس كذلك وانما الهضم ان يقول لا اقر لك حتى تهب لي كذا وتضع عنى كذا واما اذا اقر له ثم صالحه ببعض ما اقر به فأي هضم هناك وقول من منع الصلح على الانكار انه يتضمن المعاوضة عما لا تصح المعاوضة عليه فجوابه انه افتداء لنفسه من الدعوى واليمين وتكليف اقامة البينة كما تفتدى المرأة نفسها من الزوج بما تبذله له وليس هذا بمخالف لقواعد الشرع بل حكمة الشرع واصوله وقواعده ومصالح المكلفين تقتضي ذلك فهاتان صورتان صلح عن الدين الحال ببعضه حالا مع الاقرار ومع الانكار.

الصورة الثالثة:
 ان يصالح عنه ببعضه مؤجلا مع الاقرار والانكار فهاتان صورتان أيضا فإن كان مع الانكار ثبت التأجيل ولم تكن له المطالبة به قبل الاجل لانه لم يثبت له قبله دين حال فيقال لا يقبل التأجيل وان كان مع الاقرار ففيه ثلاثة اقوال للعلماء وهي في مذهب الامام احمد.

أحدها لا يصح الاسقاط ولا التأجيل بناء على ان الصلح لا يصح مع الاقرار وعلى ان الحال لا يتأجل.

والثاني انه يصح الاسقاط دون التأجيل بناء على صحة الصلح مع الاقرار.

والثالث انه يصح الاسقاط والتأجيل وهو الصواب بناء على تأجيل القرض والعارية وهو مذهب اهل المدينة واختيار شيخنا وإن كان الدين مؤجلا فتارة يصالحه على بعضه مؤجلا مع الاقرار والانكار فحكمه ما تقدم وتارة يصالحه ببعضه حالا مع الاقرار والانكار فهذا للناس فيه ثلاثة اقوال ايضا.

احدها انه لا يصح مطلقا وهو المشهور عن مالك لانه يتضمن بيع المؤجل ببعضه حالا وهو عين الربا وفي الانكار المدعى يقول هذه المائة الحالة عوض عن مائتين مؤجل وذلك لا يجوز وهذا قول ابن عمر.

والقول الثاني انه يجوز وهو قول ابن عباس واحدى الروايتين عن الامام احمد حكاها ابن أبي موسى وغيره واختار شيخنا لان هذا عكس الربا فإن الربا يتضمن الزيادة في احد العوضين في مقابلة الاجل وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الاجل فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الاجل فانتفع به كل واحد منهما ولم يكن هنا ربا لا حقيقة ولا لغة ولا عرفا فإن الربا الزيادة وهي منتفية ههنا والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله إما أن تربي وإما أن تقضي وبين قوله عجل لي وأهب لك مائة فأين احدهما من الاخر فلا نص في تحريم ذلك ولا اجماع ولا قياس صحيح.

والقول الثالث يجوز ذلك في دين الكتابة ولا يجوز في غيره وهو قول الشافعي وابي حنيفة قالوا: لان ذلك يتضمن تعجيل العتق المحبوب إلى الله والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم ولا ربا بين العبد وبين سيده فالمكاتب وكسبه للسيد فكأنه اخذ بعض كسبه وترك له بعضه ثم تناقضوا فقالوا لا يجوز ان يبيعه درهما بدرهمين لانه في المعاملات معه كالاجنبي سواء.

فيالله العجب ما الذي جعله معه كالاجنبي في هذا الباب من ابواب الربا وجعله معه بمنزلة العبد القن في الباب الآخر؟

هذه صورة هذه المسائل واصولها ومذاهب العلماء فيها وقد تبين ان الصواب جوازها كلها فالحيلة على التوصل اليها حيلة على امر جائز ليست على حرام.

فصل: الحيلة على الصلح على الانكار
فالحيلة على الصلح على الانكار عند من يمنعه ان يجيء رجل اجنبي فيقول للمدعى انا اعلم ان ما في يد المدعى عليه لك وهو يعلم انك صادق في دعواك وانا وكيله فصالحني على كذا فينقلب حينئذ صلحا على الانكار ثم ينظر فإن كان فعل ذلك بإذن المدعى عليه رجع بما دفعه إلى المدعى وان كان بغير إذنه لم يرجع عليه وان دفع المدعى عليه المال إلى الاجنبي وقال صالح عنى بذلك جاز أيضا.

فصل: الحيلة على الصلح على الاقرار
والحيلة في جواز الصلح على الاقرار عند من يمنعه ان يبيعه سلعة ويحابيه فيها بالقدر الذي اتفقا على إسقاطه بالصلح.

فصل: الحيلة في الصلح عن الحال ببعضه مؤجلا
والحيلة في الصلح عن الحال ببعضه مؤجلا حتى يلزمه التأجيل ان يبرئه من الحال ويقر انه لا يستحق عليه إلا المؤجل والحيلة في الصلح عن المؤجل ببعضه حالا ان يتفاسخا العقد الاول ثم يجعلانه بذلك القدر الحال فإذا اشترى منه سلعة أو استأجر منه دابة أو خالعته على عوض مؤجل فسخا العقد ثم جعلا عوضه ذلك القدر الحال فإن لم يكن فيه الفسخ كالدية وغيرها فالحيلة في جواز ذلك ان يعاوض على الدين بسلعة أو بشيء غير جنسه وذلك جائز لان غاية ما فيه بيع الدين ممن هو في ذمته فان أتلف له مثليا لزمه مثله دينا عليه فإن صالح عليه بأكثر من جنسه لم يجز لانه ربا وإن كان المتلف متقوما لزمه قيمته فإن صالح عليه بأكثر من قيمته فإن كان من جنسها لم يجز ذلك وان كان من غير جنسها جاز إذ هو بيع للقيمة وهي دين بذلك العوض وهو جائز.

المثال السابع والعشرون:
 إذا وكله في شراء جارية بألف فاشتراها الوكيل وقال أذنت لي في شرائها بألفين وقد فعلت فالقول قول الوكيل ولا يلزمه الالفان ولا يملك الجارية والوكيل مقر انها للموكل فإنه لا يحل له وطؤها والالف الزائدة دين عليه ولا يمكن الوكيل بيعها ولا التصرف فيها لانه معترف انها ملك للموكل وان الالف الاخرى في ذمته والوكيل ضامن لها فالحيلة في ملك الوكيل لها ان يقول له الموكل ان كنت أذنت لك في شرائها بالفين فقد بعتكها بالالفين فيقول قد اشتريتها منك فيملكها حينئذ ويتصرف فيها وهذا قول المزنى واكثر اصحاب الشافعي ولا يضر تعليق البيع بصورة الشرط فإنه لا يملك صحته إلا على هذا الشرط فهو كما لو قال: إن كانت ملكى فقد بعتكها بالفين ولا يلتفت إلى نصف فقيه يقول هذا تعليق للبيع بالشرط فيبطل كما لو قال: إن قدم زيد فقد بعتك كذا بكذا بل هذا نظير قوله إن كنت جائز التصرف فقد بعتك كذا وان اعطيتني ثمن هذا المبيع فقد بعتكه ونحو ذلك.

المثال الثامن والعشرون:
 إذا اودعه وديعة واشهد عليها فتلفت من غير تفريطه لم يضمن فإن ادعى عليه قبض الوديعة فأنكر فأقام البينة عليه ضمن فإن ادعى التلف بعد ذلك لم يقبل منه لانه معترف انه غير امين له وقد قامت البينة على قبضه ماله فيضمنه ولا ينفعه تكذيب البينة فالحيلة في سقوط الضمان ان يقول مالك عندي شيء فإن حلفه حلف حلفا صادقا فإن أقام البينة بالوديعة فليصدق البينة ويقول صدقت فيما شهدت به ويدعى التلف بغير تفريط فإن كذب البينة لزمه الضمان ولا ينفعه دعوى التلف.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:36 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 9:52 pm

المثال التاسع والعشرون:
 إذا رهن عنده رهنا ولم يثق بأمانته وخاف ان يدعى هلاكه ويذهب به فالحيلة في ان يجعله مضمونا عليه ان يعيره إياه أولا فإذا قبضه رهنه منه بعد ذلك فإذا تلف كان في ضمانه لان طريان الرهن على العارية لا يبطل حكمها لان المرتهن يجوز له الانتفاع بها بعد الرهن كما كان ينتفع بها قبله ولو بطل لم يجز له الانتفاع.

المثال الثلاثون:
اختلف الناس في العارية هل توجب الضمان اذا لم يفرط المستعير على أربعة أقوال احدها يوجب الضمان مطلقا وهو قول الشافعي واحمد في المشهور عنه الثاني لا يوجب الضمان ويد المستعير يد امانه وهو قول أبي حنيفة الثالث انه ان كان التلف بأمر ظاهر كالحريق وأخذ السيل وموت الحيوان وخراب الدار لم يضمن وان كان بأمر لا يطلع عليه كدعوى سرقة الجوهرة والمنديل والسكين ونحو ذلك ضمن وهو قول مالك الرابع أنه إن شرط نفى ضمانها لم يضمن وإن أطلق ضمن وهذا إحدى الروايتين عن احمد والقول بعدم الضمان قوى متجه وان كنا لا نقبل قوله في دعوى التلف لانه ليس بأمينه لكن إذا صدقه المالك في التلف بأمر لا ينسب فيه إلى تفريط فعدم التضمين اقوى.

فالحيلة في سقوط الضمان ان يشترط نفيه فإن خاف أن لا يفى له بالشرط فله حيلة أخرى وهي ان يشهد عليه انه متى ادعى عليه بسبب هذه العين ما يوجب الضمان فدعواك باطلة فإن لم تصعد معه هذه الحيلة أو خاف من ورثته بعده الدعوى فله حيلة ثالثة وهي ان يستأجر العين منه بأقل شيء للمدة التي يريد الانتفاع بها أو يستأجرها منه بأجره مثلها ويشهد عليه أنه قبض الاجرة أو ابرأه منها فإن تلفت بعد ذلك لم يضمنها وليست هذه الحيلة مما تحلل حراما أو تحرم حلالا.

المثال الحادي والثلاثون

اختلف الناس في تأجيل القرض والعارية إذا أجلها فقال الشافعي واحمد في ظاهر مذهبه وابو حنيفة لا يتأجل شيء من ذلك بالتأجيل وله المطالبة به متى شاء وقال مالك يتأجل بالتأجيل فإن اطلق ولم يؤجل ضرب له أجل مثله وهذا هو الصحيح لأدلة كثيرة مذكورة في موضعها وعلى هذا القول فالمستقرض والمستعير آمن من غدر المقرض غنى عن الحيلة للزوم الاجل وعلى القول الاول فالحيلة في لزوم التأجيل ان يشهد عليه انه لا يستحق ما عليه من الدين إلى مدة كذا وكذا ولا يستحق المطالبة بتسليم العين إلى مدة كذا وكذا فإن أراد حيلة غير هذه فليستأجر منه العين إلى تلك المدة ثم يبرئه من الاجرة كما تقدم واما القرض فالحيلة في تأجيله ان يشتري من المقرض شيئا ما بمبلغ القرض ثم يكتبه مؤجلا من ثمن مبيع قبضه المشتري فإنه لا يتمكن من المطالبة به قبل الاجل وهذه حيلة على امر جائز لا يبطل بها حق فلا تكره.

المثل الثاني والثلاثون:
 إذا رهنه رهنا بدين وقال إن وفيتك الدين إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك بما عليه صح ذلك وفعله الامام احمد وقال اصحابنا لا يصح وهو المشهور من مذاهب الائمة الثلاثة واحتجوا بقوله لا يغلق الرهن ولا حجة لهم فيه فإن هذا كان موجبه في الجاهلية ان المرتهن يتملك الرهن بغير إذن المالك إذا لم يوفه فهذا هو غلق الرهن الذي ابطله النبي صلى الله عليه وسلم وأما بيعه للمرتهن بما عليه عند الحلول فلم يبطله كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح ولا مفسدة ظاهرة وغاية ما فيه انه بيع علق على شرط ونعم فكان ماذا وقد تدعو الحاجة والمصلحة إلى هذا من المرتهنين ولا يحرم عليهما ما لم يحرمه الله ورسوله ولا ريب ان هذا خير للراهن والمرتهن من تكليفه الرفع إلى الحاكم وإثباته الرهن واستئذانه في بيعه والتعب الطويل الذي لا مصلحة فيه سوى الخسارة والمشقة فإذا اتفقا على أنه له بالدين عند الحلول كان اصلح لهما وأنفع وابعد من الضرر والمشقة والخسارة فالحيلة في جواز ذلك بحيث لا يحتاج إلى حاكم ان يملكه العين التي يريد ان يرهنها منه ثم يشتريها منه بالمبلغ الذي يريد استدانته ثم يقول إن وفيتك الثمن إلى كذا وكذا وإلا فلا بيع بيننا فإن وفاه وإلا انفسخ البيع وعادت السلعة إلى ملكه وهذه حيلة حسنة مخلصة لغرضها من غير مفسدة ولا تضمن لتحريم ما احل الله ولا لتحليل ما حرم الله.

المثال الثالث والثلاثون:
 إذا كان عليه دين مؤجل فادعى به صاحبه وأقر به فالصحيح المقطوع به انه لا يؤاخذ به قبل أجله لانه انما اقر به على هذه الصفة فالزامه به على غير ما اقر به الزام بما لم يقر به وقال بعض اصحاب احمد والشافعي يكون مقرا بالحق مدعيا لتأجيله فيؤاخذ بما أقر به ولا تسمع منه دعواه الاجل الا ببينة وهذا في غاية الضعف فإنه إنما أقر به إقرارا مقيدا لا مطلقا فلا يجوز ان يلغى التقيد ويحكم عليه بحكم الاقرار المطلق كما لو قال: له على الف إلا خمسين أو له على الف من ثمن مبيع لم اقبضه أو له على الف من نقد كذا وكذا أو معاملة كذا وكذا فيلزمهم في هذا ونحوه ان يبطلوا هذه التقييدات كلها ويلزموه بالف كاملة من النقد الغالب ولا يقبل قوله إنها من ثمن مبيع لم أقبضه ومما يبين بطلان هذا القول ان إقرار المرء على نفسه شهادة منه على نفسه كما قال: تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ولو شهد عليه شاهدان بالف مؤجلة لم يحكم عليها بها قبل الاجل اتفاقا فهكذا اذا اقر بها مؤجلة فالحيلة في خلاصه من الالزام بهذا القول الباطل ان يقول لا يلزمني توفية ما تدعي على أداءه إليك إلى مدة كذا وكذا ولا يزيد على هذا فإن الح عليه وقال لي عليك كذا ام ليس لي عليك شيء ولابد من ان يجيب بأحد الجوابين فالحيلة في خلاصه ان يقول إن ادعيتها مؤجلة فأنا مقر بها وان ادعيتها حالة فأنا منكر وكذلك لو كان قد قضاه الدين وخاف ان يقول كان له على وقضيته فيجعله الحاكم مقرا بالحق مدعيا لقضائه فالحيلة ان يقول ليس له على شيء ولا يلزمني اداء ما يدعيه فان الح عليه لم يكن له جواب غير هذا على ان القول الصحيح انه لا يكون مقرا بالحق مدعيا لقضائه بل منكرا الآن لثبوته في ذمته فكيف يلزم به؟

فإن قيل:
لم يقر بثبوت سابق وادعى قضاء طارئا عليه.

قيل:
لم يقر بثبوت مطلق بل بثبوت مقيد بقيد وهو الزمن الماضي ولم يقر بأنه ثابث الآن في ذمته فلا يجوز إلزامه به الآن استنادا إلى إقراره به في الزمن الماضي لانه غير منكر ثبوته في الماضي وإنما هو منكر لثبوته الآن فكيف يجعل مقرا بما هو منكر له وقياسهم هذا الاقرار على قوله له على الف لا يلزمني أو لا يثبت في ذمتي قياس باطل فإنه كلام متناقض لا يعقل وأما هذا فكلام معقول وصدقة فيه ممكن ولم يقر بشغل ذمته الآن بالمدعى به فلا يجوز شغل ذمته به بناء على إقراره بشغلها في الماضي وما نظير هذا إلا قول الزوج كنت طلقت امرأتي وراجعتها فهل يجعل بهذا الكلام مطلقا الآن وقول القائل كنت فيما مضى كافرا ثم أسلمت فهل يجعل بهذا الكلام كافرا الآن وقول القائل كنت عبدا فأعتقنى مولاى هل يجعل بهذا الكلام رقيقا فإن طردوا الحكم في هذا كله وطلقوا الزوج وكفروا المعترف بنعمة الله عليه وانه كان كافرا فهداه الله وامروه ان يجدد اسلامه وجعلوا هذا قنا قيل: لهم فاطردوا ذلك فيمن قال: كانت هذه الدار أو هذا البستان أو هذه الارض أو هذه الدابة لفلان ثم اشتريتها منه فأخرجوها من ملكه بهذا الكلام وقولوا قد أقر بها فلان ثم ادعى اشتراءها فيقبل إقراره ولا تقبل دعواه فمن جرت هذه الكلمة على لسانه وقال الواقع فأخرجوا ملكه من يده وكذلك إذا قالت المرأة كنت مزوجة بفلان ثم طلقني اجعلوها بمجرد هذا الكلام زوجته والكلام بآخره فلا يجوز ان يؤخذ منه بعضه ويلغى بعضه ويقال قد لزمك حكم ذلك البعض وليس علينا من بقية كلامك فإن هذا يرفع حكم الاستثناء والتقيدات جميعها وهذا لا يخفي فساده ثم ان هذا على اصل من لا يقبل الجواب الا على وفق الدعوى يحول بين الرجل وبين التخلص من ظلم المدعي ويلجئه إلى ان يقر له بما يتوصل به إلى الاضرار به وظلمه أو إلى ان يكذب بيانه انه اذا استدان منه ووفاه فإن قال: ليس له على شيء لم يقبلوا منه لانه لم يجب على نفي الدعوى وان قال: كنت استدنت منه ووفيته لم تسمعوا منه آخر كلامه وسمعتم منه اوله وان قال: لم استدن منه وكان كاذبا فقد الجأتموه إلى ان يظلم أو يكذب ولا بد فالحيلة لمن بلى بهذا القول ان يستعمل التورية ويحلف ما استدان منه وينوي ان تكون ما موصولة فإذا قال: والله اني ما استدنت منه أي اني الذي استدنت منه وينفعه تأويله بالاتفاق اذا كان مظلوما كما لا ينفعه اذا كان ظالما بالاتفاق.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:36 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 9:54 pm

المثال الرابع والثلاثون:
 اذا كان عليه دين فأعسر به فأدعى عليه به فإن انكره كان كاذبا وان اقر له به الزمه اياه وان جحده اقام به البينة فإن ادعى الاعسار بعد ذلك فإن المدعي قد ظهر للحاكم كذبه في جحده الحق فهكذا هو كاذب في دعوى الاعسار فالحيلة في تخليصه ان يقول لا يلزمني توفية ما يدعيه على ولا اداؤه فإن طالبه الحاكم بجواب يطابق السؤال فله ان يوري كما تقدم ويحلف على ذلك فإن خشى من اقامة البينة فهنا تعز عليه الحيلة ولم يبق له الا تحليف المدعي انه لا يعلم عجزه عن الوفاء أو عن اقامة البينة بإنه عاجز عن الوفاء فإن حلف المدعي ولم تقم له بينة بالعجز لم يبق له حيلة غير الصبر.

المثال الخامس والثلاثون:
 إذا تداعيا عينا هي في يد أحدهما فهي لصاحب اليد فإن اقام الآخر بينة حكم له ببينته فإن اقام كل واحد منهما بينة فقال الشافعي بينة صاحب اليد اولى لان البينتين قد تعارضتا وسلمت اليد عن معارض وقال الامام احمد في ظاهر مذهبه بينة الخارج اولى لان معها زيادة علم خفيت على بينة صاحب اليد فإنها تستند إلى ظاهر اليد وبينة الخارج تستند أيضا إلى سبب خفي على بينة الداخل فتكون اولى فالحيلة في تقديم بينة الخارج عند من يقدم بينة الداخل ان يدعى الخارج انه في يد الداخل غصبا أو عارية أو وديعة أو ببيع فاسد ثم تشهد البينة على وفق ما ادعاه فحينئذ تقدم بينة الخارج على الصحيح عندهم.

المثال السادس والثلاثون:
 الحيلة المخلصة من لدغ العقارب وذلك اذا اشتري الماكر المخادع من رجل دار أو بستانا أو سلعة واشهد عليه بالبيع ثم مضي إلى البيت أو الحانوت ليأتيه بالثمن فأقر بجميع ما في يده لولده أو لامرأته فلا يصل البائع إلى اخذ الثمن فالحيلة له ان يبيعه بحضرة الحاكم أو يمضي بعد البيع معه اليه ليثبت له التبايع ثم يسأله قبل مفارقته ان يحجر على المشتري في ماله ويقفه حتى يسلم اليه الثمن لئلا يتلف ماله أو يتبرع به فيتعذر عليه الوصول إلى حقه ويلزم الحاكم اجابته اذا خشى ذلك من المشتري لان فيه اعانة لصاحب الحق على التوصل إلى حقه فإن تعذرت عليه هذه الحيلة ولدغته العقرب وادعى الاعسار عند الجمهور سأل الحاكم الحجر عليه فإن فعل ذلك رجع عليه في عين ماله فإن كانت العقرب داهية بأن غير العين المبيعة أو ملكها لولده أو زوجته أو كان الحاكم لا يرى رجوع البائع في عين المبيع اذا افلس المشتري فالحيلة ان يتوصل إلى ابطال العقد بإقرار سابق على المبيع ان المبيع لولده أو لزوجته أو يرهنه أو يبيعه لمن يثق به ويقدم تاريخ ذلك على بيع العقرب وله ان يتوصل بهذه الحيلة وان كانت مكرا أو خداعا فإن المكر والخداع حسن اذا كان على وجه المقابلة لا على وجه الظلم كما قال: تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} وقال: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} وقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} واخبر تعالى انه كاد ليوسف في مقابلة كيد إخوته وقد تقدم ذلك.

المثال السابع والثلاثون:
 اذا تحيل المكار المخادع على سقوط نفقة القريب بالمماطلة وقال انها تسقط بمضى الزمان فلا يبقى دينا على فتركها آمنا من الزامه بها لما مضى فالحيلة للمنفق عليه ان يرفعه إلى الحاكم ليفرضها عليه ثم يستأذنه في الاستدانة عليه بقدرها فإذا فعل الزمه الحاكم بقضاء ما استدانه المنفق عليه فإن فرضها عليه ولم يستأذنه في الاستدانة ومضى الزمان فهل تستقر عليه بذلك فيه وجهان لاصحاب الشافعي والاكثرون منهم صرحوا بسقوطها مطلقا فرضت أو لم تفرض ومنهم من قال: ان فرضت لم تسقط فإن لم يمكنه الرفع إلى الحاكم فليقل له اشفع لى إلى فلان لينفق على أو يعطيني ما احتاج اليه فإذا فعل فقد لزم الشافع لان ذلك حق اداه إلى المشفوع عنده عن الشفيع بإذنه فإن انفق عليه الغير بغير اذنه ناويا للرجوع فله الرجوع في اصح المذهبين وهو مذهب مالك واحمد في احدى الروايتين وهكذا كل من ادى عن غيره واجبا بغير اذنه بشرط ان يكون واجبا على المنصوص من مذهب مالك واحمد فإن احمد نص في رواية الجوزجاني على رجوع من عمر قناة غيره بغير اذنه وهو مذهب مالك ولو ان القريب استدان وانفق على نفسه ثم احال بالدين على من تلزمه نفقته لزمه ان يقوم له به لانه احال على من له عليه حق ولا يقال قد سقطت بمضى الزمان فلم تصادف الحوالة محلا لانها انما تسقط بمضى الزمان اذا لم يكن المنفق عليه قد استدان على المنفق بل تبرع له غيره أو تكلف أو صبر فإما اذا استدان عليه بقدر نفقته الواجبة عليه فهنا لا وجه لسقوطها وان كان الاصحاب وغيرهم قد اطلقوا السقوط فتعليلهم يدل على ما قلناه فتأمله.

المثال الثامن والثلاثون:
 اذا استنبط في ملكه أو ارض استأجرها عين ماء ملكه ولم يملك بيعه لمن يسوقه إلى ارضه أو يسقي به بهائمه بل يكون اولى به من كل احد وما فضل منه لزمه بذله لبهائم غيره وزرعه فالحيلة على جواز المعاوضة ان يبيعه نصف العين أو ثلثها أو يؤجره ذلك فيكون الماء بينه وبينه على حسب ذلك ويدخل الماء تبعا لملك العين أو منفعتها ولا تدخل هذه الحيلة تحت النهى عن بيع الماء فإنه لم يبعه وانما باع العين ودخل الماء تبعا والشيء قد يستتبع مالا يجوز ان يفرد وحده.

المثال التاسع والثلاثون:
 اذا باع عبده من رجل وله غرض ان لايكون الا عنده أو عند بائعه فالحيلة في ذلك ان يشهد عليه انه ان باعه فهو احق به بالثمن وهذا يجوز على نص احمد وهو قول عبد الله بن مسعود ولا محذور في ذلك وقول المانعين انه يخالف مقتضى العقد فنعم يخالف مقتضى العقد المطلق وجميع الشروط اللازمة تخالف مقتضى العقد المطلق ولا تخالف مقتضى العقد المقيد بل هي مقتضاه فإن لم تسعد معه هذه الحيلة فله حيلة اخرى وهي ان يقول له في مدة الخيار اما ان تقول متى بعته فهو حر والا فسخت البيع فإذا قال: ذلك فمتى باعه عتق عليه بمجرد الايجاب قبل قبول المشتري على ظاهر المذهب فإن الذي علق عليه العتق هو الذي يملكه البائع وهو الايجاب وذلك بيع حقيقة ولهذا يقال بعته العبد فاشتراه فكما ان الشراء هو قبول المشتري فكذلك البيع هو ايجاب البائع ولهذا يقال البائع والمشتري قال الشاعر:
وإذا تباع كريمة أو تشترى… فسواك بائعها وانت المشتري

هذا منصوص احمد فإن لم تسعد معه هذه الحيلة فليقل له في مدة الخيار إما ان تقول متى بعتك فأنت حر قبله بساعة واما ان افسخ فمتى قال: ذلك لم يمكنه بيعه ألبتة.

المثال الاربعون:
 إذا كان للموكل عند وكيله شهادة تتعلق بما هو وكيله فيه لم تقبل فإن اراد قبولها فليعزله أو ليعزل نفسه قبل الخصومة ثم يقيم الشهادة فإذا تمت عاد توكله به وليس في هذه الحيلة محذور فلا تكون محرمة.

المثال الحادي والاربعون:
 اذا توضأ ولبس إحدى خفيه قبل غسل رجله الاخرى ثم غسل رجله الاخرى وادخلها في الخف جاز له المسح على أصح القولين وفيه قول آخر انه لا يجوز لانه لم يلبس الاولى على طهارة كاملة فالحيلة في جواز المسح ان ينزع خف الرجل الاولى ثم يلبسه وهذا نوع عبث لاغرض للشارع فيه ولا مصلحة للمكلف فالشرع لا يأمره به.

المثال الثاني والاربعون:
 إذا استحلف على شيء فاحب ان يحلف ولا يحنث فالحيلة ان يحرك لسانه بقول إن شاء الله وهل يشترط ان يسمعها نفسه فقيل لا بد ان يسمع نفسه وقال شيخنا هذا لا دليل عليه بل متى حرك لسانه بذلك كان متكلما وان لم يسمع نفسه وهكذا حكم الاقوال الواجبة والقراءة الواجبة قلت وكان بعض السلف يطبق شفتيه ويحرك لسانه بلا إله إلا الله ذاكرا وإن لم يسمع نفسه فإنه لاحظ للشفتين في حروف هذه الكلمة بل كلها حلقية لسانية فيمكن الذاكر ان يحرك لسانه بها ولا يسمع نفسه ولا أحدا من الناس ولا تراه العين يتكلم وهكذا التكلم بقول إن شاء الله يمكن مع إطباق الفم فلا يسمعه احد ولا يراه وإن اطبق اسنانه وفتح شفتيه أدنى شيء سمعته أذناه بجملته.


المثال الثالث والاربعون:
 إذا لا عن امرأته وانتفى من ولدها ثم قتل الولد لزمه القصاص وكذلك إن قتلها فلولدها القصاص إذا بلغ فان اراد إسقاط القصاص عن نفسه فالحيلة ان يكذب نفسه ويقر بأنه ابنه فيسقط القصاص في الموضعين وفي جواز هذه الحيلة نظر.

المثال الرابع والاربعون:
 إذا كان له عليه حق وقد أبراه ولا بينة له بالابراء ثم عاد فادعاه فإن قال: قد أبراني منه لم يكن مقرا به كما لو قال: كان له على وقضيته وعلى القول الآخر يكون مقرا به مدعيا للابراء فيكلف البينة فالحيلة على التخلص ان يقول قد أبرأتني من هذه الدعوى فإذا قال: ذلك لم يكن مقرا بالمدعى به فإذا سأل إحلاف خصمه انه لم يبرئه من الدعوى ملك ذلك فإن لم يحلف صرفهما الحاكم وإن حلف طولب بالجواب ولا يسمع منه بعد ذلك انه ابرأه من الدعوى فإن قال: أبرأتني من الحق ففيه الخلاف المذكور وإن قال: لا شيء عندي اكتفى منه بهذا الجواب عند الجمهور فإن طالبه الحاكم بالجواب على وفق الدعوى فالحيلة ان يجيب ويورى كما تقدم.

المثال الخامس والاربعون:
 إذا خاف المضارب ان يسترجع رب المال منه المال فقال قد ربحت الفا لم يكن له الاسترجاع لانه قد صار شريكا فإن قال: ذلك حيلة ولم يربح فقال بعد ذلك كذبت لم يسمع منه فالحيلة في تخلصه ان يدعى خسارتها بعد ذلك أو تلفها فيقبل قوله مع يمينه.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:37 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 9:58 pm

المثال السادس والاربعون:
 إذا وقف وقفا وجعل النظر فيه لنفسه مدة حياته ثم من بعده لغيره صح ذلك عند الجمهور وهو اتفاق من الصحابة فإن عمر رضى الله عنه كان يلى صدقته وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم لما أشار على عمر بوقف أرضه لم يقل له لا يصح ذلك حتى تخرجها عن يدك ولا تلى نظرها واي غرض للشارع في ذلك واي مصلحة للواقف أو الموقوف عليه بل المصلحة خلاف ذلك لانه اخبر بماله واقوم بعمارته ومصالحه وحفظه من الغريب الذي ليست خبرته وشفقته كخبرة صاحبه وشفقته ويكفى في صحة الوقف إخراجه عن ملكه وثبوت نظره ويده عليه كثبوت نظر الاجنبي ويده ولا سيما ان كان متبرعا فأي مصلحة في ان يقال له لا يصح وقفك حتى تجعله في يد من لست على ثقة من حفظه والقيام بمصالحه وإخراج نظرك عنه.

فان قيل:
اخراجه لله يقتضى رفع يده عنه بالكلية كالعتق.

قيل:
 بالعتق خرج العبد عن ان يكون مالا وصار محررا محضا فلا تثبت عليه يد أحد وأما الوقف فإنه لابد من ثبوت اليد عليه لحفظه والقيام بمصالحه واحق ما يثبت عليه يد اشفق الناس عليه واقومهم بمصالحه وثبوت يده ونظره لا ينافى وقفه لله فإنه وقفه لله وجعل نظره عليه ويده لله فكلاهما قربة وطاعة فكيف يحرم ثواب هذه القربة ويقال له لا يصح لك قربة الوقف إلا بحرمان قربة النظر والقيام بمصالح الوقف فأي نص واي قياس واي مصلحة واي غرض للشارع اوجب ذلك بل أي صاحب قال: ذلك فإن احتاج الواقف إلى ذلك في موضع لا يحكم فيه الا بقول من يبطل الوقف اذا لم يخرجه عن يده واذا شرط النظر بنفسه فالحيلة في ذلك ان يفوض النظر إلى من يثق به ويجعل اليه تفويض النظر لمن شاء فيقبل الناظر ذلك ويصح الوقف ويلزم ثم يفوضه الناظر اليه فإنه قد صار اجنبيا بمنزلة سائر الناس فهذه حيلة صحيحة يتوصل بها إلى حق فهي جائزة وكذلك لو جعل النظر فيه للحاكم ثم فوضه الحاكم اليه فإن خاف ان لا يفوضه الحاكم اليه فليملكه لمن يثق به ويقفه ذلك على ما يريد المملك ويشترط ان يكون نظره له وان يكون تحت يده.

المثال السابع والاربعون:
 اذا وقف على نفسه ثم على غيره صح في احدى الروايتين عن الامام احمد وهو قول أبي يوسف وعليه عمل الحنفية وقول بعض الشافعية وممن اختاره ابو عبد الله الزبيري وعند الفقهاء الثلاثة لا يصح.

والمانعون من صحته قالوا:

يمتنع كون الانسان معطيا من نفسه لنفسه ولهذا لا يصح ان يبيع نفسه ولا يهب نفسه ولا يؤجر ماله من نفسه فكذا لا يصح وقفه على نفسه.

قال المجوزون:

الوقف شبيه العتق والتحرير من حيث انه يمتنع نقل الملك في رقبته ولهذا لا يفتقر إلى قبول اذا كان على غير معين اتفاقا ولا اذا كان على معين على احد القولين واشبه شيء به ام الولد واذا كان مثل التحرير لم يكن الواقف مملكا لنفسه بل يكون مخرجا للملك عن نفسه ومانعا لها من التصرف في رقبته مع انتفاعه بالعين كأم الولد وهذا اذا قلنا بانتقال رقبة الوقف إلى الله تعالى ظاهر فإن الواقف اخرج رقبة الوقف لله وجعل نفسه احد المستحقين للمنفعة مدة حياته فإن لم يكن اولى من البطون المرتبة فلا يكون دون بعضهم فهذا محض القياس وان قلنا الوقف ينتقل إلى الموقوف عليهم بطنا بعد بطن يتلقونه من الواقف فالطبقة الاولى احد الموقوف عليهم ومعلوم ان احد الشريكين اذا اشترى لنفسه أو باع من الشركة جاز على المختار لاختلاف حكم الملكين فلأن يجوز ان ينقل ملكه المختص إلى طبقات موقوف عليها هو احدها اولى لانه في كلا الموضعين نقل ملكه المختص إلى ملك مشترك له فيه نصيب بل في الشركة الملك الثاني من جنس الاول يملك به التصرف في الرقبة وفي الوقف ليس من جنسه فيكون اولى بالجواز.

يؤيده انه لو وقف على جهة عامة جاز ان يكون كواحد من تلك الجهة كما وقف عثمان بئر رومة وجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين وكما يصلي المرء في المسجد الذي وقفه ويشرب من السقاية التي وقفها ويدفن في المقبرة التي سبلها أو يمر في الطريق التي فتحها وينتفع بالكتاب الذي وقفه ويجلس على البساط والحصير اللذين وقفهما وامثال ذلك فإذا جاز للواقف ان يكون موقوفا عليه في الجهة العامة جاز مثله في الجهة الخاصة لا تفاقهما في المعنى بل الجواز هنا اولى من حيث انه موقوف عليه بالتعيين وهناك دخل في الوقف بشمول له الاسم.

وتقليد هذا القول خير من الحيلة الباردة التي يملك الرجل فيها ماله لمن لا تطيب له نفسه ان يعطيه درهما ثم يقفه ذلك المملك على المملك فإن هذه الحيلة تضمنت امرين احدهما لا حقيقة له وهو انتقال الملك إلى الملك والثاني اشتراطه عليه ان يقف على هذا الوجه أو اذنه له فيه وهذا في المعنى توكيل له في الوقف كما ان اشتراطه حجر عليه في التصرف بغير الوقف فصار وجود هذا التمليك وعدمه سواء لم يملكه المملك ولا يمكنه وجود التصرف فيه ولو مات قبل وقفه لم يحل لورثته اخذه ولو انه اخذه ولم يقفه على صاحبه ولم يرده اليه عد ظالما غاصبا ولو تصرف فيه صاحبه بعد هذا التمليك لكان تصرفه فيه نافذا كنفوذه قبله هذا فيما بينه وبين الله تعالى وكذلك في الحكم ان قامت بينة بأنهما تواطئا على ذلك وانه انما وهبه اياه بشرط ان يقفه عليه أو اقر له بذلك.

فإن قيل:
 فهل عندكم احسن من هذه الحيلة؟

قيل:
نعم ان يقفه على الجهات التي يريد ويستثنى غلته ومنفعته لنفسه مدة حياته أو مدة معلومة وهذا جائز بالسنة الصحيحة والقياس الصحيح وهو مذهب فقهاء اهل الحديث فإنهم يجوزون ان يبيع الرجل الشيء أو يهبه أو يعتق العبد ويستثنى بعض منفعة ذلك مدة ويجوزون ان يقف الشيء على غيره ويستثنى بعض منفعته مدة معلومة أو إلى حين موته ويستدلون بحديث جابر وبحديث عتق ام سلمة سفينة وبحديث عتق صفية وبآثار صحاح كثيرة عن الصحابة لم يعلم فيهم من خالفها ولهذا القول قوة القياس.

فإن قيل:
فلو عدل إلى الحيلة الاولى فما حكمها في نفس الامر وما حكم الموقوف عليه اذا علم بالحال هل يطيب له تناول الوقف ام لا؟

قيل:
لا يمنع ذلك صحة الوقف ونفوذه ويطيب للموقوف عليه تناول الوقف فإن المقصود صحيح شرعي وان كانت الطريق اليه غير مشروعة وهذا كما اذا اعتق العبد أو طلق المرأة وجحد ذلك فأقام العبد أو المرأة شاهدين لم يعلما ذلك فشهدا به وسع العبد ان يتصرف لنفسه والمرأة ان تتزوج وفقه المسألة ان هذا الاذن والتوكيل في الوقف وان حصل في ضمن عقد فاسد فإنه لا يفسد بفساد العقد كما لو فسدت الشركة أو المضاربة لم يفسد تصرف الشريك والعامل لما تضمنه العقد الفاسد من الاذن بل هذا اولى من وجهين احدهما ان الاتفاق يلزمهما قبل التمليك اذن صحيح ووكالة صحيحة في الباطن لم يرد بعدها ما ينافيها وايضا فإنما بطل عقد الهبة لكونه شرط على الموهوب له ان لا يتصرف فيه الا بالوقف على الواهب ومعلوم ان التصرف في العين لا يتوقف على الملك بل يصح بالوكالة وبطريق الولاية فلا يلزم من ابطال الملك بطلان الاذن الذي تضمنه الشرط لان الاذن مستند غير الملك.

فإن قيل:
فإذا بطل الملك ينبغي ان يبطل التصرف الذي هو من توابعه.

قيل:
لا يلزم ذلك لان التصرف في مثل هذه الصورة ليس من توابع الملك الحقيقي وانما هو من توابع الاذن والتوكيل يوضحه ان هذه الحيل التي لا حقيقة لها يجب ان تسلب الاسماء التي اعيرتها وتعطى الاسماء الحقيقية كما سلب منها ما يسمى بيعا ونكاحا وهدية هذه الاسماء واعطى اسم الربا والسفاح والرشوة فكذلك هذه الهبة تسلب اسم الهبة وتسمى اذنا وتوكيلا ولا سيما فإن صحة الوكالة لا يتوقف على لفظ مخصوص بل تصح بكل لفظ يدل على الوكالة فهذه الحيلة في الحقيقة توكيل للغير في ان يقف علىالموكل فمن اعتقد صحة وقف الانسان على نفسه اعتقد جواز هذا الوقف ومن اعتقد بطلانه وبطلان الحيل المفضية إلى الباطل فأنه عنده يكون منقطع الابتداء وفيه من الخلاف ما هو مشهور فمن ابطله راى ان الطبقة الثانية ومن بعدها تبع للأولى فإذا لم يصح في المتبوع ففي التابع اولى ان لا يصح ولأن الواقف لم يرض به اذ لابد في صحة التصرف من رضا فلا يجوز ان يلزم بما لم يرض به اذ لابد في صحة التصرف من رضا المتصرف وموافقة الشرع فعلى هذا هو باق على ملك الواقف فإذا مات فهل يصح الوقف حينئذ يحتمل وجهين ويكون مأخذهما ذلك كما لو قال: هو وقف بعد موتي فيصح أو انه وقف معلق على شرط وفيه وجهان.

فإن قيل:
بصحته كان من الثلث وفي الزائد يقف على اجازة الورثة وان قيل: ببطلانه كان ميراثا ومن رأى صحته.

قال:
قد امكن تصحيح تصرف العاقل الرشيد بأن يصحح الوقف ويصرفه في الحال إلى جهته التي يصح الوقف عليها وتلغي الجهة التي لا تصح فتجعل كالمعدومة وقيل على هذا القول بل تصرف مصرف الوقف المنقطع فإذا مات الواقف صرف مصرف الجهة الصحيحة.

فإن قيل:
فما تقولون لو سلك حيلة غير هذا كله واسهل منه واقرب وهي ان يقرأن ما في يده من العقار وقف عليه انتقل اليه من جائز الملك جائز الوقف ثم بعده على كذا وكذا فما حكم هذه الحيلة في الباطن وحكم من علم بها من الموقوف عليهم.

قيل:
هذه الحيلة إنما قصد المتكلم بها إنشاء الوقف وان أظهر انه قصد بها الاخبار فهى انشاء في الباطن اخبار في الظاهر فهى كمن اقر بطلاق أو عتاق ينوى به الانشاء والوقف ينعقد بالصريح والكناية مع النية وبالفعل مع النية عند الاكثرين واذا كان مقصوده الوقف على نفسه وتكلم بقوله هذا وقف على وميزه بفعله عن ملكه صار وقفا فإن الاقرار يصح ان يكون كناية عن الانشاء مع النية فإذا قصده به صح كما ان لفظ الانشاء يجوز ان يقصد به الاخبار وإذا اراد به الاخبار دين فكل من الامرين صالح لاستعماله في الاخر فقد يقصد بالاقرار الاخبار عما مضى وقد يقصد به الانشاء وانما ذكر بصيغة الاخبار لغرض من الاغراض.

يوضح ذلك ان صيغ العقود قد قيل:
هي انشاءات وقيل إخبارات والتحقيق انها متضمنه للأمرين فهى إخبار عن المعاني التي في القلب وقصد تلك المعاني انشاء فاللفظ خبر والمعنى إنشاء فإذا أخبر ان هذا وقف عليه وهو يعلم ان غيره لم يقفه عليه وانما مقصوده ان يصير وقفا بهذا الاخبار فقد اجتمع لفظ الاخبار وإرادة الانشاء فلو كان اخبر عن هذه الارداة لم يكن هناك ريب انه أنشأ الوقف لكن لما كان لفظه إخبارا عن غير ما عناه والذي عناه لم ينشيء له لفظا صارت المسألة ونشأت الشبهة ولكن هذه النية مع هذا اللفظ الصالح للكناية مع الفعل الدال على الوقف يقوم مقام التكلم باللفظ الذي ينشأ به الوقف والله أعلم.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:38 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 10:02 pm

المثال الثامن والاربعون:
 لو باع غيره دارا أو عبدا أو سلعة واستثنى منفعة المبيع مدة معلومة جاز كما دلت عليه النصوص والاثار والمصلحة والقياس الصحيح فإن خاف ان يرفعه إلى حاكم يرى بطلان هذا الشرط فيبطله عليه فالحيلة في تخليصه من ذلك ان يواطئه قبل البيع على ان يؤجره إياه تلك المدة بمبلغ معين ويقر بقبض الاجرة ثم يبيعه إياه ثم يستأجره كما اتفقا عليه ويقر له بقبض الاجرة وهذه حيلة صحيحة جائزة لا تتضمن تحليل حرام ولا تحريم حلال.

المثال التاسع والاربعون:
المطلقة البائنة لا نفقة لها ولا سكنى بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بل هي موافقة لكتاب الله وهي مقتضى القياس وهي مذهب فقهاء اهل الحديث فإن خاف المطلق ان ترفعه إلى حاكم يرى وجوب النفقة والسكنى أو السكنى وحدها فالحيلة في تخليصه ان يعلق طلاقها على البراءة الصحيحة من ذلك فيقول إن صحت براءتك لى من النفقة والسكنى أو من دعوى ذلك فأنت طالق فلا يمكنها بعد ذلك ان تدعى بهما ألبتة وله حيلة اخرى وهي ان يخالعها على نظير ما يعلم انه يفرض عليه للنفقة والسكنى أو اكثر منه فإذا ادعت بذلك وفرضه عليه الحاكم صار لها عليه مثل الذي له عليها فإما ان يأخذ منها ويعطيها واما ان يتقاصَّا.

المثال الخمسون:
 إذا اشترى سلعة من رجل غريب فخاف ان يستحق أو تظهر معيبة ولا يعرفه فالحيلة ان يقيم له وكيلا يخاصمه ان ظهر ذلك فإن خاف ان يعزل البائع الوكيل فالحيلة ان يشتريها من الوكيل نفسه ويضمنه درك المبيع.

المثال الحادي والخمسون:
إذا دفع اليه مالا يشترى به متاعا من بلد غير بلده فاشتراه واراد تسليمه اليه وإقامته في تلك البلدة فان اودعه غيره ضمن لانه لم يأذن له ربه وان وكل غيره في دفعه اليه ضمن أيضا وان استاجر من يوصله اليه ضمن لانه لم يكن يامن غيره عليه فالحيلة في ايصاله إلى ربه ان يشهد عليه قبل الشراء أو بعده ان يعمل في المال برأيه وان يوكل فيه أو ان يودع اذا راى المصلحة في ذلك كله فإن أبى ذلك الموكل وقال لا يوافيني به غيرك فقد ضاقت عليه الحيلة فليخرج نفسه من الوكالة فتصير يده يد مودع فلا يلزمه مؤنة رد الوديعة بل مؤنة ردها على صاحبها فإن احب اخذ ماله ارسل من يأخذه أو جاء هو في طلبه.

فإن قيل:
فلو لم يعزل نفسه كان مؤنة الرد عليه؟

قيل:
لما دخل معه في عقد الوكالة فقد التزم له ان يسلم اليه المال فيلزمه ما التزم به فإذا اخرج نفسه من الوكالة بقى كالمودع المحض فإن كان وكيلا يجعل فهو كالاجير فمؤنة الرد عليه ولا يملك اخراج نفسه من الوكالة قبل توفية العمل كالاجير.

المثال الثاني والخمسون:
 اذا اراد الذمى ان يسلم وعنده خمر فخاف ان اسلم يجب عليه إراقتها ولا يجوز له بيعها فالحيلة ان يبيعها من ذمى آخر بثمن معين أو في ذمته ثم يسلم ويتقاضاه الثمن ولا حرج عليه في ذلك فإن تحريمها عليه بالاسلام كتحريمها بالكتاب بعد ان لم تكن حراما وفي الحديث ان الله يعرض بالخمر فمن كان عنده منها شيء فليبعه.

فان قيل:
فلو اسلم من اشتراها ولم يؤد ثمنها هل يسقط عنه.

قيل:
 لا يسقط لثبوته في ذمته قبل الاسلام.



فإن قيل:
فلو اسلم اليه في خمر ثم أسلما أو احدهما.

قيل:
ينفسخ العقد ويرد اليه رأس ماله>



فان قيل:
فلو اراد ان يشتري خمرا ثم عزم على الاسلام وخاف ان يلزمه بثمنها فهل له حيلة في التخلص من ذلك

قيل:
الحلة ان لا يملكها بالشراء بل بالقرض فإذا اقترضها منه ثم اسلما أو احدهما لم يجب عليه رد بدل القرض فإن موجب القرض رد المثل وقد تعذر بالاسلام

المثال الثالث والخمسون:
اذا اشترى دارا أو ارضا وقد وقعت الحدود وصرفت الطرق بينه وبين جاره فلا شفعة فيها وان كانت الحدود لم تقع ولم تصرف الطرق بل طريقها واحدة ففيها الشفعة هذا الاقوال في شفعة الجوار وهو مذهب أهل البصرة واحد الوجهين في مذهب الامام احمد واختاره شيخ الاسلام وغيره فان خاف المشترى ان يرفعه الجار إلى حاكم يرى الشفعة وان صرفت الطرق فله التحيل على ابطالها بضروب من الحيل احدها ان يشتريها منه بألف دينار ويكاتبه على ذلك ثم يعطيه عوض كل دينار درهمين أو نحو ذلك وثانيها ان يهب منه الدار والارض ثم يهبه ثمنها وثالثها ان يقول المشتري للشفيع ان شئت بعتكها بما اشتريتها به أو باقل من ذلك أو اصبر عليك بالثمن فيجيبه إلى ذلك فتسقط شفعته ورابعها ان يتصادق البائع والمشتري على شرط أو صفة تفسد البيع كأجل مجهول أو خيار مجهول أو إكراه أو تلجئة ونحو ذلك ثم يقرها البائع في يد المشترى ولا يكون للشفيع سبيل عليها وخامسها ان يشترط الخيار مدة طويلة فإن صح لم يكن له ان يأخذ قبل انقضائه وان بطل لم يكن له ان ياخذ ببيع فاسد وسادسها ان يهب له تسعة اعشار الدار أو الارض ويبيعه العشر الباقي بجميع الثمن وسابعها ان يوكل الشفيع في بيع داره أو ارضه فيقبل الوكالة فيبيع أو يوكله المشتري في الشراء له وثامنها ان يزن له الثمن الذي اتفقا عليه سرا ثم يجعله صبرة غير معلومة ويبيعه الدار وتاسعها ان يقر البائع بسهم من الف سهم للمشتري فيصير شريكه ثم يبيعه باقي الدار فلا يجد جاره اليها سبيلا لان حق الشريك مقدم على حق الجار وعاشرها ان يتصدق عليه ببيت من الدار ثم يبيعه باقيها بجميع الثمن فيصير شريكا فلا شفعة لجاره وحادى عشرها ان يأمر غريبا أو مسافرا بشرائها فاذا فعل دفعها اليه ثم وكله بحفظها ثم يشهد على الدفع اليه وتوكيله حتى لا يخاصمه الشفيع وثاني عشرها ان يجيء المشتري إلى الجار قبل البيع فيشترى منه داره ويرغبه في الثمن اضعاف ما تساوي ويشترط الخيار لنفسه ثلاثة ايام ثم في مدة الخيار يمضي ويشترى تلك الدار التي يريد شراءها فإذا تم العقد بينهما فسخ البيع الاول ولا يستحق جاره عليه شفعة لانه حين البيع لم يكن جارا وانما طرأ له الجوار بعد البيع وثالث عشرها ان يؤجر المشتري لبائع الدار عبده أو ثوبه شهرا بسهم من الدار فيصير شريكه ثم بعد يومين أو ثلاثة يشترى منه بقيتها فلا يكون لجاره عليه سبيل ورابع عشرها ان يشتريها بثمن مؤجل اضعاف ما تساوي فإن الجار لا يأخذها بذلك الثمن فإذا رغب صالحه من ذلك الثمن على ما يساويه حالا من غير جنسه.

فإن قيل:
فأنتم قد بالغتم في الانكار على من احتال ببعض هذه الوجوه على اسقاط الشفعة وذكرتم تلك الاثار فنكيل لكم بالكيل الذي كلتم به لنا.

قلنا:
 لا سواء نحن وانتم في ذلك فإنا ذكرنا هذه الوجوه تحيلا على إبطال ما أبطله رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة فلما ابطل الشفعة تحيلنا على تنفيذ حكمه وامره بكل طريق فكنا فى هذه الحيل منفذين لامره واما انتم فأبطلتم بها ما اثبته بحكمه وقضائه بالشفعة فيما لم يقسم وانه لا يحل له ان يبيع حتى يؤذن شريكه فإذا حرم عليه البيع قبل استئذانه فما الظن بالتحيل على اسقاط شفعته فتوصلتم انتم بهذه الحيل إلى اسقاط ما اثبته وتوصلنا نحن بها إلى اسقاط ما اسقطه وابطله فأى الفريقين احق بالصواب واتبع لمقصود الرسول صلى الله عليه وسلم والله المستعان.

المثال الرابع والخمسون:
 يصح تعليق الوكالة بالشرط كما يصح تعليق الولاية بالشرط كما صحت به السنة بل تعليق الوكالة اولى بالجواز فإن الولي وكيل وكالة عامة فانه انما يتصرف نيابة عن المولى فوكالته اعم من وكالة الوكيل في الشيء المعين فإذا صح تعليقها فتعليق الوكالة الخاصة اولى بالصحة وقال الشافعي لاتصح فإذا دعت الحاجة إلى ذلك فالحيلة في جوازه ان يوكله مطلقا ثم يعلق التصرف على شرط فيصح ولا يظهر فرق فقهى بين امتناع هذا وجواز هذا والمقصود من التوكيل التصرف والتوكيل وسيلة اليه فاذا صح تعليق الغاية فتعليق الوسيلة اولى بالصحة.

المثال الخامس والخمسون:
 اذا رفع إلى الامام وادعى عليه زنى فخاف ان انكر ان تقوم عليه البينة فيحد فالحيلة في ابطال شهادتهم انه يقر اذا سئل مرة واحدة ولايزيد عليها فلا تسمع البينة مع الاقرار وليس للحاكم ولا للامام ان يقرره تمام النصاب بل اذا سكت لم يتعرض له فإن كان الامام ممن يرى وجوب الحد بالمرة الواحدة فالحيلة ان يرجع عن اقراره فيسقط عند الحد فاذا خاف من اقامة البينة عليه اقر أيضا ثم رجع وهكذا ابدا وهذه الحيلة جائزة فانه يجوز له دفع الحد عن نفسه وان يخلد إلى التوبة كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة لما فر ماعز من الحد هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه فإذا فر من الحد إلى التوبة فقد أحسن.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:38 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 10:05 pm

المثال السادس والخمسون:
 اذا حلف لغادر أو جاسوس أو سارق ان لا يخبر به احدا ولا يدل عليه فأراد التخلص من هذه اليمين وان لا يخفيه فالحيلة ان يسأل عن أقوام هو من جملتهم فإذا سئل عن غيره قال: لا فاذا انتهت التوبة اليه سكت فإنه لا يحنث ولايأثم بالستر عليه وإيوائه وسئل ابو حنيفة رحمه الله عن هذه المسألة بعينها قال: له السائل نزل بي اللصوص فأخذوا مالي واستحلفوني بالطلاق الا أخبر احدا بهم فخرجت فرايتهم يبيعون متاعي في السوق جهرة فقال له اذهب إلى الوالي فقل له يجمع اهل المحلة أو السكة الذين هم فيهم ثم يحضرهم ثم يسألك عنهم واحدا فإذا واحدا سألك عمن ليس منهم فقل ليس منهم واذا سألك عمن هو منهم فاسكت ففعل الرجل فأخذ الولي متاعه منهم وسلمه اليه فلو عملت هذه الحيلة مع مظلوم لم تنفع وحنث الحالف فإن المقصود الدفع عنه وبالسكوت قد اعان عليه ولم يدفع عنه.

المثال السابع والخمسون:

ما سئل عنه ابو حنيفة رحمه الله عن امرأة قال: لها زوجها انت طالق اذا سألتني الخلع ان لم اخلعك وقالت المرأة كل مملوك لي حر ان لم اسألك الخلع اليوم فجاء الزوج إلى أبي حنيفة فقال احضر المرأة فأحضرها فقال لها ابو حنيفة سليه الخلع فقالت سألتك ان تخلعني فقال ابو حنيفة قل لها قد خلعتك على الف درهم تعطينها فقال لها ذلك فقال لها قولي لا اقبل فقالت لا اقبل فقال قومي مع زوجك فقد بر كل واحد منكما ولم يحنث في شيء ذكرها محمد بن الحسن في كتاب الحيل له.

وانما تتم هذه الحيلة على الوجه الذي ذكره فلو قالت له اسألك الخلع على الف درهم حالة أو إلى شهر فقال قد خلعتك على ذلك وقع الخلع بخلاف ما اذا قالت له اخلعني قال: خلعتك على الف فإن هذا لا يكون خلعا حتى تقبل وترضى وهي لم ترض بالألف فلا يقع الخلع.

فإن قيل:
فكيف اذا لم يقع الخلع؟

قيل:
 هو انما حلف على فعله لا على قبولها فإذا قال: قد خلعتك على الف فقد وجد الخلع من جهته فانحلت يمينه ولم يقف حل اليمين على قبولها كما اذا حلف لا يبيع فباع ولم يقبل المشتري ولا بينه له فإنه يحنث.

المثال الثامن والخمسون:
 ما ذكره محمد في كتابه أيضا عنه اتاه اخوان قد تزوجا بأختين فزفت كل امرأة منهما إلى زوج اختها فدخل بها ولم يعلم ثم علم الحال لما اصبحا فذكرا له ذلك وسألاه المخرج فقال لهما كل منكما راض بالتي دخل بها فقالا نعم فقال ليطلق كل منكما امرأته التي عقد عليها تطليقة ففعلا فقال ليعقد كل منكما على المرأة التي دخل بها ففعلا فقال ليمض كل منكما إلى اهله وهذه الحيلة في غاية اللطف فإن المرأة التي دخل بها كل منهما قد وطئها بشبهة فله ان ينكحها في عدتها فإنه لا يصان ماؤه عن مائه وأمره ان يطلق واحدة فإنه لم يدخل بالتي طلقها فالواحدة تبينها ولا عدة عليها منه فللآخر ان يتزوجها.

المثال التاسع والخمسون
اذا تزوجت المرأة وخافت ان يسافر عنها الزوج ويدعها أو يسافر بها ولا تريد الخروج من دارها أو ان يتزوج عليها أو يتسرى أو يشرب المسكر أو يضربها من غير جرم أو يتبين فقيرا وقد ظنته غنيا أو معيبا وقد ظنته سليما أو اميا وقد ظنته قارئا أو جاهلا وقد ظنته عالما أو نحو ذلك فلا يمكنها التخلص فالحيلة لها في ذلك كله ان تشترط عليه انه متى وجد شيء من ذلك فأمرها بيدها ان شاءت اقامت معه وان شاءت فارقته وتشهد عليه بذلك فإن خافت ان لا تشترط ذلك بعد لزوم العقد فلا يمكنها الزامه بالشرط فلا تأذن لوليها ان يزوجها منه الا على هذا الشرط فيقول زوجتكما على ان امرها بيدها ان كان الامر كيت وكيت فمتى كان الامر كذلك ملكت تطليق نفسها ولا بأس بهذه الحيلة فإن المرأة تتخلص بها من نكاح من لم ترض بنكاحه وتستغني بها عن رفع امرها إلى الحاكم ليفسخ نكاحها بالغيبة والاعسار ونحوهما.

المثال الستون:
 يصح ضمان ما لا يجب كقوله ما اعطيت لفلان فهو علي عند الاكثرين كما دل عليه القرآن في قول مؤذن يوسف ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم والمصلحة تقتضى ذلك بل قد تدعو اليه الحاجة أو الضرورة وعند الشافعي لا يجوز وسلم جوازه اذا تبين سبب وجوبه كدرك المبيع والحيلة في جوازه على هذا القول انه اذا رضى بأن يلتزم عنه مقدارا له يجب عليه بعد ان يقر المضمون عنه به للدافع ثم يضمنه عنه الضامن فإن خشى المقر ان يطالبه المقر له بذلك ولا يدفعه اليه فالحيلة ان يقول هو على من ثمن مبيع لم اقبضه فإن تحرج من الاخبار بالكذب فالحيلة ان يبيعه ما يريد اخذه منه بالمبلغ الذي التزم الضامن اداءه فإذا صار في ذمته ضمنه عنه وهذا الحكم اذا زوج ابنه أو عبده أو اجيره وضمن للمرأة نفقتها وكسوتها فالصحيح في هذا كله جواز الضمان والحاجة تدعو اليه ولا محذور فيه وليس بعقد معاوضة فتؤثر فيه الجهالة وعقود الالتزام لا يؤثر فيها الجهالة كالنذر ثم يمكن رفع الجهالة بأن يحد له حدا فيقول من درهم إلى كذا وكذا.

فإن قيل:
 ما بين الدرهم والغاية مجهول لا يدري كم يلزمه منه.

قيل:
لا يقدح ذلك في جواز الالتزام لانه يتبين في الآخر كم هو الواجب منه ثم لو اقر بذلك فقال له على ما بين درهم إلى الف صح فهكذا اذا قال: ضمنت عنه ما بين درهم إلى الف.

فإن قيل:
الضامن فرع على المضمون عنه فإذا كان الاصل لم يثبت في ذمته شيء فعلى أي شيء الضمان ينبني الضمان ويتفرع؟

قيل:
انما يصير ضامنا اذا ثبت في ذمة المضمون عنه والا في الحال فليس هو ضامنا وان صح ان يقال هو ضامن بالقوة ففي الحقيقة هو ضمان معلق على شرط وذلك جائز والله اعلم.

المثال الحادي والستون:
 إذا سبق لسانه بما يؤاخذ به في الظاهر ولم يرد معناه أو اراده ثم رجع عنه وتاب منه أو خاف ان يشهد عليه به شهود زور ولم يتكلم به فرفع إلى الحاكم وادعى عليه به فإن انكر شهدوا عليه وان اقر حكم عليه ولا سيما ان كان لا يرى قبول التوبة من ذلك فالحيلة في الخلاص أن لا يقر به ولا ينكر فيشهد عليه الشهود بل يكفيه في الجواب ان يقول إن كنت قلته فقد رجعت عنه وأنا تائب إلى الله منه وليس للحاكم بعد ذلك ان يقول لا اكتفى منك بهذا الجواب بل لا بد من الاقرار أو الانكار فان هذا جواب كاف في مثل هذه الدعوى وتكليفه بعد ذلك خطة الخسف بالاقرار وقد يكون كاذبا فيه أو الانكار وقد تاب منه بينه وبين الله تعالى فيشهد عليه الشهود ظلم وباطل فلا يحل للحاكم ان يسأله بعد هذا هل وقع منك ذلك أو لم يقع بل أبلغ من هذا لو شهد عليه بالردة فقال لم ازل اشهد ان لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله منذ عقلت والى الآن لم يستكشف عن شيء ولم يسأل لا هو ولا الشهود عن سبب ردته كما ذكره الخرقي في مختصره وغيره من اصحاب الشافعي فإذا ادعى عليه بانه قال: كذا وكذا فقال إن كنت قلته فأنا تائب إلى الله منه أو قد تبت منه فقد اكتفى منه بهذا الجواب ولم يكشف عن شيء منه بعد ذلك.

فإن قيل:

هذا تعليق للتوبة أو الاسلام بالشرط ولا يصح تعليقه بشرط.

قيل:
هذا من قلة فقه مورده فإن التوبة لا تصح إلا على هذا الشرط تلفظ به أو لم يتلفظ به وكذلك تجديد الاسلام لا يصح إلا بشرط ان يوجد ما يناقضه فتلفظه بالشرط تأكيد لمقتضى عقد التوبة والاسلام وهذا كما اذا قال: إن كان هذا ملكى فقد بعتك إياه فهل يقول احد إن هذا بيع معلق بشرط فلا يصح وكذلك اذا قال: ان كانت هذه امرأتي فهى طالق لا يقول احد إنه طلاق معلق ونظائره اكثر من ان تذكر.

وقد شرع الله لعباده التعليق بالشروط في كل موضع يحتاج اليه العبد حتى بينه وبين ربه كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير وقد شكت اليه وقت الاحرام فقال حجى واشترطى على ربك فقولى ان حبسني حابس فمحلى حيث حبستني فإن لك ما اشترطت على ربك فهذا شرط مع الله في العبادة وقد شرعه على لسان رسوله لحاجة الامة اليه ويفيد شيئين جواز التحلل وسقوط الهدى وكذلك الداعى بالخيرة يشترط على ربه في دعائه فيقول اللهم ان كان هذا الامر خيرا لى في دينى ومعاشى وعاقبة امرى عاجله وآجله فاقدره لي ويسره لي فيعلق طلب الاجابة بالشرط لحاجته إلى ذلك لخفاء المصلحة عليه وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على ربه أيما رجل سبه أو لعنه وليس لذلك بأهل ان يجعلها كفارة له وقربة يقربه بها اليه وهذا تعليق للمدعو به بشرط الاستحقاق وكذلك المصلى على الميت شرع له تعليق الدعاء بالشرط فيقول اللهم انت أعلم بسره وعلانيته إن كان محسنا فتقبل حسناته وان كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته فهذا طلب للتجاوز عنه بشرط فكيف يمنع تعليق التوبة بالشرط؟



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:39 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 10:09 pm

وقال شيخنا:
كان يشكل على احيانا حال من اصلي عليه الجنائر هل هو مؤمن أو منافق فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فسألته عن مسائل عديدة منها هذه المسألة فقال يا أحمد الشرط الشرط أو قال: علق الدعاء بالشرط وكذلك ارشد امته صلى الله عليه وسلم إلى تعليق الدعاء بالحياة والموت بالشرط فقال لا يتمنى احدكم الموت لضر نزل به ولكن ليقل اللهم أحيني إذا كانت الحياة خيراً لى وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي وكذلك قوله في الحديث الآخر وإذا أردت بعبادك فتنة فتوفني إليك غير مفتون وقال المسلمون عند شروطهم إلا شرطا احل حراما وحرم حلالا.

وتعليق العقود والفسوخ والتبرعات والالتزامات وغيرها بالشروط امر قد يدعو اليه الضرورة أو الحاجة أو المصلحة فلا يستغنى عنه المكلف وقد صح تعليق النظر بالشرط بالاجماع ونص الكتاب وتعليق الضمان بالشرط بنص القرآن وتعليق النكاح بالشرط في تزويج موسى بابنة صاحب مدين وهو من أصح نكاح على وجه الارض ولم يأت في شريعتنا ما ينسخه بل اتت مقررة له كقوله صلى الله عليه وسلم إن احق الشروط ان توفوا به ما استحللتم به الفروج فهذا صريح في ان حل الفروج بالنكاح قد يعلق على شرط ونص الامام احمد على جواز تعليق النكاح بالشرط وهذا هو الصحيح كما يعلق الطلاق والجعالة والنذر وغيرها من العقود وعلق امير المؤمنين عمر رضى الله عنه عقد المزارعة بالشرط فكان يدفع ارضه إلى من يعمل عليها على انه ان جاء عمر بالبذر فله كدا وان جاء العامل بالبذر فله كذا ذكره البخاري ولم يخالفه صاحب ونص الامام احمد على جواز تعليق البيع بالشرط في قوله إن بعت هذه الجارية فأنا احق بها بالثمن واحتج بأنه قول ابن مسعود ورهن الامام احمد نعله وقال للمرتهن إن جئتك بالحق إلى كذا وإلا فهو لك وهذا بيع بشرط فقد فعله وافتى به وكذلك تعليق الابراء بالشرط نص على جوازه فعلا منه فقال لمن اغتابه ثم استحله انت في حل ان لم تعد فقال له الميموني قد اغتابك وتحلله فقال الم ترنى قد اشترطت عليه ان لا يعود والمتأخرون من اصحابه يقولون لا يصح تعليق الابراء بالشرط وليس ذلك موافقا لنصوصه ولا لأصوله وقد علق النبي صلى الله عليه وسلم ولاية الامارة بالشرط وهذا تنبيه على تعليق الحكم في كل ولاية وعلى تعليق الوكالة الخاصة والعامة وقد علق ابو بكر تولية عمر رضى الله عنه بالشرط ووافقه عليه سائر الصحابة فلم ينكره منهم رجل واحد وقال النبي صلى الله عليه وسلم من باع نخلا قد أبرت فثمرتها للبائع إلا ان يشترطها المبتاع فهذا الشرط خلاف مقتضى العقد المطلق وقد جوزه الشارع وقال من باع عبدا وله مال فماله للبائع إلا ان يشترطه المبتاع وفي السنن عنه من اعتق عبدا وله مال فمال العبد له إلا ان يشترطه السيد وفي المسند والسنن عن سفينة قال: كنت مملوكا لأم سلمة فقالت اعتقتك واشترطت عليك ان تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت فقلت ولو لم تشترطي على ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت فأعتقتني واشترطت على وذكر البخاري في صحيحه عن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه قال: مقاطع الحقوق عند الشروط ولك ما شرطت وقال البخاري في باب الشروط في القرض وقال ابن عمر وعطاء إذا احله في القرض جاز وقال في باب ما يجوز من الاشتراط والثنيا في الاقرار والشروط التي يتعارفها الناس بينهم وقال ابن عوف عن ابن سيرين قال: قال رجل لكريه ارحل ركابك فإن لم أرحل معك في يوم كذا وكذا فلك مائة درهم فلم يخرج فقال شريح من شرط على نفسه طائعا غير مكره فهو عليه وقال ايوب عن ابن سيرين ان رجلا باع طعاما فقال ان لم آتك الاربعاء فليس بيني وبينك بيع فقال للمشتري انت أخلفته فقضى عليه وقال في باب الشروط في المهر وقال المسور سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر صهرا فأثنى عليه في مصاهرته فأحسن فقال حدثني فصدقني ووعدني فوفاني ثم ذكر فيه حديث احق الشروط ان توفوا به ما استحللتم به الفروج وقال في كتاب الحرث وعامل عمر الناس على انه إن جاء عمر بالبذر من عنده فلهم الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا وهذا صريح في جواز إن خطته اليوم فلك كذا وإن خطته غدا فلك كذا وفي جواز بعتكه بعشرة نقدا أو بعشرين نسيئة فالصواب جواز هذا كله للنص والآثار والقياس وقال جابر بعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعيرا واشترطت حملانه إلى اهلى وروى سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عبدالرحمن بن فروخ عن نافع بن عبدالحارث عامل عمر على مكة انه اشترى من صفوان بن امية دارا لعمر بن الخطاب بأربعة آلاف درهم واشترط عليه نافع ان رضى عمر فالبيع له وان لم يرض فلصفوان اربعمائة درهم ومن ههنا قال: الامام احمد لا بأس ببيع العربون لان عمر فعله واجاز هذا البيع والشرط فيه مجاهد ومحمد بن سيرين وزيد بن اسلم ونافع ابن عبدالحارث وقال ابو عمر وكان زيد بن اسلم يقول أجازه رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الامام احمد ان محمد بن مسلمة الانصاري اشترى من نبطى حزمة حطب واشترط عليه حملها إلى قصر سعد واشترى عبد الله ابن مسعود جارية من امرأته وشرطت عليه انه إن باعها فهى لها بالثمن وفي ذلك اتفاقهما على صحة البيع والشرط ذكره الامام احمد وافتى به.

والمقصود أن للشروط عند الشارع شأنا ليس عند كثير من الفقهاء فإنهم يلغون شروطا لم يلغها الشارع ويفسدون بها العقد من غير مفسدة تقتضى فساده وهم متناقضون فيما يقبل التعليق بالشروط من العقود وما لا يقبله فليس لهم ضابط مطرد منعكس يقوم عليه دليل فالصواب الضابط الشرعي الذي دل عليه النص ان كل شرط خالف حكم الله وكتابه فهو باطل وما لم يخالفه حكمه فهو لازم.

يوضحه ان الالتزام بالشروط كالالتزام بالنذر والنذر لا يبطل منه إلا ما خالف حكم الله وكتابه بل الشروط في حقوق العباد أوسع من النذر في حق الله والالتزام به أوفي من الالتزام بالنذر.

وإنما بسطت القول في هذا لان باب الشرط يدفع حيل اكثر المتحيلين ويجعل للرجل مخرجا مما يخاف منه ومما يضيق عليه فالشرط الجائز بمنزلة العقد بل هو عقد وعهد وقد قال: الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وقال: {وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا}.

وههنا قضيتان كليتان من قضايا الشرع الذي بعث الله به رسوله احداهما ان كل شرط خالف حكم الله وناقض كتابه فهو باطل كائنا ما كان والثانية ان كل شرط لا يخالف حكمه ولا يناقض كتابه وهو ما يجوز تركه وفعله بدون الشرط فهو لازم بالشرط ولا يستثنى من هاتين القضيتين شيء.

وقد دل عليهما كتاب الله وسنة رسول واتفاق الصحابة ولا تعبأ بالنقض بالمسائل المذهبية والاقوال الآرائية فإنها لا تهدم قاعدة من قواعد الشرع فالشروط في حق المكلفين كالنذر في حقوق رب العالمين فكل طاعة جاز فعلها قبل النذر لزمت بالنذر وكذلك كل شرط قد جاز بذله بدون الاشتراط لزم بالشرط فمقاطع الحقوق عند الشروط واذا كان من علامات النفاق اخلاف الوعد وليس بمشروط فكيف الوعد المؤكد بالشرط بل ترك الوفاء بالشرط يدخل في الكذب والخلف والخيانة والغدر وبالله التوفيق.

المثال الثاني والستون:
 اذا باعه جارية معيبة وخاف ردها عليه بالعيب فليبين له من عيبها ويشهد انه دخل عليه فإن خاف ردها بعيب آخر لا يعلمه البائع فليعين له عيوبا يدخل في جملتها وانه رضى بها كذلك فإن كان العيب غير متصور ولا داخل في جملة تلك العيوب فليقل وانك رضيت بها بحملة ما فيها من العيوب التي توجب الرد مقتصرا على ذلك ولا يقول وانك اسقطت حقك من الرد ولا أبرأتني من كل دعوى توجب الرد ولا يبيعها بشرط البراءة من كل عيب فإن هذا لا يسقط الرد عند كثير من الفقهاء وهي مسألة البيع بالبراءة من العيوب وللشافعي فيها ثلاثة اقوال احدها صحة البيع والشرط والثاني صحة البيع وفساد الشرط وانه لا يبرأ من شيء من العيوب والثالث انه يبرأ من العيوب الباطنة في الحيوان خاصة دون غيرها.

والمشهور من مذهب مالك جواز العقد والشرط وانه يبرأ من جميع العيوب وهل يعم ذلك جميع المبيعات أو يخص بعضها فذكر ابن حبيب عن مالك وابن وهب انه يعم جميع المبيعات عرضاً كان المبيع أو حيواناً وعنه انه يختص ببعض المبيعات واختلف عنه في تعيينه فالذي في الموطأ عنه انه يختص بالحيوان ناطقاً كان أو بهما والذي في التهذيب اختصاصه بناطق الحيوان.

قالوا:
وعلى هذا المذهب في صحة ذلك مطلقا فبيع السلطان وبيع الميراث اذا علم انه ميراث جار مجري بيع البراءة وان لم يشترط.

وعلى هذا فإذا قال:
ابيعك بيع الميراث لا قيام بعيب صح ذلك ويكون بيع براءة وفي الميراث لا يحتاج إلى ذكره.

قالوا:
واذا قلنا ان البراءة تنفع فإنما منفعتها في امتناع الرد بعيب لم يعلم به البائع واما ما علم به البائع فإن شرط البراءة لا يمنع رد المشتري به اذا لم يكن عالما به وقت العقد فإذا ادعى المشتري علم البائع فأقر أو نكل بعد توجه اليمين عليه توجه الرد عليه.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:39 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 10:12 pm

.قالوا:

ولو ملك شيئا ثم باعه قبل ان يستعمله بشرط البراءة لم ينفعه ذلك حتى يستعمله ويستبرئه ثم يبيعه بشرط البراءة قال: في التهذيب في التجار يقدمون بالرقيق فيبيعونه بالبراءة ولم تطل اقامة الرقيق عندهم هؤلاء يريدون ان يذهبوا بأموال الناس باطلا لا تنفعهم البراءة وقال عبد الملك وغيره لا يشترط استعماله ولا طول مقامه عنده بل تنفعه البراءة كما تنفعه مع الطول والاستعمال.

قالوا:
واذا كان في المبيع عيب يعلمه البائع بعينه فأدخله في جملة عيوب ليست موجودة وتبرا منها كلها لم يبرأ منه حتى يفرده بالبراءة ويعين موضعه وجنسه ومقدار بحيث لا يبقى للمبتاع فيه قول قالوا: وكذلك لو اراه العيب وشاهده لم يبرا منه اذا كان ظاهره لا يستلزم الاحاطة بباطنه وباطنه فيه فساد آخر كما اذا اراه دبرة البعير وشاهدها وهي منغلة مفسدة فلم يذكر له ما فيها من نغل وغيره ونظائر ذلك.

قالوا:
وكذلك لو اخبره ان به اباقا أو سرقة وهو اباق بعيد أو سرقة عظيمة والمشتري يظنه يسيرا لم يبرأ حتى يبين له ذلك.

قال:
ابو القاسم ابن الكاتب لا يختلف قول مالك في ان بيع السلطان بيع براءة على المفلس أو لقضاء ديون من تركة ميت براءة أيضا وان لم يشترطها قال: وانما كان كذلك لانه حكم منه بالمبيع وبيع البراءة مختلف فيه فإذا حكم السلطان بأحد اقوال العلماء لم ترد قضيته عند من يرى خلاف رأيه فيما حكم به ورد ذلك عليه المازري وغيره وقالوا السلطان لم يتعرض في البيع إلى خلاف ولا وفاق ولا قصد إلى حكم به يرفع النزاع وقد حكى بعض الشيوخ الخلاف في بيع البراءة ولو تولاه السلطان بنفسه.

قال:
وذلك لان سحنون قال: وكان قول مالك القديم ان بيع السلطان وبيع الوارث لا قيام فيه بعيب ولا بعهدة قال: وهذا يدل على ان له قولا آخر خلاف هذا وقال ويدل عليه ان ابن القاسم قال: اذا بيع عبد على مفلس فإن للمشتري ان يرده بالعيب قال: فالصواب ان بيع السلطان وبيع الورثة كغيرهما قال: المازري اما بيع الورثة لقضاء ديونه وتنفيذ وصاياه فإن فيه الخلاف المشهور.
 
قال:
واما ما باعوه لانفسهم للانفصال من شركة بعضهم لبعض فملتحق ببيع الرجل مال نفسه بالبراءة وكذلك من باع للانفاق على من في ولايته قلت وقول المازري ان بيع السلطان لا تعرض فيه لحكم مبني على اصل وهو ان الحاكم اذا عقد بنفسه عقدا مختلفا فيه هل يكون بمنزلة حكمه به فيسوغ تنفيذه ولا يسوغ رده أو لا يكون حكما منه به فيسوغ لحاكم اخر خلافه وفي هذا الاصل قولان للفقهاء وهما في مذهب الامام احمد وغيره فهذا تقرير مذلك في هذه المسألة.

وأما مذهب أبي حنيفة فإنه يصحح البيع والشرط ولا يمكن المشتري من الرد بعد اشتراط البراءة العامة سواء علم البائع العيب أو لو يعلمه حيوانا كان المبيع أو غيره وتناضر في هذه المسألة أبو حنيفة وابن أبي ليل فقال ابن أبي ليلى لا يبرأ إلا من عيب اشار اليه ووضع يده عليه فقال ابو حنيفة فلو ان امرأة من قريش باعت عبدا زنجيا على ذكره عيب افتضع اصبعها على ذكره فسكت ابن أبي ليلى.

وأما مذهب الامام احمد فعنه ثلاث روايات إحداهن انه لا يبرأ بذلك ولا يسقط حق المشتري من الرد بالعيب الا من عيب عنه وعلم به المشتري والثانية انه يبرأ مطلقا والثالثة انه يبرأ من كل عيب لم يعلمه ولا يبرأ من كل عيب علمه حتى يعلم به المشتري فإن صححنا البيع والشرط فلا إشكال وإن أبطلنا الشرط فهل يبطل البيع أو يصح ويثبت الرد فيه وجهان فإذا اثبتنا الرد وابطلنا الشرط فللبائع الرجوع بالتفاوت الذي نقص من ثمن السلعة بالشرط الذي لم يسلم له فإنه انما باعها بذلك الثمن بناء على ان المشتري لا يردها عليه بعيب ولو علم ان المشتري يتمكن من ردها لم يبعها بذلك الثمن فله الرجوع بالتفاوت وهذا هو العدل وقياس اصول الشريعة فان المشتري كما يرجع بالارش عند فوات غرضه من سلامة المبيع فكذا البائع يرجع بالتفاوت عند فوات غرضه من الشرط الذي ابطلناه عليه



والصحيح في هذه المسألة ما جاء عن الصحابة فإن عبدالله بن عمر باع زيد بن ثابت عبدا بشرط البراءة بثمانمائة درهم فأصاب به زيد عيبا فأراد رده على ابن عمر فلم يقبله فترافعا إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر تحلف انك لم تعلم بهذا العيب فقال لا فرده عليه فباعه ابن عمر بألف درهم ذكره الامام احمد وغيره وهذا اتفاق منهم على صحة البيع وجواز شرط البراءة واتفاق من عثمان وزيد على ان البائع اذا علم بالعيب لم ينفعه شرط البراءة وعلى ان المدعى عليه متى نكل عن اليمين قضى عليه بالنكول ولم ترد اليمين على المدعى لكن هذا فيما اذا كان المدعى عليه منفردا بمعرفة الحال فاذا لم يحلف مع كونه عالما بصورة الحال قضى عليه بالنكول واما اذا كان المدعى هو المنفرد بالعلم بالحال أو كان مما لا يخفى عليه علمها ردت عليه اليمين فمثال الاول قضية ابن عمر هذه فانه هو العالم بانه هل كان يعلم الغيب أو لا يعلمه بخلاف زيد بن ثابت فإنه لا يعلم علم ابن عمر بذلك ولا عدم علمه فلا يشرع رد اليمين عليه ومثال الثاني اذا ادعى على وارث ميت انه اقرض مورثه مائة درهم أو باعه سلعة ولم يقبضه ثمنها أو اودعه وديعة والوارث غائب لا يعلم ذلك وسأل إحلافه فنكل عن اليمين لم يقض عليه بالنكول وردت اليمين على المدعى لانه منفرد بعلم ذلك فاذا لم يحلف لم يقض له ومثال الثالث اذا ادعى عليه انه باعه أو اجره فنكل عن اليمين حلف المدعى وقضى له فإن لم يحلف لم يقض له بنكول المدعى عليه لانه عالم بصحة ما ادعاه فإذا لم يحلف ولم يقم له بينه لم يكن مجرد نكول خصمه مصححا لدعواه.

فهذا التحقيق احسن ما قيل: في مسألة النكول ورد اليمين وعليه تدل آثار الصحابة ويزول عنها الاختلاف ويكون هذا في موضعه وهذا في موضعه.

وعرف حذيفة جملا له فادعاه فنكل المدعى عليه وتوجهت اليمن على حذيفة فقال أتراني اترك جملى فحلف بالله انه ما باع ولا هب فقد ثبت تحليف المدعى اذا اقام شاهدا واحدا والشاهد اقوى من النكول فتحليفه مع النكول اولى وقد شرع الله ورسوله تحليف المدعى في ايمان القسامة لقوة جانبه باللوث فتحليفه مع النكول اولى وكذلك شرع تحليف الزوج في اللعان وكذلك شرع تحليف المدعى اذا كان شاهد الحال يصدقه كما اذا تداعيا متاع البيت أو تداعى النجار والخياط آلة كل منهما فإنه يقضى لمن تدل الحال على صحة دعواه مع يمينه وقد روى في حديث مرفوع ان النبي صلى الله عليه وسلم رد اليمين على طالب الحق ذكره الدارقطني وغيره وهذا محض الفقه والقياس فأنه اذا نكل قوى جانب المدعى فظن صدقه فشرع اليمين في حقه فإن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه لقوة جانبه بالاصل فإذا شهد الشاهد الواحد ضعف هذا الاصل ولم يتمكن قوته من الاستقلال وقوى جانب المدعى باليمين وهكذا اذا نكل ضعف اصل البراءة ولم يكن النكول مستقلا بإثبات الدعوى لجواز ان يكون لجهله بالحال أو لتورعه عن اليمين أو للخوف من عاقبة اليمين أو لموافقة قضاء وقدر فيظن الظان انه بسبب اليمين أو لترفعه عن ابتذاله باستحلاف خصمه له مع علمه بأنه لو حلف كان صادقا واذا احتمل نكوله هذه الوجوه لم يكن مستقلا بل غايته ان يكون مقويا لجنبة المدعى فترد اليمين عليه ولم تكن هذه المسألة مقصودة وانما جر اليها الكلام في اثر ابن عمر وزيد في مسألة البراءة.

وقد علم حكم هذا الشرط واين ينتفع به البار واين لا ينتفع به
وإن قيل: فهل ينفعه ان يشترط على المشتري انه متى رده فهو حر ام لا ينفعه واذا خاف توكيله في الرد استوثق منه بقوله متى رددته أو وكلت في رده فان خاف من رد الحاكم عليه حيث يرده بالشرع فلا يكون المشتري هو الراد ولا وكيله بل الحاكم المنفذ للشرع فاستوثق منه بقوله إذا دعيت رده فهو حر فهنا تصعب الحيلة على الرد إلا على مذهب أبي ثور واحد الوجهين في مذهب الامام احمد وهو إجماع الصحابة ان تعليق العتق متى قصد به الحض أو المنع فهو يمين حكمه حكم اليمين بالحج والصوم والصدقة وحكم ما لو قال: ان رددته فعلى ان اعتقه بل اولى بعدم العتق فإن هذا نذر قربة ولكن اخراجه مخرج اليمين منع لزوم الوفاء به مع ان الالتزام به اكثر من الالتزام بقوله فهو حر فكل ما في التزام قوله فهو حر فهو داخل في التزام فعلى ان اعتقه ولا ينعكس فإن قوله فعلى ان اعتقه يتضمن وجوب الاعتاق وفعل العتق ووقوع الحرية فإذا منع قصد الحض أو المنع وقوع ثلاثة اشياء فلأن يمنع وقوع واحد منها اولى واحرى وهذا لا جواب عنه وهو مما يبين فضل فقه الصحابة وان بين فقههم وفقه من بعدهم كما بينه وبينهم وحتى لو لم يصح ذلك عنهم لكان هذا محض القياس ومقتضى قواعد الشرع واصوله من اكثر من عشرين وجها لا تخفي على متبحر تتبعها ويكفي قول فقيه الامة وحبرها وترجمان القرآن ابن عباس العتق ما ابتغى به وجه الله والطلاق ما كان عن وطر فتأمل هاتين الكلمتين الشريفتين الصادرتين عن علم قد رسخ اسفله وبسق اعلاه واينعت ثمرته وذللت للطالب قطوفه ثم احكم بالكلمتين على ايمان الحالفين بالعتق والطلاق هل تجد الحالف بهذا ممن يبتغي به وجه الله والتقرب اليه باعتاق هذا العبد وهل تجد الحالف بالطلاق ممن له وطرفي طلاق زوجته فرضى الله عن جبر هذه الامه لقد شفت كلمتاه هاتان الصدور وطبقتا المفصل واصابتا المحز وكانتا برهانا على استجابة دعوة صلى الله عليه وسلم ان يعلمه الله التأويل ويفقهه في الدين ولا يوحشنك من قد اقر على نفسه هو و جميع اهل العلم انه ليس من اولى العلم فإذا ظفرت برجل واحد من اولى العلم طالب للدليل محكم له متبع للحق حيث كان واين كان ومع من كان زالت الوحشة وحصلت الالفة ولو خالفك فإنه يخالفك ويعذرك والجاهل الظالم يخالفك بلا حجة ويكفرك أو يبدعك بلا حجة وذنبك رغبتك عن طريقته الوخيمة وسيرته الذميمة فلا تغتر بكثرة هذا الضرب وفإن الآلاف المؤلفة منهم لا يعدلون بشخص واحد من اهل العلم والواحد من اهل العلم يعدل بملء الارض منهم.

واعلم أن الإجماع والحجة والسواد الأعظم هو العالم صاحب الحق وإن كان وحده وإن خالفه أهل الأرض قال: عمرو بن ميمون الاودى صحبت معاذا باليمن فما فارقته حتى واريته في التراب بالشام ثم صبحت من بعده افقه الناس عبد الله ابن مسعود فسمعته يقول عليكم بالجماعة فإن يد الله مع الجماعة ثم سمعته يوما من الأيام وهو يقول سيولى عليكم ولاة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لميقاتها فهى الفريضة وصلوا معهم فإنها لكم نافلة قال: قلت يا أصحاب محمد ما ادري ما تحدثون قال: وما ذاك قلت تأمرني بالجماعة وتحضني عليها ثم تقول لي صل الصلاة وحدك وهي الفريضة وصل مع الجماعة وهي نافلة قال: يا عمرو بن ميمون قد كنت أظنك من أفقه أهل هذه القرية أتدري ما الجماعة قلت لا قال: إن جمهور الجماعة هم الذين فارقوا الجماعة الجماعة ما وافق الحق وان كنت وحدك وفي لفظ آخر فضرب على فخذي وقال ويحك أن جمهور الناس فارقوا الجماعة وان الجماعة ما وافق طاعة الله تعالى.

وقال نعيم بن حماد:
إذا فسدت الجماعة فعليك بما كانت عليه الجماعة قبل أن تفسد وان كنت وحدك فإنك أنت الجماعة حينئذ ذكرهما البيهقى وغيره.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:40 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 10:20 pm

وقال بعض أئمة الحديث:
وقد ذكر له السواد الأعظم فقال أتدرى ما السواد الأعظم هو محمد بن أسلم الطوسي واصحابه فمسخ المختلفون الذين جعلوا السواد الأعظم والحجة والجماعة هم الجمهور وجعلوهم عيارا على السنة وجعلوا السنة بدعة والمعروف منكرا لقلة أهله وتفردهم في الإعصار والأمصار وقالوا من شذ شذ الله به في النار وما عرف المختلفون أن الشاذ ما خالف الحق وان كان الناس كلهم عليه إلا واحدا منهم فهم الشاذون وقد شد الناس كلهم زمن احمد بن حنبل إلا نفرا يسيرا فكانوا هم الجماعة وكانت القضاة حينئذ والمفتون والخليفة وأتباعه كلهم هم الشاذون وكان الإمام احمد وحده هو الجماعة ولما لم يتحمل هذا عقول الناس قالوا: للخليفة يا أمير المؤمنين أتكون أنت وقضاتك وولاتك والفقهاء والمفتون كلهم على الباطل واحمد وحده هو على الحق فلم يتسع علمه لذلك فأخذه بالسياط والعقوبة بعد الحبس الطويل فلا إله إلا الله ما أشبه الليلة بالبارحة وهي السبيل المهيع لأهل السنة والجماعة حتى يلقوا ربهم مضى عليها سلفهم وينتظرها خلفهم من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم.

المثال الثالث والستون:
إذا وقعت الفرقة البائنة بين الزوجين لم تجب لها عليه نفقة ولا سكنى بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة فإن خاف أن ترفعه إلى حاكم يرى وجوب ذلك عليه فالحيلة أن يتغيب مدة العدة فإذا رفعته بعد ذلك لم يحكم بها عليه لأنها تسقط عنه بمضي الزمان كما يقوله الاكثرون في نفقة القريب وكما هو متفق عليه في نفقة العبد والحيوان البهيم ولا كراهة في هذه الحيلة لأنها وسيلة إلى اسقاط ما أسقطه الله ورسوله بخلاف الحيلة على إسقاط ما أوجبه الله ورسوله فهذه لون وتلك لون فإن لم تمكنه الغيبة وأمكنه أن يرفعها إلى حاكم يحكم بسقوط ذلك فعل والحيلة في أن يتوصل إلى حكم حاكم بذلك أن ينشيء الطلاق أو يقر به بحضرته ثم يسأله الحكم بما يراه من سقوط النفقة والسكنى بهذه الفرقة مع علمه باختلاف العلماء في ذلك فإن بدرته إلى حاكم يرى وجوبها فقد ضاقت عليه وجوه الحيل ولم يبق له إلا حيلة واحدة وهي دعواه أنها كانت بانت منه قبل ذلك بمدة تزيد على انقضاء عدتها وانه نسى البينونة وهذه الحيلة تدخل في قسم التوصل إلى الجائز بالمحظور كما تقدم نظائره.

المثال الرابع والستون:
اختلف الفقهاء في الضمان هل هو تعدد لمحل الحق وقيام للضمين مقام المضمون عنه أو هو استيثاق بمنزلة الرهن على قولين وهما روايتان عن مالك يظهر أثرهما في مطالبة الضامن مع التمكن من مطالبة المضمون عنه فمن قال: بالقول الأول وهم الجمهور قالوا: لصاحب الحق مطالبة من شاء منهما على السواء ومن قال: بالقول الثاني قال: ليس له مطالبة الضامن إلا إذا تعذر عليه مطالبة المضمون عنه واحتج هؤلاء بثلاث حجج إحداها أن الضامن فرع والمضمون عنه اصل وقاعدة الشريعة أن الفروع والأبدال لا يصار إليها إلا عند تعذر الأصول كالتراب في الطهارة والصوم في كفارة اليمين وشاهد الفرع مع شاهد الأصل وقد اطرد هذا في ولاية النكاح واستحقاق الميراث لا يلى فرع مع أصله ولا يرث معه الحجة الثانية أن الكفالة توثقه وحفظ للحق فهى جارية مجرى الرهن ولكن ذاك رهن عين وهي رهن ذمة أقامها الشارع مقام رهن الأعيان للحاجة إليها واستدعاء المصلحة لها والرهن لا يستوفي منه إلا مع تعذر الاستيفاء من الراهن فكذا الضمين ولهذا كثيرا ما يقترن الرهن والضمين لتواخيهما وتشابههما وحصول الاستيثاق بكل منهما الحجة الثالثة أن الضامن في الأصل لم يوضع لتعدد محل الحق كما لم يوضع لنقله وإنما وضع ليحفظ صاحب الحق حقه من التوى والهلاك ويكون له محل يرجع إليه عند تعذر الاستيفاء من محله الأصلي ولم ينصب الضامن نفسه لان يطالبه المضمون له مع وجود الأصيل ويسرته والتمكن من مطالبته والناس يستقبحون هذا ويعدون فاعله متعديا ولا يعذرونه بالمطالبة حتى إذا تعذر عليه مطالبة الأصيل عذروه بمطالبة الضامن وكانوا عونا له عليه وهذا أمر مستقر في فطر الناس ومعاملاتهم بحيث لو طالب الضامن والمضمون عنده إلى جانبه والدراهم في كمه وهو متمكن من مطالبته لاستقبحوا ذلك غاية الاستقباح وهذا القول في القوة كما ترى وهو رواية ابن القاسم في الكتاب عن مالك ولا ينافى هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم الزعيم غارم فإنه لا عموم له ولا يدل على انه غارم في جميع الأحوال ولهذا لو أدى الأصيل لم يكن غارما ولحديث أبى قتادة في ضمان دين الميت لتعذر مطالبة الأصيل ولا يصح الاحتجاج بأن الضمان مشتق من الضم فاقتضى لفظه ضم إحدى الذمتين إلى الأخرى لوجهين أحدهما أن الضم من المضاعف، والضمان من الضمين فمادتهما مختلفة ومعناهما مختلف وان تشابها لفظا ومعنى في بعض الأمور الثاني انه لو كان مشتقا من الضم فالضم قدر مشترك بين ضم يطالب معه استقلالا وبدلا والأعم لا يستلزم الأخص.



وإذا عرف هذا و أراد الضامن الدخول عليه فالحيلة أن يعلق الضمان بالشرط فيقول إن توى المال على الأصيل فأنا ضامن له ولا يمنع تعليق الضمان بالشرط وقد صرح القرآن بتعليقه بالشرط وهو محض القياس فإنه التزام فجاز تعليقه بالشرط كالنذور والمؤمنون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا وهذا ليس واحدا منهما ومقاطع الحقوق عند الشروط فإن خاف من قاصر في الفقه غير راسخ في حقائقه فليقل ضمنت لك هذا الدين عند تعذر استيفائه ممن هو عليه فهذا ضمان مخصوص بحاله مخصوصة فلا يجوز إلزامه به في غيرها كما لو ضمن الحال مؤجلا أو ضمنه في مكان دون مكان فإن خاف من إفساد هذا أيضا فليشهد عليه أنه لا يستحق المطالبة له به إلا عند تعذر مطالبة الأصيل وأنه متى طالبه أو ادعى عليه به مع قدرته على الأصيل كانت دعواه باطلة والله اعلم.

المثال الخامس والستون:
قد تدعو الحاجة إلى أن يكون عقد الإجارة مبهما غير معين فمثاله أن يقول له إن ركبت هذه الدابة إلى أرض كذا فلك عشرة وإن ركبتها إلى أرض كذا فلك خمسة عشر أو يقول إن خطت هذا القميص اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فنصف درهم وإن زرعت هذه الأرض حنطة فأجرتها مائة أو شعيرا فأجرتها خمسون ونحو ذلك فهذا كله جائز صحيح لا يدل على بطلانه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس بل هذه الأدلة تقتضي صحته وان كان فيه نزاع متأخر فالثابت عن الصحابة الذي لا يعلم عنهم فيه نزاع جوازه كما ذكره البخاري في صحيحه عن عمر انه دفع أرضه إلى من يزرعها وقال ان جاء عمر بالبذر من عنده فله كذا وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا ولم يخالفه صحابي واحد ولا محذور في ذلك ولا خطر ولا غرر ولا أكل مال بالباطل ولا جهالة تعود إلى العمل ولا إلى العوض فإنه لا يقع إلا معينا والخيرة إلى الأجير أي ذلك احب أن يستوفي فعل فهو كما لو قال: له أي ثوب أخذته من هذا الثياب فقيمته كذا أو أي دابة ركبتها فأجرتها كذا أو أجرة هذه الفرس كذا وأجرة هذا الحمار كذا فأيها شئت فخذه أو ثمن هذا الثوب مائة وثمن هذا مائتان ونحو ذلك مما ليس فيه غرر ولا جهالة ولا ربا ولا ظلم فكيف تأتى الشريعة بتحريمه.



وعلى هذا فلا يحتاج إلى حيلة على فعله وكثير من المتأخرين من أتباع الأئمة يبطل هذا العقد فالحيلة على جوازه أن يقول استأجرتك لتخيطه اليوم بدرهم فإن خطته غدا فلك أجرة مثله نصف درهم وكذا يقول أجرتك هذه الدابة إلى ارض كذا بعشرة فإن ركبتها إلى ارض كذا وكذا فعليك أجرة مثلها كذا وكذا فإن خاف أن يكون يده يد عدوان ضمنه فليقل فإذا انقضت المسافة الأولى فهى أمانة عندك هذا عند من لم يصحح الإجارة المضافة ومن صححها فالحيلة عنده أن يقول فإذا قطعت هذه المسافة فقد آجرتكها إلى مسافة كذا وكذا فإذا انتهت آجرتكها إلى مسافة كذا وكذا فإن خشى المستأجر أن ينقضى شغله قبل ذلك فيبقى عقد الإجارة لازما له وقد فرغ شغله فالحيلة أن يقول إذا انقضت المسافة أو المدة فقد وكلتك في إجارتها لمن شئت فليؤجرها لغيره ثم يستأجرها منه فإن خاف أن لا تتم هذه الحيلة على اصل من لا يجوز تعليق الوكالة بالشرط فليوكله في الحال وكالة غير معلقة ثم يعلق تصرفه بالشرط فيقول أنت وكيلي في إجارتها فإذا انقضت المدة فقد أذنت لك في إجارتها.

وقال القاضي أبو يعلى في كتاب إبطال الحيل:

إن احتال في إجازة هذا الشرط فقال استأجرها إلى دمشق بكذا ومن دمشق إلى الرملة بكذا ومن الرملة إلى مصر بكذا جاز له لأنه إذا سمى لكل من المسافتين أجرة معلومة فكل واحدة منهما كالمعقود عليه على حاله فلا يمنع صحة العقد.

قلت:
ولكن لا تنفعه هذه الحيلة إذا انقضى غرضه عند المسافة الأولى ويبقى عقد الإجارة لازما له فيما وراءها فتصير كما لو استأجرها إلى مصر فانقضى غرضه في الرملة فما الذي أفاده تعدد العقود فوجود هذه الحيلة وعدمها سواء فالوجه ما ذكرناه والله أعلم.

المثال السادس والستون:
يجوز بيع المقاثي والباذنجان ونحوها بعد أن يبدو صلاحها كما تباع الثمار في رؤوس الأشجار ولا يمنع من صحة البيع تلاحق المبيع شيئا بعد شيء كما لم يمنع ذلك صحة بيع التوت والتين وسائر ما يخرج شيئا بعد شيء هذا محض القياس وعليه تقوم مصالح بني آدم ولا بد لهم منه ومن منع بيع ذلك إلا لقطة لقطة فمع أن ذلك متعذر في الغالب لا سبيل إليه إذ هو في غاية الحرج والعسر فهو مجهول لا ينضبط ولا ما هي اللقطة المبيعة أهي الكبار أو الصغار أو المتوسط أو بعض ذلك وتكون المقثأة كبيرة جدا لا يمكن اخذ اللقطة الواحدة إلا في أيام متعددة فيحدث كل يوم لقطة أخرى تختلط بالمبيع ولا يمكن تميزها منه ولا سبيل إلى الاحتراز من ذلك إلا أن يجمع دواب المصر كلها في يوم واحد ومن أمكنه من القطافين ثم يقطع الجميع في يوم واحد ويعرضه للتلف والضياع وحاشا أكمل الشرائع بل غيرها من الشرائع أن تأتى بمثل هذا وإنما هذا من الاغلاط الواقعة بالاجتهاد وأين حرم الله ورسوله على الأمة ما هم أحوج الناس إليه ثم أباح لهم نظيره فإن كان هذا غررا فبيع الثمار المتلاحقة الأجزاء غرر وإن لم يكن ذلك غررا فهذا مثله والصواب أن كليهما ليس غررا لا لغة ولا عرفا ولا شرعا ودعوى أن ذلك غرر دعوى بلا برهان فإن ادعى ذلك على اللغة طولب بالنقل ولن يجد إليه سبيلا وإن ادعى ذلك على العرف فالعرف شاهد بخلافه واهل العرف لا يعدون ذلك غررا وإن ادعاه على الشرع طولب بالدليل الشرعي فإن بلى بمن يقول هكذا في الكتاب وهكذا قالوا: فالحيلة في الجواز أن يشتري ذلك بعروقه فإذا استوفى ثمرته تصرف في العروق بما يريد والمانعون يجوزون هذه الحيلة ومن المعلوم أن العروق غير مقصودة وإنما المقصود الثمرة.

فان امتنع البيع لأجل الغرر لم يزل بملك العروق وهذا في غاية الظهور وبيع ذلك كبيع الثمار وهو قول أهل المدينة واحد الوجهين في مذهب الإمام احمد واختاره شيخنا.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:40 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 10:23 pm

المثال السابع والستون:
تجوز قسمة الدين المشترك بميراث أو عقد أو إتلاف فينفرد كل من الشريكين بحصته ويختص بما قبضه سواء كان في ذمة واحدة أوفي ذمم متعددة فإن الحق لهما فيجوز أن يتفقا على قسمته أو على بقائه مشتركا ولا محذور في ذلك بل هذه أولى بالجواز من قسمة المنافع بالمهايأة بالزمان أو بالمكان ولا سيما فان المهايأة بالزمان تقتضي تقدم أحدهما على الأخر وقد تسلم المنفعة إلى نوبة الشريك وقد تتوى والدين في الذمة يقوم مقام العين ولهذا تصح المعاوضة عليه من الغريم وغيره وتجب على صاحبه زكاته إذا تمكن من قبضه ويجب عليه الإنفاق على أهله وولده ورقيقه منه ولا يعد فقيرا معدما فاقتسامه يجري مجرى اقتسام الأعيان والمنافع.

فإذا رضى كل من الشريكين أن يختص بما يخصه من الدين فينفرد هذا برجل يطالبه وهذا برجل يطالبه أو ينفرد هذا بالمطالبة بحصته وهذا بالمطالبة بحصته لم يهدما بذلك قاعدة من قواعد الشريعة ولا استحلا ما حرم الله ولا خالفا نص كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول صاحب ولا قياسا شهد له الشرع بالاعتبار وغاية ما يقدر عدم تكافؤ الذمم ووقوع التفاوت فيها وأن ما في الذمة لم يتعين فلا يمكن قسمته وهذا لا يمنع تراضيهما بالقسمة مع التفاوت فإن الحق لا يعدوهما وعدم تعين ما في الذمة لا يمنع القسمة فإنه يتعين تقديرا ويكفي في إمكان القسمة التعين بوجه فهو معين تقديرا ويتعين بالقبض تحقيقا.


وأما قول أبي الوفاء ابن عقيل لا تختلف الرواية عن احمد في عدم جواز قسمة الدين في الذمة الواحدة واختلفت الرواية عنه في جواز قسمته إذا كان في الذمتين فعنه فيه روايتان فليس كذلك بل عنه في كل من الصورتين روايتان وليس في أصوله ما يمنع جواز القسمة كما ليس في أصول الشريعة ما يمنعها وعلى هذا فلا يحتاج إلى حيلة على الجواز وأما من منع من القسمة فقد تشتد الحاجة إليها فيحتاج إلى التحليل عليها فالحيلة أن يأذن لشريكه أن يقبض من الغريم ما يخصه فإذا فعل لم يكن لشريكه أن يخاصمه فيه بعد الاذن على الصحيح من المذهب كما صرح به الأصحاب وكذلك لو قبض حصته ثم استهلكها قبل المحاصة لم يضمن لشريكه شيئا وكان المقبوض من ضمانه خاصة وذلك أنه لما أذن لشريكه في قبض ما يخصه فقد أسقط حقه من المحاصة فيختص الشريك بالمقبوض وأما إذا استهلك الشريك ما قبضه فإنه لا يضمن لشريكه حصته منه من قبل المحاصة لأنه لم يدخل في ملكه ولم يتعين له بمجرد قبض الشريك له ولهذا لو وفى شريكه نظيره لم يقل انتقل إلى القابض الأول ما كان ملكا للشريك فدل على أنه إنما بصير ملكا له بالمحاصة لا بمجرد قبض الشريك.

ومن الأصحاب من فرق بين كون الدين بعقد وبين كونه بإتلاف أو إرث ووجه الفرق أنه إذا كان بعقد فكأنه عقد مع الشريكين فلكل منهما أن يطالب بما يخصه بخلاف دين الإرث والإتلاف والله أعلم.

المثال الثامن والستون:
اختلف الفقهاء في جواز بيع المغيبات في الأرض من البصل والثوم والجزر واللفت والفجل والقلقاس ونحوها على قولين أحدهما المنع من بيعه كذلك لأنه مجهول غير مشاهد والورق لا يدل على باطنه بخلاف ظاهر الصبرة وعند أصحاب هذا القول لا يباع حتى يقلع والقول الثاني يجوز بيعه كذلك على ما جرت به عادة أصحاب الحقول وهذا قول أهل المدينة وهو أحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد اختاره شيخنا وهو الصواب المقطوع به فإن في المنع من بيع ذلك حتى يقلع أعظم الضرر والحرج والمشقة مع ما فيه من الفساد الذي لا تأتي به شريعة فإنه إن قلعه كله في وقت واحد تعرض للتلف والفساد وإن قيل كلما أردت بيع شيء منه فاقلعه كان فيه من الحرج والعسر ما هو معلوم وإن قيل اتركه في الأرض حتى يفسد ولاتبعه فيها فهذا لا تأتي به شريعة وبالجمله فالمفتون بهذا القول لو بلوا بذلك في حقولهم أو ما هو وقف عليهم ونحو ذلك لم يمكنهم إلا بيعه في الأرض ولابد أو أتلافه وعدم الانتفاع به وقول القائل إن هذا غرر ومجهول فهذا ليس حظ الفقيه ولا هو من شأنه وإنما هذا من شأن أهل الخبرة بذلك فإن عدوه قمارا أو غررا فهم أعلم بذلك وإنما حظ الفقيه يحل كذا لأن الله أباحه ويحرم كذا لأن الله حرمه وقال الله وقال رسوله وقال الصحابة وأما أن يرى هذا خطرا وقمارأ أو غررا فليس من شأنه بل أربابه أخبر بهذا منه والمرجع إليهم فيه كما يرجع إليهم في كون هذا الوصف عيبا أم لا وكون هذا البيع مربحا أم لا وكون هذه السلعة نافقة في وقت كذا وبلد كذا ونحو ذلك من الأوصاف الحسية والأمور العرفية فالفقهاء بالنسبة إليهم فيها مثلهم بالنسبة إلى ما في الأحكام الشرعية.

فإن بليت بمن يقول هكذا في الكتاب وهكذا قالوا فالحيلة في الجواز أن تستأجر منه الأرض المشغولة بذلك مدة يعلم فراغه منها ويقر له إقرارا مشهودا له به أن ما في باطن الأرض له لاحق للمؤجر فيه ولكن عكس هذه الحيلة لو أصابته آفة لم يتمكن من وضع الجائحة عنه بخلاف ما إذا اشتراه بعد بدو صلاحه فإنه كالثمرة على رءوس الشجر إن أصابته آفة وضعت عنه الجائحة وهذا الصواب في المسألتين جواز بيعه ووضع الجوائح فيه والله أعلم.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:41 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 10:25 pm

المثال التاسع والستون:
اختلفت الفقهاء في جواز البيع بما ينقطع به السعر من غير تقدير الثمن وقت العقد وصورتها البيع ممن يعامله من خباز أو لحام أو سمان أو غيرهم يأخذ منه كل يوم شيئا معلوما ثم يحاسبه عند رأس الشهر أو السنة على الجميع ويعطيه ثمنه فمنعه الأكثرون وجعلو القبض به غير ناقل للملك وهو قبض فاسد يجري مجرى المقبوض بالغصب لأنه مقبوض بعقد فاسد هذا وكلهم إلا شدد على نفسه يفعل ذلك ولا يجد منه بدا وهو يفتي ببطلانه وأنه باق على ملك البائع ولا يمكنه التخلص من ذلك إلا بمساومته له عند كل حاجة يأخذها قل ثمنها أو كثر وإن كان ممن شرط الإيجاب والقبول لفظا فلا بد مع المساوة أن يقرن بها الإيجاب والقبول لفظا والقول الثاني وهو الصواب المقطوع به وهو عمل الناس في كل عصر ومصر جواز البيع بما ينقطع به السعر وهو منصوص الإمام أحمد واختاره شيخنا وسمعته يقول هو أطيب لقلب المشتري من المساومة يقول لي أسوة بالناس اخذ بما يأخذ به غيري قال والذين يمنعون من ذلك لا يمكنهم تركه بل هم واقعون فيه وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله ولا إجماع الأمة ولا قول صاحب ولا قياس صحيح ما يحرمه.

وقد أجمعت الأمة على صحة النكاح بمهر المثل وأكثرهم يجوزون عقد الإجارة بأجرة المثل كالنكاح والغسال والخباز والملاح وقيم الحمام والمكاري والبيع بثمن المثل كبيع ماء الحمام فغاية البيع بالسعر أن يكون بيعه بثمن المثل فيجوز كما تجوز المعاوضة بثمن المثل في هذه الصورة وغيرها فهذا هو القياس الصحيح ولا تقوم مصالح الناس إلا به.

فإن بليت بالقائل هكذا في الكتاب وهكذا قالوا فالحيلة في الجواز أن يأخذ ذلك قرضا في ذمته ذمته فيجب عليه للدافع مثله ثم يعاوضه عليه بثمن معلوم فإنه بيع للدين من الغريم وهو جائز ولكن في هذه الحيلة افة وهو أنه قد يرتفع السعر فيطالبه بالمثل فيتضرر الأخذ وقد ينخفض فيعطيه المثل فيتضرر الأول فالطريق الشرعية التي لم يحرمها الله ورسوله أولى بهما والله أعلم.

المثال السبعون:
إذا كان عليه دين وله وقف من غلة دار أو بستان فوكل صاحب الدين أن يستوفي ذلك من دينه جاز فإن خاف أن يحتال عليه ويعزله عن الوكالة فليجعلها حوالة على من في ذمته عوض ذلك المغل فإن لم يكن قد وآجر الدار أو الأرض لأحد فالحيلة أن يستأجرها منه صاحب الدين بعوض في ذمته ثم يعاوضه بدينه من ذلك العوض فإن أراد أن يكون هو وكيله في استيفاء دينه من تلك المنافع لا بطريق الإجارة ولا بطريق الحوالة بل بطريق الوكالة في قبض ما يصير إليه من غلة ذلك الوقف وخاف عزله فالحيلة أن يأخذ إقراره أن الواقف شرط أن يقضي ما عليه من الدين أولا ثم يصرف إليه بعد الدين كذا و كذا وأنه وجب لفلان وهو الغريم عليه من الدين كذا وكذا وأنه يستحقه من مغل هذا الوقف مقدما به على سائر مصارف الوقف وأنه لا ينتقل من الموقوف شيء قبل قضاء الدين وأن ولاية أمر هذا الوقف إلى فلان حتى يستوفي ينه فإذا استوفاه فلا ولاية له عليه وإن حكم حاكم بذلك كان أوفق.

المثال الحادي و السبعون:
إذا كان له عليه دين فقال إن مت قبلي فأنت في حل وإن مت قبلك فأنت في حل صح و برىء في الصورتين فإن إحداهما وصية والأخرى إبراء معلق بالشرط ويصح تعليق الإبراء بالشرط لأنه إسقاط كما يصح تعليق العتق والطلاق وقد نص عليه الإمام أحمد في الإحلال من العرض والمال مثله.

وقال أصحابنا وأصحاب الشافعي:
إذا قال إن مت قبلك فأنت في حل هو إبراء صحيح لأنه وصية وإن قال إن مت قبلي فأنت في حل لم يصح لأنه تعليق للإبراء بالشرط ولم يقيموا شبهة فضلا عن دليل صحيح على امتناع تعليق الإبراء بالشرط ولا يدفعه نص ولا قياس ولاقول صاحب فالصواب صحة الإبراء في الموضعين وعلى هذا فلا يحتاج إلى حيلة.

فإن بلى من يقول هكذا في الكتاب وهكذا قالوا فالحيلة أن يشهد عليه أنه لا يستحق عليه شيئا بعد موته من هذا الدين ولا في تركته وإن شاء كتب الفصلين في سجل واحد وضمنه الوصية له به إن مات رب الدين وإن مات المدين فلا حق له به قبله فيصح حينئذ مستندا إلى ظاهر الإقرار وهو إبراء في المعنى.

المثال الثاني والسبعون:
لو غلظ المضارب أو الشريك وقال ربحت ألفا ثم أراد الرجوع لم يقبل منه لأنه إنكار بعد إقرار ولو أقام بينة على الغلط فالصحيح أنها تقبل وقيل لا تقبل لأنه مكذب لها فالحيلة في استدراكه ما غلط فيه بحيث تقبل منه أن يقول خسرتها بعد أن ربحتها فالقول قوله في ذلك ولا يلزمه الألف وهكذا الحيلة في استدراك كل أمين لظلامته كالمودع إذا رد الوديعة التي دفعت إليه ببينة ولم يشهد على ردها فهل يقبل قوله في الرد فيه قولان روايتان عن الإمام أحمد فإذا خاف أن لا يقبل قوله فالحيلة في تخلصه أن يدعى تلفها من غير تفريط فإن حلفه على ذلك فليحلف موريا متأولا من عنده خروجها من تحت يده ونظائر ذلك والله أعلم.

المثال الثالث والسبعون:
إن استغرقت الديون ماله لم يصح تبرعه بما يضر بأرباب الديون سواء حجر عليه الحاكم أولم يحجر عليه هذا مذهب مالك واختيار شيخنا وعند الثلاثة يصح تصرفه في ماله قبل الحجر بأنواع التصرف والصحيح هو القول الأول هو الذي لا يليق بأصول المذهب غيره بل هو مقتضى أصول الشرع وقواعده لأن حق الغرماء قد تعلق بماله ولهذا يحجر عليها الحاكم ولو تعلق حق الغرماء بما له لم يسع الحاكم الحجر عليه فصار كالمريض مرض الموت لما تعلق حق الورثة بماله منعه الشارع من التبرع بما زاد على الثلث فإن في تمكينه من التبرع بماله إبطال حق الورثة منه وفي تمكين هذا المديان من التبرع إبطال حقوق الغرماء والشريعة لا تأتي بمثل هذا فإنها إنما جاءت بحفظ حقوق أرباب الحقوق بكل طريق وسد الطرق المفضية إلى إضاعتها وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ومن أخذها يريد أتلافها أتلفه الله" ولا ريب أن هذا التبرع إتلاف لها فكيف ينفذ تبرع من دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم على فاعله.

وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يحكى عن بعض علماء عصره من أصحاب احمد انه كان ينكر هذا المذهب ويضعفه قال إلى أن بلى بغريم تبرع قبل الحجر عليه فقال: والله مذهب مالك هو الحق في هذه المسألة و تبويب البخارى و ترجمتة و استدلاله يدل على اختياره هذا المذهب فانه قال في باب من رد أمر السفيه والضعيف وإن لم يكن حجر عليه الإمام ويذكر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم رد على المتصدق قبل النهي ثم نهاه فتأمل هذا الاستدلال قال عبد الحق أراد به والله أعلم حديث جابر في بيع المدبر ثم قال البخاري في هذا الباب نفسه وقال مالك: "إذا كان لرجل على رجل مال وله عبد لا شيء له غيره فأعتقه لم يجز عتقه" ثم ذكر حديث: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أداها الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله" وهذا الذي حكاه عن مالك هو في كتب أصحابه.


وقال ابن الجلاب:

"ولا تجوز هبة المفلس ولا عتقه ولا صدقته إلا بإذن غرمائه وكذلك المديان الذي لم يفلسه غرماؤه في عتقه وهبته وصدقته" وهذا القول هو الذي لا نختار غيره.

وعلى هذا فالحيلة لمن تبرع غريمه بهبة أو صدقة أو وقف أو عتق وليس في ماله سعة له ولدائنه أن يرفعه إلى حاكم يرى بطلان هذا التبرع ويسأله الحكم ببطلانه فإن لم يكن في بلده حاكم يحكم بذلك فالحيلة أن يأخذ عليه إذا خاف منه ذلك الضمين أو الرهن فإن بادر الغريم وتبرع قبل ذلك فقد ضاقت الحيلة على صاحب الحق ولم يبق غير أمر واحد وهو التوصل إلى إقراره بأن ما في يده أعيان أموال الغرماء فيمتنع التبرع بعد الإقرار فإن قدم تاريخ الإقرار بطل التبرع المتقدم أيضا وليست هذه حيلة على إبطال حق ولا تحقيق باطل بل على جور وظلم فلا بأس بها والله أعلم.

المثال الرابع والسبعون:
إذا كان له عليه دين ولا بينة له به وخاف أن يجحده أوله بينة به ويخاف أن يمطله فالحيلة أن يستدين منه بقدر دينه إن أمكن ولا يضره أن يعطيه به رهنا أو كفيلا فإذا ثبت له في ذمته نظير دينه قاصه به وإن لم يرض على أصح المذاهب فإن حذر غريمه من ذلك وأمكنه أن يشتري منه سلعة ولا يعين الثمن ويخرج النقد فيضعه بين يديه فإذا قبض السلعة وطلب منه الثمن قاصه بالدين الذي عليه وبكل حال فطريق الحيلة أن يجعل له عليه من الدين نظير ماله.

المثال الخامس والسبعون:
إذا خاف العنت ولم يجد طول حرة وكره رق أولاده فالحيلة في عتقهم أن يشترط على السيد أن ما ولدته زوجته منه من الولد فهم أحرار فكل ولد تلده بعد ذلك منه فهو حر ويصح تعليق العتق بالولادة كما لو قال لأمته كل ولد تلدينه فهو حر قال ابن المنذر ولا أحفظ فيه خلافا فإن قيل فهل تجوزون نكاح الأمة بدون الشرطين إذا امن رق ولده بهذا التعليق قيل هذا محل اجتهاد ولا تأباه أصول الشريعة وليس فيه إلا أن الولد يثبت عليه الولاء للسيد وهو شعبة من الرق ومثل هذا هل ينتهض سببا لتحريم نكاح الأمة أو يقال وهو أظهر إن الله تعالى منع من نكاح الإماء لأنهن في الغالب لا يحجبن حجب الحرائر وهن في مهنة ساداتهن وحوائجهن وهن برزات لا مخدرات وهذه كانت عادة العرب في إمائهن وإلى اليوم فصان الله تعالى الأزواج أن تكون زوجاتهم بهذه المثابة مع ما يتبع ذلك من رق الولد وأباحه لهم عند الضرورة إليه كما أباح الميتة والدم ولحم الخنزير عند المخصمة وكل هذا منع منه تعالى كنكاح غير المحصنة ولهذا شرط تعالى في نكاحهن أن يكن محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان أي غير زانية مع من كان ولا زانية مع خدينها وعشيقها دون غيره فلم يبح لهم نكاح الإماء إلا بأربعة شروط عدم الطول وخوف العنت وإذن سيدها وأن تكون عفيفة غير فاجرة فجوراً عاماً ولا خاصاً والله أعلم.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:41 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالخميس 23 فبراير 2017, 10:29 pm

والمثال السادس والسبعون:
إذا لم تمكنه أمته من نفسها حتى يعتقها ويتزوجها ولا يريد إخراجها عن ملكه ولا تبصر نفسه عنها فالحيلة أن يبيعها أو يهبها لمن يثق به ويشهد عليه من حيث لا تعلم هي والبيع أجود لأنه لا يحتاج إلى قبض ثم يعتقها ثم يتزوجها فإذا فعل استردها من المشتري من حيث لا تعلم الجارية فانفسخ النكاح فيطؤها بملك اليمين ولا عدة عليها.

المثال السابع والسبعون:
إذا أراده من لا يملك رده على بيع جاريته منه فالحيلة في خلاصه أن يفعل ما ذكرناه سواء ويشهد على عتقها أو نكاحها ثم يستقيله البيع فيطؤها بملك اليمين في الباطن وهي زوجته في الظاهر ويجوز هذا لأنه يدفع به عن نفسه ولا يسقط به حق ذي حق وإن شاء احتال بحيلة أخرى وهى إ قراره بأنها وضعت منه ما يتبين به خلق الإنسان فصارت بذلك أم ولد لا يمكن نقل الملك فيها فإن أحب دفع التهمة عنه وأنه قصد بذلك التحيل فليبعها لمن يثق به ثم يواطىء المشترى على أن يدعى عليه أنها وضعت في ملكه ما فيه صورة إنسان ويقر بذلك فينفسخ البيع ويكتب بذلك محضرا فإنه يمتنع بيعها بعد ذلك.

المثال الثامن والسبعون:
إذا أراد أن يبيع الجارية من رجل بعينه ولم تطب نفسه بأن تكون عند غيره فله في ذلك أنواع من الحيل إحداها أن يشترط عليه أنه إن باعها فهو أحق بها بالثمن كما اشترطت ذلك امرأة عبد الله بن مسعود عليه ونص الإمام أحمد: على جواز البيع والشرط في رواية على بن سعيد وهو الصحيح فإن لم تتم له هذه الحيلة لعدم من ينفذها له فليشترط عليه أنك إن بعتها لغيري فهي حرة ويصح هذا الشرط وتعتق عليه إن باعها لغيره إما بمجرد الإيجاب عند صاحب المغنى وغيره وإما بالقبول فيقع العتق عقيبه وينفسخ البيع عند صاحب المحرر وهذه طريقة القاضي.

قال في كتاب إبطال الحيل:
"إذا قال إن بعتك هذا العبد فهو حر وقال المشتري إن اشتريته فهو حر فباعه عتق على البائع لأنه ليس له عند دخوله في ملك الآخر حال استقرار حتى يعتق عليه بنيته التابعة لأن خيار المجلس ثابت للبائع فملك المشتري غير مستقر" وقول صاحب المحرر وانفسخ البيع تقرير لهذه الطريقة وأنه إنما يعتق بالقبول ويعتق في مدة الخيار على أحد الوجوه الثلاثة.

فإن لم تتم له هذه الحيلة عند من لا يصحح هذا التعليق ويقول إذا اشتراها ملكها ولا تعتق بالشرط في ملك الغير كما يقوله أبو حنيفه فله حيلة أخرى وهي أن يقول إذا بعتها فهي حرة قبل البيع فيصح هذا التعليق فإذا باعها حكمنا بوقوع العتق قبل البيع على أحد الوجهين في مذهب الشافعي وأحمد رضى الله عنهما فإذا لم تتم له هذه الحيلة عند من لا يصحح هذا التعليق فله حيلة أخرى وهي أن يقول إذا اشتريتها فهي مدبرة فيصح هذا التعليق ويمتنع بيعها عند أبي حنيفة فإن التدبير عنده جار مجرى العتق المعلق بصفة فإذا اشتراها صارت مدبرة ولم يمكنه بيعها عنده.

فإن لم تتم له هذه الحيلة على قول من لا يجوز تعليق التدبير بصفة فالحيلة أن يأخذ البائع إقرار المشتري بأنه دبر هذه الجارية بعد ما اشتراها وأنه جعلها حرة بعد موته.

فإن لم تتم له هذه الحيلة على قول من يجوز بيع المدبر وهو الإمام أحمد ومن قال بقوله فالحيلة أن يشهد عليه قبل أن يبيعها منه أنه كان من سيدها تزويجا صحيحا وأنها ولدت منه ولدا ثم اشتراها بعد ذلك فصارت أم ولده فلا يمكنه بيعها.

فإن لم تتم هذه الحيلة على قول من يعتبر في كونها أم ولد أن تحمل وتضع في ملكه ولا يكفي أن تلد منه في غير ملكه كما هو ظاهر مذهب أحمد والشافعي فقد ضاقت عليه وجوه الحيل ولم يبق له إلا حيلة واحدة وهي أن يتراضى سيد الجارية والمشتري برجل ثقة عدل بينهما فيبيعها هذا العدل بطريق الوكالة عن سيدها بزيادة على ثمنها الذي اتفقا عليه ويزيد ما شاء ويقبض منه الثمن الذي اتفقا عليه فإن أراد المشتري بيعها طالبه بباقي الثمن الذي أظهره ولو لم يدخلا بينهما ثالثا بل اتفقا على ذلك فقال: أبيعكها بمائة دينار وآخذ منك أربعين فإن بعتها طالبتك بباقي الثمن وإن لم تبعها لم أطالبك جاز لكن في توسط العدل الذي يثق به المشتري كأبيه وصاحبه تطييب لقلبه وأمان له من مطالبة البائع له بالثمن الكثير.

المثال التاسع والسبعون:
إذا طلب منه ولده أو عبده أن يزوجه وخاف أن يلحقه ضرر بالزوجة ويأمره بطلاقها فلا يقبل فالحيلة أن يقول له لا أزوجك إلا أن تجعل أمر الزوجة بيدي فإن وثق منه بذلك الوعد قال له بعد التزويج أمرها بيدك وإن لم يثق منه به وخاف أنه إذا قبل العقد لا يفي له بما وعده فالحيلة أن لا يأذن له حتى يعلق ذلك بالنكاح فيقول إن تزوجتها فأمرها بيدك ويصح هذا التعليق على مذهب أهل المدينة وأهل العراق فإن أراد أن يكون ذلك مجمعا عليه فليكتب في كتاب الصداق وأقر الزوج المذكور أن أمر الزوجة المذكورة بيد السيد أو الأب فإذا وقع ما يحذره منها تمكن حينئذ من التطليق عليه والله أعلم لكن قد يخرجه عن الوكالة بعد ذلك فلا يتم مراده فالحيلة أن يشترط عليه أنه متى أخرجه عن الوكالة فهي طالق.

المثال الثمانون:
إذا دبر عبده أو أمته جاز له بيعه ويبطل تدبيره فإن خاف أن يرفعه العبد إلى حاكم لا يرى بيع المدبر فيحكم عليه بالمنع من بيعه فالحيلة أن يقول إن مت وأنت في ملكي فأنت حر بعد موتي فإذا قال ذلك تم له الأمر كما أراد فإن أراد بيعه مادام حيا فله ذلك وإن مات وهو في ملكه عتق عليه والفرق بين أن يقول أنت حر بعد موتي وبين أن يقول إن مت وأنت في ملكي فأنت حر بعد موتي أن هذا تعليق للعتق بصفة وذلك لا يمنع بيع العبد كما لو قال إن دخلت الدار فأنت حر فله بيعه قبل وجود الصفة بخلاف قوله أنت حر بعد موتي فإنه جزم بحريته في ذلك الوقت ونظير هذا أنه لو قال إن مت قبلي فأنت في حل من الدين الذي عليك فهو إبراء معلق بصفة ولو قال له أنت في حل بعد موتي صح ولم يكن تعليقا للإبراء بالشرط ونظيره لو قال إن مت فداري وقف فإنه تعليق للوقف بالشرط ولو قال هي وقف بعد موتي صح والله أعلم.

المثال الحادي والثمانون:
لو أن رجلين ضمنا رجلا بنفسه فدفعه أحدهما الى الطالب برىء الذي لم يدفع وهذا بمنزلة رجلين ضمنا لرجل مالا فدفعه إليه أحدهما فإنهما يبرءان جميعا لأن المضمون هو إحضار واحد فإذا سلمه أحدهما فقد وجد الإحضار المضمون فبرئا جميعا قال القاضي وربما ألزمه بعض القضاة الضمان بنفس المطلوب ولا يجعل دفع الآخر براءة للذي لم يدفع فالحيلة أن يضمنا للطالب هذا الرجل بنفسه على أنه إذا دفعه أحدهما فهما جميعا بريئان فيتخلص على قول الكل أو يشهدا أن كل واحد منهما وكيل صاحبه في دفع هذا الرجل إلى الطالب والتبرى إليه فإذا دفعه أحدهما برئا جميعا منه لأنه إذا كان كل منهما وكيل صاحبه كان تسليمه كتسليم موكله.

المثال الثاني والثمانون:
قال القاضي في كتاب إبطال الحيل إذا كان لرجلين على امرأة مال وهما شريكان فتزوجها أحدهما على نصيبه من المال الذي عليها لم يضمن لصاحبه شيئا من المهر لأنه لم يجعل نصيبه في ضمانه فصار كما لو أبرأه وربما ضمنه بعض الفقهاء فالحيلة فيه أن يهب لها نصيبه مما عليها ثم يتزوجها بعد ذلك على مقدار ما وهبها ثم تهب المرأة للزوج المهر الذي تزوجها عليه لأن أحد الشريكين إذا وهب نصيبه من المال المشترك لا يضمن لكونه متبرعا فإذا تزوجها بعد ذلك على مهر ووهبته له حصل مقصوده وتخلص من أقاويل المختلفين.

المثال الثالث والثمانون:
لو حلف رجل بالطلاق أنه لا يضمن عن أحد شيئا فحلف آخر بالطلاق أن لابد أن تضمن عني فالحيلة في أن يضمن عنه ولا يحنث أن يشاركه ويشتري متاعا بينه وبين شريكه قال القاضي: فإنه يضمن عن شريكه نصف الثمن ولا يحنث الحالف في يمينه لأن المحلوف عليه عقد الضمان وما يلزمه في مسألتنا لا يلزمه بعقد الضمان وإنما يلزمه بالوكالة لأن كل واحد من الشريكين وكيل صاحبه فيما يشتريه فلهذا لم يحنث في يمينه فإن كانت بحالها ولم يكن بينه وبين المحلوف عليه شركة لكنه وكله المحلوف عليه فاشتراها لم يحنث أيضا لم بينا.

المثال الرابع والثمانون:
شريكان شركة عنان ضمنا عن رجل مالا بأمره على أنه إن أدى المال أحد الشريكين رجع به على شريكه وإن أداه الآخر فشريكه منه برىء وللمسألة أربع صور إحداها أن يقولا أيانا أداه رجع به على شريكه الثانية عكسه الثالثة أن يقول إن أديته أنا رجعت به عليك ولا ترجع به على إن أديته الرابعة عكسه فالصورة الأولى والثانية لا تحتاج إلى حيلة وأما الثالثة والرابعة فالحيلة في جوازهما أن يضمن أحد الشريكين عن المدين ما عليه لصاحبه ثم يجىء شريكه فيضمن ما لصاحب الحق عليهما فإذا أدى هذا الشريك المال رجع به على شريكه والأصيل وإذا أداه شريكه والأصيل لم يرجعا على الشريك بشيء لأن شريكه قد صار صاحب الأصل ههنا فلو رجع عليه لرجع هو عليه بشيء فمن حيث يثبت يسقط فلا معنى للرجوع عليه.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:42 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالإثنين 24 أبريل 2017, 7:28 pm

المثال الخامس والثمانون:
 لا بأس للمظلوم أن يتحيل على مسبة الناس لظالمه والدعاء عليه والأخذ من عرضه وإن لم يفعل ذلك بنفسه إذ لعل ذلك يردعه ويمنعه من الإقامة على ظلمه وهذا كما لو أخذ ماله فلبس أرث الثياب بعد أحسنها وأظهر البكاء والنحيب والتأوه أو آذاه في جواره فخرج من داره وطرح متاعه على الطريق أو أخذ دابته فطرح حمله على الطريق وجلس يبكي ونحو ذلك فكل هذا مما يدعو الناس إلى لعن الظالم له وسبه والدعاء عليه وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم المظلوم بأذى جاره له إلى نحو ذلك ففي السنن ومسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من جاره فقال: "اذهب فاصبر فأتاه مرتين أو ثلاثا فقال: اذهب فاطرح متاعك في الطريق فطرح متاعه في الطريق" فجعل الناس يسألونه فيخبرهم خبره فجعل الناس يلعنونه فعل الله به وفعل فجاء إليه جاره فقال له: ارجع لا ترى مني شيئا تكرهه" هذا لفظ أبي داود.

المثال السادس والثمانون:
ما ذكره في مناقب أبي حنيفة رحمة الله تعالى: أن رجلا أتاه بالليل فقال أدركني قبل الفجر وإلا طلقت امرأتي فقال وما ذاك قال تركت الليلة كلامي فقلت لها إن طلع الفجر ولم تكلميني فأنت طالق ثلاثا وقد توسلت إليها بكل أمر أن تكلمني فلم تفعل فقال له: اذهب فمر مؤذن المسجد أن ينزل فيؤذن قبل الفجر فلعلها إذا سمعته أن تكلمك واذهب إليها وناشدها أن تكلمك قبل أن يؤذن المؤذن ففعل الرجل وجلس يناشدها وأذن المؤذن فقالت: قد طلع الفجر وتخلصت منك فقال: قد كلمتني قبل الفجر وتخلصت من اليمين وهذا من أحسن الحيل.

المثال السابع والثمانون:
قال بشر بن الوليد كان في جوار أبي حنيفة فتى يغشى مجلسه فقال له يوما إني أريد التزوج بامرأة وقد طلبوا مني من المهر فوق طاقتي وقد تعلقت بالمرأة فقال: له اعطهم ما طلبوا منك ففعل فلما عقد العقد جاء إليه فقال قد طلبوا مني المهر فقال: احتل واقترض وأعطهم ففعل فلما دخل بأهله قال إني أخاف المطالبين بالدين وليس عندي ما أوفيهم فقال أظهر أنك تريد سفرا بعيدا وأنك تريد الخروج بأهلك ففعل واكترى جمالا فاشتد ذلك على المرأة وأوليائها فجاءوا إلي أبى حنيفة رحمه الله فسألوه فقال له أن يذهب بأهله حيث شاء فقالوا نحن نرضيه ونرد إليه ما أخذناه منه ولا يسافر فلما سمع الزوج طمع فقال لا والله حتى يزيدوني فقال له إن رضيت بهذا وإلا أقرت المرأة أن عليها دينا لرجل فلا يمكنك أن تخرجها حتى توفيه فقال بالله لا يسمع أهل المرأة ذلك منك أنا أرضى بالذي أعطيتهم.

المثال الثامن والثمانون:
قال القاضي أبو يعلى: إذا كان لرجل على رجل ألف درهم فصالحه منها على مائة درهم يؤديها إليه في شهر كذا فإن لم يفعل وأخرها إلى شهر آخر فعليه مائتان فهو جائز وقد أبطله قوم آخرون قال أما جواز الصلح من ألف على مائة فالوجه فيه أن التسعمائة لا يستفيدها بعقد الصلح وإنما استفادها بعقد المداينة وهو العقد السابق فعلم أنها ليست مأخوذة على وجه المعاوضة وإنما هي على طريق الإبراء عن بعض حقه قال ويفارق هذا إذا كانت له ألف مؤجلة فصالحه على تسعمائة حالة انه لا يجوز لأنه استفاد هذه التسعمائة بعقد الصلح لأنه لم يكن مالكا لها حالة وإنما كان يملكها مؤجلة فلهذا لم يصح.

وأما جوازه على الشرط المذكور وهو انه إن لم يفعل فعليه مائتان فلأن المصالح إنما علق فسخ البراءة بالشرط والفسخ يجوز تعليقه بالشرط وإن لم يجز تعليق البراءة بالشرط ألا ترى انه لو قال أبيعك هذا الثوب بشرط أن تنقدني الثمن اليوم فإن لم تنقدني الثمن اليوم فلا بيع بيننا إذا لم ينقد الثمن في يومه انفسخ العقد بينهما كذلك ههنا ومن لم يجز ذلك يقول هذا تعليق براءة المال بالشرط وذلك لا يجوز قال والوجه في جواز هذا الصلح على مذهب الجميع أن يعجل رب المال حط ثمانمائة يحطها على كل حال ثم يصالح المطلوب من المائتين الباقيتين على مائة يؤديها إليه في شهر كذا على أنه إن أخرها عن هذا الوقت فلا صلح بينهما فإذا فعل هذا فقد استوثق في قول الجميع لأنه متى صالحه على مائتين وقد حط عنه الباقي يصير كأنه لم يكن عليه من الدين إلا مائتا درهم ثم صالحه عن المائتين الباقيتين على مائة يؤديها إليه في شهر كذا فإن أخرها فلا صلح بينهما فيكون على قول الجميع مخ العقد معلقا بترك النقد وذلك جائز على ما بيناه في البيع.

فإن أراد أن يكاتب عبده على ألف درهم يؤديها إليه في سنتين فإن لم يفعل فعليه ألف أخرى فهى كتابة فاسدة لأنه علق إيجاب المال بخطر وتعليق المال بالأخطار لا يجوز والحيلة في جوازه أن يكاتبه على ألفي درهم ويكتب عليه بذلك كتابا ثم يصالحه بعد ذلك على آلف درهم يؤديها إليه في سنتين فإن لم يفعل فلا صلح بينهما فيكون تعليقا للفسخ بخطر وذلك جائز على ما قدمناه من مسألة البيع فإن كان السيد كاتب عبده على ألفي درهم إلى سنتين فأراد العبد أن يصالح سيده على النصف يعجلها له فإن ذلك جائز عندنا ويبطله غيرنا انتهى كلامه.

المثال التاسع والثمانون:
 قال القاضي: إذا اشترى رجل من رجل دارا بألف درهم فجاء الشفيع يطلب الشفعة فصالحه المشتري على أن أعطاه نصف الدار بنصف الثمن جاز لأن الشفيع صالح على بعض حقه وذلك جائز كما لو صالح من آلف على خمسمائة فإن صالحه على بيت من الدار بحصته من الثمن لم يجز لأنه صالح على شئ مجهول لأن ما يأخذه الشفيع يأخذه على وجه المعاوضة وحصة المبيع من الثمن مجهولة وجهالة العوض تمنع صحة العقد فالحيلة حتى يسلم البيت للشفيع والدار للمشتري أن يشتري الشفيع هذا البيت من المشتري بثمن مسمى ثم يسلم الشفيع للمشتري ما بقى من الدار وشراء الشفيع لهذا البيت تسليم للشفعة ومساومته بالبيت تسليم للشفعة لأنه إذا اشتراه بثمن مسمى كان عوض البيت معلوما ودخوله في شراء البيت تسليم للشفعة فيما بقى من الدار وذلك جائز فالحيلة أن يأخذ البيت بهذا الثمن المسمى من غير أن يكون مسلما للشفعة حتى يجب له البيت أن يبدأ المشتري فيقول للشفيع هذا البيت ابتعته لك بكذا وكذا درهما فيقول الشفيع قد رضيت واستوجبت لأن المشتري متى ابتدأ بقوله هذا البيت لك بكذا لم يكن الشفيع مسلما للشفعة.

المثال التسعون:
تجوز المغارسة عندنا على شجر الجوز وغيره بأن يدفع إليه أرضه ويقول اغرسها من الأشجار كذا وكذا والغرس بيننا نصفان وهذا كما يجوز أن يدفع إليه ماله يتجر فيه والربح بينهما نصفان وكما يدفع إليه أرضه يزرعها والزرع بينهما وكما يدفع إليه شجره يقوم عليه والثمر بينهما وكما يدفع إليه بقره أو غنمه أو إبله يقوم عليها والدر والنسل بينهما وكما يدفع إليه زيتونه يعصره والزيت بينهما وكما يدفع إليه دابته يعمل عليها والأجرة بينهما وكما يدفع إليه فرسه يغزو عليها وسهمها بينهما وكما يدفع إليه قناة يستنبط ماءها والماء بينهما ونظائر ذلك فكل ذلك شركة صحيحة قد دل على جوازها النص والقياس واتفاق الصحابة ومصالح الناس وليس فيها ما يوجب تحريمها من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس ولا مصلحة ولا معنى صحيح يوجب فسادها والذين منعوا ذلك عذرهم أنهم ظنوا ذلك كله من باب الإجارة فالعوض مجهول فيفسد ثم منهم من أجاز المساقاة والمزارعة للنص الوارد فيهما والمضاربة للإجماع دون ما عدا ذلك ومنهم من خص الجواز بالمضاربة ومنهم من جوز بعض أنواع المساقاة والمزارعة ومنهم من منع الجواز فيما إذا كان بعض الأصل يرجع إلى العامل كقفيز الطحان وجوزه فيما إذا رجعت إليه الثمرة مع بقاء الأصل كالدر والنسل، والصواب جواز ذلك كله وهو مقتضى أصول الشريعة وقواعدها فإنه من باب المشاركة التي يكون العامل فيها شريك المالك هذا بماله وهذا بعمله وما رزق الله فهو بينهما وهذا عند طائفة من أصحابنا أولى بالجواز من الإجارة حتى قال شيخ الإسلام: هذه المشاركات أحل من الإجارة قال لان المستأجر يدفع ماله وقد يحصل له مقصوده وقد لا يحصل فيفوز المؤجر بالمال والمستأجر على الخطر إذ قد يكمل الزرع وقد لا يكمل بخلاف المشاركة فإن الشريكين في الفوز وعدمه على السواء إن رزق الله الفائدة كانت بينهما وإن منعها استويا في الحرمان وهذا غاية العدل فلا تأتى الشريعة بحل الإجارة وتحريم هذه المشاركات.

وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم المضاربة على ما كانت عليه قبل الإسلام فضارب أصحابه في حياته وبعد موته وأجمعت عليها الأمة ودفع خيبر إلى اليهود يقومون عليها ويعمرونها من أموالهم بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع وهذا كأنه رأى عين ثم لم ينسخه ولم ينه عنه ولا امتنع منه خلفاؤه الراشدون وأصحابه بعده بل كانوا يفعلون ذلك بأراضيهم وأموالهم يدفعونها إلى من يقوم عليها بجزء مما يخرج منها وهم مشغولون بالجهاد وغيره ولم ينقل عن رجل واحد منهم المنع إلا فيما منع منه النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما قال الليث بن سعد: إذا نظر ذو البصر بالحلال والحرام علم انه لا يجوز ولو لم تأت هذه النصوص والآثار فلا حرام إلا ما حرمه الله ورسوله والله ورسوله لم يحرم شيئا من ذلك وكثير من الفقهاء يمنعون ذلك.

فإذا بلى الرجل بمن يحتج في التحريم بأنه هكذا في الكتاب وهكذا قالوا ولا بد له من فعل ذلك إذ لا تقوم مصلحة الأمة إلا به فله أن يحتال على ذلك بكل حيلة تؤدي إليه فإنها حيل تؤدي إلى فعل ما أباحه الله ورسوله ولم يحرمه على الأمة وقد تقدم ذكر الحيلة على جواز المساقاة والمزارعة ونظيرها في الاحتيال على المغارسة أن يؤجره الأرض يغرس فيها ما شاء من الأشجار لمدة كذا وكذا سنة بخدمتها وغرس كذا وكذا من الأشجار فيها فإن اتفقا بعد ذلك أن يجعلا لكل منها غراسا معينا مقررا جاز وإن أحب أن يكون الجميع شائعا بينهما فالحيلة أن يقر كل منهما للآخر أن جميع ما في هذه الأرض من الغراس فهو بينهما نصفين أو غير ذلك.

والحيلة في جواز المشاركة على البقر والغنم بجزء من درها ونسلها أن يستأجره للقيام عليها كذا وكذا سنة للمدة التي يتفقان عليها بنصف الماشية أو ثلثها على حسب ما يجعل له من الدر والنسل ويقر له بأن هذه الماشية بينهما نصفين أو أثلاثا فيصير درها ونسلها على حسب ملكهما فإن خاف رب الماشية أن يدعى عليه العامل بملك نصفها حيث أقر له به فالحيلة أن يبيعه ذلك النصف بثمن في ذمته ثم يسترهنه على ذلك الثمن فإن ادعى الملك بعد هذا طالبه بالثمن فإن ادعى الاعسار اقتضاه من الرهن.

والحيلة في جواز قفيز الطحان أن يملكه جزءا من الحب أو الزيتون إما ربعه أو ثلثه أو نصفه فيصير شريكه فيه ثم يطحنه أو يعصره فيكون بينهما على حسب ملكيهما فيه فإن خاف أن يملكه ذلك فيملكه عليه ولا يحدث فيه عملا فالحيلة أن يبيعه إياه بثمن في ذمته فيصير شريكه فيه فإذا عمل فيه سلم إليه حصته أو أبرأه من الثمن فإن خاف الأجير أن يطالبه بالثمن ويتسلم الجميع ولا يعطيه أجرته فالحيلة في أمنه من ذلك أن يشهد عليه أن الأصل مشترك بينهما قبل العمل فإذا أحدث فيه العمل فهو على الشركة.

وهكذا الحيلة في جميع هذا الباب وهي حيلة جائزة فإنها لا تتضمن إسقاط حق ولا تحريم حلال ولا تحليل حرام.

المثال الحادي والتسعون:
إذا خرج المتسابقان في النضال معا جاز في اصح القولين والمشهور من مذهب مالك انه لا يجوز وعلى القول بجوازه فأصح القولين انه لا يحتاج إلى محلل كما هو المنقول عن الصديق وأبي عبيده بن الجراح واختيار شيخنا وغيره والمشهور من أقوال الأئمة الثلاثة انه لا يجوز إلا بمحلل على تفاصيل لهم في المحلل وحكمه وقد ذكرناها في كتابنا الكبير في الفروسية الشرعية وذكرنا فيه وفي كتاب بيان الاستدلال على بطلان اشتراط محلل السباق والنضال بيان بطلانه من أكثر من خمسين وجها وبينا ضعف الحديث الذي احتج به من اشترطه وكلام الأئمة في ضعفه وعدم الدلالة منه على تقدير صحته.

والمقصود هنا بيان وجه الحيلة على الاستغناء عنه عند من يقنع بهذا قالوا وهكذا في الكتاب فالحيلة على تخلص المتسابقين المخرجين منه أن يملكا العوضين لثالث يثقان به ويقول الثالث أيكما سبق فالعوضان له وإن جئتما معا فالعوضان بينكما فيجوز هذا العقد وهذه الحيلة ليست حيلة على جواز أمر محرم ولا تتضمن إسقاط حق ولا تدخل في مأثم فلا بأس بها والله أعلم.

المثال الثاني والتسعون:
يجوز اشتراط الخيار في البيع فوق ثلاث على أصح قول العلماء وهو مذهب الإمام احمد ومالك على تفاصيل عند مالك وقال الشافعي وأبو حنيفة: لا يجوز وقد تدعو الحاجة إلى جوازه لكون المبيع لا يمكنه استعلامه في ثلاثة أيام أو لغيبة من يشاوره ويثق برأيه أو لغير ذلك والقياس المحض جوازه تأجيل الثمن فوق ثلاث والشارع لم يمنع من الزيادة على الثلاثة ولم يجعلها حدا فاصلا بين ما يجوز من المدة ومالا يجوز وإنما ذكرها في حديث حبان بن منقذ وجعلها له بمجرد البيع وإن لم يشترطه لأنه كان يغلب في البيوع فجعل له ثلاثا في كل سلعة يشتريها سواء شرط ذلك أولم يشترطه هذا ظاهر الحديث فلم يتعرض للمنع من الزيادة على الثلاثة بوجه من الوجوه فإن أراد الجواز على قول الجميع فالمخرج أن يشترط الخيار ثلاثا فإذا قارب انقضاء الأجل فسخه ثم اشترط ثلاثا وهكذا حتى تنقضي المدة التي اتفقا عليها وليست هذه الحيلة محرمة لأنها لا تدخل في باطل ولا تخرج من حق وهذا بخلاف الحيلة على إيجار الوقف مائة سنة وقد شرط الواقف أن لا يؤجر اكثر من سنة واحدة فتحيل على إيجاره أكثر منها بعقود متفرقة في ساعة واحدة كما تقدم.

المثال الثالث والتسعون:
إذا أراد أن يقرض رجلا مالا ويأخذ منه رهنا فخاف أن يهلك الرهن فيسقط من دينه بقدره عند حاكم يرى ذلك فالمخرج له أن يشتري العين التي يريد ارتهانها بالمال الذي يفرضه ويشهد عليه انه لم يقبضه فإن وثق بكونه عند البائع تركه عنده فإن تلف تلف من ضمانه وان بقى تمكن من أخذه منه متى شاء وإن رد عليه المال أقاله البائع.

وأحسن من هذه الحيلة ان يستودع العين قبل القرض ثم يقرضه وهي عنده فهي في الظاهر وديعة وفي الباطن رهن فإن تلفت لم يسقط بهلا كها شئ من حقه.

فإن خاف الراهن انه إذا وفاه حقه لم يقله البيع فالمخرج له ان يشترط عليه الخيار الى المدة التي يعلم انه يوفيه فيها على قول ابي يوسف ومحمد ومالك واحمد.

فإن خاف المرتهن ان يستحق الرهن أو بعضه فالمخرج له ان يضمن درك الرهن غير الراهن أو يشهد على من يخشى دعواه الاستحقاق بأنه متى ادعاه كانت دعواه باطلة أو يضمنه الدرك لنفسه.

المثال الرابع والتسعون:
 إذا بدا الصلاح في بعض الشجرة جاز بيع جميعها وكذلك يجوز بيع ذلك النوع كله في البستان وقال شيخنا: يجوز بيع البستان كله تبعا لما بدا صلاحه سواء كان من نوعه أولم يكن تقارب إدراكه وتلاحق أم تباعد وهو مذهب الليث بن سعد وعلى هذا فلا حاجة الى الاحتيال على الجواز.

وقالت الحنفية: إذا خرج بعض الثمرة دون بقيتها أو خرج الجميع وبعضه قد بدا صلاحه دون بعض لا يجوز البيع للجمع بين الموجود والمعدوم والمتقوم وغيره فتصير حصة الموجود المتقوم مجهولة فيفسد البيع وبعض الشيوخ كان يفتى بجوازه في الثمار والباذنجان ونحوهما جعلا المعدوم تبعا للموجود وأفتى محمد بن الحسن بجوازه في الورد لسرعة تلاحقه قال شمس الأئمة السرخسي: والأصح المنع فالحيلة في الجواز أن يشتري الأصول وهذا قد لا يتأتى غالبا قالوا فالحيلة أيضا أن يشتري الموجود الذي بدا صلاحه بجميع الثمن ويشهد عليه انه قد أباح له ما يحدث من بعد وهذه الحيلة ايضا قد تتعذر إذ قد يرجع في الإباحة وإن جعلت هبة فهبة المعدوم لا تصح وإن ساقاه على الثمرة من كل الف جزء على جزء مثلا لم تصح المساقاه عندهم وتصح عند أبى يوسف ومحمد وإن آجره الشجرة لأخذ ثمرتها لم تصح الإجارة عندهم وعند غيرهم.

فالحيلة إذا أن يبيعه الثمرة الموجودة ويشهد عليه أن ما يحدث بعدها فهو حادث على ملك المشتري لا حق للبائع فيه ولا يذكر سبب الحدوث.

ولهم حيلة أخرى فيما إذا بدت الثمار أن يشتريها بشرط القطع أو يشتريها ويطلق ويكون القطع هو موجب العقد ثم يتفقان على التبقية الى وقت الكمال ولا ريب ان المخرج ببيعها إذا بدا صلاح بعضها أو بإجارة الشجر أو بالمساقاة أقرب إلى النص والقياس وقواعد الشرع من ذلك كما تقدم تقريره.

المثال الخامس والتسعون:
 إذا وكله ان يشترى له بضاعة وتلك البضاعة عند الوكيل وهي رخيصة نساوي أكثر مما اشتراها به ولا تسمح نفسه ان يبيعها بما اشتراها به فالحيلة أن يبيعها بما تساويه بيعا تاما صحيحا لأجنبي ثم إن شاء اشتراها من الأجنبي لموكله ولكن تدخل هذه الحيلة سدا للذرائع إذ قد يتخذ ذلك ذريعة إلى أن يبيعها بأكثر مما تساوي فيكون قد غش الموكل ويظهر هذا إذا اشتراها بعينها دون غيرها فيكون قد غر الموكل فإن كان الموكل لو اطلع على الحال لم يكره ذلك ولم يره غرورا فلا بأس به وإن كان لو اطلع عليه لم يرضه لم يجز والله أعلم.

المثال السادس والتسعون:

إذا اشترى منه دارا وخاف احتيال البائع عليه بأن يكون قد ملكها لبعض ولده فيتركها في يده مدة ثم يدعيها عليه ويحسب سكناها بثمنها كما يفعله المخادعون الماكرون فالحيلة أن يحتال لنفسه بأنواع من الحيل منها أن يضمن من يخاف منه الدرك ومنها أن يشهد عليه أنه إن ادعى هو أو وكيله في الدار كانت دعوى باطلة وكل بينة يقيمها زور ومنها أن يضمن الدرك لرجل معروف يتمكن من مطالبته ومنها أن يجعل ثمنها أضعاف ما اشتراها به فإن استحقت رجع عليه بالثمن الذي أشهد به.

مثاله أن يتفقا على أن الثمن ألف فيشتريها بعشرة آلاف ثم يبيعه بالعشرة آلاف سلعة ثم يشتريها منه بالألف وهي الثمن فيأخذ الألف ويشهد عليه أن الثمن عشرة آلاف وأنه قبضه وبرئ منه المشتري فإن استحقت رجع عليه بالعشرة آلاف وبالجملة فمقابلة الفاسد بالفاسد والمكر بالمكر والخداع بالخداع وقد يكون حسنا بل مأمورا به وأقل درجاته أن يكون جائزا كما تقدم بيانه.

المثال السابع والتسعون:
إذا اشترى العبد نفسه من سيده بمال يؤديه إليه فأدى إليه معظمه ثم جحد السيد أن يكون باعه نفسه وللسيد في يد العبد مال أذن له في التجارة به فالحيلة ان يشهد العبد في السر أن المال الذي في يده لرجل أجنبي فإن وفي له سيده بما عاقده عليه وفي له العبد وسلمه ماله وإن غدر به تمكن العبد من الغدر به وإخراج المال عن يده وهذه الحيلة لا تتأنى على أصل من يمنع مسالة الظفر ولا على قول من يجيزها فإن السيد إذا ظلمه بجحده حقه لم يكن له أن يظلمه بمنعه ماله وان يحول بينه وبينه فيقابل الظلم بالظلم ولا يرجع إليه منه فائدة ولكن فائدة هذه الحيلة أن السيد متى علم بصورة الحال وأنه متى جحده البيع حال بينه وبين ماله بالإقرار الذي يظهره منعه ذلك من جحود البيع فيكون بمنزلة رجل أمسك ولد غيره ليقتله فظفر هو بولده قبل القتل فأمسكه وأراه انه إن قتل ولده قتل هو ولده أيضا ونظائر ذلك.

وكذلك إن كان السيد هو الذي يخاف من العبد أن لا يقر له بالمال ويقر به لغيره يتواطان عليه فالحيلة أن يبدأ السيد فيبيع العبد لأجنبي في السر ويشهد على بيعه ثم يبيع العبد من نفسه فإذا قبض المال فأظهر العبد إقرارا بأن ما في يده لأجنبي أظهر السيد أن بيعه لنفسه كان باطلا وأن فلانا الأجنبي قد اشتراه فإذا علم العبد أن عتقه يبطل ولا يحصل مقصوده امتنع من التحيل على إخراج مال السيد عنه إلى أجنبي.



ونظير هذه الحيلة إذا أراد ظالم أخذ داره بشراء أو غيره فالحيلة أن يملكها لمن يثق به ثم يشهد على ذلك وأنها خرجت عن ملكه ثم يظهر انه وقفها على الفقراء والمساكين ولو كان في بلده حاكم يرى صحة وقف الإنسان على نفسه وصحة استثناء الغلة له وحده مدة حياته وصحة وقفه لها بعد موته فحكم له بذلك استغنى عن هذه الحيلة.

وحيل هذا الباب ثلاثة أنواع حيلة على دفع الظلم والمكر حتى لا يقع وحيلة على رفعه بعد وقوعه وحيلة على مقابلته بمثله حيث لا يمكن رفعه فالنوعان الأولان جائزان وفي الثالث تفصيل فلا يمكن القول بجوازه على الإطلاق ولا بالمنع منه على الإطلاق بل إن كان المتحيل به حراما لحق الله لم يجز مقابلته بمثله كما لو جرعه الخمر أو زنى بحرمته وإن كان حراما لكونه ظلما له في ماله وقدر على ظلمه بمثل ذلك فهي مسألة الظفر وقد توسع فيها قوم حتى أفرطوا وجوزوا قلع الباب ونقب الحائط وخرق السقف ونحو ذلك لمقابلته بأخذ نظير ماله ومنعها قوم بالكلية وقالوا لو كان عنده وديعة أوله عليه دين لم يجز له أن يستوفي منه قدر حقه إلا بإعلامه به وتوسط آخرون وقالوا إن كان سبب الحق ظاهرا كالزوجية والأبوة والبنوة وملك اليمين الموجب للإنفاق فله أن يأخذ قدر حقه من غير إعلامه وإن لم يكن ظاهرا كالقرض وثمن المبيع ونحو ذلك لم يكن له الأخذ إلا بإعلامه وهذا اعدل الأقوال في المسألة وعليه تدل السنة دلالة صريحة والقائلون به أسعد بها وبالله التوفيق.

وإن كان بهتا له وكذبا عليه أو قذفا له أو شهادة عليه بالزور لم يجز له مقابلته بمثله وإن كان دعاء عليه أولعنا أو مسبة فله مقابلته بمثله على أصح القولين وأن منعه كثير من الناس وإن كان إتلاف مال له فإن كان محترما كالعبد والحيوان لم يجز له مقابلته بمثله وإن كان غير محترم فإن خاف تعديه فيه لم يجز له مقابلته بمثله كما لو حرق داره لم يجز له أن يحرق داره وإن لم يتعد فيه بل كان يفعل به نظير ما فعل به سواء كما لو قطع شجرته أو كسر إناءه أو فتح قفصا عن طائره أوحل وكاء مائع له أو أرسل الماء على مسطاحه فذهب بما فيه ونحو ذلك وأمكنه مقابلته بمثل ما فعل سواء فهذا محل اجتهاد لم يدل على المنع منه كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح بل الادلة المذكورة تقتضى جوازه كما تقدم بيانه في أول الكتاب وكان شيخنا رضى الله عنه يرجح هذا ويقول هو أولى بالجواز من إتلاف طرفه بطرفه والله اعلم.

المثال الثامن والتسعون:
 الضمان والكفالة من العقود اللازمة ولا يمكن الضامن والكفيل أن يتخلص متى شاء ولا سيما عند من يقول ان الكفالة توجب وإن المال إذا تعذر إحضار المكفول به مع بقائه كما هو مذهب الإمام احمد ومن وافقه وطريق التخلص من وجوه أحدها أن يؤقتها بمدة فيقول ضمنته أو تكفلت به شهرا أو جمعة ونحو ذلك فيصح الثاني أن يقيدها بمكان دون مكان فيقول ضمنته أو تكفلت به ما دام في هذا البلد أوفي هذا السوق الثالث ان يعلقها على شرط فيقول ضمنت أو كفلت إن رضى فلان أو يقول ضمنت ما عليه إن كفل فلان بوجهه ونحو ذلك الرابع ان يشترط في الضمان أنه لا يطالبه حتى يتعذر مطالبة الأصيل فيجوز هذا الشرط بل هو حكم الضمان في اشهر الروايتين عن مالك فلا يطالب الضامن حتى يتعذر مطالبة الأصيل وإن لم يشترطه حتى لو شرط ان يأخذ من أيهما شاء كان الشرط باطلا عند ابن القاسم وأصبغ الخامس أن يقول كفك بوجهه على أني برئ مما عليه فلا يلزمه ما عليه إذا لم يحضره بل يلزم بإحضاره إذا تمكن منه السادس أن يطالب المضمون عنه بأداء المال الى ربه ليبرأ هو من الضمان إذا كان قد ضمن بإذنه ويكون خصما في المطالبة وهذا مذهب مالك فإن ضمنه بغير إذنه لم يكن له عليه مطالبته بأداء المال إلى ربه فإن اداه عنه فله مطالبته به حينئذ.

المثال التاسع والتسعون:
 إذا كان له داران فاشترى منه إحداهما على أنه إن استحقت فالدار الأخرى له بالثمن فهذا جائز إذ غايته تعليق البيع بالشرط وليس في شئ من الأدلة الشرعية ما يمنع صحته وقد نص الإمام احمد على جوازه فيمن باع جارية وشرط على المشتري انه إن باعها فهو أحق بها بالثمن وفعله بنفسه كما رهن نعله وشرط للمرتهن أنه إن جاءه بفكاكها إلى وقت كذا وإلا فهي له بما عليها ونص على جواز تعليق النكاح بالشرط فالبيع أولى ونص على جواز تعليق التولية بالشرط كما نص عليه صاحب الشرع نصا لا يجوز مخالفته وقد تقدم تقرير ذلك.

وكثير من الفقهاء يبطل البيع المذكور فالحيلة في جوازه عند الكل أن يشتري منه المشتري الدار الأخرى التي لا يريد شراءها ويقبضها منه ثم يشتري بها الدار التي يريد شراءها ويسلمها إليه ويتسلم داره فإن استحقت هذه الدار عليه رجع في ثمنها وهو الدار الأخرى وهذه حيلة لطيفة جائزة لا تتضمن إبطال حق ولا دخول في باطل وهي مثال لما كان من جنسها من هذا النوع مما يخالف استحقاقه ويشترط على البائع أخذ ما يقابله من حيوان أو دقيق أو غير ذلك.

المثال الموفى المائة:

رجل أراد أن يشتري جارية أو سلعة من رجل غريب فلم يأمن أن تستحق أو تخرج معيبة فلا يمكنه الرجوع ولا الرد فإن قال له البائع أنا أوكل من تعرفه فيما تدعى به من عيب أورجوع لم يأمن أن يحتال عليه ويعزله فيذهب حقه فالحيلة في التوثق ان يكون الوكيل هو الذي يتولى البيع بنفسه ويضمن له صاحب السلعة الدرك ويكون وكيلا لهذا الذي تولى البيع فيمكن المشتري حينئذ مطالبة هذا الذي تولى البيع بنفسه ويأمن ما يحذره.

المثال الحادي بعد المائة:
رجل قال لغيره اشتر هذه الدار أو هذه السلعة من فلان بكذا وكذا وأنا أربحك فيها كذا وكذا فخاف إن اشتراها أن يبدو للآمر فلا يريدها ولا يتمكن من الرد فالحيلة أن يشتريها على انه بالخيار ثلاثة أيام أوأكثر ثم يقول للآمر قد اشتريتها بما ذكرت فإن أخذها منه وإلا تمكن من ردها على البائع بالخيار فإن لم يشترها الآمر إلا بالخيار فالحيلة أن يشترط له خيارا أنقص من مدة الخيار التي أشترطها هو على البائع ليتسع له زمن الرد إن ردت عليه.

المثال الثاني بعد المائة:
إذا اشترى منه جارية أوسلعة ثم اطلع على عيب بها فخاف إن ادعى انه اشتراها بكذا وكذا ان ينكر البائع قبض الثمن ويسأل الحاكم الحكم عليه بإقراره أوينكر البيع ويسأله تسليم الجارية اليه فالحيلة التي تخلصه أن يردها عليه أولا فيما بينه وبينه ثم يدعى عليه عند الحاكم باستحقاق ثمنها ولا يعين السبب فإن أقر فلا إشكال وإن أنكر لم يلزم المشتري الثمن فإما أن يقيم عليه بينة أويحلفه.

المثال الثالث بعد المائة:
إذا كان له عليه مال حال فأبى أن يقر له به حتى يصالحه على بعضه أو يؤجله ولا بينة له فأراد حيلة يتوسل بها الى أخذ ماله كله حالا ويبطل الصلح والتأجيل فالحيلة له أن يواطئ رجلا يدعى عليه بالمال الذي له على فلان عند حاكم فيقر له به ويصح إقراره بالدين الذي له على الغير فإنه قد يكون المال مضاربة فيصير ديونا على الناس فلو لم يصح إقراره به له لضاع ماله وأما قول ابى عبد الله بن احمد إن في الرعاية ولو قال ديني الذي على زيد العمرو احتمل الصحة والبطلان أظهر فهذا إنما هو فيما إذا أضاف الدين إليه ثم قال هو لعمرو فيصير ما لو قال ملكى كله لعمرو أو دارى هذه له فإن هذا لا يصح إقرارا على أحد الوجهين للتناقض ويصح هبة فأما إذا قال هذا الدين الذي على زيد لعمرو يستحقه دونى صح ذلك قولا واحدا كما لو قال هذه الدار له أو هذا الثوب له على أن الصحيح صحة الإقرار ولو أضاف الدين أو العين إلى نفسه ولا تناقض لأن الإضافة تصدق مع كونه ملكا للمقر له فإنه يصح أن يقال هذه دار فلان إذا كان ساكنها بالأجرة ويقول المضارب ديني على فلان وهذا الدين لفلان يعني أنه يستحق المطالبة به والمخاصمة فيه فالإضافة تصدق بدون هذا ثم يأتي صاحب المال إلى من هو في ذمته فيصالحه على بعضه أو يؤجله ثم يجيء المقر له فيدعى على من عليه المال بجملتة حالا فإذا أظهر كتاب الصلح والتأجيل قال المقر له هذا باطل فإنه تصرف فيما لا يملك المصالح فإن كان الغريم إنما أقر باستحقاق غريمه الدين مؤجلا أو بذلك القدر منه فقط بطلت هذه الحيلة.

ونظير هذه الحيلة حيلة إيداع الشهادة وصورتها أن يقول له الخصم لا أقر لك حتى تبرئني من نصف الدين أو ثلثه وأشهد عليك أنك لا تستحق على بعد ذلك شيئا فيأتي صاحب الحق إلى رجلين فيقول أشهدا أني على طلب حقي كله من فلان وأني لم أبرئه من شيء منه وأني أريد أن أظهر مصالحته على بعضه لأتوصل بالصلح إلى أخذ بعض حقي وأني إذا أشهدت أني لا أستحق عليه سوى ما صالحني عليه فهو إشهاد باطل وأني إنما أشهدت على ذلك توصلا إلى أخذ بعض حقي فهذه تعرف بمسألة إيداع الشهادة فإذا فعل ذلك جاز له أن يدعى بقاءه على حقه ويقيم الشهادة بذلك هذا مذهب مالك وهو مطرد على قياس مذهب أحمد وجار على أصوله فإن له التوصل إلى حقه بكل طريق جائز بل لا يقتضي المذهب غير ذلك فإن هذا مظلوم توصل إلى أخذ حقه بطريق لم يسقط بها حقا لأحد ولم يأخذ بها مالا يحل له أخذه فلا خرج بها من حق ولا دخل بها في باطل.

ونظير هذا ان يكون للمرأة على رجل حق فيجحده ويأبى أن يقر به حتى تقر له بالزوجية فطريق الحيلة ان تشهد على نفسها انها ليست امرأة فلان وأنى أريد أن اقر له بالزوجية إقرارا كاذبا لا حقيقة له لأتوصل بذلك الى اخذ مالي عنده فاشهدو أن إقرارى بالزوجية باطل أتوصل به الى اخذ حقي.

ونظيره ايضا ان ينكر نسب اخيه ويأبى أن يقر له به حتى يشهد انه لا يستحق في تركة ابيه شيئا وانه قد أبرأه من جميع ماله في ذمته منها أوانه وهب له جميع ما يخصه منها أوانه قبضه أواعتاض عنه أونحو ذلك فيودع الشهادة عدلين انه باق على حقه وأنه يظهر ذلك الإقرار توصلا الى إقرار اخيه بنسبه وانه لم يأخذ من ميراث ابيه شيئاص ولا أبرأ اخاه ولا عاوضه ولا وهبه.

وهذا يشبه إقرار المضطهد الذي قد اضطهد ودفع عن حقه حتى يسقط حقا آخر والسلف كانوا يسمون مثل هذا مضطهدا كما قال حماد بن سلمة حدثنا حميد عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة وأراد سفرا فأخذه أهلها فجعلها طالقا إن لم يبعث بنفقتها الى شهر فجاء الاجل ولم يبعث اليها بشئ فلما قدم خاصموه الى أمير المؤمنين على كرم الله وجهه فقال: اضطهدتموه حتى جعلها طالقا فردها عليه.

ومعلوم أنه لم يكن هناك إكراه بضرب ولا أخذ مال وإنما طالبوه بما يجب عليه من نفقتها وذلك ليس بإكراه ولكن لما تعنتوه باليمين جعله مضطهدا لنه عقد اليمين ليتوصل إلى قصده من السفر فلم يكن حلفه عن اختيار بل هو كالمحمول عليه.

والفرق بينه وبين المكرة ان المكره قاصد لدفع الضرر باحتمال ما أكره عليه وهذا قاصد للوصول الى حقه بالتزام ما طلب منه وكلاهما غير راض ولا مؤثرا لما التزمه وليس له وطر فيه.

فتأمل هذا ونزله على قواعد الشرع ومقاصده وهذا ظاهر جدا في أن أمير المؤمنين على بن أبي طالب كرم الله وجهه لم يكن يرى الحلف بالطلاق موقعا للطلاق إذا حنث به وهو قول شريح وطاوس وعكرمة وأهل الظاهر وأبي عبد الرحمن الشافعي وهو أجل أصحابه على الإطلاق قال بعض الحفاظ ولا يعلم لعلى مخالف من الصحابه وسيأتي الكلام في المسألة إن شاء الله إذ القصود أن من أقر أو حلف أو وهب أو صالح لا عن رضا منه ولكن منع حقه إلا بذلك فهو بالمكره أشبه منه بالمختار ومثل هذا لا يلزمه ما عقده من هذه العقود.

ومن له قدم راسخ في الشريعة ومعرفة بمصادرها ومواردها وكان الإنصاف أحب إليه من التعصب والهوى والعلم والحجة آثر عنده من التقليد لم يكد يخفى عليه وجه الصواب والله الموفق، وهذه المسألة من نفائس هذا الكتاب والجاهل الظالم لا يرى الإحسان إلا إساءة ولا الهدى إلا الضلالة
فقيل:
للعيون الرمد للشمس أعين     سواك تراها في مغيب ومطالع
وسامح نفوسا بالقشور قد ارتضت   وليس لها للب من متطلع



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:42 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالإثنين 24 أبريل 2017, 7:40 pm

المثال الرابع بعد المائة:
اختلف الفقهاء هل يملك البائع حبس السلعة على ثمنها وهل يملك المستأجر حبس العين بعد العمل على الأجرة على ثلاثة أقوال أحدها يملكه في الموضعين وهو قول مالك وأبى حنيفة وهو المختار والثاني لا يملكه في الموضعين وهو المشهور من مذهب احمد عند أصحابه والثالث يملك حبس العين المستأجرة على عملها ولا يملك حبس المبيع على ثمنه والفرق بينهما أن العمل يجري مجرى الأعيان ولهذا يقابل بالعوض فصار كأنه شريك لمالك العين بعمله فأثر عمله قائم بالعين فلا يجب عليه تسليمه قبل أن يأخذ عوضه.

بخلاف المبيع فإنه قد دخل في ملك المشتري وصار الثمن في ذمته ولم يبق للبائع تعلق بالعين ومن سوى بينهما قال الأجرة قد صارت في الذمة ولم يشترط رهن العين عليها فلا يملك حبسها.

وعلى هذا فالحيلة في الحبس في الموضعين حتى يصل إلى حقه أن يشترط عليه رهن العين المستأجرة على أجرتها فيقول رهنتك هذا الثوب على أجرته وهي كذا وكذا وهكذا في المبيع يشترط على المشتري رهنه على ثمنه حتى يسلمه إليه ولا محذور في ذلك أصلا ولا معنى ولا مأخذ قوى يمنع صحة هذا الشرط.

والرهن وقد اتفقوا انه لو شرط عليه رهن عين أخرى على الثمن جاز فما الذي يمنع جواز رهن المبيع على ثمنه ولا فرق بين أن يقبضه أولا يقبضه على أصح القولين وقد نص الإمام احمد على جواز اشتراط رهن المبيع على ثمنه وهو الصواب ومقتضى قواعد الشرع وأصوله وقال القاضي وأصحابه لا يصح وعلله ابن عقيل بأن المشتري رهن ما لا يملك فلم يصح كما لو شرط أن يرهنه عبدا لغيره يشتريه ويرهنه وهذا تعليل باطل فإنه إنما حصل الرهن بعد ملكه واشتراطه قبل الملك لا يكون بمنزلة رهن الملك.

والفرق بين هذه المسألة وبين اشتراط رهن عبد زيد أن اشتراط رهن عبد زيد غرر قد يمكن وقد لا يمكن بخلاف اشتراط رهن المبيع على ثمنه فإنه إن تم العقد صار المبيع رهنا وإن لم يتم تبينا أنه لا ثمن يحبس عليه الرهن فلا غرر ألبتة فالمنصوص أفقه وأصح وهذا على أصل من يقول للبائع حبس المبيع على ثمنه ألزم وهو مذهب مالك وأبي حنيفة واحد قولي الشافعي وبعض أصحاب الإمام احمد وهو الصحيح وإن كان خلاف منصوص أحمد لأن عقد البيع يقتضى استواءهما في التسلم والتسليم ففي إجبار البائع على التسليم قبل حضور الثمن وتمكينه من قبضة إضرار به فإذا كان ملك حبسه على ثمنه من غير شرط فلأن يملكه مع الشرط أولى وأحرى فقول القاضي وأصحابه مخالف لنص احمد والقياس فإن شرط أن يقبض المشترى المبيع ثم يرهنه على ثمنه عند بائعه فأولى بالصحة.

وقال ابن عقيل في الفصول:
والرهن أيضا باطل لأنهما شرطا رهنه قبل ملكه وقد عرفت ما فيه وعلله أيضا بتعليل آخر فقال إطلاق البيع يقتضي تسليم الثمن من غير المبيع والرهن يقتضي استيفاء من عينه إن كان عينا أو ثمنه إن كان عرضا فيتضادا وهذا التعليل أقوى من الأول وهو الذي أوجب له القول ببطلان الرهن قبل القبض وبعده فيقال المحذور من التضاد إنما هو التدافع بحيث يدفع كل من المتضادين المتنافيين الآخر فأما إذا لم يدفع أحدهما الآخر فلا محذور والبائع إنما يستحق ثمن المبيع وللمشتري أن يؤدي إياه من عين المبيع ومن غيره فإن له أن يبيعه ويقبضه ثمنه منه وغاية عقد الرهن أن يوجب ذلك فأي تدافع وأي تناف هنا.

وأما قوله إطلاق العقد يقتضى التسليم للثمن من غير المبيع فيقال بل إطلاقه يقتضى تسليم الثمن من أي جهة شاء المشتري حتى لو باعه قفيز حنطه بقفيز حنطه وسلمه إليه ملك أن يوفيه إياه ثمنا كما استوفاه مبيعا كما لو أقترض منه ذلك ثم وفاه إياه بعينه.

ثم قال ابن عقيل:
 وقد قال الإمام احمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه إذا حبس السلعة ببقية الثمن فهو غاصب ولا يكون رهنا إلا أن يكون شرط عليه في نفس البيع الرهن فظاهر هذا أنه إن شرط كون المبيع رهنا في حال العقد صح قال وليس هذا الكلام على ظاهره ومعناه إلا أن يشترط عليه في نفس البيع رهنا غير المبيع.

لأن اشتراط رهن البيع اشتراط تعويق التسليم في المبيع قلت ولا يخفى منافاة ما قاله لظاهر كلام الإمام احمد فإن كلام احمد المستثنى والمستثنى منه في صورة حبس المبيع على ثمنه فقال هو غاصب إلا أن يكون شرط عليه في نفس البيع الرهن أي فلا يكون غاصبا بحبس السلعة بمقتضى شرطه ولو كان المراد ما حمله عليه لكان معنى الكلام إذا حبس السلعة ببقية الثمن فهو غاصب إلا أن يكون قد شرط له رهنا آخر غير المبيع يسلمه إليه وهذا كلام لا يرتبط أوله بآخره ولا يتعلق به فضلا عن أن يدخل في الأول ثم يستثنى منه ولهذا جعله أبو البركات ابن تيمية نصا في صحة هذا الشرط ثم قال وقال القاضي لا يصح.

وأما قوله إن اشتراط رهن المبيع تعويق للتسليم في المبيع فيقال واشتراط التعويق إذا كان لمصلحة البائع وله فيه غرض صحيح وقد قدم عليه المشترى فإي محذور فيه ثم هذا يبطل باشتراط الخيار فإن فيه تعويقا للمشتري عن التصرف في المبيع وباشتراط تأجيل الثمن فإن فيه تعويقا للبائع عن تسلمه أيضا ويبطل على أصل الإمام احمد وأصحابه باشتراط البائع انتفاعه بالمبيع مدة يستثنيها فإن فيه تعويقا للتسليم ويبطل أيضا ببيع العين المؤجرة.

فإن قيل:
إذا اشترط أن يكون رهنا قبل قبضه تدافع موجب البيع والرهن فإن موجب الرهن أن يكون تلفه من ضمان مالكه لأنه أمانة في يد المرتهن وموجب البيع أن يكون تلفه قبل التمكين من قبضه من ضمان البائع فإذا تلف هذا الرهن قبل التمكن من قبضه فمن ضمان أيهما يكون؟

قيل:
هذا السؤال أقوى من السؤالين المتقدمين والتدافع فيه أظهر من التدافع في التعليل الثاني وجواب هذا السؤال أن الضمان قبل التمكن من القبض كان على البائع كما كان ولا يزيل هذا الضمان إلا تمكن المشتري من القبض فإذا لم يتمكن من قبضه فهو مضمون على البائع كما كان وحبسه إياه على ثمنه لا يدخله في ضمان المشتري ويجعله مقبوضا له كما لو حبسه بغير شرط.

فإن قيل:
 فأحمد رحمه الله تعالى قد قال: إنه إذا حبسه على ثمنه كان غاصبا إلا أن يشترط عليه الرهن وهذا يدل على انه قد فرق في ضمانه بين أن يحبسه بشرط أو يحبسه بغير شرط وعندكم هو مضمون عليه في الحالين وهو خلاف النص.

فالجواب:
 أن الإمام أحمد رحمه الله تعالى إنما جعله غاصبا بالحبس والغاصب عنده يضمن العين بقيمتها أو مثلها ثم يستوفى الثمن أو بقيته من المشترى وأما إذا تلف قبل قبضه فهو من ضمان البائع بمعنى انه ينفسخ العقد فيه ولا يملك مطالبة المشتري بالثمن وإن كان قد قبضه منه أعاده إليه فهذا الضمان شئ وضمان الغاصب شئ آخر.

فإن قيل:
فكيف يكون رهنا وضمانه على المرتهن؟.

قيل:
لم يضمنه المرتهن من حيث هو رهن وإنما ضمنه من حيث كونه مبيعا لم يتمكن مشتريه من قبضه فحق توفيته بعد على بائعه.

فإن قيل:
 فما تقولون لو حبس البائع السلعة لاستيفاء حقه منها وهذا يكون في صور إحداها أن يبيعه دارا له فيها متاع لا يمكن نقله في وقت واحد والثانية أن يستثني البائع الانتفاع بالمبيع مدة معلومة على أصلكم.


في يد البائع قبل تمكن المشتري من القبض في هاتين الصورتين هل تكون من ضمانه أومن ضمان البائع الثالثة أن يشترط الخيار ويمنعه من تسليم المبيع قبل انقضاء الخيار.

قيل:
 الضمان في هذا كله على البائع لأنه لم يدخل تحت يد المشتري ولم يتمكن من قبضه فلا يكون مضمونا عليه.

فإن قيل:
 فهل يكون من ضمانه بالثمن أو بالقيمة؟

قيل:
 بل يكون مضمونا عليه بالثمن بمعنى أن العقد ينفسخ بتلفه فلا يلزم المشتري تسليم الثمن.

المثال الخامس بعد المائة:
إقرار المريض لوارثة بدين باطل عند الجمهور للتهمة فلو كان له عليه دين ويريد أن تبرأ ذمته منه قبل الموت وقد علم أن إقراره له باطل فكيف الحيلة في براءة ذمته ووصول صاحب الدين إلى ماله فههنا وجوه أحدها أن يأخذ إقرار باقي الورثة بأن هذا الدين على الميت فإن الإقرار إنما بطل لحقهم فإذا أقروا به لزمهم فإن لم تتم له هذه الحيلة فله وجه ثان وهو أن يأتي برجل أجنبي يثق به يقر له بالمال فيدفعه الأجنبي إلى ربه فإن لم تتم له هذه الحيلة فله وجه ثالث وهو أن يشتري منه سلعة بقدر دينه ويقر المريض بقبض الثمن منه أو يقبض منه الثمن بمحضر الشهود ثم يدفعه إليه سرا فإن لم تتم له هذه الحيلة فليجعل الثمن وديعة عنده فيكون أمانة فيقبل قوله في تلفه ويتأول أو يدعى رده إليه والقول قوله وله وجه آخر وهو أن يحضر الوارث شيئا ثم يبيعه من موروثه بحضرة الشهود ويسلمه إليه فيقبضه ويصير ماله ثم يهبه الموروث لأجبني ويقبضه منه ثم يهبه الأجنبي للوارث فإذا فعلت هذه الحيلة ليصل المريض إلى براءة ذمته والوارث إلى أخذ دينه جاز ذلك وإلا فلا.

المثال السادس بعد المائة:
إذا أحاله بدينه على رجل فخاف أن يتوى ماله على المحال عليه فلا يتمكن من الرجوع على المحيل لأن الحوالة تحول الحق وتنقله فله ثلاث حيل.

إحداها:
أن يقول أنا لا أحتال ولكن أكون وكيلا لك في قبضه فإذا قبضه فإن استنفقه ثبت له ذلك في ذمة الوكيل وله في ذمة الموكل نظيره فيتقاصان فإن خاف الموكل أن يدعى الوكيل ضياع المال من غير تفريط فيعود يطالبه بحقه فالحيلة له أن يأخذه إقراره بأنه متى ثبت قبضه منه فلا شئ له على الموكل وما يدعى عليه بسبب هذا الحق أومن جهته فدعواه باطلة وليس هذا إبراء معلقا بشرط حتى يتوصل إلى إبطاله بل هو إقرار بأنه لا يستحق عليه شيئا في هذه الحالة.

الحيلة الثانية:
أن يشترط عليه انه إن توى المال رجع عليه ويصح هذا الشرط على قياس المذهب فإن المحتال إنما قبل الحوالة على هذا الشرط فلا يجوز أن يلزم بها بدون الشرط كما لو قبل عقد البيع بشرط الرهن أوالضمين أوالتأجيل أوالخيار أوقبل عقد الإجارة بشرط الضمين للأجرة أوتأجيلها أوقبل عقد النكاح بشرط تأجيل الصداق أوقبل عقد الضمان بشرط تأجيل الدين الحال على المضمون عنه أوقبل عقد الكفالة بشرط أن لا يلزمه من المال الذي عليه شئ أوقبل عقد الحوالة بشرط ملاءة المحال عليه وكونه غير محجور ولا مماطل وأضعاف أضعاف وأضعاف ذلك من الشروط التي لا تحل حراما ولا تحرم حلالا فإنها جائز اشتراطها لازم الوفاء بها كما تقدم تقريره نصا وقياسا وقد صرح أصحاب أبي حنيفة بصحة هذا الشرط في الحوالة فقالوا واللفظ للخصاف يجوز أن يحتال الطالب بالمال على غريم المطلوب على أن هذا الغريم إن لم يوف الطالب هذا المال إلى كذا وكذا فالمطلوب ضامن لهذا المال على حاله وللطالب أخذه بذلك وتقع الحوالة على هذا الشرط فإن وفاه الغريم إلى الأجل الذي يشترطه وإلا رجع إلى المطلوب وأخذه بالمال ثم حكى عن شيخه قال قلت وهذا جائز قال نعم.

الحيلة الثالثة:
أن يقول طالب الحق للمحال عليه اضمن لي هذا الدين الذي على غريمي ويرضى منه بذلك بدل الحوالة فإذا ضمنه تمكن من مطالبة أيهما شاه وهذه من أحسن الحيل وألطفها.

المثال السابع بعد المائة:
 إذا كان له عليه دين حال فاتفقا على تأجيله وخاف من عليه الدين أن لا يفي له بالتأجيل فالحيلة في لزومه أن يفسخ العقد الذي هو سبب الدين الحال ثم يعقده عليه مؤجلا فإن كان عن ضمان أوكان بدل متلف أوعن دية وقد حلت أونحو ذلك فالحيلة في لزوم التأجيل أن يبيعه سلعة بمقدار هذا الدين ويؤجل عليه ثمنها ثم يبيعه المدين تلك السلعة بالدين الذي أجله عليه أولا فيبرأ منه ويثبت في ذمته نظيره مؤجلا فإن خاف صاحب الحق أن لا يفي له من عليه بأدائه عند كل نجم كما أجله فالحيلة أن يشترط عليه أنه إن حل نجم ولم يؤده قسطه فجميع المال عليه حال فإذا نجمه على هذا الشرط جاز وتمكن من مطالبته به حالا ومنجما عند من يرى لزوم تأجيل الحال ومن لا يراه أما من لا يراه فظاهر وأما من يراه فإنه يجوز تأجيله لهذا الشرط كما صرح به أصحاب أبي حنيفة والله أعلم.

المثال الثامن بعد المائة:
إذا أراد المريض الذي لا وارث له أن يوصى بجميع أمواله في أبواب البر فهل له ذلك على قولين أصحهما أنه يملك ذلك لأنه إنما منعه الشارع فيما زاد على الثلث وكان له ورثة فمن لا وارث له لا يعترض عليه فيما صنع في ماله فإن خاف أن يبطل ذلك حاكم لا يراه فالحيلة له أن يقر لإنسان يثق بدينه وأمانته بدين يحيط بماله كله ثم يوصيه إذا اخذ ذلك المال أن يضعه في الجهات التي يريد فإن خاف المقر له أن يلزم بيمين باستحقاقه لما أقر له به المريض اشترى منه المريض عرضا من العروض بماله كله ويسلم العرض فإذا حلف المقر له حلف بارا فإن خاف المريض أن يصح فيأخذه البائع بثمن العرض فالحيلة أن يشتريه بشرط الخيار سنة فإن مات بطل الخيار وإن عاش فسخ العقد فإن كان المال أرضا أو عقارا أو أراد أن يوقفه جميعه على قوم يستغلونه ولا يمكن إبطاله فالحيلة أن يقر أن واقفا وقف ذلك جميعه عليه ومن بعده على الجهات التي يعينها ويشهد على إقراره بأن هذا العقار في يده على جهة الوقف من واقف كان ذلك العقار ملكا له إلى حين الوقف أو يقر بأن واقفا معينا وقفة على تلك الجهات وجعله ناظرا عليه فهو في يده على هذا الوجه.

وكذلك الحيلة إذا كان له بنت أو أم أو وارث بالفرض لا يستغرق ماله ولا عصبة له ويريد أن لا يتعرض له السلطان فله أنواع من المخارج منها أن يبيع الوارث تلك الأعيان ويقر بقبض الثمن منه وإن أمكنه أن يشهد على قبضة بأن يحضر الوارث مالا يقبضه إياه ثم يعيده إليه سرا فهو أولى ومنها أن يشتري المريض من الوارث سلعة بمقدار التركة من الثمن ويشهد على الشراء ثم يعيد إليه تلك السلعة ويرهنه المال كله على الثمن فإذا أراد السلطان مشاركته قال وفوني حقي وخذوا ما فضل ومنها أن يبيع ذلك لأجنبي يثق به ويقر بقبض الثمن منه أو يقبضه بحضرة الشهود ثم يأذن للأجنبي في تمليكه للوارث أو وقفه عليه ومنها أن يقر لأجنبي يثق به بما يريد ثم يأمره بدفع ذلك إلى الوارث.

ولكن في هذه الحيل وأمثالها أمران مخوفان أحدهما أنه قد يصح فيحال بينه وبين ماله والثاني أن الأجنبي قد يدعى ذلك لنفسه ولا يسلمه إلى الوارث فلا خلاص من ذلك إلا بوجه واحد وهو أن يأخذ إقرار الأجنبي ويشهد عليه في مكتوب ثان أنه متى ادعى لنفسه أولمن يخاف أن يواطئه على المريض أو وارثه هذا المال أو شيئا منه أو حقا من حقوقه كانت دعواه باطلة وإن أقام به بينه فهى بينه زور وأنه لا حق له قبل فلان بن فلان ولا وارثه بوجه ما ويمسك الكتاب عنده فيأمن هو والوارث ادعاء ذلك لنفسه والله اعلم.

المثال التاسع بعد المائة:
رجل يكون له الدين ويكون عليه الدين فيوكل وكيلا في اقتضاء ديونه ثم يتوارى عن غريمه فلا يمكنه اقتضاء دينه منه فأراد الغريم ممن له الدين على هذا الرجل حيلة يقتضى بها دينه منه ولا يضره توارى من عليه الدين فالحيلة أن يأتي هذا الذي له الدين إلى من عليه الدين فيقول له وكلتك بقبض مالي على فلان وبالخصومة فيه ووكلتك أن تجعل ماله عليك قصاصا بمالي عليه وأجزت أمرك في ذلك وما عملت فيه من شيء فيقبل الوكيل ويشهد على الوكالة على هذا الوجه شهودا ثم يشهدهم الوكيل انه قد جعل الألف درهم التي لفلان عليه قصاصا بالآلف التي لموكله على فلان فيصير الألف قصاصا ويتحول ما كان للرجل المتوارى على هذا الوكيل للرجل الذي وكله.

وهذه الحيلة جائزة لأن الموكل أقام الوكيل مقام نفسه والوكيل يقول مطالبتي لك بهذا الدين كمطالبة موكلي به فأنا أطالبك بألف وأنت تطالبني به فاجعل الألف الذي تطالبني عوضا عن الألف الذي أطالبك به ولو كانت الألف لي لحصلت المقاصة إذ لا معنى لقبضك للألف مني ثم أدائها إلي وهذا بعينه فيما إذا طالبتك بها لموكلي أنا أستحق عليك أن تدفع إلى الألف وأنت تستحق على أن ادفع إليك ألفا فنتقاص في الألفين.

المثال العاشر بعد المائة:
رجل له على رجل مال فغاب الذي عليه المال فأراد الرجل أن يثبت ماله عليه حتى يحكم له الحاكم عليه وهو غائب فليرفعه إلى حاكم يرى الحكم على الغائب فإن كان حاكم البلد لا يرى الحكم على الغائب فالحيلة أن يجئ رجل فيضمن لهذا الذي له المال جميع ماله على الرجل الغائب ويسميه وينسبه ولا يذكر مبلغ المال بل يقول ضمنت له جميع ما صح له في ذمته ويشهد على ذلك ثم يقدمه إلى القاضي فيقر الضامن بالضمان ويقول لا أعرف له على فلان شيئا فيسأل القاضي المضمون له هل لك بينة فيقول نعم فيأمره بإقامتها فإذا شهدت ثبت الحق على الغائب وحكم على الضمين بالمال ويجعله خصما عن الغائب لأنه قد ضمن ما عليه ولا ينفذ حكمه على الضامن بثبوت المال على وجه الضمان حتى يحكم على الغائب المضمون عنه بالثبوت لأنه هو الأصل والضامن فرعه وثبوت الفرع بدون أصله ممتنع وهو جائز على اصل أهل العراق حيث يجوزون الحكم على الغائب إذا اتصل القضاء بحاضر محكوم عليه كوكيل الغائب وكما لو ادعى انه اشترى من غائب ما فيه شفعة فإنه يقضى عليه بالبيع وبالشفعة على المدعى وكهذه المسألة ما لو ادعت زوجة غائب أن له عند فلان وديعة فإنه يفرض لها مما في يديه.

المثال الحادي عشر بعد المائة:
 ليس للمرتهن أن ينتفع بالرهن إلا بإذن الراهن فإن أذن له كان إباحة أو عارية له الرجوع فيها متى شاء ويقضى له بالأجرة من حين الرجوع في أحد الوجهين فالحيلة في انتفاع المرتهن بالرهن آمنا من الرجوع ومن الأجرة أن يستأجره منه للمدة التي يريد الانتفاع به فيها ثم يبرئه من الأجرة أو يقر بقبضها ويجوز أن يرد عقد الإجارة على عقد الرهن ولا يبطله كما يجوز أن يرهنه ما أستأجره فيرد كل من العقدين على الآخر وهو في يده أمانة في الموضعين وحقه متعلق به فيهما إلا أن الانتفاع بالمرهون مع الإجارة والرهن بحاله.

 المثال الثاني عشر بعد المائة:
إذا كان له على رجل مال والمال رهن فادعى صاحب الرهن به عند الحاكم فخاف المرتهن أن يقر بالرهن فيقول الراهن قد أقررت بأن لي رهنا في يدك وادعيت الدين فينزعه من يده ولا يقر له بالدين فقد ذكروا له حيلة تحرز حقه وهي أن لا يقر به حتى يقر له صاحبه بالدين فإن ادعاه وسأل إحلافه أنكر وحلف وعرض في يمينه بأن ينوى أن هذا ليس له قبل ملكه أو إذا باعه أوليس له عاريا عن تعلق الحق به ونحو ذلك.

وأحسن من هذه الحيلة أن يفصل في جواب الدعوى فيقول إن ادعيته رهنا في يدي على ألف لي عليك فأنا مقر به وإن ادعيته على غير هذا الوجه فلا أقر لك وينفعه هذا الجواب كما قالوا فيما إذا ادعى عله ألفا فقال إن ادعيتها من ثمن مبيع لم اقبضه منك فأنا مقر و إلا فلا وهذا مثله سواء فإن كان الغريم هو المدعى للمال فخاف الراهن أن يقر بالمال فيجحد المرتهن الرهن فيلزم الراهن المال ويذهب رهنه فالحيلة في أمنه من ذلك أن يقول إن أدعيت هذا المال وأنك تستحقه من غير رهن لي عندك فلا أقر به وإن ادعيته مع كوني رهنتك به كذا وكذا فأنا مقر به ولا يزيد على هذا وقالت الحنفية الحيلة أن يقر منه بدرهم فيقول لك على درهم ولى عندك رهن كذا وكذا فإذا سأل الحاكم المدعى عن الرهن فإما أن يقر به وإما أن ينكر فإن اقر به فيقر له خصمه بباقي دينه وإن أنكره وحلف عليه وسع الآخر أن يجحد باقي الدين ويحلف عليه إن كان الرهن بقدر الدين أو أكثر منه وإن كان أقل منه لزمه أن يعطيه ما زاد على قيمة الرهن من حقه قالوا لأن الرهن إن كان قد تلف بغير تفريطه سقط ما يقابله من الدين وإن كان قد فرط فيه صارت قيمته دينا عليه فيكون قصاصا بالدين الذي له وهذا بناء على أصلين لهم أحدهما أن الرهن مضمون على المرتهن بأقل الآمرين من قيمته أو قدر الدين والثاني جواز الاستيفاء في مسألة الظفر.

المثال الثالث عشر بعد المائة:
 إذا قال لامرأته إن لم اطألك الليلة فأنت طالق ثلاثا فقالت إن وطئني الليلة فأمتي حرة فالمخلص من ذلك ان تبيعه الجارية فإذا وطئها بعد ذلك لم تعتق لأنها خرجت من ملكها ثم تستردها فإن خافت أن يطأ الجارية على قول من لا يرى على الرجل استبراء الأمة التي يشتريها من امرأته كما ذهب إليه بعض الشافعية والمالكية فالحيلة أن تشتريها منه عقيب الوطء فإن أن لا يرد إليها الجارية ويقيم على ملكها فلا تصل اليها فالحيلة لها ان تشترط عليه انه ان لم يرد الجارية إليها عقيب الوطء فهي حرة فإن خافت ان يملكها لغيره تلجئة فلا يصح تعليق عنقها فالحيلة لها أن تشترط عليه انه أن لم يردها اليها عقيب الوطء فهي طالق فهنا تضيق عليه الحيلة في استدامة ملكها ولم يجد بدا من مفارقة احداهما.

المثال الرابع عشر بعد المائة:
اذا اراد الرجل ان يخالع امراته الحامل على سكناها ونفقتها جاز ذلك وبريء منهما هذا منصوص احمد وقال الشافعي لا يصح الخلع ويجب مهر المثل واحتج له بأن النفقة لم تجب بعد فإنها انما تجب بعد الابانة وقد خالعها بمعدوم فلا يصح كما لو خالعها على عوض شيء يتلفه عليها وهذا اختيار ابي بكر عبد العزيز وقال اصحاب ابي حنيفة اذا خالعها على ان سكنى لها ولا نفقة فلا نفقة لها وتستحق عليه اسكنى قالوا لان النفقة حق لها وقد اسقطته والسكنى حق الشارع فلا تسقط بإسقاطها فيلزمه إسكانها قالوا فالحيلة على سقوط الأجرة عنه ان يشترط الزوج في الخلع أن لا يكون عليه مؤنة السكنى وان مؤنتها تلزم المرأة في مالها وتجب أجرة المسكن عليها.

فإن قيل:

لو أبرأت المرأة زوجها عن النفقة قبل أن تصير دينا في ذمته لم تصح ولو شرط في عقد الخلع براءة الزوج عن النفقة صح.

قيل:

الفرق بينهما أن الإبراء إذا شرط في الخلع كان إبراء بعوض فالإبراء بعوض استيفاء لما وقعت البراءة عنه لأن العوض قائم مقام ما وقعت البراءة عنه والاستيفاء يجوز قبل الوجوب بدليل ما لو تسلفت نفقة شهر جملة وأما الابراء من النفقة في غير خلع قبل ثبوتها فهو إسقاط لما لم يجب فلا يسقط كما لو أسقطت حقها من القسم فإن لها أن ترجع فيه متى شاءت وأما قول صاحب المحرر وقيل إن أوجينا نفقة الزوجة بالعقد صح وإلا فهو خلع بمعدوم وقد بينا حكمه يعنى إن قلنا إن نفقة الحامل نفقة زوجة وإن النفقة لها من أجل الحمل وإنها تجب بالعقد فيكون خلعا بشيء ثابت وإن قلنا إنه النفقة إنما تجب بالتمكين فقد زال التمكين بالخلع وصارت النفقة نفقة قريب فالخلع بنفقة الزوجة حينئذ خلع بمعدوم هذا أقرب ما يتوجه به كلامه وفيه ما فيه والله أعلم.

المثال الخامس عشر بعد المائة:
 إذا وقع الطلاق الثلاث بالمرأة وكان دينها ودين وليها وزوجها المطلق أعز عليهم من التعرض للعنة الله ومقته بالتحيل الذي لا يحلها ولا يطيبها بل يزيدها خبثا فلو انها أخرجت من مالها ثمن مملوك فوهبته لبعض من تثق به فاشترى به مملوكا ثم خطبها على مملوكه فزوجها منه فدخل بها المملوك ثم وهبها إياه انفسح النكاح ولم يكن هناك تحليل مشروط ولا منوى ممن تؤثر نيته وشرطه وهو الزوج فإنه لا أثر لنية الزوجة ولا الولى وإنما التأثير لنية الزوج الثاني فإنه إذا نوى التحليل كان محللا فيستحق اللعنة ثم يستحقها الزوج المطلق إذا رجعت إليه بهذا النكاح الباطل فأما إذا لم يعلم الزوج الثاني ولا الأول بما في قلب المرأة أو وليها من نية التحليل لم يضر ذلك العقد شيئا وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم من امرأة رفاعة أنها كانت تريد أن ترجع إليه ولم يجعل ذلك مانعا من رجوعها إليه وإنما جعل المانع عدم وطء الثاني فقال: "حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك" وقد صرح أصحابنا بان ذلك يحلها فقال صاحب المغنى فيه فإن تزوجها مملوك ووطئها أحلها وبذلك قال عطاء ومالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم لهم مخالفا.

قلت هذه الصورة غير الصورة التي منع منها الإمام احمد فإنه منع من حلها إذا كان الزوج المطلق قد اشترى العبد وزوجه بها بإذن وليها ليحلها فهذه حيلة لا تجوز عنده وأما هذه المسألة فليس للزوج الأول ولا للثاني فيها نية ومع هذا فيكره لأنها نوع حيلة.

المثال السادس عشر بعد المائة:
 قال عبد الله بن احمد في مسائله: "سألت ابي عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أجامعك اليوم وأنت طالق إن اغتسلت منك اليوم فقال: يصلى العصر ثم يجامعها فإذا غابت الشمس اغتسل إن لم يكن أراد بقوله اغتسلت المجامعة" ونظير هذا أيضا ما نص عليه في رجل قال لامرأته أنت طالق إن لم أطاك في رمضان فسافر مسيرة أربعة ايام أوثلاثة ثم وطئها فقال لا يعجبني لأنها حيلة ولا يعجبني الحيلة في هذا ولا في غيره وقال القاضي إنما كره الامام احمد هذا لان السفر الذي يبيح الفطر لا بد أن يكون سفرأ مقصودا مباحا وهذا لا يقصد به غير حل اليمين قال الشيخ أبو محمد المقدسي والصحيح أن هذا تنحل به اليمين ويباح له الفطر فيه لأنه سفر بعيد مباح لقصد صحيح وإرادة حل يمينه من المقاصد الصحيحة وقد أبحنا لمن له طريقان قصيرة لا يقصر فيها وبعيدة أن يسلك البعيدة ليقصر فيها الصلاة ويفطر مع أنه لا قصد له سوى الترخص فههنا أولى قلت: ويؤيد اختيار الشيخ قدس الله روحه ما رواه الخطيب في كتاب الفقيه والمتفقه أنبأ الأزهري أنبأ سهيل بن احمد ثنا محمد بن محمد الأشعث الكوفي حدثني موسى بن إسماعيل بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب صلوات الله عليهم ثنا أبى عن ابيه عن جده جعفر بن محمد عن ابيه على عليه السلام: في رجل حلف فقال: امرأته طالق ثلاثا إن لم يطأها في شهر رمضان نهارا قال: "يسافر ثم يجامعها نهارا".

المثال السابع عشر بعد المائة:
في المخارج من الوقوع في التحليل الذي لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير وجه فاعله والمطلق المحلل له فأي قول من أقوال المسلمين خرج به من لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعذر عند الله ورسوله وملائكته وعباده المؤمنين من ارتكابه لما يلعن عليه ومباءته باللعنة فإن هذه المخارج التي نذكرها دائرة بين ما دل عليه الكتاب والسنة أو احدهما أو أفتى به الصحابة بحيث لا يعرف عنهم فيه خلاف أو أفتى به بعضهم أو هو خارج عن أقوالهم أوهو قول جمهور الأمة أو بعضهم أو إمام من الأئمة الأربعة أو أتباعهم أو غيرهم من علماء الإسلام ولا تخرج هذه القاعدة التي نذكرها عن ذلك فلا يكاد يوصل إلى التحليل بعد مجاوزة جميعها إلا في أندر النادر ولا ريب أن من نصح لله ورسوله وكتابه ودينه ونصح نفسه ونصح عباده أن أيا منها ارتكب فهو أولى من التحليل.

طلاق زائل العقل:
المخرج الأول أن يكون المطلق أو الحالف زائل العقل إما بجنون أوإغماء أوشرب دواء أوشرب مسكر يعذر به أولا يعذر أووسوسة وهذا المخلص مجمع عليه بين الامة إلا في شرب مسكر لا يعذر به فإن المتأخرين من الفقهاء اختلفوا فيه والثابت عن الصحابه الذي لا يعلم فيه خلاف بينهم أنه لا يقع طلاقه.

قال البخاري في صحيحه:
باب الطلاق في الاغلاق والمكرة والسكران والمجنون وامرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الأعمال بالنية ولكل امرئ ما نوى" وتلا الشعبي: {لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وما لا يجوز من إقرار الموسوس وقال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أقر على نفسه: "أبك جنون" وقال على بقر حمزة خواصر شارفي فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه ثم قال حمزة: هل أنتم إلا عبيد لآبائي فعرف النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد ثمل فخرج وخرجنا معه قال عثمان: "ليس لمجنون ولا لسكران طلاق" وقال ابن عباس: "طلاق السكران والمستكره ليس بجائز" وقال عقبة بن عامر: "لا يجوز طلاق الموسوس هذا" لفظ الترجمة ثم ساق بقية الباب ولا يعرف عن رجل من الصحابة أنه خالف عثمان وابن عباس في ذلك ولذلك رجع الإمام احمد إلى هذا القول بعد أن كان يفتى بنفوذ طلاقه فقال أبو بكر عبد العزيز في كتاب الشافي والزاد قال أبو عبد الله في رواية الميموني قد كنت أقول بأن طلاق السكران يجوز حتى تبينته فغلب على انه لا يجوز طلاقه لأنه لو اقر لم يلزمه ولو باع لم يجز بيعه قال والزمه الجناية وما كان من غير ذلك فلا يلزمه قال ابو بكر وبهذا أقول وفي مسائل الميموني سألت أبا عبد الله عن طلاق السكران فقال اكثر ما عندي فيه أنه لا يلزمه الطلاق قلت اليس كنت مرة تخاف أن يلزمه قال بلى ولكن أكثر ما عندي فيه أنه لا يلزمه الطلاق لأني رأيته ممن لا يعقل قلت السكر شئ أدخله على نفسه فلذلك يلزمه.

 قال قد يشرب رجل البنج أوالدواء فيذهب عقله قلت فبيعه وشراؤه وإقراره قال لا يجوز وقال في رواية أبى الحارث ارفع شئ فيه حديث الزهري عن أبان بن عثمان عن عثمان ليس لمجنون ولا سكران طلاق وقال في رواية ابي طالب والذي لا يأمر بالطلاق فإنما أتى خصلة واحدة والذي يامر بالطلاق قد أتى خصلتين حرمها عليه وأحلها لغيره فهذا خير من هذا وأنا أتقى جميعها.

وممن ذهب الى القول بعدم نفوذ طلاق السكران من الحنفية ابو جعفر الطحاوي وابو الحسن الكرخي وحكاه صاحب النهاية عن أبي يوسف وزفر ومن الشافعية المزني وابن سريج وجماعة ممن اتبعهما وهو الذي اختاره الجويني في النهاية والشافعي نص على وقوع طلاقه ونص في أحد قوليه على أنه لا يصح ظهارة فمن أتباعه من نقل عن الظهار قولا الى الطلاق وجعل المسألة على قولين ومنهم من قرر حكم النصين ولم يفرق بطائل.

والصحيح انه لا عبرة بأقواله من طلاق ولا عتاق ولا بيع ولا هبة ولا وقف ولا إسلام ولا ردة ولا إقرار لبضعة عشر دليلا ليس هذه موضع ذكرها ويكفى منها قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} وأمر النبي صلى الله عليه وسلم باستنكاه ما عز لما أقر بالزنا بين يديه وعدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم حمزة بتجديد إسلامه لما قال في سكره أنتم عبيد لآبائي وفتوى عثمان وابن عباس ولم يخالفهما احد من الصحابة والقياس الصحيح المحص على زائل العقل بدواء أوبنج أومسكر هو فيه معذور بمقتضى قواعد الشريعة فإن السكران لا قصد له فهو أولى بعدم المؤاخذة من اللاغى ومن جرى اللفظ على لسانه من غير قصد له وقد صرح اصحاب ابي حنيفة بأنه لا يقع طلاق الموسوس وقالوا لا يقع طلاق المعتوه وهو من كان قليل الفهم مختلط الكلام فاسد التدبير إلا انه لا يضرب ولا يشتم كما يفعل المجنون.

فصل: طلاق الغضبان
المخرج الثاني ان يطلق أويحلف في حال غضب شديد قد حال بينه وبين كمال قصده وتصوره فهذا لا يقع طلاقه ولا عتقه ولا وقفه ولو بدرت منه كلمة الكفر في هذا الحال لم يكفر وهذا نوع من الغلق والإغلاق الذي منع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوع الطلاق والعتاق فيه نص على ذلك الامام أحمد وغيره قال أبو بكر بن عبدالعزيز في كتاب زاد المسافر له باب في الإغلاق في الطلاق قال قال احمد في رواية حنبل وحديث عائشة رضى الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا طلاق ولا عتاق في إغلاق" يعنى الغضب وبذلك فسره أبو داود في سننه عقب ذكره الحديث فقال والاغلاق أظنه الغضب.

وقسم شيخ الاسلام ابن تيمية قدس الله روحه الغضب الى ثلاثة اقسام قسم يزيل العقل كالسكر فهذا لا يقع معه طلاق بلا ريب وقسم يكون في مبادئه بحيث لا يمنعه من تصور ما يقول وقصده فهذا يقع معه الطلاق وقسم يشتد بصاحبه ولا يبلغ به زوال عقله بل يمنعه من التثبت والتروي ويخرجه عن حال اعتداله فهذا محل اجتهاد.

معنى الغلق والتحقيق:
أن الغلق يتناول كل من انغلق عليه طريق قصده وتصوره كالسكران والمجنون والمبرسم والمكره والغضبان فحال هؤلاء كلهم حال إغلاق والطلاق إنما يكون عن وطر فيكون عن قصد من المطلق وتصور لما يقصده فإن تخلف احدهما لم يقع طلاق وقد نص مالك والامام احمد في إحدى الروايتين عنه فيمن قال لامرأته أنت طالق ثلاثا ثم قال: اردت ان اقول إن كلمت فلانا أو خرجت من بيتي بغير إذني ثم بدا لي فتركت اليمين ولم ارد التنجيز في الحال.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:43 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالإثنين 24 أبريل 2017, 7:54 pm

إنه لا تطلق عليه وهذا هو الفقه بعينه لانه لم يرد التنجيز ولم يتم اليمين وكذلك لو ارادان يقول انت طاهر فسبق لسانه فقال انت طالق لم يقع طلاقه لا في الحكم الظاهر ولا فيما بينه وبين الله تعالى نص عليه الامام احمد في أحدى الروايتين والثانية لا يقع فيما بينه وبين الله ويقع في الحكم وهذا إحدى الروايتين عن أبي يوسف وقال ابن ابي شيبة ثنا محمد بن مروان عن عمارة سئل جابر بن زيد عن رجل غلط بطلاق امرأته فقال ليس على المؤمن غلط ثنا وكيع عن إسرائيل عن عامر في رجل أراد أن يتكلم في شئ فغلظ فقال الشعبي ليس بشئ.

فصل: طلاق المكره
المخرج الثالث ان يكون مكرها على الطلاق أوالحلف به عند جمهور الامة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وهو قول احمد ومالك والشافعي وجميع اصحابهم على اختلاف بينهم في حقيقة الاكراه وشروطه قال الامام احمد في رواية أبي طالب يمين المستكره إذا ضرب ابن عمر وابن الزبير لم يرياه شيئا وقال في رواية ابي الحارث إذا طلق المكره لم يلزمه الطلاق فإذا فعل به كما فعل بثابت بن الاحنف فهو مكره لأن ثابتا عصروا رجله حتى طلق فأتى ابن عمر وابن الزبير فلم يريا ذلك شيئا وكذا قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} وقال الشافعي رضى الله عنه قال عز وجل: {إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ} وللكفر أحكام فلما وضعها الله تعالى عنه سقطت احكام الإكراه عن القول كله لان الاعظم إذا سقط عن الناس سقط ما هو أصغر منه وفي سنن ابن ماجه وسنن البيهقي من حديث بشر بن بكر عن الاوزاعي عن عطاء عن عبيد بن عمير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي" وقال البيهقي تجاوز لي عن امتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه.

 وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز لامتى ما توسوس به صدورها ما لم تعمل به أوتتكلم به" زاد ابن ماجة وما استكرهوا عليه وقال الشافعي روى حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن ان عليا كرم الله وجهه قال لا طلاق لمكره وذكر الأوزاعي عن يحيى بن ابي كثير وابن عباس لم يجز طلاق المكره وذكر ابو عبيد عن علي وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وعطاء وعبد الله بن عمير أنهم كانوا يرون طلاقه غير جائز وقال ابن ابي شيبه ثنا عبد الله بن ابي طلحة عن ابي يزيد المديني عن ابن عباس قال ليس على المكره ولا المضطهد طلاق وحدثنا أو معاوية عن عبد الله بن عمير عن ثابت مولى اهل المدينة عن ابن عمر وابن الزبير كانا لا يريان طلاق المكرة شيئا ثنا وكيع عن الاوزاعي عن رجل عن عمر بن الخطاب رضى الله عنه انه لم يره شيئا.

قلت قد اختلفت على عمر فقال إسماعيل بن ابي اويس حدثني عبدالملك ابن قدامة بن ابراهيم الجمحي عن أبيه أن رجلا تدلى يشتار عسلا في زمن عمر رضى الله عنه فجاءته امرأته فوقفت على الحبل فحلفت لتفطعنه أولتطلقنى ثلاثا فذكرها الله والاسلام فأبت إلا ذلك فطلقها ثلاثا فلما ظهر أتى عمر فذكر له ما كان منها إليه ومنه إليه فقال ارجع إلى اهلك فليس هذا بطلاق تابعه عبد الرحمن بن مهدي عن عبد الملك وهو المشهور عن عمر وقال ابو عبيد حدثني يزيد عن عبد الملك بن قدامة عن أبيه عن عمر بهذا ولكنه قال فرفع الى عمر فأبانها منه قال ابو عبيد وقد روى عن عمر خلافه ولم يصح عن أحد من الصحابة تنفيذ طلاق المكره سوى هذا الاثر عن عمر وقد اختلف فيه والمشهور انه ردها اليه ولو صح إبانتها منه لم يكن صريحا في الوقوع بل لعله رأى من المصلحة التفريق بينهما وانهما لا يتصافيان بعد ذلك فألزمه بإبانتها.

ولكن الشعبي وشريح وابراهيم يجيزون طلاق المكره حتى قال ابراهيم لو وضع السيف على مفرقة ثم طلق لأجزت طلاقه.

وفي المسالة مذهب ثالث قال ابن ابي شيبة ثنا ابن ادريس عن حصين عن الشعبي في الرجل يكره على امر من امر العتاق أوالطلاق فقال إذا أكرهه السلطان جاز وإذا أكرهه اللصوص لم يجز ولهذا القول غور وفقه دقيق لمن تأمله.

فصل: النية الصحيحة في طلاق المكره
واختلفوا في المكره يظن ان الطلاق يقع به فينويه هل يلزمه على قولين وهما وجهان للشافعية فمن الزمه رأى أن النية قد قارنت اللفظ وهو لم يكره على النية فقد أتى بالطلاق المنوي اختيارا فلزمه ومن لم يلزمه به رأى أن لفظ المكره لغو لا عبرة به فلم يبق إلا مجرد النية وهي لا تستقل بوقوع الطلاق.

فصل: التورية في طلاق المكره
واختلف في ما لو امكنه التورية فلم يور والصحيح أنه لا يقع به الطلاق وإن تركها فإن الله تعالى لم يوجب التوريه على من أكره على كلمة الكفر وقلبه مطمئن بالايمان مع أن التورية هناك أولى ولكن المكرة إنما لم يعتبر لفظه لانه غير قاصد لمعناه ولا مريد لموجبه وإنما تكلم به فداء لنفسه من ضرر الاكراه فصار تكلمه باللفظ لغوا بمنزلة كلام المجنون والنائم ومن لا قصد له سواء ورى أولم يور وايضا فاشتراط التوريه إبطال لرخصة التكلم مع الاكراه ورجوع الى القول بنفوذ طلاق المكره فإنه لو ورى بغير إكراه لم يقع طلاقه.

والتأثير إذا إنما هو للتوريه لا للإكراه وهذا باطل وأيضا فإن المورى إنما لم يقع طلاقه مع قصده للتكلم باللفظ لأنه لم يقصد مدلوله وهذا المعنى بعينه ثابت في الإكراه فالمعنى الذي منع من النفوذ في التوريه هو الذي منع النفوذ في الإكراه.



فصل: الاستثناء في الطلاق واليمين.
المخرج الرابع أن يستثنى في يمينه أوطلاقه وهذا موضع اختلف فيه الفقهاء فقال الشافعي وأبو حنيفة يصح الاستثناء في الايقاع والحلف فإذا قال انت طالق إن شاء الله أوانت حرة إن شاء الله أوإن كلمت فلانا فأنت طالق إن شاء الله أوالطلاق يلزمني لافعلن كذا إن شاء الله أوانت على حرام أوالحرام يلزمني إن شاء الله نفعه الاستثناء ولم يقع به طلاق في ذلك كله.

ثم اختلفا في الموضع الذي يعتبر فيه الاستثناء فاشترط اصحاب ابي حنيفة اتصاله بالكلام فقط سواء نواه من أوله أوقبل الفراغ من كلامه أوبعده وقال أصحاب الشافعي إن عقد اليمين ثم عن له الاستثناء لم يصح وإن عن له الاستثناء في أثناء اليمين فوجهان أحدهما يصح والثاني لا يصح وإن نوى الاستثناء مع عقد اليمين صح وجها واحدا.

وقد ثبت بالسنة الصحيحة أن سليمان بن داود عليهما السلام قال لأطوفن الليلة على كذا وكذا امرأة تحمل كل امرأة منهن غلاما يقاتل في سبيل الله فقال له الملك الموكل به قل إن شاء الله فلم يقل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو قالها لقاتلون في سبيل الله أجمعون" وهذا صريح في نفع الاستثناء والمقصود بعد عقد اليمين وثبت في السنن عنه صلى الله عليه وسلم انه قال: "والله لأغزون قريشاً والله لأغزون قريشاً والله لأغزون قريشاً والله لأغزون قريشاً ثم سكت قليلاً ثم قال إن شاء الله ثم لم يغزهم" رواه أبو داود.

 وفي جامع الترمذي من حديث ابن عمر رضى الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حلف على يمين فقال إن شاء الله فلا حنث عليه" وقد قال تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} فهذه النصوص الصحيحة لم يشترط في شيء منها ألبتة في صحة الاستثناء ونفعه ان ينويه مع الشروع في اليمين ولا قبلها بل حديث سليمان صريح في خلافه وكذلك حديث لأغزون قريشا وحديث ابن عمر متناول لكل من قال إن شاء الله بعد يمينه سواء نوى الاستثناء قبل الفراغ أولم ينوه والآية دالة على نفع الاستثناء مع النسيان أظهر دلالة ومن شرط النية قبل الفراغ لم يكن لذكر الاستثناء بعد النسيان عنده تأثير وايضا فالكلام بآخره وهو كلام واحد متصل بعضه ببعض ولا معنى لاشتراط النية في أجزائه وأبعاضه وايضا فإن الرجل قد يستحضر بعد فراغه من الجملة ما يرفع بعضها ولا يذكر ذلك في حال تكلمه بها فيقول لزيد عندي الف درهم ثم في الحال يذكر انه قضاه منها مائة فيقول إلا مائة فلو اشتراط نيه الاستثناء قبل الفراغ لتعذر عليه استدراك ذلك وألجئ إلى الإقرار بما لا يلزمه والكذب فيه وإذا كان هذا في الاخبار فمثله في الانشاء سواء فإن الحالف قد يبدو له فيعلق اليمين بمشيئة الله وقد يذهل في أول كلامه عن قصد الاستثناء أويشغله شاغل عن نيته فلو لم ينفعه الاستثناء حتى يكون ناويا له في اول يمينه لفات مقصود الاستثناء وحصل الحرج الذي رفعه الله تعالى عن الامة به ولما قال لرسوله إذا نسيه: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيت} وهذا متناول لذكره إذا نسى الاستثناء قطعا فإنه سبب النزول ولا يجوز إخراجه وتخصيصه لأنه مراد قطعا.

وأيضا فإن صاحب هذا القول إن طرده لزمه ألا يصح مخصص من صفة أوبدل أوغاية أواستثناء بإلا ونحوها حتى ينويه المتكلم من أول كلامه فإذا قال له على ألف مؤجله إلى سنة هل يقول عالم إنه لا يصح وصفها بالتأجيل حتى يكون منويا من أول الكلام وكذلك إذا قال بعتك هذا بعشرة فقال اشتريته على أن لي الخيار ثلاثة أيام يصح هذا الشرط إن لم ينوه من أول كلامه بل عن له الاشتراط عقيب القبول.

ومثله لو قال وقفت داري على أولادي أو غيرهم بشرط كونهم فقراء مسلمين أو متأهلين وعلى أنه من مات منهم فنصيبه لولده أو للباقين صح ذلك وإن عن له ذكر هذه الشروط بعد تلفظه بالوقف ولم يقل احد لا تقبل منه هذه الشروط إلا أن يكون قد نواها قبل الوقف أومعه ولم يقع في زمن من الازمنة قط سؤال الواقفين عن ذلك.

وكذلك لو قال له على مائة درهم إلا عشرة فإنه يصح الاستثناء وينفعه ولا يقول له الحاكم إن كنت نويت الاستثناء من أول كلامك لزمك تسعون وإن كنت إنما نويته بعد الفراغ لزمك مائة ولو اختلف الحال لبين له الحاكم ذلك ولساغ له ان يسأله بل يحلفه نوى ذلك قبل الفراغ اذا طلب المقر له ذلك.

وكذلك لو ادعى عليه أنه باعه أرضا فقال نعم بعته هذه الارض إلا هذه البقعة لم يقل احد إنه قد أقر ببيع الارض جميعها إلا ان يكون قد نوى استثناء البقعة في أول كلامه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن مكة: "إنه لا يختلى خلاها" فقال له العباس: إلا الإذخر فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: إلا الإذخر وقال في أسرى بدر: "لا ينفلت أحد منهم إلا بفداء أوضربة عنق" فقال له ابن مسعود: إلا سهيل بن بيضاء فقال إلا سهيل بن بيضاء ومعلوم أنه لم ينو واحدا من هذين الاستثناءين في أول كلامه بل أنشأه لما ذكر به كما اخبر عن سليمان بن داود صلى الله عليهما انه لو انشأه بعد ان ذكره به الملك نفعه ذلك.

وشبهة من اشترط ذلك انه اذا لم ينو الاستثناء من أول كلامه فقد لزمه موجب كلامه فلا يقبل منه رفعة ولا رفع بعضه بعد لزومه.

وهذا الشبهة لو صحت لما نفع الاستثناء في طلاق ولا عتاق ولا إقرار البتة نواه أولم ينوه لأنه إذا لزمه موجب كلامه لم يقبل منه رفعة ولا رفع بعضه بالاستثناء وقد طرد هذا بعض الفقهاء فقالوا لا يصح الاستثناء في الطلاق توهما لصحة هذه الشبهة.

وجوابها أنه إنما يلزمه موجب كلامه إذا اقتصر عليه فأما إذا وصله بالاستثناء أوالشرط ولم يقتصر على ما دونه فإن موجب كلامه ما دل عليه سياقه وتمامه من تقييد باستثناء أوصفة أوشرط أوبدل أوغاية فتكليفه نية ذلك التقييد من أول الكلام وإلغاؤه إن لم ينوه أولا تكليف ما لا يكلفه الله به ولا رسوله ولا يتوقف صحة الكلام عليه وبالله التوفيق.

فصل: آراء الفقهاء في الاستثناء
وقال مالك لا يصح الاستثناء في إيقاعهما ولا الحلف بهما ولا الظهار ولا الحلف به ولا النذر ولا في شئ من الايمان إلا في اليمين بالله تعالى وحده.

وأما الامام احمد فقال ابو القاسم الخرقي وإذا استثنى في العتاق والطلاق فأكثر الروايات عن ابي عبد الله انه توقف عن الجواب وقد قطع في مواضع اخر انه لا ينفعه الاستثناء فقال في رواية ابن منصور من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث وليس له استثناء في الطلاق والعتاق وقال في رواية ابي طالب إذا قال انت طالق ان شاء الله لم تطلق وقال في رواية الحارث إذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله الاستثناء إنما يكون في الايمان.

قال الحسن وقتادة وسعيد بن المسبب ليس له ثنيا في الطلاق وقال قتادة وقوله إن شاء الله قد شاء الله الطلاق حين أذن فيه وقال في رواية حنبل من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث وليس له استثناء في الطلاق والعتاق قال حنبل لأنهما ليسا من الايمان وقال صاحب المغنى وغيره وعنه مايدل على أن الطلاق لا يقع وكذلك العتاق فعلى هذا يكون عنه في المسألة ثلاث روايات الوقوع وعدمه والتوقف فيه وقد قال في رواية الميموني إذا قال لامرأة أنت طالق يوم أتزوجك بك إن شاء الله ثم تزوجها لم يلزمه شيء ولو قال لأمة أنت حرة يوم أشتريك إن شاء الله صارت حرة فلعل أبا حامد الإسفرائيني وغيره ممن حكى عن أحمد الفرق بين أنت طالق إن شاء الله فلا تطلق وأنت حرة إن شاء الله فتعتق استند إلى هذا النص وهذا من غلطة على أحمد بل هذا تفريق منه يبن صحة تعليق العتق على الملك وعدم صحة تعليق الطلاق على النكاح وهذا قاعدة مذهبه.

والفرق عنده أن الملك قد شرع سببا لحصول العتق كملك ذي الرحم المحرم وقد يعقد البيع سببا لحصول العتق اختيارا كشراء من يريد عتقه في كفارة أوقربة أوفداء كشراء قريبة ولم يشرع الله النكاح سببا لإزالته البتة فهذا فقهه وفرقه فقد أطلق القول بأنه لا ينفع الاستثناء في إيقاع الطلاق والعتاق وتوقف في أكثر الروايات عنه فتخرج المسألة على وجهين صرح بهما الاصحاب وذكروا وجها ثالثا وهو أنه إن قصد التعليق وجهل استحالة العلم بالمشيئة لم تطلق وإن قصد التبرك أوالتأدي طلقت وقيل عن أحمد يقع العتق دون الطلاق ولا يصح هذا التفريق عنه بل هو خطأ عليه.

قال شيخنا وقد روى في الفرق حديث موضوع على معاذ بن جبل يرفعه فلو علق الطلاق على فعل يقصد به الحض أوالمنع كقوله أنت طالق إن كلمت فلانا إن شاء الله فروايتان منصوصتان عن الامام احمد إحداهما ينفعه الاستثناء ولا تطلق إن كلمت فلانا وهو قول ابي عبيدة لانه بهذا التعليق قد صار حالفا وصار تعليقه يمينا باتفاق الفقهاء فصح استثناؤء فيها لعموم النصوص المتناوله للاستثناء في الحلف واليمين والثانية لا يصح الاستثناء وهو قول مالك كما تقدم لأن الاستثناء إنما ينفع في الايمان المكفرة فالتكفير والاستثناء متلازمان ويمين الطلاق والعتاق لا يكفران فلا ينفع فيهما الاستثناء ومن هنا خرج شيخنا على المذهب إجراء التكفير فيها لأن احمد رضى الله عنه نص على ان الاستثناء انما يكون في اليمين المكفرة ونص على أن الاستثناء ينفع في اليمين بالطلاق والعتاق فيخرج من نصه إجزاء الكفارة في اليمين بهما وهذا نخريج في غاية الظهور والصحة ونص احمد على الوقوع لا يبطل صحة هذا التخريج كسائر نصوصه ونصوص غيره من الائمة التي يخرج منها على مذهبه خلاف ما نص عليه وهذا اكثر وأشهر من أن يذكر ومن أصحابه من قال إن أعاد الاستثناء الى الفعل نفعة قولا واحدا وإن أعاده الى الطلاق فعلى روايتين ومنهم من جعل الروايتين على اختلاف حالين فإن أعاده الى الفعل نفقة وإن اعادة الى قوله أنت طالق لم ينفعه.

وإيضاح ذلك أنه إذا قال إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله فإنه تارة يريد فأنت طالق إن شاء الله طلاقك وتارة يريد إن شاء الله تعليق اليمين بمشيئة الله أي إن شاء الله عقد هذه اليمين فهي معقودة فيصير كقوله والله لأقومن إن شاء الله فإذا قام علمنا أن الله قد شاء القيام وإن لم يقم علمنا ان الله لم يشاء قيامه فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن فلم يوجد الشرط فلم يحنث فينقل هذا بعينه الى الحلف بالطلاق فإنه إذ قال الطلاق يلزمني لأقومن إن شاء الله القيام فلم يقم يشأ الله له القيام فلم يوجد الشرط فلم يحنث فهذا الفقه بعينه.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:44 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالإثنين 24 أبريل 2017, 7:57 pm

فصل: الاستثناء في الطلاق بلفظ آخر
فإن قال أنت طالق إلا أن يشاء الله فاختلف الذين يصححون الاستثناء في قوله انت طالق إن شاء الله ههنا هل ينفعه الاستثناء ويمنع وقوع الطلاق أولا ينفعه على قولين وهما وجهان لأصحاب الشافعي والصحيح عندهم انه لا ينفعه الاستثناء ويقع الطلاق والثاني ينفعه الاستثناء ولا تطلق وهو قول اصحاب ابي حنيفة والذين لم يصححوا الاستثناء احتجوا بأنه اوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم إذا المعنى قد وقع عليك الطلاق إلا ان يشاء الله رفعه وهذا يقتضى وقوعا منجزا ورفعا معلقا بالشرط والذين صححوا الاستثناء قولهم أفقه فإنه لم يوقع طلاقا منجزا وإنما أوقع طلاقا معلقا على المشيئة فإن معنى كلامه انت طالق إن شاء الله طلاقك فإن شاء عدمه لم تطلقي بل لا تطلقين إلا بمشيئه فهو داخل في الاستثناء من قوله إن شاء الله فإنه جعل مشيئة الله لطلاقها شرطا فيه وههنا اضاف الى ذلك جعله عدم مشيئته مانعا من طلاقها.

والتحقيق أن كل واحد من الأمرين يستلزم الاخر فقوله إن شاء الله يدل على الوقوع عند وجود المشيئة صريحا وعلى انتفاء الوقوع عند انتفائها لزوما وقوله إلا ان يشاء الله يدل على عدم الوقوع عند عدم المشيئة صريحا وعلى الوقوع عندها لزوما فتأمله فالصورتان سواء كما سوى بينهما أصحابه أبى حنيفة وغيرهم من الشافعية وقولهم إنه أوقع الطلاق وعلق رفعه بمشيئة لم تعلم فهذا بعينه يحتج به عليهم من قال إن الاستثناء لا ينفع في الايقاع بحال فإن صحت هذه الحجة بطل الاستثناء في الإيقاع جملة وإن لم يصح لم يصح الفرق وهو لم يوقعه مطلقا وإنما علقه بالمشيئة نفيا وإثباتا كما قررناه فالطلاق مع الاستثناء ليس بإيقاع.

وعلى هذا فإذا قال إن شاء الله وهو لا يعلم معناها أصلا فهل ينفعه هذا الاستثناء قال أصحاب أبى حنيفة إذا قال أنت طالق إن شاء الله ولا يدري أي شئ إن شاء الله لا يقع قالوا لأن الطلاق مع الاستثناء ليس بإيقاع فعلمه وجهله سواء قالوا ولهذا لما كان سكوت البكر رضا استوى فيه العلم والجهل حتى لو زوجها أبوها فسكتت وهي لا تعلم ان السكوت رضا صح النكاح ولم يعتبر جهلها.

ثم قالوا فلو قال لها أنت طالق فجرى على لسانه من غير قصد إن شاء الله وكان قصده إيقاع الطلاق لم يقع الطلاق لأن الاستثناء قد وجد حقيقة والكلام مع الاستثناء لا يكون إيقاعا وهذا القول في طرف وقول من يشترط نية الاستثناء في أول الكلام أوقبل الفراغ منه في طرف آخر وبينهما أكثر من بعد المشرقين.

\

فلو قال انت طالق إن لم يشأ الله أوما لم يشأ الله فهل يقع الطلاق في الحال أولا يقع على قولين وهما وجهان في مذهب احمد فمن أوقعه احتج بأن كلامه تضمن أمرين محالا وممكنا فالممكن التطليق والمحال وقوعه على هذه الصفة وهو إذا لم يشأ الله فإن ما شاء الله وجب وقوعه فيلغو هذا التقييد المستحيل ويسلم أصل الطلاق فينفذ الوجه الثاني لا يقع ولهذا القول مأخذان أحدهما أن تعليق الطلاق على الشرط المحال يمنع من وقوعه كما لو قال انت طالق إن جمعت بين الضدين أوإن شربت ماء الكوز ولا ما فيه لعدم وقوع شرطه فهكذا إذا قال انت طالق إن لم يشأ الله فهو تعليق للطلاق على شرط مستحيل وهو عدم مشيئة الله طلقت لطلقت بمشيئته وشرط وقوع الطلاق عدم مشيئته والمأخذ الثاني وهو أفقه أنه استثناء في المعنى وتعليق على المشيئة والمعنى إن لم يشأ الله عدم طلاقك فهو كقوله إلا أن يشأ الله سواء كما تقدم بيانه.

فصل: رأي من لا يجوزون الاستثناء
قال الموقعون: قال ابراهيم بن يعقوب الجوزجاني ثنا خالد بن يزيد بن أسد القسري ثنا جميع بن عبد الحميد الجعفي عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري وابن عمر قال كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزا في كل شئ إلا في الطلاق والعتاق قالوا وروى ابو حفص ابن شاهين بإسناده عن ابن عباس قال إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق إن شاء الله فهى طالق وكذلك روى عن أبي بردة قالوا ولانه استثناء يرفع جملة الطلاق فلم يصح كقوله أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا قالوا ولأنه إنشاء حكم في محل فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح قالوا ولأنه إزاله ملك فلم يصح تعليقه على مشيئة الله تعالى كما لو قال أبرأتك إن شاء الله قالوا ولأنه تعليق على ما لا سبيل الى العلم به فلم يمنع وقوع الطلاق كما لو قال أنت طالق إن شاءت السموات والأرض.


قالوا وإن كان لنا سبيل الى العلم بالشرط صح الطلاق لوجود شرطه ويكون الطلاق حينئذ معلقا على شرط تحقق وجوده بمباشرة الآدمي سببه قال قتادة قد شاء الله حينئذ ان تطلق قالوا ولأن الله تعالى وضع لإيقاع الطلاق هذه اللفظة شرعا وقدرا فإذا أتى بها المكلف فقد أتى بما شاءه الله فإنه لا يكون شئ قط إلا بمشيئة الله عز وجل والله شاء الامور بأسبابها فإذا شاء تكوين شئ وإيجاده شاء سببه فإذا أتى المكلف بسببه فقد أتى به بمشيئة الله ومشيئة السبب مشيئة للمسبب فإنه لو لم يشأ وقوع الطلاق لم يمكن المكلف أن يأتي به فإن ما لم يشأ الله يمتنع وجوده كما أن ما شاءه وجب وجوده قالوا وهذا في القول نظير المشيئة في الفعل فلوا قال أنا افعل كذا إن شاء الله تعالى وهو متلبس بالفعل صح ذلك ومعنى كلامه ان فعلى هذا إنما هو بمشيئة الله كما لو قال حال دخوله الدار أنا أدخلها إن شاء الله أو قال من تخلص من شر تخلصت إن شاء الله وقد قال يوسف لأبيه وإخوته ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين في حال دخولهم والمشيئة راجعة الى الدخول المقيد بصيغة الامر فالمشيئة متناولة لهما جميعا قالوا ولو أتى بالشهادتين ثم قال عقيبهما إن شاء الله أو قال أنا مسلم إن شاء الله فإن ذلك لا يؤثر في صحة إسلامه شيئا ولا يجعله إسلاما معلقا على شرط قالوا ومن المعلوم قطعا أن الله قد شاء تكلمه بالطلاق فقوله بعد ذلك إن شاء الله تحقيق لما قد علم قطعا أن الله شاءه فهو بمنزلة قوله انت طالق إن كان الله أباح الطلاق وأذن فيه ولا فرق بينهما.

وهذا بخلاف قوله أنت طالق إن كلمت فلانا فإنه شرط في طلاقها ما يمكن وجوده وعدمه فإذا وجد الشرط وقع ما علق به ووجود الشرط في مسألة المشيئة إنما يعلم بمباشرة العبد سببه فإذا باشره علم أن الله قد شاءه قالوا وأيضا فالكفارة أقوى من الاستثناء لأنها ترفع حكم اليمين والاستثناء يمنع عقدها والرافع أقوى من المانع وأيضا فإنها تؤثر متصلة ومنفصلة والاستثناء لا يؤثر مع الانفصال ثم الكفارة مع قوتها لا تؤثر في الطلاق والعتاق فأن لا يؤثر فيه الاستثناء أولى وأحرى قالوا وأيضا فقوله إن شاء الله إن كان استثناء فهو رافع لجملة المستثنى منه فلا يرتفع وإن كان شرطا فإما أن يكون معناه إن كان الله قد شاء طلاقك أوإن شاء الله أن أوقع عليك في المستقبل طلاقا غير هذا فإن كان المراد هو الأول فقد شاء الله طلاقها بمشيئتة لسببه وإن كان المراد هو الثاني فلا سبيل للمكلف الى العلم بمشيئته تعالى فقد علق الطلاق بمشيئة من لا سبيل الى العلم بمشيئتة فيلغو التعليق ويبقى أصل الطلاق فينفذ قالوا ولأنه علق الطلاق بما لا يخرج عنه كائن فوجب نفوذه كما لو قال أنت طالق إن علم الله أوإن قدر الله أوإن سمع أو إن رأى يوضحه انه حذف مفعول المشيئة ولم ينو مفعولا معينا فحقيقة لفظه انت طالق إن كان لله مشيئة أوإن شاء أي شئ كان ولو كانت نيته إن شاء الله هذا الحادث المعين وهو الطلاق لم يمنع جعل المشيئة المطلقة إلى هذا الحادث فردا من أفرادها شرطا في الوقوع ولهذا لو سئل المستثنى عما أراد لم يفصح بالمشيئة الخاصة بل لعلها لا تخطر بباله وإنما تكلم بهذا اللفظ بناء على ما اعتاده الناس من قول هذه الكلمة عند اليمين والنذر والوعد.

قالوا ولأن الاستثناء إنما بابه الايمان كقوله من حلف فقال إن شاء الله فإن شاء فعل وإن شاء ترك وليس له دخول في الاخبار ولا في الانشاءات فلا يقال قام زيد إن شاء الله ولا قم إن شاء الله ولا تقم إن شاء الله ولا بعت ولا قبلت إن شاء الله وإيقاع الطلاق والعتاق من إنشاء العقود التي لا تعلق على الاستثناء فإن زمن الانشاء مقارن له فعقود الانشاء تقارنها أزمنتها فلهذا لا تعلق بالشروط.

قالوا والذي يكشف سر المسألة أن هذا الطلاق المعلق على المشيئة إما ان يريد به طلاقا ماضيا أومقارنا للتكلم به أومستقبلا فإن أراد الماضي أوالمقارن وقع لأنه لا يعلق على الشرط وإن أراد المستقبل ومعنى كلامه إن شاء الله ان تكوني في المستقبل طالقا فأنت طالق وقع ايضا لأن مشيئة الله بطلاقها الآن يوجب طلاقها في المستقبل فيعود معنى الكلام الى إنى إن طلقتك الآن بمشيئة الله فأنت طالق وقد طلقها بمشيئتة فتطلق فههنا ثلاث دعاوى إحداها أنه طلقها والثانية أن الله شاء ذلك والثالثة أنها قد طلقت فإن صحت الدعوى الأولى صحت الاخريان وبيان صحتها انه تكلم بلفظ صالح للطلاق فيكون طلاقا وبيان الثانيه انه حادث فيكن بمشيئة الله فقد شاء الله طلاقها فتطلق فهذا غاية ما تمسك به الموقعون.


جواب من يجوز الاستثناء قال المانعون أنتم معاشر الموقعين قد ساعد تمونا على صحة تعليق الطلاق بالشرط ولستم ممن يبطله كالظاهرية وغيرهم كأبي عبدالرحمن الشافعي فقد كفيتمونا نصف المؤنة وحملتم عنا كلفة الاحتجاج لذلك فبقى الكلام معكم في صحة هذا التعليق المعين هل هو صحيح ام لا فإن ساعد تمونا على صحة التعليق قرب الأمر وقطعنا نصف المسافة الباقية ولا ريب ان هذا التعليق صحيح إذ لو كان محالا لما صح تعليق اليمين والوعد والنذر وغيرهما بالمشيئة ولكان ذلك لغوا لا يفيد وهذا بين البطلان عند جميع الامة فصح التعليق حينئذ فبقى بيننا وبينكم منزلة أخرى وهي انه هل وجود هذا الشرط ممكن ام لا فإن ساعدتمونا على الامكان ولا ريب في هذه المساعدة قربت المسافة جدا وحصلت المساعدة على انه طلاق معلق صح تعليقه على شرط ممكن فبقيت منزلة اخرى وهي ان تأثير الشرط وعمله يتوقف على الاستقبال أم لا يتوقف عليه بل يجوز تأثيره في الماضي والحال والاستقبال فإن ساعدتمونا على توقف تأثيره على الاستقبال وأنه لا يصح تعلقه بماض ولا حال وانتم بحمد الله على ذلك مساعدون بقى بيننا وبينكم منزلة واحدة وهي انه هل لنا سبيل الى العلم بوقوع هذا الشرط فيترتب المشروط عليه عند وقوعه ام لا سبيل لنا الى ذلك ألبتة فيكون التعليق عليه تعليقا على ما لم يجعل الله لنا طريقا الى العلم به فههنا معترك النزال ودعوة الابطال فنزال نزال فنقول.

من اقبح القبائح وأبين الفضائح التي تشمئز منها قلوب المؤمنين وتنكرها فطر العالمين ما تمسك به بعضكم وهذا لفظه بل حروفه قال لنا أنه علق الطلاق بما لا سبيل لنا إليه فوجب ان يقع لأن اصله الصفات المستحيلة مثل قوله أنت طالق إن شاء الحجر أوإن شاء الميت أوإن شاء هذا المجنون المطبق الآن فيالك من قياس ما أفسده وعن طريق الصواب ما أبعده وهل يستوى في عقل أو رأى أو نظر أو قياس مشيئة الرب جل جلاله ومشيئة الحجر والميت والمجنون عند احد من عقلاء الناس وأقبح من هذا والله المستعان وعليه التكلان وعياذا به من الخذلان ونزغات الشيطان تمسك بعضهم بقوله علق الطلاق بمشيئة من لا تعلم مشيئة فلم يصح التعليق كما لو قال انت طالق إن شاء إبليس فسبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك وعياذا بوجهك الكريم من هذا الخذلان العظيم وياسبحان الله لقد كان لكم في نصره هذا القول غنى عن هذه الشبهة الملعونه في ضروب الاقيسة وأنواع المعاني والالزامات فسحه ومتسع ولله شرف نفوس الائمة الذين رفع الله قدرهم وشاد في العاملين ذكرهم حيث يانفون لنفوسهم ويرغبون بها عن أمثال هذه الهذيانات التي تسود بها الوجوه قبل الاوراق وتحل بقمر الايمان المحاق.

وعند هذا فنقول:
علق الطلاق بمشيئة من جميع الحوادث مستنده الى مشيئته وتعلم مشيئته عند وجود كل حادث انه إنما وقع بمشيئته فهذا التعليق من أصح التعليقات فإذا انشأ المعلق طلاقا في المستقبل تبينا وجود الشرط بإنشائه فوقع فهذا أمر معقول شرعا وفطرة وقدرا وتعليق مقبول.

يبينه ان قوله إن شاء الله لا يريد به إن شاء الله طلاقها ماضيا قطعا بل إما ان يريد به هذا الطلاق الذي تلفظ به أوطلاقا مستقبلا غيره فلا يصح ان يراد به هذا الملفوظ فإنه لا يصح تعليقه بالشرط إذ الشرط إنما يؤثر في الاستقبال فحقيقة هذا التعليق أنت طالق إن شاء الله طلاقك في المستقبل ولو صرح بهذا لم تطلق حتى ينشئ لها طلاقا آخر.

ونقرره بلفظ آخر فنقول علقة بمشيئة من له مشيئة صحيحة معتبرة فهو أولى بالصحة من تعليقه بمشيئة آحاد الناس يبينه أنه لو علقه بمشيئة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته لم يقع في الحال ومعلوم ان ما شاءه الله فقد شاءه رسوله فلو كان التعليق بمشيئة الله موجبا للوقوع في الحال لكان التعليق بمشيئة رسوله في حياته كذلك وبهذا يبطل ما عولتم عليه.

وأما قولكم إن الله تعالى قد شاء الطلاق حين تكلم المكلف به فنعم إذا لكن شاء الطلاق المطلق أو المعلق ومعلوم انه لم يقع منه طلاق مطلق بل الواقع منه طلاق معلق على شرط فمشيئة الله تعالى لا تكون مشيئة للطلاق المطلق فإذا طلقها بعد هذا علمنا ان الشرط قد وجد وأن الله قد شاء طلاقها فطلقت وعند هذا فنقول لو شاء الله أن ينطق العبد لأنطقه بالطلاق مطلقا من غير تعليق ولا استثناء فلما انطقه به مقيدا بالتعليق والاستثناء علمنا انه لم يشأ له الطلاق المنجز فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.

ومما يوضح هذا الامر ان مشيئة اللفظ لا تكون مشيئة للحكم حتى يكون اللفظ صالحا للحكم ولهذا لو تلفظ المكره أو زائل العقل أو الصبي أو المجنون بالطلاق فقد شاء الله منهم وقوع هذا اللفظ ولم يشأ وقوع الحكم فإنه لم يرتب على ألفاظ هؤلاء احكامها لعدم إرادتهم لأحكامها فهكذا المعلقف طلاقه بمشيئة الله يريد ان لا يقع طلاقه وإن كان الله قد شاء له التلفظ بالطلاق وهذا في غاية الظهور لمن أنصف.

ويزيده وضوحا أن المعنى الذي منع الاستثناء عقد اليمين لأجله هو بعينه في الطلاق والعتاق فإنه إذا قال والله لافعلن اليوم كذا إن شاء الله فقد التزم فعلة في اليوم إن شاء الله له ذلك فإن فعله فقد علمنا مشيئة الله له وإن لم يفعله علمنا ان الله لم يشأه إذ لو شاءه لوقع ولا بد ولا يكفى في وقوع الفعل مشيئة الله للعبد إن شاءه فقط فإن العبد قد يشاء الفعل ولا يقع فإن مشيئتة ليست موجبه ولا تلزمه بل لا بد من مشيئة الله له ان يفعل وقد قال تعالى في المشيئة الأولى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً} {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} وقال في المشيئة الثانية: {إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ وما وَمَا يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وإذا كان تعليق الحلف بمشيئته تعالى يمنع من انعقاد اليمين وكذلك تعليق الوعد فإذا قال أفعل إن شاء الله ولم يفعل لم يكن مخلفا كما لا يكون في اليمين حانثا وهكذا إذا قال انت طالق إن شاء الله فإن طلقها بعد ذلك علمنا ان الله قد شاء الطلاق فوقع وإن لم يطلقها تبينا ان الله لم يشأ الطلاق فلا تطلق فلا فرق في هذا بين اليمين والإيقاع فإن كلا منهما إنشاء وإلزام معلق بالمشيئة.

قالوا وأما الأثران اللذان ذكرتموهما عن الصحابة فما احسنهما لو ثبتا ولكن كيف بثبوتهما وعطية ضعف وجميع بن عبد الحميد مجهول وخالد بن يزيد ضعيف قال ابن عدي احاديثه لا يتابع عليها وأثر ابن عباس لا يعلم حال إسناده حتى يقبل أويرد.

على أن هذه الآثار مقابلة بآثار اخر لا تثبت أيضا فمنها ما رواه البيهقي في سننه من حديث اسماعيل بن عياش عن حميد بن مالك عن مكحول عن معاذ ابن جبل قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معاذ ما خلق الله شيئا على وجه الأرض ابغض إليه من الطلاق وما خلق الله شيئا على وجه الأرض أحب إليه من العتاق فإذا قال الرجل لمملوكه أنت حر إن شاء الله فهو حر ولا استثناء له وإذا قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فله استثناؤه ولا طلاق عليه ثم ساقه من طريق محمد بن مصفى ثنا معاوية بن حفص عن حميد عن مالك اللخمي حدثني مكحول عن معاذ بن جبل رضى الله عنه: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رجل قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله فقال: "له استثناؤه" فقال رجل: يا رسول الله وإن قال لغلامه أنت حر إن شاء الله تعالى قال: "يعتق لان الله يشاء العتق ولا يشاء الطلاق" ثم ساق من طريق إسحاق بن أبي نجيح عن عبد العزيز بن أبي رواد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال لامرأته أنت طالق إن شاء الله أو لغلامه أنت حر إن شاء الله أو عليه المشي إلى بيت الله الحرام إن شاء الله فلا شئ عليه" ثم ساق من طريق الجارود بن يزيد عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده مرفوعا في الطلاق وحده انه لا يقع.

ولو كنا ممن يفرح بالباطل ككثير من المصنفين الذين يفرح أحدهم بما وجده مؤيدا لقوله لفرحنا بهذه الآثار ولكن ليس فيها غنية فإنها كلها آثار باطلة موضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أما الحديث الاول ففيه عدة بلايا إحداها حميد بن مالك ضعفه أبو زرعة وغيره الثانية ان مكحولا لم يلق معاذا قال ابو زرعة مكحول عن معاذ منقطع الثالثة أنه قد أضطرب فيه حميد هذا الضعيف فمره يقول عن مكحول عن معاذ ومرة يقول عن مكحول عن خالد بن معدان عن معاذ وهو منقطع أيضا وقيل مكحول عن مالك بن يخامر عن معاذ قال البيهقي ولم يصح الرابعة ان اسماعيل بن عياش ليس ممن يقبل تفرده بمثل هذا ولهذا لم يذهب احد من الفقهاء الى هذا الحديث وما حكاه ابو حامد الاسفرائيني عن احمد من القول به فباطل عنه لا يصح البتة وكل من حكاه عن احمد فمستنده حكاية ابي حامد الإسفرائيني أومن تلقاها عنه، وأما الاثر الثاني فإسناده ظلمات بعضها فوق بعض حتى انتهى أمره الى الكذاب إسحاق بن نجيح الملطي وأما الاثر الثالث فالجارود بن يزيد قد ارتقى من حد الضعف الى حد الترك، والمقصود أن الاثار من الطرفين لا مستراح فيها.

فصل: ردود اخرى على من لا يجوزون الاستثناء
وأما قولكم إنه استثناء يرفع جملة الطلاق فلم يصح كقوله: انت طالق ثلاثا إلا ثلاثا فما أبردها من حجة فإن الاستثناء لم يرفع حكم الطلاق بعد وقوعه وإنما منع من انعقاده منجزا بل انعقد معلقا كقوله انت طالق إن شاء فلان فلم يشأ فلان فإنها لا تطلق ولا يقال إن هذا الاستثناء رفع جملة الطلاق.

وأما قولكم إنه إنشاء حكم في محل فلم يرتفع بالمشيئة كالبيع والنكاح فأبرد من الحجدة التي قبلها فإن البيع والنكاح لا يصح تعليقهما بالشرط بخلاف الطلاق.


وأما قولكم إزالة ملك فلا يصح تعليقه على مشيئة الله كالإبراء فكذلك ايضا فإن الابراء لا يصح تعليقه على الشرط مطلقا عندكم سواء كان الشرط مشيئة الله أوغيرها فلو قال ابرأتك إن شاء زيد لم يصح ولو قال انت طالق إن شاء زيد صح.

وأما قولكم إنه تعليق على ما لا سبيل الى العلم به فليس كذلك بل هو تعليق على ما لنا سبيل الى علمه فإنه إذا اوقعه في المستقبل علمنا وجود الشرط قطعا وأن الله قد شاءه.

وأما قولكم إن الله قد شاءه بتكلم المطلق به فالذي شاءه الله إنما هو طلاق معلق والطلاق المنجز لم يشأه الله إذ لو شاءه لوقع ولابد فما شاءه الله لا يوجب وقوع الطلاق في الحال وما يوجب وقوعه في الحال لم يشأه الله.

أما قولكم إن الله تعالى وضع لإيقاع الطلاق هذه اللفظة شرعا وقدرا فنعم وضع تعالى المنجز لإيقاع المنجز والمعلق لوقوعه لوقوعه عند وقوع ما علق به.

وأما قولكم لو لم يشأ الطلاق لم يأذن للمكلف في التكلم به فنعم شاء المعلق وأذن فيه والكلام في غيره.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:46 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالإثنين 24 أبريل 2017, 9:36 pm

وقولكم إن هذا نظير قوله وهو متلبس بالفعل انا أفعل إن شاء الله فهذا فصل النزاع في المسالة فإذا اراد بقوله انت طالق إن شاء الله هذا التطليق الذي صدر مني لزمه الطلاق قطعا لوجود الشرط وليس كلامنا فيه وإنما كلامنا فيما إذا اراد ان شاء الله طلاقا مستقبلا أواطلق ولم يكن له نية ف ينبغي النزاع في القسم الاول ولا يظن أن احدا من الائمة ينازع فيه فإنه تعليق على شرط مستقبل ممكن فلا يجوز إلغاؤه كما لو صرح به فقال إن شاء الله ان اطلقك غدا فأنت طالق إلا ان يستروح الى ذلك المسلك الوخيم انه علق الطلاق بالمستحيل فلغا التعليق كمشيئة الحجر والميت وأما إذا اطلق ولم يكن له نية فيحمل مطلق كلامه على مقتضى الشرط لغة وشرعا وعرفا وهو اقتضاؤه للوقوع في المستقبل.

واما استدلالكم بقول يوسف لأبيه وإخوته ادخولا مصر إن شاء الله آمنين فلا حجة فيه فإن الاستثناء إن عاد الى الامر المطلوب دوامه واستمراره فظاهر وإن عاد الى الدخول المقيد به فمن اين لكم أنه قال لهم هذه المقالة حال الدخول أوبعده ولعله إنما قالها عند تلقيه لهم ويكون دخولهم عليه في منزل اللقاء فقال لهم حيئنذ ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين فهذا محتمل وإن كان إنما قال لهم ذلك بعدد دخولهم عليه في دار مملكته فالمعنى ادخلوها دخول استيطان واستقرار آمنين إن شاء الله.

وأما قولكم إنه لو اتى بالشهادتين ثم قال إن شاء الله أوقال انا مسلم إن شاء الله صح إسلامه في الحال فنعم إذا فإن الاسلام لا يقبل التعليق بالشرط فإذا علقه بالشرط تنجز كما لو علق الردة بالشرط فإنها تنجز وأما الطلاق فإنه يصح تعليقه بالشرط.

وأما قولكم إنه من المعلوم قطعا ان الله قد شاء تكلمه بالطلاق فقوله بعد ذلك إن شاء الله تحقيق لما لعم ان الله قد شاءه فقد تقدم جوابه وهو أن الله إنما شاء الطلاق المعلق فمن أين لكم انه شاء المنجز ولم تذكروا عليه دليلا.

وقولكم إنه بمنزلة قوله انت طالق إن كان الله اذن في الطلاق أواباحه ولا فرق بينهما فما أعظم الفرق بينهما وأبينه حقيقة ولغة وذلك ظاهر عن تكلف بيانه فإن بيان الواضحات نوع من العي بل نظير ذلك ان يقول أنت طالق إن كان الله قد شاء تلفظي بهذا اللفظ فهذا يقع قطعا.

وأما قولكم إن الكفارة اقوى من الاستثناء لانها ترفع حكم اليمين والاستثناء يمنع عقدها وإذا لم تدخل الكفارة في الطلاق والعتاق فالاستثناء أولى فما أوهنها من شبهة وهي عند التحقيق لا شئ فإن الطلاق والعتاق إذا وقعا لم تؤثر فيهما الكفارة شيئا ولا يمكن حلهما بالكفارة بخلاف الايمان فإن حلها بالكفارة ممكن وهذا تشريع شرعه شارع الاحكام هكذا فلا يمكن تغييره فالطلاق والعتاق لا يقبل الكفارة لم تقبلها سائر العقود كالوقف والبيع والهبة والإجارة والخلع فالكفارة مختصة بالايمان وهي من أحكامها التي لا تكون لغيرها وأما الاستثناء فيشرع في اعم من اليمين كالوعد والوعيد والخبر عن المستقبل كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإنا إن شاء الله بكم لا حقون" وقوله عن أميه بن خلف: "بل أنا أقتله إن شاء الله" وكذا الخبر عن الحال نحو أنا مؤمن إن شاء الله ولا تدخل الكفارة في شئ من ذلك فليس بين الاستثناء والتكفير تلازم بل تكون الكفارة حيث لا استثناء والاستثناء حيث لا كفارة والكفارة شرعت تحلة لليمين بعد عقدها والاستثناء شرع لمعنى آخر وهو تأكيد التوحيد وتعليق الأمور بمشيئة من لا يكون شيء إلا بمشيئته فشرع للعبد أن يفوض الأمر الذي عزم عليه وحلف على فعله أو تركه إلى مشيئة الله ويعقد نطقه بذلك فهذا شيء والكفارة شيء آخر.


وأما قولكم إن الاستثناء إن كان رافعا فهو رافع لجملة المستثنى منه فلا يرتفع فهذا عار عن التحقيق فإن هذا ليس باستثناء بأداة إلا وأخواتها التي يخرج بها بعض المذكور ويبقى بعضه حى يلزم ما ذكرتم وإنما هو شرط ينتفى الشروط عند انتفائه كسائر الشروط ثم كيف يقول هذا القائل في قوله: أنت طالق إن شاء زيد اليوم ولم يشأ فموجب دليله ان هذا لا يصح.

فإن قيل:
فلو أخرجه بأداه إلا فقال انت طالق إلا ان يشاء الله كان رفعا لجملة المستثنى منه.

قيل:
هذه مغلطة ظاهرة فإن الاستثناء ههنا ليس إخراج جملة ما تناوله المذكور ليلزم ما ذكرت وإنما هو تقييد لمطلق الكلام الاول بجملة اخرى مخصصه لبعض احوالها أي انت طالق في كل حالة إلا حالة واحدة واحجدة وهي حالة لا يشاء الله فيها الطلاق فإذا لم يقع منه طلاق بعد هذا علمنا بعدم وقوعه ان الله تعالى لم يشأ الطلاق إذ لو شاءه لوقع ثم ينتقض هذا بقوله إلا أن يشاء زيد وإلا أن تقومي ونحو ذلك فإن الطلاق لا يقع إذا لم يشأه زيد وإذا لم تقم وسمى هذا التعليق بمشيئة الله تعالى استثناء في لغة الشارع كقوله تعالى: {إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلا يَسْتَثْنُونَ} أي لم يقولوا إن شاء الله فمن حلف فقال إن شاء الله فقد استثنى فإن الاستثناء استفعال من ثنيت الشئ كأن المستثنى بإلا قد عاد على كلامه فثنى آخره على أوله بإخراج ما أدخله أولا في لفظه وهكذا التقيد بالشرط سواء فإن المتكلم به قد ثنى آخر كلامه على اوله فقيد به ما أطلقه أولا واما تخصيص الاستثناء بإلا وأخواتها فعرف خاص للنحاة.



وقولكم إن كان شرطا ويراد به إن كان الله قد شاء طلاقك في المستقبل فينفذ لمشيئة الله له بمشيئتة لسببه وهو الطلاق المذكور وإن اراد به إن شاء الله ان أطلقك في المستقبل فقد علقه بمالا سبيل الى العلم به فيلغوا التعليق ويبقى اصل الطلاق فهذا هو اكبر عمدة الموقعين ولا ريب أنه إن اراد بقوله انت طالق إن كان الله قد شاء تكلمي بهذا اللفظ أوشاء طلاقك بهذا اللفظ طلقت ولكن المستثنى لم يرد هذا بل ولا خطر على باله فبقى القسم الاخر وهو أن يريد إن شاء الله وقوع الطلاق عليك فيما يأتى فهذا تعليق صحيح معقول يمكن العلم بوجود ما علق عليه بوجود سببه كما تقدم بيانه.

وأما قولكم إنه علق الطلاق بما لا يخرج عنه كائن فوجب نفوذه كما لو قال انت طالق إن علم الله أوإن قدر الله أوسمع الله الى آخره فما أبطلها من حجة فإنها لو صحت لبطل حكم الاستثناء في الايمان لما ذكرتموه بعينه ولا نفع الاستثنناء في موضع واحد ومعلوم ان المستثنى لم يخطر هذا على باله وإنما اراد تفويض الامر الى مشيئة الله وتعليقه به وأنه إن شاءه نفذ وإن لم يشأه لم يقع ولذلك كان مستثنيا أي وإن كنت قد التزمت اليمين أوالطلاق أوالعتاق فإنما التزمه بعد مشيئة الله وتبعا لها فإن شاءه فهو تعالى ينفذه بما يحدثه من الأسباب ولم يرد المستثنى إن كان لله مشيئة أوعلم سمع أوبصر فأنت طالق ولم يخطر ذلك بباله ألبته.

يوضحه أن هذا مما لا يقبل التعليق ولاسيما بأداة إن التي للجائز الوجود والعدم ولو شك في هذا لكان ضالا بخلاف المشيئة الخاصة فإنها يمكن أن تتعلق بالطلاق وان لا تتعلق به وهو شاك فيها كما يشك العبد فيما يمكن أن يفعله الله به وأن لا يفعله هل شاءه ام لا فهذا هو المعقول الذي في فطر الحالفين والمستثنين وحذف مفعول المشيئة لم يكن لما ذكرتم وهو عدم إرادة مفعول معين بل للعلم به ودلالة الكلام عليه وتعين إرادته إذ المعنى إن شاء الله طلاقك فأنت طالق كما لو قال والله لأسافرن إن شاء الله أي إن شاء الله سفري وليس مراده إن كان لله صفة هي المشيئة فالذي قدرتموه من المشيئة المطلقه هو الذي لم يخطر ببال الحالف والمطلق وإنما الذي لم يخطر بباله سواه هو المشيئة المعينة الخاصة.

وقولكم إن المستثنى لو سئل عما أراد لم يفصح بالمشيئة الخاصة بل تكلم بلفظ الاستثناء بناء على ما اعتاده الناس من التكلم بهذا اللفظ كلام غير سديد فإنه لو صح لما نفع الاستثناء في يمين قط ولهذا نقول إن قصد التحقيق والتأكيد بذكر المشيئة ينجز الطلاق ولم يكن ذلك استثناء.

وأما قولكم إن الاستثناء بابه الايمان إن اردتم به اختصاص الايمان به فلم تذكروا على ذلك دليلا وقوله صلى الله عليه وسلم: "من حلف فقال إن شاء الله فقد استثنى" وفي لفظ اخر "من حلف فقال إن شاء الله فهو بالخيار فإن شاء فعل وإن شاء لم يفعل" فحديث حسن ولكن لا يوجب اختصاص الاستثناء بالمشيئة باليمين وقد قال الله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وهذا ليس بيمين ويشرع الاستثناء في الوعد والوعيد والخبر عن المستقبل كقوله غدا افعل إن شاء الله وقد عتب الله على رسوله صلى الله عليه وسلم حيث قال لمن سأله من أهل الكتاب عن أشياء: "غدا أخبركم" ولم يقل إن شاء الله فاحتبس الوحي عنه شهرا ثم نزل عليه: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} أي اذا نسيت ذلك الاستثناء عقيب كلامك فاذكره به اذا ذكرت هذا معنى الآية وهو الذي أراده ابن عباس بصحة الاستثناء المتراخي ولم يقل ابن عباس قط ولا من هو دونه إن الرجل إذا قال لامرأته أنت طالق أو لعبده انت حر ثم قال بعد سنة إن شاء الله إنها لا تطلق ولا يعتق العبد وأخطأ من نقل ذلك عن ابن عباس أوعن احد من أهل العلم البتة ولم يفهموا مراد ابن عباس والمقصود ان الاستثناء لا يختص باليمين لا شرعا ولا عرفا ولا لغة وإن أردتم بكون بابه الايمان كثرته فيها فهذا لا ينفى دخوله في غيرها.

وقولكم إنه لا يدخل في الاخبارات ولا في الانشاءات فلا يقال قام زيد إن شاء الله ولا قم إن شاء الله ولا بعت إن شاء الله فكذا لا يدخل في قوله انت طالق إن شاء الله فليس هذا بتمثيل صحيح والفرق بين البابين أن الامور الماضية قد علم انها وقعت بمشيئتة الله والشرط إنما يؤثر في الاستقبال فلا يصح ان يقول قمت امس إن شاء الله فلو اراد الاخبار عن وقوعها بمشيئة الله لأأتى بغير صيغة الشرط فيقول فعلت كذا بمشيئة الله وعونه وتأييده ونحو ذلك بخلاف قوله غدا أفعل إن شاء الله واما قوله قم إن شاء الله ولا تقم إن شاء الله فلا فائدة في هذا الكلام إذ قد علم أنه لا يفعل إلا بمشيئة الله فأي معنى لقوله إن شاء الله لك القيام فقم وإن لم يشأه فلا تقم نعم لو أراد بقوله قم أولا تقم الخبر وأخرجه مخرج الطلب تأكيدا أي تقوم إن شاء الله صح ذلك كما إذا قال مت على الإسلام إن شاء الله ولا تمت إلا على توبة إن شاء الله ونحو ذلك وكذا إن اراد بقوله قم ان شاء الله رد المشيئة الى معنى خبري أي ولا تقوم إلا أن يشاء الله فهذا صحيح مستقيم لفظا ومعنى واما بعت ان شاء الله واشتريت ان شاء الله فإن اراد به التحقيق صح وانعقد العقد وان اراد به التعليق لم يكن المذكور انشاء وتنافي الانشاء والتعليق إذ زمن الإنشاء يقارن وجود معناه وزمن وقوع لمعلق يتاخر عن التعليق فتنافيا.

واما قولكم ان هذا الطلاق المعلق على المشيئة اما ان يريد طلاقا ماضيا أومقارنا أومستقبلا الى اخره فجوابه ما قد تقدم مرارا انه ان اراد به المشيئة الى هذا اللفظ المذكور وان الله ان كان قد شاءه فأنت طالق طلقت ولا ريب ان المستثني لم يرد هذا وانما اراد الا يقع الطلاق فرده الى مشيئة الله وان الله ان شاءه بعد هذا وقع فكأنه قال لا اريد طلاقك ولا ارب لي فيه إلا ان يشاء الله فينفذ رضيت أم سخطت كما قال نبي الله شعيب عليه السلام وما يكون لنا أن نعود فيها إلا ان يشاء الله ربنا أي نحن لا نعود في ملتكم ولا نختار ذلك إلا ان يشاء الله ربنا شيئا فينفذ ما شاءه وكذلك قال ابراهيم ولا اخاف ما تشركون به إلا ان يشاء ربي شيئا وسع ربي كل شئ علما أي لا يقع بي مخوف من جهة آلهتكم أبدا إلا أن يشاء ربي شيئا فينفذ ما شاءه فرد الانبياء ما أخبروا ألا يكون إلى مشيئة الرب تعالى والى علمه استدراكا واستثناء أي لا يكون ذلك ابدا ولكن إن شاءه الله تعالى كان فإنه تعالى عالم بما نعلمه نحن من الامور التي تقتضيها حكمته وحده.

فصل: القول الفصل في موضوع الاستثناء
فالتحقيق في المسألة ان المستثنى إما أن يقصد بقوله إن شاء الله التحقيق أوالتعليق فإن قصد به التحقيق والتأكيد وقع الطلاق وإن قصد به التعليق وعدم الوقوع في الحال لم تطلق هذا هو الصواب في المسالة وهو اختيار شيخنا وغيره من الاصحاب وقال ابو عبد الله بن حمدان في رعايته قلت إن قصد التأكيد والتبرك وقع وإن قصد التعليق وجهل استحالة العلم بالمشيئة فلا وهذا قول آخر غير الاقوال الاربعة المحكية في المسألة وهو انه إنما ينفعه الاستثناء إذا قصد التعليق وكان جاهلا باستحالة العلم بمشيئة الله تعالى فلو علم استحالة العلم بمشيئته تعالى لم ينعقد الاستثناء والفرق بين علمه بالاستحالة وجهلة بها انه إذا جهل استحالة العلم بالمشيئة فقد علق الطلاق بما هو ممكن في ظنه فيصح تعليقه وإذا لم يجهل استحالة العلم بالمشيئة فقد علقه على محال يعلم استحالته فلا يصح التعليق وهذا احد الاقوال في تعليقه بالمحال.

قلت وقولهم إن العلم بمشيئة الرب محال خطأ محض فإن مشيئة الرب تعلم بوقوع الاسباب التي تقتضى مسبباتها فإن مشيئة المسبب مشيئة لحكمه فإذا أوقع عليها بعد ذلك طلاقا علمنا ان الله قد شاء طلاقها فهذا تقرير الاحتجاج من الجانبين ولا يخفى ما تضمنه من رجحان احد القولين والله أعلم.

فصل: نية الاستثناء وزمنها
وقد قدمنا اختلاف الفقهاء في اشتراط نية الاستثناء وزمنها وان أضيق الاقوال قول من يشترط النية من اول الكلام وأوسع منه قول من يشترطها قبل فراغه واوسع منه قول من يجوز إنشاءها بعد الفراغ من الكلام كما يقوله اصحاب احمد وغيرهم واوسع منه قول من يجوزه بالقرب ولا يشترط اتصاله بالكلام كما نص عليه احمد في رواية المروزي فقال حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والله لأغزون قريشا والله لأغزون قريشا ثم سكت ثم قال إن شاء الله" إذ هو استثناء بالقرب ولم يخلط كلامه بغيره وقال اسماعيل بن سعيد الشالنجي سألت احمد بن حنبل عن الاستثناء في اليمين فقال من استثنى بعد اليمين فهو جائز على مثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال: "والله لأغزون قريشا ثم سكت ثم قال إن شاء الله" ولم يبطل ذلك قال ولا أقول فيه بقول هؤلاء يعنى من لم ير ذلك إلا متصلا هذا لفظ الشالنجي في مسائلة وأوسع من ذلك قول من قال ينفعه الاستثناء ويصح ما دام في المجلس نص عليه الامام احمد في احدى الروايات عنه وهو قول الاوزاعي كما سنذكره واوسع منه من وجه قول من لا يشترط النية بحال كما صرح به أصحاب ابي حنيفة وقال صاحب الذخيرة في كتاب الطلاق في الفصل السادس عشر منه ولو قال لها انت طالق إن شاء الله ولا يدري أي شئ شاء الله لا يقع الطلاق لان الطلاق مع الاستثناء ليس بإيقاع فعلمه وجهله يكون سواء ولو قال لها انت طالق فجرى على لسانه من غير قصد إن شاء الله وكان قصده إيقاع الطلاق لا يقع الطلاق لان الاستثناء قد وجد حقيقة والكلام مع الاستثناء لا يكون إيقاعا وقال الجوزجاني في مترجمه حدثني صفوان ثنا عمر قال سئل الاوزاعي رحمه الله عن رجل حلف والله لأفعلن كذا وكذا ثم سكت ساعة لا يتكلم ولا يحدث نفسه بالاستثناء فيقول له إنسان الى جانبه قل إن شاء الله فقال إن شاء الله ايكفر عن يمينه فقال اراه قد استثنى.

وبهذا الاسناد عن الاوزاعي انه سئل عن رجل وصله قريبه بدراهم فقال والله لا آخذها فقال قريبه والله لتأخذنها فلما سمعه قال والله لتأخذنها استثنى في نفسه فقال إن شاء الله وليس بين قوله والله لا آخذها وبين قوله إن شاء الله كلام إلا انتظاره ما يقول قريبه ايكفر عن يمينه إن هو أخذها فقال لم يحنث لانه قد استثنى.

ولا ريب أن هذا افقه واصح من قول من اشتراط نيته مع الشروع في اليمين فإن هذا القول موافق للسنة الصحيحة فعلا عن النبي صلى الله عليه وسلم وحكاية عن أخيه سليمان انه لو قال إن شاء الله بعد ما حلف وذكره الملك كان نافعا له موافقا للقياس ومصالح العباد ومقتضى الحنيفية السمحة ولو اعتبر ما ذكر من اشتراط النية في اول الكلام والاتصال الشديد لزالت رخصة الاستثناء وقل من انتفع بها إلا من قد درس على هذا القول وجعله منه على بال.

وقد ضيق بعض المالكية في ذلك فقال لا يكون الاستثناء نافعا إلا وقد أراده صاحبه قبل أن يتمم اليمين كما قال بعض الشافعية وقال ابن المواز شرط نفعه ان يكون مقارنا ولو لآخر حرف من حروف اليمين ولم يشترط مالك شيئا من ذلك بل قال في موطئه وهذا لفظ روايتة قال عبد الله بن يوسف احسن ما سمعت في الثنيا في اليمين انها لصاحبها ما لم يقطع كلامه وما كان نسقا يتبع بعضه بعضا قبل ان يسكت فإذا سكت وقطع كلامه فلا ثنيا له انتهى ولم ار عن أحد من الأئمة قط اشتراط النية مع الشروع ولا قبل الفراغ وإنما هذا من تصرف الأتباع.

فصل: هل يصح الاستثناء في القلب
وهل من شرط الاستثناء ان يتكلم به أوينفع اذا كان في قلبه وإن لم يتلفظ به فالمشهور من مذاهب الفقهاء انه لا ينفعه حتى يتلفظ به ونص عليه احمد فقال في رواية ابن منصور لا يجوز له ان يستثنى في نفسه حتى يتكلم به وقد قال أصحاب احمد وغيرهم لو قال نسائي طوالق واستثنى بقلبه إلا فلانه صح استثناؤه ولم تطلق ولو قال نسائي الاربع طوالق واستثنى بقلبه إلا فلانه لم ينفعه وفرقوا بينهما بأن الاول ليس نصا في الاربع فجاز تخصيصه بالنية بخلاف الثاني ويلزمهم على هذا الفرق ان يصح تقييده بالشرط بالنية لأن غايته انه تقييد مطلق فعمل النية فيه اولى فيه أولى من عملها في تخصيص العام لان العام متناول للأفراد وضعا والمطلق لا يتناول جميع الاحوال بالوضع فتقييده بالنية اولى من تخصيص العام بالنية.

وقد قال صاحب المغنى وغيره إذا قال انت طالق ونوى بقلبه من غير نطق إن دخلت الدار أوبعد شهر أنه يدين فيما بينه وبين الله تعالى وهل يقبل في الحكم على روايتين وقد قال الامام احمد في رواية اسحاق بن ابراهيم فيمن حلف لا يدخل الدار وقال نويت شهرا قبل منه أوقال إذا دخلت دار فلان فأنت طالق ونوى تلك الساعة أوذلك اليوم قبلت نيته قال والرواية الاخرى لا تقبل فإنه قال إذا قال لامرأته أنت طالق ونوى في نفسه الى سنة تطلق ليس ينظر الى نيته وقال إذا قال أنت طالق وقال نويت إن دخلت الدار لا يصدق قال الشيخ ويمكن ان يجمع بين هاتين الروايتين بأن يحمل قوله في القبول على أنه يدين.

وقوله في عدم القبول على الحكم فلا يكون بينهما اختلاف قال والفرق بين هذه الصورة والتي قبلها يعنى مسألة نسائي طوالق واراد بعضهن أن إرادة الخاص بالعام شائع كثير وإرادة الشرط من غير ذكره غير شائع وهو قريب من الاستثناء ويمكن ان يقال هذه كلمه من جملة التخصيص انتهى كلامه وقد تضمن ان الحالف إذا أراد الشرط دين وقبل في الحكم في إحدى الروايتين ولا يفرق فقيه ولا محصل بين الشرط بمشيئة الله حيث يصح وينفع وبين غيره من الشروط وقد قال الامام احمد في رواية حرب إن كان مظلوما فاستثنى في نفسه رجوت أنه يجوز إذا خاف على نفسه ولم ينص على خلاف هذا في المظلوم وإنما اطلق القول وخاص كلامه ومقيده يقضى عل مطلق وعامه فهذا مذهبه.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:46 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالإثنين 24 أبريل 2017, 9:40 pm

فصل: هل يصح الاستثناء بتحريك اللسان
وهل يشترط أن يسمع نفسه أويكفي تحرك لسانه بالاستثناء إن كان بحيث لا يسمعه فاشتراط أصحاب احمد وغيرهم انه لا بد وان يكون بحيث يسمعه هو أوغيره ولا دليل على هذا من لغة ولا عرف ولا شرع وليس في المسألة إجماع قال اصحاب ابي حنيفة واللفظ لصاحب الذخيرة وشرط الاستثناء ان يتكلم بالحروف سواء كان مسموعا أولم يكن عند الشيخ ابي الحسن الكرخي وكان الفقيه ابو جعفر يقول لا بد وان يسمع نفسه وبه كان يفتى الشيخ ابو بكر محمد بن الفضل وكان شيخ الاسلام ابن تيمية يميل الى هذا القول وبالله التوفيق وهذا بعض ما يتعلق بمخرج الاستثناء ولعلك لا تظفر به في غير هذا الكتاب.

فصل: فعل المحلوف عليه ناسيا ونحو ذلك
المخرج الخامس ان يفعل المحلوف عليه ذاهلا أوناسيا أومخطئا أوجاهلا أومكرها أومنأولا أومعتقدا انه لا يحنث به تقليدا لمن أفتاه بذلك أومغلوبا على عقله أوظنا منه ان امرأته طلقت فيفعل المحلوف عليه بناء على ان المرأة أجنبية فلا يؤثر فعل المحلوف عليه في طلاقها شيئاً.

الفرق بين الناسي وبين الذاهل والغافل واللاهي
فمثال الذهول أن يحلف انه لا يفعل شيئا هو معتاد لفعله فيغلب عليه الذهول والغفلة فيفعله والفرق بين هذا وبين الناسي ان الناسي يكون قد غاب عنه اليمين بالكلية فيفعل المحلوف عليه ذاكرا له عامدا لفعله ثم يتذكر أنه كان قد حلف على تركه وأما الغافل والذاهل فليس بناس ليمينه ولكنه لها عنها أوذهل كما يذهل الرجل عن الشئ في يده أوحجره بحديث أونظر الى شئ أونحوه كما قال تعالى: {وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى} يقال لهى عن الشيء يلهى كغشى يغشى إذا غفل ولها به يلهو إذا لعب وفي الحديث فلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بشئ كان في يديه أي اشتغل به ومنه الحديث الآخر إذا استأثر الله بشئ فاله عنه وسئل الحسن عما يجده الرجل من البلة بعد الوضوء والاستنجاء فقال اله عنه وكان ابن الزبير اذا سمع صوت الرعد لها عن حديثه وقال عمر رضى الله عنه لرجل بعثه بمال إلى أبي عبيده ثم قال للرسول تله عنه ثم انظر ماذا يصنع به ومنه قول كعب بن زهير: وقال كل صديق كنت آمله  لا ألهينك إنى عنك مشغول

أي لا اشغلك عن شأنك وأمرك وفي المسند سألت ربي ان لا يعذب اللاهين من أمتي وهم البلة الغافلون الذين لم يتعمدوا الذنوب وقيل هم الاطفال الذين لم يقترفوا ذنبا.

فصل: النسيان نوعان
واما الناسي فهو ضربان ناس لليمين وناس للمحلوف عليه فالأول ظاهر والثاني كما إذا حلف على شئ وفعله وهو ذاكر ليمينه لكن نسى ان هذا هو المحلوف عليه بعينه وهذا كما لو حلف لا يأكل طعام كذا وكذا فنسيه ثم أكله وهو ذاكر ليمينه ثم ذكر ان هذا هو الذي حلف عليه فهذا اذا كان يعتقد انه غير المحلوف عليه ثم بان انه هو فهو خطأ فإن لم يخطر بباله كونه المحلوف عليه ولا غيره فهو نسيان والفرق بين الجاهل بالمحلوف عله والمخطئ ان الجاهل قصد الفعل ولم يظنه المحلوف عليه والمخطئ لم يقصده كما لو رمى طائرا فأصاب إنسانا.

الاكراه نوعان:
والمكره نوعان احدهما له فعل اختياري لكن محمول عليه والثاني ملجأ لا فعل له بل هو آلة محضة المتأول والمتأول كمن يحلف انه لا يكلم زيدا وكاتبه يعتقد ان مكاتبته ليست تكليما وكمن حلف انه لا يشرب خمرا فشرب نبيذا مختلفا فيه متأولا وكمن حلف لايرابي فباع بالعينة أولا يطأ فرجا حراما فوطئ في نكاح تحليل مختلف فيه ونحو ذلك.

درجات التأويل:
والتأويل ثلاث درجات قريب وبعيد ومتوسط ولا تنحصر افراده والمعتقد انه لا يحنث بفعله تقليدا سواء كان المفتى مصيبا أومخطئا كمن قال لامرأته إن خرجت من بيتي فأنت طالق أوالطلاق يلزمني لا تخرجين من بيتي فأفتاه مفت بأن هذه اليمين لا يلزم بها الطلاق بناء على ان الطلاق المعلق لغو كما يقوله بعض اصحاب الشافعي كابي عبد الرحمن الشافعي وبعض اهل الظاهر كما صرح به صاحب المحلى فقال والطلاق بالصفة عندنا كالطلاق باليمين كل ذلك لا يلزم.

المغلوب على عقله:
والمغلوب على عقله كمن يفعل المحلوف عليه في حال سكر أوجنون أوزوال عقل بشرب دواء أوبنج أوغضب شديد ونحو ذلك.

من يظن طلاق امرأته:
والذي يظن ان امرأته طلقت فيفعل المحلوف عليه بناء على انه لا يؤثر في الحنث كما إذا قال إن كلمت فلانا فأنت طالق ثلاثا ثم قال إن فعلت كذا فامرأتي طالق ثلاثا فقيل له إن امرأتك قد كلمت فلانا فاعتقد صدق القائل وانها قد بانت منه ففعل المحلوف عليه بناء على ان العصمة قد انقطعت ثم بان له ان المخبر كاذب.

وكذلك لو قيل له قد كلمت فلانا فقال طلقت منى ثلاثا ثم بان له انها لم تكلمه ومثل ذلك لو قيل له إن امرأتك قد مسكت تشرب الخمر مع فلان فقال هي طالق ثلاثا ثم ظهركذب المخبر وأن ذلك لم يكن منه شيء.

فاختلف الفقهاء في ذلك اختلافا لا ينضبط فنذكر أقوال من أفتى بعدم الحنث في ذلك إذ هو الصواب بلا ريب وعليه تدل الادلة الشرعية ألفاظها وأقيستها واعتبارها وهو مقتضى قواعد الشريعة فإن البر والحنث في اليمين نظير الطاعة والمعصية في الامر والنهي وإن فعل المكلف ذلك في أمر الشارع ونهيه لم يكن عاصيا فأولى في باب اليمين ان لا يكون حانثا.

ويوضحه انه إنما عقد يمينه على فعل ما يملكه والنسيان والجهل والخطأ والاكراه غير داخل تحت قدرته فما فعله في تلك الاحوال لم يتناوله يمينه ولم يقصد منع نفسه منه.

يوضحه ان الله تعالى قد رفع المؤاخذة عن المخطئ والناسي والمكره فإلزامه بالحنث اعظم مؤاخذة لما تجاوز عن المؤاخذة به كما انه تعالى لما تجاوز للامة عما حدثت به أنفسها لم تتعلق به المؤاخذة في الاحكام يوضحه ان فعل الناسي والمخطئ بمنزلة فعل النائم في عدم التكليف به ولهذا هو عفو لا يكون به مطيعا ولا عاصيا.

يوضحه ان الله تعالى إنما رتب الاحكام على الالفاظ لدلالتها على قصد المتكلم بها وإرادته فإذا تيقنا انه قصد كلامها ولم يقصد معانيها ولم يقصد مخالفة ما التزمه ولا الحنث فإن الشارع لا يلزمه بما لم يقصده بل قد رفع المؤاخذة عنه بما لم يقصده من ذلك.

يوضحه ان اللفظ دليل على القصد فاعتبر لدلالته عليه فإذا علمنا يقينا خلاف المدلول لم يجز ان نجعله دليلا على ما تيقنا خلافه وقد رفع الله المؤاخذة عن قتل المسلم المعصوم بيده مباشرة إذا لم يقصد قتله بل قتله خطأ ولم يلزمه شيئا من ديته بل حملها غيره فكيف يؤاخذه بالخطأ والنسيان في باب الايمان هذا من الممتنع على الشارع.

وقد رفع النبي صلى الله عليه وسلم المؤاخذة عمن أكل وشرب في نهار رمضان ناسيا لصومه مع ان اكله وشربه فعل لا يمكن تداركه فكيف يؤاخذه بفعل المحلوف عليه ناسيا ويطلق عليه امرأته ويخرب بيته ويشتت شمله وشمل اولاده وأهله وقد عفاله عن الاكل والشرب في نهار الصوم ناسيا.

وقد عفا عمن اكل أوشرب في نهار الصوم عمدا غير ناس لما تأول الخيط الابيض والخيط الاسود بالحبلين المعروفين فجعل يأكل حتى تبينا له وقد طلع النهار وعفا له عن ذلك ولم يأمره بالقضاء لتأويله فما بال الحالف المتأول لا يعفى له عن الحنث بل يخرب بيته ويفرق بينه وبين حبيبته ويشتت شمله كل مشتت.

وقد عفا عن المتكلم في صلاته عمدا ولم يأمره بالاعادة لما كان جاهلا بالتحريم لم يتعمد مخالفة حكمه فألغى كلامه ولم يجعله مبطلا للصلاة فكيف لا يقتدى به ويلغى قول الجاهل وفعله في باب الايمان ولا يحنثه كما لم يؤثمه الشارع.

وإذا كان قد عفا عمن قدم شيئا أواخره من أعمال المناسك من الحلق والرمي والنحر نسيانا أوجهلا فلم يؤاخذه بترك ترتيبها نسيانا فكيف يحنث من قدم ما حلف على تأخيره أواخر ما حلف على تقديمه ناسيا أو جاهلا.

وإذا كان قد عفا عمن حمل القذر في الصلاة ناسيا أوجاهلا به فكيف يؤاخذ الحالف ويحنث به وكيف تكون أوامر الرب تعالى ونواهيه دون ما التزمه الحالف بالطلاق والعتاق وكيف يحنث من لم يتعمد الحنث وهل هذا إلا بمنزلة تأثيمه من لم يتعمد الاثم وتكفيره من لم يتعمد الكفر وكيف يطلق أويعتق على من لم يتعمد الطلاق والعتاق ولم يطلق على الهازل إلا لتعمده فإنه تعمد الهزل ولم يرد حكمه وذلك ليس اليه بل الى الشارع فليس الهازل معذورا بخلاف الجاهل والمخطئ والناسي.

وبالجملة فقواعد الشريعة واصولها تقتضي الا يحنث الحالف جميع ما ذكرنا ولا يطرد على القياس ويسلم من التناقض إلا هذا القول.

وأما تحنيثه في جميع ذلك فإن صاحبه وان سلم من التناقض لكن قوله مخالف لآصول الشريعة وقواعدها وأدلتها ومن حنث في بعض ذلك دون بعض تناقض ولم يطرد له قول ولم يسلم له دليل عن المعارضه.

وقد اختلفت الرواية عن الامام احمد في ذلك ففيه ثلاث روايات إحداها انه لا يحنث في شئ من الايمان بالنسيان ولا الجهل بفعل المحلوف عليه مع النسيان سواء كانت من الايمان المكفرة أوغيرها وعلى هذه الرواية فيمينه باقيه لم تنحل بفعل المحلوف عليه مع النسيان والجهل لان اليمين كما لم يتناول حالة الجهل والنسيان بالنسبة الى الحنث لم يتناولها بالنسبة الى البر اذا لو كان فاعلا للمحلوف عليه بالنسبة الى البر لكان فاعلا له بالنسبة الى الحنث وهذه الرواية اختيار شيخ الاسلام وغيره وهي اصح قولى الشافعي اختاره جماعة من أصحابه والثانيه يحنث في الجميع وهي مذهب ابي حنيفة ومالك والثالثة يحنث في اليمين التي لا تكفر كالطلاق والعتاق ولا يحنث في اليمين المكفرة وهي اختيار القاضي واصحابه والذين حنثوه مطلقا نظروا الى صورة الفعل وقالوا قد وجدت المخالفة والذين فرقوا قالوا الحلف بالطلاق والعتاق من باب التعليق على الشرط فإذا وجد الشرط وجد المشروط سواء كان مختارا لوجوده أولم يكن كما لو قال إن قدم زيد فأنت طالق ففعل المحلوف عليه في حال جنونه فهل هو كالنائم فلا يحنث أوكالناسي فيجرى فيه الخلاف على وجهين في مذهب الامام احمد والشافعي واصحهما انه كالنائم لانه غير مكلف.

ولو حلف على من يقصد منعه كعبده وزوجته وولده وأجيره ففعل المحلوف عليه ناسيا أوجاهلا فهو كما لو حلف على فعل نفسه ففعله ناسيا أوجاهلا هو على الروايات الثلاث وكذلك هو على القولين في مذهب الشافعي فإن منعه لمن يمتنع بيمينه كمنعه لنفسه فلو حلف لا يسلم على زيد فسلم على جماعة هو فيهم ولم يعلم فإن لم نحنث الناسى فهذا اولى بعدم الحنث لأنه لم يقصده والناسى قد قصد التسليم عليه وإن حنثنا الناسي هل يحنث هذا على روايتين إحداهما يحنث لانه بمنزلة الناسي إذ هو جاهل بكونه معهم والثانية وهي أصح انه لا يحنث قاله أبوالبركات وغيره وهذا يدل على ان الجاهل اعذر من الناسي واولى بعدم الحنث وصرح به اصحاب الشافعي في الايمان ولكن تناقضوا كلهم في جعل الناسي في الصوم أولى بالعذر من الجاهل ففطروا الجاهل دون الناسي وسوى شيخنا بينهما وقال الجاهل أولى بعدم الفطر من الناسي فسلم من التناقض وقد سووا بين الجاهل والناسي فيمن حمل النجاسة في الصلاة ناسيا أوجاهلا ولم يعلم حتى فرغ منها فجعلوا الروايتين والقولين في الصورتين سواء وقد سوى الله تعالى بين المخطئ والناسي في عدم المؤاخذة وسوى بينهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان" فالصواب التسوية بينهما.

فصل: الإكراه على فعل المحلوف عليه
وأما إذا فعل المحلوف عليه مكرها فعن احمد روايتان منصوحتات إحداهما يحنث في الجميع والثانية لا يحنث في الجميع وهما قولان للشافعي وخرج ابو البركات رواية ثالثة انه يحنث باليمين بالطلاق والعتاق دون غيرهما من الايمان من نصه على الفرق في صورة الجاهل والناسي فإن ألجئ أوحمل أوفتح فمه وأوجز ما حلف انه لا يشربه فإن لم يقدر على الامتناع لم يحنث وإن قدر على الامتناع فوجهان وإذا لم يحنث فاستدام ما الجئ عليه كما لو الجئ الى دخول دار حلف انه لا يدخلها فهل يحنث فيه وجهان ولو حلف على غيره ممن يقصد منعه على ترك فعل ففعله مكرها أوملجأ فهو على هذا الخلاف سواء.

فصل: حكم المتأول
اما المتأول فالصواب انه لا يحنث كما لم ياثم في الامر والنهي وقد صرح به الاصحاب فيما لو حلف انه لا يفارق غريمه حتى يقبض حقه فأحاله به ففارقه يظن ان ذلك قبض وانه بر في يمينه فحكوا فيه الروايات الثلاث.

وطرد هذا كل متأول ظن انه لا يحنث بما فعله فإن غايته ان يكون جاهلا بالحنث وفي الجاهل الروايات الثلاث وإذا ثبت هذا في حق المتأول فكذلك في حق المقلد اولى فإذا حلف بالطلاق ألا يكلم فلانا أولا يدخل داره فأفتاه مفت بعدم وقوع الطلاق في هذه اليمين اعتقادا لقول على بن ابي طالب كرم الله وجهه وطاوس وشريح أواعتقادا لقول ابي حنيفة والقفال في صيغة الالتزام دون صيغة الشرط أواعتقاد لقول اشهب وهو اجل اصحاب مالك أنه إذا علق الطلاق بفعل الزوجة انه لم يحنث بفعلها أواعتقادا لقول ابي عبد الرحمن الشافعي اجل اصحاب الشافعي ان الطلاق المعلق لا يصح كما لا يصح النكاح والبيع والوقف المعلق وهو مذهب جماعة من أهل الظاهر لم يحنث في ذلك كله ولم يقع الطلاق ولو فرض فساد هذه الاقوال كلها فإنه إنما فعل المحلوف عليه متأولا مقلدا ظانا انه لا يحنث به فهو أولى بعدم الحنث من الجاهل والناسي وغاية ما يقال في الجاهل إنه مفرط حيث لم يستقص ولم يسأل غير من أفتاه وهذا بعينه يقال في الجاهل إنه مفرط حيث لم يبحث ولم يسأل عن المحلوف عليه فلو صح هذا الفرق لبطل عذر الجاهل ألبتة فكيف والمتأول مطيع لله مأجور إما أجرا واحدا أو أجرين.

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ خالدا في تأويله حين قتل بني جذيمة بعد إسلامهم ولم يؤاخذ أسامة حين قتل من قال لا إله إلا الله لأجل التأويل ولم يؤاخذ من أكل نهارا في الصوم عمدا لأجل التأويل ولم يؤاخذ اصحابه حين قتلوا من سلم عليهم وأخذوا غنيمته لاجل التاويل ولم يؤاخذ المستحاضة بتركها الصوم والصلاه لاجل التأويل ولم يؤاخذ عمر رضى الله عنه حين ترك الصلاة لما اجنب في السفر ولم يجد ماء ولم يؤاخذ من تمعك في التراب كتمعك الدابة وصلى لأجل التأويل وهذا اكثر من ان يستقصى واجمع اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ان كل مال أودم اصيب بتاويل القران فهو هدر في قتالهم في الفتنه قال الزهري وقعت الفتنة واصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم متوافرون فأجمعوا على ان كل مال أودم اصيب بتأويل القرآن فهو هدر انزلوهم منزلة الجاهلية ولم يؤاخذ النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين رمى حاطب بن ابي بلتعة المؤمن البدري بالنفاق لأجل التأويل ولم يؤاخذ أسيد بن حضير بقوله لسعد سيد الخزرج إنك منافق تجادل عن المنافقين لأجل التأويل ولم يؤاخذ من قال عن مالك بن الدخشم ذلك المنافق نرى وجهه وحديثه الى المنافقين لاجل التأويل ولم يؤاخذ عمر بن الخطاب رضى الله عنه حين ضرب صدر ابي هريرة حتى وقع على الأرض وقد ذهب للتبليغ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمره فمنعه عمر وضربه وقال ارجع وأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على فعله ولم يؤاخذه لأجل التأويل.

وكما رفع مؤاخذة التأثيم في هذه الأمور وغيرها رفع مؤاخذة الضمان في الأموال والقضاء في العبادات فلا يحل لأحد أن يفرق بين رجل وامرأته لأمر يخالف مذهبه وقوله الذي قلد فيه بغير حجة فإذا كان الرجل قد تأول وقلد من أفتاه بعدم الحنث فلا يحل له أن يحكم عليه بأنه حانث في حكم الله ورسوله ولم يتعمد الحنث بل هذه فرية على الله ورسوله وعلى الحالف وإذا وصل الهوى إلى هذا الحد فصاحبه تحت الدرك وله مقام وأي مقام بين يدي الله يوم لا ينفعه شيخه ولا مذهبه ومن قلده والله المستعان.

إذا قال الرجل لامرأته أنت طالق ثلاثا لأجل كلامك لزيد وخروجك من بيتي فبان أنها لم تكلمه ولم تخرج من بيته لم تطلق صرح به الأصحاب قال ابن أبى موسى في الإرشاد فإن قال أنت طالق أن دخلت الدار بنصب الألف والحالف من أهل اللسان فإن كان تقدم لها دخول إلى تلك الدار قبل اليمين طلقت في الحال لأن ذلك للماضي من الفعل دون المستقبل وإن كانت لم تدخلها قبل اليمين بحال لم تطلق وإن دخلت الدار بعد اليمين إذا كان الحالف قصد بيمينه الفعل الماضي دون المستقبل لأن معنى ذلك إن كنت دخلت الدار فأنت طالق وإن كان الحالف جاهلا باللسان وإنما أراد باليمين الدخول المستقبل فمتى دخلت الدار بعد اليمين طلقت بما حلف به قولا واحدا وإن كان تقدم لها دخول الدار قبل اليمين فهل يحدث بالدخول الماضي أم لا على وجهين أصحهما لا يحنث.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:47 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالإثنين 24 أبريل 2017, 9:51 pm

والمقصود انه إذا علل الطلاق بعلة ثم تبين انتفاؤها فمذهب احمد انه لا يقع بها الطلاق وعند شيخنا لا يشترط ذكر التعليل بلفظه ولا فرق عنده بين أن يطلقها لعلة مذكورة في اللفظ أوغير مذكورة فإذا تبين انتفاؤها لم يقع الطلاق وهذا هو الذي لا يليق بالمذهب غيره ولا تقتضى قواعد الأئمة غيره فإذا قيل له امرأتك قد شربت مع فلان أوباتت عنده فقال اشهدوا على أنها طالق ثلاثا ثم علم أنها كانت تلك الليلة في بيتها قائمة تصلي فإن هذا الطلاق لا يقع به قطعا وليس بين هذا وبين قوله إن كان الأمر كذلك فهي طالق ثلاثا فرق ألبته لا عند الحالف ولا في العرف ولا في الشرع فإيقاع الطلاق بهذا وهم محض إذ يقطع بأنه لم يرد طلاق من ليست كذلك وإنما أراد طلاق من فعلت ذلك.

وقد أفتى جماعة من الفقهاء من أصحاب الإمام احمد والشافعي منهم الغزالي والقفال وغيرهما الرجل يمر على المكاس برقيق فيطالبه بمكسهم فيقول هم أحرار ليتخلص من ظلمه ولا غرض له في عتقهم انهم لا يعتقون وبهذا أفتينا نحن تجار اليمن لما قدموا منها ومروا على المكاسين فقالوا لهم ذلك وقد صرح به أصحاب الشافعي في باب الكتابة بما إذا دفع إليه العوض فقال اذهب فأنت حر بناء على أنه قد سلم له العوض فظهر العوض مستحقا ورجع به على صاحبه انه لا يعتق وهذا هو الفقه بعينه وصرحوا أن الرجل لو علق طلاق امرأته بشرط فظن أن الشرط قد وقع فقال اذهبي فأنت طالق وهو يظن أن الطلاق قد وقع بوجود الشرط فبان أن الشرط لم يوجد لم يقع الطلاق ونص على ذلك شيخنا قدس الله روحه ومن هذا القبيل ما لو قال حلفت بطلاق امرأتي ثلاثا ألا أفعل كذا وكان كاذبا ثم فعله لم يحنث ولم تطلق عليه امرأته قال الشيخ في المغنى إذا قال حلفت ولم يكن حلف فقال الإمام احمد هي كذبة ليس عليه يمين وعنه عليه الكفارة لأنه أقر على نفسه والأول هو المذهب لأنه حكم فيما بينه وبين الله تعالى فإنه كذب في الخبر به كما لو قال ما صليت وقد صلى قلت قال أبو بكر عبد العزيز باب القول في إخبار الإنسان بالطلاق واليمين كاذبا قال في رواية الميموني إذا قال حلفت بيمين ولم يكن حلفه فعليه كفارة يمين فإن قال قد حلفت بالطلاق ولم يكن حلف بها يلزمه الطلاق ويرجع إلى نيته في الواحدة والثلاث وقال في رواية محمد بن الحكم في الرجل يقول قد حلفت ولم يكن حلف فهى كذبة ليس عليه يمين فاختلف أصحابنا على ثلاث طرق إحداها أن المسألة على روايتين والثانية هي طريقة أبي بكر قال عقيب حكاية الروايتين قال عبد العزيز في الطلاق يلزمه وفيما لا يكون من الإيمان لا يلزمه والطريقة الثالثة انه حيث ألزمه أراد به في الحكم وحيث لم يلزمه بقى فيما بينه وبين الله وهذه الطريقة افقه واطرد على أصول مذهبه والله اعلم.

فصل: مذهب مالك في التفريق بين النسيان والجهل وما إلى ذلك
وأما مذهب مالك في هذا الفصل فالمشهور فيه التفريق بين النسيان والجهل والخطأ وبين الإكراه والعجز ونحن نذكر كلام أصحابه في ذلك.

قالوا من حلف ألا يفعل حنث بحصول الفعل عمدا أوسهوا أوخطأ واختار أبو القاسم السيوري ومن تبعه من محققي الأشياخ انه لا يحنث إذا نسى اليمين وهذا اختيار القاضي أبى بكر بن العربي قالوا ولو اكره لم يحنث.

فصل: في تعذر فعل المحلوف عليه وعجز الحالف عنه
قال أصحاب مالك من حلف على شئ ليفعلنه فحيل بينه وبين فعله فإن أجل أجلا فامتنع الفعل لعدم المحل وذهابه كموت العبد المحلوف على ضربه أوالحمامة المحلوف على ذبحها فلا حنث عليه بلا خلاف منصوص وإن امتنع الفعل لسبب منع الشرع كمن حلف ليطأن زوجته أوأمته فوجدها حائضا فقيل لا شئ عليه.

قلت وهذا هو الصواب لأنه إنما حلف على وطء يملكه ولم يقصد الوطء الذي لم يملكه الشارع إياه فإن قصده حنث وهذا هو الصواب لأنه إنما حلف على وطء يملكه وهكذا في صورة العجز الصواب انه لا يحنث فإنه إنما حلف على شئ يدخل تحت قدرته ولم يلتزم فعل ما لا يقدر عليه فلا تدخل حالة العجز تحت يمينه وهذا بعينه قد قالوه في المكره والناسي والمخطئ والتفريق تناقض ظاهر فالذي يليق بقواعد احمد وأصوله انه لا يحنث في صورة العجز سواء كان العجز لمنع شرعي أومنع كوني قدرى كما هو قوله فيما لو كان العجز لإكراه مكره ونصه على خلاف ذلك لا يمنع أن يكون عنده رواية مخرجة من أصوله المذكورة وهذا من أظهر التخريج فلو وطئ مع الحيض وعصى فهل يتخلص من الحنث فيه وجهان في مذهب مالك واحمد أحدهما يتخلص وإن أثم بالوطء كما لو حلف بالطلاق ليشربن هذه الخمر فشربها فإنه لا تطلق عليه زوجته والثاني لا يبر لأنه إنما حلف على فعل وطء مباح فلا تتناول يمينه المحرم فيقال إذا كان إنما حلف على وطء مأذون فيه شرعا لم تتناول يمينه المحرم فلا يحنث بتركه بعين ما ذكرتم من الدليل وهذا ظاهر.

وحرف المسألة أن يمينه لم تتناول المعجوز عنه لا شرعا ولا قدرا فلا يحنث بتركه وإن كان الامتناع بمنع ظالم كالغاصب والسارق أوغير ظالم كالمستحق فهل يحنث أم لا قال أشهب لا يحنث وهو الصواب لما ذكر وقال غيره من أصحاب مالك يحنث لأن المحل باق وإنما حيل بينه وبين الفعل فيه وللشافعي في هذا الأصل قولان قال أبو محمد الجويني ولو حلف ليشربن ما في هذه الاداوة غدا فأريق قبل الغد بغير اختياره فعلى قولي الإكراه قال والأولى أن لا يحنث وإن حنثنا المكره لعجزه عن الشرب وقدرة المكره على الامتناع فجعل الشيخ أبو محمد العاجز أولى بالعذر من المكره وسوى غيره بينهما ولا ريب أن قواعد الشريعة وأصولها تشهد بهذا القول فإن الأمر والنهي من الشارع نظير الحض والمنع في اليمين وكما أن أمره ونهيه منوط بالقدرة فلا واجب مع عجز ولا حرام مع ضرورة فكذلك الحض والمنع في اليمين إنما هو مقيد بالقدرة.

يوضحه أن الحالف يعلم أن سر نفسه انه لم يلتزم فعل المحلوف عليه مع العجز عنه وإنما التزمه مع قدرته عليه ولهذا لم يحنث المغلوب على الفعل بنسيان أوإكراه ولا من لا قصد له إليه كالمغمى عليه وزائل العقل وهذا قول جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنفية وهو مقتضى أصول الإمام احمد وإن كان المنصوص عنه خلافه فإنه قال في رواية ابنه صالح إذا حلف أن يشرب هذا الماء الذي في هذا الإناء فانصب فقد حنث ولو حلف أن يأكل رغيفا فجاء كلب فأكله فقد حنث لأن هذا لا يقدر عليه وقال في رواية جعفر بن محمد إذا حلف الرجل على غريمه أن لا يفارقه حتى يستوفى منه ماله فهرب منه مخاتلة فإنه يحنث وهذا وأمثاله من نصوصه مبنى على قوله في المكرة والناسي والجاهل إنه يحنث كما نص عليه فإنه قال في رواية أبي الحارث إذا حلف أن لا يدخل الدار فحمل كرها فأدخل فإنه لا يحنث وكذلك نص على حنث الناسي والجاهل فقد جعل الناس الجاهل والمكره والعاجز بمنزلة ونص في رواية أبي طالب إذا حلف أن لا يدخل الدار فحمل كرها فأدخل فلا شئ عليه وقد قال في رواية أحمد بن القاسم والذباب يدخل حلق الصائم والرجل يرمي بالشيء فيدخل حلق الآخر وكل أمر غلب عليه فليس عليه قضاء ولا غيره وتواترت نصوصه فيمن أكل في رمضان أوشرب ناسيا فلا قضاء عليه فقد سوى بين الناسي والمغلوب وهذا محض القياس والفقه ومقتضى ذلك التسوية بينهما في باب الإيمان كما نص عليه في المكره فتخرج مسألة العاجز والمغلوب على الروايتين بل المغلوب والعاجز أولى بعدم الحنث من الناسي والجاهل كما تقدم بيانه وبالله التوفيق.

فصل: التزام الطلاق
المخرج السادس أخذه بقول من يقول إن التزام الطلاق لا يلزم ولا يقع به طلاق ولا حنث وهذا إذا أخرجه بصيغة الالتزام كقوله الطلاق يلزمني أولازم إلى أوثابت على أوحق على أوواجب على أومتعين على إن فعلت أوأن لم أفعله وهذا مذهب أبى حنيفة وبه أفتى جماعة من مشايخ مذهبه وبه أفتى القفال في قوله الطلاق يلزمني ونحن نذكر كلامهم بحروفه.

أقوال الحنفية في التزام الطلاق
قال صاحب الذخيرة من الحنفية لو قال لها طلاقك على واجب أولازم أوفرض أوثابت ذكر أبو الليث خلافا بين المتأخرين فمنهم من قال يقع واحدة رجعية نوى أولم ينو ومنهم من قال لا يقع نوى أولم ينو ومنهم من قال في قوله واجب يقع بدون النية وفي قوله لازم لا يقع وإن نوى وعلى هذا الخلاف إذا قال إن فعلت كذا فظلاقك على واجب أوقال لازم أوثابت ففعلت وذكر القدوري في شرحه أن على قول أبى حنيفة لا يقع الطلاق في الكل وعند أبى يوسف أن نوى الطلاق يقع في الكل وعن محمد انه يقع في قوله لازم ولا يقع في قوله واجب ثم ذكر من اختار من المشايخ الوقوع ومن اختار عدمه فقال وكان الإمام ظهير الدين المرغيناني يفتى بعدم الوقوع في الكل.

وقال القفال في فتاويه إذا قال الطلاق يلزمني فليس بصريح ولا كناية حتى لا يقع به وإن نواه ولهذا القول مأخذان أحدهما أن الطلاق لا بد فيه من الإضافة إلى المرأة ولم تتحقق الإضافة ههنا ولهذا لو قال أنا منك طالق لم تطلق ولو قال لها طلقي نفسك فقالت أنت طالق لم تطلق والمأخذ الثاني وهو مأخذ أصحاب أبى حنيفة أنه التزام لحكم الطلاق.

وحكمه لا يلزمه إلا بعد وقوعه وكأنه قال فعلى أن أطلقك وهو لو صرح بهذا لم تطلق بغير خلاف فهكذا المصدر وسر المسألة أن ذلك التزام لأن يطلق أوالتزام لطلاق واقع فإن كان التزاما لأن يطلق لم تطلق وإن كان التزاما لطلاق واقع فكأنه قال إن فعلت كذا فأنت طالق طلاقا يلزمني طلقت إذا وجد الشرط ولمن رجح هذا أن يحيل فيه على العرف فان الحالف لا يقصد إلا هذا ولا يقصد التزام التطليق وعلى هذا فيظهر أن يقال إن نوى بذلك التزام التطليق لم تطلق وإن نوى وقوع الطلاق طلقت وهذا قول أبى يوسف وقول جمهور أصحاب الشافعي ومن جعله صريحا في وقوع الطلاق حكم فيه بالعرف وغلبه استعمال هذا اللفظ في وقوع الطلاق وهذا قول أبى المحاسن الروياني والوجوه الثلاثة في مذهب الشافعي حكاها شارح التنبيه وغيره.

وفي المسألة قولان آخران وهما للحنفية:
أحدهما انه إن قال فالطلاق على واجب يقع نواه أولم ينوه وإن قال فالطلاق إلى لازم لا يقع نواه أولم ينوه ووجه هذا الفرق أن قوله لازم التزام لان يطلق فلا تطلق بذلك وقوله واجب إخبار عن وجوبه عليه ولا يكون واجبا إلا وقد وقع ولمن سوى بينهما أن يقول هو إيجاب للتطليق وإخبار عن وقوع الطلاق ولا ريب أن اللفظ محتمل لهما كاحتمال قوله الطلاق يلزمني سواء وهذا هو الصواب والفرق تحكم.

والثاني قول محمد بن الحسن وهو عكس هذا القول أن الطلاق يقع بقوله الطلاق لي لازم أويلزمني ولا يقع بقوله هو على واجب وعلى هذا الخلاف قوله إن فعلت كذا فالعتق يلزمني أوفعلى العتق أوفالعتق لازم لي أواجب علي.

فصل: هل ينفذ الطلاق المعلق الذي يقصد به الترهيب
المخرج السابع أخذه بقول أشهب من أصحاب مالك بل هو أفقههم على الإطلاق فإنه قال إذا قال الرجل لامرأته إن كلمت زيدا أوخرجت من بيتي بغير إذني ونحو ذلك مما يكون من فعلها فأنت طالق وكلمت زيدا أوخرجت من بيته تقصد أن يقع علها الطلاق لم تطلق حكاه أبو الوليد ابن رشد في كتاب الطلاق من كتاب المقدمات له وهذا القول هو الفقه بعينه ولا سيما على أصول مالك واحمد في مقابلة العبد بنقيض قصده كحرمان القاتل ميراثه من المقتول وحرمان الموصى له وصية من قتله بعد الوصيه وتوريث امرأة من طلقها في مرض موته فرارا من ميراثها وكما يقوله مالك واحمد في إحدى الروايتين عنهما وقبلهما عمر بن الخطاب رضى الله عنه فيمن تزوج في العدة وهو يعلم يفرق بينهما ولا تحل له أبدا ونظائر ذلك كثيرة فمعاقبة المرأة ههنا بنقيض قصدها هو محض القياس والفقه ولا ينتقض هذا على أشهب بمسألة المخيرة ومن جعل طلاقها بيدها لأن الزوج قد ملكها ذلك وجعله بيدها بخلاف الحالف فإنه لم يقصد طلاقها بنفسه ولا جعله بيدها باليمين حتى لو قصد ذلك فقال إن أعطيتني ألفا فأنت طالق أوإن أبرأتني من جميع حقوقك فأنت طالق فأعطته أوأبرأته طلقت.

ولا ريب أن هذا الذي قال أشهب افقه من القول بوقوع الطلاق فإن الزوج إنما قصد حضها ومنعها ولم يقصد تفويض الطلاق إليها ولا خطر ذلك بقلبه ولا قصد وقوع الطلاق عند المخالفة ومكان أشهب من العلم والإمامة غير مجهول فذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب الانتقاء عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال أشهب أفقه من ابن القاسم مائة مرة وأنكر ابن كنانة ذلك قال ليس عندنا كما قال محمد وإنما قاله لان أشهب شيخه ومعلمه قال أبو عمر أشهب شيخه ومعلمه وابن القاسم شيخه وهو أعلم بهما لكثرة مجالسته لهما وأخذه عنهما.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:47 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالإثنين 24 أبريل 2017, 9:54 pm

فصل: هل الحلف بالطلاق يلزم
المخرج الثامن أخذه بقول من يقول إن الحلف بالطلاق لا يلزم ولا يقع على الحانث به طلاق ولا يلزمه كفارة ولا غيرها وهذا مذهب خلق من السلف والخلف صح ذلك عن أمير المؤمنين علي ابن أبى طالب كرم الله وجهه.

قال بعض الفقهاء المالكية و أهل الظاهر:
ولا يعرف لعلى في ذلك مخالف من الصحابة هذا لفظ أبى القاسم التيمي في شرح أحكام عبد الحق وقاله قبله أبو محمد بن حزم وصح ذلك عن طاوس اجل أصحاب ابن عباس رضى الله عنه وأفقههم على الإطلاق قال عبد الرزاق في مصنفة أنبأنا ابن جريج قال أخبرني ابن طاوس عن أبيه انه كان يقول الحلف بالطلاق ليس شيئا قلت أكان يراه يمينا قال لا أدري وهذا أصح إسناد عمن هو من أجل التابعين وأفقههم وقد وافقه اكثر من أربعمائة عالم ممن بنى فقهه على نصوص الكتاب والسنة دون القياس ومن آخرهم أبو محمد بن حزم قال في كتابه المحلى مسألة اليمين بالطلاق لا يلزم سواء بر أوحنث لا يقع به طلاق ولا طلاق إلا كما أمر الله تعالى ولا يمين إلا كما شرع الله تعالى على لسان رسوله ثم قرر ذلك وساق اختلاف الناس في ذلك ثم قال فهؤلاء على بن أبى طالب كرم الله وجهه وشريح وطاوس لا يقضون بالطلاق على من حلف به فحنث ولا يعرف في ذلك لعلى كرم الله وجهة مخالف من الصحابة رضى الله عنهم.

قلت:
أما اثر على رضى الله عنه فرواه حماد بن سلمة عن حميد عن الحسن أن رجلا تزوج امرأة وأراد سفرا فأخذه أهل امرأته فجعلها طالقا إن لم يبعث بنفقتها إلى شهر فجاء الأجل ولم يبعث إليها بشيء فلما قدم خاصموه إلى على فقال علي كرم الله وجهه اضطهدتموه حتى جعلها طالقا فردها عليه ولا متعلق لهم بقوله اضطهدتموه لأنه لم يكن هناك إكراه فإنهم إنما طالبوه بحق نفقتها فقط ومعلوم أن ذلك ليس بإكراه على الطلاق ولا على اليمين وليس في القصة انهم اكرهوه بالقتل أوبالضرب أوالحبس أواخذ المال على اليمين حتى يكون يمين مكره والسائلون لم يقولوا لعلي شيئا من ذلك ألبته وإنما خاصموه في حكم اليمين فقط فنزل على كرم الله وجهه ذلك منزلة المضطهد حيث لم يرد طلاق امرأته وإنما أراد التخلص إلى سفره فالحلف والمضطهد كل منهما لم يرد طلاق امرأته فالمضطهد محمول على الطلاق تكلم به ليتخلص من ضرر الإكراه والحالف حلف به ليتوصل إلى غرضه من الحض أوالمنع أوالتصديق أوالتكذيب ولو اختلف حال الحالف بين أن يكون مكرها أومختارا لسأله علي كرم الله وجهه عن الإكراه وشروطه وحقيقته وبأي شئ أكره وهذا ظاهر بحمد الله فارض للمقلد بما رضى لنفسه.

وأما أثر شريح ففي مصنف عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن شريح انه خوصم إليه في رجل طلق امرأته إن أحدث في الإسلام حدثا فاكترى بغلا إلى حمام أعين فتعدى به إصبهان فباعه واشترى به خمرا فقال شريح إن شئتم شهدتم عليه انه طلقها فجعلوا يرددون عليه القصة ويردد عليهم فلم يره حدثا ولا متعلق لقول الراوي إما محمد إما هشام فلم يره حدثا فإنما ذلك ظن منه قال أبو محمد وأي حدث أعظم ممن تعدى من حمام أعين وهو على مسيرة أميال يسيره من الكوفة إلى أصبهان ثم باع بغل مسلم ظلما واشترى به خمرا.

قلت:
والظاهر أن شريحا لما ردت عليه المرأة ظن من شاهد القصة انه لم ير ذلك حدثا إذ لو رآه حدثا لأوقع عليها الطلاق وشريح إنما ردها لأنه علم انه لم يقصد طلاق امرأته وإنما قصد اليمين فقط فلم يلزمه بالطلاق فقال الراوي فيهم فلم ير ذلك حدثا وشريح افقه في دين الله أن لا يرى مثل هذا حدثا.

وممن روى عنه عدم وقوع الطلاق على الحالف إذا حنث عكرمة مولى ابن عباس كما ذكره سنيد بن داود في تفسيره في أول سورة النور عنه بإسناده أنه سئل عن رجل حلف بالطلاق انه لا يكلم أخاه فكلمه فلم ير ذلك طلاقا ثم قرأ ولا تتبعوا خطوات الشيطان.

ومن تأمل المنقول عن السلف في ذلك وجده أربعة أنواع صريح في عدم الوقوع وصريح في الوقوع وظاهر في عدم الوقوع وتوقف عن الطرفين.

فالمنقول عن طاوس وعكرمة صريح في عدم الوقوع وعن علي عليه السلام وشريح ظاهر في ذلك وعن ابن عيينه صريح في التوقف وأما التصريح بالوقوع فلا يؤثر عن صحابي إلا فيما هو محتمل لإرادة الوقوع عند الشرط كالمنقول عن ابي ذر بل الثابت عن الصحابة عدم الوقوع في صورة العتق الذي هو أولى بالنفوذ من الطلاق ولهذا ذهب إليه أبو ثور وقال القياس أن الطلاق مثله إلا أن تجميع الأمة عليه فتوقف في الطلاق لتوهم الإجماع وهذا عذر أكثر الموقعين للطلاق وهو ظنهم أن الإجماع على الوقوع مع اعترافهم انه ليس في الكتاب والسنة والقياس الصحيح ما يقتضى الوقوع وإذا تبين انه ليس في المسألة إجماع تبين أن لا دليل أصلا يدل على الوقوع والأدلة الدالة على عدم الوقوع في غاية القوة والكثرة وكثير منها لا سبيل إلى دفعه فكيف يجوز معارضتها بدعوى إجماع قد علم بطلانه قطعا فليس بأيدي الموقعين آية من كتاب أوسنة ولا أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا قياس صحيح والقائلون بعدم الوقوع لو لم يكن معهم إلا الاستصحاب الذي لا يجوز الانتقال عنه إلا لما هو أقوى منه لكان كافيا فكيف ومعهم الاقيسة التي أكثرها من باب قياس الأولى والباقي من القياس المساوي وهو قياس النظير على نظيره والآثار.

والعمومات والمعاني الصحيحة والحكم والمناسبات التي شهد لها الشرع بالاعتبار ما لم يدفعهم منازعوهم عنهم بحجة أصلا وقولهم وسط بين قولين متباينين غاية التباين أحدهما قول من يعتبر التعليق فيوقع به الطلاق على كل حال سواء كان تعليقا قسميا يقصد به الحالف منع الشرط والجزاء أوتعليقا شرطيا يقصد به حصول الجزاء عند حصول الشرط والثاني قول من يقول إن هذا التعليق كله لغو لا يصح بوجه ما ولا يقع الطلاق به ألبته كما سنذكره في المخرج الذي بعد هذا إن شاء الله فهؤلاء توسطوا بين الفريقين وقالوا يقع الطلاق في صورة التعليق المقصود به وقوع الجزاء ولا يقع صورة التعليق القسمى وحجتهم قائمة على الفريقين وليس لأحد منهما حجة صحيحة عليهم بل كل حجة صحيحة احتج بها الموقعون فإنما تدل على الوقوع في صورة التعليق المقصود وكل حجة احتج بها المانعون صحيحة فإنما تدل على عدم الوقوع في صورة التعليق القسمي فهم قائلون بمجموع حجج الطائفتين وجامعون للحق الذي مع الفريقين ومعارضون قول كل من الفريقين وحججهم بقول الفريق الآخر وحججهم.

فصل: الطلاق المعلق بالشرط
المخرج التاسع أخذه بقول من يقول إن الطلاق المعلق بالشرط لا يقع ولا يصح تعليق الطلاق كما لا يصح تعليق النكاح وهذا اختيار أبى عبد الرحمن احمد ابن يحيى بن عبد العزيز الشافعي أحد أصحاب الشافعي الاجلة أوأجلهم وكان الشافعي يجله ويكرمه ويكنيه ويعظمه وأبو ثور وكانا يكرمانه وكان بصره ضعيفا فكان الشافعي يقول لا تدفعوا إلى أبى عبد الرحمن الكتاب يعارض به فإنه يخطئ وذكره أبو إسحاق الشيرازي في طبقات أصحاب الشافعي ومحل الرجل من العلم والتضلع منه لا يدفع وهو في العلم بمنزلة ابي ثور وتلك الطبقة وكان رفيق ابي ثور وهو أجل من جميع اصحاب الوجوه من المنتسبين الى الشافعي فإذا نزل بطبقته الى طبقة اصحاب الوجوه كان قوله وجها وهو أقل درجاته.

وهذا مذهب لم ينفرد به بل قد قال به غيره من أهل العلم قال ابو محمد ابن حزم في المحلى والطلاق بالصفة عندنا كما هو الطلاق باليمين كل ذلك لا يلزم وبالله التوفيق ولا يكون طلاقا إلا كما امر الله تعالى وعلمه وما عداه فباطل وتعد لحدود الله تعالى.

وهذا القول وإن لم يكن قويا في النظر فإن الموقعين للطلاق لا يمكنهم إبطاله ألبته لتناقضهم وكان أصحابه يقولون لهم قولنا في تعليق الطلاق بالشرط كقولكم في تعليق الابراء أوالهبة والوقف والبيع والنكاح سواء فلا يمكنكم ألبته ان تفرقوا بين ما صح تعليقه من عقود التبرعات والمعاوضات والاسقاطات بالشروط ومالا يصح تعليقه فلا تبطلوا قول منازعيكم في صحة تعليق الطلاق بالشرط بشئ إلا كان هو بعينه حجة عليكم في إبطال قولكم في منع صحة تعليق الابراء والهبة والوقف والنكاح فما الذي اوجب إلغاء هذا التعليق وصحة ذلك التعليق فإن فرقتم بالمعارضة وقلتم إن عقود المعارضات لا تقبل التعليق بخلاف غيرها انتقض عليكم طردا بالجعالة وعكسا بالهبة والوقف فانتقض عليكم الفرق طردا وعكسا وإن فرقتم بالتمليك والاسقاط فقلتم عقود التمليك لا تقبل التعليق بخلاف عقود الاسقاط انتقض ايضا طرده بالوصية وعكسه بالابراء فلا طرد ولا عكس وإن فرقتم بالادخال في ملكه والاخراج عن ملكه فصححتم التعليق في الثاني دون الاول انتقض ايضا فرقكم فإن الهبة والابراء إخراج عن ملكه ولا يصح تعليقها عندكم وإن فرقتم بما يحتمل الغرر ومالا يحتمله فما يحتمل الغرر والاخطار يصح تعليقه بالشرط كالطلاق والعتق والوصية ومالا يحتمله لا يصح تعليقه كالبيع والنكاح والاجارة انتقض عليكم بالوكالة فإنها لا تقبل التعليق عندكم وتحتمل الخطر ولهذا يصح أن يوكله في شراء عبد ولا يذكر قدره ولا وصفه ولا سنه ولا ثمنه بل يكفى ذكر جنسه فقط أو أن يوكله في شراء دار ويكتفى بذكر محلها وسكنها فقط وأن يوكله في التزوج بامرأة فقط ولا يزيد على كونها امرأة ولا يذكر له جنس مهرها ولا قدره ولا وصفه وأي خطر فوق هذا ومع ذلك منعتم من تعليقها بالشرط وطرد هذا الفرق يوجب عليكم صحة تعليق النكاح بالشرط فإنه يحتمل من الخطر ما لا يحتمل غيره من العقود فلا يشترط فيه رؤية الزوجة ولا صفتها ولا تعيين العوض جنسا ولا قدرا ولا وصفا ويصح مع جهالته وجهالة المرأة ولا يعلم عقد يحتمل من الخطر ما يحتمله فهو أولى بصحة التعليق من الطلاق والعتاق إن صح هذا الفرق.

وقد نص الشافعي على صحة تعليقه فيما لو قال إن كانت جاريتي ولدت بنتا فقد زوجتكها وهذا وإن لم يكن تعليقا على شرط مستقبل فليس بمنزلة قوله متى ولدت جارية فقد زوجتكها لان هذا فيه خطر ليس في صورة النص وهذا فرق صحيح ولكن لم يوفوه حقه ولم يطرد فقهه فلو قال إن كان ابي مات وورثت منه هذا المتاع فقد بعتكه ابطلتموه وقلتم هو بيع معلق على شرط والبطلان ههنا في غاية العبد من الفقه ولا معنى تحته ولا خطر هناك ولا غرر ألبته وقد نص الامام احمد على صحة تعليق النكاح على الشرط.

قال صاحب المستوعب:
وأما اذا علق انعقاد النكاح على شرط مثل ان يقول زوجتك إذا جاء رأس الشهر أوإذا رضيت أمها ففيه روايتان أحداهما يبطل النكاح من أصله والاخرى يصح وذكر في الفصل انه إذا تزوجها بشرط الخيار وان جاءها بالمهر الى وقت كذاوإلا فلا نكاح بينهما ففيه روايتان إحدهما يبطل النكاح من أصله والثانية يبطل الشرط ويصح العقد ونص عليه في رواية الاثرم وقد ذكر القاضي رواية عنه انه إذا تزوجها بشرط الخيار يصح العقد والشرط جميعا فصار عنه ثلاث روايات صحة العقد والشرط.

وبطلانهما وصحة العقد وفساد الشرط لكن هذا فيما اذا شرط الخيار أوان جاءها بالمهر الى وقت كذا وإلا فلا نكاح بينهما وأما إذا قال زوجتك إن رضيت أمها فنص على صحة العقد إذا رضيت امها وقال هو نكاح وقال في رواية عبد الله وصالح وحنبل نكاح المتعة حرام وكل نكاح فيه وقت أو شرط فاسد.

والمقصود ان المفرقين بين ما يقبل التعليق بالشرط وما لا يقبل الى الآن لم يستقر لهم ضابط في الفرق فمن قال من أهل الظاهر وغيرهم إن الطلاق لا يصح تعليقه بالشرط لم يتمكن من الرد عليه من قوله مضطرب فيما يعلق وما لا يعلق ولا يرد عليه بشئ إلا تمكن من رده عليهم بمثله أوأقوى منه وإن ردوا عليه بمخالفته لآثار الصحابة رد عليهم بمخالفة النصوص المرفوعة في صور عديدة قد تقدم ذكر بعضها وإن فرقوا طالبهم بضابط ذلك أولا وبتأثير الفرق شرعا ثانيا فإن الوصف الفارق لا بد ان يكون مؤثرا كالوصف الجامع فإنه لا يصح تعليق الاحكام جمعا وفرقا بالاوصاف التي لا يعلم ان الشارع اعتبرها فإنه وضع شرع لم يأذن به الله وبالجملة فليس بطلان هذا القول اظهر في الشريعة من بطلان التحليل بل العلم بفساد نكاح التحليل أظهر من العلم بفساد هذا القول فإذا جاز التقرير على التحليل وترك إنكاره مع ما فيه من النصوص والآثار التي اتفق عليها اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنع منه ولعن فاعله وذمه فالتقرير على هذا القول أجود وأجوز، هذا ما لا يستريب فيه عالم منصف وإن كان الصواب في خلاف القولين جميعا ولكن احدهما أقل خطأ وأقرب الى الصواب والله اعلم.

فصل: زاول سبب اليمين
المخرج العاشر مخرج زوال السبب وقد كان الأولى تقديمه على هذا المخرج لقوته وصحته فإن الحكم يدور مع علته وسببه وجودا وعدما ولهذا إذا علق الشارع حكما بسبب أوعلة زال ذلك الحكم بزوالهما كالخمر علق بها حكم التنجيس ووجوب الحد لوصف الإسكار فإذا زال عنها وصارت خلا زال الحكم وكذلك وصف الفسق علق عليه المنع من قبول الشهادة والرواية فإذا زال الوصف زال الحكم الذي علق عليه وكذلك السفه والصغر والجنون والاغماء تزول الاحكام المعلقة عليها بزوالها والشريعة مبنية على هذه القاعدة فهكذا الحالف إذا حلف على أمر لا يفعله لسبب فزال السبب لم يحنث بفعله لأن يمينه تعلقت به لذلك الوصف فإذا زال الوصف زال تعلق اليمين فإذا دعى الى شراب مسكر ليشربه فحلف ان لا يشربه فانقلب خلا فشربه لم يحنث فإن منع نفسه منه نظير منع الشارع فإذا زال منع الشارع بانقلابه خلا وجب ان يزول منع نفسه بذلك والتفريق بين الامرين تحكم محض لا وجه له فإذا كان التحريم والتنجيس ووجوب الاراقة ووجوب الحد وثبوت الفسق قد زال بزوال سببه فما الموجب لبقاء المنع في صورة اليمين وقد زال سببه وهل يقتضى محض الفقه إلا زوال حكم اليمين.

يوضحه أن الحالف يعلم من نفسه انه لم يمنعها من شرب غير المسكر ولم يخطر بباله فإلزامه ببقاء حكم اليمين وقد زال سببها إلزام بما لم يلتزمه هو ولا الزمه به الشارع وكذلك لو حلف على رجل أن لا يقبل له قولا ولا شهادة لما يعلم من فسقه ثم تاب وصار من خيار الناس فإنه يزول حكم المنع باليمين كما يزول حكم المنع من ذلك بالشرع وكذلك اذا حلف ان لا يأكل هذا الطعام أولا يلبس هذا الثوب أولا يكلم هذه المرأة ولا يطأها لكونه لا يحل له ذلك فملك الطعام والثوب وتزوج المرأة فأكل الطعام ولبس الثوب ووطئ المرأة لم يحنث لأن المنع بيمينه كالمنع بمنع الشارع ومنع الشارع يزول بزوال الاسباب التي ترتب عليها المنع فذلك منع الحالف وكذلك إذا حلف.



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:49 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد الرابع - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد الرابع   المجلد الرابع - صفحة 2 Emptyالإثنين 24 أبريل 2017, 10:04 pm

لا دخلت هذه الدار وكان سبب يمينه انها تعمل فيها المعاصي وتشرب الخمر فزال ذلك وعادت مجمعا للصالحين وقراءة القرآن والحديث أوقال لا أدخل هذا المكان لأجل ما رأى فيه من المنكر فصار بيتا من بيوت الله تقام فيه الصلوات لم يحنث بدخوله وكذلك إذا حلف لا يأكل لفلان طعاما وكان سبب اليمين أنه يأكل الربا ويأكل أموال الناس بالباطل فتاب وخرج من المظالم وصار طعامه من كسب يده أوتجارة مباحة لم يحنث بأكل طعامه ويزول حكم منع اليمين كما يزول حكم منع الشارع وكذلك لو حلف لا بايعت فلانا وسبب يمينه كونه مفلسا أوسفيها فزال الافلاس والسفه فبايعه لم يحنث وأضعاف أضعاف هذه المسأئل كما إذا اتهم بصحبة مريب فحلف لا أصاحبه فزالت الريبة وخلفها ضدها فصاحبه لم يحنث وكذلك لو حلف المريض لا يأكل لحما أوطعاما وسبب يمينه كونه يزيد في مرضه فصح وصار الطعام نافعا له لم يحنث بأكله.

وقد صرح الفقهاء بمسائل من هذا الجنس فمنها لو حلف لوال ان لا أفارق البلد إلا بإذنك فعزل ففارق البلد بغير إذنه لم يحنث ومنها لو حلف على زوجته لا تخرجين من بيتي إلا بإذنى أوعلى عبده لا يخرج إلا بإذنه ثم طلق الزوجة واعتق العبد فخرجا بغير إذنه لم يحنث ذكره أصحاب الامام احمد قال صاحب المغنى لان قرينة الحال تنقل حكم الكلام الى نفسها وهو يملك منع الزوجة والعبد مع ولايته عليهما فكأنه قال ما دمتما في ملكى ولأن السبب يدل على النية في الخصوص كدلالته عليها في العموم وكذلك لو حلف لقاض ان لا أرى منكرا إلا رفعته اليك فعزل لم يحنث بعدم الرفع اليه بعد العزل وكذلك إذا حلف لامرأته ألا أبيت خارج هذه الدار فماتت أوطلقها لم يحنث إذا بات خارجها وكذلك إذا حلف على ابنه ألا يبيت خارج البيت لخوفه عليه من الفساق لكونه أمرد فالتحى وصار شيخا لم يحنث بمبيته خارج الدار وهذا كله مذهب مالك واحمد فإنهما يعتبران النية في الايمان وبساط اليمين وسببها وما هيجها فيحملان اليمين على ذلك.

وقال ابوعمر بن عبد البر في كتاب الايمان من كتابة الكافي في مذهب مالك والاصل في هذا الباب مراعاة ما نواه الحالف فإن لم تكن له نية نظر الى بساط قصته وما أثاره على الحلف ثم حكم عليه بالأغلب من ذلك في نفوس أهل وقته.

وقال صاحب الجواهر المقتضيات للبر والحنث امور الاول النية اذا كانت مما يصلح ان يراد اللفظ بها سواء كانت مطابقة له أوزائدة فيه أوناقصة عنه بتقييد مطلقه وتخصيص عامه الثاني السبب المثير لليمين يتعرف منه ويعبر عنه بالبساط أيضا وذلك ان القاصد لليمين لا بد ان تكون له نية وإنما يذكرها في بعض الاوقات وينساها في بعضها فيكون المحرك على اليمين وهو البساط دليلا عليها لكن قد يظهر مقتضى المحرك ظهورا لا إشكال فيه وقد يخفى في بعض الحالات وقد يكون ظهوره وخفاؤه بالاضافة.

وكذلك اصحاب الامام احمد صرحوا باعتبار النية وحمل اليمين على مقتضاها فإن عدمت رجع الى سبب اليمين وما هيجها فحمل اللفظ عليه لانه دليل على النية حتى صرح أصحاب مالك فيمن دفن مالا ونسى مكانه فبحث عنه فلم يجده فحلف على زوجته انها هي التي اخذته ثم وجده لم يحنث قالوا لان قصده ونيته إنما هو إن كان المال قد ذهب فأنت التي أخذته فتأمل كيف جعلوا القصد والنية في قوة الشرط وهذا هو محض الفقه.

ونظير هذا ما لو دعى الى طعام فظنه حراما فحلف لا أطعمه ثم ظهر أنه حلال لا شبهة فيه فإنه لا يحنث بأكله لان يمينه إنما تعلقت به إن كان حراما وذلك قصده ومثله لو مر به رجل فسلم عليه فحلف لا يرد عليه السلام لظنه انه مبتدع أوظالم أو فاجر فظهر انه غير ذلك الذي ظنه لم يحنث بالرد عليه.

ومثله لو قدمت له دابة ليركبها فظنها قطوفا أوموحا أومتعسرة الركوب فحلف لا يركبها فظهرت له بخلاف ذلك لم يحنث بركوبها.

وقال ابو القاسم الخرقي في مختصره ويرجع في الايمان الى النية فإن لم ينو شيئا رجع الى سبب اليمين وماهيجها وقال أصحاب الامام احمد اذا دعى الى غداء فحلف ان لا يتغدى أوقيل له اقعد فحلف ان لا يقعد اختصت يمينه بذلك الغداء وبالعقود في ذلك الوقت لان عاقلا لا يقصد ان لا يتغدى أبدا ولا يقعد أبدا.

ثم قال صاحب المغنى إن كان له نية فيمينه على ما نوى وإن لم تكن له نية فكلام احمد يقتضى روايتين إحداهما ان اليمين محمولة على العموم لان احمد سئل عن رجل حلف ان لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه فزال الظلم قال احمد النذر يوفى به يعنى لا يدخله ووجه ذلك ان لفظ الشارع إذا كان عاما لسبب خاص وجب الاخذ بعموم اللفظ دون خصوص السبب وكذلك يمين الحالف ونازعه في ذلك شيخنا فقال إنما منعه احمد من دخول البلد بعد زوال الظلم لأنه نذر لله ألا يدخلها وأكد نذره باليمين والنذر قربة فقد نذر التقرب الى الله بهجران ذلك البلد فلزمه الوفاء بما نذره هذا هو الذي فهمه الامام احمد وأجاب به السائل حيث قال النذر يوفى به ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين من الإقامة بمكة بعد قضاء نسكهم فوق ثلاثة أيام لأنهم تركوا ديارهم لله فلم يكن لهم العود فيها وإن زال السبب الذي تركوها لأجله وذلك نظير مسألة ترك البلد للظلم والفواحش التي فيه إذا نذره الناذر فهذا سر جوابه وإلا فمذهبه الذي عليه نصوصه وأصوله اعتبار النية والسبب في اليمين وحمل كلام الحالفين على ذلك وهذا في نصوصه أكثر من أن يذكر فلينظر فيها.

وأما مذهب أصحاب أبى حنيفة فقال في كتاب الدخائر في كتاب الايمان الفصل السادس في تقييد الايمان المطلقة بالدلالة اذا أرادت المرأة الخروج من الدار فقال الزوج إن خرجت من الدار فأنت طالق فجلست ساعة ثم خرجت لا تطلق وكذلك لو أراد رجل ان يضربه فحلف آخر أن لا يضربه فهذا على تلك الضربة حتى لو مكث ساعة ثم ضربه لا يحنث ويسمى هذا يمين الفور وهذا الخرجة التي قصد والضربة التي قصد هي المقصود بالمنع منها عرفا وعادة فيتعين ذلك بالعرف والعادة وإذا دخل الرجل على الرجل فقال تعال تغد معي فقال والله لا اتغدى فذهب الى بيته وتغدى مع أهله لا يحنث وكذلك اذا قال الرجل لغيره كل مع فلان فقال والله لا آكل ثم ذكر تقرير ذلك بأنه جواب لقول الآمر له والجواب كالمعاد في السؤال فإنه يتضمن ما فيه قال وليس كابتداء اليمين لان كلامه لم يخرج جوابا بالتقييد بل خرج ابتداء وهو مطلق عن القيد فينصرف الى كل غداء قال وإذا قال لغيره كلم لي زيدا اليوم في كذا فقال والله لا أكلمه فهذا يختص باليوم لانه خرج جوابا عن الكلام السابق وعلى هذا إذا قال له إيتنى اليوم فقال امرأته طالق إن أتاك وقد صرح أصحاب ابي حنيفة بأن النية تعمل في اللفظ لتعيين ما احتمله اللفظ فإذا تعين باللفظ ولم يكن اللفظ محتملا لما نوى لم تؤثر النية فيه فإن حينئذ يكون الاعتبار بمجرد النية ومجرد النية لا أثر لها في إثبات الحكم فإذا احتملها اللفظ فعينت بعض محتملاته أثرت حينئذ قالوا ولهذا لو قال إن لبست ثوبا أوأكلت طعاما أوشربت شرابا أوكلمت امرأة فامرأته طالق ونوى ثوبا أوطعاما أوشرابا أوامرأه معينا دين فيما بينه وبين الله وقبلت نيته بغير خلاف ولو حذف المفعول واقتصر على الفعل فكذلك عند ابي يوسف في رواية عنه والخصاف وهو قول الشافعي واحمد ومالك.

والمقصود ان النية تؤثر في اليمين تخصيصا وتعميما وإطلاقا وتقييدا والسبب يقوم مقامها عند عدمها ويدل عليها فيؤثر ما يؤثره وهذا هو الذي يتعين الافتاء به ولا يحمل الناس على ما يقطع انهم لم يريدوه بأيمانهم فكيف اذا علم قطعا انهم أرادوا خلافه والله أعلم.

والتعليل يجري مجرى الشرط فإذا قال أنت طالق لأجل خروجك من الدار فبان انها لم تخرج لم تطلق قطعا صرح به صاحب الارشاد فقال وان قال انت طالق أن دخلت الدار بنصف الألف والحالف من أهل اللسان ولم يتقدم لها دخول قبل اليمين بحال لم تطلق ولم يذكر فيه خلافا وقد قال الأصحاب وغيرهم إنه إذا قال انت طالق وقال أردت الشرط دين فكذلك إذا قال لأجل كلامك زيدا أوخروجك من داري بغير إذني فإنه يدين ثم إن تبين انها لم تفعل لم يقع الطلاق ومن افتى بغير هذا فقد وهم على المذهب والله اعلم.

فصل: خلع اليمين
المخرج الحادي عشر:
خلع اليمين عند من يجوزه كأصحاب الشافعي وغيرهم وهذا وإن كان غير جائز على قول أهل المدينة وقول الامام احمد وأصحابه كلهم فإذا دعت الحاجة اليه أوالى التحليل كان اواى من التحليل من وجوه عديده أحدها ان الله تعالى شرع الخلع رفعا لمفسدة المشاقة الواقعة بين الزوجين وتخلص كل منهما من صاحبه فإذا شرع الخلع رفعا لهذه المفسدة التي هي بالنسبة الى مفسدة التحليل كتفلة في بحر فتسويغه لدفع مفسدة التحليل أولى يوضحه الوجه الثانى ان الحيل المحرمة انما منع منها لما تتضمنه من الفساد الذى اشتملت عليه تلك المحرمات التى يتحيل عليها بهذه الحيل و اما حيلة ترفع مفسدة هي من أعظم المفاسد فإن الشارع لا يحرمها.

يوضحه الوجه الثالث:
ان هذه الحيلة تتضمن مصلحة بقاء النكاح المطلوب للشارع بقاؤه ودفع مفسدة التحليل التي بالغ الشارع كل المبالغة في دفعه والمنع منه ولعن اصحابه فحيلة تحصل المصلحة المطلوب ايجادها وتدفع المفسدة المطاوب اعدامها لا يكون ممنوعا منها.

الوجه الرابع:
ان ما حرمه الشارع فإنما حرمه لما يتضمنه من المفسدة الخالصة أوالراجحة فإذا كانت مصلحة خالصة أوراجحة لم يحرمه البتة وهذا الخلع مصلحته ارجح من مفسدته.

الوجه الخامس:
ان غاية ما في هذا الخلع اتفاق الزوجين ورضاهما بفسخ النكاح بغير شقاق واقع بينهما واذا وقع الخلع من غير شقاق صح وكان غايته الكراهية لما فيه من مفسدة المفارقة وهذا الخلع اريد به لم شعث النكاح بحصول عقد بعده يتمكن الزوجان فيه من المعاشرة بالمعروف وبدونه لا يتمكنان من ذلك بل اما خراب البيت وفراق الأهل وإما التعرض للعنة من لا يقوم للعنته شيء وإما التزام ما حلف عليه وان كان فيه فساد دنياه واخراه لايقوم للعنته شيء كما اذا حلف ليقتلن ولده اليوم أوليشربن هذا الخمر أوليطأن هذا الفرج الحرام أوحلف انه لا يأكل ولا يشرب ولايستظل بسقف ولا يعطى فلانا حقه ونحو ذلك فإذا دار الامر بين مفسدة التزام المحلوف عليه أومفسدة الطلاق وخراب البيت وشتات الشمل أومفسسدة التزام لعنة الله بارتكاب التحليل وبين ارتكاب الخلع المخلص من ذلك جميعه لم يخف على العاقل أي ذلك اولى.

الوجه السادس:
انهما لو اتفقا على ان يطلقها من غير شقاق بينهما بل ليأخذ غيرها لم يمنع من ذلك فإذا اتفقا على الخلع ليكون سببا إلى دوام اتصالهما كان أولى وأحرى.

ويوضحه الوجه السابع:
 ان الخلع إن قيل إنه طلاق فقد اتفقا على الطلاق بعوض لمصلحة لهما في ذلك فما الذي يحرمه وإن قيل إنه فسخ فلا ريب أن النكاح من العقود اللازمة والعقد اللازم إذا اتفق المتعاقدان على فسخه ورفعه لم يمنعا من ذلك إلا أن يكون العقد حقا لله والنكاح محض حقهما فلا يمنعان من الاتفاق على فسخه.

الوجه الثامن:
ان الآية اقتضت جواز الخلع إذا خاف الزوجان ألا يقيما حدود الله فكان الخلع طريقا الى تمكنهما من إقامة حدود الله وهي حقوقه الواجبة عليهما في النكاح فإذا كان الخلع مع استقامة الحال طريقا الى تمكنهما من إقامة حدوده التي تعطل ولا بد بدون الخلع تعين الخلع حينئذ طريقا الى إقامتها.

فإن قيل:
لا يتعين الخلع طريقا بل ههنا طريقان آخران احدهما مفارقتهما والثاني عدم إلزام الطلاق بالحنث إذا أخرجه مخرج اليمين إما بكفارة أوبدونها كما هي ثلاثة أقوال للسلف معروفة صرح بها ابو محمد ابن حزم وغيره.

قيل:
نعم هذان طريقان ولكن إذا أحكم سدهما غاية الاحكام ولم يمكنه سلوك أحدهما وأيهما سلك ترتب عليه غاية الضرر في دينه ودنياه لم يحرم عليه والحالة هذه سلوك طريق الخلع وتعين في حقه طريقان إما طريق الخلع واما سلوك طريق أرباب اللعنة.

وهذه المواضيع وأمثالها لا تحتملها إلا العقول الواسعة التي لها إشراف على أسرار الشريعة ومقاصدها وحكمها وأما عقل لا يتسع لغير تقليد من اتفق له تقليده وترك جميع أقوال أهل العلم لقوله فليس الكلام معه.

الوجه التاسع أن غاية ما منع المانعون من صحة هذا الخلع انه حيلة والحيل باطلة ومنازعوهم ينازعوهم ينازعونهم في كلتا المقدمتين فيقولون الاعتبار في العقود بصورها دون نياتها ومقاصدها فليس لنا ان نسأل الزوج إذا اراد خلع امرأته ما أردت بالخلع وما السبب الذي حملك عليه هل هو المشاقة أوالتخلص من اليمين بل نجري حكم التخالع على ظاهره ونكل سرائر الزوجين الى الله قالوا ولو ظهر لنا قصد الحيلة فالشأن في المقدمة الثانية فليس كل حيلة باطلة محرمة وهل هذا الفصل الطويل الذي نحن فيه إلا في أقسام الحيل والحيلة المحرمة الباطلة هي التي تتضمن تحليل ما حرمه الله أوتحريم ما أحله الله أوإسقاط ما أوجبه وأما حيلة تتضمن الخلاص من الآصار والاغلال والتخلص من لعنه الكبير المتعال فاهلا بها من حيلة وبأمثالها والله يعلم المفسد من المصلح والمقصود تنفيذ امر الله ورسوله بحسب الامكان والله المستعان.

الوجه العاشر أنه ليس القول ببطلان خلع اليمين أولى من القول بلزوم الطلاق للحالف به غير القاصد له فهلم نحاكمكم الى كتاب الله وسنة رسوله واقوال الصحابة رضى الله عنهم وقواعد الشريعة المطهرة وإذا وقع التحاكم تبين أن القول بعدم لزوم الطلاق للحالف به أقوى ادلة وأصح أصولا وأطرد قياسا وأوفق لقواعد الشرع وأنتم معترفون بهذا شئتم ام أبيتم فإذا ساغ لكم العدول عنه الى القول المتناقض المخالف للقياس ولما أفتى به الصحابة ولما تقتضيه قواعد الشريعة وأصولها فلأن يسوغ لنا العدول عن قولكم ببطلان خلع اليمين الى ضده تحصيلا لمصلحة الزوجين ولما لشعث النكاح وتعطيلا لمفسدة التحليل وتخلصا لامرأين مسلمين من لعنة الله ورسوله أولى وأحرى والله أعلم.

فصل: الحلف بالطلاق من الأيمان التي تدخلها الكفارة
المخرج الثاني عشر اخذه بقول من يقول الحلف بالطلاق من الايمان الشرعية التي تدخلها الكفارة وهذا أحد الأقوال في المسألة حكاه أبو محمد ابن حزم في كتاب مراتب الاجماع له فقال واختلفوا فيمن حلف بشئ غير أسماء الله أوبنحر ولده أوهديه أواجنبي أوبالمصحف أو بالقران أوبنذر اخرجه مخرج اليمين أوبأنه مخالف لدين المسلمين أوبطلاق أوبظهار أوتحريم شئ من ماله ثم ذكر صورا أخرى ثم قال فاختلفوا في جميع هذه الامور أفيها كفارة ام لا ثم قال واختلفوا في اليمين بالطلاق اهو طلاق فيلزم أوهو يمين فلا يلزم حكى في كونه طلاقا فيلزم أويمينا لا يلزم قولين وحكى قبل ذلك هل فيه كفارة ام لا على قولين واختار هو الا يلزم ولا كفارة فيه وهذا اختيار شيخنا ابى محمد بن تيمية اخى شيخ الاسلام.

قال شيخ الاسلام والقول بأنه يمين مكفرة هو مقتضى المنقول عن الصحابة في الحلف بالعتق بل بطريق الأولى فإنهم اذا افتوا من قال إن لم افعل كذا فكل مملوك لى حر بأنه يمين تكفر فالحالف بالطلاق اولى قال وقد علق القول به ابو ثور فقال إن لم تجمع الامة على لزومه فهو يمين تكفر وقد تبين أن الامة لم تجمع على لزومه وحكاه شيخ الاسلام عن جماعة من العلماء الذين سمت هممهم وشرفت نفوسهم فارتفعت عن حضيض التقليد المحض الى أوج النظر والاستدلال ولم يكن مع خصومه ما يردون به عليه اقوى من الشكاية الى السلطان فلم يكن له برد هذه الحجة قبل وأما ما سواها فبين فساد جميع حججهم ونقضها أبلغ نقض وصنف في المسألة ما بين مطول ومتوسط ومختصر ما يقارب الفى ورقة وبلغت الوجوه التي استدل بها عليها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والقياس وقواعد إمامه خاصة وغيره من الائمة زهاء أربعين دليلا وصار الى ربه وهو مقيم عليها داع اليها مباهل لمنازعيه باذل نفسه وعرضه وأوقاته لمستفتيه فكان يفتى في الساعة الواحدة فيها بقلمه ولسانه أكثر من أربعين فتيا فعطلت لفتاواه مصانع التحليل وهدمت صوامه وبيعه وكسدت سوقه وتقشعت سحائب اللعنه عن المحللين والمحلل لهم من المطلقين وقامت سوق الاستدلال بالكتاب والسنة والاثار السلفية وانتشرت مذاهب الصحابة والتابعين وغيرهم من أئمة الاسلام للطالبين وخرج من حبس تقليد المذهب المعين به من كرمت عليه نفسه من المستبصرين فقامت قيامه اعدائه وحساده ومن لا يتجاوز ذكر اكثرهم باب داره أومحلته وهجنوا ما ذهب اليه بحسب المستجيبين لهم غاية التهجين فمن استخفوه من الطغام واشباه الانعام قالوا هذا قد رفع الطلاق بين المسلمين وكثر أولاد الزنا في العالمين ومن صادفوا عنده مسكة عقل ولب قالوا هذا قد أبطل الطلاق المعلق بالشرط وقالوا لمن تعلقوا به من الملوك والولاة هذا قد حل بيعة السلطان من اعناق الحالفين ونسوا انهم هم الذين حلوها بخلع اليمين وأما هو فصرح في كتبه ان ايمان الحالفين لا تغير شرائع الدين فلا يحل لمسلم حل بيعه السلطان بفتوى احد من المفتين ومن أفتى بذلك كان من الكاذبين المفترين على شريعة احكم الحاكمين ولعمر الله لقد منى من هذا بما منى به من سلف من الائمة المرضيين فما اشبه الليلة بالبارحة للناظرين.

فهذا مالك بن أنس توصل أعداؤه الى ضربه بأن قالوا للسلطان إنه يحل عليك أيمان البيعة بفتواه ان يمين المكره لا تنعقد وهم يحلفون مكرهين غير طائعين فمنعه السلطان فلم يمتنع لما اخذه الله من الميثاق على من آتاه الله علما ان يبينه للمسترشدين ثم تلاه على اثره محمد بن ادريس الشافعي فوشى به اعداؤه الى الرشيد انه يحل ايمان البيعة بفتواه ان اليمين بالطلاق قبل النكاح لا تنعقد ولا تطلق إن تزوجها الحالف وكانوا يحلفونهم في جملة الايمان وان كل امرأة اتزوجها فهي طالق وتلاهما على اثارهما شيخ الاسلام فقال حساده هذا ينقض عليكم ايمان البيعة فما فت ذلك في عضدا ائمة الاسلام ولا ثنى عزمانهم في الله وهممهم ولا صدهم ذلك عما اوجب الله عليهم اعتقاده والعمل به من الحق الذي اداهم اليه اجتهادهم بل مضوا لسبيلهم وصارت اقوالهم اعلاما يهتدي بها المهدون تحقيقا لقوله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ}.

فصل: الصحابة والتابعون ومن بعدهم افتوا بمثل ما قلنا
ومن له اطلاع وخبرة وعناية بأقوال العلماء يعلم انه لم يزل في الاسلام من عصر الصحابة من يفتي في هذه المسألة بعدم اللزوم والى الآن.

فأما الصحابة فقد ذكرنا فتاواهم في الحلف بالعتق بعدم اللزوم وان الطلاق اولى منه وذكرنا فتوى علي بن ابي طالب كرم الله وجهه بعدم لزوم اليمين بالطلاق وانه لا مخالف له من الصحابة.

واما التابعون فذكرنا فتوى طاوس بأصح اسناد عنه وهو من اجل التابعين وافتى عكرمة وهو من اغزر اصحاب ابن عباس علما على ما افتى به طاوس سواء قال سنيد بن داود في تفسيره المشهور في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} حدثنا اسماعيل بن ابراهيم عن سليمان التيمي عن ابي مجلز في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} قال النذور في المعاصي حدثنا عباد بن عباد المهلبي عن عاصم الاحول عن عكرمة في رجل قال لغلامه ان لم اجلدك مائة سوط فامرأته طالق قال لا يجلد غلامه ولا تطلق امراته هذا من خطوات الشيطان.

واما من بعد التابعين فقد حكى المعتنون بمذاهب العلماء كأبي محمد بن حزم وغيره ثلاثة اقوال في ذلك للعلماء واهل الظاهر لم يزالوا متوافرين على عدم لزوم الطلاق للحالف به ولم يزل منهم الائمة والفقهاء والمصنفون والمقلدون لهم وعندنا بأسانيد صحيحة لا مطعن فيها عن جماعة من اهل العلم الذين هم اهله في عصرنا وقبله انهم كانوا يفتون بها احيانا فأخبرني صاحبنا الصادق محمد بن شهوان قال اخبرني شيخنا الذي قرات عليه القران وكان اصدق الناس الشيخ محمد بن المحلى قال اخبرني شيخنا الامام خطيب جامع دمشق عز الدين الفاروقي قال كان والدي يرى هذه المسأله ويفتي بها ببغداد.

واما اهل المغرب فتواتر عمن يعتني بالحديث ومذاهب السلف منهم انه كان يفتي بها واوذي بعضهم على ذلك وضرب وقد ذكرنا فتوى القفال في قوله الطلاق يلزمني انه لا يقع به طلاق وان نواه وذكرنا فتاوى اصحاب ابي حنيفة في ذلك وحكايتهم اياه عن الامام نصا وذكرنا فتوى اشهب من المالكية فيمن قال لا مراته ان خرجت من داري أوكلمت فلانا ونحو ذلك فأنت طالق ففعلت لم تطلق ولا يختلف عالمان متحليان بالانصاف ان اختيارات شيخ الاسلام لا تتقاصرعن اختيارات ابن عقيل وابي الخطاب بل وشيخهما ابي يعلى فإذا كانت اختيارات هؤلاء وامثالهم وجوها يفتي بها في الاسلام ويحكم بها الحكام فلا اختيارات شيخ الاسلام اسوة بها ان لم ترجح عليها والله المستعان وعليه التكلان.

تم بحمد الله المجلد الرابع



المجلد الرابع - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
المجلد الرابع
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» المجلد الأول
» المجلد الرابع
» المجلد الثاني
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد الرابع
» المجلد الخامس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: إعــــــلام الموقــــــعين-
انتقل الى: