| المجلد الرابع | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المجلد الرابع الثلاثاء 26 أبريل 2016, 12:15 am | |
| المجلد الرابع بسم الله الرحمن الرحيم قال احمد بن زهير بن مروان: كانت امراة ههنا بمرو أرادت ان تختلع من زوجها فأبى زوجها عليها فقيل لها لو ارتددت عن الاسلام لبنت منه ففعلت فذكرت ذلك لعبد الله بن المبارك فقال: "مَنْ وضع هذا الكتاب فهو كافر ومَنْ سمع به ورضى به فهو كافر ومَنْ حمله من كورة إلى كورة فهو كافر ومَنْ كان عنده فرضى به فهو كافر".
وقال إسحاق بن راهويه عن شقيق بن عبد الملك إن ابن المبارك قال: في قصة بنت أبي روح حيث امرت بالارتداد وذلك في أيام أبي غسان فذكر شيئا ثم قال: ابن المبارك وهو مغضب: "احدثوا في الاسلام ومن كان امر بهذا فهو كافر ومن كان هذا الكتاب عنده أو في بيته ليأمر به أو هويه ولم يأمر به فهو كافر" ثم قال ابن المبارك: "ما أرى الشيطان كان يحسن مثل هذا حتى جاء هؤلاء فأفادها منهم فأشاعها حينئذ أو كان يحسنها ولم يجد من يمضيها فيهم حتى جاء هؤلاء" وقال اسحاق الطالقاني قيل: يا أبا عبدالرحمن إن هذا الكتاب وضعه إبليس قال: "إبليس من الابالسة".
وقال النضر بن شميل في كتاب الحيل ثلاثمائة وعشرون أو ثلاثون مسألة كلها كفر وقال ابو حاتم الرازي قال: شريك يعنى ابن عبد الله قاضي الكوفة وذكر له كتاب الحيل فقال: "مَنْ يُخادع اللهَ يخدعه" وقال حفص بن غياث: "ينبغى أن يكتب عليه كتاب الفجور" وقال اسماعيل بن حماد قال: القاسم بن معن يعنى ابن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود قاضي الكوفة: "كتابكم هذا الذي كتبتموه في الحيل كتاب الفجور" وقال حماد بن زيد سمعت ايوب يقول: "ويلهم من يخدعون يعنى اصحاب الحيل".
وقال عبد الرحمن الدارمي سمعت يزيد بن هارون يقول: "لقد أفتى اصحاب الحيل شيء لو افتى به اليهودي والنصراني كان قبيحا" فقال: إنى حلفت انى لا اطلق أمرأتي بوجه من الوجوه وإنهم قد بذلوا لى مالا كثيرا فقال له: قبل أمها فقال يزيد بن هارون: ويله يأمره ان يقبل امرأة اجنبية" وقال حبيش بن مبشر: "سئل ابو عبدالله يعنى الامام احمد عن الرجل يشتري جارية ثم يعتقها من يومه ويتزوجها أيطؤها من يومه فقال: كيف يطؤها من يومه وقد وطئها ذلك بالامس هذا من طريق الحيلة وغضب وقال هذا اخبث قول" وقال رجل للفضيل بن عياض: "يا أبا علي استفتيت رجلاً في يمين حلفت بها فقال لي إن فعلت كذا حنثت وأنا احتال لك حتى تفعل ولا تحنث فقال له الفضيل تعرف الرجل قال: نعم قال: ارجع اليه فاستثبته فإنى أحسبه شيطاناً شبه لك في صورة إنسان".
وإنما قال: هؤلاء الائمة وأمثالهم هذا الكلام في هذه الحيل لان فيها الاحتيال على تأخير صوم رمضان وإسقاط فرائض الله تعالى من الحج والزكاة واسقاط حقوق المسلمين واستحلال ما حرم الله من الربا والزنا واخذ اموال الناس وسفك دمائهم وفسخ العقود اللازمة والكذب وشهادة الزور واباحة الكفر وهذه الحيل دائرة بين الكفر والفسوق ولا يجوز ان تنسب هذه الحيل إلى احد من الائمة ومن نسبها إلى احد منهم فهو جاهل بأصولهم ومقاديرهم ومنزلتهم من الاسلام وإن كان بعض هذه الحيل قد تنفذ على أصول إمام بحيث إذا فعلها المتحيل نفذ حكمها عنده ولكن هذا امر غير الاذن فيها واباحتها وتعليمها فإن إباحتها شيء ونفوذها إذا فعلت شيء ولا يلزم من كون الفقيه والمفتي لا يبطلها ان يبيحها وبأذن فيها وكثير من العقود يحرمها الفقيه ثم ينفذها ولا يبطلها ولكن الذي ندين الله به تحريمها وإبطالها وعدم تنفيذها ومقابلة اربابها بنقيض مقصودهم موافقة لشرع الله تعالى وحكمته وقدرته.
والمقصود ان هذه الحيل لا تجوز ان تسب إلى امام فإن ذلك قدح في إمامته وذلك يتضمن القدح في الامة حيث ائتمنت بمن لا يصلح للإمامة وهذا غير جائز ولو فرض انه حكى عن واحد من الائمة بعض هذه الحيل المجمع على تحريمها فإما ان تكون الحكاية باطلة أو يكون الحاكي لم يضبط لفظه فاشتبه عليه فتواه بنفوذها بفتواه بإباحتها مع بعد ما بينهما ولو فرض وقوعها منه في وقت ما فلا بد ان يكون قد رجع عن ذلك وان لم يحمل الامر على ذلك لزم القدح في الامام وفي جماعة المسلمين المؤتمين به وكلاهما غير جائز ولا خلاف بين الامة أنه لا يجوز الاذن في التكلم بكلمة الكفر لغرض من الاغراض إلا المكره إذا اطمأن قلبه بالايمان.
ثم إن هذا على مذهب أبي حنيفة واصحابه اشد فإنهم لا يأذنون في كلمات وأفعال دون ذلك بكثير ويقولون إنها كفر حتى قالوا: لو قال: الكافر لرجل إنى اريد ان أسلم فقال له اصبر ساعة فقد كفر فكيف بالامر بإنشاء الكفر وقالوا لو قال: مسيجد أو صغر لفظ المصحف كفر فعلمت ان هؤلاء المحتالين الذين يفتون بالحيل التي هي كفر أو حرام ليسوا مقتدين بمذهب احد من الائمة وان الائمة أعلم بالله ورسوله ودينه واتقى له من ان يفتوا بهذه الحيل وقد قال: ابو داود في مسائله سمعت احمد وذكر اصحاب الحيل يحتالون لنقض سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال في رواية أبي الحارث الصانع هذه الحيل التي وضعوها عمدوا إلى السنن واحتالوا لنقضها والشيء الذي قيل: لهم إنه حرام احتالوا فيه حتى أحلوه قالوا: الرهن لا يحل ان يستعمل ثم قالوا: يحتال له حتى يستعمل فكيف يحل بحيلة ما حرم الله ورسوله وقال صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فأذابوها فباعوها وأكلوا أثمانها" أذابوها حتى ازالوا عنها اسم الشحم.
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المحلل والمحلل له وقال في رواية ابنه صالح عجبت مما يقول ارباب الحيل في الايمان يبطلون الايمان بالحيل وقد قال: الله تعالى: {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} وقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} وكان ابن عيينة يشتد عليه أمر هذه الحيل وقال في رواية الميموني وقد سأله إنهم يقولون في رجل حلف على امرأته وهي على درجة إن صعدت أو نزلت فأنت طالق فقالوا تحمل حملا فقال هذا هو الحنث بعينه ليست هذه حيلة هذا هو الحنث وقالوا إذا حلف لا يطأ بساطا يطأ بساطين وإذا حلف لا يدخل دارا يحمل فأقبل أبو عبد الله يعجب سبحان الله ما أعجب هذا أبطلوا كتاب الله والسنة جعل الله على الحرائر العدة من أجل الحمل فليس من امرأة تطلق أو يموت زوجها إلا تعتد من أجل الحمل ففرج يوطأ يشتريه ثم يعتقه على المكان فيتزوجها فيطؤها فإن كانت حاملا كيف يصنع يطؤها رجل اليوم ويطؤها الآخر غدا هذا نقض للكتاب والسنة قال: النبي صلى الله عليه وسلم لا توطأ الحامل حتى تضع ولا غير الحامل حتى تحيض ولا يدري هل هي حامل أم لا سبحان الله ما أسمج هذا.
وقال محمد بن الهيثم سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يحكي عن مقاتل بن محمد قال: شهدت هشاما وهو يقرىء كتابا فانتهى بيده إلى مسألة فجازها فقيل له: في ذلك فقال دعوه وكره مكاني فتطلعت في الكتاب فإذا فيه لو أن رجلا لف على ذكره حريرة في شهر رمضان ثم جامع امرأته نهارا فلا قضاء عليه ولا كفارة.
فصل: الأدلة على بطلان الحيل ومما يدل على بطلان الحيل وتحريمها أن الله تعالى إنما أوجب الواجبات وحرم المحرمات لما تتضمن من مصالح عباده في معاشهم ومعادهم فالشريعة لقلوبهم بمنزلة الغذاء الذي لا بد لهم منه والدواء الذي لا يندفع الداء إلا به فإذا احتال العبد على تحليل ما حرم الله وإسقاط ما فرض الله وتعطيل ما شرع الله كان ساعيا في دين الله بالفساد من وجوه:
أحدها إبطالها ما في الأمر المحتال عليه من حكمة ونقض حكمته فيه ومناقضته له.
والثاني ان الامر المحتال به ليس له عنده حقيقة ولا هو مقصود بل هو ظاهر المشروع فالمشروع ليس مقصودا له والمقصود له هو المحرم نفسه وهذا ظاهر كل الظهور فيما يقصد الشارع فإن المرابي مثلا مقصوده الربا المحرم وصورة البيع الجائز غير مقصودة له وكذلك المتحيل على إسقاط الفرائض بتمليك ماله لمن لا يهبه درهما واحدا حقيقة مقصودة إسقاط الفرض وظاهر الهبة المشروعة غير مقصودة له.
الثالث نسبته ذلك إلى الشارع الحكيم والى شريعته التي هي غذاء القلوب ودواؤها وشفاؤها ولو ان رجلا تحيل حتى قلب الغذاء والدواء إلى ضده فجعل الغذاء دواء والدواء غذاء إما بتغير اسمه أو صورته مع بقاء حقيقته لاهلك الناس فمن عمد إلى الادوية المسهلة فغير صورتها أو اسماءها وجعلها غذاء للناس أو عمد إلى السموم القاتلة فغير أسماءها وصورتها وجعلها أدوية أو إلى الاغذية الصالحة فغير اسماءها وصورها كان ساعيا بالفساد في الطبيعة كما ان هذا ساع بالفساد في الشريعة فإن الشريعة للقلوب بمنزلة الغذاء والدواء للأبدان وإنما ذلك بحقائقها لا بأسمائها وصورها.
وبيان ذلك على وجه الاشارة ان الله سبحانه وتعالى حرم الربا والزنا وتوابعهما ووسائلهما لما في ذلك من الفساد واباح البيع والنكاح وتوابعهما لأن ذلك مصلحة محضة ولا بد ان يكون بين الحلال والحرام فرق في الحقيقة وإلا لكان البيع مثل الربا والنكاح مثل الزنا ومعلوم ان الفرق في الصورة دون الحقيقة ملغى عند الله ورسوله وفي فطر عباده فإن الاعتبار بالمقاصد والمعاني في الاقوال والافعال فإن الالفاظ إذا اختلفت ومعناها واحد كان حكمها واحدا فإذا اتفقت الالفاظ واختلفت المعاني كان حكمها مختلفا وكذلك الاعمال إذا اختلفت صورها واتفقت مقاصدها وعلى هذه القاعدة يبنى الامر والنهي والثواب والعقاب ومن تأمل الشريعة علم بالاضطرار صحة هذا فالأمر المحتال به على المحرم صورته صورة الحلال وحقيقته ومقصوده حقيقة الحرام فلا يكون حلالا فلا يترتب عليه أحكام الحلال فيقع باطلا والامر المحتال عليه حقيقته حقيقة الامر الحرام وإن لم تكن صورته صورته فيجب ان يكون حراما لمشاركته للحرام في الحقيقة.
ويالله العجب اين القياس والنظر في المعاني المؤثرة وغير المؤثرة فرقا وجمعا والكلام في المناسبات ورعاية المصالح وتحقيق المناط وتنقيحه وتخريجه وإبطال قول من علق الاحكام بالاوصاف الطردية التي لا مناسبة بينها وبين الحكم فكيف يعلقه بالاوصاف المناسبة لضد الحكم وكيف يعلق الاحكام على مجرد الالفاظ والصور الظاهرة التي لا مناسبة بينها وبينها ويدع المعاني المناسبة المفضية لها التي ارتباطها بها كارتباط العلل العقلية بمعلولاتها والعجب منه كيف ينكر مع ذلك على أهل الظاهر المتمسكين بظواهر كتاب ربهم وسنة نبيهم حيث لا يقوم دليل يخالف الظاهر ثم يتمسك بظواهر أفعال المكلفين وأقوالهم حيث يعلم ان الباطن والقصد بخلاف ذلك ويعلم لو تأمل حق التأمل ان مقصود الشارع غير ذلك كما يقطع بأن مقصوده من إيجاب الزكاة سد خلة المساكين وذوي الحاجات وحصول المصالح التي ارادها بتخصيص هذه الاوصاف من حماية المسلمين والذب عن حوزة الاسلام فإذا اسقطها بالتحيل فقد خالف مقصود الشارع وحصل مقصود المتحيل والواجب الذي لا يجوز غيره ان يحصل مقصود الله ورسوله ويبطل مقاصد المتحيلين المخادعين وكذلك يعلم قطعا انه إنما حرم الربا لما فيه من الضرر بالمحاويج وان مقصوده إزالة هذه المفسدة فإذا ابيح التحيل على ذلك كان سعيا في إبطال مقصود الشارع وتحصيلا المقصود المرابى وهذه سبيل جميع الحيل المتوسل بها إلى تحليل الحرام وإسقاط الواجب وبهذه الطريق تبطل جميعا الا ترى ان المتحيل لإسقاط الاستبراء مبطل لمقصود الشارع من حكمة الاستبراء ومصلحته.
فالمعين له على ذلك مفوت لمقصود الشارع محصل لمقصود المتحيل وكذلك التحيل على إبطال حقوق المسلمين التي ملكهم إياها الشارع وجعلهم أحق بها من غيرهم إزالة لضررهم وتحصيلا لمصالحهم فلوا أباح التحيل لإسقاطها لكان عدم إثباتها للمستحقين اولى واقل ضررا من ان يثبتها ويوصى بها ويبالغ في تحصيلها ثم يشرع التحيل لإبطالها وإسقاطها وهل ذلك إلا بمنزلة من بنى بناء مشيدا وبالغ في إحكامه واتقانه ثم عاد فنقضه وبمنزلة من امر بإكرام رجل والمبالغة في بره والاحسان اليه واداء حقوقه ثم اباح لمن امره ان يتحيل بأنواع الحيل لإهانته وترك حقوقه ولهذا يسيء الكفار والمنافقون ومن في قلوبهم المرض الظن بالاسلام والشرع الذي بعث الله به رسوله حيث ظنوا ان هذه الحيل مما جاء به الرسول وعلموا مناقضتها للمصالح مناقضة ظاهرة ومنافاتها لحكمة الرب وعدله ورحمته وحمايته وصيانته لعباده فإنه نهاهم عما نهاهم عنه حمية وصيانة فكيف يبيح له الحيل على ما حماهم عنه وكيف يبيح لهم التحيل على إسقاط ما فرضه عليهم وعلى إضاعة الحقوق التي احقها عليهم لبعضهم بعضا لقيام مصالح النوع الإنساني التي لا تتم إلا بما شرعه.
فهذه الشريعة شرعها الذي علم ما في ضمنها من المصالح والحكم والغايات المحمودة وما في خلافها من ضد ذلك وهذا امر ثابت لها لذاتها وبائن من امر الرب تبارك وتعالى بها ونهيه عنها فالمأمور به مصلحة وحسن في نفسه واكتسى بأمر الرب تعالى مصلحة وحسنا اخر فازداد حسنا بالامر ومحبة الرب وطلبه له إلى حسنه في نفسه وكذلك المنهى عنه مفسدة وقبيح في نفسه وازداد بنهى الرب تعالى عنه وبغضه له وكراهيته له قبحا إلى قبحه وما كان هكذا لم يجز أن ينقلب حسنه قبحا بتغير الاسم والصورة مع بقاء الماهية والحقيقة.
ألا ترى ان الشارع صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله حرم بيع الثمار قبل بدو صلاحها لما فيه من مفسدة التشاحن والتشاجر ولما يؤدي اليه ان منع الله الثمرة من اكل مال اخيه بغير حق ظلما وعدوانا ومعلوم قطعا ان هذه المفسدة لا تزول بالتحيل على البيع قبل بدو الصلاح فإن الحيلة لا تؤثر في زوال هذه المفسدة ولا في تخفيفها ولا في زوال ذرة منها فمفسدة هذا العقد امر ثابت له لنفسه فالحيلة إن لم تزده فسادا لم تزل فسادا وكذلك شرع الله تعالى الاستبراء لإزالة مفسدة اختلاط المياه وفساد الانساب وسقى الانسان بمائه زرع غيره وفي ذلك من المفاسد ما توجب العقول تحريمه لو لم تأت به شريعة ولهذا فطر الله الناس على استهجانه واستقباحه ويرون من أعظم الهجن ان يقوم هذا عن المرأة ويخلفه الآخر عليها ولهذا حرم نكاح الزانية واوجب العدد والاستبراء.
ومن المعلوم قطعا ان هذه المفسدة لا تزول بالحيلة على إسقاط الاستبراء ولا تخف وكذلك شرع الحج إلى بيته لانه قوام للناس في معاشهم ومعادهم ولو عطل البيت الحرام عاما واحدا عن الحج لما أمهل الناس ولعوجلوا بالعقوبة وتوعد من ملك الزاد والراحلة ولم يحج بالموت على غير الاسلام ومعلوم ان التحيل لإسقاطه لا يزيل مفسدة الترك ولو ان الناس كلهم تحيلوا لترك الحج والزكاة لبطلت فائدة هذين الفرضين العظيمين وارتفع من الارض حكمهما بالكلية وقيل للناس إن شئتم كلكم ان تتحلوا لاسقاطهما فافعلوا فليتصور العبد ما في إسقاطهما من الفساد المضاد لشرع الله واحسانه وحكمته وكذلك الحدود جعلها الله تعالى زواجر للنفوس وعقوبة ونكالا وتطهيرا فشرعها من أعظم مصالح العباد في المعاش والمعاد بل لا تتم سياسة ملك من ملوك الارض إلا بزواجر وعقوبات لأرباب الجرائم ومعلوم ما في التحيل لإسقاطها من منافاة هذا الغرض وإبطاله وتسليط النفوس الشريرة على تلك الجنايات إذا علمت ان لها طريقا إلى ابطال عقوباتها فيها وانها تسقط تلك العقوبات بأدنى الحيل فإنه لا فرق عندها ألبتة بين ان تعلم انه لا عقوبة عليها فيها وبين ان تعلم ان لها عقوبة وان لها إسقاطها بأدنى الحيل ولهذا احتاج البلد الذي تظهر فيه هذه الحيل إلى سياسة وال أو امير يأخذ على يد الجناة ويكف شرهم عن الناس اذا لم يمكن ارباب الحيل ان يقوموا بذلك.
وهذا بخلاف الازمنة والامكنة التي قام الناس فيها بحقائق ما بعث الله به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم لم يحتاجوا معها إلى سياسة امير ولا وال كما كان أهل المدينة في زمن الصحابة والتابعين وتابعيهم فإنهم كانوا يحدون بالرائحة وبالقيء وبالحبل وبظهور المسروق عند السارق ويقتلون في القسامة ويعاقبون أهل التهم ولا يقبلون الدعوى التي تكذبها العادة والعرف ولا يرون الحيل في شيء من الدين ويعاقبون أربابها ويحبسون في التهم حتى يتبين حال المتهم فإن ظهرت براءته خلوا سبيله وإن ظهر فجوره قرروه بالعقوبة اقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في عقوبة المتهمين وحبسهم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس في تهمة وعاقب في تهمه كما سيأتي إن شاء الله من ذكر ذلك عنه وعن اصحابه ما فيه شفاء وكفاية وبيان لإغناء ما جاء به عن كل وال وسائس وأن شريعته التي هي شريعته لا يحتاج معها إلى غيرها وإنما يحتاج إلى غيرها من لم يحط بها علما أو لم يقم بها عملاً.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:39 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع السبت 07 مايو 2016, 5:23 pm | |
| والمقصود ان ما في ضمن المحرمات من المفاسد والمأمورات من المصالح يمنع ان يشرع اليها التحيل بما يبيحها ويسقطها وأن ذلك مناقضة ظاهرة ألا ترى انه بالغ في لعن المحلل للمفاسد الظاهرة والباطنة التي في التحليل التي يعجز البشر عن الاحاطة بتفاصيلها فالتحليل على صحة هذه النكاح بتقديم اشتراط التحليل عليه وإخلاء صلبه عنه إن لم يزد مفسدته فإنه لا يزيلها ولا يخففها وليس تحريمه والمبالغة في لعن فاعله تعبدا لا يعقل معناه بل هو معقول المعنى من محاسن الشريعة بل لا يمكن شريعة الاسلام ولا غيرها من شرائع الانبياء ان تأتي بحيلة فالتحيل على وقوعه وصحته إبطاله لغرض الشارع وتصحيح لغرض المتحيل المخادع.
وكذلك الشارع حرم الصيد في الاحرام وتوعد بالانتقام على من عاد اليه بعد التحريم لما فيه من المفسدة الموجبة لتحريمه وانتقام الرب من فاعله ومعلوم قطعا ان هذه المفسدة لا تزول بنصب الشباك له قبل الاحرام بلحظة فإذا وقع فيها حال الاحرام اخذه بعد الحل بلحظة فإباحته لمن فعل هذا ابطال لغرض الشارع الحكيم وتصحيح لغرض المخادع.
وكذلك ايجاب الشارع الكفارة على من وطيء في نهار رمضان فيه من المصلحة جبر وهن الصوم وزجر الواطيء وتكفير جرمه واستدراك فرطه وغير ذلك من المصالح التي علمها من شرع الكفارة واحبها ورضيها فإباحة التحليل لإسقاطها بأن يتغذى قبل الجماع ثم يجامع نقض لغرض الشارع وابطال له واعمال لغرض الجاني المتحيل وتصحيح له ثم ان ذلك جنابة على حق الله وحق العبيد فهو اضاعة للحقين وتفويت لهما.
وكذلك الشارع شرع حدود الجرائم التي تتقاضاها الطباع اشد تقاض في اهمال عقوباتها من مفاسد الدنيا والاخرة بحيث لا يمكن سياسة ملك ما من الملوك ان يخلو عن عقوباتها ألبتة ولا يقوم ملكه بذلك فالاذن في التحيل لاسقاطها بصورة العقد وغيره مع وجود تلك المفاسد بعينها أو اعظم منها نقض وابطال لمقصود الشارع وتصحيح لمقصود الجاني واغراء بالمفاسد وتسليط للنفوس على الشر.
ويالله العجب كيف يجتمع في الشريعة تحريم الزنا والمبالغة في المنع منه وقتل فاعله شر القتلات وأقبحها وأشنعها وأشهرها ثم يسقط بالتحيل عليه بأن يستأجرها لذلك أو لغيره ثم يقضي غرضه منها وهل يعجز عن ذلك زان أبدا وهل في طباع ولاة الأمر ان يقبلوا قول الزاني أنا استأجرتها للزنا أو استأجرتها لتطوي ثيابي ثم قضيت غرضي منها فلا يحل لك ان تقيم علي الحد وهل ركب الله في فطر الناس سقوط الحد عن هذه الجريمة التي هي من أعظم الجرائم إفسادا للفراش والأنساب بمثل هذا وهل يسقط الشارع الحكيم الحد عمن أراد ان ينكح أمه أو بنته أو أخته بأن يعقد عليها العقد ثم يطأها بعد ذلك وهل زاده صورة العقد المحرم إلا فجورا واثما واستهزاء بدين الله وشرعه ولعبا بآياته فهل يليق به مع ذلك رفع هذه العقوبة عنه واسقاطها بالحيلة التي فعلها مضمومة إلى فعل الفاحشة بأمه وابنته فأين القياس وذكر المناسبات والعلل المؤثرة والانكار على الظاهرية فهل بلغوا بالتمسك بالظاهر عشر معشار هذا والذي يقضى منه العجب ان يقال لا يعتد بخلاف المتمسكين بظاهر القرآن والسنة ويعتد بخلاف هؤلاء والله ورسوله منزه عن هذا الحكم.
ويالله العجب كيف يسقط القطع عمن اعتاد سرقة أموال الناس وكلما امسك معه المال المسروق قال: هذا ملكي والدار التي دخلتها داري والرجل الذي دخلت داره عبدي قال: أرباب الحيل فيسقط عنه الحد بدعوى ذلك فهل تأتي بهذا سياسة قط جائرة أو عادلة فضلا عن شريعة نبي من الانبياء فضلا عن الشريعة التي هي اكمل شريعة طرقت العالم.
وكذلك الشارع أوجب الانفاق على الاقارب لما في ذلك من قيام مصالحهم ومصالح المنفق ولما في تركهم من إضاعتهم فالتحيل لإسقاط الواجب بالتمليك في الصورة مناقضة لغرض الشارع وتتميم لغرض الماكر المحتال وعود إلى نفس الفساد الذي قصد الشارع اعدامه بأقرب الطرق ولو تحيل هذا المخادع على اسقاط نفقة دوابه لهلكوا وكذلك ما فرضه الله تعالى للوارث من الميراث هو حق له جعله أولى من سائر الناس به فإباحة التحيل لإسقاطه بالاقرار بماله كله للأجنبي واخراج الوارث مضادة لشرع الله ودينه ونقض لغرضه واتمام لغرض المحتال وكذلك تعليم المرأة ان تقر بدين لأجنبي إذا اراد زوجها السفر بها.
فصل: مناقضة الحيل لاصول الائمة واكثر هذه الحيل لا تمشى على اصول الائمة بل تناقضها اعظم مناقضة وبيانه ان الشافعي رضي الله عنه يحرم مسألة مد عجوة ودرهم بمد ودرهم ويبالغ في تحريمها بكل طريق خوفا ان يتخذ حيلة على نوع ما من ربا الفضل فتحريمه للحيل الصريحة التي يتوصل بها إلى ربا النساء اولى من تحريم مد عجوة بكثير فإن التحيل بمد ودرهم من الطرفين على ربا الفضل اخف من التحيل بالعينة على ربا النساء واين مفسدة هذه من مفسدة تلك واين حقيقة الربا في هذه من حقيقته في تلك وابو حنيفة يحرم مسألة العينه وتحريمه لها يوجب تحريمه للحيلة في مسألة مد عجوه بأن يبيعه خمسة عشر درهما بعشرة في خرقة فالشافعي يبالغ في تحريم مسألة مد عجوة ويبيح العينة وابو حنيفة يبالغ في تحريم العينة ويبيح مسائل مد عجوة ويتوسع فيها واصل كل من الامامين رضى الله عنهما في احد البابين يستلزم ابطال الحيلة في الباب الآخر وهذا من اقوى التخريج على اصولهم ونصوصهم وكثير من الاقوال المخرجة دون هذا فقد ظهر ان الحيل المحرمة في الدين تقتضي رفع التحريم مع قيام موجبه ومقتضيه وإسقاط الوجوب مع قيام سببه.
وذلك حرام من وجوه: احدها استلزامها فعل المحرم وترك الواجب.
والثاني ما يتضمن من المكر والخداع والتلبيس.
والثالث الاغراء بها والدلالة عليها وتعليمها من لا يحسنها. والرابع إضافتها إلى الشارع وان اصول شرعه ودينه تقتضيها.
والخامس ان صاحبها لا يتوب منها ولا يعدها ذنباً.
والسادس انه يخادع الله كما يخادع المخلوق.
والسابع انه يسلط اعداء الدين على القدح فيه وسوء الظن به وبمن شرعه. والثامن انه يعمل فكره واجتهاده في نقض ما ابرمه الرسول وإبطال ما اوجبه وتحليل ما حرمه.
والتاسع أنه اعانة ظاهرة على الاثم والعدوان وانما اختلفت الطريق فهذا يعين عليه بحيلة ظاهرها صحيح مشروع يتوصل بها اليه وذاك يعين عليه بطريقه المفضية اليه بنفسها فكيف كان هذا معينا على الاثم والعدوان والمتحيل المخادع يعين على البر والتقوى.
العاشر ان هذا ظلم في حق الله وحق رسوله وحق دينه وحق نفسه وحق العبد المعين وحقوق عموم المؤمنين فإنه يغرى به ويعلمه ويدل عليه والمتوصل اليه بطريق المعصية لا يظلم إلا نفسه ومن تعلق به ظلمه من المعينين فإنه لا يزعم ان ذلك دين وشرع ولا يقتدى به الناس فأين فساد أحدهما من الآخر وضرره من ضرره وبالله التوفيق.
فصل: حجج من جوزوا الحيل قال أرباب الحيل قد أكثرتم من ذمم الحيل وأجلبتم بخيل الأدلة ورجلها وسمينها ومهزولها فاستمعوا الآن تقريرها واشتقاقها من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة وأئمة الإسلام وأنه لا يمكن أحدا إنكارها.
قال الله تعالى لنبيه أيوب: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} فأذن لنبيه أيوب ان يتحلل من يمينه بالضرب بالضغث وقد كان نذر أن يضربها ضربات معدودة وهي في التعارف الظاهر إنما تكون متفرقة فأرشده تعالى إلى الحيلة في خروجه من اليمين فنقيس عليه سائر الباب ونسميه وجوه المخارج من المضائق ولا نسميه بالحيل التي ينفر الناس من اسمها.
وأخبر تعالى عن نبيه يوسف عليه السلام أنه جعل صواعه في رحل أخيه ليتوصل بذلك إلى أخذه من إخوته ومدحه بذلك وأخبر أنه برضاه وإذنه كما قال: كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم فأخبر ان هذا كيده لنبيه وأنه بمشيئته وأنه يرفع درجة عبده بلطيف العلم ودقيقه الذي لا يهتدي إليه سواه وأن ذلك من علمه وحكمته.
وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} فأخبر تعالى أنه مكر بمن مكر بأنبيائه ورسله وكثير من الحيل هذا شأنها يمكر بها على الظالم والفاجر ومن يعسر تخليص الحق منه فتكون وسيلة إلى نصر مظلوم وقهر ظالم ونصر حق وإبطال باطل.
والله تعالى قادر على أخذهم بغير وجه المكر الحسن ولكن جازاهم بجنس عملهم وليعلم عباده أن المكر الذي يتوصل به إلى إظهار الحق ويكون عقوبة للماكر ليس قبيحاً.
وكذلك قوله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وخداعه لهم أن يظهر لهم أمراً ويبطن لهم خلافه فما تنكرون على أرباب الحيل الذين يظهرون أمراً يتوصلون به إلى باطن غيره اقتداء بفعل الله تعالى.
وقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة وأبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل رجلاً على خيبر فجاءهم بتمر جنيب فقال أكل تمر خيبر هكذا قال: إنا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاث فقال لا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيباً وقال في الميزان مثل ذلك فأرشده إلى الحيلة على التخلص من الربا بتوسط العقد الآخر وهذا أصل في جواز العينة.
وهل الحيل إلا معاريض في الفعل على وزان المعاريض في القول وإذا كان في المعاريض مندوحة عن الكذب ففي معاريض الفعل مندوحة عن المحرمات وتخلص من المضايق.
وقد لقى النبي صلى الله عليه وسلم طائفة من المشركين وهو في نفر من أصحابه فقال المشركون ممن أنتم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن من ماء فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا أحياء اليمن كثير فلعلهم منهم وانصرفوا.
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: احملني فقال: "ما عندي إلا ولد ناقة" فقال: ما أصنع بولد الناقة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وهل يلد الإبل إلا النوق".
وقد رأت امرأة عبد الله بن رواحة عبد الله على جارية له فذهبت وجاءت بسكين فصادفته وقد قضى حاجته فقالت لو وجدتك على الحال التي كنت عليها لوجأتك فأنكر فقالت: فاقرأ إن كنت صادقاً فقال:
شهدت بأن وعد الله حق … وأن النار مثوى الكافرينا وان العرش فوق الماء طاف … وفوق العرش رب العالمينا وتحمله ملائكة كرام … ملائكة الإله مسومينا
فقالت آمنت بكتاب الله وكذبت بصرى فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فضحك ولم ينكر عليه وهذا تحيل منه بإظهار القراءة لما أوهم أنه قرآن ليتخلص به من مكروه الغيرة.
وكان بعض السلف إذا أراد ان لا يطعم طعاما لرجل قال: أصبحت صائما يريد أنه اصبح فيما سلف صائما قبل ذلك اليوم وكان محمد بن سيرين إذا اقتضاه بعض غرمائه وليس عنده ما يعطيه قال: أعطيك في أحد اليومين إن شاء الله يريد بذلك يومي الدنيا والآخرة وسأل رجل عن المروزي وهو في دار احمد بن حنبل فكره الخروج اليه فوضع احمد أصبعه في كفه فقال ليس المروزي ههنا وما يصنع المروزي ههنا.
وحضر سفيان الثوري مجلسا فلما أراد النهوض منعوه فحلف أنه يعود ثم خرج وترك نعله كالناسي لها فلما خرج عاد وأخذها وانصرف وقد كان لشريح في هذا الباب فقه دقيق كما أعجب رجل فرسه وأراد أخذها منه فقال له شريح إنها إذا أربضت لم تقم حتى تقام فقال الرجل أف أف وإنما أراد شريح أن الله هو الذي يقيمها وباع من رجل ناقة فقال له المشتري كم تحمل فقال احمل على الحائط ما شئت فقال كم تحلب قال: احلب في أى إناء شئت فقال كيف سيرها قال: الريح لا تلحق فلما قبضها المشتري لم يجد شيئا من ذلك فجاء إليه وقال ما وجدت شيئا من ذلك فقال ما كذبتك.
قالوا ومن المعلوم أن الشارع جعل العقود وسائل وطرقا إلى إسقاط الحدود والمأثم ولهذا لو وطيء الإنسان امرأة أجنبية من غير عقد ولا شبهة لزمه الحد فإذا عقد عليها عقد النكاح ثم وطئها لم يلزمه الحد وكان العقد حيلة على إسقاط الحد بل قد جعل الله تعالى الأكل والشرب واللباس حيلة على دفع أذى الجوع والعطش والبرد والاكتفاء حيلة إلى دفع الصائل من الحيوان وغيره وعقد التبايع حيلة على حصول الانتفاع بملك الغير وسائر العقود حيلة على التوصل إلى مالا يباح إلا بها وشرع الرهن حيلة على رجوع صاحب الدين في ماله من عين الرهن إذا أفلس الراهن أو تعذر الاستيفاء منه.
وقد روى سلمة بن صالح عن يزيد الواسطي عن عبد الكريم عن عبد الله ابن بريدة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أعظم آية في كتاب الله فقال لا أخرج من المسجد حتى اخبرك فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه فلما أخرج إحدى رجليه أخبره بالآية قبل أن يخرج رجله الأخرى.
وقد بنى الخصاف كتابه في الحيل على هذا الحديث ووجه الاستدلال به أن من حلف أن لا يفعل شيئا فأراد التخلص من الحنث بفعل بعضه لم يكن حانثا فإذا حلف لا يأكل هذا الرغيف ولا يأخذ هذا المتاع فليدع بعضه ويأخذ الباقي ولا يحنث وهذا أصل في بابه في التخلص من الأيمان.
وهذا السلف الطيب قد فتحوا لنا هذا الباب ونهجوا لنا هذا الطريق فروى قيس بن الربيع عن الأعمش عن إبراهيم في رجل أخذه رجل فقال إن لي معك حقا فقال لا فقال احلف لي بالمشي إلى بيت الله فقال يحلف له بالمشي إلى بيت الله ويعني به مسجد حيه وبهذا الإسناد أنه قال: له رجل إن فلانا امرني أن آتي مكان كذا وكذا وأنا لا أقدر على ذلك المكان فكيف الحيلة قال: يقول والله ما أبصر إلا ما سددني غيري.
وذكر عبد الملك بن ميسرة عن النزالي بن سبرة قال: جعل حذيفة لعثمان ابن عفان على أشياء بالله ما قالها وقد سمعناه يقولها فقلنا يا أبا عبد الله سمعناك تحلف لعثمان على أشياء ما قلتها وقد سمعناك قلتها فقال: "إني أشترى ديني بعضه ببعض مخافة أن يذهب كله" وذكر قيس بن الربيع عن الأعمش عن إبراهيم أن رجلا قال: له إني أنال من رجل شيئا فيبلغه عني فكيف أعتذر إليه فقال له إبراهيم: "قل والله إن الله ليعلم ما قلت من ذلك من شيء".
وكان إبراهيم يقول لأصحابه إذا خرجوا من عنده وهو مستخف من الحجاج: "إن سئلتم عني فاحلفوا بالله لا تدرون أين أنا ولا في أي موضع أنا وأعنوا لا تدرون اين انا من البيت وفى أي موضع منه وأنتم صادقون" وقال مجاهد عن ابن عباس: "ما يسرني بمعارض الكلام حمر النعم".
وقد ثبت في الصحيح من حديث حميد بن عبدالرحمن بن عوف عن امه أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت من المهاجرات الأول: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في الكذب في ثلاث في الرجل يصلح بين الناس والرجل يكذب لامرأته والكذب في الحرب".
وقال معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه حدثني نعيم بن أبي هند عن سويد ابن غفلة أن علياً كرم الله وجهه في الجنة لما قتل الزنادقة نظر في الارض ثم رفع رأسه إلى السماء ثم قال: صدق الله ورسوله ثم قام فدخل بيته فأكثر الناس في ذلك فدخلت عليه فقلت يا أمير المؤمنين أشيء عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم أم شيء رأيته فقال هل على من بأس أن أنظر إلى السماء قلت لا قال: فهل على من بأس أن أنظر إلى الأرض قلت لا قال: فهل على من بأس أن أقول صدق الله ورسوله قلت لا قال: فإني رجل مكائد.
وقال حجاج بن منهال ثنا أبو عوانة عن أبي مسكين قال: كنت عند إبراهيم وامرأته تعاتبه في جاريته وبيدها مروحة فقال أشهدكم بأنها لها فلما خرجنا قال: علام شهدتم قلنا أشهدتنا أنك جعلت الجارية لها قال: أما رأيتموني أشير إلى المروحة.
وقال محمد بن الحسن عن عمرو بن دينار عن الشعبي لا بأس بالحيل فيما يحل ويجوز وإنما الحيل شيء يتخلص به الرجل من الحرام ويخرج به إلى الحلال فما كان من هذا ونحوه فلا بأس به وإنما يكره من ذلك أن يحتال الرجل في حق الرجل حتى يبطله أو يحتال في باطل حتى يوهم انه حق أو يحتال في شئ حتى يدخل فيه شبهة وأما ما كان على السبيل الذي قلنا فلا بأس بذلك.
قالوا وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} قال: غير واحد من المفسرين: مخرجاً مما ضاق على الناس ولا ريب أن هذه الحيل مخارج مما ضاق على الناس ألا ترى أن الحالف يضيق عليه إلزام ما حلف عليه فيكون له بالحيلة مخرج منه.
وكذلك الرجل تشتد به الضرورة إلى نفقة ولا يجد من يقرضه فيكون له من هذا الضيق مخرج بالعينة والتورق ونحوهما فلو لم يفعل ذلك لهلك ولهلكت عياله والله تعالى لا يشرع ذلك ولا يضيق عليه شرعه الذي وسع جميع خلقه فقد دار أمره بين ثلاثة لا بد له من واحد منها إما إضاعة نفسه وعياله وإما الربا صريحا وإما المخرج من هذا الضيق بهذه الحيلة فأوجدونا أمرا رابعا نصير إليه وكذلك الرجل ينزعه الشيطان فيقع به الطلاق فيضيق عليه جدا مفارقة امرأته وأولاده وخراب بيته فكيف ينكر في حكمة الله ورحمته أن نتحيل له بحيلة تخرجه من هذا الاصر والغل وهل الساعي في ذلك إلا مأجور غير مأزور كما قاله إمام الظاهرية في وقته أبو محمد بن حزم وأبو ثور وبعض أصحاب أبي حنيفة وحملوا أحاديث التحريم على ما إذا شرط في صلب العقد انه نكاح تحليل؟
قالوا وقد روى عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين قال: أرسلت امرأة إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها فأمره عمر بن الخطاب رضى الله عنه ان يقيم معها ولا يطلقها وأوعده ان يعاقبه ان طلقها فهذا امير المؤمنين قد صحح نكاحه ولم يأمره باستئنافه وهو حجة في صحة نكاح المحلل والنكاح بلا ولى.
وذكر عبد الرزاق عن معمر عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان لا يرى بأسا بالتحليل إذا لم يعلم أحد الزوجين قال: ابن حزم وهو قول سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد.
وصح عن عطاء فيمن نكح امرأة محللا ثم رغب فيها فأمكسها فقال لا بأس بذلك.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:43 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع السبت 07 مايو 2016, 5:43 pm | |
| وقال الشعبي لا بأس بالتحليل إذا لم يأمر به الزوج.
وقال الليث بن سعد إن تزوجها ثم فارقها لترجع إلى زوجها ولم يعلم المطلق ولا هي بذلك وإنما كان ذلك إحسانا منه فلا بأس ان ترجع إلى الأول فإن بين الثاني ذلك للأول بعد دخوله بها لم يضره.
وقال الشافعي وأبو ثور المحلل الذي يفسد نكاحه هو الذي يعقد عليه في نفس عقد النكاح انه إنما يتزوجها ليحلها ثم يطلقها فأما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح فعقده صحيح لا داخلة فيه سواء شرط ذلك عليه قبل العقد أو لم يشرط نوى ذلك أو لم ينوه قال: ابو ثور: وهو مأجور. وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف وعن أبي حنيفة مثل هذا سواء وروى أيضا محمد وابو يوسف عن أبي حنيفة إذا نوى الثاني وهي تحليلها للأول لم تحل له بذلك.
وروى الحسن بن زياد عن زفر وأبي حنيفة انه إن اشترط عليه في نفس العقد أنه إنما تزوجها ليحلها للأول فإنه نكاح صحيح ويبطل الشرط وله ان يقيم معها فهذه ثلاث روايات عن أبي حنيفة.
قالوا وقد قال الله تعالى: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} وهذا زوج وقد عقد بمهر وولى ورضاها وخلوها من الموانع الشرعية وهو راغب في ردها إلى الأول فيدخل في حديث ابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا نكاح إلا نكاح رغبة وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم" كما امر الله تعالى بقوله: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} والنبي صلى الله عليه وسلم إنما شرط في عودها إلى الأول مجرد ذوق العسيلة بينهما وغيا الحل بذلك فقال لا حتى تذوق عسيلته ويذوق عسيلتها فإذا تذاوقا العسيلة حلت له بالنص.
قالوا وأما نكاح الدلسة فنعم هو باطل ولكن ما هو نكاح الدلسة فلعله أراد به أن تدلس له المرأة بغيرها أو تدلس له انها انقضت عدتها ولم تنقض لتستعجل عودها إلى الأول.
وأما لعنه للمحلل فلا ريب انه صلى الله عليه وسلم لم يرد كل محلل ومحلل له فإن الولى محلل لما كان حراما قبل العقد والحاكم المزوج محلل بهذا الاعتبار والبائع لأمته محلل للمشتري وطأها فإن قلنا العام إذ خص صار مجملا بطل الاحتجاج بالحديث وإن قلنا هو حجة فيما عدا محل التخصيص فذلك مشروط ببيان المراد منه ولسنا ندري المحلل المراد من هذا النص أهو الذي نوى التحليل أو شرطه قبل العقد أو شرطه في صلب العقد أو الذي احل ما حرمه الله ورسوله ووجدنا كل من تزوج مطلقة ثلاثا فإنه محلل ولو لم يشترط التحليل ولم ينوه فإن الحل حصل بوطئه وعقده ومعلوم قطعا أنه لم يدخل في النص فعلم ان النص إنما أراد به من أحل الحرام بفعله أو عقده ونحن وكل مسلم لا نشك في أنه أهل للعنه الله وأما من قصد الاحسان إلى أخيه المسلم ورغب في جمع شمله بزوجته ولم شعثه وشعث أولاده وعياله فهو محسن وما على المحسنين من سبيل فضلا عن ان تلحقهم لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قواعد الفقه وأدلته لا تحرم مثل ذلك فإن هذه العقود التي لم يشترط المحرم في صلبها عقود صدرت من أهلها في محلها مقرونة بشروطها فيجب الحكم بصحتها لأن السبب هو الايجاب والقبول وهما تامان وأهلية العاقد لا نزاع فيها ومحلية العقد قابلة فلم يبق إلا القصد المقرون بالعقد ولا تأثير له في بطلان الاسباب الظاهرة لوجوه أحدها أن المحتال مثلا إنما قصد الربح الذي وضعت له التجارة وإنما لكل امرئ ما نوى فإذا حصل له الربح حصل له مقصوده وقد سلك للطريق المفضية اليه في ظاهر الشرع والمحلل غايته انه قصد الطلاق ونواه اذا وطيء المرأة وهو مما ملكه الشارع إياه فهو كما لو نوى المشتري إخراج المبيع عن ملكه إذا اشتراه وسر ذلك أن السبب مقتض لتأبد الملك والنية لا تغير موجب السبب حتى يقال إن النية توجب تأقيت العقد وليست هي منافية لموجب العقد فإن له أن يطلق ولو نوى بعقد الشراء إتلاف المبيع وإحراقه أو إغراقه لم يقدح في صحة البيع فنية الطلاق اولى.
وايضا فالقصد لا يقدح في اقتضاء السبب لحكمه لأنه خارج عما يتم به العقد ولهذا لو اشترى عصيرا ومن نيته ان يتخذه خمرا أو جارية ومن نيته ان يكرهها على البغاء أو يجعلها مغنية أو سلاحا ومن نيته ان يقتل به معصوما فكل ذلك لا أثر له في صحة البيع من جهة انه منقطع عن السبب فلا يخرج السبب عن اقتضاء حكمه.
وقد ظهر بهذا الفرق بين هذا العقد وبين الاكراه فإن الرضا شرط في صحة العقد والإكراه ينافى الرضا وظهر أيضا الفرق بينه وبين الشرط المقارن فإن الشرط المقارن يقدح في مقصود العقد فغاية الأمر ان العاقد قصد محرما لكن ذلك لا يمنع ثبوت الملك كما لو تزوجها ليضار بها امرأة له أخرى ومما يؤيد ما ذكرناه ان النية إنما تعمل في اللفظ المحتمل للمنوى وغيره مثل الكنايات ومثل ان يقول اشتريت كذا فإنه يحتمل ان يشتريه لنفسه ولموكله فإذا نوى احدهما صح فاذا كان السبب ظاهرا متعينا لمسببه لم يكن للنية الباطنة أثر في تغيير حكمه.
يوضحه ان النية لا تؤثر في اقتضاء الاسباب الحسية والعقلية المستلزمة لمسبباتها ولا تؤثر النية في تغييرها.
يوضحه ان النية إما ان تكون بمنزلة الشرط أو لا تكون فإن كانت بمنزلة الشرط لزم انه اذا نوى ان لا يبيع ما اشتراه ولا يهبه ولا يتصرف فيه أو نوى ان يخرجه عن ملكه أو نوى ان لا يطلق الزوجة أو يبيت عندها كل ليلة أو لا يسافر عنها بمنزلة ان يشترط ذلك في العقد وهو خلاف الإجماع وان لم تكن بمنزلة الشرط فلا تأثير له حينئذ.
وأيضا فنحن لنا ظواهر الامور والى الله سرائرها وبواطنها ولهذا يقول الرسل لربهم تعالى يوم القيامة إذ سألهم: {مَاذَا أُجِبْتُمْ} فيقولون: {لا عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوب} كان لنا ظواهرهم وأما ما انطوت عليه ضمائرهم وقلوبهم فأنت العالم به. قالوا فقد ظهر عذرنا وقامت حجتنا فتبين أنا لم نخرج فيما أصلناه من اعتبار الظاهر وعدم الالتفات إلى القصود في العقود وإلغاء الشروط المتقدمة الخالي عنها العقد والتحيل على التخلص من مضايق الايمان وما حرمه الله ورسوله من الربا وغيره عن كتاب ربنا وسنة نبينا وأقوال السلف الطيب.
ادعاء أن في مذاهب الأئمة تجويزاً للحيل: ولنا بهذه الاصول رهن عند كل طائفة من الطوائف المنكرة علينا فلنا عند الشافعية رهون كثيرة في عدة مواضيع وقد سلموا لنا ان الشرط المتقدم على العقد ملغى وسلموا لنا ان القصود غير معبرة في العقود وسلموا لنا جواز التحيل على إسقاط الشفعة وقالوا يجوز التحيل على بيع المعدوم من الثمار فضلا عما لم يبد صلاحه بأن يؤجره الارض ويساقيه على الثمر من كل الف جزء على جزء وهذا نفس الحيلة على بيع الثمار قبل وجودها فكيف تنكرون علينا التحيل على بيعها قبل بدو صلاحها وهل مسألة العينة إلا ملك باب الحيل وهم يبطلون الشركة بالعروض ثم يقولون الحيلة في جوازها ان يبيع كل منهما نصف عرضه لصاحبه فيصيران شريكين حينئذ بالفعل ويقولون لا يصح تعليق الوكالة بالشرط والحيلة على جوازها ان يوكله الآن ويعلق تصرفه بالشرط وقولهم في الحيل على عدم الحنث بالمسألة السريجية معروف وكل حيلة سواه محلل بالنسبة اليه فإن هذه المسألة حيلة على ان يحلف دائما بالطلاق ويحنث ولا يقع عليه الطلاق ابدا.
وأما المالكية فهم من أشد الناس إنكارا علينا للحيل وأصولهم تخالف أصولنا في ذلك إذ عندهم أن الشرط المتقدم كالمقارن والشرط العرفي كاللفظي والقصود في العقود معتبرة والذرائع يجب سدها والتغرير الفعلي كالتغرير القولى وهذه الاصول تسد باب الحيل سدا محكما ولكن قد علقنا لهم برهون نطالبهم بفكاكها أو بموافقتهم لنا على ما أنكروه علينا فجوزوا التحيل على إسقاط الشفعة وقالوا لو تزوجها ومن نيته ان يقيم معها سنة صح النكاح ولم تعمل هذه النية في فساده.
وأما الحنابلة فبيننا وبينهم معترك النزال في هذه المسائل فإنهم هم الذين شنوا علينا الغارات ورمونا بكل سلاح من الاثر والنظر ولم يراعوا لنا حرمة ولم يرقبوا فينا إلا ذمة وقالوا لو نصب شباكا للصيد قبل الاحرام ثم اخذ ما وقع فيها حال الاحرام بعد الحل جاز ويالله العجب أي فرق بين هذه الحيلة وحيلة اصحاب السبت على الحيتان وقالوا لو نوى الزوج الثاني ان يحلها للأول ولم يشترط ذلك جاز وحلت له لأنه لم يشترط ذلك في العقد وهذا تصريح بأن النية لا تؤثر في العقد وقالوا لو تزوجها ومن نيته ان يقيم معها شهرا ثم يطلقها صح العقد ولم تكن نية التوقيت مؤثرة فيه وكلامهم في باب المخارج من الايمان بأنواع الحيل معروف وعنا تلقوه ومنا أخذوه وقالوا لو حلف ان لا يشتري منه ثوبا فاتهبه منه وشرط له العوض لا يحنث.
وقالوا بجواز مسألة التورق وهي شقيقة مسألة العينة فأي فرق بين مصير السلعة إلى البائع وبين مصيرها إلى غيره بل قد يكون عودها إلى البائع أرفق بالمشتري وأقل كلفة عليه وأرفع لخسارته وتعنيه فكيف تحرمون الضرر اليسير وتبيحون ما هو أعظم منه والحقيقة في الموضوعين واحدة وهي عشر وبينهما حريرة رجعت في إحدى الصورتين إلى مالكها وفي الثانية إلى غيره؟.
وقالوا لو حلف بالطلاق لا يتزوج عبده بأمته أبدا ثم أراد تزويجه بها ولا يحنث فإنه يبيع العبد والجارية من رجل ثم يزوجهما المشتري ثم يستردهما منه قال القاضي: "وهذا غير ممتنع على اصلنا لان عقد النكاح قد وجد في حال زوال ملكه عنهما ولا يتعلق الحنث باستدامة العقد بعد ان ملكهما لان التزويج عبارة عن العقد وقد انقضى وإنما بقى حكمه فلم يحنث باستدامة حكمه".
وقالو لو كان له عليه مال وهو محتاج فأحب أن يدعه له من زكاته فالحيلة ان يتصدق عليه بذلك القدر ثم يقبضه منه ثم قالوا: فإن كان له شريك فيه فخاف ان يخاصمه فيه فالحيلة ان يهب المطلوب للطالب مالا بقدر حصة الطالب مما له عليه ويقبضه منه للطالب ثم يتصدق الطالب على المطلوب بما وهبه له ويحتسب بذلك من زكاته ثم يهب المطلوب ماله عليه من الدين ولا يضمن الطالب لشريكه شيئا لأن هبة الدين لمن في ذمته براءة واذا أبرأ احد الشريكين الغريم من نصيبه لم يضمن لشريكه شيئا وإنما يضمن إذا حصل الدين في ضمانه.
وقالوا لو أجره الارض بأجرة معلومة وشرط عليه ان يؤدي خراجها لم يجز لان الخراج على المالك لا على المستأجر والحيلة في جوازه ان يؤجره إياها بمبلغ يكون زيادته بقدر الخراج ثم يأذن له أن يدفع في خراجها ذلك القدر الزائد على اجرتها قالوا: لانه متى زاد مقدار الخراج على الاجرة حصل ذلك دينا على المستأجر وقد أمره ان يدفعه إلى مستحق الخراج وهو جائز.
وقالوا ونظير هذا أن يؤجره دابة ويشترط علفها على المستأجر لم يجز والحيلة في جوازه هكذا سواء يزيد الأجرة ويوكله ان يعلف الدابة بذلك القدر الزائد.
وقالوا لا يصح استئجار الشجرة للثمرة والحيلة في ذلك ان يؤجره الارض ويساقيه على الثمرة من كل الف جزء جزء مثلا.
وقالوا لو وكله ان يشتري له جارية معينة بثمن معين دفعه اليه فلما رآها أراد شراءها لنفسه وخاف ان يحلفه انه انما اشتراها بمال الموكل له وهو وكيله فالوجه ان يعزل نفسه عن الوكالة ثم يشتريها بثمن في ذمته ثم ينقد ما معه من الثمن ويصير لموكله في ذمته نظيره.
قالوا واما نحن فلا تأتي هذه الحيلة على أصولنا لأن الوكيل لا يملك عزل نفسه إلا بحضرة موكله.
قالوا وقد قالت الحنابلة أيضا لو أراد إجارة أرض له فيها زرع لم يجز والحيلة في جوازه ان يبيعه الزرع ثم يؤجره الارض فإن أراد بعد ذلك ان يشتري منه الزرع جاز.
وقالوا لو شرط رب المال على المضارب ضمان مال المضاربة لم يصح والحيلة في صحته ان يقرضه المال في ذمته ثم يقبضه المضارب منه فإذا قبضه دفعه إلى مالكه الأول مضاربة ثم يدفعه رب المال إلى المضارب بضاعة فإن نوى فهو من ضمان المضارب لأنه قد صار مضمونا عليه بالقرض فتسليمه إلى رب المال مضاربة كتسليم مال له آخر وحيلة أخرى وهي ان يقرض رب المال المضارب ما يريد دفعه اليه ثم يخرج من عنده درهما واحدا فيشاركه على ان يعملا بالمالين جميعا على ان ما رزقه الله فهو بينهما نصفين فإن عمل أحدهما بالمال بإذن صاحبه فربح كان الربح بينهما على ما شرطاه وان خسر كان الخسران على قدر المالين وعلى رب المال بقدر الدرهم وعلى المضارب بقدر رأس المال وإنما جاز ذلك لان المضارب هو الملزم نفسه الضمان بدخوله في القرض.
وقالوا لاتجوز المضاربة على العرض فإن كان عنده عرض فأراد ان يضارب عليه فالحيلة في جوازه ان يبيعه العرض ويقبض ثمنه فيدفعه اليه مضاربة ثم يشتري المضارب ذلك المتاع بالمال.
وقالوا: لو حلفته امرأته ان كل جارية يشتريها فهى حرة فالحيلة في جواز الشراء ولا تعتق ان يعنى بالجارية السفينة ولا تعتق وان لم تحضره هذه النية وقت اليمين فالحيلة ان يشتريها صاحبه ويهبه اياها ثم يهبه نظير الثمن وقالوا لو حلفته ان كل امرأة يتزوجها عليها فهى طالق وخاف من هذه اليمين عند من يصحح هذا التعليق فالحيلة ان ينوي كل امرأة أتزوجها على طلاقك أي يكون طلاقك صداقها أو كل امرأة أتزوجها على رقبتك أي تكون رقبتك صداقها فهى طالق فلا يحنث بالتزويج على غير هذه الصفة.
وقالوا لو أراد ان يصرف دنانير بدارهم ولم يكن عند الصيرفي مبلغ الدراهم وأراد ان يصبر عليها بالباقي لم يجز والحيلة فيه ان يأخذ ما عنده من الدراهم بقدر صرفه ثم يقرضه إياها فيصرف بها الباقي فإن لم يوف فعل ذلك مرارا حتى يستوفى صرفه ويصير ما أقرضه دينا عليه لا انه عوض الصرف. وقالوا لو أراد ان يبيعه دراهم بدنانير إلى اجل لم يجز والحيلة في ذلك ان يشتري منه متاعا وينقده ثمنه ويقبض المتاع ثم يشتري البائع منه ذلك المتاع بدنانيرالى أجل والتأجيل جائز في ثمن المتاع.
وقالوا لو مات رب المال بعد ان قبض المضارب المال انتقل إلى ورثته فلو اشترى المضارب به بعد ذلك متاعا ضمن لانه تصرف بعد بطلان الشركة والحيلة في تخلص المضارب من ذلك ان يشهد رب المال ان حصته من المال الذي دفعه اليه مضاربة لولده وانه مقارض إلى هذا الشريك بجميع ما تركه وأمره ان يشتري لولده ما أحب في حياته وبعد وفاته فيجوز ذلك لان المانع منه كونه متصرفا في ملك الغير بغير وكالة ولا ولاية فإذا أذن له في التصرف برئ من الضمان وان كانت هذه الحيلة انما تتم اذا كان الورثة اولادا صغارا.
وقالوا لو صالح عن المؤجل ببعضه حالا لم يصح والحيلة في تصحيحه ان يفسخا العقد الذي وقع على المؤجل ويجعلاه بذلك القدر الحال.
وقالوا لو لبس المتوضيء أحد الخفين قبل غسل الرجل الاخرى ثم غسل الاخرى ولبس عليها لم يجز المسح لأنه لم يلبس على كمال الطهارة والحيلة في جواز المسح ان يخلع هذه الفردة الثانية ثم يلبسها.
قالوا: ولو أوصى لرجل بخدمة عبده أو بما في بطن أمته جاز فلو أراد الورثة شراء خدمة العبد أو ما في بطن الامة من الموصى له لم يجز والحيلة في جوازه ان يصالحوه عن الموصى به على ما يبذلونه له فيجوز وإن لم يجز البيع فإن الصلح يجوز فيه ما لا يجوز في البيع.
قالوا ولا يجوز الشركة بالعروض فإن كان لاحدهما عرض يساوي خمسة آلاف درهم وللآخر عرض يساوي الفا فأحبا ان يشتركا في العرضين فالحيلة ان يشتري صاحب العرض الذي قيمته خمسة آلاف من الآخر خمسة أسداس عرضه بسدس عرضه هو فيصير للذي يساوي عرضه ألفا سدس جميع المال وللآخر خمسة أسداسه لأن جميع ماليهما ستة آلاف وقد حصل كل واحد من العرضين بهذه الشركة بينهما أسداسا خمسة أسداسه لاحدهما وسدسه للآخر فإذا هلك احدهما هلك على الشركة قالوا: ولا تقبل شهادة الموكل لموكله فيما هو وكيله فيه فلو لم يكن له شاهد غيره وخاف ضياع حقه فالحيلة ان يعزله حتى يشهد له ثم يوكله بعد ذلك إن أراد.
قالوا ولو أعتق عبده في مرضه وثلثه يحتمله وخاف عليه من الورثة ان يجحدوا المال ويرثوا ثلثيه فالحيلة ان يدفع اليه مالا يشتري نفسه منه بحضرة شهود ويشهدون انه قد اقبضه المال وصار العبد حرا.
قالوا وكذلك الحيلة لو كان لاحد الورثة دين على الموروث وليست له به بينة فأراد بيعه العبد بدينه الذي له عليه فعل مثل ذلك سواء.
قالو ولو قال: أوصيت إلى فلان وان لم يقبل فإلى فلان وخاف ان تبطل الوصية على مذهب من لا يرى جواز تعليق الولاية بالشرط فالحيلة أن يقول فلان وفلان وصيان فإن لم يقبل أحدهما وقبل الآخر فالذي قبل هو الوصي فيجوز على قول الجميع لانه لم يعلق الولاية بالشرط.
قالوا ولو أراد ذمى ان يسلم وعنده حمر كثير فخاف ان يذهب عليه بالاسلام فالحيلة ان يبادر ببيعها من ذمى آخر ثم يسلم فإنه يملك تقاضيه بعد الاسلام فإن بادر الآخر وأسلم لم يسقط عنه ذلك وقد نص عليه الامام احمد في مجوسي باع مجوسيا خمرا ثم أسلما يأخذ الثمن قد وجب له يوم باعه
قال أرباب الحيل: فهذا رهن الفرق عندنا بأنهم قالوا: بالحيل وأوصوا بها فماذا تنكرون علينا بعد ذلك وتشنعون ومثالنا ومثالهم في ذلك كقوم وجدوا كنزا فأصاب كل منهم طائفة منه في يديه فمستقل ومستكثر ثم أقبل بعض الآخذين ينقم على بقيتهم وما أخذه من الكنز في يديه فليرم بما أخذ منه ثم لينكر على الباقين وحرم المحارم واوجب الحقوق رعاية لمصالح العباد في المعاش والمعاد وجعل شريعته الكاملة قياما للناس وغذاء لحفظ حياتهم ودواء لدفع أدوائهم وظله الظليل الذي من استظل به امن من الحرور وحصنه الحصين الذي من دخله نجا من الشرور فتعالى شارع هذه الشريعة الفائقة لكل شريعة ان يشرع فيها الحيل التي تسقط فرائضه وتحل محارمه وتبطل حقوق عباده ويفتح للناس ابواب الاحتيال وانواع المكر والخداع وان يبيح التوصل بالاسباب المشروعة إلى الامور المحرمة الممنوعة وان يجعلها مضغة لافواه المحتالين عرضة لاغراض المخادعين الذين يقولون مالا يفعلون ويظهرون خلاف ما يبطنون ويرتكبون العبث الذي لا فائدة فيه سوى ضحكة الضاحكين وسخرية الساخرين فيخادعون الله كما يخادعون الصبيان ويتلاعبون بحدوده كتلاعب المجان فيحرمون الشيء ثم يستحلونه إياه بعينه بأدنى الحيل ويسلكون إليه نفسه طريقا توهم أن المراد غيره وقد علموا أنه هو المراد لا غيره ويسقطون الحقوق التي وصى الله بحفظها وأدائها بأدنى شيء ويفرقون بين متماثلين من كل وجه لاختلافهما في الصورة أو الاسم أو الطريق الموصل اليهما ويستحلون بالحيل ما هو أعظم فسادا مما يحرمونه ويسقطون بها ما هو أعظم وجوبا مما يوجبونه.
والحمد لله الذي نزه شريعته عن هذا التناقض والفساد وجعلها كفيلة وافية بمصالح خلقه في المعاش والمعاد وجعلها من أعظم آياته الدالة عليه ونصبها طريقا مرشدا لمن سلكه اليه فهو نوره المبين وحصنه الحصين وظله الظليل وميزانه الذي لا يعول لقد تعرف بها إلى الباء عباده غاية التعرف وتحبب بها اليهم غاية الحبب فأنسوا بها منه حكمته البالغة وتمت بها عليهم منه نعمه السابغة ولا إله إلا الله الذي في شرعه أعظم آية تدل على تفرده بالإلهية وتوحده بالربوبية وانه الموصوف بصفات الكمال المستحق لنعوت الجلال الذي له الاسماء الحسنى والصفات العلى وله المثل الاعلى فلا يدخل السوء في أسمائه ولا النقص والعيب في صفاته ولا العبث ولا الجور في أفعاله بل هو منزه في ذاته واوصافه وافعاله وأسمائه عما يضاد كماله بوجه من الوجوه وتبارك اسمه وتعالى جده وبهرت حكمته وتمت نعمته وقامت على عباده حجته والله أكبر كبيرا أن يكون في شرعه تناقض واختلاف فلو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا بل هي شريعة مؤتلمة النظام متعادلة الاقسام مبرأة من كل نقص مطهرة من كل دنس مسلمة لا شية فيها مؤسسة على العدل والحكمة والمصلحة والرحمة قواعدها ومبانيها إذا حرمت فسادا حرمت ما هو أولى منه أو نظيره وإذا رعت صلاحا رعت ما هو فوقه أو شبهه فهى صراطه المستقيم الذي لا أمت فيه ولا عوج وملته الحنيفية السمحة التي لا ضيق فيها ولا حرج بل هي حنيفية التوحيد سمحة العمل لم تأمر بشيء فيقول العقل لو نهت عنه لكان أوفق ولم تنه عن شيء فيقول الحجى لو أباحته لكان أرفق بل أمرت بكل صلاح ونهت عن كل فساد وأباحت كل طيب وحرمت كل خبيث فأوامرها غذاء ودواء ونواهيها حمية وصيانة وظاهرها زينة لباطنها وباطنها أجمل من ظاهرها شعارها الصدق وقوامها الحق وميزانها العدل وحكمها الفضل لا حاجة بها ألبتة إلى ان تكمل بسياسة ملك أو رأي ذي رأي أو قياس فقيه أو ذوق ذي رياضة أو منام ذي دين وصلاح بل لهؤلاء كلهم أعظم الحاجة إليها ومن وفق منهم للصواب فلاعتماده وتعويله عليها فقد أكملها الذي أتم نعمته علينا بشرعها قبل سياسات الملوك وحيل المتحيلين وأقيسة القياسيين وطرائق الخلافيين وأين كانت هذه الحيل والاقيسة والقواعد المتناقضة والطرائق القدد وقت نزول قوله اليوم كملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا واين كانت يوم قوله صلى الله عليه وسلمك "لقد تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدى إلا هالك" ويم قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت من شيء يقربكم من الجنة ويباعدكم عن النار إلا أعلمتكموه وأين كانت" عند قول أبي ذر: "لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علما" وعند قول القائل لسلمان لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة فقال أجل فأين علمهم الحيل والمخادعة والمكر وأرشدهم إليه ودلهم عليه كلا والله بل حذرهم أشد التحذير واوعدهم عليه أشد الوعيد وجعله منافيا للإيمان وأخبر عن لعنة اليهود لما أربتكبوه وقال لأمته لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله تعالى بأدنى الحيل وأغلق أبواب المكر والاحتيال وسد الذرائع وفصل الحلال من الحرام وبين الحدود وقسم شريعته إلى حلال بين وحرام بين وبرزخ بينهما فأباح الاول وحرم الثاني وحض الامة على اتقاء الثالث خشية الوقوع في الحرام وقد اخبر الله تعالى عن عقوبة المحتالين على حل ما حرمه عليهم وإسقاط ما فرضه عليهم في غير موضع من كتابه. قال ابو بكر الآجرى وقد ذكر بعض الحيل الربوية التي يفعلها الناس:
"لقد مسخ اليهود قردة بدون هذا" وصدق والله لآكل حوت صيد يوم السبت أهون عند الله واقل جرما من آكل الربا الذي حرمه الله بالحيل والمخادعة ولكن كما قال: الحسن عجل لأولئك عقوبة تلك الاكلة الوخيمة وأرجئت عقوبة هؤلاء.
وقال الامام ابو يعقوب الجوزجاني وهل اصاب الطائفة من بني إسرائيل المسخ إلا باحتيالهم على أمر الله بأن حفروا الحفائر على الحيتان في يوم سبتهم فمنعوها الانتشار يومها إلى الاحد فأخذوها وكذلك السلسلة التي كانت تأخذ بعنق الظالم فاحتال لها صاحب الدرة إذ صيرها في قصبة ثم دفع القصبة إلى خصمه وتقدم إلى السلسلة ليأخذها فرفعت.
وقال بعض الأئمة: في هذه القصة مزجرة عظيمة للمتعاطين الحيل على المناهى الشرعية ممن تلبس بعلم الفقه وليس بفقيه إذ الفقيه من يخشى الله عزوجل في الربويات واستعارة التيس الملعون لتحليل المطلقات وغير ذلك من العظائم والمصائب التي لو اعتمدها مخلوق مع مخلوق لكان في نهاية القبح فكيف بمن يعلم السر وأخفى الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور وقال وإذا وازن اللبيب بين حيلة اصحاب السبت والحيل التي يتعاطاها أرباب الحيل في كثير من الابواب ظهر له التفاوت ومراتب المفسدة التي بينها وبين هذه الحيل فإذا عرف قدر الشرع وعظمة الشارع وحكمته وما اشتمل عليه شرعه من رعاية مصالح العباد تبين له حقيقة الحال وقطع بأن الله تعالى يتنزه ويتعالى ان يشرع لعباده نقض شرعه وحكمته بأنواع الخداع والاحتيال.
فصل: الرد على مبطلى الحيل تفصيلاً قالوا ونحن نذكر ما تمسكتم به في تقرير الحيل والعمل بها ونبين ما فيه متحرين للعدل والانصاف منزهين لشريعة الله وكتابه وسنة رسوله عن المنكر والخداع والاحتيال المحرم ونبين انقسام الحيل والطرق إلى ما هو كفر محض وفسق ظاهر ومكروه وجائز ومستحب وواجب عقلا أو شرعا ثم نذكر فصلا نبين فيه التعويض بالطرق الشرعية عن الحيل الباطلة فنقول وبالله التوفيق وهو المستعان وعليه التكلان.
قصة أيوب: أما قوله تعالى لنبيه ايوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} فقال شيخنا الجواب ان هذا ليس مما نحن فيه فإن للفقهاء في موجب هذه اليمين في شرعنا قولين يعنى إذا حلف ليضربن عبده أو امرأته مائة ضربة احدهما قول من يقول موجبها الضرب مجموعا أو مفرقا ثم منهم من يشترط مع الجمع الوصول إلى المضروب فعلى هذا تكون هذه الفتيا موجب هذا اللفظ عند الإطلاق وليس هذا بحيلة إنما الحيلة ان يصرف اللفظ عن موجبه عند الاطلاق.
والقول الثاني أن موجبه الضرب المعروف وإذا كان هذا موجبه في شرعنا لم يصح الاحتجاج علينا بما يخالف شرعنا من شرائع من قبلنا لأنا إن قلنا ليس شرعا لنا مطلقا فظاهر وإن قلنا هو شرع لنا فهو مشروط بعدم مخالفته لشرعنا وقد انتفى الشرط.
وأيضاً: فمن تأمل الآية علم أن هذه الفتيا خاصة الحكم فإنها لو كانت عامة الحكم في حق كل أحد لم يخف على نبي كريم موجب يمينه ولم يكن في اقتصاصها علينا كبير عبرة فإنما يقص ما خرج عن نظائره لنعتبر به ونستدل به على حكمة الله فيما قصه علينا أما ما كان هو مقتضى العادة والقياس فلا يقص ويدل على الاختصاص قوله تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً} وهذه الجملة خرجت مخرج التعليل كما في نظائرها فعلم أن الله سبحانه وتعالى إنما أفتاه بهذا جزاء له على صبره وتخفيفا عن امرأته ورحمة بها لا ان هذا موجب هذه اليمين وايضا فإن الله سبحانه وتعالى إنما أفتاه بهذه الفتيا لئلا يحنث كما أخبر تعالى.
وهذا يدل على ان كفارة الايمان لم تكن مشروعة بتلك الشريعة بل ليس في اليمين إلا البر والحنث كما هو ثابت في نذر التبرر في شريعتنا وكما كان في اول الاسلام قالت عائشة رضى الله عنه لم يكن ابو بكر يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين فدل على انها لم تكن مشروعة في اول الاسلام وإذا كان كذلك صار كأنه قد نذر ضربها وهو نذر لا يجب الوفاء به لما فيه من الضرر عليها ولا يغنى عنه كفارة يمين لان تكفير النذر فرع عن تكفير اليمين فإذا لم تكن كفارة النذر إذ ذاك مشروعة فكفارة اليمين أولى وقد علم ان الواجب بالنذر يحتذى به حذو الواجب بالشرع وإذا كان الضرب الواجب بالشرع يجب تفريقه إذا كان المضروب صحيحا ويجوز جمعه إذا كان المضروب مريضا مأيوسا منه عند الكل أو مريضا على الاطلاق عند بعضهم كما ثبتت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاز أن يقام الواجب بالنذر مقام ذلك عند العذر.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:44 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع السبت 07 مايو 2016, 5:59 pm | |
| وقد كانت امرأة ايوب عليه السلام ضعيفة عن احتمال مائة الضربة التي حلف ان يضربها إياها وكانت كريمة على ربها فخفف عنها برحمته الواجب باليمين بأن أفتاه بجمع الضربات بالضغث كما خفف عن المريض الا ترى ان السنة قد جاءت فيمن نذر الصدقة بجميع ماله أنه يجزيه الثلث فأقام الثلث في النذر مقام الجميع رحمة بالناذر وتخفيفا عنه كما اقيم مقامه في الوصية رحمة بالوارث ونظرا له وجاءت السنة فيمن نذرت الحج ماشية ان تركب وتهدى إقامة لترك بعض الواجب بالنذر مقام ترك الواجب بالشرع في المناسك عند العجز عنه كطواف الوداع عن الحائض وأفتى ابن عباس وغيره من نذر ذبح ابنه بشاة إقامة لذبح الشاة مقام ذبح الابن كما شرع ذلك للخليل.
وأفتى أيضا من نذر أن يطوف على أربع بأن يطوف أسبوعين إقامة لإحد الاسبوعين مقام طواف اليدين وأفتى أيضا هو وغيره من الصحابة رضى الله عنهم المريض الميئوس منه والشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصوم بأن يفطرا ويطعما كل يوم مسكينا إقامة للإطعام مقام الصيام وأفتى أيضا هو وغيره من الصحابة الحامل والمرضع إذا خافتا على ولديهما أن تفطرا وتطعما كل يوم مسكينا إقامة للإطعام مقام الصيام وهذا كثير جدا وغير مستنكر في واجبات الشريعة ان يخفف الله تعالى الشيء منها عند المشقة بفعل ما يشبهه من بعض الوجوه كما في الأبدال وغيرها.
لكن مثل قصة أيوب لا يحتاج إليها في شرعنا لأن الرجل لو حلف ليضربن أمته أو أمرأته مائة ضربة أمكنه أن يكفر عن يمينه من غير احتياج إلى حيلة وتخفيف الضرب بحمعه ولو نذر ذلك فهو نذر معصية فلا شيء عليه عند طائفة وعند طائفة عليه كفارة يمين وايضا فإن المطلق من كلام الآدميين محمول على ما فسر به المطلق من كلام الشارع خصوصا في الايمان فإن الرجوع فيها إلى عرف الخطاب شرعا أو عادة أولى من الرجوع إلى موجب اللفظ في اصل اللغة والله سبحانه وتعالى قد قال: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} وقال: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} وفهم الصحابة والتابعون ومن بعدهم من ذلك أنه ضربات متعددة متفرقة لا مجموعة إلا أن يكون المضروب معذورا عذرا لا يرجى زواله فإنه يضرب ضربا مجموعا وإن كان يرجى زواله فهل يؤخر إلى الزوال أو يقام عليه مجموعا فيه خلاف بين الفقهاء فكيف يقال إن الحالف ليضربن موجب يمينه هو الضرب المجموع مع صحة المضروب وقوته فهذه الآية هي أقوى ما يعتمد عليه أرباب الحيل وعليها بنوا حيله وقد ظهر بحمد الله أنه لا متمسك لهم فيها ألبتة.
فصل: قصة يوسف وأما إخباره سبحانه وتعالى عن يوسف عليه السلام أنه جعل صواعه في رحل أخيه ليتوصل بذلك إلى أخذه وكيد إخوته.
فنقول لأرباب الحيل: أولا هل تجوزون أنتم مثل هذا حتى يكون حجة لكم وإلا فكيف تحتجون بما لا تجوزون فعله فإن قلتم فقد كان جائزا في شريعته قلنا وما ينفعكم إذا لم يكن جائزا في شرعنا؟
قال شيخنا رضي الله عنه ومما قد يظن أنه من جنس الحيل التي بينا تحريمها وليس من جنسها قصة يوسف حين كاد الله له في أخذ اخيه كما قص ذلك تعالى في كتابه فإن فيه ضروبا من الحيل الحسنة.
أحدها قوله لفتيانه اجعلوا بضاعتهم في رحالهم لعلهم يعرفونها إذا أنقلبوا إلى أهلهم لعلهم يرجعون فإنه تسبب بذلك إلى رجوعهم وقد ذكروا في ذلك معاني منها أنه تخوف ان لا يكون عندهم ورق يرجعون بها ومنها أنه خشى ان يضر اخذ الثمن بهم ومنها انه رأى لوما أخذ الثمن منهم ومنها انه اراهم كرمه في رد البضاعة ليكون ادعى لهم إلى العود ومنها انه علم ان أمانتهم تحوجهم إلى العود ليردوها إليه فهذا المحتال به عمل صالح والمقصود رجوعهم ومجيء اخيه وذلك أمر فيه منفعة لهم ولأبيهم وله وهو مقصود صالح وإنما لم يعرفهم نفسه لأسباب أخر فيها أيضا منفعة لهم وله ولأبيهم وتمام لما أراده الله بهم من الخير في البلاء.
الضرب الثاني انه في المرة الثانية لما جهزهم بجهازهم جعل السقاية في رحل أخيه وهذا القدر تضمن إيهام أن أخاه سارق وقد ذكروا ان هذا كان بمواطأة من أخيه ورضا منه بذلك والحق له في ذلك وقد دل على ذلك قوله تعالى: {وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قال: إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وفيه قولان احدهما أنه عرفه أنه يوسف ووطنه على عدم الابتئاس بالحيلة التي فعلها في أخذه منهم والثاني أنه لم يصرح له بأنه يوسف وانما أراد انى مكان اخيك المفقود فلا تبتئس بما يعاملك به إخوتك من الجفاء.
ومن قال: هذا قال: إنه وضع السقاية في رحل أخيه والاخ لا يشعر ولكن هذا خلاف المفهوم من القرآن وخلاف ما عيله الاكثرون وفيه ترويع لمن لم يستوجب الترويع وأما على القول الأول فقد قال: كعب وغيره لما قال: له إنى أنا اخوك قال: فأنا لا أفارقك قال: يوسف فقد علمت اغتمام والدي بي فإذا حبستك ازداد غمه ولا يمكنني هذا إلا بعد أن اشهرك بأمر فظيع وأنسبك إلى ما لا يحتمل قال: لا أبالي فافعل ما بدا لك فإني لا أفارقك قال: فإنى أدس صواعى هذا في رحلك ثم أنادى عليك بالسرقة ليتهيأ لي ردك قال: فافعل وعلى هذا فهذا التصرف إنما كان بإذن الاخ ورضاه.
ومثل هذا النوع ما ذكر أهل السير عن عدى بن حاتم أنه لما هم قومه بالردة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كفهم عن ذلك وأمرهم بالتربص وكان يأمر ابنه إذا رعى إبل الصدقة ان يبعد فإذ جاء خاصمه بين يدي قومه وهم بضربه فيقومون فيشفعون إليه فيه ويأمره كل ليلة أن يزداد بعدا فلما كان ذات ليلة أمره ان يبعد بها جدا وجعل ينتظره بعد ما دخل الليل وهو يلوم قومه على شفاعتهم ومنعهم إياه من ضربه وهم يعتذرون عن ابنه ولا ينكرون إبطاءه حتى اذا انهار الليل ركب في طلبه فلحقه واستاق الابل حتى قدم بها على أبي بكر رضى الله عنهما فكانت صدقات طئ مما استعان بها ابو بكر في قتال أهل الردة وكذلك في الحديث الصحيح ان عديا قال: لعمر رضي الله عنه أما تعرفني يا أمير المؤمنين قال: بلى اعرفك أسلمت إذ كفروا ووفيت إذ غدروا واقبلت إذ أدبروا وعرفت إذ أنكروا.
ومثل هذا ما أذن فيه النبي صلى الله عليه وسلم للوفد الذين ارادوا قتل كعب ابن الاشرف ان يقولوا وأذن للحجاج بن علاط عام خيبر ان يقول وهذا كله من الاحتيال المباح لكون صاحب الحق قد أذن فيه ورضى به والامر المحتال عليه طاعة لله وامر مباح.
الضرب الثالث أنه أذن مؤذن أيتها العير إنكم لسارقون قالوا: وأقبلوا عليهم ماذا تفقدون قالوا: نفقد صواع الملك ولمن جاء به حمل بعير وانا به زعيم إلى قوله فما جزاؤه إن كنتم كاذبين قالوا: جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه كذلك نجزي الظالمين فبدأ بأوعيتهم قبل وعاء اخيه ثم استخرجها من وعاء أخيه كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله وقد ذكروا في تسميتهم سارقين وجهين أحدهما أنه من باب المعاريض وان يوسف نوى بذلك انهم سرقوه من أبيه حيث غيبوه عنه بالحيلة التي احتالوا عليه وخانوه فيه والخائن يسمى سارقا وهو من الكلام المرموز ولهذا يسمى خونه الدواوين لصوصا والثاني أن المنادى هو الذي قال: ذلك من غير أمر يوسف قال: القاضي ابو يعلى وغيره أمر يوسف بعض أصحابه أن يجعل الصواع في رحل أخيه ثم قال: بعض الموكلين وقد فقدوه ولم يدر من أخذه أيتها الغير إنكم لسارقون على ظن منهم انهم كذلك من غير امر يوسف لهم بذلك أو لعل يوسف قد قال: للمنادى هؤلاء سرقوا وعنى أنهم سرقوه من أبيه والمنادى فهم سرقة الصواع فصدق يوسف في قوله وصدق المنادى وتأمل حذف المفعول في قوله إنكم لسارقون ليصح ان يضمن سرقتهم ليوسف فيتم التعريض ويكون الكلام صدقا وذكر المفعول في قوله نفقد صواع الملك وهو صادق في ذلك فصدق في الجملتين معا تعريضا وتصريحا وتأمل قول يوسف معاذ الله ان نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده ولم يقل إلا من سرق وهو أخصر لفظا تحريا للصدق فإن الاخ لم يكن سارقا بوجه وكان المتاع عنده حقا فالكلام من احسن المعاريض واصدقها.
ومثل هذا قول الملكين لداود عليه السلام خصمان بغى بعضنا على بعض إلى قوله وعزني في الخطاب أي غلبني في الخطاب ولكن تخريج هذا الكلام على المعاريض لا يكاد يتأتى وإنما وجهه أنه كلام خرج على ضرب المثال أي إذا كان كذلك فكيف الحكم بيننا.
ونظير هذا قول الملك للثلاثة الذين أراد الله ان يبليهم مسكين وغريب وعابر سبيل وقد تقطعت بي الحبال ولا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك فأسألك بالذي أعطاك هذا المال بعيرا أتبلغ به في سفري هذا وهذا ليس بتعريض وإنما هو تصريح على وجه ضرب المثال وإيهام أنى أنا صاحب هذه القضية كما أوهم الملكان داود أنهما صاحبا القصة ليتم الامتحان.
ولهذا قال: نصر بن حاجب سئل ابن عيينة عن الرجل يعتذر إلى اخيه من الشيء الذي قد فعله ويحرف القول فيه ليرضيه لم يأثم في ذلك فقال ألم تسمع قوله ليس بكاذب من أصلح بين الناس يكذب فيه فإذا اصلح بينه وبين اخيه المسلم خير من أن يصلح بين الناس بعضهم من بعض وذلك إذا أراد به مرضاة الله وكره أذى المؤمن ويندم على ما كان منه ويدفع شره عن نفسه ولا يريد بالكذب اتخاذ المنزلة عندهم ولا طمعا في شيء يصيب منهم فإنه لم يرخص في ذلك ورخص له إذا كره موجدتهم وخاف عدواتهم.
قال حذيفة إنى أشتري ديني بعضه ببعض مخافة ان أقدم على ما هو أعظم منه قال: سفيان وقال الملكان خصمان بغى بعضنا على بعض أرادا معنى شيء ولم يكونا خصمين فلم يصيرا بذلك كاذبين وقال ابراهيم إنى سقيم وقال بل فعله كبيرهم هذا وقال يوسف إنكم لسارقون فبين سفيان ان هذا من المعاريض المباحة
فصل: استنباط خاطيء من قصة يوسف وقد احتج بعض الفقهاء بقصة يوسف على انه جائز للانسان التوصل إلى اخذ حقه من الغير بما يمكنه الوصول اليه بغير رضا من عليه الحق.
قال شيخنا رضى الله عنه وهذ الحجة ضعيفة فإن يوسف لم يكن يملك حبس أخيه عنده بغير رضاه ولم يكن هذا الاخ ممن ظلم يوسف حتى يقال إنه قد اقتص منه وإنما سائر الإخوة هم الذين كانوا قد فعلوا ذلك نعم تخلفه عنده كان يؤذيهم من أجل تأذى أبيهم والميثاق الذي أخذه عليهم وقد استثنى في الميثاق بقوله إلا أن يحاط بكم وقد أحيط بهم ولم يكن قصد يوسف باحتباس أخيه الانتقام من إخوته فإنه كان أكرم من هذا وكان في ذلك من الإيذاء لأبيه أعظم مما فيه من إيذاء إخوته وإنما هو امر امره الله به ليبلغ الكتاب أجله ويتم البلاء الذي استحق به يعقوب ويوسف قصد القصاص منهم بذلك فليس هذا موضع الخلاف بين العلماء فإن الرجل له أن يعاقب بمثل ما عوقب به وإنما موضع الخلاف هل يجوز له أن يسرق أو يخون من سرقه أو خانه مثل ما سرق منه أو خانه إياه؟
وقصة يوسف لم تكن من هذا الضرب نعم لو كان يوسف أخذ اخاه بغير امره لكان لهذا المحتج شبهة مع أنه لا دلالة في ذلك على هذا التقدير أيضا فإن مثل هذا لا يجوز في شرعنا بالاتفاق وهو ان يحبس رجل برئ ويعتقل للانتقام من غيره من غير ان يكون له جرم ولو قدر ان ذلك وقع من يوسف فلا بد ان يكون بوحي من الله ابتلاء منه لذلك المعتقل كما ابتلى ابراهيم بذبح ابنه فيكون المبيع له على هذا التقدير وحيا خاصا كالوحي الذي جاء ابراهيم بذبح ابنه وتكون حكمته في حق المبتلى امتحانه وابتلاؤه لينال درجة الصبر على حكم الله والرضا بقضائه.
وتكون حاله في هذا كحال أبيه يعقوب في احتباس يوسف عنه وهذا معلوم من فقه القصة وسياقها ومن حال يوسف ولهذا قال: تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} فنسب الله تعالى هذا الكيد إلى نفسه كما نسبه إلى نفسه في قوله: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً} وفي قوله: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً} وفي قوله: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ}.
وقد قيل: إن تسمية ذلك مكرا وكيدا واستهزاء وخداعا من باب الاستعارة ومجاز المقابلة نحو وجزاء سيئة سيئة مثلها ونحو قوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم وقيل وهو اصوب بل تسميته ذلك حقيقة على بابه فإن المكر إيصال الشيء إلى الغير بطريق خفي وكذلك الكيد والمخادعة ولكنه نوعان قبيح وهو إيصال ذلك لمن لا يستحقه وحسن وهو إيصاله إلى مستحقه عقوبة له فالاول مذموم والثاني ممدوح والرب تعالى إنما يفعل من ذلك ما يحمد عليه عدلا منه وحكمة وهو تعالى ياخذ الظالم والفاجر من حيث لا يحتسب لا كما يفعل الظلمة بعباده واما السيئة فهى فيعلة مما يسوء ولا ريب ان العقوبة تسوء صاحبها فهى سيئة له حسنة من الحكم العدل. وإذا عرفت ذلك فيوسف الصديق كان قد كيد غير مرة أولها ان إخوته كادوا به كيدا حيث احتالوا به في التفريق بينه وبين أبيه ثم إن امرأة العزيز كادته بما أظهرت انه راودها عن نفسها ثم اودع السجن ثم إن النسوة كادوه حتى استعاذ بالله من كيدهن فصرفه عنه وقال له يعقوب لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا وقال الشاهد لامرأة العزيز إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم وقال تعالى في حق النسوة: {فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ} وقال الرسول: {فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قال: ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ} فكاد الله له أحسن كيد وألطفه وأعدله بأن جمع بينه وبين اخيه واخرجه من أيدي إخوته بغير اختيارهم كما أخرجوا يوسف من يد أبيه بغير اختياره وكاد له عوض كيد المرأة بأن أخرجه من ضيق السجن إلى فضاء الملك ومكنه في الارض يتبوأ منها حيث يشاء وكاد له في تصديق النسوة اللاتي كذبنه وراودنه حتى شهدن ببراءته وعفته وكاد له في تكذيب امرأة العزيز لنفسها واعترافها بأنها هي التي راودته وانه من الصادقين فهذه عاقبة من صبر على كيد الكائد له بغيا وعدوانا.
فصل: كيد الله على نوعين: وكيد الله تعالى لا يخرج عن نوعين: النوع الاول: احدهما وهو الاغلب: ان يفعل تعالى فعلا خارجا عن قدرة العبد الذي كاد له فيكون الكيد قدرا زائدا محضا ليس هو من باب لا يسوغ كما كاد أعداء الرسل بانتقامه منهم بأنواع العقوبات وكذلك كانت قصة يوسف فإن أكثر ما أمكنه ان يفعل ان القى الصواع في رحل اخيه وان أذن مؤذن بسرقتهم فلما انكروا قال: فما جزاؤه إن كنتم كاذبين أي جزاء السارق أو جزاء السرق قالوا: جزاؤه من وجد في رحله فهو جزاؤه أي جزاؤه نفس السارق يستعبده المسروق منه إما مطلقا وإما إلى مدة وهذه كانت شريعة آل يعقوب ثم في إعراب هذا الكلام وجهان أحدهما ان قوله جزاؤه من وجد في رحله جملة مستقلة قائمة من مبتدأ وخبر وقوله فهو جزاؤه جملة ثانية كذلك مؤكدة للاولى مقرره لها والفرق بين الجملتين ان الاولى إخبار عن استحقاق المسروق لرقبة السارق والثانية إخبار أن هذا جزاؤه في شرعنا وحكمنا فالأولى إخبار عن المحكوم عليه والثانية إخبار عن الحكم وإن كانا متلازمين وإن أفادت الثانية معنى الحصر فإنه لا جزاء له غيره والقول الثاني أن جزاؤه الاول مبتدأ وخبره الجملة الشرطية والمعنى جزاء السارق ان من وجد المسروق في رحله كان هو الجزاء كما تقول جزاء السرقة من سرق قطعت يده وجزاء الاعمال من عمل حسنة فبعشر أو سيئة فبواحدة ونظائره.
قال شيخنا رضى الله عنه وإنما احتمل الوجهين لان الجزاء قد يراد به نفس الحكم باستحقاق العقوبة وقد يراد به نفس فعل العقوبه وقد يراد به نفس الألم الواصل إلى المعاقب والمقصود ان إلهام الله لهم هذا الكلام كيد كاده ليوسف خارج عن قدرته إذ قد كان يمكنهم أن يقولوا لا جزاء عليه حتى يثبت أنه هو الذي سرق فإن مجرد وجوده في رحله لا يوجب ثبوت السرقة وقد كان يوسف عادلا لا يأخذهم بغير حجة وقد كان يمكنهم ان يقولوا يفعل به ما يفعل بالسراق في دينكم وقد كان في دين ملك مصر كما قاله أهل التفسير أن يضرب السارق ويغرم قيمة المسروق مرتين ولو قالوا: ذلك لم يمكنه ان يلزمهم بما لا يلزم به غيرهم ولهذا قال تعالى: {كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} أي ما كان يمكنه أخذه في دين ملك مصر إذ لم يكن في دينه طريق له إلى أخذه وعلى هذا فقوله إلا أن يشاء الله استثناء منقطع أي لكن إن شاء الله اخذه بطريق آخر أو يكون متصلا على بابه أي إلا أن يشاء الله ذلك فيهيء له سببا يؤخذ به في دين الملك من الاسباب التي كان الرجل يعتقل بها
ما يؤخذ من قصة يوسف: فإذا كان المراد من الكيد فعلا من الله بأن ييسر لعبده المؤمن المظلوم المتوكل عليه أمورا يحصل بها مقصوده من الانتقام من الظالم كان هذا خارجا عن الحيل الفقهية فإن كلامنا في الحيل التي يفعلها العبد لا فيما يفعله الله تعالى بل في قصة يوسف تنبيه على بطلان الحيل وان من كاد كيدا محرما فإن الله يكيده ويعامله بنقيض قصده وبمثل عمله وهذه سنة الله في أرباب الحيل المحرمة انه لا يبارك لهم فيما نالوه بهذه الحيل ويهيء لهم كيدا على يد من يشاء من خلقه يجزون به من جنس كيدهم وحيلهم وفيها تنبيه على ان المؤمن المتوكل على الله اذا كاده الخلق فان الله يكيد له وينتصر له بغير حول منه ولا قوة.
وفيها دليل على ان وجود المسروق بيد السارق كاف في إقامة الحد عليه بل هو بمنزل إقراره وهو أقوى من البينة وغاية البينة أن يستفاد منها ظن.
وأما وجود المسروق بيد السارق فيستفاد منه اليقين وبهذا جاءت السنة في وجوب الحد بالحبل والرائحة في الخمر كما اتفق عليه الصحابة والاحتجاج بقصة يوسف على هذا احسن واوضح من الاحتجاج بها على الحيل.
وفيها تنبيه على ان العلم الخفي الذي يتوصل به إلى المقاصد الحسنة مما يرفع الله به درجات العبد لقوله بعد ذلك نرفع درجات من نشاء قال: زيد بن أسلم وغيره بالعلم وقد اخبر تعالى عن رفعه درجات أهل العلم في ثلاثة مواضع من كتابه احدها قوله وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء فأخبر انه يرفع درجات من يشاء بعلم الحجة وقال في قصة يوسف كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا ان يشاء الله نرفع درجات من نشاء فأخبر انه يرفع درجات من يشاء بالعلم الخفي الذي يتوصل به صاحبه إلى المقاصد المحمودة وقال يا أيها الذين آمنوا إذا قيل: لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل: انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين اوتوا العلم درجات فأخبر انه يرفع درجات أهل العلم والايمان.
فصل: النوع الثاني من كيد الله النوع الثاني من كيده لعبده المؤمن: ان يلهمه تعالى امرا مباحا أو مستحبا أو واجبا يوصله به إلى المقصود الحسن فيكون على هذا إلهامه ليوسف ان يفعل ما فعل هو من كيده تعالى أيضا وقد دل على ذلك قوله نرفع درجات من نشاء فإن فيها تنبيها على ان العلم الدقيق الموصل إلى المقصود الشرعي صفة مدح كما ان العلم الذي يخصم به المبطل صفة مدح وعلى هذا فيكون من الكيد ما هو مشروع لكن لا يجوز ان يراد به الكيد الذي تستحل به المحرمات أو تسقط به الواجبات فإن هذا كيد الله والله هو الذي يكيد الكائد ومحال أن يشرع الله تعالى أن يكاد دينه وأيضا فإن هذا الكيد لا يتم إلا بفعل يقصد به غير مقصوده الشرعي ومحال ان يشرع الله لعبده ان يقصد بفعله ما لم يشرع الله ذلك الفعل له فهذا هو الجواب عن احتجاج المتحيلين بقصة يوسف عليه الصلاة والسلام وقد تبين أنها من أعظم الحجج عليهم وبالله التوفيق.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:47 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع السبت 07 مايو 2016, 6:07 pm | |
| فصل: لا دليل مع المحتالين من حديث أبي هريرة وأما حديث أبي هريرة وأبي سعيد بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا فما أصحه من حديث ونحن نتلقاه بالقبول والتسليم والكلام معكم فيه من مقامين احدهما إبطال استدلالكم به على جواز الحيل وثانيهما بيان دلالته على نقيض مطلوبكم إذ هذا شأن كل دليل صحيح احتج به محتج على باطل فإنه لا بد ان يكون فيه ما يدل على بطلان قوله ظاهرا أو إيماء مع عدم دلالته على قوله المطلق والفرق بينه وبين العام:
فأما المقام الاول فنقول غاية ما دل الحديث عليه ان النبي صلى الله عليه وسلم أمره ان يبيع سلعته الاولى بثمن ثم يبتاع بثمنها تمرا آخر ومعلوم قطعا أن ذلك إنما يقتضى البيع الصحيح فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يأذن في العقد الباطل فلا بد ان يكون العقد الذي أذن فيه صحيحا والشأن كل الشأن في العقد المتنازع فيه فلو سلم لكم المنازع صحته لاستغنيتم عن الاستدلال بالحديث ولا يمكن الاستدلال بالحديث على صحته لانه ليس بعام فإن قوله بع مطلق لا عام فهذا البيع لو كان صحيحا متفقا على صحته لم يكن هناك لفظ عام يحتج به على تناوله فكيف وهذا البيع مما قد دلت السنة الصحيحة وأقوال الصحابة والقياس الصحيح على بطلانه كما تقدم؟ ولو اختلف رجلان في بيع هل هو صحيح أو فاسد وأراد كل واحد منهما إدخاله في هذا اللفظ لم يمكنه ذلك حتى يثبت أنه بيع صحيح ومتى أثبت انه بيع صحيح لم يحتج إلى الاستدلال بهذا المطلق فتبين انه لا حجة فيه على صورة من صور النزاع ألبتة.
ونكتة الجواب أن يقال الامر المطلق بالبيع إنما يقتضي البيع الصحيح ومن سلم لكم ان هذه الصورة التي تواطأ فيها البائع والمشتري على الربا وجعل السلعة الدخيلة محللا له غير مقصودة بالبيع بيع صحيح وإذا كان الحديث ليس فيه عموم وإنما هو مطلق والامر بالحقيقة المطلقة ليس امر بشيء من صورها لأن الحقيقة مشتركة بين الافراد والقدر المشترك ليس هو مما يميز به كل واحد من الافراد عن الآخر ولا هو مستلزما له فلا يكون الامر بالمشترك امرا بالمميز بحال وإن كان مستلزما لبعض تلك القيود لا بعينه فيكون عاما لها على سبيل البدل لكن ذلك لا يقتضى العموم للأفراد على سبيل الجمع وهو المطلق في قوله بع هذا الثوب لا يقتضى الامر ببيعه من زيد أو عمرو ولا بكذا أو كذا ولا بهذه السوق أو هذه فإن اللفظ لا دلالة له على شئ من شئ من ذلك إذا أتى بالمسمى حصل ممتثلا من جهة وجود تلك الحقيقة لا من جهة تلك القيود وهذا الامر لا خلاف فيه لكن بعض الناس يعتقد ان عدم الامر بالقيود يستلزم عدم الاجزاء إذا اتى بها إلا بقرينة وهو خطأ والصواب ان القيود لا تنافى الامر ولا تستلزمه وإن كان لزوم بعضها لزوما عقليا ضرورة وقوع القدر المشترك في ضمن قيد من تلك القيود وإذا تبين هذا فليس في الحديث أمره أن يبيع التمر لبائع النوع الآخر ولا لغيره ولا بحلول ولا تأجيل ولا بنقد البلد ولا غيره ولا بثمن المثل أو غيره وكل هذه القيود خارجة عن مفهوم اللفظ ولو زعم زاعم ان اللفظ يعم هذا كله كان مبطلا لكن اللفظ لا يمنع الإجزاء إذا أتى بها وإنما استفيد عدم الامتثال إذا بيع بدون ثمن المثل أو بثمن مؤجل أو بغير نقد البلد من العرف الذي ثبت للبيع المطلق وكذلك ليس في اللفظ ما يدل على أنه يبيعه من البائع بعينه ولا غيره كما ليس فيه ما يمنعه بل كل واحد من الطرفين يحتاج إلى دليل خارج عن اللفظ المطلق فما قام الدليل على إباحته أبيح فعله بالدليل الدال على جوازه لا بهذا اللفظ وما قام دليل على المنع منه لم يعارض دليل المنع بهذا اللفظ المطلق حتى يطلب الترجيح بل يكون دليل المنع سالما عن المعارضة بهذا فإن عورض بلفظ عام متناول لإباحته بوضع اللفظ له أو بدليل خاص صحت المعارضة فتأمل هذا الموضع الذي كثيرا ما يغلط فيه الناظر والمناظر وبالله التوفيق.
وقد ظهر بهذا جواب من قال: لو كان الابتياع من المشتري حراما لنهى عنه فإن مقصوده صلى الله عليه وسلم إنما كان لبيان الطريق التي بها يحصل اشتراء التمر الجيد لمن عنده رديء وهو ان يبيع الرديء بثمن ثم يبتاع بالثمن جيدا ولم يتعرض لشروط البيع وموانعه لأن المقصود ذكر الحكم على وجه الجملة ولأن المخاطب أحيل على فهمه وعلمه بأنه إنما أذن له في بيع يتعارفه الناس وهو البيع المقصود في نفسه ولم يؤذن له في بيع يكون وسيلة وذريعة ظاهرة إلى ما هو ربا صريح وكان القوم أعلم بالله ورسوله وشريعته من أن يفهموا عنه أنه اذن لهم في الحيل الربوية التي ظاهرها بيع وباطنها ربا ونحن نشهد بالله أنه كما لم يأذن فيها بوجه لم يفهمها عنه اصحابه بخطابه بوجه وما نظير هذا الاستدلال إلا استدلال بعضهم على جواز أكل ذي الناب والمخلب بقوله وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الابيض من الخيط الاسود واستدلال آخر بقوله وأحل لكم ما وراء ذلكم على جواز نكاح الزانية المصرة على الزنا واستدلال آخر على ذلك بقوله وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم واستدلال غيره به على صحة نكاح التحليل بذلك وعلى صحة نكاح المتعة واستدلال آخر على جواز نكاح المخلوقة من مائه إذا كان زانيا ولو ان رجلا استدل بذلك على جواز نكاح المرأة على عمتها وخالتها وأخذ يعارض به السنة لم يكن فرق بينه وبين هذا الاستدلال بل لو استدل به على كل نكاح حرمته السنة لم يكن فرق بينه وبين هذا الاستدلال وكذلك قوله بع الجميع لو استدل به مستدل على بيع من البيوع المتنازع فيها لم يكن فيه حجة وليس بالغالب ان بائع التمر بدراهم يبتاع بها من المشتري حتى يقال هذه الصورة غالبة فيحمل اللفظ عليها ولا هو المتعارف عند الاطلاق عرفا وشرعا وبالجملة فإرادة هذه الصورة وحدها من اللفظ ممتنع وإرادتها مع غيرها فرع على عمومه ولا عموم له وإرادة القدر المشترك بين أفراد البيع إنما تنصرف إلى البيع المعهود عرفا وشرعا وعلى التقديرات كلها لا تدخل هذه الصورة.
ومما يدل على ذلك ان هذه الصورة لا تدخل في امر الرجل لعبده وولده ووكيله ان يشتري له كذا فلو قال: بع هذه الحنطة العتيقة واشتر لنا جديدة لم يفهم السامع إلا بيعا مقصودا أو شراء مقصودا فثبت ان الحديث ليس فيه إشعار بالحيلة الربوية ألبتة. يوضحه ان قوله بع كذا واشتر كذا أو بعت واشتريت لا يفهم منه إلا البيع الذي يقصد به نقل ملك المبيع نقلا مستقرا ولهذا لا يفهم منه بيع الهازل ولا المكره ولا بيع الحيلة ولا بيع العينة ولا يعد الناس من اتخذ خرزة أو عرضا يحلل به الربا ويبيعه ويشتريه صورة خالية عن حقيقة البيع ومقصوده تاجرا وإنما يسمونه مرابيا ومتحيا فكيف يدخل هذا تحت لفظ النبي صلى الله عليه وسلم.
يزيده إيضاحا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من باع بيعتين في بيعة فله اوكسهما أو الربا" ونهى عن بيعتين في بيعة ومعلوم انهما متى تواطئا على أن يبيعه بالثمن ثم يبتاع به منه فهو بيعتان في بيعة فلا يكون ما نهى عنه داخلا تحت ما أذن فيه.
يوضحه أيضا انه قال: لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع وتواطؤهما على أن يبيعه السلعة بثمن ثم يشتري منه غيرها بذلك الثمن منطبق على لفظ الحديث فلا يدخل ما أخبر أنه لا يحل تحت ما أذن فيه.
يوضحه أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "بع الجميع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا" وهذا يقتضى بيعا ينشئه ويبتدئه بعد انقضاء البيع الاول ومتى واطأه في أول الامر على ان ابيعك وأبتاع منك فقد اتفقا على العقدين معا فلا يكون الثاني عقدا مستقلا مبتدأ بل هو من تتمة العقد الاول عندهما وفي اتفاقهما وظاهر الحديث انه امر بعقدين مستقلين لا يرتبط احدهما بالآخر ولا ينبنى عليه.
ولو نزلنا عن ذلك كله وسلمنا أن الحديث عام عموما لفظيا يدخل تحته صورة الحيلة فهو لا ريب مخصوص بصور كثيرة فنخص منه هذه الصورة المذكورة بالادلة المتقدمة على بطلان الحيل واضعافها والعام يخص بدون مثلها بكثير فكم قد خص العموم بالمفهوم وخبر الواحد والقياس وغير ذلك فتخصيصه لو فرض عمومه بالنصوص والاقيسة وإجماع الصحابة على تحريم الحيل اولى واحرى بل واحد من تلك الادلة التي ذكرناها على المنع من الحيل وتحريمها كاف في التخصيص وإذا كنتم قد خصصتم قوله صلى الله عليه وسلم لعن الله المحلل والمحلل له مع أنه عام عموما لفظيا فخصصتموه بصورة واحدة وهي ما اشترطا في صلب العقد أنه إنما تزوجها ليحلها ومتى أحلها فهى طالق مع ان هذه الصورة نادرة جدا لا يفعلها المحلل والصور الواقعة في التحليل اضعاف هذه فحملتم اللفظ العام عموما لفظيا ومعنويا على أندر صورة تكون لو قدر وقوعها وأخليتموه عن الصور الواقعة المستعملة بين المحللين فقوله صلى الله عليه وسلم: "بع الجميع بالدراهم" أولى بالتقييد بالنصوص الكثيرة والآثار والاقيسة الصحيحة التي هي في معنى الاصل وحمله على البيع المتعارف المعهود عرفا وشرعا وهذا بحمد الله تعالى في غاية الوضوح ولا يخفى على منصف يريد الله ورسوله والدار الآخرة وبالله التوفيق.
فصل: توضيح المقصود من حديث أبي هريرة ومما يوضح فساد حمل الحديث على صورة الحيلة وان كلام الرسول ومنصبه العالى منزه عن ذلك ان المقصود الذي شرع الله تعالى له البيع واحله لاجله هو ان يحصل ملك الثمن للبائع ويحصل ملك المبيع للمشتري فيكون كل منهما قد حصل له مقصوده بالبيع هذا ينتفع بالثمن وهذا بالسلعة وهذا إنما يكون إذا قصد المشتري نفس السلعة للانتفاع بها أو التجارة فيها وقصد البائع نفس الثمن ولهذا يحتاط كل واحد منهما فيما يصير اليه من العرض هذا في وزن الثمن ونقده ورواجه وهذا في سلامة السلعة من العيب وأنها تساوي الثمن الذي بذله فيها فإذا كان مقصود كل منهما ذلك فقد قصدا بالسبب ما شرعه الله له وأتى بالسبب حقيقة وحكما وسواء حصل مقصوده بعقد أو توقف على عقود مثل أن يكون بيده سلعة وهو يريد ان يبتاع سلعة اخرى لا تباع سلعته بها لمانع شرعي أو عرفي أو غيرهما فيبيع سلعته ليملك ثمنها وهذا بيع مقصود وعوضه مقصود ثم يبتاع بالثمن سلعة اخرى وهذه قصة بلال في تمر خيبر سواه فإنه إذا باع الجميع بالدراهم فقد اراد بالبيع ملك الثمن وهذا مقصود مشروع ثم إذا ابتاع بالدراهم جنيبا فقد عقد عقدا مقصودا مشروعا فلما كان بائعا قصد تملك الثمن حقيقة ولما كان مبتاعا قصد تملك السلعة حقيقة فإن ابتاع بالثمن من غير المشتري منه فهذا لا محذور فيه إذ كل من العقدين مقصود مشروع ولهذا يستوفيان حكم العقد الاول من النقد والقبض وغيرهما وأما إذا ابتاع بالثمن من مبتاعه من جنس ما باعه فهذا يخشى منه ان لا يكون العقد الاول مقصودا لهما بل قصدهما بيع السلعة الاولى بالثانية فيكون ربا بعينه ويظهر هذا القصد بأنهما يتفقان على صاع بصاعين أولا ثم يتوصلان إلى ذلك ببيع الصاع بدرهم ويشتري به صاعين ولا يبالي البائع بنقد ذلك الثمن ولا بقبضه ولا بعيب فيه ولا بعدم رواجه ولا يحتاط لنفسه فيه احتياط من قصده تملك الثمن إذ قد علم هو الآخر ان الثمن بعينه خارج منه عائد اليه فنقده وقبضه والاحتياط فيه يكون عبثا وتأمل حال باعة الحلى عينة كيف يخرج كل حلقة من غير جنسه أو قطعة ما ويبيعك إياها بذلك الثمن ثم يبتعاعها منك فكيف لا تسأل عن قيمتها ولا عن وزنها ولا مساواتها للثمن بل قد تساوي اضعافه وقد تساوى بعضه إذ ليست هي القصد وانما القصد أمر وراءها وجعلت هي محللا لذلك المقصود وإذا عرف هذا فهو إنما عقد معه العقد الاول ليعيد اليه الثمن بعينه ويأخذ العوض الآخر وهذا تواطؤ منهما حين عقداه على فسخه والعقد اذا قصد به فسخه لم يكن مقصودا وإذا لم يكن مقصودا كان وجوده كعدمه وكان توسطه عبثا.
ومما يوضح الامر في ذلك انه اذا جاءه بتمر أو زبيب أو حنطة ليبتاعه به من جنسه فإنهما يتشارطان ويتراضيان على سعر أحدهما من الآخر وأنه مد بمد ونصف مثلا ثم بعد ذلك يقول بعتك هذا بكذا وكذا درهما ثم يقول بعنى بهذه الدراهم كذا و كذا صاعا من النوع الآخر وكذلك في الصرف وليس للبائع ولا للمشتري غرض في الدراهم والغرض معروف فأين من يبيعه السلعة بثمن ليشتري به منه من جنسها إلى من يبيعه اياها بثمن له غرض في تملكه وقبضه وتوسط الثمن في الاول عبث محض لا فائدة فيه فكيف يأمر به الشارع الحكيم مع زيادة التعب والكلفة فيه ولو كان هذا سائغا لم يكن في تحريم الربا حكمة سوى تضييع الزمان واتعاب النفوس بلا فائدة فإنه لا يشاء احد ان يبتاع ربويا بأكثر منه من جنسه الاول الا قال: بعتك هذا بكذا وابتعت منك هذا بهذا الثمن فلا يعجز احد استحلال ما حرمه الله قط بأدنى الحيل.
يوضحه ان الربا نوعان: ربا الفضل وربا النسيئة فأما ربا الفضل فيمكنه في كل مال ربوى ان يقول بعتك هذا المال بكذا ويسمى ما شاء ثم يقول اشتريت منك هذا للذي هو من جنسه بذلك الذي سماه ولا حقيقة له مقصودة واما ربا النسيئة فيمكنه ان يقول بعتك هذه الحريرة بألف درهم أو عشرين صاعا إلى سنة وابتعتها منك بخمسمائة حاله أو خمسة عشر صاعا ويمكنه ربا الفضل فلا يشاء مراب إلا أقرضه ثم حاباه في بيع أو إجارة أو غيرهما ويحصل مقصوده من الزيادة فيا سبحان الله أيعود الربا الذي قد عظم الله شأنه في القرآن وأوجب محاربة مستحله ولعن آكله موكله وشاهديه وكاتبه وجاء فيه من الوعيد ما لم يجيء في غيره إلى ان يستحل نوعاه بأدنى حيلة لا كلفة فيها أصلا إلا بصورة عقد هي عبث ولعب يضحك منها ويستهزأ بها فكيف يستحسن ان ينسب إلى نبي من الانبياء فضلا عن سيد الانبياء بل ان ينسب رب العالمين إلى ان يحرم هذه المحرمات العظيمة ويوعد عليها بأغلظ العقوبات وأنواع الوعيد ثم يبيحها بضرب من الحيل والعبث والخداع الذي ليس له حقيقة مقصودة ألبتة في نفسه للمتعاقدين وترى كثيرا من المرابين لما علم ان هذا العقد ليس له حقيقة مقصودة ألبتة قد جعل عنده خرزة ذهب فكل من جاءه يريد ان يبيعه جنسا بجنسه اكثر منه أو اقل ابتاع منه ذلك الجنس بتلك الخرزة ثم ابتاع الخرزة بالجنس الذي يريد ان يعطيه إياه افيستجيز عاقل ان يقول إن الذي حرم بيع الفضة بالفضة متفاضلا أحلها بهذه الخرزة وكذلك كثير من الفجار قد أعد سلعة لتحليل ربا النساء فإذا جاءه من يريد الفا بألف ومائتين أدخل تلك السلعة محللا ولهذا كانت أكثر حيل الربا في بابها أغلظ من حيل التحليل ولهذا حرمها أو بعضها من لم يحرم التحليل لان القصد في البيع معتبر في فطر الناس ولأن الاحتيال في الربا غالبا إنما يتم بالمواطأة اللفظية أو العرفية ولايفتقر إلى شهادة ولكن يتعاقدان ثم يشهدان ان له في ذمته دينا ولهذا إنما لعن شاهداه إذا علما به والتحليل لا يمكن إظهاره وقت العقد لكون الشهادة شرطا فيه والشروط المتقدمة تؤثر كالمقارنة كما تقدم تقريره إذ تقديم الشرط ومقارنته لا يخرجه عن كونه عقد تحليل ويدخله في نكاح الرغبة والقصود معتبرة في العقود.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:48 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع السبت 07 مايو 2016, 6:20 pm | |
| فصل: آراء بعض الفقهاء في الحيل الربوية وجماع الامر انه اذا ربويا بثمن وهو يريد ان يشتري منه بثمنه من جنسه فإما أن يواطئه على الشراء منه لفظا أو يكون العرف بينهما قد جرى بذلك أو لا يكون فإن كان الاول فهو باطل كما تقدم تقريره فإن هذا لم يقصد ملك الثمن ولا قصد هذا تمليكه وإنما قصد تمليك المثمن بالمثمن وجعلا تسمية الثمن تلبيسا وخداعا ووسيلة إلى الربا فهو في هذا العقد بمنزلة التيس الملعون في عقد التحليل وان لم تجر بينهما مواطأة لكن قد علم المشتري ان البائع يريد ان يشترى منه ربويا بربوي فكذلك لان علمه بذلك ضرب من المواطأة وهو يمنع قصد الثمن الذي يخرجان به عن قصد الربا وان قصد البائع الشراء منه بعد البيع ولم يعلم المشترى فقد قال: الإمام احمد ههنا لو باع من رجل دنانير بدارهم لم يجز ان يشترى بالدراهم منه ذهبا إلا أن يمضى ويبتاع بالورق من غيره ذهبا فلا يستقيم فيجوز ان يرجع إلى الذي ابتاع منه الدنانير فيشترى منه ذهبا وكذلك كره مالك ان تصرف دراهمك من رجل بدنانير ثم تبتاع منه بتلك الدنانير دراهم غير دراهمك في الوقت أو بعد يوم أو يومين قال: ابن القاسم فإن طال الزمان وصح أمرهما فلا بأس به فوجه ما منعه الإمام احمد رضى الله عنه انه متى قصد المشتري منه تلك الدنانير لم يقصد تملك الثمن ولهذا لا يحتاط في النقد والوزن ولهذا يقول إنه متى بدا له بعد القبض والمفارقة ان يشترى منه بأن يطلب من غيره فلا يجد لم يكن في العقد الاول خلل والمتقدمون من أصحاب حملوا هذا المنع منه على التحريم.
وقال القاضي وابن عقيل وغيرهما: "اذا لم يكن شرطا ومواطأة بينهما لم يحرم" وقد اوما اليه الامام احمد في رواية حرب فإنه قال: قلت لأحمد اشترى من رجل ذهبا ثم ابتاعه منه قال: "بيعه من غيره احب إلي" وذكر ابن عقيل ان احمد لم يكرهه في رواية اخرى وكره ابن سيرين للرجل ان يبتاع من الرجل الدراهم بالدنانير ثم يشتري منه بالدراهم دنانير وهذه المسألة في ربا الفضل كمسائل العينة في ربا النساء ولهذا عدها من الربا الفقهاء السبعة وأكثر العلماء وهو قول أهل المدينة كمالك وأصحابه وأهل الحديث كأحمد وأصحابه وهو مأثور عن ابن عمر ففي هذه المسأله قد عاد الثمن إلى المشترى وحصلا على ربا الفضل أو النساء وفي العينة قد عاد المبيع إلى البائع وافضى إلى ربا الفضل والنساء جميعا ثم إن كان في الموضعين لم يقصد الثمن ولا المبيع وإنما جعل وصلة إلى الربا فهذا الذي لاريب في تحريمه والعقد الاول ههنا باطل بلا توقف عند من يبطل الحيل وقد صرح به القاضي في مسألة العينة في غير موضع وحكى ابو الخطاب في صحته وجهين.
قال شيخنا والاول هو الصواب وانما تردد من تردد من الاصحاب في العقد الاول في مسألة العينة لان هذه المسألة انما ينسب الخلاف فيها في العقد الثاني بناء على ان الاول صحيح وعلى هذا التقدير فليست من مسائل الحيل وإنما هي من مسائل الذرائع ولها مأخذ آخر يقتضى التحريم عند أبي حنيفة وأصحابه فإنهم لا يحرمون الحيل ويحرمون مسألة العينة وهو أن الثمن إذا لم يستوف لم يتم العقد الاول فيصير الثاني مبنيا عليه وهذا تعليل خارج عن قاعدة الحيل والذرائع فصار للمسألة ثلاثة مآخذ فلما لم يتمحض تحريمها على قاعدة الحيل توقف في العقد الاول من توقف.
قال شيخنا والتحقيق أنها إذا كانت من الحيل أعطيت حكم الحيل وإلا اعتبر فيها المأخذان الآخران هذا إذا لم يقصد الاول فإن قصد حقيقته فهو صحيح لكن ما دام الثمن في ذمة المشتري لم يجز ان يشترى منه المبيع بأقل منه من جنسه ولا يجوز ان يبتاع منه بالثمن ربويا لا يباع بالآول نساء لان احكام العقد الاول لا تتم إلا بالتقابض فإذا لم يحصل كان ذريعة إلى الربا وان تقابضا وكان العقد مقصودا فله يشتري منه كما يشتري من غيره وإذا كان الطريق إلى الحلال هي العقود المقصودة المشروعة التي لا خداع فيها ولا تحريم لم يصح ان تلحق بها صورة عقد لم تقصد حقيقته وإنما قصد التوصل به إلى استحلال ما حرمه الله والله الموفق.
وانما اطلنا الكلام على هذه الحجة لأنها عمدة أرباب الحيل من السنة كما وان عمدتم من الكتاب وخذ بيدك ضغثا.
فصل: حديث أبي هريرة على تحريم الحيل فهذا تمام الكلام على المقام الاول وهو عدم دلالة الحديث على الحيل الربوية بوجه من الوجوه.
وأما المقام الثاني وهو دلالته على تحريمها وفسادها فلأنه صلى الله عليه وسلم نهاه أن يشتري الصاع بالصاعين ومن المعلوم ان الصفة التي في الحيل مقصودة يرتفع سعره لاجلها والعاقل لا يخرج صاعين ويأخذ صاعا إلا لتميز ما يأخذه بصفة أو لغرض له في المأخوذ ليس في المبذول والشارع حكيم لا يمنع المكلف مما هو مصلحة له ويحتاج اليه إلا لتضمنه أو لاستلزامه مفسدة أرجح من تلك المصلحة وقد خفيت هذه المفسدة على كثير من الناس حتى قال: بعض المتأخرين لا يتبين لى ما وجه تحريم ربا الفضل والحكمة فيه وقد تقدم أن هذا من أعظم حكمة الشريعة ومراعاة مصالح الخلق وان الربا نوعان ربا نسيئة وتحريمه تحريم المقاصد وربا فضل وتحريمه تحريم الذرائع والوسائل فإن النفوس متى ذاقت الربح فيه عاجلا تسورت منه إلى الربح الآجل فسندت عليها بالذريعة وحمى جانب الحمى وأي حكمة وحكم احسن من ذلك واذا كان كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم منع بلالا من أخذ مد بمدين لئلا يقع في الربا ومعلوم انه لو جوز له ذلك بحيلة لم يكن في منعه من بيع مدين بمد فائدة اصلا بل كان بيعه كذلك اسهل واقل مفسدة من توسط الحيلة الباردة التي لا تغنى من المفسدة شيئا وقد نبه على هذا بقوله في الحديث لا تفعل اوه عين الربا فنهاه عن الفعل والنهي يقتضي المنع بحيلة أو غير حيلة لان المنهي عنه لا بد ان يشتمل على مفسدة لاجلها ينهى عنه وتلك المفسدة لا تزول بالتحيل عليها بل تزيد واشار إلى المنع بقول اوه عين الربا فدل على ان المنع إنما كان لوجود حقيقة الربا وعينه وانه لا تأثير للصورة المجردة مع قيام الحقيقة فلا يهمل قوله عين الربا فتحت هذه اللفظة ما يشير إلى ان الاعتبار بالحقائق وانها هي التي عليها المعول وهي محل التحليل والتحريم والله تعالى لا ينظر إلى صورها وعباراتها التي يكسوها إياها العبد وإنما ينظر إلى حقائقها وذواتها والله الموفق.
فصل: لا تجوز المعاريض في استباحة الحرام وأما تمسكهم بجواز المعاريض وقولهم إن الحيل معاريض فعلية على وزان المعاريض القولية فالجواب من وجوه.
احدها: ان يقال ومن سلم لكم ان المعاريض اذا تضمنت استباحة الحرام وإسقاط الواجبات وإبطال الحقوق كانت جائزة بل هي من الحيل القولية وإنما تجوز المعاريض اذا كان فيها تخلص من ظالم كما عرض الخليل بقوله هذه أختي فإذا تضمنت نصر حق أو إبطال باطل كما عرض الخليل بقوله إني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وكما عرض الملكان لداود بما ضرباه له من المثال الذي نسباه إلى انفسهما وكما عرض النبي صلى الله عليه وسلم قوله: "ونحن من ماء" وكما كان يروى عن الغزوة بغيرها لمصلحة الاسلام والمسلمين إذا لم تتضمن مفسدة في دين ولا دنيا كما عرض صلى الله عليه وسلم بقوله: "إنا حاملوك على ولد الناقة" وبقوله: "إن الجنة لا تدخلها العجز" وبقوله: "من يشترى منى هذا العبد يريد عبد الله" وبقوله: "لتلك المرأة زوجك الذي في عينيه بياض" وإنما اراد به البياض الذي خلقه الله في عيون بني آدم وهذه المعاريض ونحوها من اصدق الكلام فأين في جواز هذه ما يدل على جواز الحيل المذكورة.
رأي ابن تيمية في المعاريض: وقال شيخنا رضى الله عنه: "والذي قيست عليه الحيل الربويه وليست مثله نوعان احدهما المعاريض وهي ان يتكلم الرجل بكلام جائز يقصد به معنى صحيحا ويوهم غيره انه يقصد به معنى آخر فيكون سبب ذلك الوهم كون اللفظ مشتركا بين حقيقتين لغويتين أو عرفيتين أو شرعيتين أو لغوية مع إحداهما أو عرفية مع إحداهما أو شرعية مع أحداهما فيعنى احد معنييه ويوهم السامع له أنه إنما على الآخر إما لكونه لم يعرف إلا ذلك وإما لكون دلالة الحال تقتضيه واما لقرينة حالية أو مقالية يضمها إلى اللفظ أو يكون سبب التوهم كون اللفظ ظاهرا في معنى فيعنى به معنى يحتمله باطنا بأن ينوى مجاز اللفظ دون حقيقته أو ينوي بالعام الخاص أو بالمطلق المقيد أو يكون سبب التوهم كون المخاطب إنما يفهم من اللفظ غير حقيقته لعرف خاص به أو غفلة منه أو جهل أو غير ذلك من الاسباب مع كون المتكلم إنما قصد حقيقته فهذا كله إذا كان المقصود به رفع ضرر غير مستحق فهو جائز كقول الخليل هذه اختي وقول النبي صلى الله عليه وسلم نحن من ماء وقول الصديق رضى الله عنه هاد يهديني السبيل ومنه قول عبدالله بن رواحة شهدت بأن وعد الله حق الابيات.
أوهم امرأته القرآن وقد يكون واجبا إذا تضمن دفع ضرر يجب دفعه ولا يندفع إلا بذلك.
وهذا الضرب وان كان نوع حيلة في الخطاب لكنه يفارق الحيل المحرمة من الوجه المحتال عليه والوجه المحتال به أما الاول فلكونه دفع ضرر غير مستحق فلو تضمن كتمان ما يجب إظهاره من شهادة أو إقرار أو علم أو نصيحة مسلم أو التعريف بصفة معقود عليه في بيع أو نكاح أو أجارة فإنه غش محرم بالنص. قال مثنى الانباري: "قلت لاحمد بن حنبل كيف الحديث الذي جاء في المعاريض فقال المعاريض لا تكون في الشراء والبيع تكون في الرجل يصلح بين الناس أو نحو هذا".
قال شيخنا: والضابط ان كل ما وجب بيانه فالتعريض فيه حرام لأنه كتمان وتدليس ويدخل في هذا الاقرار بالحق والتعريض في الحلف عليه والشهادة على العقود ووصف المعقود عليه والفتيا والحديث والقضاء وكل ما حرم بيانه فالتعريض فيه جائز بل واجب إذا أمكن ووجب الخطاب كالتعريض لسائل عن مال معصوم أو نفسه يريد ان يعتدى عليه وإن كان بيانه جائزا أو كتمانه جائزا فإما ان تكون المصلحة في كتمانه أو في إظهاره أو كلاهما متضمن للمصلحة فإن كان الاول فالتعريض مستحب كتورية الغازي عن الوجه الذي يريده وتورية الممتنع عن الخروج والاجتماع بمن يصده عن طاعة أو مصلحة راجحة كتورية احمد عن المروزي وتورية الحالف لظالم له أو لمن استحلفه يمينا لا تجب عليه ونحو ذلك وان كان الثاني فالتورية فيه مكروهة والاظهار مستحب وهذا في كل موضع يكون البيان فيه مستحبا وإن تساوي الامران وكان كل منهما طريقا إلى المقصود لكون ذلك المخاطب التعريض والتصريح بالنسبة إليه سواء جاز الأمران كما لو كان يعرف بعدة ألسن وخطايه بكل لسان منها يحصل مقصوده ومثل هذا ما لو كان له غرض مباح في التعريض ولا حذر عليه في التصريح والمخاطب لا يفهم مقصوده.
وفي هذا ثلاثة اقوال للفقهاء وهي في مذهب الامام احمد أحدها له التعريض إذ لا يتضمن كتمان حق ولا إضرار بغير مستحق والثاني ليس له ذلك فإنه إيهام للمخاطب من غير حاجة اليه وذلك تغرير وربما أوقع السامع في الخبر الكاذب وقد يترتب عليه ضرر به والثالث له التعريض في غير اليمين.
وقال الفضيل بن زياد سألت احمد عن الرجل يعارض في كلامه يسألني عن الشيء أكره أن أخبره به قال: إذا لم يكن يمينا فلا بأس في المعاريض مندوحة عن الكذب وهذا عند الحاجة إلى الجواب فأما الابتداء فالمنع فيه ظاهر كما دل عليه حديث ام كلثوم انه لم يرخص فيما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث وكلها مما يحتاج اليه المتكلم وبكل حال فغاية هذا القسم تجهيل السامع بأن يوقعه المتكلم في اعتقاد ما لم يرده بكلامه وهذا التجهيل قد تكون مصلحته أرجح من مفسدته وقد تكون مفسدته أرجع من مصلحته وقد يتعارض الامران ولا ريب ان من كان علمه بالشيء يحمله على ما يكرهه الله ورسوله كان تجهيله به وكتمانه عنه اصلح له وللمتكلم وكذلك ما كان في علمه مضرة على القائل أو تفوت عليه مصلحة هي ارجح من مصلحة البيان فله ان يكتمه عن السامع فان أبي الا استنطاقه فله أن يعرض له.
فالمقصود بالمعاريض فعل واجب أو مستحب أو مباح اباح الشارع السعي في حصوله ونصب له سببا يفضى اليه فلا يقاس بهذه الحيل التي تتضمن سقوط ما أوجبه الشارع وتحليل ما حرمه فأين احد البابين من الآخر وهل هذا إلا من أفسد القياس وهو كقياس الربا على البيع والميتة على المذكى.
فصل: جواز المعاريض فيما لا يضر فهذا الفرق من جهة المحتال عليه وأما الفرق من جهة المحتال به فإن المعرض إنما تكلم بحق ونطق بصدق فيما بينه وبين الله لا سيما إن لم ينو باللفظ خلاف ظاهره في نفسه وإنما كان عدم الظهور من ضعف فهم السامع وقصوره في فهم دلالة اللفظ ومعاريض النبي صلى الله عليه وسلم ومزاحه كان من هذا النوع كقوله نحن من ماء وقوله إنا حاملوك على ولد الناقة ولا يدخل الجنة العجز وزوجك الذي في عينيه بياض وأكثر معاريض السلف كانت من هذا ومن هذا الباب التدليس في الإسناد لكن هذا مكروه لتعلقه بالدين وكون البيان في العلم واجبا بخلاف ما قصد به دفع ظالم أو دفع ضرر عن المتكلم.
المعاريض نوعان: والمعاريض نوعان أحدهما ان يستعمل اللفظ في حقيقته وما وضع له فلا يخرج به عن ظاهره ويقصد فردا من أفراد حقيقته فيتوهم السامع انه قصد غيره إما لقصور فهمه وأما لظهور ذلك الفرد عنده أكثر من غيره وإما لشاهد الحال عنده وإما لكيفية المخبر وقت التكلم من ضحك أو غضب أو إشارة ونحو ذلك وإذا تأملت المعاريض النبوية والسلفيه وجدت عامتها من هذا النوع والثاني ان يستعمل العام في الخاص والمطلق العام في الخاص والمطلق في المقيد وهو الذي يسميه المتأخرون الحقيقة والمجاز وليس يفهم أكثر من المطلق والمقيد فإن لفظ الاسد والبحر والشمس عند الاطلاق له معنى وعند التقييد له معنى يسمونه المجاز ولم يفرقوا بين مقيد ومقيد ولابين قيد وقيد فإن قالوا: كل مقيد مجاز لزمهم ان يكون كل كلام مركب مجازا فإن التركيب يقيده بقيود زائدة على اللفظ المطلق وإن قالوا: بعض القيود بجعله مجازا دون بعض سئلوا عن الضابظ ما هو ولن يجدوا اليه سبيلا وإن قالوا: يعتبر اللفظ الفرد من حيث هو مفرد قبل التركيب وهناك يحكم عليه بالحقيقة والمجاز.
قيل لهم: هذا أبعد وأشد فسادا فإن اللفظ قبل العقد والتركيب بمنزلة الاصوات التي ينعق بها ولا تفيد شيئا وإنما إفادتها بعد تركيبها وأنتم قلتم الحقيقة هي اللفظ المستعمل وأكثركم يقول استعمال اللفظ فيما وضع له اولا والمجاز بالعكس فلا بد في الحقيقة والمجازم من استعمال اللفظ فيما وضع له وهو إنما يستعمل بعد تركيبه وحيئذ فتركيبه بعده يفهم منها مراد المتكلم فما الذي جعله مع بعض تلك القيود حقيقة ومع بعضها مجازا وليس الغرض إبطال هذا التقسيم الحادث المبتدع المتناقض فإنه باطل من اكثر من أربعين وجها وإنما الغرض التنبيه على نوعى التعريض وأنه تارة يكون مع استعمال اللفظ في ظاهره وتارة يكون اخراجه عن ظاهره ولا يذكر المعرض قرينة تبين مراده ومن هذا النوع عامة التعريض في الايمان والطلاق كقوله كل امرأة له فهى طالق وينوى في بلد كذا وكذا أو ينوى فلانة أو قوله أنت طالق وينوي من زوج كان قبله ونحو ذلك فهذا القسم شيء والذي قبله شيء فأين هذا من قصد المحتال بلفظ العقد أو صورته ما لم يجعله الشارع مقتضيا له بوجه بل جعله مقتضيا لضده ولا يلزم من صلاحية اللفظ له إخبارا صلاحيته له إنشاء فإنه لو قال: تزوجت في المعاريض وعنى نكاحا فاسدا كان صادقا كما لو بينه ولو قال: تزوجت إنشاء وكان فاسدا لم ينعقد وكذلك في جميع الحيل فإن الشارع لم يشرع القرض إلا لمن قصد ان يسترجع مثل قرضه ولم يشرعه لمن قصد ان يأخذ اكثر منه لا بحيلة ولا بغيرها وكذلك إنما شرع البيع لمن له غرض في تمليك الثمن وتمليك السلعة ولم يشرعه قط لمن قصد به ربا الفضل أو النساء ولا غرض له في الثمن ولا في المثمن ولا في السلعة وإنما غرضهما الربا وكذلك النكاح لم يشرعه إلا لراغب في المرأة لم يشرعه للمحلل وكذلك الخلع لم يشرعه إلا للمفتدية نفسها من الزوج تتخلص منه من سوء العشرة ولم يشرعه للتحيل على الحنث قط وكذلك التمليك لم يشرعه الله سبحانه وتعالى إلا لمن قصد نفع الغير والاحسان اليه بتمليكه سواء كان محتاجا أو غير محتاج ولم يشرعه لاسقاط فرض من زكاة أو حج أو غيرهما قط وكذلك المعاريض لم يشرعها إلا لمحتاج إليها أو لمن لا يسقط بها حقا ولا يضربها احدا ولم يشرعها إذا تضمنت إسقاط حق أو إضرار لغير مستحق.
متى تباح المعاريض ومتى تحرم: فثبت ان التعريض المباح ليس من المخادعة لله في شيء وغايته انه مخادعة لمخلوق اباح الشارع مخادعته لظلمه ولا يلزم من جواز مخادعه الظالم المبطل جواز مخادعة المحق فما كان من التعريض مخالفا لظاهر اللفظ كان قبيحا إلا عند الحاجة وما لم يكن منها مخالفا لظاهر اللفظ كان جائزا إلا عند تضمن مفسدة. والمعاريض كما تكون بالقول تكون بالفعل وتكون بالقول والفعل معا مثال ذلك أن يظهر المحارب انه يريد وجها من الوجوه ويسافر اليه ليحسب العدو أنه لا يريده ثم يكر عليه وهو آمن من قصده أو يستطرد المبارز بين يدي خصمه ليظن هزيمته ثم يعطف عليه وهذا من خداعات الحرب.
فصل: النوع الآخر من المعاريض فهذا أحد النوعين الذي قيست عليه الحيل المحرمة والنوع الثاني الكيد الذي شرعه الله للمظلوم أن يكيد به ظالمه ويخدعه به إما للتوصل إلى أخذ حقه منه أو عقوبة له أو لكف شره وعدوانه عنه كما روى الإمام احمد في مسنده ان رجلا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من جاره أنه يؤذيه فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يطرح متاعه في الطريق ففعل فجعل كل من مر عليه يسأل عن شأن المتاع فيخبر بأن جار صاحبه يؤذيه فيسبه ويلعنه فجاء اليه وقال رد متاعك إلى مكانه فوالله لا أوذيك بعد ذلك ابدا فهذا من أحسن المعاريض الفعليه والطف الحيل التي يتوصل بها إلى دفع ظلم الظالم.
ونحن لا ننكر هذا الجنس وإنما الكلام في الحيل على استحلال محارم الله وإسقاط فرائضه وإبطال حقوق عباده فهذا النوع هو الذي يفوت أفراد الادلة على تحريمه الحصر
فصل: ليس كل الحيل حراما وأما قولكم جعل العقود حيلا على التوصل إلى مالا يباح إلا بها إلى آخره فهذا موضع الكلام في الحيل وانقسامها إلى احكامها الخمسة فنقول ليس كل ما يسمى حيلة حراما قال: الله تعالى الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا اراد بالحيلة التحيل على التخلص من بين الكفار وهذه حيلة محمودة يثاب عليها وكذلك الحيلة على هزيمة الكفار كما فعل نعيم بن مسعود يوم الخندق أو على تخليص ماله منهم كما فعل الحجاج بن علاط بإمرأته وكذلك الحيلة على قتل راس من رؤوس اعداء الله كما فعل الذين قتلوا ابن أبي الحقيق اليهودي وكعب بن الأشرف وابا رافع وغيرهم فكل هذه حيل محمودة محبوبة لله ومرضية له.
الحيلة اشتقاقها ومعناها والحيلة مشتقة من التحول وهي النوع والحالة كالجلسة والقعدة والركبة فإنها بالكسر للحالة وبالفتح للمرة كما قيل: الفعلة للمرة والفعلة للحالة… والمفعل للموضع والمفعل للآلة وهي من ذوات الواو فإنها من التحول من حال يحول وانما انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها وهو قلب مقيس مطرد في كلامهم نحو ميزان وميقات وميعاد فإنها مفعال من الوزن والوقت والوعد فالحيلة هي نوع مخصوص من التصرف والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه بحيث لا يتفطن له الا بنوع من الذكاء والفطنة فهذا اخص من موضوعها في اصل اللغة وسواء كان المقصود امرا جائزا أو محرما أو خص من هذا استعمالها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعا أو عقلا أو عادة.
فهذا هو الغالب عليها في عرف الناس فإنهم يقولون فلان من ارباب الحيل ولا تعاملوه فإنه متحيل وفلان يعلم الناس الحيل وهذا من استعمال المطلق في بعض انواعه كالدابة والحيوان وغيرهما.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 12:49 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع السبت 07 مايو 2016, 6:36 pm | |
| تقسيم الحيلة إلى الأحكام الخمسة: وإذا قسمت باعتبارها لغة انقسمت إلى الاحكام الخمسة فإن مباشرة الاسباب الواجبة حيلة على الحصول مسبباتها فالأكل والشرب واللبس والسفر الواجب حيلة على المقصود منه والعقود الشرعية واجبها ومستحبها ومباحها كلها حيلة على حصول المعقود عليه والاسباب المحرمة كلها حيلة على حصول مقاصدها منها وليس كلامنا في الحيلة بهذا الاعتبار العام الذي هو مورد التقسيم إلى مباح ومحظور فالحيلة جنس تحته التوصل إلى فعل الواجب وترك المحرم وتخليص الحق ونصر المظلوم وقهر الظالم وعقوبة المعتدي وتحته التوصل إلى استحلال المحرم وإبطال الحقوق وإسقاط الواجبات ولما قال: النبي صلى الله عليه وسلم لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل غلب استعمال الحيل في عرف الفقهاء على النوع المذموم وكما يذم الناس ارباب الحيل فهم يذمون أيضا العاجز الذي لا حيلة عنده لعجزه وجهله بطرق تحصيل مصالحه فالأول ماكر مخادع والثاني عاجر مفرط والممدوح غيرهما وهو من له خبرة بطرق الخير والشر خفيها وظاهرها فيحسن التوصل إلى مقاصده المحمودة التي يحبها الله ورسوله بأنواع الحيل ويعرف طرق الشر الظاهرة والخفية التي يتوصل بها إلى خداعه والمكر به فيحترز منها ولا يفعلها ولا يدل عليها وهذه كانت حال سادت الصحابة رضي الله عنهم فإنهم كانوا ابر الناس قلوبا واعلم الخلق بطرق الشر ووجوه الخداع واتقى لله من ان يرتكبوا منها شيئا أو يدخلوه في الدين كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لست بخب ولا يخدعني الخب" وكان حذيفة اعلم الناس بالشر والفتن وكان الناس يسألون صلى الله عليه وسلم عن الخير وكان هو يسأله عن الشر والقلب السليم ليس هو الجاهل بالشر الذي لا يعرفه بل الذي يعرفه ولا يريده بل يريد الخير والبر والنبي صلى الله عليه وسلم قد سمى الحرب خدعة ولا ريب في انقسام الخداع إلى ما يحبه الله ورسوله والى ما يبغضه وينهى عنه وكذلك المكر ينقسم إلى قسمين محمود ومذموم.
فالحيلة والمكر والخديعة تنقسم إلى محمود ومذموم فالحيل المحرمة منها ما هو كفر ومنها ما هو كبيرة ومنها ما هو صغيرة وغير المحرمة منها ما هو مكروه ومنها ما هو جائز ومنها ما هو مستحب ومنها ما هو واجب فالحيلة بالردة على الفسخ النكاح كفر ثم انها لا تتأتى الا على قول من يقول بتعجيل الفسخ بالردة فأما من وقفه على انقضاء العده فإنها لا يتم لها غرضها حتى تنقضى عدتها فإنها متى علم بردتها قتلت إلا على قول من يقول لا تقتل المرتدة بل يحبسها حتى تسلم أو تموت وكذلك التحيل بالردة على حرمان الوارث كفر والافتاء بها كفر ولا تتم إلا على قول من يرى ان مال المرتد لبيت المال فأما على القول الراجح انه لورثته من المسلمين فلا تتم الحيلة وهذا القول هو الصواب فان ارتداده اعظم من مرض الموت المخوف وهو في هذه الحال قد تعلق حق الورثة بماله فليس له ان يسقط هذا التعلق بتبرع فهكذا المرتد بردته تعلق حق الورثة بماله إذ صار مستحقا للقتل.
فصل: الحيلة التي تعد من الكبائر وأما الحيل التي هي من الكبائر فمثل قتل امرأته إذا قتل حماته وله من امرأته ولد والصواب ان هذه الحيلة لا تسقط عنه القود وقولهم إنه ورث ابنه بعض دم ابيه فسقط عنه القود ممنوع فان القود وجب عليه اولا بقتل أم المرأة وكان لها ان تستوفيه ولها أن تسقطه فلما قتلها قام وليها في هذه الحال مقامها بالنسبة إليها وبالنسبة إلى امها ولو كان ابن القاتل فإنه لم يدل كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا ميزان عادل على ان الولد لا يستوفي القصاص من والده لغيره وغاية ما يدل عليه الحديث انه لا يقاد الوالد بولده على ما فيه من الضعف وفي حكمه من النزاع ولم يدل على انه لا يقاد بالاجنبي إذا كان الولد هو مستحق القود والفرق بينهما ظاهر فإنه في مسألة المنع قد أقيد بابنه وفي هذه الصورة إنما أقيد بالاجنبي وكيف تأتي شريعة أو سياسة عادلة بوجوب القود على من قتل نفسا بغير حق فإن عاد فقتل نفسا أخرى بغير حق وتضاعف إثمه وجرمه سقط عنه القود بل لو قيل: بتحتم قتله ولا بد إذا قصد هذا لكان أقرب إلى العقول والقياس.
فصل: الحيلة المحرمة ومن الحيل المحرمة التي يكفر من أفتى بها تمكين المرأة ابن زوجها من نفسها لينفسخ نكاحها حيث صارت موطوءة ابنه وكذا بالعكس أو وطئه حماته لينفسخ نكاح امرأته مع ان هذه الحيلة لا تتمشى إلا على قول من يرى أن حرمة المصاهرة تثبت بالزنا كما تثبت بالنكاح كما يقوله ابو حنيفة واحمد في المشهور من مذهبه والقول الراجح ان ذلك لا يحرم كما هو قول الشافعي وإحدى الروايتين عن مالك فإن التحريم بذلك موقوف على الدليل ولا دليل من كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح وقياس السفاح على النكاح في ذلك لا يصح لما بينهما من الفروق والله تعالى جعل الصهر قسيم النسب وجعل ذلك من نعمة التي امتن بها على عباده فكلاهما من نعمه وإحسانه فلا يكون الصهر من آثار الحرام وموجباته كما لا يكون النسب من آثاره بل إذا كان النسب الذي هو اصل لا يحصل بوطء الحرام فالصهر الذي هو فرع عليه ومشبه به اولى ألا يحصل بوطء الحرام وأيضا فإنه لو ثبت تحريم المصاهرة لا تثبت المحرمية التي هي من أحكامه فإذا لم تثبت المحرمية لم تثبت الحرمة وايضا فإن الله تعالى إنما قال: وحلائل ابنائكم ومن زنا بها الابن لا تسمى حليلة لغة ولا شرعا ولا عرفا وكذلك قوله ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنما المراد به النكاح الذي هو ضد السفاح ولم يأت في القرآن النكاح المراد به الزنا قط ولا الوطء المجرد عن عقد.
وقد تناظر الشافعي هو وبعض العراقيين في هذه المسألة ونحن نذكر مناظرته بلفظها. مناظرة بين الشافعي ومَنْ يرى حرمة المصاهرة بالزنا: قال الشافعي: الزنا لا يحرم الحلال وقال به ابن عباس قال الشافعي: "لأن الحرام ضد الحلال ولا يقاس شيء على ضده" فقال لي قائل: ما تقول لو قبلت امرأة الرجل ابنه بشهوة حرمت على زوجها أبداً فقلت: لِمَ قلت ذا والله تعالى إنما حرَّم أمهات نسائكم ونحو هذا بالنكاح فلم يجز أن يقاس الحرام بالحلال فقال: أجد جماعا وجماعا قلت جماعا حمدت به وأحصنت وجماعا رجمت به احدهما نقمة والآخر نعمة وجعله الله نسبا وصهرا وأوجب به حقوقا وجعلك محرما لام امرأتك وابنتها تسافر بهما وجعل على الزنا نقمة في الدينا بالحد وفي الآخرة بالنار إلا ان يعفو الله فتقيس الحرام الذي هو نقمة على الحلال الذي هو نعمة وقلت له فلو قال: لك وجدت المطلقة ثلاثا تحل بجماع زوج وإصابة فاحلها بالزنا لانه جماع كجماع قال: إذا اخطيء لأن الله تعالى أحلها بنكاح زوج قلت وكذلك ما حرم الله في كتابه بنكاح زوج واصابة زوج قال: أفيكون شيء يحرمه الحلال ولا يحرمه الحرام اقول به قلت نعم ينكح اربعا فيحرم عليه ان ينكح من النساء خامسة أفيحرم عليه إذا زنا باربع شيء من النساء قال: لا يمنعه الحرام مما يمنعه الحلال قال: فقد ترتد فتحرم على زوجها قلت نعم وعلى جميع الخلق وأقتلها وأجعل ما لها فيئا قال: فقد نجد الحرام يحرم الحلال قلت أما في مثل ما اختلفنا فيه من امر النساء فلا انتهى.
ومما يدل على صحة هذا القول ان احكام النكاح التي رتبها الله تعالى عليه من العدة والاحداد والميراث والحل والحرمة ولحوق النسب ووجوب النفقة والمهر وصحة الخلع والطلاق والظهار والايلاء والقصر على أربع ووجوب القسم والعدل بين الزوجات وملك الرجعة وثبوت الاحصان والاحلال للزوج الاول وغير ذلك من الاحكام لا يتعلق شيء منها بالزنا وان اختلف في العدة والمهر والصواب انه لا مهر لبغى كما دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما فطر الله عقول الناس على استقباحه فكيف يثبت تحريم المصاهرة من بين هذه الاحكام والمقصود ان هذه الحيلة باطلة شرعا كما هي محرمة في الدين
إبطال حيلة لاسقاط الحد في السرقة: وكذلك الحيلة على إسقاط حد السرقة بقول السارق هذا ملكي وهذه داري وصاحبها عبدي من الحيل التي هي إلى المضحكة والسخرية والاستهزاء بها أقرب منها إلى الشرع ونحن نقول معاذ الله ان يجعل في فطر الناس وعقولهم قبول مثل هذا الهذيان البارد المناقض للعقول والمصالح فضلا عن أن يشرع لهم قبوله وكيف يظن بالله وشرعه ظن السوء انه شرع رد الحق بالباطل الذي يقطع كل احد ببطلانه وبالبهتان الذي يجزم كل حاضر ببهتانه ومتى كان البهتان والوقاحة والمجاهرة بالزور والكذب مقبولا في دين من الاديان أو شريعة من الشرائع أو سياسة أحد من الناس ومن له مسكة من عقل وان بلى بالسرقة فإنه لا يرضى لنفسه بدعوى هذا البهت والزور ويالله وياللعقول ايعجز سارق قط عن التكلم بهذا البهتان ويتخلص من قطع اليد فما معنى شرع قطع يد السارق ثم إسقاطه بهذا الزور والبهتان
إبطال حيلة لاسقاط اليمين عن الغاصب: وكذلك إذا غصب شيئا فادعاه المغصوب منه فأنكر فطلب تحليفه.
قالوا: فالحيلة في إسقاط اليمين عنه أن يقر به لولده الصغير فيسقط عنه اليمين ويفوز بالمغصوب وهذه حيلة باطلة في الشرع كما هي محرمة في الدين بل المقر له إن كان كبيرا صارهو الخصم في ذلك وتوجهت عليه اليمين وإن كان صغيرا توجهت اليمين على المدعي عليه فإن نكل قضى به للمدعي وغرم قيمته لمن أقر له به لأنه بنكوله قد فوته عليه.
إبطال حيلة لاسقاط القصاص: وكذلك إذا جرح رجلا فخشى أن يموت من الجرح فدفع عليه دواء مسموما فقتله.
قال أرباب الحيل: يسقط عنه القصاص وهذا خطأ عظيم بل يجب عليه القصاص بقتله بالسم كما يجب عليه بقتله بالسيف ولو أسقط الشارع القتل عمن قتل بالسم لما عجز قاتل عن قتل من يريد قتله به آمنا إذ قد علم أنه لا يجب عليه القود وفي هذا من فساد العالم مالا تأتى به شريعة.
ابطال حيلة لاخراج الزوجة من الميراث: وكذلك إذا أراد إخراج زوجته من الميراث في مرضه وخاف ان الحاكم يورث المبتوتة قالوا: فالحيلة ان يقر انه كان طلقها ثلاثا وهذه حيلة محرمة باطلة لا يحل تعليمها ويفسق من علمها المريض ويستحق عقوبة الله ومع ذلك فلا تنفذ فإنه كما هو متهم بطلاقها فهو متهم بالإقرار بتقدم الطلاق على المرض وإذا كان الطلاق لا يمنع الميراث للتهمة فالإقرار لا يمنعه للتهمة ولا فرق بينهما فالحيلة باطلة محرمة.
إبطال حيلة لاسقاط الزكاة: وكذلك إذا كان في يده نصاب فباعه أو وهبه قبل الحول ثم استرده قال: ارباب الحيل تسقط عنه الزكاة بل لو ادعى ذلك لم يأخذ العامل زكاته وهذه حيلة محرمة باطلة ولا يسقط ذلك عنه فرض الله الذي فرضه وأوعد بالعقوبة الشديدة من ضيعه واهله فلو جاز إبطاله بالحيلة التي هي مكر وخداع لم يكن في إيجابه والوعيد على تركه فائدة.
وقد استقرت سنة الله في خلقه شرعا وقدرا على معاقبة العبد بنقيض قصده كما حرم القاتل الميراث وورث المطلقة في مرض الموت وكذلك الفار من الزكاة لايسقطها عنه فراره ولا يعان على قصده الباطل فيتم مقصود ويسقط مقصود الرب تعالى وكذلك عامة الحيل إنما يساعد فيها المتحيل على بلوغ غرضه ويبطل غرض الشارع.
إبطال حيلتين لاسقاط الكفارة: وكذلك المجامع في نهار رمضان إذا تغدى أو شرب الخمر اولا ثم جامع قالوا: لا تجب عليه الكفارة وهذا ليس بصحيح فإن إضمامه إلى إثم الجماع إثم الاكل والشرب لا يناسب التخفيف عنه بل يناسب تغليظ الكفارة عليه ولو كان هذا يسقط الكفارة لم تجب كفارة على واطيء اهتدى لجرعة ماء أو ابتلاع لبابة أو أكل زبيبة فسبحان الله هل أوجب الشارع الكفارة لكون الوطء لم يتقدمه مفطر قبله أو للجناية على زمن الصوم الذي لم يجعله الله محلا للوطء أفترى بالأكل والشرب قبله صار الزمان محلا للوطء فانقلبت كراهة الشارع له محبة ومنعه إذنا هذا من المحال وأفسد من هذا قولهم الحيلة في إسقاط الكفارة أن ينوي قبل الجماع قطع الصوم فإذا أتى بهذه النية فليجامع آمنا من وجوب الكفارة ولازم هذا القول الباطل انه لا تجب كفارة على مجامع أبدا وإبطال هذه الشريعة رأسا فإن المجامع لا بد ان يعزم على الجماع قبل فعله وإذا عزم على الجماع فقد تضمنت نيته قطع الصوم فأفطر قبل الفعل بالنية الجازمة للإفطار فصادفه الجماع وهو مفطر بنية الإفطار السابقة على الفعل فلم يفطر به فلا تجب الكفارة فتأمل كيف تضمن الحيل المحرمة مناقضة الدين وإبطال الشرائع.
إبطال حيلة لإسقاط وجوب القضاء في الحج: وكذلك قالوا: لو ان محرما خاف الفوت وخشى القضاء من قابل فالحيلة في إسقاط القضاء أن يكفر بالله ورسوله في حال إحرامه فيبطل إحرامه فإذا عاد إلى الاسلام لم يلزمه القضاء من قابل بناء على ان المرتد كالكافر الاصلي فقد اسلم إسلاما مستأنفا لا يجب عليه فيه قضاء ما مضى ومن له مسكة من علم ودين يعلم ان هذه الحيلة مناقضة لدين الاسلام اشد مناقضة فهو في شق، والاسلام في شق.
إبطال حيلة في إسقاط الحق: وكذلك لو وكل رجلا في استيفاء حقه فرفعه إلى الحاكم فأراد ان يحلفه بالطلاق أنه لا حق لوكيله قبله فالحيلة في حلفه صادقا ان يحضر الموكل إلى منزله ويدفع اليه حقه ثم يغلق عليه الباب ويمضي مع الوكيل فإذا حلف أنه لا حق لوكيله قبله حلف صادقا فإذا رجع إلى البيت فشأنه وشأن صاحب الحق.
وهذه شر من حيلة اليهود اصحاب الحيتان وهذه وأمثالها انما هي من حيل اللصوص وقطاع الطريق فما لدين الله ورسوله وإدخالها فيه ولا يجدي عليه هذا الفعل في بره باليمين شيئا بل هو حانث كل الحنث إذ لم يتمكن صاحب الحق من الظفر بحقه فهو في ذمة الحالف كما هو وإنما يبرأ منه إذا تمكن صاحبه من قبضه وعد نفسه مستوفيا لحقه.
ابطال بعض الحيل لإسقاط الزكاة: وكذلك لو كان له عروض للتجارة فأراد ان يسقط زكاتها قالوا: فالحيلة ان ينوي بها القنية في آخر الحول يوما أو أقل ثم ينقض هذه النية ويعيدها للتجارة فيستأنف بها حولا ثم يفعل هكذا في آخر كل حول فلا تجب عليه زكاتها أبدا.
فيالله العجب أيروج هذا الخداع والمكر والتلبيس على احكم الحاكمين الذي يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور ثم إن هذه الحيلة كما هي مخادعة لله ومكر بدين الاسلام فهي باطلة في نفسها فإنها إنما تصير للقنية إذا لم يكن من نيته إعادتها للتجارة فأما وهو يعلم أنه لا يقتنيها ألبتة ولا له حاجة باقتنائها وإنما أعدها للتجارة فكيف تتصور منه النية الجازمة للقنية وهو يعلم قطعا أنه لا يقتنيهما ولا يريد اقتناءها وإنما هو مجرد حديث النفس أو خاطر أجراه على قلبه بمنزلة من يقول بلسانه أعددتها للقنية وليس ذلك في قلبه أفلا يستحي من الله من يسقط فرائضه بهذا الهوس وحديث النفس؟
وأعجب من هذا انه لو كان عنده عين من الذهب والفضة فأراد إسقاط زكاتها في جميع عمره فالحيلة أن يدفعها إلى محتال مثله أو غيره في آخر الحول ويأخذ منه نظيرها فيستأنف له الحول ثم في آخره يعود فيستبدل بها مثلها فإذا هو فعل مثل ذلك لم تجب عليه زكاته ما عاش وأعظم من هذه البلية إضافة هذا المكر والخداع إلى الرسول وان هذا من الدين الذي جاء به.
ومثل هذا وأمثاله منع كثيرا من أهل الكتاب من الدخول في الاسلام وقالوا كيف يأتي رسول الله بمثل هذه الحيل وأساءوا ظنهم به وبدينه وتواصوا بالتمسك بما هم عليه وظنوا ان هذا هو الشرع الذي جاء به وقالوا كيف تأتى بهذا شريعة أو تقوم به مصلحة أو يكون من عند الله ولو ان ملكا من الملوك ساس رعيته بهذه السياسة لقدح ذلك في ملكه قالوا: وكيف يشرع الحكيم الشيء لما في شرعه من المصلحة ويحرم لما في فعله من المفسدة ثم يبيح إبطال ذلك بأدنى حيلة تكون وترى الواحد منهم إذا ناظره المسلم في صحة دين الاسلام إنما يحتج عليه بهذه الحيل كما هو في كتبهم وكما نسمعه من لفظهم عند المناظرة فالله المستعان.
وكذلك قالوا: لو كان له نصاب من السائمة فأراد إسقاط زكاتها فالحيلة في ذلك أن يعلفها يوما واحدا ثم تعود إلى السوم وكذلك يفعل في كل حول وهذه حيلة باطلة لا تسقط عنه وجوب الزكاة بل وكذلك كل حيلة يتحيل بها على إسقاط فرض من فرائض الله أو حق من حقوق عباده لا يزيد ذلك الفرض إلا تأكيدا وذلك الحق إلا إثباتا.
إبطال حيلة لإبطال الشهادة وكذلك قالوا: إذا علم أن شاهدين يشهدان عليه فأراد ان يبطل شهادتها فليخاصمهما قبل الرفع إلى الحاكم وهذه الحيلة حسنة إذا كانا يشهدان عليه بالباطل فإذا علم أنهما يشهدان بحق لم تحل له مخاصمتهما ولا تسقط هذه المخاصمة شهادتهما.
إبطال حيلة لضمان البساتين: وكذلك قالوا: لا يجوز ضمان البساتين والحيلة على ذلك ان يؤجره الارض ويساقيه على الثمر من كل ألف جزء على جزء وهذه الحيلة لا تتم إذا كان البستان وقفا وهو ناظره أو كان ليتيم فإن هذه المحاباة في المسقاة تقدح في نظره ووصيته.
فإن قيل: إنها تغتفر لأجل العقد الآخر وما فيه من محاباة المستأجر له فهذا لا يجوز له أن يحابى في المساقاة لما حصل للوقف واليتيم من محاباة اخرى وهو نظير ان يبيع له سلعة بربح ثم يشترى له سلعة بخسارة توازن ذلك الربح هذا إذا لم يبن احد العقدين على الآخر فإن بنى عليه كانا عقدين في عقد وكانا بمنزلة سلف وبيع وشرطين في بيع وإن شرط أحد العقدين في الآخر فسدا مع ان هذه الحيلة لا تتم إلا على أصل من لم ير جواز المساقاة أو من حصها بالتحيل وحده ثم فيها مفسدة اخرى وهي أن المساقاة عقد جائز فمتى أراد أحدهما فسخها فسخها وتضرر الآخر. ومفسدة ثانية وهي انه يجب عليه تسليم هذا الجزء من ألف جزء من جميع ثمرة البستان من كل نوع من انواعه وقد يتعذر عليه ذلك أو يتعسر إما بأن يأكل الثمرة أو يهديها كلها أو يبيعها على أصولها فلا يمكنه تسليم ذلك الجزء وهكذا يقع سواء ثم قد يكون ذلك الجزء من الالف يسيرا جدا فلا يطالب به عادة فيبقى في ذمته لليتيم وجهه الوقف إلى غير ذلك من المفاسد التي في هذه الحيلة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أفقه من ذلك وأعمق علما وأقل تكلفا وأبر قلوبا فكانوا يرون ضمان الحدائق بدون هذه الحيلة كما فعله عمر بن الخطاب رضى الله عنه بحديقة أسيد بن حضير ووافقه عليه جميع الصحابة فلم ينكره منهم رجل واحد وضمان البساتين كما هو إجماع الصحابة فهو مقتضى القياس الصحيح كما تضمن الارض لمغل الزرع فكذلك تضمن الشجر لمغل الثمر ولا فرق بينهما ألبتة إذ الاصل هنا كالأرض هناك والمغل يحصل بخدعة المستأجر والقيام على الشجر كما يحصل بخدمته والقيام على الارض ولو استأجر أرضا ليحرثها ويسقيها ويستغل ما ينبته الله تعالى فيها من غير بذر منه كان بمنزلة استئجار الشجر من كل وجه لا فرق بينهما ألبتة فهذا من هذه الحيلة وأبعد من الفساد وأصلح للناس واوفق للقياس وهو أختيار أبي الوفاء ابن عقيل وشيخ الاسلام ابن تيمية رضى الله عنهما وهو الصواب.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:24 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الأربعاء 27 يوليو 2016, 3:02 pm | |
| فصل: الحيلة السريجية لسد باب الطلاق ومن هذا الباب الحيلة السريجية التي حدثت في الاسلام بعد المائة الثالثة وهي تمنع الرجل من القدرة على الطلاق ألبتة بل تسد عليه باب الطلاق بكل وجه فلا يبقى له سبيل إلى التخلص منها ولا يمكنه مخالعتها عند من يجعل الخلع طلاقا وهي نظير سد الانسان على نفسه باب النكاح بقوله كل امرأة أتزوجها فهى طالق فهذا لو صح تعليقه لم يمكنه في الاسلام ان يتزوج امرأة ما عاش وذلك لو صح شرعه لم يمكنه أن يطلق امرأة أبداً.
وصورة هذه الحيلة ان يقول كلما طلقتك أو كلما وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا قالوا: فلا يتصور وقوع الطلاق بعد ذلك إذ لو وقع لزم وقوع ما علق به وهو الثلاث فإذا وقعت الثلاث امتنع وقوع هذا المنجز فوقوعه يفضى إلى عدم وقوعه وما أفضى وجوده إلى عدم وجوده لم يوجد هذا اختيار ابى العباس ابن سريج ووافقه عليه جماعة من أصحاب الشافعي.
وأبى ذلك جمهور الفقهاء من المالكية والحنفية والحنبلية وكثير من الشافعية ثم اختلفوا في وجه إبطال هذا التعليق فقال الاكثرون هذا التعليق لغو وباطل من القول فإنه يتضمن المحال وهو وقوع طلقة مسبوقه بثلاث وهذا محال فما تضمنه فهو باطل من القول فهو بمنزلة قوله إذا وقع عليك طلاقي لم يقع وإذا طلقتك لم يقع عليك طلاقي ونحو هذا من الكلام الباطل بل قوله إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا أدخل في الاحالة والتناقض فإنه في الكلام الاول جعل وقوع الطلاق مانعاً ومن وقوعه مع قيام الطلاق وهنا جعل وقوعه مانعاً ومن وقوعه مع زيادة محال عقلاً وعادة فالمتكلم به يتكلم بالمحال قاصداً للمحال فوجود هذا التعليق وعدمه سواء فإذا طلقها بعد ذلك نفذ طلاقها ولم يمنع منه مانع وهذا اختيار أبي الوفاء بن عقيل وغيره من أصحاب احمد وابي العباس بن القاص من اصحاب الشافعي.
وقالت فرقة اخرى بل المحال إنما جاء من تعليق الثلاث على المنجز وهذا محال ان يقع المنجز ويقع جميع ما علق به فالصواب ان يقع المنجز ويقع جميع ما علق به أو تمام الثلاث من المعلق وهذا اختيار القاضي وابي بكر وبعض الشافعية ومذهب أبي حنيفة والذين منعوا وقوع الطلاق جملة قالوا: هو ظاهر كلام الشافعي فهذا تلخيص الاقوال في هذا التعليق.
قال المصححون للتعليق صدر من هذا الزوج طلاقان منجز ومعلق والمحل قابل وهو ممن يملك التنجيز والتعليق والجمع بينهما ممتنع ولامزية لاحدهما على الآخر فتمانعا وتساقطا وبقيت الزوجية بحالها وصار كما لو تزوج اختين في عقد واحد فإنه يبطل نكاحهما لهذا الدليل بعينه.
وكذلك إذا أعتق امته في مرض موته وزوجها عبده ولم يدخل بها وقيمتها مائة ومهرها مائة وباقي التركة مائة لم يثبت لها الخيار لان إثبات الخيار يقتضي سقوط المهر وسقوط المهر يقتضي نفي الخيار والجمع بينهما لا يمكن وليس احدهما اولى من الآخر لان طريق ثبوتهما الشرع فأبقينا النكاح ورفضنا الخيار ولم يسقط المهر وكل ما افضى وقوعه إلى عدم وقوعه فهذه سبيله.
ومثاله في الحس إذا تشاح اثنان في دخول دار وهما سواء في القوة وليس لأحدهما على الآخر مزية توجب تقديمه فإنهما يتمانعان فلا يدخل واحد منهما وهذا مشتق من دليل التمانع على التوحيد وهو ان يستحيل ان يكون للعالم فاعلان مستقلان بالفعل فإن استقلال كل منهما ينفى استقلال الآخر فاستقلالهما يمنع استقلالهما ووزانه في هذه المسألة ان وقوعهما يمنع وقوعهما.
قالوا: وغاية ما في هذا الباب استلزام هذا التعليق لدور حكمى يمنع وقوع المعلق والمنجز ونحن نريكم من مسائل الدور التي يفضى وقوعها إلى عدم وقوعها كثيرا ومنها ما ذكرناه ومنها ما لو وجد من أحدهما ريح وشك كل واحد منهما هل هي منه أو من صاحبه لم يجز اقتداء احدهما بالآخر لان اقتداءه به يبطل اقتداءه وكذلك لو كان معهما إناءان أحدهما نجس فأدى اجتهاد كل منهما إلى إناء لم تجز القدوة بينهما لانها تفضى إلى ابطال القدرة.
وكذلك إذا اجتهد في الثوبين والمكانين ومنها لو زوج عبده حرة وضمن السيد مهرها ثم باعه لزوجه قبل الدخول بها فالبيع باطل لان صحته تؤدي إلى فساده إذ لو صح لبطل النكاح لانها إذا ملكت زوجها بطل نكاحها وإذا بطل سقط مهرها لان الفرقة من جهتها وإذا سقط مهرها وهو الثمن بطل البيع والعتق ألبتة بل إما أن يصح البيع ولا يقع العتق إذ لو وقع العتق لبطل البيع وإذا بطل بطل العتق فوقوعه يؤدي إلى عدم وقوعه وهذا قول المزني.
وقال ابن سريج لا يصح بيعه لانه لو صح لوقع العتق قبله ووقوع العتق قبله يمنع صحة البيع فصحة البيع تمنع صحته وكذلك لو قال: له: "إذا رهنتك فأنت حر قبله بساعة وكذلك لو قال: لعبيده ولا مال له سواهم وقد أفلس إن حجر الحاكم على فانتم أحرار قبل الحجر بيوم لم يصح الحجر لان صحته تمنع صحته ومثاله لو قال: لعبده متى صالحت عليك فأنت حر قبل الصلح ومثله لو قال: لامرأته إن صالحت فلانا وانت امرأتي فأنت طالق قبله بساعة لم يصح الصلح لان صحته تمنع صحته.
ومثل لو قال: لعبده متى ضمنت عنك صداق امرأتك فأنت حر قبله إن كنت في حال الضمان مملوكي ثم ضمن عنه الصداق لم يصح لانه لو صح لعتق قبله واذا عتق قبله لم يصادف الضمان شرطه وهو كونه مملوكه وقت الضمان وكذلك لا يقع العتق لان وقوعه يؤدي إلى ان لا يصح الضمان عنه وإذا لم يصح الضمان عنه لم يصح العتق فكل من الضمان والعتق تؤدي صحته إلى بطلانه فلا يصح واحد منهما ومثله ما لو قال: إن شاركني في هذا العبد شريك فهو حر قبله بساعة لم تصح الشركة فيه بعد ذلك لانها لو ضحت لعتق العبد وبطلت الشركة فصحتها تفضى إلى بطلانها.
ومثله لو قال: إن وكلت إنسانا ببيع هذا العبد أو رهنه أو هبته وكالة صحيحة فهو قبله بساعة حر لم تصح الوكالة لان صحتها تؤدي إلى بطلانها ومثله ما لو قال: لامرأته إن وكلت وكيلا في طلاقك فأنت طالق قبله أو معه ثلاثا لم يصح توكيله في طلاقها إذ لو صحت الوكالة لطلقت في حال الوكالة أو قبلها فتبطل الوكالة فصحتها تؤدي إلى بطلانها وكذلك لو خلف الميت ابنا فاقر بابن آخر للميت فقال المقربه أنا ابنه وأما انت فلست بابنه لم يقبل إنكار المقربه لأن قبول قوله يبطل قوله ومن هنا قال: الشافعي لو ترك أخا لأب وأم فأقر الاخ بابن للميت ثبت نسبه ولم يرث لأنه لو ورث لخرج المقر عن ان يكون وارثا وإذا لم يكن وارثا لم يقبل إقراره بوارث آخر.
فتوريث الابن يفضى إلى عدم توريثه ونازعه الجمهور في ذلك وقالوا إذا ثبت نسبه ترتب عليه أحكام النسب ومنها الميراث ولا يفضى توريثه إلى عدم توريثه لانه بمجرد الإقرار يثبت النسب ويترتب عليه الميراث والاخ كان وارثا في الظاهر فحين أقر كان هو كل الورثة وإنما خرج عن الميراث بعد الإقرار وثبوت النسب فلم يكن توريث الابن مبطلا لكون المقر وارثا حين الاقرار وان بطل كونه وارثا بعد الاقرار وثبوت النسب.
وأيضا فالميراث تابع لثبوت النسب والتابع اضعف من المتبوع فإذا ثبت المتبوع الأقوى فالتابع أولى ألا ترى ان النساء تقبل شهادتهن منفردات في الولادة ثم في النسب ونظائر ذلك كثيرة.
ومن المسائل التي يفضى ثبوتها إلى إبطالها لو أعتقت المرأة في مرضها عبدا فتزوجها وقيمته تخرج من الثلث صح النكاح ولا ميراث له إذ لو ورثها لبطل تبرعها له بالعتق لأنه يكون تبرعا لوارث وإذا بطل العتق بطل النكاح وإذا بطل بطل الميراث وكان توريثه يؤدي إلى ابطال توريثه وهذا على اصل الشافعي وأما على قول الجمهور فلا يبطل ميراثه ولا عتقه ولا نكاحه لانه حين العتق لم يكن وارثا فالتبرع نزل في غير وارث والعتق المنجز يتنجز من حينه ثم صار وارثا بعد ثبوت عتقه وذلك لا يضره شيئا.
ومن ذلك لو أوصى له بابنه فمات قبل قبول الوصية وخلف إخوة لابيه فقبلوا الوصية عتق على الموصى له ولم يصح ميراثه منه إذ لو ورث لاسقط ميراث الاخوة وإذا سقط ميراثهم بطل قبولهم للوصية فيبطل عتقه لأنه مرتب على القبول وكان توريثه مفضيا إلى عدم توريثه.
والصواب قول الجمهور أنه يرث ولا دور لان العتق حصل حال القبول وهم ورثة ثم ترتب على العتق تابعه وهو الميراث وذلك بعد القبول فلم يكن الميراث مع القبول ليلزم الدور وإنما ترتب على القبول العتق وعلى العتق الميراث فهو مترتب عليه بدرجتين.
ومن المسائل التي يفضى ثبوتها إلى بطلانها لو زوج عبده امرأة وجعل رقبته صداقها لم يصح إذا لو صح لملكته وانفسخ النكاح ومنها لو قال: لأمته متى أكرهتك فأنت حرة حال النكاح أو قبله فأكرهها على النكاح لم يصح إذ لو صح النكاح عتقت ولو عتقت بطل إكراهها فيبطل نكاحها ومنها لو قال: لامرأته قبل الدخول متى استقر مهرك على فأنت طالق قبله ثلاثا ثم وطئها لم يستقر مهرها بالوطء لأنه لو استقر لبطل النكاح قبله ولو بطل النكاح قبله لكان المستقر نصف المهر لاجميعه فاستقراره يؤدي إلى بطلان استقراره هذا على قول ابن سريج وأما على قول المزني فإنه يستقر المهر بالوطء ولا يقع الطلاق لانه معلق على صفة تقتضي حكما مستحيلا.
فصل: المجيزون للحيل يؤيدون رأيهم ومن المسائل التي يؤدي ثبوتها إلى نفيها لو قال: لامرأته إن لم أطلقك اليوم فأنت طالق اليوم ومضى اليوم ولم يطلقها لم تطلق إذ لو طلقت بمضي اليوم لكان طلاقها مستندا إلى وجود الصفة وهي عدم طلاقها اليوم وإذا مضى اليوم ولم يطلقها لم يقع الطلاق المعلق باليوم.
ومنها لو تزوج أمة ثم قال: لها إن مات مولاك وورثتك فأنت طالق أو قال: إن ملكتك فأنت طالق ثم ورثها أو ملكها بغير إرث لا يقع الطلاق إذ لو وقع لم تكن الزوجة في حال وقوعه ملكا له لاستحالة وقوع الطلاق في ملكه فكان وقوعه مفضيا إلى عدم وقوعه.
ومنها لو كان العبد بين موسرين فقال كل منهما لصاحبه متى اعتقت نصيبك فنصيبي حر قبل ذلك فأعتق احدهما نصيبه لم ينفذ عتقه لانه لو نفذ لوجب عتق نصيب صاحبه قبله وذلك يوجب السراية إلى نصيبه فلا يصادف إعتاقه محلا فنفوذ عتقه يؤدي إلى عدم نفوذه والصواب في هذه المسألة بطلان هذا التعليق لتضمنه المحال وأيهما عتق نصيبه صح وسرى إلى نصيب شريكه.
ومنها لو قال: لعبده إن دبرتك فأنت حر قبله ثم دبره صح التدبير ولم يقع العتق لأن وقوعه يمنع صحة التدبير وعدم صحته يمنع وقوع العتق وكانت صحته تفضى إلى بطلانه هذا على قول المزنى وعلى قول ابن سريج لايصح التدبير لأنه لو صح لوقع العتق قبله وذلك يمنع التدبير وكان وقوعه يمنع وقوعه.
ونظيره ان يقول لمدبره متى ابطلت تدبيرك فأنت حر قبله ثم ابطله بطل ولم يقع العتق على قول المزنى إذ لو وقع لم يصادف إبطال التدبير محلا وعلى قول ابن سريج لايصح إبطال التدبير لأنه لو صح إبطاله لوقع العتق ولو وقع العتق لم يصح إبطال التدبير ومثله لو قال: لمدبره إن بعتك فأنت حر قبله ومثله لو قال: لعبده إن كاتبتك غدا فأنت اليوم حر ثم كاتبه من الغد ومثله لو قال: لمكاتبه إن عجزت عن كتابتك فأنت حر قبله ومثله لو قال: متى زنيت أو سرقت أو وجب عليك حد وانت مملوك فأنت حر قبله ثم وجد الوصف وجب الحد ولم يقع العتق المعلق به إذ لو وقع لم توجد الصفة فلم يصح وكان مستلزما لعدم وقوعه ومثله ان يقول له متى جنيت جناية وانت مملوكي فأنت حر قبله ثم جنى لم يعتق ومثله ان يقول له متى بعتك وتم البيع فأنت حر قبله ثم باعه فعلى قول المزنى يصح البيع ولا يقع العتق لأن وقوعه يستلزم عدم وقوعه وعلى قول ابن سريج لايصح البيع لأنه يعتق قبله وعتقه يمنع صحة بيعه.
ومثله لو قال: لأمته إن صليت ركعتين مكشوفة الرأس فأنت حرة قبل ذلك فصلت مكشوفة الرأس فعلى قول المزنى تصح الصلاة دون العتق وعلى قول ابن سريج لا تصح الصلاة لأنها لو صحت عتقت قبل ذلك واذا عتقت بطلت صلاتها وكانت صحة صلاتها مستلزمة لبطلانها ومنها لو زوج أمته بحر وادعى عليه مهرها قبل الدخول وادعى الزوج الاعسار وادعى سيد الامة يساره قبل نكاحه الامة بميراث أو غيره لم تسمع دعواه إذ لو ثبتت دعواه لبطل النكاح لانه لا يصح نكاح الامة مع وجود الطول وإذا بطل النكاح بطل دعوى المهر.
وكذلك لو تزوج بأمة فادعت ان الزوج عنين لم تسمع دعواها إذ لو ثبتت دعواها لزال خوف العنت الذي شرط في نكاح الامة وذلك يبطل النكاح وبطلانه يوجب بطلان الدعوى منها فلما كانت صحة دعواها تؤدي إلى إفسادها أفسدناها.
وكذلك المرأة إذا ادعت على سيد زوجها أنه باعه إياها بمهرها قبل الدخول لم تصح دعواها لأنها لو صحت لسقط نصف المهر وبطل البيع في العبد.
وكذلك لو شهد شاهدان على عتق عبد فحكم بعتقه ثم ادعى العبد بعد الحكم بحريته على احد الشاهدين انه مملوكه لم تسمع دعواه لأن تحقيقها يؤدي إلى بطلان الشهادة على العتق فتبطل دعوى ملكة للشاهد وكذلك لو سبى مراهق من أهل الحرب ولم يعلم بلوغه فأنكر البلوغ لم يستحلف لأن إحلافه يؤدي إلى إبطال استحلافه فإنا لو حلفناه لحكمنا بصغره والحكم بالصغر يمنع الاستحلاف.
ونظيره لو ادى على أم مراهق ما يوجب القصاص أو قذفا يوجب الحد أو مالا من مبايعة أو ضمان أو غير ذلك وادعى انه بالغ وانه يلزمه الحكم بذلك فأنكر الغلام ذلك فالقول قوله ولا يمين عليه إذ لو حلفناه لحكمنا بصغره والحكم بالصغر يسقط اليمين عنه وإذا لم يكن هنا يمين لم يكن رد يمين لان رد اليمين إنما يكون عند نكول من هو من أهلها وكذلك لو أعتق المريض جارية له قيمتها مائة وتزوج بها في مرض موته ومهرها مائة وترك مائتي درهم فالنكاح صحيح ولا مهر لها ولا ميراث أما الميراث فلأنها لو ورثت لبطلت الوصية بعتقها لان العتق في المرض وصية وفي بطلان الوصية بطلان الحرية وفيه بطلان الميراث واما سقوط المهر فلأنه لو ثبت لركب السيد دين ولم تخرج قيمتها من الثلث فيبطل عتقها كلها فلم يكن للزوج ان ينكحها وبعضها رقيق فيبطل المهر فكان ثبوت المهر مؤديا إلى بطلانه.
فالحكم بإبطالها مستفاد من قوله تعالى: {وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً} فعير تعالى من نقض شيئاً بعد أن أثبته فدل على ان كل ما كان إثباته مؤدياً إلى نفيه وإبطاله كان باطلاً فهذا ما احتج به السريجيون.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:24 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الأربعاء 27 يوليو 2016, 3:10 pm | |
| الرد على السرجيين: قال الآخرون لقد أطلتم الخطب في هذه المسألة ولم تأتوا بطائل وقلتم ولكن تركتم مقالا لقائل وتأبى قواعد اللغة والشرع والعقل لهذة المسائل تصحيحا والميزان العادل لها عند الوزن ترجيحا وهيهات أن تكون شريعتنا في هذه المسألة مشابهة لشريعة اهل الكتاب إذ يستحيل وقوع الطلاق وتسد دونه الابواب وهل هذا إلا تغيير لما علم بالضرورة من الشريعة وإلزام لها بالاقوال الشنيعة وهذا أشنع من سد باب النكاح بتصحيح تعليق الطلاق لكل من تزوجها في مدة عمره فإنه وإن كان نظير سد باب الطلاق لكن قد ذهب إليه بعض السلف وأما هذه المسألة فمهما حدث في الاسلام بعد انقراض الاعصار المفضلة.
ونحن نبين مناقضة هذه المسألة للشرع واللغة والعقل ثم نجيب عن شبهكم شبهة شبهة.
أما مناقضتها للشرع فإن الله تعالى شرع للأزواج إذا أرادوا استبدال زوج مكان زوج والتخلص من المرأة الطلاق وجعله بحكمته ثلاثا توسعة على الزوج إذ لعله يبدو له ويندم فيراجعها وهذا من تمام حكمته ورأفته ورحمته بهذه الامة ولم يجعل انكحتهم كأنكحة النصارى تكون المرأة غلا في عنق الرجل إلى الموت ولا يخفى ما بين الشريعتين من التفاوت وان هذه المسألة منافية لإحداهما منافاة ظاهرة ومشتقة من الاخرى اشتقاقا ظاهرا ويكفى هذا الوجه وحده في إبطالها.
وأما مناقضتها للغة فإنها تضمنت كلاما ينقض بعضه بعضا ومضمونه إذا وجد الشيء لم يوجد وإذا وجد الشيء اليوم فهو موجود قبل اليوم وإذا فعلت الشيء اليوم فقد وقع منى قبل اليوم ونحو هذا من الكلام المتناقض في نفسه الذي هو إلى المحال أقرب منه إلى الصحيح من المقال.
وأما مناقضتها قضايا العقول فلأن الشرط يستحيل ان يتأخر وجوده عن وجود المشروط ويتقدم المشروط عليه في الوجود هذا ممالا يعقل عند احد من العقلاء فإن رتبة الشرط التقدم أو المقارنة والفقهاء وسائر العقلاء معهم مجمعون على ذلك فلو صح تعليق المشروط بشرط متأخر بعده لكان ذلك إخراجا له عن كونه شرطا أو جزء شرط أو علة أو سببا فإن الحكم لا يسبق شرطه ولا سببه ولا علته إذ في ذلك إخراج الشروط والاسباب والعلل عن حقائقها وأحكامها ولو جاز تقديم الحكم على شرطه لجاز تقديم وقوع الطلاق على إيقاعه فإن الايقاع سبب والاسباب تتقدم مسبباتها كما ان الشروط رتبتها التقدم فإذا جاز إخراج هذا عن رتبته جاز إخراج الآخر عن رتبته فجوزوا حينئذ تقدم الطلاق على التطليق والعتق على الاعتاق والملك على البيع وحل المنكوحة على عقد النكاح.
وهل هذا في الشرعيات إلا بمنزلة تقدم الانكسار على الكسر والسيل على المطر والشبع على الاكل والولد على الوطء وأمثال ذلك ولاسيما على أصل من يجعل هذه العلل والاسباب علامات محضة ولا تأثير لها بل هي معرفات والمعرف يجوز تأخيره عن المعرف.
وبهذا يخرج الجواب عن قولكم إن الشروط الشرعية معرفات وأمارات وعلامات والعلامة يجوز تأخرها فإن هذا وهم وإيهام من وجهين.
الشروط وأحكامها: أحدهما: أن الفقهاء مجمعون على ان الشرائط الشرعية لا يجوز تأخرها عن المشروط ولو تأخرت لم تكن شروطا. الثاني: أن هذا شرط لغوي كقوله إن كلمت زيدا فأنت طالق ونحو ذلك وإن خرجت بغير إذنى فأنت طالق ونحو ذلك والشروط اللغوية أسباب وعلل مقتضية لاحكامها اقتضاء المسببات لاسبابها.
ألا ترى أن قوله إن دخلت الدار فأنت طالق سبب ومؤثر وأثر ولهذا يقع جوابا عن العلة فإذا قال: لم أطلقها قال: لوجود الشرط الذي علقت عليه الطلاق فلولا أن وجوده مؤثر في الايقاع لما صح هذا الجواب ولهذا يصح ان يخرجه بصيغة القسم فيقول الطلاق يلزمني لا تدخلين الدار فيجعل إلزامه للطلاق في المستقبل مسببا عن دخولها الدار بالقسم والشرط وقد غلط في هذا طائفة من الناس حيث قسموا الشرط إلى شرعي ولغوي وعقلي ثم حكموا عليه بحكم شامل فقالوا الشرط يجب تقديمه على المشروط ولا يلزم من وجوده وجود المشروط ويلزم من انتفائه انتفاء المشروط كالطهارة للصلاة والحياة للعلم ثم أوردوا على نفسهم الشرط اللغوي فإنه يلزم من وجوده وجود المشروط ولا يلزم من انتفائه انتفاؤه لجواز وقوعه بسبب آخر ولم يجيبوا عن هذا الإيراد بطائل والتحقيق ان الشروط اللغوية اسباب عقلية والسبب إذا تم لزم من وجوده وجود مسببه وإذا انتفى لم يلزم نفى المسبب مطلقا لجواز خلف سبب اخر بل يلزم انتفاء السبب المعين عن هذا المسبب.
وأما قولكم إنه صدر من هذا الزوج طلاقان منجز ومعلق والمحل قابل لهما فجوابه بالمنع فإن الحل ليس بقابل فإنه يتضمن المحال والمحل لا يقبل المحال نعم هو قابل للمنجز وحده فلا مانع من وقوعه وكيف تصح دعواكم ان المحل قابل للمعلق ومنازعكم إنما نازعكم فيه وقال ليس المحل بقابل للمعلق فجعلتم نفس الدعوى مقدمة في الدليل.
وقولكم: إن الزوج ممن يملك التنجيز والتعليق جوابه إنما يملك التعليق الممكن فأما التعليق المستحيل فلم يملكه شرعا ولا عرفا ولا عادة وقولكم لا مزية لاحدهما على الاخر باطل بل المزية كل المزية لاحدهما على الآخر فإن المنجز له مزية الامكان في نفسه والمعلق له مزية الاستحالة والامتناع فلم يتمانعا ولم يتساقطا فلم يمنع من وقوع المنجز مانع وقولكم إنه نظير ما لو تزوج أختين في عقد جوابه أنه تنظير باطل فإنه ليس نكاح إحداهما شرطا في نكاح الاخرى بخلاف مسألتنا فإن المنجز شرط في وقوع المعلق وذلك عين المحال.
وقولكم إنه لا مزية لأحد الطلاقين على الآخر باطل بل للمنجز مزية من عدة وجوه أحدها قوة التنجيز على التعليق الثاني ان التنجيز لا خلاف في وقوع الطلاق به واما التعليق ففيه نزاع مشهور بين الفقهاء والموقعون لم يقيموا على المانعين حجة توجب المصير اليها مع تناقضهم فيما يقبل التعليق ومالا يقبله فمنازعوهم يقولون الطلاق لا يقبل كما قلتم أنتم في الاسقاط والوقف والنكاح والبيع ولم يفرق هؤلاء بفرق صحيح وليس الغرض ذكر تناقضهم بل الغرض ان للمنجز مزية على المعلق الثالث ان المشروط هو المقصود لذاته والشرط تابع ووسيلة الرابع أن المنجز لا مانع من وقوعه لأهلية الفاعل وقبول المحل والتعليق المحال لا يصلح ان يكون مانعا من اقتضاء السبب الصحيح اثره.
الخامس أن صحة التعليق فرع على ملك التنجيز فإذا انتفى ملكه للمنجز في هذه المسألة انتفى صحة التعليق فصحة التعليق تمنع من صحته وهذه معارضة صحيحة في أصل المسألة فتأملها السادس انه لو قال: في مرضه إذا اعتقت سالما فغانم حر ثم اعتق سالما ولا يخرجان من الثلث قدم عتق المنجز على المعلق لقوته يوضحه الوجه السابع أنه لو قال: لغيره ادخل الدار فإذا دخلت أخرجتك وهو نظيره في القوة فإذا دخل لم يمكنه إخراجه وهذا المثال وزان مسألتنا فإن المعلق هو الاخراج والمنجز هو الدخول الثامن ان المنجز في حيز الامكان والمعلق قد قارنه ما جعله مستحيلا التاسع ان وقوع المنجز يتوقف على امر واحد وهو التكلم باللفظ اختيارا ووقوع المعلق يتوقف على التكلم باللفظ ووجود الشرط وما توقف على شيء واحد أقرب وجودا مما توقف على أمرين العاشر أن وقوع المنجز موافق لتصرف الشارع وملك المالك ووقوع المعلق بخلافه لان الزوج لم يملكه الشارع ذلك فهذه عشرة اوجه تدل على مزية المنجز وتبطل قولكم إنه لا مزية له والله أعلم.
فصل: ردود على المسألة السريجية وأما سائر الصور التي ذكرتموها من صور الدور التي يفضى ثبوتها إلى إبطالها فمنها ما هو ممنوع الحكم لا يسلمه لكم منازعكم وإنما هي مسائل مذهبية يحتج لها ولا يحتج بها وهم يفكون الدور تارة بوقوع الحكمين معا وعدم إبطال احدهما للآخر ويجعلونهما معلولى علة واحدة ولا دور وتارة يسبق احد الحكمين للآخر سبق السبب لمسببه ثم يترتب الآخر عليه ومنها ما هو مسلم الحكم وثبوت الشيء فيه يقتضي إبطاله.
ولكن لهذا حجة لهم في إبطال هذا التعليق فإنه لو صح لأفضى ثبوته إلى بطلانه فإنه لو صح لزم منه وقوع طلقة مسبوقة بثلاث وسبقها بثلاث يمنع وقوعها فبطل التعليق من أصله للزوم المحال فهذه الصور التي استشهدتم بها من أقوى حججهم عليكم على بطلان التعليق.
وأدلتكم في هذه المسألة نوعان أدلة صحيحة وهي إنما تقتضي بطلان التعليق.
وأما الادلة التي تقتضى بطلان المنجز فليس منها دليل صحيح فإنه طلاق صدر من أهله في محله فوجب الحكم بوقوعه أما أهلية المطلق فلأنه زوج مكلف مختار وأما محلية المطلقة فلأنها زوجة والنكاح صحيح فيدخل في قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} وفي سائر نصوص الطلاق إذ لو لم يلحقها طلاق لزم واحد من ثلاثة وكلها منتفية إما عدم أهلية المطلق وإما عدم قبول المحل وإما قيام مانع يمنع من نفوذ الطلاق والمانع مفقود إذ ليس مع مدعى قيامه إلا التعليق المحال الباطل شرعا وعقلا وذلك لا يصح ان يكون مانعا يوضحه ان المانع من اقتضاء السبب لمسببه انما هو وصف ثابت يعارض سببيته فيوقفها عن اقتضائها فأما المستحيل فلا يصح ان يكون مانعا معارضا للوصف الثابت وهذا في غاية الوضوح ولله الحمد.
فصل: السريجيون يعترضون قال السريجيون لقد ارتقيتم مرتقى صعبا وأسأتم الظن بمن قال: بهذه المسألة وهم أئمة علماء لا يشق غبارهم ولا تغمز قناتهم كيف وقد أخذوها من نص الشافعي رحمه الله تعالى وبنوها على اصوله ونظروا لها النظائر واتوا لها بالشواهد فنص الشافعي على انه إذا قال: أنت طالق قبل موتي بشهر ثم مات لأكثر من شهر بعد هذا التعليق وقع الطلاق قبل موته بشهر وهذا إيقاع طلاق في زمن ماض سابق لوجود الشرط وهو موته فإذا وجد الشرط تبينا وقوع الطلاق قبله.
وايضاح ذلك بإخراج الكلام مخرج الشرط كقوله إن مت أو إذا مت فأنت طالق قبل موتي بشهر ونحن نلزمكم بهذه المسألة على هذا الأصل فإنكم موافقون عليه وكذا قوله قبل دخوله أنت طالق طلقة قبلها طلقة فإنه يقع بها طلقتان وإحداهما وقعت في زمن ماض سابق على التطليق وبهذا خرج الجواب عن قوله إن الوقوع كما لم يسبق الايقاع فلا يسبق الطلاق التطليق فكذا لا يسبق شرطه فإن الحكم لا يتقدم عليه ويجوز تقدمه على شرطه واحد سببيه أو أسبابه فإن الشرط معرف محض ولا يمتنع تقديم المعرف عليه وأما تقديمه على أحد سببيه فكتقدم الكفارة على الحنث بعد اليمين وتقديم الزكاة على الحول بعد ملك النصاب وتقديم الكفارة على الجرح قبل الزهوق ونظائرها.
وأما قولكم إن الشرط يجب تقديمه على المشروط فممنوع بل مقتضى الشرع توقف المشروط على وجوده وأنه لا يوجد بدونه وليس مقتضاه تأخر المشروط عنه وهذا يتعلق باللغة والعقل والشرع ولا سبيل لكم إلى نص عن أهل اللغة في ذلك ولا إلى دليل شرعي ولا عقلي فدعواه غير مسموعة ونحن لا ننكر ان من الشروط ما يتقدم مشروطه ولكن دعوى ان ذلك حقيقة الشرط وأنه إن لم يتقدم خرج عن أن يكون شرطا دعوى لا دليل عليها وحتى لو جاء عن أهل اللغة ذلك لم يلزم مثله في الاحكام الشرعية لان الشروط في كلامهم تتعلق بالافعال كقوله إن زرتني أكرمتك وإذا طلعت الشمس جئتك فيقتضى الشرط ارتباطا بين الاول والثاني فلا يتقدم المتأخر ولا يتأخر المتقدم وأما الاحكام فتقبل التقدم والتأخر والانتقال كما لو قال: إذا مت فأنت طالق قبل موتي بشهر ومعلوم انه لو قال: مثل هذا في الحسيات كان محالا فلو قال: إذا زرتني أكرمتك قبل ان تزورني بشهر كان محالا إلا ان يحمل كلامه على معنى صحيح وهو إذا أردت أو عزمت على زيارتي أكرمتك قبلها.
وسر المسألة ان نقل الحقائق عن مواضعها ممتنع والاحكام قابلة للنقل والتحويل والتقديم والتأخير ولهذا لو قال: اعتق عبدك عنى ففعل وقع العتق عن القائل وجعل الملك متقدما على العتق حكما وإن لم يتقدم عليه حقيقة.
وقولكم يلزمنا تجويز تقديم الطلاق على التطليق فذلك غير لازم فإنه انما يقع بإيقاعه فلا يسبق إيقاعه بخلاف الشرط فانه لا يوجب وجود المشروط وإنما يرتبط به والارتباط أعم من السابق والمقارن والمتأخر والاعم لا يستلزم الاخص.
ونكتة الفرق أن الايقاع موجب للوقوع فلا يجوز ان يسبقه أثره وموجبه والشرط علامة على المشروط فيجوز ان يكون قبله وبعده فوزان الشرط وزان الدليل ووازن الايقاع وزان العلة فافترقا.
وأما قولكم إن هذا التعليق يتضمن المحال إلى آخره فجوابه ان هذا التعليق تضمن شرطا ومشروطا وقد تعقد القضية الشرطية في ذلك للوقوع وقد تعقد للإبطال فلا يوجد فيها الشرط ولا الجزاء بل تعليق ممتنع بممتنع فتصدق الشرطية وإن انتفى كل من جزئيها كما تقول لو كان مع الله إله آخر لفسد العالم وكما في قوله إن كنت قلته فقد علمته ومعلوم انه لم يقله ولم يعلمه الله وهكذا قوله ان وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا فقضية عقدت لامتناع وقوع طرفيها وهما المنجز والمعلق.
ثم نذكر في ذلك قياسا آخر حرره الشيخ ابو إسحاق رحمه الله تعالى فقال طلاقان متعارضان يسبق أحدهما الآخر فوجب ان ينفى السابق منهما المتأخر نظيره ان يقول لامرأته إن قدم زيد فانت طالق ثلاثا وإن قدم عمرو فأنت طالق طلقة فقدم زيد بكرة وعمرو عشية ونكتة المسألة أنا لو أوقعنا الطلاق المباشر لزمنا ان نوقع قبله ثلاثا ولو أوقعنا قبله ثلاثا لامتنع وقوعه في نفسه فقد أدى الحكم بوقوعه الحكم بعدم وقوعه فلا يقع.
وقولكم إن هذه اليمين تفضى إلى سد باب الطلاق وذلك تغيير لشرع الله فإن الله ملك الزوج الطلاق رحمة به إلى آخره جوابه ان هذا ليس فيه تغيير للشرع وإنما هو إتيان بالسبب الذي ضيق به على نفسه ما وسعه الله عليه وهو هذه اليمين وهذا ليس تغيير للشرع ألا ترى ان الله تعالى وسع عليه أمر الطلاق فجعلة واحده بعد واحدة ثلاث مرات لئلا يندم فإذا ضيق على نفسه وأوقعها بفم واحد حصر نفسه وضيق عليها ومنعها ما كان حلالا لها وربما لم يبق له سبيل إلى عودها اليه ولذلك جعل الله تعالى الطلاق إلى الرجال ولم يجعل للنساء فيه حظا لنقصان عقولهن وأديانهن فلو جعله إليهن لكان فيه فساد كبير تأباه حكمة الرب تعالى ورحمته بعباده فكانت المرأة لا تشاء ان تتبدل بالزوج الا استبدلت به بخلاف الرجال فانهم اكمل عقولا واثبت فلا يستبدل بالزوجة إلا إذا عيل صبره ثم إن الزوج قد يجعل طلاق امرأته بيدها بأن يملكها ذلك أو يحلف عليها ان لا تفعل كذا فتختار طلاقه متى شاءت ويبقى الطلاق بيدها وليس في هذا تغيير للشرع لأنه هو الذي ألزم نفسه هذا الحرج بيمينه وتمليكه ونظير هذا ما قاله فقهاء الكوفة قديما وحديثا إنه لو قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق لم يمكنه ان يتزوج بعد ذلك امرأة حتى قيل: إن اهل الكوفة أطبقوا على هذا القول ولم يكن في ذلك تغيير للشريعة فإنه هو الذي ضيق على نفسه ما وسع الله عليه ونظير هذا لو قال: كل عبد وأمة أملكها فهما حران لم يكن له سبيل بعد هذا إلى ملك رقيق اصلا وليس في هذا تغيير للشرع بل هو المضيق على نفسه والضيق والحرج الذي يدخله المكلف على نفسه لا يلزم ان يكون الشارع قد شرعه له وإن الزمه به بعد ان ألزم نفسه ألا ترى ان من كان معه الف دينار فاشترى بها جارية فأولدها ثم ساءت العشرة بينهما لم يبق له طريق إلى الاستبدال بها وعليه ضرر في إعتاقها أو تزويجها أو إمساكها ولا بد له من أحدها.
ثم نقول في معارضة ما ذكرتم بل يكون في هذه اليمين مصلحة له وغرض صحيح بأن يكون محبا لزوجته شديد الإلف بها وهو مشفق من ان ينزع الشيطان بينهما فيقع منه طلاقها من غضبة أو موجدة أو يحلف يمينا بالطلاق أو يبلى بمن يستحلفه بالطلاق ويضطر إلى الحنث أو يبلى بظالم يكرهه على الطلاق ويرفعه إلى حاكم ينفذه أو يبلى بشاهدي زور يشهدان عليه بالطلاق وفي ذلك ضرر عظيم به وكان من محاسن الشريعة ان يجعل له طريقا إلى الامن من ذلك كله ولا طريق احسن من هذه فلا ينكر من محاسن هذه الشريعة الكاملة أن تأتى بمثل ذلك ونحن لا ننكر ان في ذلك نوع ضرر عليه لكن رأى احتماله لدفع ضرر الفراق الذي هو أعظم من ضرر البقاء وما ينكر في الشريعة من دفع أعلى الضررين باحتمال أدناهما.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:26 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الأربعاء 27 يوليو 2016, 5:32 pm | |
| فصل: الجواب على الشبه السريجية قال الموقعون لقد دعوتم الشبه الجفلي إلى وليمة هذه المسألة فلم تدعوا منها داعيا ولا مجيبا واجتهدتم في تقريرها ظانين إصابة الاجتهاد وليس كل مجتهد مصيبا ونثرتم عليها ما لا يصلح مثله للنثار وزينتموها بأنواع الحلي ولكنه حلى مستعار فإذا استردت العارية زال الالتباس والاشتباه وهناك تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
فأما قولكم إنا ارتقينا مرتقي صعبا وأسأنا الظن بمن قال: بهذه المسألة فإن أردتم بإساءة الظن بهم تأثيما أو تبديعا فمعاذ الله بل انتم أسأتم بنا الظن وإن أردتم بإساءة الظن أنا لم نصوبهم في هذه المسألة ورأينا الصواب في خلافهم فيها فهذا قدر مشترك بيننا وبينكم في كل ما تنازعنا فيه بل سائر المتنازعين بهذه المثابة وقد صرح الاربعة الائمة بأن الحق في واحد من الاقوال المختلفة وليست كلها صوابا.
وأما قولكم إن هذه المسألة مأخوذة من نص الشافعي لجوابه من وجهين: أحدهما أنها لوكانت منصوصة له فقوله بمنزلة قول غيره من الائمة يحتج له ولا يحتج به وقد نازعه الجمهور فيها والحجة تفصل ما بين المتنازعين.
الثاني: ان الشافعي رضي الله تعالى عنه لم ينص عليها ولا على ما يستلزمها وغاية ما ذكرتم نصه على صحة قوله انت طالق قبل موتي بشهر فإذا مات لأكثر من شهر من وقت هذا التعليق تبينا وقوع الطلاق وهذا قد وافقه عليه من يبطل هذه المسألة وليس فيه ما يدل على صحة هذه المسألة ولا هو نظيرها وليس فيه سبق الطلاق لشرطه ولا هو متضمن للمحال إذ حقيقته إذا بقى من حياتي شهر فأنت طالق.
وهذا الكلام معقول غير متناقض ليس فيه تقديم الطلاق على زمن التطليق ولا على شرط وقوعه وانما نظير المسألة المتنازع فيها ان يقول إذا مت فأنت طالق قبل موتي بشهر وهذا المحال بعينه وهو نظير قوله إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا أو يقول انت طالق عام الاول فمسألة الشافعي شيء ومسألة ابن سريج شيء ويدل عليه ان الشافعي إنما أوقع عليه الطلاق إذا مات لأكثر من شهر من حين التعليق.
فلو مات عقيب اليمين لم تطلق وكانت بمنزلة قوله انت طالق في الشهر الماضي وبمنزلة قوله أنت طالق قبل ان أنكحك فإن كلا الوقتين ليس بقابل للطلاق لأنها في أحدهما لم تكن محلا وفي الثاني لم تكن فيه طالقا قطعا فقوله انت طالق في وقت قد مضى ولم تكن فيه طالقا إما إخبار كاذب أو إنشاء باطل وقد قيل: يقع عليه الطلاق ويلغو قوله أمس لأنه أتى بلفظ الطلاق ثم وصل به ما يمنع وقوعه أو يرفعه فلا يصلح ويقع لغوا وكذلك قوله انت طالق طلقة قبلها طلقة ليس فيه إيقاع الطلقة الموصوفة بالقبلية في الزمن الماضي ولا تقدمها على الايقاع وإنما فيه إيقاع طلقتين احداهما قبل الاخرى.
فمن ضرورة قوله قبلها طلقة إيقاع هذه السابقة أولا ثم إيقاع الثانية بعدها فالطلقتان إنما وقعتا بقوله انت طالق لم تتقدم إحداهما على زمن الايقاع وإن تقدمت على الاخرى تقديرا فأين هذا من التعليق المستحيل فان أبيتم وقلتم قد وصل الطلقة المنجزة بتقدم مثلها عليها والسبب هو قوله انت طالق فقد تقدم وقوع الطلقة المعلقة بالقبلية على المنجزة ولما كان هذا نكاحا صح وهكذا قوله إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله ثلاثا اكثر ما فيه تقدم الطلاق السابق على المنجز ولكن المحل لا يحتملهما فتدافعا وبقيت الزوجية بحالها.
ولهذا لو قال: إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله واحدة صح لاحتمال المحل لهما.
فالجواب: أنه أوقع طلقتين واحدة قبل واحدة ولم تسبق إحداهما إيقاعه ولم يتقدم شرط الايقاع فلا محذور وهو كما لو قال: بعدها طلقة أو معها طلقة وكأنه قال: أنت طالق طلقتين معا أو واحدة بعد واحدة ويلزم من تأخر واحدة عن الأخرى سبق إحداهما للأخرى فلا إحالة اما وقوع طلقة مسبوقة بثلاث فهو محال وقصده باطل والتعبير عنه إن كان خبرا فهو كذب وإن كان إنشاء فهو منكر فالتكلم به منكر من القول وزور في إخباره منكر في إنشائه وأما كون المعلق تمام الثلاث فههنا لمنازعيكم قولان تقدم حكايتهما وهما وجهان في مذهب احمد والشافعي.
أحدهما: يصح هذا التعليق ويقع المنجز والمعلق وتصير المسألة على وزان ما نص عليه الشافعي من قوله إذا مات زيد فأنت صالق قبله بشهر فمات بعد شهر فهكذا إذا قال: إذا وقع عليك طلاقي فانت طالق قبله واحدة ثم مضى زمن تمكن فيه القبيلة ثم طلقها تبينا وقوع المعلق في ذلك الزمان وهو متأخر عن الايقاع فكأنه قال: أنت طالق في الوقت السابق على تنجيز الطلاق أو وقوعه معلقا فهو تطليق في زمن متأخر.
والقول الثاني: أن هذا محال أيضا ولا يقع المعلق إذ حقيقته انت طالق الزمن السابق على تطليقك تنجيزا أو تعليقا فيعود إلى سبق الطلاق للتطليق وسبق الوقوع للإيقاع وهو حكم بتقديم المعلول على علته يوضحه ان قوله إذا وقع عليك طلاقي فأنت طالق قبله إما ان يريد طالق قبله بهذا الايقاع أو بإيقاع متقدم.
والثاني ممتنع لانه لم يسبق هذا الكلام منه شيئا والثاني كذلك لانه لا يتضمن انت طالق قبل ان اطلقك وهذا عين المحال فهذا كشف حجاب هذه المسألة وسر ما اخذها وقد تبين ان مسالة الشافعي لون وهذه لون آخر.
وأما قولكم إن الحكم لا يجوز تقدمه على علته ويجوز تقدمه على شرطه كما يجوز تقدمه على احد سببيه إلى آخره فجوابه ان الشرط إما ان يوجد جزءا من المقتضى أو يوجد خارجا عنه وهما قولان للنظار والنزاع لفظي فإن اريد بالمقتضى التام فالشرط جزء منه وان اريد به المقتضى الذي يتوقف اقتضاؤه على وجود شرطه وعدم مانعه فالشرط ليس جزءا منه ولكن اقتضاؤه يتوقف عليه والطريقة الثانية طريقة القائلين بتخصيص العلة والاولى طريقة المانعين من التخصيص وعلى التقديرين فيمتنع تأخر الشرط عن وقوع المشروط لانه يستلزم وقوع الحكم بدون سببه التام.
فإن الشرط ان كان جزءا من المقتضى فظاهر وان كان شرطا لاقتضائه فالمعلق على الشرط لا يوجد عند عدمه وإلا لم يكن شرطا فإنه لوكان يوجد بدونه لم يكن شرطا فلو ثبت الحكم قبله لثبت بدون سببه التام فإن سببه لا يتم إلا بالشرط فعاد الامر إلى سبق الاثر لمؤثره والمعلول لعلته وهذا محال ولهذا لما لم يكن لكم حيلة في دفعه وعلمتم لزومه فررتم إلى ما لا يجدى عليكم شيئا وهو جعل الشرط مجرد علامة ودليل ومعرف.
وهذا إخراج للشرط عن كونه شرطا وإبطال لحقيقته فإن العلامة والدليل والمعرف ليست شروطا في المدلول المعرف ولا يلزم من نفيها نفيه فإن الشيء يثبت بدون علامة ومعرف له والمشروط ينتفى لانتقاء شرطه وان لم يوجد لوجوده وكل العقلاء متفقون على الفرق بين الشرط والامارة المحضة وان حقيقة احدهما وحكمه دون حقيقة الآخر وحكمه وإن كان قد يقال إن العلامة شرط في العلم بالمعلم والدليل شرط في العلم بالمدلول فذاك امر وراء الشرط في الوجود الخارجي فهذا شئ وذلك شئ آخر وهذا حق ولهذا ينتفى العلم بالمدلول عند انتفاء دليله ولكن هل يقول أحد أن المدلول ينتفي لانتفاء دليله؟
فإن قيل: نعم قد قاله غير واحد وهو انتفاء الحكم الشرعي لانتفاء دليله.
قيل: نعم فإن الحكم الشرعي لا يثبت بدون دليله فدليله موجب لثبوته فإذا انتفى الموجب انتفى الموجب ولهذا يقال لا موجب فلا موجب أما شرط اقتضاء السبب لحكمه فلا يجوز اقتضاؤه بدون شرطه ولو تأخر الشرط عنه لكان مقتضيا بدون شرطه وذلك يستلزم إخراج الشرط عن حقيقته وهو محال.
وأما تقديم الحكم على احد سببيه في الصور التي ذكرتموها على إحدى الطريقتين أو تقديمه على شرط بعد وجود سببه على الطريقة الاخرى.
فالتنظير به مغلطة فإن الحكم لم يتقدم على سببه ولا شرطه وهذا محال وإن وقع تسامح في عبارة الفقهاء فإن انقضاء الحول مثلا والحنث والموت بعد الجرح شرط للوجوب ونحن لم نقدم الوجوب على شرطه ولا سببه وإنما قدمنا فعل الواجب والفرق بين تقدم الحكم بالوجوب وبين تقدم اداء الواجب فظهر ان هذا وهم أو إيهام وقد ظهر ان تقديم شرط علة الحكم وموجبه على الحكم امر ثابت عقلا وشرعا ونحن لم نأخذ ذلك عن نص اهل اللغة حتى تطالبونا بنقله.
بل ذلك أمر ثابت لذات الشرط وحكم من احكامه وليس ذلك متلقى من اللغة بل هو ثابت في نفس الامر لا يختلف بتقدم لفظ ولا تأخره حتى لو قال: انت طالق إن دخلت الدار أو قال: يبعثك الله إذا مت أو تجب عليك الصلاة اذا دخل وقتها ونحو ذلك فالشرط متقدم عقلا وطبعا وشرعا وإن تأخر لفظا.
وأما قولكم إن الاحكام تقبل النقل عن مواضعها فتتقدم وتتأخر فتطويل بلا تحصيل وتهويل بلا تفصيل فهل تقبل النقل عن ترتيبها على أسبابها وموجباتها بحيث يثبت الحكم بدون سببه ومقتضيه نعم قد يتقدم ويتأخر وينتقل لقيام سبب آخر يقتضى ذلك فيكون مرتبا على سببه الثاني بعد انتقاله كما كان مرتبا على الاول قبل انتقاله.
وفي كل من الموضعين هو مرتب على سببه هذا في حكمه وذاك في محله وأما تنظيركم بنقل الاحكام وتقدمها على أسبابها بقوله انت طالق قبل موتي بشهر وقولكم إن نظيره في الحسيات ان تقول إن زرتني أكرمتك قبل زيارتك بشهر فوهم أيضا أو إيهام فإن قوله أنت طالق قبل موتى بشهر إنما تطلق إذا مضى شهر بعد هذه اليمين حتى يتبين وقوع الطلاق بعد إيقاعه فلو مات قبل مضي شهر لم تطلق على الصحيح لانه يصير بمنزلة انت طالق عام الاول وليس كذلك قوله إن زرتني أكرمتك قبله بشهر.
فإن الطلاق حكم يمكن تقدير وقوعه قبل الموت والإكرام فعل حتى لا يكون إكراما بالتقدير وإنما يكون إكراما بالوقوع وأما استشهادكم بقوله اعتق عبدك عني فهو حجة عليكم فإنه يستلزم تقدم الملك التقديري على العتق الذي هو اثره وموجبه والملك شرطه ولو جاز تأخر الشرط لقدر الملك له بعد العتق وهذا محال فعلم ان الاسباب والشروط يجب تقدمها سواء كانت محققة أو مقدرة.
وقولكم إن هذا التعليق يتصمن شرطا ومشروطا والقضية الشرطية قد تعقد للوقوع وقد تعقد لنفي الشرط والجزاء إلى آخره فجوابه أيضا ان هذا من الوهم أو الايهام فإن القضية الشرطية هي التي يصح الارتباط بين جزءيها سواء كانا ممكنين أو ممتنعين ولا يلزم من صدقها شرطية صدق جزءيها جملتين فالاعتبار إنما هو بصدقها في نفسها ولهذا كان قوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} من أصدق الكلام وجزاء الشرطية ممتنعان لكن أحدهما ملزوم للآخر فقامت القضية الشرطية من التلازم الذي بينهما فإن تعدد الآلهة مستلزم لفساد السموات والارض فوجود آلهة مع الله ملزوم لفساد السموات والارض والفساد لازم فإذا انتفى اللازم انتفى ملزومه فصدقت الشرطية دون مفرديها وأما الشرطية في مسألتنا فهي كاذبة في نفسها لانها عقدت للتلازم بين وقوع الطلاق المنجز وسبق الطلاق الثلاث عليه وهذا كذب في الإخبار باطل في الانشاء فالشرطية نفسها باطلة لا تصح بوجه فظهر ان تنظيرها بالشرطية الصادقة الممتنعة الجزءين وهم أو إيهام ظاهر لاخفاء به.
وأما قياسكم المحرر وهو قولكم طلاقان متعارضان يسبق أحدهما الآخر فوجب ان ينفى السابق منهما المتأخر كقوله إن قدم زيد إلى آخره فجوابه أنه لما قدم زيد طلقت ثلاثا فقدم عمرو بعده وهي أجنبية فلم يصادف الطلاق الثاني محلا فهذا معقول شرعا ولغة وعرفا فأين هذا من تعلق مستحيل شرعا ولغة وعرفا فأين هذا من تعلق مستحيل شرعا وعرفا ولقد وهنت كل الوهن مسألة إلى مثل هذا القياس استنادها وعليه اعتمادها.
وأما قولكم نكتة المسألة انا لو أوقعنا المنجز لزمنا ان نوقع قبله ثلاثا إلى آخره فجوابه ان يقال هذا كلام باطل في نفسه فلا يلزم من إيقاع المنجز ايقاع الثلاث قبله لا لغة ولا عقلا ولا شرعا ولا عرفا فإن قلتم لانه شرط للمعلق قبله فقد تبين فساد المعلق بما فيه كفاية ثم نقلب عليكم هذه النكتة قلبا أصح منها شرعا وعقلا ولغة فنقول إذا أوقعنا المنجز لم يمكنا ان نوقع قبله ثلاثا قطعا وقد وجد سبب وقوع المنجز وهو الايقاع فيستلزم موجبه وهو الوقوع وإذا وقع موجبه استحال وقوع الثلاث فهذه النكتة اصح واقرب إلى الشرع والعقل واللغة وبالله التوفيق.
وأما قولكم إن المكلف أتى بالسبب الذي ضيق به على نفسه فألزمناه حكمه إلى آخره فجوابه ان هذا إنما يصح فيما يملكه من الاسباب شرعا فلا بد ان يكون السبب مقدورا ومشروعا وهذا السبب الذي أتى به غير مقدور ولا مشروع فإن الله تعالى لم يملكه طلاقا ينجزه تسبقه ثلاث قبله ولا ذلك مقدور له فالسبب لا مقدور ولا مأمور بل هو كلام متناقض فاسد فلا يترتب عليه تغيير أحكام الشرع وبهذا خرج الجواب عما نظرتم به من المسائل...
أما المسألة الاولى وهي إذا طلق أمراته ثلاثا جملة فهذة مما يحتج لها ولا يحتج بها وللناس فيها أربعة أقوال...
أحدها الالزام بها والثاني إلغاءها جملة وإن كان هذا إنما يعرف عن الفقهاء الشيعة والثالث إنها واحدة وهذا قول أبى بكر الصديق وجميع الصحابة في زمانه وإحدى الروايتين عن ابن عباس واختيار أعلم الناس بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم محمد بن إسحاق والحارث العكلى وغيره وهو احد القولين في مذهب مالك حكاه التلمساني في شرح تفريع ابن الجلاب واحد القولين في مذهب احمد اختاره شيخ الاسلام ابن تيمية.
والرابع: أنها واحدة في حق التي لم يدخل بها وثلاث في حق المدخول بها وهذا مذهب امام اهل خراسان في وقته إسحاق بن راهويه نظير الامام احمد والشافعي ومذهب جماعة من السلف وفيها مذهب خامس وهو انها إن كانت منجزة وقعت وإن كانت معلقة لم تقع وهو مذهب حافظ الغرب وامام أهل الظاهر في وقته محمد بن حزم.
ولو طولبتم بإيطال هذه الاقوال وتصحيح قولكم بالدليل الذي يركن إليه العالم لم يمكنكم ذلك والمقصود أنكم ستدلون بما يحتاج إلى اقامة الدليل عليه والذين يسلمون لكم وقوع الثلاث جملة واحدة فريقان فريق يقول بجواز إيقاع الثلاث فقد أتى المكلف عنده بالسبب المشروع المقدور فترتب عليه سببه وفريق يقول تقع وإن كان إيقاعها محرما كما يقع الطلاق في الحيض والطهر الذي أصابها فيه وإن كان محرما لانه ممكن بخلاف وقوع طلقة مسبوقة بثلاث فإنه محال فأين أحدهما من الآخر؟.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:26 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الأربعاء 27 يوليو 2016, 5:47 pm | |
| فصل: أجوبة أخرى على المسألة السريجية وأما نقضكم الثاني بتمليك الرجل امرأته الطلاق وتضييعه على نفسه بما وسع الله عليه من جعله بيده فجراية من وجوه:
أحدهما: أنه بالتمليك لم يخرج الطلاق عن يده بل هو في يده كما هو هذا إن قيل: إنه تمليك وإن قيل: إنه توكيل فله عزلها متى شاء.
الثاني: ان هذه المسألة فيها نزاع معروف بين السلف والخلف فمنهم من قال: لا يصح تملك المرأة الطلاق ولا توكيلها فيه ولا يقع الطلاق إلا ممن أخذ بالساق وهذا مذهب اهل الظاهر وهو مأثور عن بعض السلف فالنقض بهذه الصورة يستلزم إقامة الدليل عليها والأول لا يكون دليلا.
ومن هنا قال: بعض أصحاب مالك إنه إذا علق اليمين بفعل الزوجة لم تطلق إذا حنث قال: لأن الله تعالى ملك الزوج الطلاق وجعله بيده رحمة منه ولم يجعله إلى المرأة فلو وقع الطلاق بفعلها لكان إليها إن شاءت أن تفارقه وإن شاءت ان تقيم معه وهذا خلاف شرع الله وهذا حد الاقوال في مسألة تعليق الطلاق بالشروط كما تقدم.
والثاني: أنه لغو وباطل وهذا اختيار أبي عبدالرحمن ابن بنت الشافعي ومذهب اهل الظاهر.
والثالث: انه موجب لوقوع الطلاق عند وقوع الصفة سواء كان يمينا أو تعليقا محضا وهذا المشهور عند الائمة الاربعة واتباعهم.
والرابع: أنه إن كان بصيغة التعليق لزم وإن كان بصيغة القسم والالتزام لم يلزم إلا ان ينويه وهذا احتيار أبي المحاسن الروياني وغيره.
والخامس: أن إن كان بصيغة التعليق وقع وإن كان بصيغة القسم والالتزام لم يقع وإن نواه وهذا اختيار القفال في فتاويه.
والسادس: أنه إن كان الشرط والجزاء مقصودين وقع وإن كانا غير مقصودين وإنما حلف به قاصدا منع الشرط والجزاء لم يقع ولا كفارة فيه وهذا اختيار بعض أصحاب احمد.
والسابع: كذلك إلا ان فيه الكفارة اذا مخرج مخرج اليمين وهذا اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية والذي قبله اختيار اخيه وقد تقدم حكاية قول من حكى إجماع الصحابة أنه إذا حنث فيه لم يلزمه الطلاق وحكينا لفظه والمقصود الجواب عن النقض بتمليك المرأة الطلاق أو توكيلها فيه.
وأما قولكم في النقض الثالث إن فقهاء الكوفة صححوا تعليق الطلاق بالنكاح وهو يسد باب النكاح فهذا القول مما أنكره عليهم سائر الفقهاء وقالوا هو سد لباب النكاح حتى قال: الشافعي نفسه أنكره عليهم بذلك وبغيره من الادلة.
ومن العجب أنكم قلتم في الرد عليهم لا يصح هذا التعليق لانه لم يصادف محلا وهو لا يملك الطلاق المنجز فلا يملك المعلق إذ كلاهما مستدع لقيام محله ولا محل فهلا قبلتم منهم احتجاجهم عليكم في المسألة السريجية بمثل هذه الحجة وهي ان المحل غير قابل لطلقة مسبقوقة بثلاث وكان هذا الكلام لغوا وباطلا فلا ينعقد.
كما قلتم أنتم في تعليق النكاح بالطلاق إنه لغو وباطل فلا ينعقد فصل تعليق عتق العبد على ملكه وأما النقض الرابع بقوله كل عبد أو امة املكه فهو حر فهذا للفقهاء فيه قولان وهما روايتان عن الامام احمد.
إحداهما: أنه لا يصح كتعليق الطلاق. والثاني: أنه يصح والفرق بينه وبين تعليق الطلاق أن ملك العبد قد شرع طريقا إلى زوال ملكه عنه بالعتق إما بنفس الملك كمن ملك ذا رحم محرم وإما باختيار الاعتاق كمن اشترى عبدا ليعتقه عن كفارته أو ليتقرب به إلى الله ولم يشرع الله النكاح طريقا إلى زوال ملك البضع ووقوع الطلاق بل هذا يترتب عليه ضد مقصوده شرعا وعقلا وعرفا والعتق المترتب على الشراء ترتيب لمقصوده عليه شرعا وعرفا فأين أحدهما من الآخر؟
وكونه قد سد على نفسه باب ملك الرقيق فلا يخلو إما ان يعلق ذلك تعليقا مقصودا أو تعليقا قسميا فإن كان مقصودا فهو قد قصد التقرب إلى الله بذلك فهو كما لو التزم صوم الدهر وسد على نفسه باب الفطر وإن كان تعليقا قسميا فله سعة بما وسع الله عليه من الكفارة كما أفتى به الصحابة رضى الله عنهم وقد تقدم.
فصل: نقض دليل آخر للسريجيين. وأما النقض الخامس بمن معه الف دينار فاشترى بها جارية واولدها فهذا أيضا نقض فاسد فإنه بمنزلة من أنفقها في شهواته وملاذه وقعد ملوما محسورا أو تزوج بها امرأة وقضى وطره منها ونحو ذلك فأين هذا من سد باب الطلاق وبقاء المرأة كالغل في عنقه إلى ان يموت احدهما.
فصل: الشرائع العامة لا تبنى على الصور النادرة وقولكم قد يكون له في هذه اليمين مصلحة وغرض صحيح بأن يكون محبا لزوجته ويخشى وقوع الطلاق بالحلف أو غيره فيسرحها جوابه ان الشرائع العامة لم تبن على الصور النادرة ولو كان لعموم المطلقين في هذا مصلحة لكانت حكمة احكم الحاكمين تمنع الرجال من الطلاق بالكلية وتجعل الزوج في ذلك بمنزلة المرأة لا تتمكن من فراق زوجها ولكن حكمته تعالى أولى وأليق من مراعاة هذه المصلحة الجزئية التي في مراعاتها تعطيل مصلحة اكبر منها واهم.
وقاعدة الشرع والقدر تحصيل أعلى المصلحتين وإن مات أدناهما ودفع أعلى المفسدتين وإن وقع أدناهما وهكذا ما نحن فيه سواء فإن مصلحة تمليك الرجال الطلاق أعلى وأكثر من مصلحة سده عليهم ومفسدة سده عليهم اكبر من مفسدة فتحه لهم المفضية إلى ما ذكرتم وشرائع الرب تعالى كلها حكم ومصالح وعدل ورحمة وإنما العبث والجور والشدة في خلافها وبالله التوفيق.
وانما أطلنا الكلام في هذه المسألة لانها من امهات الحيل وقواعدها والمقصود بيان بطلان الحيل فإنها لا تتمشى على قواعد الشريعة ولا أصول الائمة وكثير منها بل اكثرها من توليدات المنتسبين إلى الائمة وتفريعهم والائمة براء منها
فصل: إبطال الحيلة بالخلع لفعل المحلوف عليه ومن الحيل الباطلة الحيلة على التخلص من الحنث بالخلع ثم يفعل المحلوف عليه في حال البينونة ثم يعود إلى النكاح وهذه الحيلة باطلة شرعا وباطله على اصول ائمة الامصار.
أما بطلانها شرعا فإن هذا خلع لم يشرعه الله ولا رسوله وهو تعالى لم يمكن الزوج من فسخ النكاح متى شاء فإنه لازم وإنما مكنه من الطلاق ولم يجعل له فسخه الا عند التشاجر والتباغض إذا خافا ان لا يقيما حدود الله فشرع لهما التخلص بالافتداء وبذلك جاءت السنة ولم يقع في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زمن أصحابه خلع حيلة ولا في زمن التابعين ولا تابعيهم ولا نص عليه احد من الائمة الاربعة وجعله طريقا للتخلص من الحنث.
وهذا من كمال فقههم رضى الله عنهم فإن الخلع انما جعله الشارع مقتضيا للبينونة ليحصل مقصود المرأة من الافتداء من زوجها وانما يكون ذلك مقصودها اذا قصدت ان تفارقه على وجه لا يكون له عليها سبيل فاذا حصل هذا ثم فعل المحلوف عليه وقع وليست زوجته فلا يحنث وهذا انما حصل تبعا للبينونة التابعة لقصدهما فإذا خالعها ليفعل المحلوف عليه لم يكن قصدهما البينونة بل حل اليمين وحل اليمين إنما يحصل تبعا للبينونة لا أنه المقصود بالخلع الذي شرعه الله ورسوله.
وأما خلع الحيلة فجاءت البينونة في لأجل حل اليمين وحل اليمين جاء لأجل البينونة فليس عقد الخلع بمقصود في نفسه للرجل ولا للمرأة والله تعالى لا يشرع عقدا ولا يقصد واحد من المتعاقدين حقيقته وانما يقصدان به ضد ما شرعه الله له فإنه شرع لتخلص المرأة من الزوج والمتحيل يفعله لبقاء النكاح فالشارع شرعه لقطع النكاح والمتحيل يفعله لدوام النكاح.
فصل: الائمة منزهون عن إحداث الحيل والمتأخرون أحدثوا حيلا لم يصح القول بها عن احد من الائمة ونسبوها إلى الائمة وهم مخطئون في نسبتها إليهم ولهم مع الائمة موقف بين يدى الله ومن عرف سيرة الشافعي وفضله ومكانه من الإسلام علم انه لم يكن معروفا بفعل الحيل ولا بالدلالة عليها ولا كان يشير على مسلم بها.
واكثر الحيل التي ذكرها المتأخرون المنتسبون إلى مذهبه من تصرفاتهم تلقوها عن المشرقيين وادخلوها في مذهبه وإن كان رحمه الله تعالى يجري العقود على ظاهرها ولا ينظر إلى قصد العاقد ونيته كما تقدم حكاية كلامه فحاشاه ثم حاشاه ان يأمر الناس بالكذب والخداع والمكر والاحتيال وما لا حقيقة له بل ما يتيقن ان باطنه خلاف ظاهره ولا يظن بمن دون الشافعي من اهل العلم والدين انه يأمر أو يبيح ذلك فالفرق اذا واضح بين ان لا يعتبر القصد في العقد ويجريه على ظاهره وبين ان يسوغ عقدا قد علم بناؤه على المكر و الخداع وقد علم ان باطنه خلاف ظاهره.
فو الله ما سوغ الشافعي ولا امام من الائمة هذا العقد قط ومن نسب ذلك اليهم فهم خصماؤه عند الله فالذى سوغه الائمة بمنزلة الحاكم يجري الاحكام على ظاهر عدالة الشهود وان كانوا في الباطن شهود زور والذي سوغه اصحاب الحيل بمنزلة الحاكم يعلم أنهم في الباطن شهود زور كذبة وان ما شهدوا به لا حقيقة له ثم يحكم بظاهر عدالتهم وهكذا في مسألة العينة.
انما جوز الشافعي ان يبيع السلعة ممن اشتراها منه جريا على ظاهر عقود المسلمين وسلامتها من المكر والخداع ولو قيل: للشافعي ان المتعاقدين قد تواطئا على الف بالف ومائتين وترواضا على ذلك وجعلا السلعة محللا للربا لم يجون ذلك ولا نكره غاية الانكار.
ولقد كان الائمة من اصحاب الشافعي ينكرون على من يحكي عنه الافتاء بالحيل قال: الامام ابو عبد الله بن بطة سألت ابا بكر الآجرى وانا وهو بمنزلة بمكة عن هذا الخلع الذي يفتى به الناس وهو ان يحلف رجل ان لايفعل شيئا ولا بدله من فعله فيقال له اخلع زوجتك وافعل ما حلفت عليه ثم راجعها واليمين بالطلاق ثلاثا وقلت له ان قوما يفتون هذا الرجل الذي يحلف بأيمان البيعة ويحنث ان لا شيء عليه.
ويذكرون ان الشافعي لم ير على من حلف بأيمان البيعة شيئا فجعل ابو بكر يعجب من سؤالي عن هاتين المسألتين في وقت واحد ثم قال: لي منذ كتبت العلم وجلست للكلام فيه وللفتوى ما افتيت في هاتين المسألتين بحرف ولقد سألت ابا عبد الله الزبيري عن هاتين المسألتين كما سألتني عن التعجب ممن يقدم على الفتوى فيهما فأجابني فيهما بجواب كتبته عنه ثم قام فأخرج لي كتاب احكام الرجعة والنشوز من كتاب الشافعي واذا مكتوب على ظهره بخط أبي بكر سألت ابا عبد الله الزبيري فقلت له الرجل يحلف بالطلاق ثلاثا ان لايفعل شيئا ثم يريد ان يفعله.
وقلت له ان اصحاب الشافعي يفتون فيها بالخلع يخالع ثم يفعل فقال الزبيري ما اعرف هذا من قول الشافعي ولا بلغني ان له في هذا قولا معروفا ولا ارى من يذكر هذا عنه الا محيلا والزبيري احد الائمة الكبار من الشافعية فإذا كان هذا قوله وتنزيهه للشافعي عن خلع اليمين فكيف بحيل الربا الصريح وحيل التحليل وحيل اسقاط الزكاة والحقوق وغيرها من الحيل المحرمة.
فصل: لا قول مع قول الله وقول الرسول ولابد من أمرين أحدهما أعظم من الآخر وهو النصيحة لله ولرسوله وكتابه ودينه وتنزيهه عن الأقوال الباطلة المناقضة لما بعث الله به رسوله من الهدى والبينات التي هي خلاف الحكمة والمصلحة والرحمة والعدل وبيان نفيها عن الدين وإخراجها منه وإن أدخلها فيه من أدخلها بنوع تأويل.
والثاني معرفة فضل أئمة الإسلام ومقاديرهم وحقوقهم ومراتبهم وأن فضلهم وعلمهم ونصحهم لله ورسوله لا يوجب قبول كل ما قالوه وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفى عليهم فيها ما جاء به الرسول فقالوا بمبلغ علمهم والحق في خلافها لا يوجب اطراح أقوالهم جملة وتنقصهم والوقيعة فيهم فهذان طرفان جائران عن القصد وقصد السبيل بينهما فلا نؤثم ولا نعصم ولا نسلك بهم مسلك الرافضة في علي ولا مسلكهم في الشيخين بل نسلك مسلكهم أنفسهم فيمن قبلهم من الصحابة فإنهم لا يؤثمونهم ولا يعصمونهم ولا يقبلون كل أقوالهم ولا يهدرونها.
فكيف ينكرون علينا في الأئمة الأربعة مسلكا يسلكونه هم في الخلفاء الأربعة وسائر الصحابة ولا منافاة بين هذين الأمرين لمن شرح الله صدره للأسلام وإنما يتنافيان عند أحد رجلين جاهل بمقدار الأئمة وفضلهم أو جاهل بحقيقة الشريعة التي بعث الله بها رسوله ومن له علم بالشرع والواقع يعلم قطعا أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح وآثار حسنة وهو من الإسلام وأهله بمكان قد تكون منه الهفوة والزلة هو فيها معذور بل ومأجور لاجتهاده فلا يجوز أن يتبع فيها ولايجوز أن تهدر مكانته وإمامته ومنزلته من قلوب المسلمين.
قال عبد الله المبارك كنت بالكوفة فناظروني في النبيذ المختلف فيه فقلت لهم تعالوا فليحتج المحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالرخصة فإن لم يبين الرد عليه عن ذلك الرجل بسند صحت عنه فاحتجوا فما جاءوا عن أحد برخصة إلا جئناهم بسند فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله ابن مسعود وليس احتجاجهم عنه في شدة النبيذ بشيء يصح عنه إنما يصح عنه أنه لم ينتبذ له في الجر الأخضر قال: ابن المبارك فقلت للمحتج عنه في الرخصة يا أحمق عد أن ابن مسعود لو كان ههنا جالسا فقال هو لك حلال وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر وتخشى.
فقال قائل ياأبا عبد الرحمن فالنخعى والشعبي وسمى عدة معهما كانوا يشربون الحرام فقلت لهم دعوا عند المناظرة تسمية الرجال فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا وكذا وعسى أن تكون منه زلة أفيجوز لأحد أن يحتج بها فإن أبيتم فما قولكم في عطاء وطاوس وجابر بن زيد وسعيد بن جبير وعكرمة قالوا: كانوا خيارا قلت فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يدا بيد قالوا: حرام فقلت إن هؤلاء رأوه حلالا أفماتوا وهم يأكلون الحرام؟ فبهتوا وانقطعت حجتهم قال: ابن المبارك: ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال: رآني أبي وأنا أنشد الشعر فقال يا بني لا تنشد الشعر فقلت يا ابت كان الحسن ينشد الشعر وكان ابن سيرين ينشد فقال أي بني إن أخذت بشر ما في الحسن وبشر ما في ابن سيرين اجتمع فيك الشر كله.
قال شيخ الإسلام: وهذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء فإنه ما من أحد من أعيان الأئمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا وله أقوال وأفعال خفي عليهم فيها السنة.
قلت: وقد قال: أبو عمر بن عبد البر في أول استذكاره: قال شيخ الإسلام: وهذا باب واسع لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم ولا يسوغ اتباعهم فيها قال: تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قال: مجاهد والحكم بن عتيبة ومالك وغيرهم ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله ويترك إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال سليمان التيمي إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله قال: ابن عبد البر هذا إجماع لا أعلم فيه خلافا وقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في هذا المعنى ما ينبغي تأمله فروى كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنى لأخاف على أمتي من بعدى من اعمال ثلاثة" قالوا: وما هي يا رسول الله قال: "إنى أخاف عليهم من زلة العالم ومن حكم الجائر ومن هوى متبع".
وقال زياد بن حدير قال: عمر ثلاث يهدمن الدين زلة عالم وجدال منافق بالقرآن وأئمة مضلون.
وقال الحسن قال: ابو الدرداء إن مما أخشى عليكم زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن والقرآن حق وعلى القرآن منار كأعلام الطريق.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:27 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الأربعاء 27 يوليو 2016, 5:58 pm | |
| وكان معاذ بن جبل يقول في خطبته كل يوم قلما يخطئه ان يقول ذلك الله حكم قسط هلك المرتابون إن وراءكم فتنا يكثر فيها المال ويفتح فيها القرآن حتى يقرأه المؤمن والمنافق والمرأة والصبي والاسود والاحمر فيوشك أحدهم ان يقول قد قرأت القرآن فما أظن أن يتبعوني حتى ابتدع لهم غيره فإياكم وما ابتدع فإن كل بدعة ضلالة وإياكم وزيغة الحكيم فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة وإن المنافق قد يقول كلمة الحق فتلقوا الحق عمن جاء به فإن على الحق نورا قالوا: كيف زيغة الحكيم قال: هي كلمة تروعكم وتنكرونها وتقولون ما هذه فاحذروا زيغته ولا تصدنكم عنه فانه يوشك ان يفيء ويراجع الحق وان العلم والايمان مكانهما إلى يوم القيامة فمن ابتغاهما وجدهما.
وقال سلمان الفارسي كيف أنتم عند ثلاث زلة عالم وجدال منافق بالقرآن ودنيا تقطع أعناقكم فأما زلة العالم فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم وتقولون نصنع مثل ما يصنع فلان وإن أخطأ فلا تقطعوا إياسكم منه فتعينوا عليه الشيطان وأما مجادلة منافق بالقرآن فإن للقرآن منارا كمنار الطريق فما عرفتم منه فخذوا وما لم تعرفوا افكلوه إلى الله تعالى وأما دنيا تقطع أعناقكم فانظروا إلى من هو دونكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم.
وعن ابن عباس ويل للأتباع من عثرات العالم قيل: كيف ذلك قال: يقول العالم شيئا برأيه ثم يجد من هو أعلم منه برسول الله صلى الله عليه وسلم فيترك قوله ثم يمضي الأتباع ذكر ابو عمر هذه الآثار كلها وغيره.
فإذا كنا قد حذر نازلة العالم وقيل لنا إنها من أخوف ما يخاف علينا وأمرنا مع ذلك أن لا نرجع عنه فالواجب على من شرح الله صدره للإسلام إذا بلغته مقالة ضعيفة عن بعض الأئمة أن لا يحكيها لمن يتقلدها بل يسكت عن ذكرها إن تيقن صحتها وإلا توقف في قبولها فكثيرا ما يحكى عن الائمة ما لا حقيقة له وكثير من المسائل يخرجها بعض الاتباع على قاعدة متبوعه مع ان ذلك الامام لو رأى انها تفضى إلى ذلك لما التزمها وايضا فلازم المذهب ليس بمذهب وإن كان لازم النص حقا لان الشارع لا يجوز عليه التناقض فلازم قوله حق وأما من عداه فلا يمتنع عليه ان يقول الشيء ويخفى عليه لازمه ولو علم ان هذا لازمه لما قاله فلا يجوز ان يقال هذا مذهبه ويقول ما لم يقله وكل من له علم بالشريعة وقدرها وبفضل الائمة ومقاديرهم وعلمهم وورعهم ونصيحتهم للدين تيقن انهم لو شاهدوا امر هذه الحيل وما أفضت اليه من التلاعب بالدين لقطعوا بتحريمها.
ومما يوضح ذلك ان الذين أفتوا من العلماء ببعض مسائل الحيل واخذوا ذلك من بعض قواعدهم لو بلغهم ما جاء في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لرجعوا عن ذلك يقينا فإنهم كانوا في غاية الانصاف وكان احدهم يرجع عن رأيه بدون ذلك وقد صرح بذلك غير واحد منهم وإن كانوا كلهم مجمعين على ذلك قال: الشافعي إذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولى الحائط وهذا وإن كان لسان الشافعي فإنه لسان الجماعة كلهم ومن الاصول التي أتفق عليها الائمة ان اقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المنتشرة لا تترك إلا بمثلها.
يوضح ذلك ان القول بتحريم الحيل قطعي ليس من مسالك الاجتهاد إذ لو كان من مسالك الاجتهاد لم يتكلم الصحابة والتابعون والائمة في ارباب الحيل بذلك الكلام الغليظ الذي ذكرنا منه اليسير من الكثير وقد اتفق السلف على انها بدعة محدثة فلا يجوز تقليد من يفتي بها ويجب نقض حكمه ولا يجوز الدلالة للمقلد على من يفتى بها وقد نص الإمام احمد على ذلك كله ولا خلاف في ذلك بين الائمة كما ان المكيين والكوفيين لا يجوز تقليدهم في مسألة المتعة والصرف والنبيذ ولا يجوز تقليد بعض المدنيين في مسألة الحشوش وإتيان النساء في أدبارهن بل عند فقهاء الحديث ان من شرب النبيذ المختلف فيه حد وهذا فوق الانكار باللسان بل عند فقهاء أهل المدينة يفسق ولا تقبل شهادته وهذا يرد قول من قال: لا إنكار في المسائل المختلف فيها وهذا خلاف إجماع الائمة و لا يعلم إمام من أئمة الاسلام قال: ذلك وقد نص الامام احمد على ان من تزوج ابنته من الزنا يقتل والشافعي واحمد ومالك لا يرون خلاف أبي حنيفة فيمن تزوج امه وابنته انه يدرأ عنه الحد بشبهة دارئه للحد بل عند الامام احمد رضى الله عنه يقتل وعند الشافعي ومالك بحد حد الزنا في هذا مع أن القائلين المتعة والصرف معهم سنة وان كانت منسوخة وارباب الحيل ليس معهم وسنة ولا اثر عن صاحب ولا قياس صحيح.
خطأ من يقول لا إنكار في مسائل الخلاف: وقولهم: إن مسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الانكار إما ان يتوجه إلى القول والفتوى أو العمل أما الاول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا شائعا وجب إنكاره اتفاقا إن لم يكن كذلك فإن بيان ضعفه ومخالفته للدليل إنكار مثله وأما العمل فإذا كان على خلاف سنة أو اجماع وجب إنكاره بحسب درجات الانكار وكيف يقول فقيه لا إنكار في المسائل المختلف فيها والفقهاء من سائر الطوائف قد صرحوا بنقص حكم الحاكم إذا خالف كتابا أو سنة وإن كان قد وافق فيه بعض العلماء وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ لم تنكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا.
وإنما دخل هذا اللبس من جهة ان القائل يعتقد ان مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ممن ليس لهم تحقيق في العلم.
والصواب ما عليه الائمة ان مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا مثل حديث صحيح لا معارض له من جنسه فيسوغ فيها إذا عدم فيها الدليل الظاهر الذي يجب العمل به الاجتهاد لتعارض الادلة أو لخفاء الادلة فيها وليس في قول العالم إن هذه المسألة قطعية أو يقينية ولا يسوغ فيها الاجتهاد طعن على من خالفها ولا نسبة له إلى تعمد خلاف الصواب والمسائل التي اختلف فيها السلف والخلف.
وقد تيقنا صحة احد القولين فيها كثير مثل كون الحامل تعتد بوضع الحمل وان اصابة الزوج الثاني شرط في حلها للاول وان الغسل يجب بمجرد الايلاج وان لم ينزل وان ربا الفضل حرام وان المتعة حرام وان النبيذ المسكر حرام وان المسلم لا يقتل بكافر وان المسح على الخفين جائز حضرا وسفرا وان السنة في الركوع وضع اليدين على الركبتين دون التطبيق وأن رفع اليدين عند الركوع والرفع منه سنة وان الشفعة ثابتة في الارض والعقار وان الوقف صحيح لازم وأن دية الاصابع سواء وأن يد السارق تقطع في ثلاثة دراهم وان الخاتم من حديد يجوز أن يكون صداقا وأن التيمم إلى الكوعين بضربة واحدة جائز وان صيام الولي عن الميت يجزيء عنه وان الحاج يلبي حتى يرمي جمرة العقبة وان المحرم له استدامة الطيب دون ابتدائه وان السنة ان يسلم في الصلاة عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله وان خيار المجلس ثابت في البيع وان المصراة يرد معها عوض اللبن صاعا من تمر وأن صلاة الكسوف بركوعين في كل ركعة وان القضاء جائز بشاهد ويمين إلى أضعاف أضعاف ذلك من المسائل ولهذا صرح الائمة بنقض حكم من حكم بخلاف كثير من هذه المسائل من غير طعن منهم على من قال: بها.
وعلى كل حال فلا عذر عند الله يوم القيامة لمن بلغه ما في المسألة من هذا الباب وغيره من الاحاديث والاثار التي لا معارض لها إذا نبذها وراء ظهره وقلد من نهاه عن تقليده وقال له لا يحل لك ان تقول بقولى إذا خالف السنة وإذا صح الحديث فلا تعبأ بقولى وحتى لو لم يقل له ذلك كان هذا هو الواجب عليه وجوبا لا فسحة له فيه وحتى لو قال: له خلاف ذلك لم يسعه إلا اتباع الحجة ولو لم يكن في هذا الباب شئ من الاحاديث والآثار ألبتة فإن المؤمن يعلم بالاضطرار ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم اصحابه هذه الحيل ولا يدلهم عليها ولو بلغه عن أحد فعل شيئا منها لأنكر عليه ولم يكن أحد من أصحابه يفتى بها ولا يعلمها وذلك مما يقطع به كل من له أدنى اطلاع على أحوال القوم وسيرتهم وفتاويهم وهذا القدر لا يحتاج إلى دليل اكثر من معرفة حقيقة الدين الذي بعث الله به رسوله.
فصل: بيان تفصيلي لتحريم التحيل فلنرجع إلى المقصود وهو بيان بطلان هذه الحيل على التفصيل وانها لا تتمشى لا على قواعد الشرع ومصالحه وحكمه على اصول الائمة.
حيلة باطلة في تصحيح الوقف على النفس: قال شيخنا ومن الحيل الجديدة التي لا أعلم بين فقهاء الطوائف خلافا في تحريمها أن يريد الرجل ان يقف على نفسه بعد موته على جهات متصلة فيقول له أرباب الحيل أقر أن هذا المكان الذي بيدك وقف عليك من غيرك ويعلمونه الشروط التي يريد إنشاءها فيجعلها إقرارا فيعملونه الكذب في الاقرار ويشهدون على الكذب وهم يعلمون ويحكمون بصحته ولا يستريب مسلم في ان هذا حرام فإن الاقرار شهادة من الانسان على نفسه فكيف يلقن شهادة الزور ويشهد عليه بصحتها ثم ان كان وقف الانسان على نفسه باطلا في دين الله فقد علمتموه حقيقة الباطل فإن الله تعالى قد علم ان هذا لم يكن وقفا قبل الاقرار ولا صار وقفا بالاقرار الكاذب فيصير المال حراما على من يتناوله إلى يوم القيامة وإن كان وقف الانسان على نفسه صحيحا فقد أغنى الله تعالى عن تكلف الكذب.
قلت ولو قيل: إنه مسألة خلاف يسوغ فيها الاجتهاد فإذا وقفه على نفسه كان لصحته مساغ لما فيه من الاختلاف لساغ واما الاقرار بوقفه من غير إنشاء متقدم فكذب بحت ولا يجعله ذلك وقفا اتفاقا إذا أخذ الاقرار على حقيقته ومعلوم قطعا ان تقليد الانسان لمن يفتى بهذا القول ويذهب اليه اقرب إلى الشرع والعقل من توصيله اليه بالكذب والزور والاقرار الباطل فتقليد عالم من علماء المسلمين اعذر عند الله من تلقين الكذب والشهادة عليه.
فصل: حيلة أخرى في الوقف على النفس ولهم حيلة أخرى وهي ان الذي يريد الوقف يملكه لبعض من يثق به ثم يقفه المملك عليه بحسب اقتراحه وهذا لا شك في قبحه وبطلانه فإن التمليك المشروع المعقول ان يرضى المملك بنقل الملك إلى المملك بحيث يتصرف فيه بما يحب من وجوه التصرفات.
وهنا قد علم الله تعالى والحفظة الموكلون بالعبد ومن يشاهدهم من بني آدم من هذا المملك انه لم يرض بنقل الملك إلى هذا ولا خطر له على بال ولو سأله درهما واحدا فلعله كان لم يسمح به عليه ولم يرض بتصرفه فيه إلا بوقفه على المملك خاصة بل قد ملكه إياه بشرط ان يتبرع عليه به وقفا إما بشرط مذكور وإما بشرط معهود متواطأ عليه وهذا تمليك فاسد قطعا وليس بهبة ولا صدقة ولا هدية ولا وصية ولا إباحة وليس هذا بمنزلة العمري والرقبي المشروط فيها العود إلى المعمر فإن هناك ملكه التصرف فيه وشرط العود وهنا لم يملكه شيئا وإنما تكلم بلفظ التمليك غير قاصد معناه والموهوب له يصدقه أنهما لم يقصدا حقيقة الملك بل هو استهزاء بآيات الله وتلاعب بحدوده وسنذكر ان شاء الله في الفصل الذي بعد هذا الطريق الشرعية المغنية عن هذه الحيلة الباطلة.
فصل: حيلة باطلة في مخالفة شرط الواقف ومن الحيل الباطلة تحيلهم على إيجار الوقف مائة سنة مثلا وقد شرط الواقف ألا يؤجر أكثر من سنتين أو ثلاثا فيؤجر المدة الطويلة في عقود متفرقة في مجلس واحد وهذه الحيلة باطلة قطعا فإنه إنما قصد بذلك دفع المفاسد المترتبة على طول مدة الاجارة فإنها مفاسد كثيرة جدا وكم قد ملك من الوقوف بهذه الطرق وخرج عن الوقفية بطول المدة واستيلاء المستأجر فيها على الوقف هو وذريته وورثته سنينا بعد سنين وكم فات البطون اللواحق من منفعة الوقف بالايجار الطويل وكم أوجر الوقف بدون إجارة مثله لطول المدة وقبض الاجرة وكم زادت أجرة الارض أو العقار اضعاف ما كانت ولم يتمكن الموقوف عليه من استيفائها.
وبالجملة فمفاسد هذه الاجارة تفوت العد والواقف إنما قصد دفعها وخشى منها بالاجارة الطويلة فصرح بأنه لا يؤجر اكثر من تلك المدة التي شرطها فإيجاره أكثر منها سواء كان في عقد أو عقود مخالفة صريحة لشرطه مع ما فيها من المفسدة بل المفاسد العظيمة.
ويالله العجب هل تزول هذه المفاسد بتعدد العقود في مجلس واحد وأي غرض للعاقل ان يمنع الاجارة لأكثر من تلك المدة ثم يجوزها في ساعة واحدة في عقود متفرقة وإذا اجره في عقود متفرقة اكثر من ثلاث سنين ايصح أن يقال وفي بشرط الواقف ولم يخالفه هذا من أبطل الباطل وأقبح الحيل وهو مخالف لشرط الواقف ومصلحة الموقوف عليه وتعرض لابطال هذه الصدقة وان لا يستمر نفعها والا يصل إلى من بعد الطبقة الاولى وما قاربها فلا يحل لمفت ان يفتى بذلك ولا لحاكم ان يحكم به ومتى حكم به نقض حكمه اللهم إلا ان يكون فيه مصلحة الوقف بأن يخرب ويتعطل نفعه فتدعو الحاجة إلى إيجاره مدة طويلة يعمر فيها بتلك الاجرة فهنا يتعين مخالفة شرط الواقف تصحيحا لوقفه واستمرارا لصدقته وقد يكون هذا خيرا من بيعه والاستبدال به وقد يكون البيع أو الاستبدال خيرا من الاجارة والله يعلم المفسد من المصلح.
والذي يقضى منه العجب التحيل على مخالفة شرط الواقف وقصده الذي يقطع بأنه قصده مع ظهور المفسدة والوقوف مع ظاهر شرطه ولفظه المخالف القصده والكتاب والسنة ومصلحة الموقوف عليه بحيث يكون مرضاة الله ورسوله ومصلحة الواقف وزيادة اجره ومصلحة الموقوف عليه وحصول الرفق به مع كون العمل احب إلى الله ورسوله لا يغير شرط الواقف ويجرى مع ظاهر لفظه وإن ظهر قصده بخلافه وهل هذا إلا من قلة الفقه بل من عدمه فإذا تحيلتم على إبطال مقصود الواقف حيث يتضمن المفاسد العظيمة.
فهلا تحيلتم على مقصوده ومقصود الشارع حيث يتضمن المصالح الراجحة بتخصيص لفظه أو تقييده أو تقديم شرط الله عليه فإن شرط الله أحق وأوثق بل يقولون ههنا نصوص الواقف كنصوص الشارع وهذه جملة من أبطل الكلام وليس لنصوص الشارع نظير من كلام غيره أبدا بل نصوص الواقف يتطرق اليها التناقض والاختلاف ويجب إبطالها اذا خالفت نصوص الشارع وإلغاؤها ولا حرمة لها حينئذ ألبتة ويجوز بل يترجح مخالفتها إلى ما هو أحب إلى الله ورسوله منها وانفع للواقف والموقوف عليه ويجوز اعتبارها والعدول عنها مع تساوي الامرين ولا يتعين الوقوف معها وسنذكر إن شاء الله فيما بعد ونبين ما يحل الإفتاء به وما يحل من شروط الواقفين إذ القصد بيان بطلان هذه الحيلة شرعا وعرفا ولغة.
فصل: حيلة باطلة لإبرار من حلف لا يفعل شيئا ومثله لا يفعله بنفسه عادة ومن الحيل الباطلة ما لو حلف ان لا يفعل شيئا ومثله لا يفعله بنفسه اصلا كما لو حلف السلطان ان لا يبيع كذا ولا يحرث هذه الارض ولا يزرعها ولا يخرج هذا من بلده ونحو ذلك فالحيلة ان يامر غيره ان يفعل ذلك ويبر في يمينه إذا لم يفعله بنفسه وهذا من أبرد الحيل وأسمجها وأقبحها وفعل ذلك هو الحنث الذي حلف عليه بعينه ولا يشك في انه حانث ولا احد من العقلاء وقد علم الله ورسوله والحفظة بل والحالف نفسه أنه إنما حلف على نفي الامر والتمكين من ذلك لا على مباشرته والحيل إذا افضت إلى مثل هذا سمجت غاية السماجة ويلزم أرباب الحيل والظاهر انهم يقولون: إنه إذا حلف ان لا يكتب لفلان توقيعا ولا عهدا ثم امر كتابه ان يكتبوه له فإنه لا يحنث سواء كان أميا أو كاتبا وكذلك إذا حلف ان لا يحفر هذا البئر ولا يكرى هذا النهر فامر غيره بحفره وإكرائه انه لا يحنث.
فصل: حيلة باطلة لمن حلف ألا يفعل شيئا ففعل بعضه ومن الحيل الباطلة لو حلف لا يأكل هذا الرغيف أو لا يسكن في الدار هذه السنة أو لا يأكل هذا الطعام قالوا: يأكل الرغيف ويدع منه لقمة واحدة ويسكن السنة كلها إلا يوما واحدا ويأكل الطعام كله إلا القد اليسير منه ولو انه لقمة.
وهذه حيلة باطلة باردة ومتى فعل ذلك فقد أتى بحقيقة الحنث وفعل نفس ما حلف عليه وهذه الحيلة لا تتأتى على قول من يقول يحنث بفعل بعض المحلوف عليه ولا على قول من يقول لا يحنث لانه لم يرد مثل هذه الصورة قطعا وإنما اراد به اذا اكل لقمة مثلا من الطعام الذي حلف انه لا يأكله أو حبة من القطف الذي حلف على تركه ولم يرد انه يأكل القطف إلا حبة واحدة منه وعالم لا يقول هذا.
ثم يلزم هذا المتحيل ان يجوز المكلف فعل كل ما نهى الشارع عن جملته فيفعله إلا القدر اليسير منه فإن البر والحنث في الايمان نظير الطاعة والمعصية في الامر والنهي ولذلك لا يبر إلا بفعل المحلوف عليه جميعه لا بفعل بعضه كما لا يكون مطيعا إلا بفعله جميعه ويحنث بفعل بعضه كما يعصى بفعل بعضه فيلزم هذا القائل ان يجوز للمحرم في الاحرام حلق تسعة اعشار رأسه بل وتسعة اعشار العشر الباقي لان الله تعالى إنما نهاه عن حلق رأسه كله لا عن بعضه كما يفتى لمن حلف لا يحلق رأسه ان يحلقه إلا القدر اليسير منه.
وتأمل لو فعل المريض هذا فيما نهاه الطبيب عن تناوله هل يعد قابلا منه أو لو فعل مملوك الرجل أو زوجته أو ولده ذلك فيما نهاهم عنه هل يكونون مطيعين له ام مخالفين واذا تحيل احدهم على نقض غرض الآمر وإبطاله بأدنى الحيل هل كان يقبل ذلك منه ويحمده عليه أو يعذره وهل يعذر احدا من الناس يعامله بهذه الحيل فكيف يعامل هو بهذا من لاتخفى عليه خافية.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:28 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الأربعاء 27 يوليو 2016, 6:14 pm | |
| فصل: حيلة باطلة في اسقاط حق الحضانة للأم ومن الحيل الباطلة المحرمة ما لو اراد الأب إسقاط حضانة الأم ان يسافر إلى غير بلدها فيتبعه الولد. وهذه الحيلة مناقضة لما قصده الشارع فإنه جعل الأم احق بالولد من الأب مع قرب الدار وإمكان اللقاء كل وقت لو قضى به للأب وقضى ان لا توله والدة على ولدها واخبر ان من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين احبته يوم القيامة ومنع ان تباع الأم دون ولدها والولد دونها وإن كانا في بلد واحد فكيف يجوز مع هذا التحيل على التفريق بينها وبين ولدها تفريقا تعز معه رؤيته ولقاؤه ويعز عليها الصبر عنه وفقده وهذا من امحل المحال بل قضاء الله ورسوله احق ان الولد للأم سافر الأب أو اقام والنبي صلى الله عليه وسلم قال: للأم انت احق به ما لم تنكحي فكيف يقال انت احق به ما لم يسافر الأب واين هذا في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فتاوي اصحابه أو القياس الصحيح فلا نص ولا قياس ولا مصلحة.
فصل: حيلة باطلة في نفاذ تصرفات المريض ومن الحيل المحرمة اذا اراد حرمان امرأته من الميراث أو كانت تركته كلها عبيدا وإماء فأراد جعل تدبيرهم من رأس المال ان يقول في الصورة الأولى اذا مت من مرضي هذا فأنت طالق قبل مرضي بساعة ثلاثا ويقول في الصورة الثانية اذا مت في مرضي هذا فأنتم عتقاء قبله بساعة وحينئذ فيقع الطلاق والعتق في الصحة.
وهذه حيلة باطلة فإن التعليق إنما وقع منه في حال مرض موته ولم يقارنه اثره وهو في هذه الحال لو نجز العتق والطلاق لكان العتق من الثلث والطلاق غير مانع للميراث مع مقارنة اثره له وقوة المنجز وضعف المعلق وايضا فالشرط هو موته في مرضه والجزاء المعلق عليه هو العتق والطلاق والجزاء يستحيل ان يسبق شرطه إذ في ذلك اخراج الشرط عن حقيقته وحكمه وقد تقدم تقرير ذلك في الحيلة السريجية.
فصل: حيلة باطلة لتأخير قبض رأس مال السلم ومن الحيل الباطلة المحرمة إذا كان مع احدهما دينار رديء ومع الآخر نصف دينار جيد فأراد بيع أحدهما بالآخر قال: أرباب الحيل الحيلة ان يبيعه دينارا بدينار في الذمة ثم يأخذ البائع الدينار الذي يريد شراءه بالنصف فيريد الآخر دينارا عوضه فيدفع اليه نصف الدينار وفاء ثم يستقرضه منه فيبقى له في ذمته نصف دينار ثم يعيده اليه وفاء عن قرضه فيبرأ منه ويفوز كل منهما بما كان مع الآخر ومثل هذه الحيلة لو اراد ان يجعل بعض رأس مال السلم دينارا يوفيه اياه في وقت آخر بأن يكون معه نصف دينار ويريد ان يسلم اليه دينارا في كر حنطة فالحيلة ان يسلم اليه دينارا غير معين ثم يوفيه نصف الدينار ثم يعود فيستقرضه منه ثم يوفيه إياه عما له عليه من الدين فيتفرقان وقد بقى له في ذمته نصف دينار.
وهذه الحيلة من أقبح الحيل فإنهما لا يخرجان بها عن بيع دينار بنصف دينار ولا عن تأخير رأس مال السلم عن مجلس العقد ولكن توصلا إلى ذلك بالقرض الذي جعلا صورته مبيحة لصريح الربا ولتأخير قبض رأس مال السلم وهذا غير القرض الذي جاءت به الشريعة وهو قرض لم يشرعه الله وإنما اتخذه المتعاقدان تلاعبا بحدود الله وأحكامه واتخاذا لآياته هزوا واذا كان القرض الذي يجر النفع ربا عند صاحب الشرع فكيف بالقرض الذي يجر صريح الربا وتأخير قبض رأس مال السلم؟
فصل: حيل باطلة لإسقاط حق الشفعة ومن الحيل الباطلة المحرمة التحيل على اسقاط ما جعله الله حقا للشريك على شريكه من استحقاق الشفعة دفعا للضرر والتحيل لإبطالها مناقض لهذا الغرض وإبطال لهذا الحكم بطريق التحيل وقد ذكروا وجوها من الحيل.
منها ان يتفقا على مقدار الثمن ثم عند العقد يصبره صبرة غير موزونة فلا يعرف الشفيع ما يدفع فإذا فعلا ذلك فللشفيع ان يستحلف المشتري انه لا يعرف قدر الثمن فإن نكل قضى عليه بنكوله وان حلف فللشفيع اخذ الشقص بقيمته.
ومنها ان يهب الشقص للمشتري ثم يهبه المشتري ما يرضيه وهذا لا يسقط الشفعة وهذا بيع وإن لم يتلفظا به فله ان يأخذ الشقص بنظير الموهوب.
ومنها ان يشتري الشقص ويضم اليه سكينا أو منديلا بألف درهم فيصير حصة الشقص من الثمن مجهولة وهذا لايسقط الشفعة بل يأخذ الشفيع الشقص بقيمته كما لو استحق احد العوضين واراد المشتري اخذ الآخر فإنه يأخذه بحصته من الثمن إن انقسم الثمن عليهما بالأجزاء وإلا فبقيمته وهذا الشقص مستحق شرعا فإن الشارع جعل الشفيع احق به من المشتري بثمنه فلا يسقط حقه منه بالحيلة والمكر والخداع.
ومنها ان يشتري الشقص بألف دينار ثم يصارفه عن كل دينار بدرهمين فإذا اراد اخذه أخذه بالثمن الذي وقع عليه العقد وهذه الحيلة لاتسقط الشفعة واذا أراد أخذه أخذه بالثمن الذي استقر عليه العقد وتواطأ عليه البائع والمشتري فإنه هو الذي انعقد به العقد ولا عبرة بما أظهراه من الكذب والزور والبهتان الذي لا حقيقة له ولهذا لو استحق المبيع فإن المشتري لا يرجع على البائع بألف دينار وإنما يرجع بالثمن الذي تواطأ عليه واستقر عليه العقد فالذي يرجع به عند الاستحقاق هو الذي يدفعه الشفيع عند الأخذ هذا محض العدل الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه ولا تحتمل الشريعة سواه.
ومنها أن يشتري بائع الشقص من المشتري عبدا قيمته مائة درهم بألف درهم في ذمته ثم يبيعه الشقص بالألف وهذه الحيلة لا تبطل الشفعة ويأخذ الشفيع الشقص بالثمن الذي يرجع به المشتري على البائع إذا استحق المبيع وهو قيمة العبد.
ومنها أن يشتري الشقص بألف وهو يساوي مائة ثم يبرئه البائع من تسعمائة وهذا لا يسقط الشفعة ويأخذه الشفيع بما بقي من الثمن بعد الإسقاط وهو الذي يرجع به إذا استحق البيع.
ومنها أن يشتري جزءا من الشقص بالثمن كله ثم يهب له بقية الشقص وهذا لا يسقطها ويأخذ الشفيع الشقص كله بالثمن فإن هذه الهبة لا حقيقة لها والموهوب هو المبيع بعينه ولا تغير حقائق العقود وأحكامها التي شرعت فيها بتغير العبارة. وليس للمكلف ان يغير حكم العقد بتغيير عبارته فقط مع قيام حقيقته وهذا لو أراد من البائع ان يهبه جزءا من ألف جزء من الشقص بغير عوض لما سمحت نفسه بذلك ألبتة فكيف يهبه ما يساوي مائة الف بلا عوض وكيف يشتري منه الآخر مائة درهم بمائة الف وهل هذا إلا سفه يقدح في صحة العقد.
قال الامام احمد في رواية اسماعيل بن سعيد وقد سأله عن الحيلة في إبطال الشفعة فقال لا يجوز شيء من الحيل في ذلك ولا في ابطال حق مسلم.
وقال عبدالله بن عمر رضى الله عنهما في هذه الحيل وأشباهها من يخدع الله يخدعه والحيلة خديعة.
وقد قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحل الخديعة لمسلم" والله تعالى ذم المخادعين والمتحيل مخادع لان الشفعة شرعت لدفع الضرر فلو شرع التحيل لابطالها لكان عودا على مقصود الشريعة بالابطال وللحق الضرر الذي قصد إبطاله.
فصل: حيلة باطلة لتفويت حق القسمة ومن الحيل الباطلة التحيل على إبطال القسمة في الارض القابله لها بأن يقف الشريك منها سهما من الف سهم مثلا على من يريد فيصير الشريك شريكا في الوقف والقسمة بيع فتبطل.
وهذه حيلة فاسدة باردة لا تبطل حق الشريك من القسمة وتجوز القسمة ولو وقف حصته كلها فإن القسمة إفراز حق وإن تضمنت معاوضة وهي غير البيع حقيقة واسما وحكما وعرفا ولا يسمى القاسم بائعا لا لغة ولا شرعا ولا عرفا ولا يقال للشريكين اذا تقاسما تبايعا ولا يقال لواحد منهما إنه قد باع ملكه ولا يدخل المتقاسمان تحت نص واحد من النصوص المتناولة للبيع ولا يقال لناظر الوقف إذا أفرز الوقف وقسمه من غيره إنه قد باع الوقف وللآخر إنه قد اشترى الوقف وكيف ينعقد البيع بلفظ القسمة ولو كانت بيعا لوجبت فيها الشفعة ولو كانت بيعا لما أجبر الشريك عليها إذا طلبها شريكه فإن أحدا لا يجبر على بيع ماله ويلزم بإخراج القرعة بخلاف البيع ويتقدر أحد النصيبين فيها بقدر النصيب الآخر إذا تساويا وبالجملة فهى منفردة عن البيع باسمها وحقيقتها وحكمها.
فصل: حيلة باطلة لتصحيح المزارعة لمن يعتقد فسادها ومن الحيل الباطلة التحيل على تصحيح المزارعة لمن يعتقد فسادها بأن يدفع الارض إلى المزارع ويؤجره نصفها مشاعا مدة معلومة يزرعها ببذره على ان يزرع للمؤجر النصف الآخر ببذره تلك المدة ويحفظه ويسقيه ويحصده ويذريه فإذا فعلا ذلك أخرج البذر منهما نصفين نصفا من المالك ونصفا من المزارع ثم خلطاه فتكون الغلة بينهما نصفين فإن اراد صاحب الارض ان يعود اليه ثلثا الغلة آجره ثلث الارض مدة معلومة على ان يزرع له مدة الاجارة ثلثي الارض ويخرجان البذر منهما أثلاثا ويخلطانه وإن أراد المزارع أن يكون له ثلثا البذر استأجر ثلثى الارض بزرع الثلث الآخر كما تقدم.
فتأمل هذه الطويلة الباردة المتعبة وترك الطريق المشروعه التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كأنها رأى عين واتفق عليها الصحابة وصح فعلها عن الخلفاء الراشدين صحة لا يشك فيها كما حكاه البخاري في صحيحه فما مثل هذا العدول عن طريقة القوم إلى هذه الحيلة الطويلة السمجة إلا بمنزلة من أراد الحج من المدينة على الطريق التي حج فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه فقيل له هذه الطريق مسدودة وإذا اردت أن تحج فاذهب إلى الشام ثم منها إلى العراق ثم حج على درب العراق وقد وصلت.
فيالله العجب كيف تسد عليه الطريق القريبة السهلة القليلة الخطر التي سلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه ويدل على الطريق الطويلة الصعبة المشقة الخطرة التي لم يسلكها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من اصحابه؟
فلله العظيم عظيم حمد… كما أهدى لنا نعما غزارا.
وهذا شأن جميع الحيل إذا كانت صحيحة جائزة واما إذا كانت باطلة محرمة فتلك لها شأن آخر وهي طريق إلى مقصد آخر غير الكعبة البيت الحرام وبالله التوفيق.
فصل: حيلة باطلة في إسقاط حق الاب في الرجوع في الهبة وحق الزوج في الرجوع في نصف الصداق ومن الحيل الباطلة التي لا تسقط الحق اذا اراد الابن منع الاب الرجوع فيما وهبه إياه أن يبيعه لغيره ثم يستقيله إياه وكذلك المرأة إذا أرادت منع الزوج من الرجوع في نصف الصداق باعته ثم استقالته.
وهذا لا يمنع الرجوع فإن المحذور إبطال حق الغير من العين وهذا لا يبطل للغير حقا والزائل العائد كالذي لم يزل ولا سيما إذا كان زواله إنما جعل ذريعة وصورة إلى ابطال حق الغير فإنه لا يبطل بذلك يوضحه ان الحق كان متعلقا بالعين تعلقا قدم الشارع مستحقه على المالك لقوته ولا يكون صورة إخراجه عن يد المالك إخراجا لا حقيقة له اقوى من الاستحقاق الذي اثبت الشارع به انتزاعه من يد المالك بل لو كان الاخراج حقيقة ثم عاد لعاد حق الاول من الاخذ لوجود مقتضيه وزوال مانعه والحكم إذا كان له مقتض فمنع مانع من إعماله ثم زال المانع اقتضى المقتضى عمله.
فصل: حيلة باطلة لتجويز الوصية للوارث ومن الحيل الباطلة المحرمة إذا أراد ان يخص بعض ورثته ببعض الميراث وقد علم ان الوصية لا تجوز وان عطيته في مرضه وصية فالحيلة ان يقول كنت وهبت له كذا وكذا في صحتى أو يقر له بدين فيتقدم به.
وهذا باطل والاقرار للوارث في مرض الموت لا يصح للتهمة عند الجمهور بل مالك يرده للأجنبي إذا ظهرت التهمة وقوله هو الصحيح وأما إقراره أنه كان وهبه إياه في صحته فلا يقبل أيضا كما لا يقبل إقراره له بالدين ولا فرق بين إقراره له بالدين أو بالعين وأيضا المريض لا يملك إنشاء عقد التبرع المذكور فلا يملك الإقرار به لاتحاد المعنى الموجب لبطلان الإنشاء فإنه بعينه قائم في الإقرار وبهذا يزول النقض بالصور التي يملك فيها الإقرار دون الإنشاء فإن المعنى الذي منع من الإنشاء هناك لم يوجد في الإقرار فتأمل هذا الفرق.
فصل: حيلة باطلة في محاباة وارث ومن الحيل الباطلة المحرمة إذا أراد أن يحابى وارثه في مرضه أن يبيع أجنبيا شفيعه وارثه شقصا بدون ثمنه ليأخذه وارثه بالشفعة.
فمتى قصد ذلك حرمت المحاباة المذكورة وكان للورثة إبطالها إذا كانت حيلة على محاباة الوارث وهذا كما يبطل الإقرار له لأنه قد يتخذ حيلة لتخصيصه.
وقال اصحابنا: له الاخذ بالشفعة وهذا لا يستقيم على أصول المذهب إلا اذا لم يكن حيلة فأما إذا كان حيلة فأصول المذهب تقتضي ما ذكرناه ومن اعتبر سد الذرائع فأصله يقتضى عدم الاخذ بها وان لم يقصد الحيلة فإن قصد التحيل امتنع الاخذ لذلك وإن لم يقصده امتنع سدا للذريعة.
فصل: حيلة باطلة لإسقاط أرش الجنايات ومن الحيل الباطلة إذا أوضح رأسه في موضعين وجب عليه عشرة أبعرة من الابل فإذا أراد جعلها خمسة فليوضحه ثالثة تخرق ما بينهما.
وهذه الحيلة مع أنها محرمة فإنها لا تسقط ما وجب عليه فإن العشر لا يجب عليه إلا بالاندمال فإذا فعل ذلك بعد الاندمال فهى موضحة ثالثة وعليه ديتها فإن كان قبل الاندمال ولم يستقر ارش الموضحتين الاوليين حتى صار الكل واحدة من جانب واحد فهو كما لو سرت الجناية حتى خرقت ما بينهما فإنها تصير واحدة.
وهكذا لو قطع أصبعا بعد أصبع من امرأة حتى قطع اربعا فإنه يجب عشرون ولو اقتصر على الثلاث وجب ثلاثون وهذا بخلاف ما لو قطع الرابعة بعد الاندمال فإنه يجب فيها عشر كما لو تعدد الجاني فإنه يجب على كل واحد ارش جنايته قبل الاندمال وبعده.
وكذلك لو قطع أطراف رجل وجب عليه ديات فان اندملت ثم قتله بعد ذلك فعليه مع تلك الديات دية النفس ولو قتله قبل الاندمال فدية واحدة كما لو قطعه عضوا عضوا حتى مات.
حيل باطلة لاسقاط حد السرقة ومن الحيل الباطلة الحيل التي فتحت للسراق واللصوص التي لو صحت لم تقطع يد سارق أبدا ولعم الفساد وتتابع السراق في السرقة.
فمنها ان ينقب احدهما السطح ولا يدخل ثم يدخل عبده أو شريكه فيخرج المتاع من السطح.
ومنها ان ينزل احدهما من السطح فيفتح الباب من داخل ويدخل الآخر فيخرج المتاع.
ومنها ان يدعى انه ملكه وان رب البيت عبده فبمجرد ما يدعى ذلك يسقط عنه القطع ولو كان رب البيت معروف النسب والناس تعرف ان المال ماله.
وأبلغ من هذا انه لو أدعى العبد السارق ان المسروق لسيده وكذبه السيد قالوا: فلا قطع عليه بل يسقط عنه القطع بهذه الدعوى.
ومنها أن يبلع الجوهرة أو الدنانير ويخرج بها
ومنها أن يغير هيئة المسروق بالحرز ثم يخرج به.
ومنها ان يدعى ان رب الدار أدخله داره وفتح له باب داره فيسقط عنه القطع وإن كذبه إلى أمثال ذلك من الاقوال التي حقيقتها أنه لا يجب القطع على سارق ألبتة.
وكل هذه حيل باطلة لا تسقط القطع ولا تثير أدنى شبهة ومحال أن تأتي شريعة بإسقاط عقوبة هذه الجريمة بها بل ولا سياسة عادلة فإن الشرائع مبنية على مصالح العباد وفي هذه الحيل أعظم الفساد ولو ان ملكا من الملوك وضع عقوبة على جريمة من الجرائم لمصلحة رعيته ثم أسقطها بأمثال هذه الحيل عد متلاعباً.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:29 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 28 يوليو 2016, 6:44 am | |
| فصل: حيل باطلة لاسقاط حد الزنا ومن الحيل الباطلة الحيلة التي تتصمن إسقاط حد الزنا بالكلية وترفع هذه الشريعة من الارض بأن يستأجر المرأة لتطوي له ثيابه أو تحول له متاعا من جانب الدار إلى جانب آخر أو يستأجرها لنفس الزنا ثم يزني بها فلا يجب عليه الحد. وأعظم من هذا كله انه إذا اراد ان يزني بأمه أو اخته أو ابنته أو خالته أو عمته ولا يجب عليه الحد فليعقد عليها عقد النكاح بشهادة فاسقين ثم يطؤها ولا حد عليه. وأعظم من ذلك ان الرجل المحصن إذا اراد ان يزني ولا يحد فليرتد ثم يُسلم فإنه إذا زني بعد ذلك فلا حد عليه أبدا حتى يستأنف نكاحا أو وطئا جديدا. وأعظم من هذا كله انه اذا زنى بأمه وخاف من إقامة الحد عليه فليقتلها فإذا فعل ذلك سقط عنه الحد وإذا شهد عليه الشهود بالزنا ولم يمكنه القدح فيهم فليصدقهم فإذا صدقهم سقط عنه الحد ولا يخفى امر هذه الحيل ونسبتها إلى دين الاسلام وهل هي نسبة موافقة أو هي نسبة مناقضة.
فصل: حيلة باطلة لإبرار يمين ومن الحيل الباطلة انه إذا حلف لا يأكل من هذا القمح فالحيلة ان يطحنه ويعجنه ويأكله خبزا وطرد هذه الحيلة الباردة انه اذا حلف لا يأكل هذه الشاة فليذبحها وليطبخها ثم يأكلها وإذا حلف انه لا ياكل من هذه النخلة فليجد ثمرها ثم يأكلها فإن طردوا ذلك فمن الفضائح الشنيعة وإن فرقوا تناقضوا فإن قالوا: الحنطة يمكن أكلها صحاحا بخلاف الشاة والنخلة فإنه لا يمكن فيها ذلك قيل: والعادة ان الحنطة لا يأكلها صحاحا إلا الدواب والطير وإنما تؤكل خبزا فكلاهما سواء عند الحالف وكل عاقل.
فصل: حيلة أشنع من الحيلة اليهودية ومن الحيل الباطلة المحرمة المضاهية للحيلة اليهودية ما لو حلف انه لا يأكل هذا الشحم فالحيلة ان يذيبه ثم يأكله. وهذا كله تصديق لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سُنَنَ مَنْ كان قبلكم حذو القذة بالقذة" قالوا: اليهود والنصارى قال: "فَمَنْ وتصديق" قوله: "لتأخذن امتي ما أخذ الامم قبلها شبرا بشبر وذراعا بذارع حتى لو كان منهم من أتى امه علانية لكان فيهم من يفعله". وهذه الحيلة في الشحوم هي حيلة اليهود بعينها بل أبلغ منها فإن اولئك لم يأكلوا الشحم بعد إذابته وإنما أكلوا ثمنه.
فصل حيلة باطلة لتجويز نكاح الامة مع الطول ومن الحيل الباطلة المحرمة لمن أراد ان يتزوج بأمة وهو قادر على نكاح حرة ان يملك ماله لولده ثم يعقد على الامة ثم يسترد المال منه وهذه الحيلة لا ترفع المفسدة التي حرم لأجلها نكاح الامة ولا تخففها ولا تجعله عادما للطول فلا تدخل في قوله: "ومن لم يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات" وهذه الحيلة حيلة على استباحة نفس ما حرم الله تعالى.
فصل: حيلة باطلة لتجويز تعلية بناء الكافر على بناء المسلم ومنها لو على كافر بناءه على مسلم منع من ذلك فالحيلة على جوازه ان يعليها مسلم ما شاء ثم يشتريها الكافر منه فيسكنها وهذه الحيلة وإن ذكرها بعض الاصحاب فهى مما أدخلت في المذهب غلطا محضا ولا توافق اصوله ولا فروعه فالصواب المقطوع به عدم تمكينه من سكناها فإن المفسدة لم تكن في نفس البناء وإنما كانت في ترفعه على المسلمين ومعلوم قطعا ان هذه المفسدة في الموضعين واحدة.
فصل: حيلة باطلة لاسقاط الضمان عن الغاصب ومن الحيل الباطلة اذا غصبه طعاما ثم اراد ان يبرأ منه ولا يعلمه به فليدعه إلى داره ثم يقدم له ذلك الطعام فإذا أكله بريء الغاصب. وهذه الحيلة باطلة فإنه لم يملكه إياه ولا مكنه من التصرف فيه فلم يكن بذلك رادا لعين ماله اليه. فإن قيل: فما تقولون لو أهداه اليه فقبله وتصرف فيه وهو لا يعلم انه ماله قيل: ان خاف من إعلامه به ضررا يلحقه منه برئ بذلك وان لم يخف ضررا وإنما أراد المنة عليه ونحو ذلك لم يبرأ ولا سيما إن كافأه على الهدية فقبل فهذا لا يبرأ قطعاً.
فصل: حيل باطلة في الأيمان ومن الحيل الباطلة بلا شك الحيل التي يفتى بها من حلف لا يفعل الشيء ثم حلف ليفعلنه فيتحيل له حتى يفعله بلا حنث وذكروا لها صوراً. احدها: أن يحلف لا يأكل هذا الطعام ثم يحلف هو أو غيره ليأكلنه فالحيلة أن يأكله إلا لقمة منه فلا يحنث. ومنها لو حلف ان لا يأكل هذا الجبن ثم حلف ليأكلنه قالوا: فالحيلة ان يأكله بالخبز ويبر ولا يحنث. ومنها لو حلف لا يلبس هذا الثوب ثم حلف هو أو غيره ليلبسنه فالحيلة ان يقطع منه شيئا يسيرا ثم يلبسه فلا يحنث. وطرد قوله ان ينسل منه خيطا ثم يلبسه.
ولا يخفى امر هذه الحيلة وبطلانها وانها من اقبح الخداع واسمجه ولا يتمشى على قواعد الفقه ولا فروعه ولا اصول الائمة فإنه إن كان بترك البعض لا يعد آكلا ولا لابسا فإنه لا يبرأ بالحلف ليفعلن فإنه إن عد فاعلا وجب ان يحنث في جانب النفي وإن لم يعد فاعلا وجب ان يحنث في جانب الثبوت فأما ان يعد فاعلا بالنسبة إلى الثبوت وغير فاعل بالنسبة إلى النفي فتلاعب.
فصل: حيلة باطلة مشتقة من الحيلة السريجية ومنها الحيل التي تبطل الظهار والايلاء والطلاق والعتق بالكلية وهي مشتقة من الحيلة السريجية كقوله إن تظاهرت منك أو آليت منك فأنت طالق قبله ثلاثا فلا يمكنه بعد ذلك ظهار ولا إيلاء وكذلك يقول إن أعتقتك فأنت حر قبل الاعتاق وكذلك لو قال: إن بعتك فأنت حر قبل البيع وقد تقدم بطلان هذه الحيل كلها.
فصل: حيلة باطلة لحسبان الدين من الزكاة ومن الحيل الباطلة المحرمة ان يكون له على رجل مال وقد افلس غريمه وايس من اخذ منه وأراد ان يحسبه من الزكاة فالحيلة ان يعطيه من الزكاة بقدر ما عليه فيصير مالكا للوفاء فيطالبه حينئذ بالوفاء فإذا أوفاه بريء وسقطت الزكاة عن الدافع وهذه حيلة باطلة سواء شرط عليه الوفاء أو منعه من التصرف فيما دفعه اليه أو ملكه إياه بنية ان يستوفيه من دينه فكل هذا لا يسقط عنه الزكاة ولا يعد مخرجا لها لا شرعا ولا عرفا كما لو أسقط دينه وحسبه من الزكاة.
قال مهنا: سألت أبا عبدالله عن رجل له على رجل دين برهن وليس عنده قضاؤه ولهذا الرجل زكاة مال قال: يفرقه على المساكين فيدفع اليه رهنه ويقول له الدين الذي لي عليك هو لك ويحسبه من زكاة ماله قال: لا يجزئه ذلك فقلت له فيدفع إليه زكاته فإن رده إليه قضى مما أخذه من ماله قال: نعم وقال في موضع آخر وقيل له فإن أعطاه ثم رده إليه قال: إذا كان بحيلة فلا يعجبني قيل: له فإن استقرض الذي عليه الدين دراهم فقضاه إياها ثم ردها عليه وحسبها من الزكاة قال: إذا أراد بهذا إحياء ماله فلا يجوز ومطلق كلامه ينصرف إلى هذا المقيد فيحصل من مذهبه أن دفع الزكاة إلى الغريم جائز سواء دفعها ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع ما استوفاه إليه إلا أنه متى قصد بالدفع إحياء ماله واستيفاء دينه لم يجز لأن الزكاة حق لله وللمستحق فلا يجوز صرفها إلى الدافع ويفوز بنفعها العاجل.
ومما يوضح ذلك أن الشارع منعه من أخذها من المستحق بعوضها فقال لا تشترها ولا تعد في صدقتك فجعله بشرائها منه بثمنها عائدا فكيف إذا دفعها إليه بنية أخذها منه قال: جابر بن عبدالله إذا جاء المصدق فادفع إليه صدقتك ولا تشترها فإنهم كانوا يقولون ابتعها فأقول إنما هي لله وقال ابن عمر لا تشتر طهور مالك.
وللمنع من شرائه علتان إحداهما أنه يتخذ ذريعة وحيلة إلى استرجاع شيء منها لأن الفقير يستحي منه فلا يماسكه في ثمنها وربما أرخصها ليطمع أن يدفع إليه صدقة أخرى وربما علم أو توهم أنه إن لم يبعه إياها استرجعها منه فيقول ظفري بهذا الثمن خير من الحرمان.
العلة الثانية قطع طمع نفسه عن العود في شيء أخرجه لله بكل طريق فإن النفس متى طمعت في عوده بوجه ما فآمالها بعد متعلقة به فلم تطب به نفسا لله وهي متعلقة به فقطع عليها طمعها في العود ولو بالثمن ليتمحض الإخراج لله وهذا شأن النفوس الشريفة ذوات الأقدار والهمم أنها إذا أعطت عطاء لم تسمح بالعود فيه بوجه لا بشراء ولا بغيره وتعد ذلك دناءة ولهذا مثل النبي صلى الله عليه وسلم العائد في هبته بالكلب يعود في قيئه لخسته ودناءة نفسه وشحه بما قاءه أن يفوته.
فمن محاسن الشريعة منع المتصدق من شراء صدقته ولهذا منع من سكنى بلاده التي هاجر منها لله وإن صارت بعد ذلك دار إسلام كما منع النبي صلى الله عليه وسلم المهاجرين بعد الفتح من الاقامة بمكة فوق ثلاثة أيام لانهم خرجوا عن ديارهم لله فلا ينبغى ان يعودوا في شيء تركوه لله وان زال المعنى الذي تركوها لاجله.
فإن قيل: فأنتم تجوزون له أن يقضى بها دين المدين إذا كان المستحق له غيره فما الفرق بين ان يكون الدين له أو لغيره ويحصل للغريم براءة ذمته وراحة من ثقل الدين في الدنيا ومن حمله في الآخرة فمنفعته ببراءة ذمته خير له من منفعة الأكل والشرب واللباس فقد انتفع هو بخلاصه من رق الدين وانتنفع رب المال بتوصله إلى أخذ حقه وصار هذا كما لو أقرضه مالا ليعمل فيه ويوفيه دينه من كسبه.
قيل: هذه المسألة فيها روايتان منصوصتان عن الامام احمد رحمه الله إحداهما انه لا يجوز له ان يقضى دينه من زكاته بل يدفع اليه الزكاة ويؤديها هو عن نفسه والثانية يجوز له ان يقضى دينه من الزكاة قال: ابو الحارث قلت للإمام احمد رجل عليه ألف وكان على رجل زكاة ماله الف فأداها عن هذا الذي عليه الدين يجوز هذا من زكاته قال: نعم ما أرى بذلك بأسا وعلى هذا فالفرق ظاهر لان الدافع لم ينتفع ههنا بما دفعه إلى الغريم ولم يرجع اليه بخلاف ما اذا دفعه اليه ليستوفيه منه فإنه قد أحيا ماله بماله.
ووجه القول بالمنع انه قد يتخذ ذريعة إلى انتفاعه بالقضاء مثل ان يكون الدين لولده أو لامرأته أو لمن يلزمه نفقته فيستغنى عن الانفاق عليه فلهذا قال: الامام احمد احب إلى ان يدفعه إليه حتى يقضى هو عن نفسه قيل: هو محتاج يخاف ان يدفع اليه فيأكله ولا يقضى دينه قال: فقل له يوكله حتى يقضيه والمقصود انه متى فعل ذلك حيلة لم تسقط عنه الزكاة بما دفعة فإنه لا يحل له مطالبة المعسر وقد أسقط الله عنه المطالبة فإذا توصل إلى وجوبها بما يدفعه اليه فقد دفع اليه شيئا ثم اخذه فلم يخرج منه شيء فإنه لو أراد الآخذ التصرف في المأخود وسد خلته منه لما مكنه فهذا هو الذي لا تسقط عنه الزكاة فأما لو أعطاه عطاء قطع طمعه من عوده اليه وملكه ظاهرا وباطنا ثم دفع اليه الآخذ دينه من الزكاة فهذا جائز كما لو أخذ الزكاة من غيره ثم دفعها اليه والله اعلم.
فصل: حيلة باطلة لتجويز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ومن الحيل الباطلة التحيل على نفس ما نهى عنه الشارع من بيع الثمرة قبل بدو صلاحها والحب قبل اشتداده بأن يبيعه ولا يذكر تبقيته ثم يخليه إلى وقت كماله فيصح البيع ويأخذه وقت إدراكه وهذا هو نفس ما نهى عنه الشارع إن لم يكن فعله بأدنى الحيل ووجه هذه الحيلة ان موجب العقد القطع فيصح وينصرف إلى موجبه كما لو باعها بشرط القطع ثم القطع حق لهما لا يعدوهما فإذا اتفقا على تركه جاز ووجه بطلان هذه الحيلة ان هذا هو الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه للمفسدة التي يفضى اليها من التشاجر والتشاحن.
فإن الثمار تصيبها العاهات كثيرا فيفضى بيعها قبل كمالها إلى اكل مال المشتري بالباطل كما علل به صاحب الشرع ومن المعلوم قطعا ان هذه الحيلة لا ترفع المفسدة ولا تزيل بعضها وايضا فإن الله وملائكته والناس قد علموا ان من اشترى الثمار وهي شيص لم يمكن احدا ان يأكل منها فإنه لا يشتريها للقطع ولو اشتراها لهذا الغرض لكان سفها وبيعه مردود وكذلك الجوز والخوخ والاجاص وما أشبهها من الثمار التي لا ينتفع بها قبل إدراكها لا يشتريها احد إلا بشرط التبقية وان سكت عن ذكر الشرط بلسانه فهو قائم بقلبه وقلب البائع وفي هذا تعطيل للنص وللحكمة التي نهى الشارع لأجلها أما تعطيل الحكمة فظاهر وأما تعطيل النص فإنه إنما يحمله على ما إذا باعها بشرط التبقية لفظا فلو سكت عن التلفظ بذلك وهو مراده ومراد البائع جاز وهذا تعطيل لما دل عليه النص وإسقاط لحكمته.
فصل: حيلة اخرى باطلة في الايمان ومن الحيل الباطلة انه إذا حلف لا يبيعه هذه الجارية ثم أراد ان يبيعها منه فليبعه منها تسعمائة وتسعة وتسعين سهما ثم يهبه السهم الباقي وقد تقدم نظير هذه الحيلة الباطلة وكذلك لو حلف لا يبيعه ولا يهبه إياها ففعل ذلك لم يحنث.
ولو وقعت هذه الحيلة في جارية قد وطئها الحالف اليوم فأراد المالك ان يطأها بلا استبراء فله حيلتان على إسقاط الاستبراء إحداهما أن يعتقها ثم يتزوجها والثانية ان يملكها لرجل ثم يزوجه إياها فإذا قضى وطره منها ثم أراد بيعها أو وطأها بملك فليشترها من المملك فينفسخ نكاحه فإن شاء باعها وإن شاء أقام على وطئها.
وتقدم أن نظير هذه الحيلة لو حلف ان لا يلبس هذا الثوب فلينسل منه خيطا ثم يلبسه أو لا يأكل هذا الرغيف فليخرج منه لبابة ثم يأكله.
قال غير واحد من السلف لو فعل المحلوف عليه على وجهه لكان أخف وأسهل من هذا الخداع ولو قابل العبد أمر الله ونهيه بهذه المقابلة لعد عاصيا مخادعا بل لو قابل احد الرعية امر الملك ونهيه أو العبد امر سيده ونهيه أو المريض امر الطبيب ونهيه بهذه المقابلة لما عذره احد قط ولعده كل احد عاصيا وإذا تدبر العالم في الشريعة امر هذه الحيل لم يخف عليه نسبتها اليها ومحلها منها والله المستعان.
فصل: حيلة أخرى باطلة في الايمان ومن الحيل الباطلة لو حلف لا يبيع هذه السلعة بمائة دينار أو زاد عليها فلم يجد من يشتريها بذلك فليبعها بتسعة وتسعين دينارا أو مائة جزء من دينار أو اقل من ذلك أو يبيعها بدراهم تساوي ذلك أو يبيعها بتسعين دينارا ومنديلا أو ثوبا أو نحو ذلك.
وكل هذه حيل باطلة فإنها تتضمن نفس مخالفته لما نواه وقصده وعقد قلبه عليه وإذا كانت يمين الحالف على ما يصدقه عليه صاحبه كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم فيمينه على ما يعلمه الله من قلبه كائنا ما كان فليقل ما شاء وليتحيل ما شاء فليست يمينه إلا على ما علمه الله من قلبه قال: الله تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} فأخبر تعالى انه إنما يعتبر في الايمان قصد القلب وكسبه لا مجرد اللفظ الذي لم يقصده أو لم يقصد معناه على التفسيرين في اللغو فكيف اذا كان قاصدا لضد ما يتحيل عليه.
فصل: حيلة باطلة لتجويز بيع أم الولد ومن الحيل الباطلة على ان يطأ أمته وإذا حبلت منه لم تصر أم ولد فله بيعها أن يملكها لولده الصغير ثم يتزوجها ويطؤها فإذا ولدت منه عتق الاولاد على الولد لانهم إخوته ومن ملك أخاه عتق عليه.
قالوا: فإن خاف ان لا تتمشى هذه الحيلة على قول الجمهور الذين لا يجوزون للرجل ان يتزوج بجارية ابنه وهو قول الامام احمد ومالك والشافعي فالحيلة ان يملكها لذي رحم محرم منه ثم يزوجه إياها فإذا ولدت عتق الولد على ملك ذي الرحم فإذا أراد بيع الجارية فليهبها له فينفسخ النكاح وإن لم يكن له ذو رحم محرم فليملكها أجنبيا ثم يزوجها به فإن خاف من رق الولد فليعلق الاجنبي عتقهم بشرط الولادة فيقول كل ولد تلدينه فهو حر فيكون الاولاد كلهم أحرارا فاذا اراد بيعها بعد ذلك فليتهبها من الاجنبي ثم يبيعها.
وهذه الحيلة أيضا باطلة فإن حقيقة التمليك لم توجد إذ حقيقته نقل الملك إلى المملك يتصرف فيه كما أحب هذا هو الملك المشروع المعقول المتعارف فأما تمليك لا يتمكن فيه المملك من التصرف إلا بالتزويج وحده فهو تلبيس لا تمليك فإن المملك لو أراد وطأها أو الخلوة بها أو النظر إليها بشهوة أو التصرف فيها كما يتصرف المالك في مملوكه لما امكنه ذلك.
فإن هذا تمليك تلبيس وخداع ومكر لا تمليك حقيقة بل قد علم الله والمملك والمملك ان الجارية لسيدها ظاهرا وباطنا وأنه لم يطلب قلبه بإخراجها عن ملكة بوجه من الوجوه وهذا التمليك بمنزلة تمليك الاجنبي ماله كله ليسقط عنه زكاته ثم يسترده منه ومعلوم قطعا انه لا حقيقة لهذا التمليك عرفا ولا شرعا ولا يعد المملك له على هذا الوجه غنيا به ولا يجب عليه به الحج والزكاة والنفقة وأداء الديون ولا يكون به واجدا للطول معدودا في جملة الاغنياء فهذا هو الحقيقة لا التمليك الباطل الذي هو مكر وخداع وتلبيس.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:30 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 28 يوليو 2016, 6:49 am | |
| فصل: حيلة باطلة لرجعة البائن دون علمها ومن الحيل الباطلة التحيل على رد امرأته بعد ان بانت منه وهي لا تشعر بذلك وقد ذكر ارباب الحيل وجوها كلها باطله فمنها ان يقول لها حلفت يمينا واستفتيت فقيل لي جدد نكاحك فإن كان الطلاق قد وقع وإلا لم يضرك فإذا أجابته قال: اجعلى الامر إلى في تزويجك ثم يحضر الولى والشهود ويتزوجها فتصير امرأته بعد البينونة وهي لا تشعر.
فإن لم يتمكن من هذا الوجه فلينتقل إلى وجه ثان وهو ان يظهر انه يريد سفرا ويقول لا آمن الموت وانا اريد ان اكتب لك هذه الدار واجعل لك هذا المتاع صداقا بحيث لا يمكن إبطاله وأريد ان اشهد على ذلك فاجعلى أمرك إلى حتى اجعله صداقا فإذا فعلت عقد نكاحها على ذلك وتم الامر فإن لم يرد السفر فليظهر انه مريض ثم يقول لها اريد ان اجعل لك ذلك وأخاف ان اقر لك به فلا يقبل فاجعلى امرك إلى حتى اجعله صداقا فإذا فعلت احضر وليها وتزوجها فإن حذرت المرأة من ذلك كله ولم يتمكن منه لم يبق له إلا حيلة واحدة وهي ان يحلف بطلاقها أو يقول قد حلفت بطلاقك اني اتزوج عليك في هذا اليوم أو هذا الاسبوع أو اسافر بك وانا اريد ان اتمسك بك ولا ادخل عليك ضرة ولا تسافرين فأجعلى امرك إلى حتى اخالعك وأردك بعد انقضاء اليوم وتتخلص من الضرة والسفر فإذا فعلت احضر الشهود والولى ثم يردها.
وهذه الحيلة باطلة فإن المرأة إذا بانت صارت اجنبية منه فلا يجوز نكاحها إلا بإذنها ورضاها وهي لم تأذن في هذا النكاح الثاني ولا رضيت به ولو علمت انها قد ملكت نفسها وبانت منه فلعلها لا ترغب في نكاحه فليس له ان يخدعها على نفسها ويجعلها له زوجة بغير رضاها.
فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد جعل جد النكاح كهزله وغاية هذا انه هازل.
قيل: هذا ليس بصحيح وليس هذا كالهازل فإن الهازل لم يظهر امرا يريد خلافه بل تكلم باللفظ قاصدا انه لا يلزمه موجبه وذلك ليس اليه بل إلى الشارع وأما هذا فماكر مخادع للمرأة على نفسها مظهر انها زوجته وان الزوجية بينهما باقية وهي اجنبية محضة فهو يمكر بها ويخادعها بإظهار انها زوجته وهي في الباطن اجنبية فهو كمن يمكر برجل ويخادعه على أخذ ماله بإظهار انه يحفظه له ويصونه ممن يذهب به بل هذا أفحش لان حرمة البضع أعظم من حرمة المال والمخادعة عليه أعظم من المخادعة على المال والله أعلم.
فصل: حيلة باطلة لوطء مكاتبته ومن الحيل الباطلة الحيلة على وطء مكاتبته بعد عقد الكتابة قال: ارباب الحيل الحيلة في ذلك أن يهبها لولده الصغير ثم يتزوجها وهي على ملك ابنه ثم يكاتبها لابنه ثم يطؤها بحكم النكاح فإن اتت بولد كانوا احرارا إذ ولده قد ملكهم فإن عجزت عن الكتابة عادت قنا لولده والنكاح بحاله.
وهذه الحيلة باطلة على قول الجمهور وهي باطلة في نفسها لأنه لم يملكها لولده تمليكا حقيقيا ولا كاتبها له حقيقة بل خداعا ومكرا وهو يعلم أنها امته ومكاتبته في الباطن وحقيقة الامر وإنما أظهر خلاف ذلك توصلا إلى وطء الفرج الذي حرم عليه بعقد الكتابة فأظهر تمليكا لا حقيقة له وكتابه عن غيره وفي الحقيقة انما هي عن نفسه والله يعلم ما تخفي الصدور.
فصل: إبطال حيلة العقارب ومن الحيل المحرمة الباطلة الحيلة التي تسمى حيلة العقارب ولها صور منها ان يوقف داره أو أرضه ويشهد على وقفها ويكتمه ثم يبيعها فإذا علم ان المشتري قد سكنها أو استغلها بمقدار ثمنها أظهر كتاب الوقف وادعى على المشتري بأجره المنفعة فإذا قال: له المشتري أنا وزنت الثمن قال: وانتفعت بالدار والارض فلا تذهب المنفعة مجانا.
ومنها أن يملكها لولده أو امرأته ويكتم ذلك ثم يبيعها ثم يدعى بعد ذلك من ملكها على المشتري ويعامله تلك المعاملة وضمنه المنافع تضمين الغاصب. ومنها ان يؤجرها لولده أو امرأته ويكتم ذلك ثم يؤجرها من شخص آخر فإن ارتفع الكرى اخرج الاجارة الاولى وفسخ إجارة الثاني وإن نقص الكرى أو استمر ابقاها. ومنها أن يرهن داره أو ارضه ثم يبيعها ويأخذ الثمن فينتفع به مدة فمتى اراد فسخ البيع واسترجاع المبيع أظهر كتاب الرهن.
وأمثال هذه العقارب التي يأكل بها أشباه العقارب أموال الناس بالباطل ويمشيها لهم من رق علمه ودينه ولم يراقب الله ولم يخف مقامه تقليدا لمن قلد قوله في تضمن المقبوض بالعقد الفاسد تضمين الغاصب فيجعل قوله إعانة لهذا الظالم المعتدى على الاثم والعدوان ولا يجعل القول الذي قاله غيره إعانة للمظلوم على البر والتقوى وكأنه اخذ بشق الحديث وهو انصر أخاك ظالما أو مظلوما واكتفى بهذه الكلمة دون ما بعدها وقد أعاذ الله احدا من الائمة من تجويز الاعانة على الاثم والعدوان ونصر الظالم وإضاعة حق المظلوم جهارا.
وذلك الامام وإن قال: إن المقبوض بالعقد الفاسد يضمن ضمان المغصوب فإنه لم يقل: إن المقبوض به على هذا الوجه الذي هو حيلة ومكر وخداع وظلم محض للمشتري وغرور له يوجب تضمينه وضياع حقه وأخذ ماله كله وإيداعه في الحبس على ما بقى وإخراج الملك من يده فإن الرجل قد يشتري الارض أو العقار وتبقى في يده مدة طويلة تزيد اجراتها على ثمنها اضعافا مضاعفة فيؤخذ منه العقار ويحسب عليه ثمنه من الاجرة ويبقى الباقي بقدر الثمن مرارا فربما أخذ ما فوقه وما تحته وفضلت عليه فضله فيجتاح الظالم الماكر ماله ويدعه على الارض الخالية.
فحاشا إماما واحدا من أئمة الاسلام ان يكون عونا لهذا العقرب الخبيث على هذا الظلم والعدوان والواجب عقوبة مثل هذا العقوبة التي تردعه عن لدغ الناس والتحيل على استهلاك اموال الناس وان لا يمكن من طلب عوض المنفعة إما على أصل من لا يضمن منافع الغصب وهم الجمهور كأبي حنيفة ومالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه وهي أصحها دليلا فظاهر وأما من يضمن الغاصب كالشافعي وأحمد في الرواية الثانية فلا يتأتى تضمين هذا على قاعدته فإنه ليس بغاصب وإنما استوفى المنفعة بحكم العقد فإذا تبين ان العقد باطل وان البائع غره لم يجب عليه ضمان.
فإنه إنما دخل على ان ينتفع بلا عوض وان يضمن المبيع بثمنه لا بقيمته فإذا تلف المبيع بعد القبض تلف من ضمانه بثمنه فإذا انتفع به انتفع بلا عوض لأنه على ذلك دخل ولو قدر وجوب الضمان فإن الغار هو الذي يضمن لانه تسبب إلى إتلاف مال الغير بغروره وكل من أتلف مال غيره بمباشرة أو سبب فإنه يضمنه ولا بد ولا يقال المشتري هو الذي باشر الإتلاف وقد وجد متسبب ومباشر فيحال الحكم على المباشر فإن هذا غلط محض ههنا فإن المضمون هو مال المشتري الذي تلف عليه بالتضمين وإنما تلف بتسبب الغار وليس ههنا مباشر يحال عليه الضمان.
فإن قيل: فهذا إنما يدل على أنا إذا ضمنا المغرور فهو يرجع على الغار ولا يدل على تضمين الغار ابتداء.
قيل: هذا فيه قولان للسلف والخلف وقد نص الامام احمد على ان من اشترى ارضا فبنى فيها أو غرس ثم استحقت فللمستحق قلع ذلك قلع ذلك ثم يرجع المشتري على البائع بما نقص ونص في موضع آخر انه ليس للمستحق قلعه إلا ان يضمن نقصه ثم يرجع به على البائع وهذا افقه النصين وأقربهما إلى العدل فإن المشتري غرس وبنى غرسا وبناء مأذونا فيه وليس ظالما به فالعرق ليس بظالم فلا يجوز للمستحق قلعه حتى يضمن له نقصه والبائع هو الذي ظلم المستحق ببيعه ماله وغر المشتري ببنائه وغراسه فإذا أراد المستحق الرجوع في عين ماله ضمن للمغرور ما نقص بقلعه ثم يرجع به على الظالم وكان تضمينه له اولى من تضمين المغرور ثم تمكينه من الرجوع على الغار.
ونظير هذه المسألة ما لو قبض مغصوبا من غاصبه ببيع أو عارية أو اتهاب أو إجارة وهو يظن انه مالك لذلك أو مأذون له فيه ففيه قولان احدهما أن المالك مخير بين تضمين أيهما شاء وهذا المشهور عند أصحاب الشافعي واحمد ثم قال: أصحاب الشافعي إن ضمن المشتري وكان عالما بالغصب لم يرجع بما ضمن على الغاصب وان لم يعلم نظرت فيما ضمن فإن التزام ضمانه بالعقد كبدل العين وما نقص منها لم يرجع به على الغاصب.
لان الغاصب لم يغره بل دخل معه على ان يضمنه وهذا التعليل يوجب ان يرجع بما زاد على ثمن المبيع إذا ضمنه لأنه إنما التزم ضمانه بالثمن لا بالقيمة فإذا ضمنه إياه بقيمته رجع بما بينهما من التفاوت قالوا: وإن لم يلتزم ضمانه نظرت فإن لم يحصل له في مقابلته منفعة كقيمة الولد ونقصان الجارية بالولادة رجع به على الغاصب لانه غره ودخل معه على انه لا يضمنه.
وإن حصلت له به في مقابلته منفعة كالأجرة والمهر وأرش البكارة ففيه قولان احدهما يرجع به لانه غره ولم يدخل معه على أن يضمنه والثاني لا يرجع لانه حصل له في مقابلته منفعة وهذا التعليل أيضا يوجب على هذا القول ان يرجع بالتفاوت الذي بين المسمى ومهر المثل واجرة المثل اللذين ضمنهما فإنه إنما دخل على الضمان بالمسمى لا بعوض المثل والمنفعة التي حصلت له إنما هي بما التزمه من المسمي ومذهب الامام احمد واصحابه نحو ذلك.
وعقد الباب عندهم انه يرجع اذا غره على الغاصب بما لم يلتزم ضمانه خاصة فإذا غرم وهو مودع أو متهب قيمة العين والمنفعة رجع بهما لأنه لم يلتزم ضمانا وان ضمن وهو مستأجر قيمة العين والمنفعة رجع بقيمة العين والقدر الزائد على ما بذله من عوض المنفعة وقال اصحابنا لا يرجع بما ضمنه من عوض المنفعة لأنه دخل على ضمانه فيقال لهم نعم دخل على ضمانه بالمسمى لا يعوض المثل وان كان مشتريا وضمن قيمة العين والمنفعة فقالوا يرجع بقيمة المنفعة دون قيمة العين لانه التزم ضمان العين ودخل على استيفاء المنفعة بلا عوض والصحيح انه يرجع بما زاد من قيمة العين على الثمن الذي بذله وان كان مستعيرا وضمن قيمة العين والمنفعة رجع بما غرمه من ضمان المنفعة لأنه دخل على استيفائها مجانا ولم يرجع بما ضمنه من قيمة العين لأنه دخل على ضمانها بقيمتها.
وعن الإمام أحمد رواية أخرى ان ما حصل له منفعة تقابل ما غرم كالمهر والاجرة في المبيع وفي الهبة وفي العارية وكقيمة الطعام اذا قدم له أو وهب منه فأكله فإنه لا يرجع به لانه استوفى العوض فإذا غرم عوضه لم يرجع به والصحيح قوله الاول لانه لم يدخل على استيفائه بعوض ولو علم انه يستوفيه بعوضه لم يدخل على ذلك ولو علم الضيف ان صاحب البيت أو غيره يغرمه الطعام لم يأكله.
ولو ضمن المالك ذلك كله للغاصب جاز ولم يرجع على القابض إلا بما يرجع به عليه فيرجع عليه اذا كان مستأجرا بما غرمه من الاجرة وعلى القول الذي اخترناه إنما يرجع عليه بما التزمه من الاجرة خاصة ويرجع عليه اذا كان مشتريا بما غرمه من قيمة العين وعلى القول الآخر انما يرجع عليه بما بذله من الثمن ويرجع عليه اذا كان مستعيرا بما غرمه من قيمة العين إذ لا مسمى هناك.
وإذا كان متهبا أو مودعا لم يرجع عليه بشيء فإن كان القابض من الغاصب هو المالك فلا شيء له بما استقر عليه لو كان أجنبيا وما سواه فعلى الغاصب لانه لا يجب له على نفسه شيء وأما مالا يستقر عليه لو كان اجنبيا بل يكون قراره على الغاصب فهو على الغاصب أيضا ههنا.
والقول الثاني انه ليس للمالك مطالبة المغرور ابتداء كما ليس له مطالبته قرارا وهذا هو الصحيح ونص عليه الامام احمد في المودع اذا أودعها يعنى الوديعة عند غيره من غير حاجة فتلفت فإنه لا يضمن الثاني اذا لم يعلم وذلك لانه مغرور.
وطرد هذا النص انه لا يطالب المغرور في جميع هذه الصور وهو الصحيح فإنه مغرور ولم يدخل على انه مطالب فلا هو التزم المطالبة ولا الشارع الزمه بها وكيف يطالب المظلوم المغرور ويترك الظالم الغار ولا سيما ان كان محسنا بأخذه الوديعة وما على المحسنين من سبيل انما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الارض بغير الحق وهذا شأن الغار الظالم.
وقد قضى عمر بن الخطاب رضي الله عنه ان المشتري المغرور بالامة اذا وطئها ثم خرجت مستحقة واخذ منه سيدها المهر رجع به على البائع لانه غره وقضى علي كرم الله وجهه انه لا يرجع به لانه استوفي عوضه.
وهاتان الروايتان عن الصحابة هما قولان للشافعي وروايتان عن الامام احمد ومالك اخذ بقول عمر وابو حنيفة اخذ بقول على كرم الله وجهه وقول عمر افقه لانه لم يدخل على انه يستمتع بالمهر وانما دخل على الاستمتاع بالثمن وقد بذله وايضا فالبائع ضمن له بعقد البيع سلامة الوطء كما ضمن له سلامة الولد فكما يرجع عليه بقيمة الولد يرجع عليه بالمهر.
فإن قيل: فما تقولون في اجرة الاستخدام اذا ضمنه اياها المستحق هل يرجع بها على الغار.
قلنا: نعم يرجع بها وقد صرح بذلك القاضي واصحابه وقد قضى امير المؤمنين على كرم الله وجهه أيضا بأن الرجل اذا وجد امرأته برصاء أو عمياء أو مجنونة فدخل بها فلها الصداق ويرجع به على من غره وهذا محض القياس والميزان الصحيح لان الولى لما لم يعلمه وأتلف عليه المهر لزمه غرمه.
فإن قيل: هو الذي أتلفه على نفسه بالدخول.
قيل: لو علم أنها كذلك لم يدخل بها وإنما دخل بها بناء على السلامة التي غره بها الولى ولهذا لو علم العيب ورضى به ودخل بها لم يكن هناك فسخ ولا رجوع ولو كانت المرأة هي التي غرته سقط مهرها.
ونكتة المسألة ان المغرور إما محسن وإما معذور وكلاهما لا سبيل عليه بل ما يلزم المغرور باستلزامه له لا يسقط عنه كالثمن في المبيع والاجرة في عقد الاجارة.
فإن قيل: فالمهر قد التزمه فكيف يرجع به؟
قيل: إنما التزامه في محل سليم ولم يلتزمه في معيبة ولا أمة مستحقة فلا يجوز ان يلزم به.
فإن قيل: فهذا ينتقض عليكم بالنكاح الفاسد فإن النبي صلى الله عليه وسلم ألزمه فيه بالصداق بما استحل من فرجها وهو لم يلتزمه إلا في نكاح صحيح.
قيل: لما أقدم على الباطل لم يكن هناك من غره بل كان هو الغار لنفسه فلا يذهب استيفاء المنفعة فيه مجانا وليس هناك من يرجع عليه بل لو فسد النكاح بغرور المرأة سقط مهرها أو بغرور الولى رجع عليه.
فصل: حيل باطلة لتجويز العينة ومن الحيل المحرمة الباطلة التحيل على جواز مسألة العينة مع انها حيلة في نفسها على الربا وجمهور الائمة على تحريمها وقد ذكر أرباب الحيل لاستباحتها عدة حيل منها ان يحدث المشتري في السلعة حدثا ما تنقص به أو تتعيب فحينئذ يجوز لبائعها ان يشتريها بأقل مما باعها ومنها ان تكون السلعة قابلة للتجزيء فيمسك منها جزءا ما ويبيعه بقيتها ومنها ان يضم البائع إلى السلعة سكينا أو منديلا أو حلقة حديدا أو نحو ذلك فيملكه المشتري ويبيعه السلعة بما يتفقان عليه من الثمن ومنها ان يهبها المشتري لولده أو زوجته أو من يثق به فيبيعها الموهوب له من بائعها فإذا قبض الثمن اعطاه للواهب ومنها ان يبيعه إياها نفسه من غير إحداث شيء ولا هبة لغيره لكن يضم إلى ثمنها خاتما من حديد أو منديلا أو سكينا ونحو ذلك.
ولا ريب ان العينة على وجهها أسهل من هذا التكلف واقل مفسدة وان كان الشارع قد حرم مسألة العينة لمفسدة فيها فإن المفسدة لا تزول بهذه الحيلة بل هي بحالها وانضم اليها مفسدة أخرى اعظم منها وهي مفسدة المكر والخداع واتخاذ أحكام الله هزوا وهي أعظم المفسدتين وكذلك سائر الحيل لا تزيل المفسدة التي حرم لاجلها وإنما يضم اليها مفسدة الخداع والمكر وإن كانت العينة لا مفسدة فيها فلا حاجة إلى الاحتيال عليها ثم ان العينة في نفسها من ادنى الحيل إلى الربا فإذا تحيل عليها المحتال صارت حيلا متضاعفة ومفاسد متنوعة والحقيقة والقصد معلومان لله وللملائكة وللمتعاقدين ولمن حضرهما من الناس فليصنع أرباب الحيل ما شاءوا وليسلكوا أية طريق سلكوا فإنهم لا يخرجون بذلك عن بيع مائة بمائة وخمسين إلى سنة فليدخلوا محلل الربا أو يخرجوه فليس هو المقصود والمقصود معلوم والله لا يخادع ولا تروج عليه الحيل ولا تلبس عليه الامور.
فصل: حيلة باطلة في البيع ومن الحيل المحرمة الباطلة إذا اراد ان يبيع سلعة بالبراءة من كل عيب ولم يأمن ان يردها عليه المشتري ويقول لم يعين لي عيب كذا وكذا أن يوكل رجلا غريبا لا يعرف في بيعها ويضمن للمشتري درك المبيع فإذا باعها قبض منه رب السلعة الثمن فلا يجد المشتري من يرد عليه السلعة.
وهذا غش حرام وحيلة لا تسقط المأثم فإن علم المشتري بصورة الحال فله الرد وإن لم يعلم فهو المفرط حيث لم يضمن الدرك المعروف الذي يتمكن من مخاصمته فالتفريط من هذا والمكر والخداع من ذلك.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:32 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 28 يوليو 2016, 7:00 am | |
| فصل: حيل باطلة لاسقاط الاستبراء ومن الحيل المحرمة الباطلة ان يشتري جارية ويريد وطأها بملك اليمين في الحال من غير استبراء فله عدة حيل منها أن يزوجه إياها البائع قبل ان يبيعها منه فتصير زوجته ثم يبيعه إياها فينفسخ النكاح ولا يجب عليه استبراء لأنه ملك زوجته وقد كان وطؤها حلالا له بعقد النكاح فصار حلالا بملك اليمين.
ومنها أن يزوجها غيره ثم يبيعها من الرجل الذي يريد شراءها فيملكها مزوجة وفرجها عليه حرام فيؤمر الزوج بطلاقها فإذا فعل حلت للمشتري.
ومنها أن مشتريها لا يقبضها حتى يزوجها من عبده أو غيره ثم يقبضها بعد التزويج فإذا قبضها طلقها الزوج فيطؤها سيده بلا استبراء.
قالوا: فإن خاف المشتري ان لا يطلقها الزوج استوثق بأن يجعل الزوج أمرها بيد السيد فإذا فعل طلقها هو ثم وطئها بلا استبراء.
ولا يخفى نسبة هذه الحيل إلى الشرع ومحلها منه وتضمنها ان بائعها يطؤها بكرة ويطؤها المشتري عشية وان هذا مناقض لما قصده الشارع من الاستبراء ومبطل لفائدة الاستبراء بالكلية.
ثم إن هذه الحيل كما هي محرمة فهي باطلة قطعا فإن السيد لا يحل له ان يزوج موطوأته حتى يستبرئها وإلا فكيف يزوجها لمن يطؤها ورحمها مشغول بمائه وكذلك إن اراد بيعها وجب عليه استبراؤها على أصح القولين صيانة لمائه ولا سيما إن لم يأمن من وطء المشتري لها بلا استبراء.
فههنا يتعين عليه الاستبراء قطعا فإذا أراد زوجها حيلة على إسقاط حكم الله وتعطيل أمره كان نكاحا باطلا لإسقاط ما اوجبه الله من الاستبراء وإذا طلقها الزوج بناء على صحة هذا النكاح الذي هو مكر وخداع واتخاذ لآيات الله هزوا لم يحل للسيد أن يطأها بدون الاستبراء .
فإن الاستبراء وجب عليه بحكم الملك المتجدد والنكاح العارض حال بينه وبينه لانه لم يكن يحل له وطؤها فإذا زال المانع عمل المقتضى عمله وزوال المانع لا يزيل اقتضاء المقتضى مع قيام سبب الاقتضاء منه وأيضا فلا يجوز تعطيل الوصف عن موجبه ومقتضاه من غير فوات شرط أو قيام مانع وبالجملة فالمفسدة التي منع الشارع المشتري لأجلها من الوطء بدون الاستبراء لم تزل بالتحيل والمكر بل انضم اليها مفاسد المكر والخداع والتحيل.
فيالله العجب من شيء حرم لمفسدة فإذا انضم اليه مفسدة اخرى هي اكبر من مفسدته بكثير صار حالا فهو بمنزلة لحم الخنزير إذا ذبح كان حراما فإن مات حتف أنفه أو خنق حتى يموت صار حلالا لأنه لم يذبح قال: الامام احمد: هو حرام من وجهين وهكذا هذه المحرمات اذا احتيل عليها صارت حراما من وجهين وتأكد تحريمها.
والذي يقضى منه العجب انهم يجمعون بين سقوط الاستبراء بهذة الحيل وبين وجوب استبراء الصغيرة التي لم توطأ ولا يوطأ مثلها وبين استبراء البكر التي لم يقرعها فحل واستبراء العجوز الهرمة التي قد أيست من الحبل والولادة واستبراء الامة التي يقطع ببراءة رحمها ثم يسقطون مع العلم بان رحمها مشغول فأوجبتموه حيث لم يوجبه الشارع وأسقطتموه حيث اوجبه.
قالوا: وليس هذا بعجيب من تناقضكم بل واعجب منه إنكار كون القرعة طريقا لإثبات الحكم مع ورود السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بها وإثبات حل الوطء بشهادة شاهدي زور يعلم الزوج الواطيء انهما شهدا بالزور على طلاقها حتى يجوز لاحد الشاهدين ان يتزوجها فيثبت الحل بشهادتهما.
واعجب من ذلك انه لو كان له امة هي سرية يطؤها كل وقت لم تكن فراشا له ولو ولدت لم يلحقه الولد ولو تزوج امرأة ثم قال: بحضرة الحاكم والشهود في مجلس العقد هي طالق ثلاثا وكانت بأقصى المشرق وهو بأقصى المغرب صارت فراشا بالعقد فلو أتت بعد ذلك بولد لأكثر من ستة أشهر لحقه نسبه.
واعجب من ذلك قولكم لو منع الذمى دينارا واحدا من الجزية وقال لا أؤديه انتقض عهده وحل ماله ودمه ولو سب الله ورسوله وكتابه على رؤوسنا أقبح سب وحرق أفضل المساجد على الاطلاق واستهان بالمصحف بين أيدينا أعظم استهانة وبذل ذلك الدينار فعهده باق ودمه معصوم.
ومن العجيب تجويز قراءة القرآن بالفارسية ومنع رواية الحديث بالمعنى.
ومن العجب إخراج الاعمال عن مسمى الايمان وإنه مجرد التصديق والناس فيه سواء وتكفير من يقول مسيجد أو فقيه أو يصلى بلا وضوء أو يلتذ بآلات الملاهى ونحو ذلك.
ومن العجب إسقاط الحد عمن استأجر امرأة للزنا أو لكنس بيته فزنا بها وإيجابه على من وجد امرأة اجنبية على فراشه في الظلمة فجامعها يظنها امرأته ومن العجب التشديد في المياه حتى تنجس القناطير المقنطرة منها بقطرة بول أو قطرة دم وتجويز الصلاة في ثوب ربعه مضمخ بالنجاسة فإن كانت مغلظة فبقدر راحة الكف.
ومن العجب انه لو شهد عليه اربعة بالزنا فكذب الشهود حد وإن صدقهم سقط عنه الحد.
ومن العجب انه لا يصح استئجار دار لتتخذ مسجدا يعبد الله فيه ويصبح استئجارها لتجعل كنيسة يعبد فيها الصليب أو بيت نار تعبد فيها النار.
ومن العجب انه لو ضحك في صلاة فقهقه بطل وضوءه ولو غنى في صلاته أو قذف المحصنات أو شهد الزور ونحو ذلك فوضوءه بحاله.
ومن العجب انه لو وقع في البئر نجاسة نزح منها أدلاء معدودة فإذا حصل الدلو في البئر تنجس وغرف الماء نجسا وما اصاب حيطان البئر من ذلك الماء نجسها وكذلك فما بعده من الدلاء إلى ان تنتهي النوبة إلى الدلو الاخير فإنه ينزل نجسا ثم يصعد طاهرا فيقشقش النجاسة كلها من قعر البئر إلى رأسه قال: بعض المتكلمين ما رأيت اكرم من هذا الدلو ولا أعقل.
ومن العجب انه لو حلف انه لا يأكل فاكهة حنث بأكل الجوز واللوز والفستق ولو كان يابسا قد أتت عليه السنون ولا يحنث بأكل الرطب والعنب والرمان.
وأعجب من ذلك تعليل هذا بأن هذه الثلاثة من خيار الفاكهة وأعلى أنواعها فلا تدخل في الاسم المطلق.
ومن العجب انه لو حلف ان لا يشرب من النيل أو الفرات أو دجلة فشرب بكفه أو بكوز أو دلو من هذه الانهار لم يحنث فإذا شرب بفيه مثل البهائم حنث.
ومن العجب انه لو نام في المسجد وأغلقت عليه الابواب ودعته الضرورة إلى الخلاء فطاق القبلة ومحراب المسجد اولى بذلك من مؤخر المسجد.
ومن العجب امر هذه الحيل التي لا يزداد بها المنهى عنه إلا فسادا مضاعفا كيف تباح مع تلك المفسدة الزائدة بالمكر والخداع وتحرم بدونها وكيف تنقلب مفاسدها بالحيل صلاحا وتصير خمرتها خلا وخبثها طيبا.
قالوا: فهذا فصل في الاشارة إلى بيان فساد هذه الحيل على وجه التفصيل كما تقدم الاشارة إلى فسادها وتحريمها على وجه الاجمال ولو تتبعناها حيلة حيلة لطال الكتاب ولكن هذه امثلة يحتذى عليها والله الموفق للصواب.
فصل: رأى لأصحاب الحيل والرد عليه قال أرباب الحيل قال: الله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً} والحيل مخارج من المضائق.
والجواب: انما بذكر قاعدة في اقسام الحيل ومراتبها فنقول وبالله التوفيق هي أقسام.
الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى المحرم: القسم الاول الطرق الخفية التي يتوصل بها إلى ما هو محرم في نفسه بحيث لا يحل بمثل ذلك السبب بحال فمتى كان المقصود بها محرما في نفسه فهى حرام باتفاق المسلمين وذلك كالحيل على أخذ اموال الناس وظلمهم في نفوسهم وسفك دمائهم وابطال حقوقهم وإفساد ذات بينهم وهي من جنس حيل الشياطين على إغواء بني آدم بكل طريق وهم يتحيلون عليهم ليوقعوهم في واحدة من ستة ولابد فيتحيلون عليهم بكل طريق أن يوقعوهم في الكفر والنفاق على اختلاف انواعه فإذا عملت حيلهم في ذلك قرت عيونهم فإن عجزت حيلهم عن من صحت فطرته وتلاها شاهد الايمان من ربه بالوحي الذي انزله على رسوله أعملوا الحيلة في إلقائه في البدعة على اختلاف انواعها وقبول القلب لها وتهيئته واستعداده.
فإن تمت حيلهم كان ذلك احب اليهم من المعصية وان كانت كبيرة ثم ينظرون في حال من استجاب لهم إلى البدعة فإن كان مطاعا متبوعا في الناس أمروه بالزهد والتعبد ومحاسن الاخلاق والشيم ثم أطاروا له الثناء بين الناس ليصطادوا عليه الجهال ومن لا علم عنده بالسنة وإن لم يكن كذلك جعلوا بدعته عونا له على ظلمه اهل السنة وأذاهم والنيل منهم وزينوا له ان هذا انتصار لما هم عليه من الحق.
فإن أعجزتهم هذه الحيلة ومن الله على العبد بتحكيم السنة ومعرفتها والتمييز بينها وبين البدعة ألقوه في الكبائر وزينوا له فعلها بكل طريق وقالوا له انت على السنة وفساق اهل السنة اولياء الله وعباد أهل البدعة أعداء الله وقبور فساق أهل السنة روضة من رياض الجنة وقبور عباد أهل البدع حفرة من حفر النار.
والتمسك بالسنة يكفر الكبائر كما ان مخالفة السنة تحبط الحسنات واهل السنة إن قعدت بهم اعمالهم قامت بهم عقائدهم واهل البدع إذا قامت بهم أعمالهم قعدت بهم عقائدهم واهل السنة هم الذين احسنوا الظن بربهم إذ وصفوه بما وصف به نفسه ووصفه به رسوله ووصفوه بكل كمال وجلال ونزهوه عن كل نقص والله تعالى عند ظن عبده به.
واهل البدع هم الذين يظنون بربهم ظن السوء إذ يعطلونه عن صفات كماله وينزهونه عنها وإذ عطلوه عنها لزم اتصافه باضدادها ضرورة ولهذا قال: الله تعالى في حق من أنكر صفة واحدة من صفاته وهي صفة العمل ببعض الجزئيات: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وأخبرهم عن الظانين بالله ظن السوء أن: {عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} فلم يتوعد بالعقاب أحدا أعظم ممن ظن به ظن السوء وأنت لاتظن به ظن السوء فمالك وللعقاب وأمثال هذا من الحق الذي يجعلونه وصلة لهم وحيلة إلى الاستهانة بالكبائر وأخذه الأمن لنفسه.
وهذه حيلة لا ينجو منها إلا الراسخ في العلم العارف بأسماء الله وصفاته فإنه كلما كان بالله أعرف كان له أشد خشية وكلما كان به أجهل كان أشد غرورا به وأقل خشية.
فإن أعجزتهم هذه الحيلة وعظم وقار الله في قلب العبد هونوا عليه الصغائر وقالوا له إنها تقع مكفرة باجتناب الكبائر حتى كأنها لم تكن وربما متوه انه إذا تاب منها كبائر كانت أو صغائر كتب له مكان كل سيئة حسنة فيقولون له كثر منها ما استطعت ثم اربح مكان كل سيئة حسنة بالتوبة ولو قبل الموت بساعة فإن أعجزتهم هذه الحيلة وخلص الله عبده منها نقلوه إلى الفضول من انواع المباحات والتوسع فيها وقالوا له قد كان لداود مائة امرأة إلا واحدة ثم أراد تكميلها بالمائة وكان لسليمان ابنه مائة امرأة وكان للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان من الاموال ما هو معروف وكان لعبد الله بن المبارك والليث بن سعد من الدنيا وسعة المال ما لا يجهل وينسوه ما كان لهؤلاء من الفضل وأنهم لم ينقطعوا عن الله بدنياهم بل ساروا بها اليه فكانت طريقا لهم إلى الله فإن اعجزتهم هذه الحيلة بأن تفتح بصيرة قلب العبد حتى كأنه يشاهد بها الآخرة وما اعد الله فيها لاهل طاعته وأهل معصيته فأخذ حذره وتأهب للقاء ربه واستقصر مدة هذه الحياة الدنيا في جنب الحياة الباقية الدائمة نقلوه إلى الطاعات المفضولة الصغيرة الثواب ليشغلوه بها عن الطاعات الفاضلة الكثيرة الثواب فيعمل حيلته في تركه كل طاعة كبيرة إلى ما هو دونها فيعمل حيلته في تفويت الفضيلة عليه فإن أعجزتهم هذه الحيلة وهيهات لم يبق لهم إلا حيلة واحدة وهي تسليط اهل الباطل والبدع والظلمة عليه يؤذونه وينفرون الناس عنه ويمنعونهم من الاقتداء به ليموتوا عليه مصلحة الدعوة إلى الله وعليهم مصلحة الإجابة.
فهذه مجامع انواع حيل الشيطان ولا يحصى افرادها إلا الله ومن له مسكة من العقل يعرف الحيلة التي تمت عليه من هذه الحيل فإن كانت له همة إلى التخلص منها وإلا فيسأل من تمت عليه والله المستعان.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:32 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 28 يوليو 2016, 7:17 am | |
| وهذه الحيل من شياطين الجن نظير حيل شياطين الانس المجادلين بالباطل ليدحضوا به الحق ويتوصلوا به إلى أغراضهم الفاسدة في الامور الدينية والدنيوية وذلك كحيل القرامطة الباطنية على إفساد الشرائع وحيل الرهبان على اشباه الحمير من عابدي الصليب بما يموهون به عليهم من المخاريق والحيل كالنور المصنوع وغيره مما هو معروف عند الناس وكحيل ارباب الاشارات من الاذن والتسيير والتغيير وإمساك الحيات ودخول النار في الدنيا قبل الاخرة.
وامثال ذلك من حيل اشباه النصارى التي تروج على أشباه الانعام وكحيل أرباب الدك وخفة اليد التي يخفى على الناظرين أسبابها ولا يتفطنون لها وكحيل السحرة على اختلاف أنواع السحر فإن سحر البيان هو من أنواع التحيل إما لكونه بلغ في اللطف والحسن إلى حد استمالة القلوب فأشبه السحر من هذا الوجه وإما لكون القادر على البيان يكون قادرا على تحسين القبيح وتقبيح الحسن فهو أيضا يشبه السحر من هذا الوجه أيضا.
وكذلك سحر الوهم أيضا هو حيلة وهمية والواقع شاهد بتأثير الوهم والايهام الا ترى ان الخشبة التي يتمكن الانسان من المشيء عليها اذا كانت قريبة من الارض لا يمكن المشي عليها اذا كانت على مهواة بعيدة القعر والاطباء تنهى صاحب الرعاف عن النظر إلى الشيء الاحمر وتنهى المصروع عن النظر إلى الاشياء القوية اللمعان أو الدوران فإن النفوس خلقت مطيعة الاوهام والطبيعة فعالة والاحوال الجسمانية تابعة للاحوال النفسانيه.
وكذلك السحر بالاستعانة بالارواح الخبيثة إنما هو بالتحيل على استخدامها بالاشراك بها والاتصاف بهيآتها الخبيثة ولهذا لا يعمل السحر إلا مع الانفس الخبيثة المناسبة لتلك الارواح وكلما كانت النفس اخبث كان سحرها اقوى وكذلك سحر التمزيجات وهو أقوى ما يكون من السحر أن يمزج بين القوى النفسانية الخبيثة الفعالة والقوى الطبيعية المنفعلة.
والمقصود ان السحر من أعظم انواع الحيل التي ينال بها الساحر غرضه وحيل الساحر من أضعف الحيل وأقواها ولكن لا تؤثر تأثيرا مستقرا إلا في الانفس الباطلة المنفعلة للشهوات الضعيفة تعلقها بفاطر الارض والسموات المنقطعة عن التوجه اليه والاقبال عليه فهذه النفوس محل تأثير السحر.
وكحيل ارباب الملاهي والطرب على استمالة النفوس إلى محبة الصور والوصول إلى الالتذاذ بها فحيلة السماع الشيطاني على ذلك من أدنى الحيل عليه حتى قيل: أول ما وقع الزنا في العالم فإنما كان بحيلة اليراع والغناء لما اراد الشيطان ذلك لم يجد عليه حيلة ادنى من الملاهي.
وكحيل اللصوص والسراق على اخذ اموال الناس وهم انواع لا تحصى فمنهم السراق بأيديهم ومنهم السراق بأقلامهم ومنهم السراق بأمانتهم ومنهم السراق بما يظهرونه من الدين والفقر والصلاح والزهد وهم في الباطن بخلافه ومنهم السراق بمكرهم وخداعهم وغشهم.
وبالجملة فحيل هذا الضرب من الناس من اكثر الحيل وتليها حيل عشاق الصور على الوصول إلى أغراضهم فإنها تقع في الغالب خفية وإنما تتم غالبا على النفوس القابلة المنفعلة الشهوانية.
وكحيل التتار التي ملكوا بها البلاد وقهروا بها العباد وسفكوا بها الدماء واستباحوا بها الاموال وكحيل اليهود وإخوانهم من الرافضة فإنهم بيت المكر والاحتيال ولهذا ضربت على الطائفتين الذلة وهذه سنة الله في كل مخادع محتال بالباطل.
ارباب الحيل نوعان: ثم أرباب هذه الحيل نوعان نوع يقصد به حصول مقصوده ولا يظهر انه حلال كحيل اللصوص وعشاق الصور المحرمة ونحوهما ونوع يظهر صاحبه ان مقصوده خير وصلاح ويبطن خلافه.
وأرباب النوع الاول أسلم عاقبة من هؤلاء فإنهم أتوا البيوت من أبوابها والامر من طريقه ووجهه وأما هؤلاء فقلبوا موضوع الشرع والدين ولما كان ارباب هذا النوع إنما يباشرون الاسباب الجائزة ولا يظهرون مقاصدهم أعضل امرهم وعظم الخطب بهم وصعب الاحتراز منهم وعز على العالم استنقاذ قتلاهم فاستبيحت بحيلهم الفروج واخذت بها الاموال من اربابها فأعطيت لغير اهلها وعطت بها الواجبات وضيعت بها الحقوق وعجت الفروج والاموال والحقوق إلى ربها عجيجا وضجت مما حل بها اليه ضجيجا ولا يختلف المسلمون ان تعليم هذه الحيل حرام والافتاء بها حرام والشهادة على مضمونها حرام والحكم بها مع العلم بحالها حرام.
والذين جوزوا منها ما جوزوا من الائمة لا يجوز ان يظن بهم انهم جوزوه على وجه الحيلة إلى المحرم وإنما جوزوا صورة ذلك الفعل ثم إن المتحيل المخادع المكار اخذ صورة ما افتوا به فتوسل به إلى ما منعوا منه وركب ذلك على اقوالهم وفتواهم وهذا فيه الكذب عليهم وعلى الشارع مثاله ان الشافعي رحمه الله تعالى يجوز إقرار المريض لوارثه فيتخذه من يريد ان يوصى لوارثه وسيلة إلى الوصية له بصورة الاقرار ويقول هذا جائز عند الشافعي وهذا كذب على الشافعي فإنه لا يجوز الوصية للوارث بالتحيل عليها بالاقرار فكذلك الشافعي يجوز للرجل اذا اشترى من غيره سلعة بثمن ان يبيعه إياها بأقل مما اشتراها منه بناء على ظاهر السلامة ولا يجوز ذلك حيلة على بيع مائة بمائة وخمسين إلى سنة فالذي يسد الذرائع يمنع ذلك ويقول هو يتخذ حيلة إلى ما حرمه الله ورسوله.
فلا يقبل إقرار المريض لوارثه ولا يصح هذا البيع ولا سيما فإن إقرار المرء شهادة على نفسه فإذا تطرق اليها التهمة بطلب كالشهادة على غيره والشافعي يقول أقبل إقراره إحسانا للظن بالمقر وحملا لإقراره على السلامة ولا سيما عند الخاتمة.
ومن هذا الباب احتيال المراة على فسخ نكاح الزوج بما يعلمه إياها أرباب المكر والاحتيال بأن تنكر ان تكون أذنت للولى أو بان النكاح لم يصح لان الولى أو الشهود جلسوا وقت العقد على فراش حرير أو استندوا إلى وسادة حرير وقد رأيت من يستعمل هذه الحيلة إذا طلق الزوج امرأته ثلاثا وأراد تخليصه من عار التحليل وشناره أرشده إلى القدح في صحة النكاح بفسق الولى أو الشهود فلا يصح الطلاق في النكاح الفاسد وقد كان النكاح صحيحا لما كان مقيما معها عدة سنين فلما اوقع الطلاق الثلاث فسد النكاح.
ومن هذا احتيال البائع على فسخ البيع بدعواه انه لم يكن بالغا وقت العقد أو لم يكن رشيدا أو كان محجورا عليه أو لم يكن المبيع ملكا له ولا مأذونا له في بيعه.
أنواع الحيل المحرمة: فهذه الحيل وامثالها لا يستريب مسلم في أنها من كبائر الاثم واقبح المحرمات وهي من التلاعب بدين الله واتخاذ آياته هزوا وهي حرام من جهتها في نفسها لكونها كذبا وزورا وحرام من جهة المقصود بها وهو إبطال حق وإثبات باطل فهذه ثلاثة اقسام: أحدها ان تكون الحيلة محرمة ويقصد بها المحرم. الثاني أن تكون مباحة في نفسها ويقصد بها المحرم فيصير حراما تجريم الوسائل كالسفر لقطع الطريق وقتل النفس المعصومة. وهذان قسمان تكون الحيلة فيهما موضوعة للمقصود الباطل المحرم ومفضية اليه كما هي موضوعة للمقصود الصحيح الجائز ومفضية اليه فإن السفر طريق صالح لهذا. وهذا الثالث أن تكون الطريق لم توضع للإفضاء إلى المحرم وإنما وضعت مفضية إلى المشروع كالإقرار والبيع والنكاح والهبة ونحو ذلك فيتخذها المتحيل سلما وطريقا إلى الحرام وهذا معترك الكلام في هذا الباب وهو الذي قصدنا الكلام فيه بالقصد الاول. القسم الرابع أن يقصد بالحيلة اخذ حق أو دفع باطل وهذا القسم ينقسم إلى ثلاثة اقسام أيضا.
أحدها أن يكون الطريق محرما في نفسه وان كان المقصود بها حقا مثل ان يكون له على رجل حق فيجحده ولا بينة له فيقيم صاحبه شاهدي زور يشهدان به ولا يعلمان ثبوت هذا الحق ومثل ان يطلق الرجل امرأته ثلاثا ويجحد الطلاق ولا بينة لها فتقيم شاهدين يشهدان انه طلقها ولم يسمعا الطلاق منه ومثل ان يكون له على رجل دين وله عنده وديعة فيجحد الوديعة فيجحد هو الدين أو بالعكس ويحلف ما له عندي حق أو ما اودعني شيئا وان كان يجيز هذا من يجيز مسألة الظفر ومثل ان تدعى عليه المرأة كسوة أو نفقة ماضية كذبا باطلا فينكر ان تكون مكنته من نفسها أو سلمت نفسها اليه أو يقيم شاهدي زور انها كانت ناشزا فلا نفقة لها ولا كسوة ومثل ان يقتل الرجل وليه فيقيم شاهدي زور ولم يشهدا القتل فيشهدا انه قتله ومثل ان يموت موروثه فيقيم شاهدي زور انه مات وانه وارثه وهما لا يعلمان ذلك ونظائره ممن له حق لا شاهد له به فيقيم شاهدي زور يشهدان له به فهذا يأثم على الوسيلة دون المقصود وفي مثل هذا جاء الحديث: "أد الامانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك".
فصل: انواع من الحيل المباحة القسم الثاني ان يكون الطريق مشروعة وما يفضى اليه مشروع وهذه هي الاسباب التي نصبها الشارع مفضية إلى مسبباتها كالبيع والاجارة والمساقاة والمزارعة والوكالة بل الاسباب محل حكم الله ورسوله وهي في اقتضائها لمسبباتهم شرعا على وزان الاسباب الحسية في اقتضائها لمسبباتها قدرا فهذا شرع الرب تعالى وذلك قدره وهما خلقه وامره والله له الخلق والامر ولا تبديل لخلق الله ولا تغيير لحكمه فكما لا يخالف سبحانه بالاسباب القدرية احكامها بل يجريها على اسبابها وما خلقت له فهكذا الاسباب الشرعية لا يخرجها عن سببها وما شرعت له بل هذه سنته شرعا وامرا وتلك سنته قضاء وقدرا وسنته الأمرية قد تبدل وتتغير كما يعصى امره ويخالف واما سنته القدرية فلن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا كما لا يعصى امره الكوني القدري.
ويدخل في هذا القسم التحيل على جلب المنافع وعلى دفع المضار وقد ألهم الله تعالى ذلك لكل حيوان فلأنواع الحيوانات من انواع الحيل والمكر ما لا يهتدى اليه بنو آدم.
وليس كلامنا ولا كلام السلف في ذم الحيل متناولا لهذا القسم بل العاجز من عجز عنه والكيس من كان به أفطن وعليه أقدر ولا سيما في الحرب فإنها خدعة والعجز كل العجز ترك هذه الحيلة والانسان مندوب إلى استعاذته بالله تعالى من العجز والكسل فالعجز عدم القدرة على الحيلة النافعة والكسل عدم الارادة لفعلها فالعاجز لا يستطيع الحيلة والكسلان لا يريدها ومن لم يحتل وقد امكنته هذه الحيلة أضاع فرصته وفرط في مصالحه كما قال: إذا المرأ لم يحتل وقد جد جده أضاع وقاسى امره وهو مدبر.
وفي هذا قال: بعض السلف الامر امران امر فيه حيلة فلا يعجز عنه وامر لا حيلة فيه فلا يجزع منه.
فصل: قسم آخر من أقسام الحيل المباحة القسم الثالث ان يحتال على التوصل إلى الحق أو على دفع الظلم بطريق مباحة لم توضع موصلة إلى ذلك بل وضعت لغيره فيتخذها هو طريقا إلى هذا المقصود الصحيح أو قد يكون قد وضعت له لكن تكون خفية ولا يفطن لها والفرق بين هذا القسم والذي قبله ان الطريق في الذي قبله نصبت مفضية إلى مقصودها ظاهرا فسالكها سالك للطريق المعهود والطريق في هذا القسم نصبت مفضية إلى غيره فيتوصل بها إلى ما لم توضع له فهي في الفعال كالتعريض الجائز في المقال أو تكون مفضية اليه لكن بخفاء ونذكر لذلك امثلة ينتفع بها في هذا الباب.
المثال الاول: اذا استأجر منه دارا مدة سنين بأجرة معلومة فخاف ان يغدر به المكرى في آخر المدة ويتسبب إلى فسخ الاجارة بأن يظهر انه لم تكن له ولاية الايجار أو ان المؤجر ملك لابنه أو امرأته أو انه كان مؤجرا قبل ايجاره ويتبين ان المقبوض اجرة المثل لما استوفاه من المدة وينتزع المؤجر له منه فالحيلة في التخلص من هذه الحيلة ان يضمنه المستأجر درك العين المؤجرة له أو لغيره فإذا استحقت أو ظهرت الاجارة فاسدة رجع عليه بما قبضه منه أو يأخذ إقرار من يخاف منه بأنه لا حق له في العين وان كل دعوى يدعيها بسببها فهى باطلة أو يستأجرها منه بمائة دينار مثلا ثم يصارفه كل دينار بعشرة دراهم فإذا طالبه بأجرة المثل طالبه هو بالدنانير التي وقع عليها العقد فإنه لم يخف من ذلك ولكن يخاف ان يغدر به في آخر المدة فليقسط مبلغ الاجرة على عدد السنين ويجعل معظمها للسنة التي يخشى غدره فيها وكذلك إذا خاف المؤجر ان يغدر المستأجر ويرحل في اخر المدة فليجعل معظم الاجرة على المدة التي يأمن فيها من رحيله والقدر اليسير منها لآخر المدة.
المثال الثاني: ان يخاف رب الدار غيبة المستأجر ويحتاج إلى داره فلا يسلمها أهله اليه فالحيلة في التخلص من ذلك ان يؤجر هاربها من امرأة المستأجر ويضمن الزوج ان ترد اليه المرأة الدار وتفرغها متى انقضت المدة أو تضمن المرأة ذلك إذا استأجرها الزوج فمتى استأجر احدهم وضمن الاخر الرد لم يتمكن احدهما من الامتناع وكذلك إن مات المستأجر فجحد ورثته الاجارة وادعوا ان الدار لهم نفع رب الدار كفالة الورثة وضمانهم رد الدار إلى المؤجر فإن خاف المؤجر إفلاس المستأجر وعدم تمكنه من قبض الاجرة فالحيلة ان يأخذ منه كفيلا بأجره ما سكن ابدا ويسمى اجرة كل شهر للضمين ويشهد عليه بضمانه.
المثال الثالث: ان يأذن رب الدار للمستأجر ان يكون في الدار ما يحتاج اليه أو يعلف الدابة بقدر حاجتها وخاف ان لا يحتسب له ذلك من الاجرة فالحيلة في اعتداده به عليه ان يقدر ما يحتاج اليه الدابة أو الدار ويسمى له قدرا معلوما ويحسبه من الاجرة ويشهد على المؤجر انه قد وكله في صرف ذلك القدر فيما تحتاج اليه الدار أو الدابة.
فإن قيل: فهل تجوزون لمن له دين على رجل ان يوكله في المضاربة به أو الصدقة به أو إبراء نفسه منه أو ان يشتري له شيئا ويبرأ المدين إذا فعل ذلك؟
قيل: هذا مما اختلف فيه وفي صورة المضاربة بالدين قولان في مذهب الامام احمد.
احدهما: انه لا يجوز ذلك وهو المشهور لانه يتضمن قبض الانسان من نفسه وابراءه لنفسه من دين الغريم بفعل نفسه لانه متى اخرج الدين وضارب به فقد صار المال أمانة وبريء منه وكذلك اذا اشترى به شيئا أو تصدق به.
والقول الثاني: انه لا يجوز وهو الراجح في الدليل وليس في الادلة الشرعية ما يمنع من جواز ذلك ولا يقتضى تجويزه مخالفة قاعدة من قواعد الشرع ولا وقوعا في محظور من ربا ولا قمار ولا بيع غرر ولا مفسدة في ذلك بوجه ما فلا يليق بمحاسن الشريعة المنع منه وتجويزه من محاسنها ومقتضاها.
وقولهم: إنه يتضمن ابراء الانسان لنفسه بفعل نفسه كلام فيه إجمال يوهم انه هو المستقل بإبراء نفسه وبالفعل الذي به يبرأ وهذا إيهام فإنه إنما برء بما أذن له رب الدين من مباشرة الفعل الذي تضمن براءته من الدين فأي محذور في ان يفعل فعلا اذن له فيه رب الدين ومستحقه يتضمن براءته فكيف ينكر ان يقع في الاحكام الضمنية التبعية مالا يقع مثله في المتبوعات ونظائر ذلك اكثر من ان تذكر حتى لو وكله أو أذن له ان يبريء نفسه من الدين جاز وملك ذلك كما لو وكل المرأة ان تطلق نفسها فأي فرق بين ان يقول طلقي نفسك إن شئت أو يقول لغريمه ابرئ نفسك إن شئت وقد قالوا: لو أذن لعبده في التكفير بالمال ملك ذلك على الصحيح فلو أذن له في الاعتاق ملكه فلو اعتق نفسه صح على احد القولين والقول الآخر لا يصح لمانع آخر وهو ان الولاء للمعتق والعبد ليس من اهل الولاء نعم المحذور ان يملك إبراء نفسه من الدين بغير رضا ربه وبغير إذنه فهذا هو المخالف لقواعد الشرع.
فإن قيل: فالدين لا يتعين بل هو مطلق كلى ثابت في الذمة فإذا اخرج مالا واشترى به أو تصدق به لم يتعين ان يكون هوالدين ورب الدين لم يعينه فهو باق على إطلاقه.
قيل: هو في الذمة مطلق وكل فرد من أفراده طابقه صح ان يعين عنه ويجزئ وهذا كإيجاب الرب تعالى الرقبة المطلقة في الكفارة فإنها غير معينة ولكن أي رقبة عينها المكلف وكانت مطابقة لذلك المطلق تأدى بها الواجب ونظيره ههنا ان أي فرد عينه وكان مطابقا لما في الذمة تعين وتأدى به الواجب وهذا كما يتعين عند الاداء إلى ربه وكما يتعين عند التوكيل في قبضه فهكذا يتعين عند توكيله لمن هو في ذمته ان يعينه ثم يضارب به أو يتصدق أو يشتري به شيئا وهذا محض الفقه وموجب القياس وإلا فما الفرق بين تعيينه إذا وكل الغير في قبضه والشراء أو التصدق به وبين تعيينه اذا وكل هو في ذمته ان يعينه ويضارب أو يتصدق به فهل يوجب التفريق فقه أو مصلحة لهما أو لاحدهما أو حكمة للشارع فيجب مراعاتها.
فإن قيل: تجوزوا على هذا ان يقول له اجعل الدين الذي عليك رأس مال السلم في كذا وكذا.
قيل: شرط صحة النقض امران احدهما ان تكون الصورة التي تنقض بها مساوية لسائر الصور في المعنى الموجب للحكم الثاني ان يكون الحكم فيها معلوما بنص أو اجماع وكلا الامرين منتف ههنا فلا اجماع معلوم في المسألة وإن كان قد حكى وليس مما نحن فيه فإن المانع من جوازها رأى انها من باب بيع الدين بالدين بخلاف ما نحن فيه والمجوز له يقول ليس عن الشارع نص عام في المنع من بيع الدين بالدين وغاية ما ورد فيه حديث ما فيه انه نهى عن بيع الكاليء بالكاليء والكالئ هو المؤخر وهذا كما اذا كان رأس مال السلم دينا في ذمة المسلم فهذا هو الممنوع منه بالاتفاق لانه يتضمن شغل الذمتين بغير مصلحة لهما.
وأما إذا كان الدين في ذمة المسلم اليه فاشترى به شيئا في ذمته فقد سقط الدين من ذمته وخلفه دين آخر واجب فهذا من باب بيع الساقط بالواجب فيجوز كما يجوز بيع الساقط بالساقط في باب المقاصة فإن بنى المستأجر أو انفق على الدابة وقال انفقت كذا وكذا وانكر المؤجر فالقول قول المؤجر لان المستأجر يدعى براءة نفسه من الحق الثابت عليه والقول قول المنكر.
فإن قيل: فهل ينفعه إشهاد رب الدار أو الدابة على نفسه انه مصدق فيما يدعى إنفاقه.
قيل: لا ينفعه ذلك وليس بشيء ولا يصدق انه انفق شيئا إلا ببينة لان مقتضى العقد الا يقبل قوله في الانفاق ولكن ينتفع بعد الانفاق بإشهاد المؤجر انه صادق فيما يدعى انه انفقه والفرق بين الموضعين انه بعد الانفاق مدع فإذا صدقه المدعى عليه نفعه ذلك وقبل الانفاق ليس مدعيا ولا ينفعه اشهاد المؤجر بتصديقه فيما سوف يدعيه في المستقل فهذا شيء وذاك شيء آخر.
فإن قيل: فما الحيلة على ان يصدق المؤجر المستأجر فما يدعيه من النفقة؟
قيل: الحيلة ان يسلف المستأجر رب الدار أو الحيوان من الاجرة ما يعلم انه بقدر الحاجة ويشهد عليه بقبضه ثم يدفع رب الدار إلى المستأجر ذلك الذي قبضه منه ويوكله في الانفاق على داره أو دابته فيصير امينة فيصدق على ما يدعيه إذا كان ذلك نفقة مثله عرفا فإن خرج من العادة لم يصدق به وهذه حيلة لا يدفع بها حقا ولا يتوصل بها لمحرم ولا يقيم بها باطلا.
المثال الرابع: إذا خاف رب الدار أو الدابة ان يعوقها عليه المستأجر بعد المدة فالحيلة في أمنه من ذلك ان يقول متى حبستها بعد انقضاء المدة فأجرتها كل يوم كذا وكذا فإنه يخاف من حبسها ان يلزمه بذلك.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:33 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 23 فبراير 2017, 9:41 pm | |
| المثال الخامس: لا يجوز استئجار الشمع ليشعله لذهاب عين المستأجر والحيلة في تجويز هذا العقد ان يبيعه من الشمعة أواقي معلومة ثم يؤجره إياها فإن كان الذي أشعل منها ذلك القدر وإلا احتسب له بما اذهبه منها واحسن من هذه الحيلة ان يقول بعتك من هذه الشمعة كل اوقية فيها بدرهم قل المأخوذ منها أو كثر وهذا جائز على احد القولين في مذهب الامام احمد واختاره شيخنا وهو الصواب المقطوع به وهو مخرج على نص الامام احمد في جواز إجارة الدار كل شهر بدرهم وقد اجر على كرم الله وجهه في الجنة نفسه كل دلو بتمرة ولا محذور في هذا اصلا ولا يفضى إلى تنازع ولا تشاحن بل عمل الناس في اكثر بياعاتهم عليه ولا يضره جهالة كمية المعقود عليه عند البيع لان الجهالة المانعة من صحة العقد هي التي تؤدي إلى القمار والغرر ولا يدري العاقد على أي شيء يدخل وهذه لا تؤدي إلى شيء من ذلك بل إن أراد قليلا أخذ والبائع راض وإن اراد كثيرا أخذ والبائع راض والشريعة لا تحرم مثل هذا ولا تمنع مه بل هي اسمح من ذلك واحكم.
فان قيل: لكن في العقد على هذا الوجه محذوران احدهما تضمنه للجمع بين البيع والاجارة والثاني ان مورد عقد الاجارة يذهب عينه أو بعضه بالإشعال.
قيل: لا محذور في الجمع بين عقدين كل منهما جائز بمفرده كما لو باعه سلعة وأجره داره شهراً بمائة درهم وأما ذهاب أجزاء المستأجر بالانتفاع فإنما لم يجز لانه لم يتعوض عنه المؤجر وعقد الاجارة يقتضي رد العين بعد الانتفاع واما هذا العقد فهو عقد بيع يقتضى ضمان المتلف بثمنه الذي قدر له وأجرة انتفاعه بالعين قبل الاتلاف فالاجرة في مقابلة انتفاعه بها مدة بقائها والثمن في مقابلة ما أذهب منها فدعونا من تقليد آراء الرجال ما الذي حرم هذا واين هو في كتاب الله وسنة رسوله أو اقوال الصحابة أو القياس الصحيح الذي يكون فيه الفرع مساويا للأصل ويكون حكم الاصل ثابتا بالكتاب أو السنة أو الاجماع وليس كلامنا في هذا الكتاب مع المقلد المتعصب المقر على نفسه بما شهد عليه به جميع اهل العلم انه ليس من جملتهم فذاك وما اختار لنفسه وبالله التوفيق.
المثال السادس: ان تشترط المرأة دارها أو بلدها أو ان لا يتزوج عليها ولا يكون هناك حاكم يصحح هذا الشرط أو تخاف ان يرفعها إلى حاكم يبطله فالحيلة في تصحيحه ان تلزمه عند العقد بإن يقول إن تزوجت عليك امرأة فهى طالق وهذا الشرط يصح وان قلنا لا يصح تعليق الطلاق بالنكاح نص عليه احمد لان هذا الشرط لما وجب الوفاء به من منع التزويج بحيث لو تزوج فلها الخيار بين المقام معه ومفارقته جاز اشتراط طلاق من يتزوجها عليها كما جاز اشتراط عدم نكاحها.
فإن لم تتم لها هذه الحيلة فلتأخذ شرطه انه ان تزوج عليها فأمرها بيدها أو امر الضرة بيدها ويصح تعليق ذلك بالشرط لانه توكيل على الصحيح ويصح تعليق الوكالة على الشرط على الصحيح من قولى العلماء وهو قول الجمهور ومالك وأبي حنيفة واحمد كما يصح تعليق الولاية على الشرط بالسنة الصحيحة الصريحة ولو قيل: لا يصح تعليق الوكالة بالشرط لصح تعليق هذا التوكيل الخاص لانه يتضمن الاسقاط فهو كتعليق الطلاق والعتق بالشرط ولا ينتقض هذا بالبراءة فإنه يصح تعليقها بالشرط وقد فعله الامام احمد واصوله تقتضي صحته وليس عنه نص بالمنع ولو سلم انه تمليك لم يمنع تعليقه بالشرط كا تعلق الوصية واولى بالجواز فإن الوصية تمليك مال وهذا ليس كذلك فإن لم تتم لها هذه الحيلة فليتزوجها على مهر مسمى على انه ان اخرجها من دارها فلها مهر مثلها وهو اضعاف ذلك المسمى ويقر الزوج بأنه مهر مثلها وهذا الشرط صحيح لانها لم ترض بالمسمى إلا بناء على إقرارها في دارها فإذا لم يسلم لها ذلك وقد شرطت في مقابلته زيادة جاز وتكون تلك الزيادة في مقابلة ما فاتها من الغرض الذي إنما ارخصت المهر ليسلم لها فإذا لم يسلم لها انتقلت إلى المهر الزائد وقد صرح اصحاب أبي حنيفة بجواز مثل ذلك مع قولهم لا يصح اشتراط دارها ولا ان لا يتزوج عليها.
وقد أغنى الله عن هذه الحيلة بوجوب الوفاء بهذا الشرط الذي هو احق الشروط ان يوفى به وهو مقتضى الشرع والعقل والقياس الصحيح فان المرأة لم ترض ببذل بضعها للزوج إلا على هذا الشرط ولو لم يجب الوفاء به لم يكن العقد عن تراض وكان إلزاما لها بما لم تلتزمه وبما لم يلزمها الله تعالى ورسوله به فلا نص ولا قياس والله الموفق.
المثال السابع: إذا خاصمته امرأته وقالت قل كل جارية اشتريها فهى حرة وكل امرأة أتزوجها فهى طالق فالحيلة في خلاصه ان يقول ذلك ويعنى بالجارية السفينة لقوله إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية ويمسك بيده حصاة أو خرقه ويقول فهى طالق فيرد الكناية اليها فإن تفقهت عليه الزوجة وقالت قل كل رقيقة أو أمة فليقل ذلك وليعن فهى حرة الخصال غير فاجرة فإنه لو قال: ذلك لم تعتق كما لو قال: له رجل غلامك فاجر زان فقال ما أعرفه إلا حرا عفيفا ولم يرد العتق لم يعتق وإن تفقهت عليه وقالت قل فهى عتيقة فليقل ذلك ولينو ضد الجديدة أي عتيقة في الرق فإن تفقهت وقالت قل فهى معتوقة وقد أعتقتها إن ملكتها فليرد الكناية إلى حصاة في يده أو خرقة فإن لم تدعه ان يمسك شيئا فليردها إلى نفسه ويعنى ان قد أعتقها من النار بالاسلام أو فهى حرة ليست رقيقة لأحد ويجعل الكلام جملتين فإن حصرته وقالت قل فالجارية التي أشتريها معتوقة فليقيد ذلك بزمن معين أو مكان معين في نيته ولا يحنث بغيره فإن حصرته وقالت من غير تورية ولا كناية ولا نية تخالف قولى وهذا آخر التشديد فلا يمنعه ذلك من التورية والكناية وان قال: بلسانه لا أورى ولا أكنى والتورية والكناية في قلبه كما لو قال: لا أستثنى بلسانه ومن نيته الاستثناء ثم استثنى فإنه ينفعه حتى لو لم ينو الاستثناء ثم عزم عليه واستثنى نفعه ذلك بالسنة الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بوجه في غير حديث كقول الملك لسليمان قل إن شاء الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم إلا الإذخر بعد ان ذكره به العباس وقوله إن شاء الله بعد ان قال: لأغزون قريشا ثلاث مرات ثم قال: بعد الثالثة وسكوته إن شاء الله والقرآن صريح في نفع الاستثناء إذا نسيه ولم ينوه في أول كلامه ولا أثناءه في قوله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيت} وهذا إما ان يختص بالاستثناء إذا نسيه كما فسره به جمهور المفسرين أو يعمه ويعم غيره وهو الصواب فأما ان يخرج منه الاستثناء الذي سيق الكلام لاجله ويرد إلى غيره فلا يجوز ولان الكلام الواحد لا يعتبر في صحته نية كل جملة من جملة وبعض من أبعاضه فالنص والقياس يقتضى نفع الاستثناء وان خطر له بعد انقضاء الكلام وهذا هو الصواب المقطوع به.
المثال الثامن: لا تصح إجارة الارض المشغولة بالزرع فإن اراد ذلك فله حيلتان جائزتان إحداهما ان يبيعه الزرع ثم يؤجره الارض فتكون الارض مشغولة بملك المستأجر فلا يقدح في صحة الاجارة فان لم يتمكن من هذه الحيلة لكون الزرع لم يشتد أو كان زرعا للغير انتقل إلى الحيلة الثانية وهي ان يؤجره إياها لمدة تكون بعد اخذ الزرع ويصح هذا بناء على صحة الاجارة المضافة.
المثال التاسع: لا تصح إجارة الارض على ان يقوم المستأجر بالخراج مع الاجرة أو يكون قيامه به هو أجرتها ذكره القاضي لان الخراج مؤنة تلزم المالك بسبب تمكنه من الانتفاع فلا يجوز نقله إلى المستأجر والحيلة في جوازه ان يسمى مقدار الخراج ويضيفه إلى الاجرة قلت ولا يمنع ان يؤجره الارض بما عليها من الخراج اذا كان مقدارا معلوما لا جهالة فيه فيقول أجرتكها بخراجها تقوم به عنى فلا محذور في ذلك ولا جهالة ولا غرر وأي فرق بين ان يقول آجرتك كل سنة بمائة أو بالمائة التي عليها كل سنة خراجا.
فإن قيل: الاجرة تدفع إلى المؤجر والخراج إلى السلطان.
قيل: بل تدفع الاجرة إلى المؤجر أو إلى من اذن له بالدفع اليه فيصير وكيله في الدفع.
المثال العاشر: لا يصح ان يستأجر الدابة بعلفها لانه مجهول والحيلة في جوازه ان يسمى ما يعلم انها تحتاج اليه من العلف فيجعله أجرة ثم يوكله في إنفاق ذلك عليها وهذه الحيلة غير محتاج اليها على أصلنا فإنا نجوز ان يستأجر الظئر بطعامها وكسوتها والاجير بطعامه وكسوته فكذلك إجارة الدابة بعلفها وسقيها.
فإن قيل: علف الدابة على مالكها فإذا شرطه على المستأجر فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد فأشبه ما لو شرط في عقد النكاح ان تكون نفقة الزوجة على نفسها.
قيل: هذا من أفسد القياس لان العلف قد جعل في مقابلة الانتفاع فهو نفسه أجرة مغتفرة جهالتها اليسيرة للحاجة بل الحاجة إلى ذلك أعظم من حاجة استئجار الاجير بطعامه وكسوته إذ يمكن الاجير ان يشتري له بالاجرة ذلك فأما الدابة فإن كلف ربها ان يصحبها ليعلفها شق عليه ذلك فتدعو الحاجة إلى قيام المستأجر عليها ولا يظن به تفريطه في علفها لحاجته إلى ظهرها فهو يعلفها لحاجته وان لم يمكنها مخاصمته.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:34 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 23 فبراير 2017, 9:45 pm | |
| المثال الحادي عشر: إذا اراد ان يستأجر دارا أو حانوتا ولا يدري مدة مقامه فإن استأجره سنة فقد يحتاج إلى التحول قبلها فالحيلة ان يستأجر كل شهر بكذا وكذا فتصح الاجارة وتلزم في الشهر الاول وتصير جائزة فيما بعده من الشهور فلكل واحد منهما الفسخ عقيب كل شهر إلى تمام يوم وهذا قول أبي حنيفة وقال الشافعي الاجارة فاسدة وعن احمد نحوه والصحيح الاول فإذا خاف المستأجر ان يتحول قبل تمام الشهر الثاني فيلزمه اجرته فالحيلة ان يستأجرها كل اسبوع بكذا فإن خاف التحول قبل الاسبوع استأجرها كل يوم بكذا ويصح ويكون حكم اليوم كحكم الشهر.
المثال الثاني عشر: لو وكله ان يشترى له جارية معينة فلما رآها الوكيل أعجبته واراد شراءها لنفسه من غير إثم يدخل عليه ولا غدر بالموكل جاز ذلك لان شراءه إياها لنفسه عزل لنفسه وإخراج لها من الوكالة والوكيل يملك عزل نفسه في حضور الموكل وغيبته وإذا عزل نفسه واشترى الجارية لنفسه بماله ملكها وليس في ذلك بيع على بيع اخيه أو شراء على شراء اخيه إلا ان يكون سيدها قد ركن إلى الموكل وعزم على إمضاء البيع له فيكون شراء الوكيل لنفسه حينئذ حراما لأنه شراء على شراء أخيه ولا يقال العقد لم يتم والشراء على شرائه هو ان يطلب من البائع فسخ العقد في مدة الخيار ويعقد معه هو لعدة أوجه أحدها ان هذا حمل للحديث على الصورة النادرة والاكثر خلافها الثاني ان النبي صلى الله عليه وسلم قرن ذلك بخطبته على خطبة اخيه وذلك إنما يكون قبل عقد النكاح الثالث انه نهى ان يسوم على سوم اخيه وذلك أيضا قبل العقد الرابع ان المعنى الذي حرم الشارع لأجله ذلك لا يختص بحالة الخيار بل هو قائم بعد الركون والتراضي وإن لم يعقداه كما هو قائم بعد العقد الخامس ان هذا تخصيص لعموم الحديث بلا موجب فيكون فاسدا فإن شراءه على شراء اخيه متناول لحال الشراء وما بعده والذي غر من خصه بحالة الخيار ظنه ان هذا اللفظ إنما يصدق على من اشترى بعد شراء اخيه وليس كذلك بل اللفظ صادق على القسمين السادس انه لو اختص اللفظ بما بعد الشراء لوجب تعديته بتعدية علته إلى حالة السوم.
أما على اصل أبي حنيفة فلا يتأتى ذلك لان الوكيل لا يملك عزل نفسه في غيبة الموكل فلو اشتراها لنفسه لكان عزلا لنفسه في غيبة موكله وهو لا يملكه.
قالوا: فالحيلة في شرائها لنفسه ان يشتريها بغير جنس الثمن الذي وكل ان يشتري به وحينئذ فيملكها لأن هذا العقد غير الذي وكل فيه فهو بمنزلة ما لو وكله في شراء شاة فاشترى فرسا فإن العقد يكون للوكيل دون الموكل فإن أراد الموكل الاحتراز من هذه الحيلة وان لا يمكن الوكيل من شرائها لنفسه فليشهد عليه انه متى اشتراها لنفسه فهى حرة فإن وكل الوكيل من يشتريها له انبنى ذلك على أصلين احدهما ان الوكيل هل له ان يوكل ام لا والثاني ان من حلف لا يفعل شيئا فوكل في فعله هل يحنث ام لا وفي الاصلين نزاع معروف.
فإن وكله رجل في بيع جارية ووكله آخر في شرائها وأراد هو شراءها لنفسه فالحكم على ما تقدم غير ان ههنا اصلا آخر وهو ان الوكيل في بيع الشيء هل يملك بيعه لنفسه فيه روايتان عن الامام احمد إحداهما لا يملك ذلك سدا للذريعة لانه لا يستقصى في الثمن والثانية يجوز إذا زاد على ثمنها في النداء لتزول التهمة فعلى هذه الرواية يفعل ذلك من غير حاجة إلى حيلة والثانية لا يجوز فعل هذا وهل يجوز له التحيل على ذلك فقيل له ان يتحيل عليه بأن يدفع إلى غيره دراهم ويقول له اشترها لنفسك ثم يتملكها منه والذي تقتضيه قواعد المذهب ان هذا لا يجوز لانه تحيل على التوصل إلى فعل محرم ولان ذلك ذريعة إلى عدم استقصائه واحتياطه في البيع بل يسامح في ذلك لعلمه انها تصير اليه وانه هو الذي يزن الثمن ولانه يعرض نفسه للتهمة ولان الناس يرون ذلك نوع غدر ومكر فمحاسن الشريعة تأبى الجواز.
فإن قيل: فلو وكله أحدهما في بيعها والآخر في شرائها ولم يرد ان يشتريها لنفسه فهل يجوز ذلك
قيل: هذا ينبنى على شراء الوكيل في البيع لنفسه فإن اجزناه هناك جاز ههنا بطريق الاولى وإن منعناه هناك فقال القاضي لا يجوز أيضا ههنا لتضاد الغرضين لان وكيل البيع يستقصى في زيادة الثمن ووكيل الشراء يستقصى في نقصانه فيتضادان ولم يذكر غير ذلك ويتخرج الجواز وإن منعنا الوكيل من الشراء لنفسه من نص احمد على جواز كون الوكيل في النكاح وكيلا من الطرفين وكونه أيضا وليا من الطرفين وانه يلي بذلك على إيجاب العقد وقبوله ولا ريب ان التهمة التي تلحقه في الشراء لنفسه اظهر من التهمة التي تلحقه في الشراء لموكله والحيلة الصحيحة في ذلك كله ان يبيعها بيعا بتاتا ظاهرا لأجنبي يثق به ثم يشتريها منه شراء مستقلا فهذا لا بأس به والله أعلم.
المثال الثالث عشر: إذا قال: الرجل لامرأته الطلاق يلزمني لا تقولين لي شيئا إلا قلت لك مثله فقالت له انت طالق ثلاثا فالحيلة في التخلص من ان يقول لها مثل ذلك ان يقول لها قلت لي انت طالق ثلاثاً.
قال: اصحاب الشافعي وفي هذه الحيلة نظر لا يخفى لانه لم يقل لها مثل ما قالت له وانما حكى كلامها من غير ان يقول لها نظيره ولو ان رجلا سب رجلا فقال له المسبوب انت قلت لي كذا وكذا لم يكن قد رد عليه عند أحد لا لغة ولا عرفا فهذه الحيلة ليست بشيء.
وقالت طائفة اخرى: الحيلة ان يقول لها انت طالق ثلاثا بفتح التاء فلا تطلق وهذا نظير ما قالت له سواء وهذه إن كانت أقرب من الاولى فإن المفهوم المتعارف لغة وعقلا وعرفا من الرد على المرأة ان يخاطبها خطاب المؤنث فإذا خاطبها خطاب المذكر لم يكن ذلك ردا ولا جوابا ولو فرض أنه رد لم يمنع وقوع الطلاق بالمواجهة وإن فتح التاء كأنه قال: ايها الشخص أو الانسان.
وقال طائفة اخرى: الحيلة في ذلك ان يقول انت طالق ثلاثا ان شاء الله أو ان كلمت السلطان أو إن سافرت ونحو ذلك فيكون قد قال: لها نظير ما قالت ولا يضره زيادة الشرط وهذه الحيلة اقرب من التي قبلها ولكن في كون المتكلم بها رادا أو مجيبا نظر لا يخفى لان الشرط وان تضمن زيادة في الكلام لكنه يخرجه عن كونه نظيرا لكلامها ومثلا له وهو إنما حلف أن يقول لها مثل ما قالت له والجملة الشرطية ليست مثل الجملة الخبرية بل الشرط يدخل على الكلام التام فيصيره ناقصا يحتاج إلى الجواب ويدخل على الخبر فيقلبه إنشاء ويغير صورة الجملة الخبرية ومعناها ولو قال: رجل لغيره لعنك الله فقال له لعنك الله إن بدلت دينك أو ارتددت عن الاسلام لم يكن سابا له ولو قال: له يا زان فقال بل انت زان إن وطئت فرجا حراما لم يكن الثاني قاذفا له ولو بذلت له مالا على ان يطلقها فقال انت طالق إن كلمت السلطان لم يستحق المال ولم يكن مطلقا.
وقالت طائفة اخرى: لا حاجة إلى شيء من ذلك والحالف لم تدخل هذه الصورة في عموم كلامه وان دخلت فهى من المخصوص بالعرف والعادة والعقل فإنه لم يرد هذه الصورة قطعا ولا خطرت بباله ولا تناولها لفظه فإنه انما تناول لفظه القول الذي يصح ان يقال له وقولها انت طالق ثلاثا ليس من القول الذي يصح ان يواجه به فهو لغو محض وباطل وهو بمنزلة قولها انت امرأتي وبمنزلة قول الأمة لسيدها انت امتي وجاريتي ونحو هذا من الكلام اللغو الذي لم يدخل تحت لفظ الحالف ولا إرادته اما عدم دخوله تحت إرادته فلا اشكال فيه واما عدم تناول لفظه له فان اللفظ العام انما يكون عاما فيما يصلح له وفيما سيق لأجله.
وهذا اقوى من جميع ما تقدم وغايته تخصيص العام بالعرف والعادة وهذا اقرب لغة وعرفا وعقلا وشرعا من جعل ما تقدم مطابقا ومماثلا لكلامها مثله فتأمله والله الموفق.
المثال الرابع عشر: اذا خاف الرجل لضيق الوقت ان يحرم بالحج فيفوته فيلزمه القضاء ودم الفوات فالحيلة ان يحرم إحراما مطلقا ولا يعينه فإن اتسع له الوقت جعله حجا أو قرانا أو تمتعا وإن ضاق عليه الوقت جعله عمرة ولا يلزمه غيرها
المثال الخامس عشر: ذا جاوز الميقات غير محرم لزمه الاحرام ودم لمجاوزته للميقات غير محرم فالحيلة في سقوط الدم عنه ان لا يحرم من موضعه بل يرجع إلى الميقات فيحرم منه فإن أحرم من موضعه لزمه الدم ولا يسقط برجوعه إلى الميقات.
المثال السادس عشر: إذا سرق له متاع فقال لامرأته ان لم تخبريني من أخذه فأنت طالق ثلاثا والمرأة لا تعلم من أخذه فالحيلة في التخلص من هذه اليمين ان تذكر الاشخاص التي لا يخرج المأخوذ عنهم ثم تفرد كل واحد واحد وتقول هو اخذه فإنها تكون مخبرة عن الآخذ وعن غيره فيبر في يمينه ولا تطلق.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:35 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 23 فبراير 2017, 9:47 pm | |
| المثال السابع عشر: إذا ادعت المرأة النفقة والكسوة لمدة ماضية فقد اختلف في قبول دعواها فمالك وابو حنيفة لا يقبلان دعواها ثم اختلفا في مأخذ الرد فأبو حنيفة يسقطها بمضي الزمان كما يقوله منازعوه في نفقة القريب ومالك لا يسمع الدعوى التي يكذبها العرف والعادة ولا يحلف عنده فيها ولا يقبل فيها بينة كما لو كان رجل حائزا دارا متصرفا فيها مدة السنين الطويلة بالبناء والهدم والاجارة والعمارة وينسبها إلى نفسه ويضيفها إلى ملكه وانسان حاضر يراه ويشاهد أفعاله فيها طول هذه المدة ومع ذلك لا يعارضه فيها ولا يذكر ان له فيها حقا ولا مانع يمنعه من خوف أو شركة في ميراث ونحو ذلك ثم جاء بعد تلك المدة فادعاها لنفسه فدعواه غير مسموعة فضلا عن إقامة بينته قالوا: وكذلك إذا كانت المرأة مع الزوج مدة سنين يشاهده الناس والجيران داخلا بيته بالطعام والفاكهة واللحم والخبز ثم ادعت بعد ذلك انه لم ينفق عليها في هذه المدة فدعواها غير مسموعة فضلا عن ان يحلف لها أو يسمع لها بينة قالوا: وكل دعوى ينفيها العرف وتكذبها العادة فإنها مرفوضة غير مسموعة.
وهذا المذهب هو الذي ندين الله به ولا يليق بهذه الشريعة الكاملة سواه وكيف يليق بالشريعة ان تسمع مثل هذه الدعوى التي قد علم الله وملائكته والناس انها كذب وزور وكيف تدعى المرأة انها اقامت مع الزوج ستين سنة أو اكثر لم ينفق عليها فيها يوما واحدا ولا كساها فيها ثوبا ويقبل قولها عليه ويلزم بذلك كله ويقال الاصل معها وكيف يعتمد على أصل يكذبه العرف والعادة والظاهر الذي بلغ في القوة إلى حد القطع والمسائل التي يقدم فيها الظاهر القوى على الاصل اكثر من ان تحصى ومثل هذا المذهب في القوة مذهب أبي حنيفة وهو سقوطها بمضي الزمان فإن البينة قد قامت بدونها فهى كحق المبيت والوطء.
ولا يعرف احد من اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع انهم ائمة الناس في الورع والتخلص من الحقوق والمظالم قضى لامرأة بنفقة ماضية أو استحل امرأة منها ولا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك امرأة واحدة منهن ولا قال: لها ما مضى من النفقة حق لك عند الزوج فإن شئت فطالبيه وإن شئت حللتيه وقد كان صلى الله عليه وسلم يتعذر عليه نفقة اهله اياما حتى سألنه إياها ولم يقل لهن هي باقية في ذمتي حتى يوسع الله وأقضيكن ولما وسع الله عليه لم يقض لامرأة منهن ذلك ولا قال: لها هذا عوض عما فاتك من الانفاق ولا سمع الصحابة لهذه المسألة خبرا وقول عمر رضي الله عنه للغياب إما ان تطلقوا وإما ان تبعثوا بنفقة ما مضى في ثبوته نظر فإن قال: ابن المنذر ثبت عن عمر فإن في إسناده ما يمنع ثبوته ولو قدر صحته فهو حجة عليهم ودليل على انهم اذا طلقوا لم يلزمهم بنفقة ما مضى.
فإن قيل: وحجة عليكم في الزامه لهم بها وانتم لا تقولون بذلك.
قيل: بل نقول به وان الازواج اذا امتنعوا من الواجب عليهم مع قدرتهم عليه لم يسقط بالامتناع ولزمهم ذلك وأما المعذور العاجز فلا يحفظ عن احد من الصحابة انه جعل النفقة دينا في ذمته أبدا وهذا التفصيل هو أحسن ما يقال في هذه المسألة.
والمقصود ان على هذين المذهبين لا تسمع هذه الدعوى ويسمعها الشافعي واحمد بناء على قاعدة الدعاوي وان الحق قد ثبت ومستحقه ينكر قبضه يقبل قول الدافع عليه إلا ببينة فعلى قولهما يحتاج الزوج إلى طريق تخلصه من هذه الدعوى ولا ينفعه دعوى النشوز فإن القول فيه قول المرأة ولا يخلصه دعوى عدم التسليم الموجب للانفاق لتمكن المرأة من إقامة البينة عليه فله حيلتان إحداهما أن يقيم البينة على نفقته وكسوته لتلك المدة وللبينة ان تشهد على ذلك بناء على ما علمته وتحققته بالاستفاضة والقرائن المفيدة للقطع فإن الشاهد يشهد بما علمه بأي طريق علمه وليس على الحاكم ان يسأل البينة عن مستند التحمل ولا يجب على الشاهد ان يبين مستنده في الشهادة والحيلة الثانية ان ينكر التمكين الموجب لثبوت المدعى به في ذمته ويكون صادقا في هذا الانكار فإن التمكين الماضي لا يوجب عليه ما ادعت به الزوجة اذا كان قد اداه اليها والتمكين الذي يوجب ما ادعت به لا حقيقة له فهو صادق في إنكاره.
المثال الثامن عشر: اذا اشترى ربويا بمثله فتعيب عنده ثم وجد به عيبا فإنه لا يمكنه رده للعيب الحادث ولا يمكنه اخذ الارش لدخول التفاضل فالحيلة في استدراك ظلامته ان يدفع إلى البائع ربويا معيبا بنظير العيب الذي وجده بالمبيع ثم يسترجع منه الذي دفعه اليه فإن استهلكه استرد منه نظيره وهذه الحيلة على اصل الشافعي واما على اصل أبي حنيفة فالحيلة في الاستدراك ان يأخذ عوض العيب من غير جنسه بناء على اصله في تجويز مسألة مد عجوة واما على اصل الإمام احمد فإن كان البائع علم بالبيع فكتمه لم يمنع العيب الحادث عند المشتري رده عليه بل لو تلف جميعه رجع عليه بالثمن عنده وان لم يكن من البائع تدليس فإنه يرد عليه المبيع ومعه أرش العيب الحادث عنده ويسترد العوض وليس في ذلك محذور فإنه يبطل العقد فالزيادة ليست زيادة في عوض فلا يكون ربا.
المثال التاسع عشر: إذا أبرأ الغريم من دينه في مرض موته ودينه يخرج من الثلث وهو غير وارث فخاف المبرأ ان تقول الورثة لم يخلف مالا سوى الدين ويطالبون بثلثيه فالحيلة ان يخرج المريض إلى الغريم مالا بقدر دينه فيهبه إياه ثم يستوفيه منه من دينه فإن عجز عن ذلك ولم تغب عنه الورثة فالحيلة ان يقر بأنه شريكه بقدر الدين الذي عليه فإن عجز عن ذلك فالحيلة ان يقر بأنه كان قبضه منه أو أبرأه منه في صحته فان خاف ان يتعذر عليه مطالبته به إذا توفى فالحيلة ان يشهد عليه انه ان ادعى عليه أو أي وقت ادعى عليه أو متى ادعى عليه بكذا وكذا فهو صادق في دعواه فان لم يدع عليه بذلك لم يلزمه وليس لوارثه بعده ان يدعى به فإنه انما صدق الموروث ان ادعى ولم تحصل دعواه وانما ينتقل إلى الورثة ما ادعى به الموروث وصدقه المدعى عليه ولم يتحقق ذلك
المثال العشرون: إذا اراد ان يعتق عبده وخاف ان يجحد الورثة المال ويرقوا ثلثيه فالحيلة ان يبيعه لاجنبي ويقبض ثمنه منه ثم يهب الثمن للمشتري ويسأله إعتاق العبد ولا ينفعه ان يأخذ إقرار الورثه ان العبد يخرج من الثلث لان الثلث انما يعتبر عند الموت لا قبله فان لم يرد تنجيز عتقه واحب تدبيره وخاف عليه من ذلك فالحيلة ان يملكه لرجل يثق به ويعلق المشتري عتقه بموت السيد المملك فلا يجد الورثة اليه سبيلاً.
المثال الحادي والعشرون: إذا كان لأحد الورثة دين على الموروث واحب ان يوفيه اياه ولا بينة له به فان اقر له به ابطلنا إقراره وان اعطاه عوضه كان تبرعا في الظاهر فلباقي الورثة رده فالحيلة في خلاصه من دينه ان يقبض الوارث ماله عليه في السر ثم يبيعه سلعة أو دارا أو عبدا بذلك الثمن فيسترد منه المال ويدفع اليه تلك السلعة التي هي بقدر دينه
فإن قيل: وأي حاجة له إلى ذلك اذا امكنه ان يعطيه ماله عليه في السر.
قيل: بل في ذلك خلاص الوارث من دعوى بقية الورثة واتهامهم له وشكواهم إياه انه استولى على مال موروثنا أو صار اليه بغير الحق فإذا لم يخرج المال الذي عاينوه عند الموروث عن التركة سلم من تطرق التهمة والاذى والشكوى.
المثال الثاني والعشرون: اذا زوج عبده من ابنته صح فإن خاف من انفساخ النكاح بموته حيث تملكه أو بعضه فالحيلة في ابقاء النكاح ان يبيعه من اجنبي ويقبض ثمنه أو يهبه اياه فإن مات بعد ذلك هو أو الاجنبي لم ينفسخ النكاح.
المثال الثالث والعشرون: اذا كان موليه سفيها إن زوجه طلق وإن سراه اعتق وإن اهمله فسق فالحيلة ان يشتري جارية من مال نفسه ويزوجه اياها فإن اعتقها لم ينفذ عتقه وان طلقها رجعت إلى سيدها فلا يطالبه بمهرها.
المثال الرابع والعشرون: اذا طلب عبده منه ان يزوجه جاريته فحلف بالطلاق الا يزوجه إياها فالحيلة على جواز تزويجه بها ولا يحنث ان يبيعهما جميعا أو يملكهما لمن يثق به ثم يزوجها المشتري فإذا فعل ذلك استردهما ولا يحنث لانه لم يزوج احدهما الآخر وإنما فعل ذلك غيره وقال القاضي ابو يعلى وهذا غير ممتنع على أصلنا لان الصفة قد وجدت في حال وجدت في حال زوال ملكه فلا يتعلق به حنث ولا يتعلق الحنث باستدامة العقد بعد ان ملكهما لان التزويج عبارة عن العقد وقد تقضى وإنما بقى حكمه فلم يحنث باستدامته قال: ويفارق هذا اذا حلف على عبده لا ادخل هذه الدار فباعه ودخلها ثم ملكه ودخلها بعد ذلك فإنه يحنث لان الدخول عبارة عن الكون وذلك موجود بعد الملك كما كان موجودا في الملك الاول قال: وقد علق احمد القول في رواية مهنا في رجل قال: لامرأته انت طالق إن رهنت كذا وكذا فإذا هي قد رهنته قبل اليمين فقال اخاف ان يكون قد حنث قال: وهذا محمول على انه قال: إن كنت رهنتيه فيحنث لانه حلف على ماض.
ولا يخفى ما في هذا الحمل من مخالفة ظاهر كلام السائل وكلام الامام احمد اما كلام السائل فظاهر في انه انما اراد رهنا تنشئه بعد اليمين فإن أداة الشرط تخلص الفعل الماضي للاستقبال فهذا الفعل مستقبل بوضع اللغة والعرف والاستعمال وأما كلام الامام احمد فإنه لو فهم من السائل ما حمله عليه القاضي لجزم بالحنث ولم يقل اخاف فهو انما يطلق هذه اللفظة فيما عنده فيه نوع توقف واستقراء اجوبته يدل على ذلك وانما وجه هذا انه جعل استدامة الرهن رهنا كاستدامة اللبس والركوب والسكنى والجماع والاكل والشرب ونحو ذلك ولما كان لها شبه بهذا وشبه باستدامة النكاح والطيب ونحوهما لم يجزم بالحنث بل قال: أخاف ان يكون قد حنث والله أعلم.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:35 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 23 فبراير 2017, 9:49 pm | |
| المثال الخامس والعشرون: هل تصح الشركة بالعروض والفلوس إن قلنا هي عروض والنقود المغشوشة على قولين هما روايتان عن الامام احمد فإن جوزنا الشركة بها لم يحتج إلى حيلة بل يكون رأس المال قيمتها وقت العقد وان لم نجوز الشركة بها فالحيلة على ان يصيرا شريكين فيها ان يبيع كل واحد منها صاحبه نصف عرضه بنصف عرضه مشاعا فيصير كل منهما شريكا لصاحبه في عرضه ويصير عرض كل واحد منهما بينهما نصفين ثم يأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف هذا إذا كان قيمة العرضين سواء فإذا كانا متفاوتين بأن يساوي أحدهما مائة والاخر مائتين فالحيلة ان يبيع صاحب العرض الادنى ثلثي عرضه بثلث عرض صاحبه كما تقدم فيكون العرضان بينهما اثلاثا والربح على قدر الملكين عند الشافعي وعند احمد على ما شرطاه ولا تمتنع هذه الحيلة على أصلنا فإنها لا تبطل حقا ولا تثبت باطلا ولا توقع في محرم.
المثال السادس والعشرون: اذا كان له عليه الف درهم فأراد ان يصالحه على بعضها فلها ثمان صور فإنه إما يكون مقرا أو منكرا وعلى التقديرين فإما ان تكون حالة أو مؤجلة ثم الحلول والتأجيل إما ان يقع في المصالح عنه أو في المصالح به وانما تتبين احكام هذه المسائل بذكر صورها وأصولها.
الصورة الاولى: ان يصالحه عن الف حالة قد اقر بها على خمسمائة حالة فهذا صلح على الاقرار وهو صحيح على احد القولين باطل على القول الاخر فإن الشافعي لا يصحح الصلح إلا على الاقرار والخرقى ومن وافقه من اصحاب الامام احمد لا يصححه إلا على الانكار وابن أبي موسى وغيره يصححونه على الاقرار والانكار وهو ظاهر النص وهو الصحيح فالمبطلون له مع الاقرار يقولون هو هضم للحق لانه إذا اقر له فقد لزمه ما اقر به فإذا بذل له دونه فقد هضمه حقه بخلاف المنكر فإنه يقول إنما افتديت يمينى والدعوى على بما بذلته والآخذ يقول اخذت بعض حقى.
والمصححون له يقولون: إنما يمكن الصلح مع الاقرار لثبوت الحق به فتمكن المصالحة على بعضه أما مع الانكار فأي شيء ثبت حتى يصالح عليه فإن قلتم صالحه عن الدعوى واليمين وتوابعهما فإن هذا لا تجوز المعاوضة عليه ولا هو مما يقابل بالاعواض فهذا اصل والصواب جواز الامرين للنص والقياس والمصلحة فإن الله تعالى امرنا بالوفاء بالعقود ومراعاة العهود واخبر النبي صلى الله عليه وسلم ان المسلمين على شروطهم وأخبر ان الصلح بين المسلمين جائز إلا صلحا احل حراما أو حرم حلالا وقول من منع الصلح على الاقرار انه هضم للحق ليس كذلك وانما الهضم ان يقول لا اقر لك حتى تهب لي كذا وتضع عنى كذا واما اذا اقر له ثم صالحه ببعض ما اقر به فأي هضم هناك وقول من منع الصلح على الانكار انه يتضمن المعاوضة عما لا تصح المعاوضة عليه فجوابه انه افتداء لنفسه من الدعوى واليمين وتكليف اقامة البينة كما تفتدى المرأة نفسها من الزوج بما تبذله له وليس هذا بمخالف لقواعد الشرع بل حكمة الشرع واصوله وقواعده ومصالح المكلفين تقتضي ذلك فهاتان صورتان صلح عن الدين الحال ببعضه حالا مع الاقرار ومع الانكار.
الصورة الثالثة: ان يصالح عنه ببعضه مؤجلا مع الاقرار والانكار فهاتان صورتان أيضا فإن كان مع الانكار ثبت التأجيل ولم تكن له المطالبة به قبل الاجل لانه لم يثبت له قبله دين حال فيقال لا يقبل التأجيل وان كان مع الاقرار ففيه ثلاثة اقوال للعلماء وهي في مذهب الامام احمد.
أحدها لا يصح الاسقاط ولا التأجيل بناء على ان الصلح لا يصح مع الاقرار وعلى ان الحال لا يتأجل.
والثاني انه يصح الاسقاط دون التأجيل بناء على صحة الصلح مع الاقرار.
والثالث انه يصح الاسقاط والتأجيل وهو الصواب بناء على تأجيل القرض والعارية وهو مذهب اهل المدينة واختيار شيخنا وإن كان الدين مؤجلا فتارة يصالحه على بعضه مؤجلا مع الاقرار والانكار فحكمه ما تقدم وتارة يصالحه ببعضه حالا مع الاقرار والانكار فهذا للناس فيه ثلاثة اقوال ايضا.
احدها انه لا يصح مطلقا وهو المشهور عن مالك لانه يتضمن بيع المؤجل ببعضه حالا وهو عين الربا وفي الانكار المدعى يقول هذه المائة الحالة عوض عن مائتين مؤجل وذلك لا يجوز وهذا قول ابن عمر.
والقول الثاني انه يجوز وهو قول ابن عباس واحدى الروايتين عن الامام احمد حكاها ابن أبي موسى وغيره واختار شيخنا لان هذا عكس الربا فإن الربا يتضمن الزيادة في احد العوضين في مقابلة الاجل وهذا يتضمن براءة ذمته من بعض العوض في مقابلة سقوط الاجل فسقط بعض العوض في مقابلة سقوط بعض الاجل فانتفع به كل واحد منهما ولم يكن هنا ربا لا حقيقة ولا لغة ولا عرفا فإن الربا الزيادة وهي منتفية ههنا والذين حرموا ذلك إنما قاسوه على الربا ولا يخفى الفرق الواضح بين قوله إما أن تربي وإما أن تقضي وبين قوله عجل لي وأهب لك مائة فأين احدهما من الاخر فلا نص في تحريم ذلك ولا اجماع ولا قياس صحيح.
والقول الثالث يجوز ذلك في دين الكتابة ولا يجوز في غيره وهو قول الشافعي وابي حنيفة قالوا: لان ذلك يتضمن تعجيل العتق المحبوب إلى الله والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم ولا ربا بين العبد وبين سيده فالمكاتب وكسبه للسيد فكأنه اخذ بعض كسبه وترك له بعضه ثم تناقضوا فقالوا لا يجوز ان يبيعه درهما بدرهمين لانه في المعاملات معه كالاجنبي سواء.
فيالله العجب ما الذي جعله معه كالاجنبي في هذا الباب من ابواب الربا وجعله معه بمنزلة العبد القن في الباب الآخر؟
هذه صورة هذه المسائل واصولها ومذاهب العلماء فيها وقد تبين ان الصواب جوازها كلها فالحيلة على التوصل اليها حيلة على امر جائز ليست على حرام.
فصل: الحيلة على الصلح على الانكار فالحيلة على الصلح على الانكار عند من يمنعه ان يجيء رجل اجنبي فيقول للمدعى انا اعلم ان ما في يد المدعى عليه لك وهو يعلم انك صادق في دعواك وانا وكيله فصالحني على كذا فينقلب حينئذ صلحا على الانكار ثم ينظر فإن كان فعل ذلك بإذن المدعى عليه رجع بما دفعه إلى المدعى وان كان بغير إذنه لم يرجع عليه وان دفع المدعى عليه المال إلى الاجنبي وقال صالح عنى بذلك جاز أيضا.
فصل: الحيلة على الصلح على الاقرار والحيلة في جواز الصلح على الاقرار عند من يمنعه ان يبيعه سلعة ويحابيه فيها بالقدر الذي اتفقا على إسقاطه بالصلح.
فصل: الحيلة في الصلح عن الحال ببعضه مؤجلا والحيلة في الصلح عن الحال ببعضه مؤجلا حتى يلزمه التأجيل ان يبرئه من الحال ويقر انه لا يستحق عليه إلا المؤجل والحيلة في الصلح عن المؤجل ببعضه حالا ان يتفاسخا العقد الاول ثم يجعلانه بذلك القدر الحال فإذا اشترى منه سلعة أو استأجر منه دابة أو خالعته على عوض مؤجل فسخا العقد ثم جعلا عوضه ذلك القدر الحال فإن لم يكن فيه الفسخ كالدية وغيرها فالحيلة في جواز ذلك ان يعاوض على الدين بسلعة أو بشيء غير جنسه وذلك جائز لان غاية ما فيه بيع الدين ممن هو في ذمته فان أتلف له مثليا لزمه مثله دينا عليه فإن صالح عليه بأكثر من جنسه لم يجز لانه ربا وإن كان المتلف متقوما لزمه قيمته فإن صالح عليه بأكثر من قيمته فإن كان من جنسها لم يجز ذلك وان كان من غير جنسها جاز إذ هو بيع للقيمة وهي دين بذلك العوض وهو جائز.
المثال السابع والعشرون: إذا وكله في شراء جارية بألف فاشتراها الوكيل وقال أذنت لي في شرائها بألفين وقد فعلت فالقول قول الوكيل ولا يلزمه الالفان ولا يملك الجارية والوكيل مقر انها للموكل فإنه لا يحل له وطؤها والالف الزائدة دين عليه ولا يمكن الوكيل بيعها ولا التصرف فيها لانه معترف انها ملك للموكل وان الالف الاخرى في ذمته والوكيل ضامن لها فالحيلة في ملك الوكيل لها ان يقول له الموكل ان كنت أذنت لك في شرائها بالفين فقد بعتكها بالالفين فيقول قد اشتريتها منك فيملكها حينئذ ويتصرف فيها وهذا قول المزنى واكثر اصحاب الشافعي ولا يضر تعليق البيع بصورة الشرط فإنه لا يملك صحته إلا على هذا الشرط فهو كما لو قال: إن كانت ملكى فقد بعتكها بالفين ولا يلتفت إلى نصف فقيه يقول هذا تعليق للبيع بالشرط فيبطل كما لو قال: إن قدم زيد فقد بعتك كذا بكذا بل هذا نظير قوله إن كنت جائز التصرف فقد بعتك كذا وان اعطيتني ثمن هذا المبيع فقد بعتكه ونحو ذلك.
المثال الثامن والعشرون: إذا اودعه وديعة واشهد عليها فتلفت من غير تفريطه لم يضمن فإن ادعى عليه قبض الوديعة فأنكر فأقام البينة عليه ضمن فإن ادعى التلف بعد ذلك لم يقبل منه لانه معترف انه غير امين له وقد قامت البينة على قبضه ماله فيضمنه ولا ينفعه تكذيب البينة فالحيلة في سقوط الضمان ان يقول مالك عندي شيء فإن حلفه حلف حلفا صادقا فإن أقام البينة بالوديعة فليصدق البينة ويقول صدقت فيما شهدت به ويدعى التلف بغير تفريط فإن كذب البينة لزمه الضمان ولا ينفعه دعوى التلف.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:36 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 23 فبراير 2017, 9:52 pm | |
| المثال التاسع والعشرون: إذا رهن عنده رهنا ولم يثق بأمانته وخاف ان يدعى هلاكه ويذهب به فالحيلة في ان يجعله مضمونا عليه ان يعيره إياه أولا فإذا قبضه رهنه منه بعد ذلك فإذا تلف كان في ضمانه لان طريان الرهن على العارية لا يبطل حكمها لان المرتهن يجوز له الانتفاع بها بعد الرهن كما كان ينتفع بها قبله ولو بطل لم يجز له الانتفاع.
المثال الثلاثون: اختلف الناس في العارية هل توجب الضمان اذا لم يفرط المستعير على أربعة أقوال احدها يوجب الضمان مطلقا وهو قول الشافعي واحمد في المشهور عنه الثاني لا يوجب الضمان ويد المستعير يد امانه وهو قول أبي حنيفة الثالث انه ان كان التلف بأمر ظاهر كالحريق وأخذ السيل وموت الحيوان وخراب الدار لم يضمن وان كان بأمر لا يطلع عليه كدعوى سرقة الجوهرة والمنديل والسكين ونحو ذلك ضمن وهو قول مالك الرابع أنه إن شرط نفى ضمانها لم يضمن وإن أطلق ضمن وهذا إحدى الروايتين عن احمد والقول بعدم الضمان قوى متجه وان كنا لا نقبل قوله في دعوى التلف لانه ليس بأمينه لكن إذا صدقه المالك في التلف بأمر لا ينسب فيه إلى تفريط فعدم التضمين اقوى.
فالحيلة في سقوط الضمان ان يشترط نفيه فإن خاف أن لا يفى له بالشرط فله حيلة أخرى وهي ان يشهد عليه انه متى ادعى عليه بسبب هذه العين ما يوجب الضمان فدعواك باطلة فإن لم تصعد معه هذه الحيلة أو خاف من ورثته بعده الدعوى فله حيلة ثالثة وهي ان يستأجر العين منه بأقل شيء للمدة التي يريد الانتفاع بها أو يستأجرها منه بأجره مثلها ويشهد عليه أنه قبض الاجرة أو ابرأه منها فإن تلفت بعد ذلك لم يضمنها وليست هذه الحيلة مما تحلل حراما أو تحرم حلالا.
المثال الحادي والثلاثون
اختلف الناس في تأجيل القرض والعارية إذا أجلها فقال الشافعي واحمد في ظاهر مذهبه وابو حنيفة لا يتأجل شيء من ذلك بالتأجيل وله المطالبة به متى شاء وقال مالك يتأجل بالتأجيل فإن اطلق ولم يؤجل ضرب له أجل مثله وهذا هو الصحيح لأدلة كثيرة مذكورة في موضعها وعلى هذا القول فالمستقرض والمستعير آمن من غدر المقرض غنى عن الحيلة للزوم الاجل وعلى القول الاول فالحيلة في لزوم التأجيل ان يشهد عليه انه لا يستحق ما عليه من الدين إلى مدة كذا وكذا ولا يستحق المطالبة بتسليم العين إلى مدة كذا وكذا فإن أراد حيلة غير هذه فليستأجر منه العين إلى تلك المدة ثم يبرئه من الاجرة كما تقدم واما القرض فالحيلة في تأجيله ان يشتري من المقرض شيئا ما بمبلغ القرض ثم يكتبه مؤجلا من ثمن مبيع قبضه المشتري فإنه لا يتمكن من المطالبة به قبل الاجل وهذه حيلة على امر جائز لا يبطل بها حق فلا تكره.
المثل الثاني والثلاثون: إذا رهنه رهنا بدين وقال إن وفيتك الدين إلى كذا وكذا وإلا فالرهن لك بما عليه صح ذلك وفعله الامام احمد وقال اصحابنا لا يصح وهو المشهور من مذاهب الائمة الثلاثة واحتجوا بقوله لا يغلق الرهن ولا حجة لهم فيه فإن هذا كان موجبه في الجاهلية ان المرتهن يتملك الرهن بغير إذن المالك إذا لم يوفه فهذا هو غلق الرهن الذي ابطله النبي صلى الله عليه وسلم وأما بيعه للمرتهن بما عليه عند الحلول فلم يبطله كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس صحيح ولا مفسدة ظاهرة وغاية ما فيه انه بيع علق على شرط ونعم فكان ماذا وقد تدعو الحاجة والمصلحة إلى هذا من المرتهنين ولا يحرم عليهما ما لم يحرمه الله ورسوله ولا ريب ان هذا خير للراهن والمرتهن من تكليفه الرفع إلى الحاكم وإثباته الرهن واستئذانه في بيعه والتعب الطويل الذي لا مصلحة فيه سوى الخسارة والمشقة فإذا اتفقا على أنه له بالدين عند الحلول كان اصلح لهما وأنفع وابعد من الضرر والمشقة والخسارة فالحيلة في جواز ذلك بحيث لا يحتاج إلى حاكم ان يملكه العين التي يريد ان يرهنها منه ثم يشتريها منه بالمبلغ الذي يريد استدانته ثم يقول إن وفيتك الثمن إلى كذا وكذا وإلا فلا بيع بيننا فإن وفاه وإلا انفسخ البيع وعادت السلعة إلى ملكه وهذه حيلة حسنة مخلصة لغرضها من غير مفسدة ولا تضمن لتحريم ما احل الله ولا لتحليل ما حرم الله.
المثال الثالث والثلاثون: إذا كان عليه دين مؤجل فادعى به صاحبه وأقر به فالصحيح المقطوع به انه لا يؤاخذ به قبل أجله لانه انما اقر به على هذه الصفة فالزامه به على غير ما اقر به الزام بما لم يقر به وقال بعض اصحاب احمد والشافعي يكون مقرا بالحق مدعيا لتأجيله فيؤاخذ بما أقر به ولا تسمع منه دعواه الاجل الا ببينة وهذا في غاية الضعف فإنه إنما أقر به إقرارا مقيدا لا مطلقا فلا يجوز ان يلغى التقيد ويحكم عليه بحكم الاقرار المطلق كما لو قال: له على الف إلا خمسين أو له على الف من ثمن مبيع لم اقبضه أو له على الف من نقد كذا وكذا أو معاملة كذا وكذا فيلزمهم في هذا ونحوه ان يبطلوا هذه التقييدات كلها ويلزموه بالف كاملة من النقد الغالب ولا يقبل قوله إنها من ثمن مبيع لم أقبضه ومما يبين بطلان هذا القول ان إقرار المرء على نفسه شهادة منه على نفسه كما قال: تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} ولو شهد عليه شاهدان بالف مؤجلة لم يحكم عليها بها قبل الاجل اتفاقا فهكذا اذا اقر بها مؤجلة فالحيلة في خلاصه من الالزام بهذا القول الباطل ان يقول لا يلزمني توفية ما تدعي على أداءه إليك إلى مدة كذا وكذا ولا يزيد على هذا فإن الح عليه وقال لي عليك كذا ام ليس لي عليك شيء ولابد من ان يجيب بأحد الجوابين فالحيلة في خلاصه ان يقول إن ادعيتها مؤجلة فأنا مقر بها وان ادعيتها حالة فأنا منكر وكذلك لو كان قد قضاه الدين وخاف ان يقول كان له على وقضيته فيجعله الحاكم مقرا بالحق مدعيا لقضائه فالحيلة ان يقول ليس له على شيء ولا يلزمني اداء ما يدعيه فان الح عليه لم يكن له جواب غير هذا على ان القول الصحيح انه لا يكون مقرا بالحق مدعيا لقضائه بل منكرا الآن لثبوته في ذمته فكيف يلزم به؟
فإن قيل: لم يقر بثبوت سابق وادعى قضاء طارئا عليه.
قيل: لم يقر بثبوت مطلق بل بثبوت مقيد بقيد وهو الزمن الماضي ولم يقر بأنه ثابث الآن في ذمته فلا يجوز إلزامه به الآن استنادا إلى إقراره به في الزمن الماضي لانه غير منكر ثبوته في الماضي وإنما هو منكر لثبوته الآن فكيف يجعل مقرا بما هو منكر له وقياسهم هذا الاقرار على قوله له على الف لا يلزمني أو لا يثبت في ذمتي قياس باطل فإنه كلام متناقض لا يعقل وأما هذا فكلام معقول وصدقة فيه ممكن ولم يقر بشغل ذمته الآن بالمدعى به فلا يجوز شغل ذمته به بناء على إقراره بشغلها في الماضي وما نظير هذا إلا قول الزوج كنت طلقت امرأتي وراجعتها فهل يجعل بهذا الكلام مطلقا الآن وقول القائل كنت فيما مضى كافرا ثم أسلمت فهل يجعل بهذا الكلام كافرا الآن وقول القائل كنت عبدا فأعتقنى مولاى هل يجعل بهذا الكلام رقيقا فإن طردوا الحكم في هذا كله وطلقوا الزوج وكفروا المعترف بنعمة الله عليه وانه كان كافرا فهداه الله وامروه ان يجدد اسلامه وجعلوا هذا قنا قيل: لهم فاطردوا ذلك فيمن قال: كانت هذه الدار أو هذا البستان أو هذه الارض أو هذه الدابة لفلان ثم اشتريتها منه فأخرجوها من ملكه بهذا الكلام وقولوا قد أقر بها فلان ثم ادعى اشتراءها فيقبل إقراره ولا تقبل دعواه فمن جرت هذه الكلمة على لسانه وقال الواقع فأخرجوا ملكه من يده وكذلك إذا قالت المرأة كنت مزوجة بفلان ثم طلقني اجعلوها بمجرد هذا الكلام زوجته والكلام بآخره فلا يجوز ان يؤخذ منه بعضه ويلغى بعضه ويقال قد لزمك حكم ذلك البعض وليس علينا من بقية كلامك فإن هذا يرفع حكم الاستثناء والتقيدات جميعها وهذا لا يخفي فساده ثم ان هذا على اصل من لا يقبل الجواب الا على وفق الدعوى يحول بين الرجل وبين التخلص من ظلم المدعي ويلجئه إلى ان يقر له بما يتوصل به إلى الاضرار به وظلمه أو إلى ان يكذب بيانه انه اذا استدان منه ووفاه فإن قال: ليس له على شيء لم يقبلوا منه لانه لم يجب على نفي الدعوى وان قال: كنت استدنت منه ووفيته لم تسمعوا منه آخر كلامه وسمعتم منه اوله وان قال: لم استدن منه وكان كاذبا فقد الجأتموه إلى ان يظلم أو يكذب ولا بد فالحيلة لمن بلى بهذا القول ان يستعمل التورية ويحلف ما استدان منه وينوي ان تكون ما موصولة فإذا قال: والله اني ما استدنت منه أي اني الذي استدنت منه وينفعه تأويله بالاتفاق اذا كان مظلوما كما لا ينفعه اذا كان ظالما بالاتفاق.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:36 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 23 فبراير 2017, 9:54 pm | |
| المثال الرابع والثلاثون: اذا كان عليه دين فأعسر به فأدعى عليه به فإن انكره كان كاذبا وان اقر له به الزمه اياه وان جحده اقام به البينة فإن ادعى الاعسار بعد ذلك فإن المدعي قد ظهر للحاكم كذبه في جحده الحق فهكذا هو كاذب في دعوى الاعسار فالحيلة في تخليصه ان يقول لا يلزمني توفية ما يدعيه على ولا اداؤه فإن طالبه الحاكم بجواب يطابق السؤال فله ان يوري كما تقدم ويحلف على ذلك فإن خشى من اقامة البينة فهنا تعز عليه الحيلة ولم يبق له الا تحليف المدعي انه لا يعلم عجزه عن الوفاء أو عن اقامة البينة بإنه عاجز عن الوفاء فإن حلف المدعي ولم تقم له بينة بالعجز لم يبق له حيلة غير الصبر.
المثال الخامس والثلاثون: إذا تداعيا عينا هي في يد أحدهما فهي لصاحب اليد فإن اقام الآخر بينة حكم له ببينته فإن اقام كل واحد منهما بينة فقال الشافعي بينة صاحب اليد اولى لان البينتين قد تعارضتا وسلمت اليد عن معارض وقال الامام احمد في ظاهر مذهبه بينة الخارج اولى لان معها زيادة علم خفيت على بينة صاحب اليد فإنها تستند إلى ظاهر اليد وبينة الخارج تستند أيضا إلى سبب خفي على بينة الداخل فتكون اولى فالحيلة في تقديم بينة الخارج عند من يقدم بينة الداخل ان يدعى الخارج انه في يد الداخل غصبا أو عارية أو وديعة أو ببيع فاسد ثم تشهد البينة على وفق ما ادعاه فحينئذ تقدم بينة الخارج على الصحيح عندهم.
المثال السادس والثلاثون: الحيلة المخلصة من لدغ العقارب وذلك اذا اشتري الماكر المخادع من رجل دار أو بستانا أو سلعة واشهد عليه بالبيع ثم مضي إلى البيت أو الحانوت ليأتيه بالثمن فأقر بجميع ما في يده لولده أو لامرأته فلا يصل البائع إلى اخذ الثمن فالحيلة له ان يبيعه بحضرة الحاكم أو يمضي بعد البيع معه اليه ليثبت له التبايع ثم يسأله قبل مفارقته ان يحجر على المشتري في ماله ويقفه حتى يسلم اليه الثمن لئلا يتلف ماله أو يتبرع به فيتعذر عليه الوصول إلى حقه ويلزم الحاكم اجابته اذا خشى ذلك من المشتري لان فيه اعانة لصاحب الحق على التوصل إلى حقه فإن تعذرت عليه هذه الحيلة ولدغته العقرب وادعى الاعسار عند الجمهور سأل الحاكم الحجر عليه فإن فعل ذلك رجع عليه في عين ماله فإن كانت العقرب داهية بأن غير العين المبيعة أو ملكها لولده أو زوجته أو كان الحاكم لا يرى رجوع البائع في عين المبيع اذا افلس المشتري فالحيلة ان يتوصل إلى ابطال العقد بإقرار سابق على المبيع ان المبيع لولده أو لزوجته أو يرهنه أو يبيعه لمن يثق به ويقدم تاريخ ذلك على بيع العقرب وله ان يتوصل بهذه الحيلة وان كانت مكرا أو خداعا فإن المكر والخداع حسن اذا كان على وجه المقابلة لا على وجه الظلم كما قال: تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} وقال: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} وقال: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} واخبر تعالى انه كاد ليوسف في مقابلة كيد إخوته وقد تقدم ذلك.
المثال السابع والثلاثون: اذا تحيل المكار المخادع على سقوط نفقة القريب بالمماطلة وقال انها تسقط بمضى الزمان فلا يبقى دينا على فتركها آمنا من الزامه بها لما مضى فالحيلة للمنفق عليه ان يرفعه إلى الحاكم ليفرضها عليه ثم يستأذنه في الاستدانة عليه بقدرها فإذا فعل الزمه الحاكم بقضاء ما استدانه المنفق عليه فإن فرضها عليه ولم يستأذنه في الاستدانة ومضى الزمان فهل تستقر عليه بذلك فيه وجهان لاصحاب الشافعي والاكثرون منهم صرحوا بسقوطها مطلقا فرضت أو لم تفرض ومنهم من قال: ان فرضت لم تسقط فإن لم يمكنه الرفع إلى الحاكم فليقل له اشفع لى إلى فلان لينفق على أو يعطيني ما احتاج اليه فإذا فعل فقد لزم الشافع لان ذلك حق اداه إلى المشفوع عنده عن الشفيع بإذنه فإن انفق عليه الغير بغير اذنه ناويا للرجوع فله الرجوع في اصح المذهبين وهو مذهب مالك واحمد في احدى الروايتين وهكذا كل من ادى عن غيره واجبا بغير اذنه بشرط ان يكون واجبا على المنصوص من مذهب مالك واحمد فإن احمد نص في رواية الجوزجاني على رجوع من عمر قناة غيره بغير اذنه وهو مذهب مالك ولو ان القريب استدان وانفق على نفسه ثم احال بالدين على من تلزمه نفقته لزمه ان يقوم له به لانه احال على من له عليه حق ولا يقال قد سقطت بمضى الزمان فلم تصادف الحوالة محلا لانها انما تسقط بمضى الزمان اذا لم يكن المنفق عليه قد استدان على المنفق بل تبرع له غيره أو تكلف أو صبر فإما اذا استدان عليه بقدر نفقته الواجبة عليه فهنا لا وجه لسقوطها وان كان الاصحاب وغيرهم قد اطلقوا السقوط فتعليلهم يدل على ما قلناه فتأمله.
المثال الثامن والثلاثون: اذا استنبط في ملكه أو ارض استأجرها عين ماء ملكه ولم يملك بيعه لمن يسوقه إلى ارضه أو يسقي به بهائمه بل يكون اولى به من كل احد وما فضل منه لزمه بذله لبهائم غيره وزرعه فالحيلة على جواز المعاوضة ان يبيعه نصف العين أو ثلثها أو يؤجره ذلك فيكون الماء بينه وبينه على حسب ذلك ويدخل الماء تبعا لملك العين أو منفعتها ولا تدخل هذه الحيلة تحت النهى عن بيع الماء فإنه لم يبعه وانما باع العين ودخل الماء تبعا والشيء قد يستتبع مالا يجوز ان يفرد وحده.
المثال التاسع والثلاثون: اذا باع عبده من رجل وله غرض ان لايكون الا عنده أو عند بائعه فالحيلة في ذلك ان يشهد عليه انه ان باعه فهو احق به بالثمن وهذا يجوز على نص احمد وهو قول عبد الله بن مسعود ولا محذور في ذلك وقول المانعين انه يخالف مقتضى العقد فنعم يخالف مقتضى العقد المطلق وجميع الشروط اللازمة تخالف مقتضى العقد المطلق ولا تخالف مقتضى العقد المقيد بل هي مقتضاه فإن لم تسعد معه هذه الحيلة فله حيلة اخرى وهي ان يقول له في مدة الخيار اما ان تقول متى بعته فهو حر والا فسخت البيع فإذا قال: ذلك فمتى باعه عتق عليه بمجرد الايجاب قبل قبول المشتري على ظاهر المذهب فإن الذي علق عليه العتق هو الذي يملكه البائع وهو الايجاب وذلك بيع حقيقة ولهذا يقال بعته العبد فاشتراه فكما ان الشراء هو قبول المشتري فكذلك البيع هو ايجاب البائع ولهذا يقال البائع والمشتري قال الشاعر: وإذا تباع كريمة أو تشترى… فسواك بائعها وانت المشتري
هذا منصوص احمد فإن لم تسعد معه هذه الحيلة فليقل له في مدة الخيار إما ان تقول متى بعتك فأنت حر قبله بساعة واما ان افسخ فمتى قال: ذلك لم يمكنه بيعه ألبتة.
المثال الاربعون: إذا كان للموكل عند وكيله شهادة تتعلق بما هو وكيله فيه لم تقبل فإن اراد قبولها فليعزله أو ليعزل نفسه قبل الخصومة ثم يقيم الشهادة فإذا تمت عاد توكله به وليس في هذه الحيلة محذور فلا تكون محرمة.
المثال الحادي والاربعون: اذا توضأ ولبس إحدى خفيه قبل غسل رجله الاخرى ثم غسل رجله الاخرى وادخلها في الخف جاز له المسح على أصح القولين وفيه قول آخر انه لا يجوز لانه لم يلبس الاولى على طهارة كاملة فالحيلة في جواز المسح ان ينزع خف الرجل الاولى ثم يلبسه وهذا نوع عبث لاغرض للشارع فيه ولا مصلحة للمكلف فالشرع لا يأمره به.
المثال الثاني والاربعون: إذا استحلف على شيء فاحب ان يحلف ولا يحنث فالحيلة ان يحرك لسانه بقول إن شاء الله وهل يشترط ان يسمعها نفسه فقيل لا بد ان يسمع نفسه وقال شيخنا هذا لا دليل عليه بل متى حرك لسانه بذلك كان متكلما وان لم يسمع نفسه وهكذا حكم الاقوال الواجبة والقراءة الواجبة قلت وكان بعض السلف يطبق شفتيه ويحرك لسانه بلا إله إلا الله ذاكرا وإن لم يسمع نفسه فإنه لاحظ للشفتين في حروف هذه الكلمة بل كلها حلقية لسانية فيمكن الذاكر ان يحرك لسانه بها ولا يسمع نفسه ولا أحدا من الناس ولا تراه العين يتكلم وهكذا التكلم بقول إن شاء الله يمكن مع إطباق الفم فلا يسمعه احد ولا يراه وإن اطبق اسنانه وفتح شفتيه أدنى شيء سمعته أذناه بجملته.
المثال الثالث والاربعون: إذا لا عن امرأته وانتفى من ولدها ثم قتل الولد لزمه القصاص وكذلك إن قتلها فلولدها القصاص إذا بلغ فان اراد إسقاط القصاص عن نفسه فالحيلة ان يكذب نفسه ويقر بأنه ابنه فيسقط القصاص في الموضعين وفي جواز هذه الحيلة نظر.
المثال الرابع والاربعون: إذا كان له عليه حق وقد أبراه ولا بينة له بالابراء ثم عاد فادعاه فإن قال: قد أبراني منه لم يكن مقرا به كما لو قال: كان له على وقضيته وعلى القول الآخر يكون مقرا به مدعيا للابراء فيكلف البينة فالحيلة على التخلص ان يقول قد أبرأتني من هذه الدعوى فإذا قال: ذلك لم يكن مقرا بالمدعى به فإذا سأل إحلاف خصمه انه لم يبرئه من الدعوى ملك ذلك فإن لم يحلف صرفهما الحاكم وإن حلف طولب بالجواب ولا يسمع منه بعد ذلك انه ابرأه من الدعوى فإن قال: أبرأتني من الحق ففيه الخلاف المذكور وإن قال: لا شيء عندي اكتفى منه بهذا الجواب عند الجمهور فإن طالبه الحاكم بالجواب على وفق الدعوى فالحيلة ان يجيب ويورى كما تقدم.
المثال الخامس والاربعون: إذا خاف المضارب ان يسترجع رب المال منه المال فقال قد ربحت الفا لم يكن له الاسترجاع لانه قد صار شريكا فإن قال: ذلك حيلة ولم يربح فقال بعد ذلك كذبت لم يسمع منه فالحيلة في تخلصه ان يدعى خسارتها بعد ذلك أو تلفها فيقبل قوله مع يمينه.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:37 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 23 فبراير 2017, 9:58 pm | |
| المثال السادس والاربعون: إذا وقف وقفا وجعل النظر فيه لنفسه مدة حياته ثم من بعده لغيره صح ذلك عند الجمهور وهو اتفاق من الصحابة فإن عمر رضى الله عنه كان يلى صدقته وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم لما أشار على عمر بوقف أرضه لم يقل له لا يصح ذلك حتى تخرجها عن يدك ولا تلى نظرها واي غرض للشارع في ذلك واي مصلحة للواقف أو الموقوف عليه بل المصلحة خلاف ذلك لانه اخبر بماله واقوم بعمارته ومصالحه وحفظه من الغريب الذي ليست خبرته وشفقته كخبرة صاحبه وشفقته ويكفى في صحة الوقف إخراجه عن ملكه وثبوت نظره ويده عليه كثبوت نظر الاجنبي ويده ولا سيما ان كان متبرعا فأي مصلحة في ان يقال له لا يصح وقفك حتى تجعله في يد من لست على ثقة من حفظه والقيام بمصالحه وإخراج نظرك عنه.
فان قيل: اخراجه لله يقتضى رفع يده عنه بالكلية كالعتق.
قيل: بالعتق خرج العبد عن ان يكون مالا وصار محررا محضا فلا تثبت عليه يد أحد وأما الوقف فإنه لابد من ثبوت اليد عليه لحفظه والقيام بمصالحه واحق ما يثبت عليه يد اشفق الناس عليه واقومهم بمصالحه وثبوت يده ونظره لا ينافى وقفه لله فإنه وقفه لله وجعل نظره عليه ويده لله فكلاهما قربة وطاعة فكيف يحرم ثواب هذه القربة ويقال له لا يصح لك قربة الوقف إلا بحرمان قربة النظر والقيام بمصالح الوقف فأي نص واي قياس واي مصلحة واي غرض للشارع اوجب ذلك بل أي صاحب قال: ذلك فإن احتاج الواقف إلى ذلك في موضع لا يحكم فيه الا بقول من يبطل الوقف اذا لم يخرجه عن يده واذا شرط النظر بنفسه فالحيلة في ذلك ان يفوض النظر إلى من يثق به ويجعل اليه تفويض النظر لمن شاء فيقبل الناظر ذلك ويصح الوقف ويلزم ثم يفوضه الناظر اليه فإنه قد صار اجنبيا بمنزلة سائر الناس فهذه حيلة صحيحة يتوصل بها إلى حق فهي جائزة وكذلك لو جعل النظر فيه للحاكم ثم فوضه الحاكم اليه فإن خاف ان لا يفوضه الحاكم اليه فليملكه لمن يثق به ويقفه ذلك على ما يريد المملك ويشترط ان يكون نظره له وان يكون تحت يده.
المثال السابع والاربعون: اذا وقف على نفسه ثم على غيره صح في احدى الروايتين عن الامام احمد وهو قول أبي يوسف وعليه عمل الحنفية وقول بعض الشافعية وممن اختاره ابو عبد الله الزبيري وعند الفقهاء الثلاثة لا يصح.
والمانعون من صحته قالوا:
يمتنع كون الانسان معطيا من نفسه لنفسه ولهذا لا يصح ان يبيع نفسه ولا يهب نفسه ولا يؤجر ماله من نفسه فكذا لا يصح وقفه على نفسه.
قال المجوزون:
الوقف شبيه العتق والتحرير من حيث انه يمتنع نقل الملك في رقبته ولهذا لا يفتقر إلى قبول اذا كان على غير معين اتفاقا ولا اذا كان على معين على احد القولين واشبه شيء به ام الولد واذا كان مثل التحرير لم يكن الواقف مملكا لنفسه بل يكون مخرجا للملك عن نفسه ومانعا لها من التصرف في رقبته مع انتفاعه بالعين كأم الولد وهذا اذا قلنا بانتقال رقبة الوقف إلى الله تعالى ظاهر فإن الواقف اخرج رقبة الوقف لله وجعل نفسه احد المستحقين للمنفعة مدة حياته فإن لم يكن اولى من البطون المرتبة فلا يكون دون بعضهم فهذا محض القياس وان قلنا الوقف ينتقل إلى الموقوف عليهم بطنا بعد بطن يتلقونه من الواقف فالطبقة الاولى احد الموقوف عليهم ومعلوم ان احد الشريكين اذا اشترى لنفسه أو باع من الشركة جاز على المختار لاختلاف حكم الملكين فلأن يجوز ان ينقل ملكه المختص إلى طبقات موقوف عليها هو احدها اولى لانه في كلا الموضعين نقل ملكه المختص إلى ملك مشترك له فيه نصيب بل في الشركة الملك الثاني من جنس الاول يملك به التصرف في الرقبة وفي الوقف ليس من جنسه فيكون اولى بالجواز.
يؤيده انه لو وقف على جهة عامة جاز ان يكون كواحد من تلك الجهة كما وقف عثمان بئر رومة وجعل دلوه فيها كدلاء المسلمين وكما يصلي المرء في المسجد الذي وقفه ويشرب من السقاية التي وقفها ويدفن في المقبرة التي سبلها أو يمر في الطريق التي فتحها وينتفع بالكتاب الذي وقفه ويجلس على البساط والحصير اللذين وقفهما وامثال ذلك فإذا جاز للواقف ان يكون موقوفا عليه في الجهة العامة جاز مثله في الجهة الخاصة لا تفاقهما في المعنى بل الجواز هنا اولى من حيث انه موقوف عليه بالتعيين وهناك دخل في الوقف بشمول له الاسم.
وتقليد هذا القول خير من الحيلة الباردة التي يملك الرجل فيها ماله لمن لا تطيب له نفسه ان يعطيه درهما ثم يقفه ذلك المملك على المملك فإن هذه الحيلة تضمنت امرين احدهما لا حقيقة له وهو انتقال الملك إلى الملك والثاني اشتراطه عليه ان يقف على هذا الوجه أو اذنه له فيه وهذا في المعنى توكيل له في الوقف كما ان اشتراطه حجر عليه في التصرف بغير الوقف فصار وجود هذا التمليك وعدمه سواء لم يملكه المملك ولا يمكنه وجود التصرف فيه ولو مات قبل وقفه لم يحل لورثته اخذه ولو انه اخذه ولم يقفه على صاحبه ولم يرده اليه عد ظالما غاصبا ولو تصرف فيه صاحبه بعد هذا التمليك لكان تصرفه فيه نافذا كنفوذه قبله هذا فيما بينه وبين الله تعالى وكذلك في الحكم ان قامت بينة بأنهما تواطئا على ذلك وانه انما وهبه اياه بشرط ان يقفه عليه أو اقر له بذلك.
فإن قيل: فهل عندكم احسن من هذه الحيلة؟
قيل: نعم ان يقفه على الجهات التي يريد ويستثنى غلته ومنفعته لنفسه مدة حياته أو مدة معلومة وهذا جائز بالسنة الصحيحة والقياس الصحيح وهو مذهب فقهاء اهل الحديث فإنهم يجوزون ان يبيع الرجل الشيء أو يهبه أو يعتق العبد ويستثنى بعض منفعة ذلك مدة ويجوزون ان يقف الشيء على غيره ويستثنى بعض منفعته مدة معلومة أو إلى حين موته ويستدلون بحديث جابر وبحديث عتق ام سلمة سفينة وبحديث عتق صفية وبآثار صحاح كثيرة عن الصحابة لم يعلم فيهم من خالفها ولهذا القول قوة القياس.
فإن قيل: فلو عدل إلى الحيلة الاولى فما حكمها في نفس الامر وما حكم الموقوف عليه اذا علم بالحال هل يطيب له تناول الوقف ام لا؟
قيل: لا يمنع ذلك صحة الوقف ونفوذه ويطيب للموقوف عليه تناول الوقف فإن المقصود صحيح شرعي وان كانت الطريق اليه غير مشروعة وهذا كما اذا اعتق العبد أو طلق المرأة وجحد ذلك فأقام العبد أو المرأة شاهدين لم يعلما ذلك فشهدا به وسع العبد ان يتصرف لنفسه والمرأة ان تتزوج وفقه المسألة ان هذا الاذن والتوكيل في الوقف وان حصل في ضمن عقد فاسد فإنه لا يفسد بفساد العقد كما لو فسدت الشركة أو المضاربة لم يفسد تصرف الشريك والعامل لما تضمنه العقد الفاسد من الاذن بل هذا اولى من وجهين احدهما ان الاتفاق يلزمهما قبل التمليك اذن صحيح ووكالة صحيحة في الباطن لم يرد بعدها ما ينافيها وايضا فإنما بطل عقد الهبة لكونه شرط على الموهوب له ان لا يتصرف فيه الا بالوقف على الواهب ومعلوم ان التصرف في العين لا يتوقف على الملك بل يصح بالوكالة وبطريق الولاية فلا يلزم من ابطال الملك بطلان الاذن الذي تضمنه الشرط لان الاذن مستند غير الملك.
فإن قيل: فإذا بطل الملك ينبغي ان يبطل التصرف الذي هو من توابعه.
قيل: لا يلزم ذلك لان التصرف في مثل هذه الصورة ليس من توابع الملك الحقيقي وانما هو من توابع الاذن والتوكيل يوضحه ان هذه الحيل التي لا حقيقة لها يجب ان تسلب الاسماء التي اعيرتها وتعطى الاسماء الحقيقية كما سلب منها ما يسمى بيعا ونكاحا وهدية هذه الاسماء واعطى اسم الربا والسفاح والرشوة فكذلك هذه الهبة تسلب اسم الهبة وتسمى اذنا وتوكيلا ولا سيما فإن صحة الوكالة لا يتوقف على لفظ مخصوص بل تصح بكل لفظ يدل على الوكالة فهذه الحيلة في الحقيقة توكيل للغير في ان يقف علىالموكل فمن اعتقد صحة وقف الانسان على نفسه اعتقد جواز هذا الوقف ومن اعتقد بطلانه وبطلان الحيل المفضية إلى الباطل فأنه عنده يكون منقطع الابتداء وفيه من الخلاف ما هو مشهور فمن ابطله راى ان الطبقة الثانية ومن بعدها تبع للأولى فإذا لم يصح في المتبوع ففي التابع اولى ان لا يصح ولأن الواقف لم يرض به اذ لابد في صحة التصرف من رضا فلا يجوز ان يلزم بما لم يرض به اذ لابد في صحة التصرف من رضا المتصرف وموافقة الشرع فعلى هذا هو باق على ملك الواقف فإذا مات فهل يصح الوقف حينئذ يحتمل وجهين ويكون مأخذهما ذلك كما لو قال: هو وقف بعد موتي فيصح أو انه وقف معلق على شرط وفيه وجهان.
فإن قيل: بصحته كان من الثلث وفي الزائد يقف على اجازة الورثة وان قيل: ببطلانه كان ميراثا ومن رأى صحته.
قال: قد امكن تصحيح تصرف العاقل الرشيد بأن يصحح الوقف ويصرفه في الحال إلى جهته التي يصح الوقف عليها وتلغي الجهة التي لا تصح فتجعل كالمعدومة وقيل على هذا القول بل تصرف مصرف الوقف المنقطع فإذا مات الواقف صرف مصرف الجهة الصحيحة.
فإن قيل: فما تقولون لو سلك حيلة غير هذا كله واسهل منه واقرب وهي ان يقرأن ما في يده من العقار وقف عليه انتقل اليه من جائز الملك جائز الوقف ثم بعده على كذا وكذا فما حكم هذه الحيلة في الباطن وحكم من علم بها من الموقوف عليهم.
قيل: هذه الحيلة إنما قصد المتكلم بها إنشاء الوقف وان أظهر انه قصد بها الاخبار فهى انشاء في الباطن اخبار في الظاهر فهى كمن اقر بطلاق أو عتاق ينوى به الانشاء والوقف ينعقد بالصريح والكناية مع النية وبالفعل مع النية عند الاكثرين واذا كان مقصوده الوقف على نفسه وتكلم بقوله هذا وقف على وميزه بفعله عن ملكه صار وقفا فإن الاقرار يصح ان يكون كناية عن الانشاء مع النية فإذا قصده به صح كما ان لفظ الانشاء يجوز ان يقصد به الاخبار وإذا اراد به الاخبار دين فكل من الامرين صالح لاستعماله في الاخر فقد يقصد بالاقرار الاخبار عما مضى وقد يقصد به الانشاء وانما ذكر بصيغة الاخبار لغرض من الاغراض.
يوضح ذلك ان صيغ العقود قد قيل: هي انشاءات وقيل إخبارات والتحقيق انها متضمنه للأمرين فهى إخبار عن المعاني التي في القلب وقصد تلك المعاني انشاء فاللفظ خبر والمعنى إنشاء فإذا أخبر ان هذا وقف عليه وهو يعلم ان غيره لم يقفه عليه وانما مقصوده ان يصير وقفا بهذا الاخبار فقد اجتمع لفظ الاخبار وإرادة الانشاء فلو كان اخبر عن هذه الارداة لم يكن هناك ريب انه أنشأ الوقف لكن لما كان لفظه إخبارا عن غير ما عناه والذي عناه لم ينشيء له لفظا صارت المسألة ونشأت الشبهة ولكن هذه النية مع هذا اللفظ الصالح للكناية مع الفعل الدال على الوقف يقوم مقام التكلم باللفظ الذي ينشأ به الوقف والله أعلم.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:38 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الرابع الخميس 23 فبراير 2017, 10:02 pm | |
| المثال الثامن والاربعون: لو باع غيره دارا أو عبدا أو سلعة واستثنى منفعة المبيع مدة معلومة جاز كما دلت عليه النصوص والاثار والمصلحة والقياس الصحيح فإن خاف ان يرفعه إلى حاكم يرى بطلان هذا الشرط فيبطله عليه فالحيلة في تخليصه من ذلك ان يواطئه قبل البيع على ان يؤجره إياه تلك المدة بمبلغ معين ويقر بقبض الاجرة ثم يبيعه إياه ثم يستأجره كما اتفقا عليه ويقر له بقبض الاجرة وهذه حيلة صحيحة جائزة لا تتضمن تحليل حرام ولا تحريم حلال.
المثال التاسع والاربعون: المطلقة البائنة لا نفقة لها ولا سكنى بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة الصريحة التي لا معارض لها بل هي موافقة لكتاب الله وهي مقتضى القياس وهي مذهب فقهاء اهل الحديث فإن خاف المطلق ان ترفعه إلى حاكم يرى وجوب النفقة والسكنى أو السكنى وحدها فالحيلة في تخليصه ان يعلق طلاقها على البراءة الصحيحة من ذلك فيقول إن صحت براءتك لى من النفقة والسكنى أو من دعوى ذلك فأنت طالق فلا يمكنها بعد ذلك ان تدعى بهما ألبتة وله حيلة اخرى وهي ان يخالعها على نظير ما يعلم انه يفرض عليه للنفقة والسكنى أو اكثر منه فإذا ادعت بذلك وفرضه عليه الحاكم صار لها عليه مثل الذي له عليها فإما ان يأخذ منها ويعطيها واما ان يتقاصَّا.
المثال الخمسون: إذا اشترى سلعة من رجل غريب فخاف ان يستحق أو تظهر معيبة ولا يعرفه فالحيلة ان يقيم له وكيلا يخاصمه ان ظهر ذلك فإن خاف ان يعزل البائع الوكيل فالحيلة ان يشتريها من الوكيل نفسه ويضمنه درك المبيع.
المثال الحادي والخمسون: إذا دفع اليه مالا يشترى به متاعا من بلد غير بلده فاشتراه واراد تسليمه اليه وإقامته في تلك البلدة فان اودعه غيره ضمن لانه لم يأذن له ربه وان وكل غيره في دفعه اليه ضمن أيضا وان استاجر من يوصله اليه ضمن لانه لم يكن يامن غيره عليه فالحيلة في ايصاله إلى ربه ان يشهد عليه قبل الشراء أو بعده ان يعمل في المال برأيه وان يوكل فيه أو ان يودع اذا راى المصلحة في ذلك كله فإن أبى ذلك الموكل وقال لا يوافيني به غيرك فقد ضاقت عليه الحيلة فليخرج نفسه من الوكالة فتصير يده يد مودع فلا يلزمه مؤنة رد الوديعة بل مؤنة ردها على صاحبها فإن احب اخذ ماله ارسل من يأخذه أو جاء هو في طلبه.
فإن قيل: فلو لم يعزل نفسه كان مؤنة الرد عليه؟
قيل: لما دخل معه في عقد الوكالة فقد التزم له ان يسلم اليه المال فيلزمه ما التزم به فإذا اخرج نفسه من الوكالة بقى كالمودع المحض فإن كان وكيلا يجعل فهو كالاجير فمؤنة الرد عليه ولا يملك اخراج نفسه من الوكالة قبل توفية العمل كالاجير.
المثال الثاني والخمسون: اذا اراد الذمى ان يسلم وعنده خمر فخاف ان اسلم يجب عليه إراقتها ولا يجوز له بيعها فالحيلة ان يبيعها من ذمى آخر بثمن معين أو في ذمته ثم يسلم ويتقاضاه الثمن ولا حرج عليه في ذلك فإن تحريمها عليه بالاسلام كتحريمها بالكتاب بعد ان لم تكن حراما وفي الحديث ان الله يعرض بالخمر فمن كان عنده منها شيء فليبعه.
فان قيل: فلو اسلم من اشتراها ولم يؤد ثمنها هل يسقط عنه.
قيل: لا يسقط لثبوته في ذمته قبل الاسلام. فإن قيل: فلو اسلم اليه في خمر ثم أسلما أو احدهما.
قيل: ينفسخ العقد ويرد اليه رأس ماله> فان قيل: فلو اراد ان يشتري خمرا ثم عزم على الاسلام وخاف ان يلزمه بثمنها فهل له حيلة في التخلص من ذلك
قيل: الحلة ان لا يملكها بالشراء بل بالقرض فإذا اقترضها منه ثم اسلما أو احدهما لم يجب عليه رد بدل القرض فإن موجب القرض رد المثل وقد تعذر بالاسلام
المثال الثالث والخمسون: اذا اشترى دارا أو ارضا وقد وقعت الحدود وصرفت الطرق بينه وبين جاره فلا شفعة فيها وان كانت الحدود لم تقع ولم تصرف الطرق بل طريقها واحدة ففيها الشفعة هذا الاقوال في شفعة الجوار وهو مذهب أهل البصرة واحد الوجهين في مذهب الامام احمد واختاره شيخ الاسلام وغيره فان خاف المشترى ان يرفعه الجار إلى حاكم يرى الشفعة وان صرفت الطرق فله التحيل على ابطالها بضروب من الحيل احدها ان يشتريها منه بألف دينار ويكاتبه على ذلك ثم يعطيه عوض كل دينار درهمين أو نحو ذلك وثانيها ان يهب منه الدار والارض ثم يهبه ثمنها وثالثها ان يقول المشتري للشفيع ان شئت بعتكها بما اشتريتها به أو باقل من ذلك أو اصبر عليك بالثمن فيجيبه إلى ذلك فتسقط شفعته ورابعها ان يتصادق البائع والمشتري على شرط أو صفة تفسد البيع كأجل مجهول أو خيار مجهول أو إكراه أو تلجئة ونحو ذلك ثم يقرها البائع في يد المشترى ولا يكون للشفيع سبيل عليها وخامسها ان يشترط الخيار مدة طويلة فإن صح لم يكن له ان يأخذ قبل انقضائه وان بطل لم يكن له ان ياخذ ببيع فاسد وسادسها ان يهب له تسعة اعشار الدار أو الارض ويبيعه العشر الباقي بجميع الثمن وسابعها ان يوكل الشفيع في بيع داره أو ارضه فيقبل الوكالة فيبيع أو يوكله المشتري في الشراء له وثامنها ان يزن له الثمن الذي اتفقا عليه سرا ثم يجعله صبرة غير معلومة ويبيعه الدار وتاسعها ان يقر البائع بسهم من الف سهم للمشتري فيصير شريكه ثم يبيعه باقي الدار فلا يجد جاره اليها سبيلا لان حق الشريك مقدم على حق الجار وعاشرها ان يتصدق عليه ببيت من الدار ثم يبيعه باقيها بجميع الثمن فيصير شريكا فلا شفعة لجاره وحادى عشرها ان يأمر غريبا أو مسافرا بشرائها فاذا فعل دفعها اليه ثم وكله بحفظها ثم يشهد على الدفع اليه وتوكيله حتى لا يخاصمه الشفيع وثاني عشرها ان يجيء المشتري إلى الجار قبل البيع فيشترى منه داره ويرغبه في الثمن اضعاف ما تساوي ويشترط الخيار لنفسه ثلاثة ايام ثم في مدة الخيار يمضي ويشترى تلك الدار التي يريد شراءها فإذا تم العقد بينهما فسخ البيع الاول ولا يستحق جاره عليه شفعة لانه حين البيع لم يكن جارا وانما طرأ له الجوار بعد البيع وثالث عشرها ان يؤجر المشتري لبائع الدار عبده أو ثوبه شهرا بسهم من الدار فيصير شريكه ثم بعد يومين أو ثلاثة يشترى منه بقيتها فلا يكون لجاره عليه سبيل ورابع عشرها ان يشتريها بثمن مؤجل اضعاف ما تساوي فإن الجار لا يأخذها بذلك الثمن فإذا رغب صالحه من ذلك الثمن على ما يساويه حالا من غير جنسه.
فإن قيل: فأنتم قد بالغتم في الانكار على من احتال ببعض هذه الوجوه على اسقاط الشفعة وذكرتم تلك الاثار فنكيل لكم بالكيل الذي كلتم به لنا.
قلنا: لا سواء نحن وانتم في ذلك فإنا ذكرنا هذه الوجوه تحيلا على إبطال ما أبطله رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة فلما ابطل الشفعة تحيلنا على تنفيذ حكمه وامره بكل طريق فكنا فى هذه الحيل منفذين لامره واما انتم فأبطلتم بها ما اثبته بحكمه وقضائه بالشفعة فيما لم يقسم وانه لا يحل له ان يبيع حتى يؤذن شريكه فإذا حرم عليه البيع قبل استئذانه فما الظن بالتحيل على اسقاط شفعته فتوصلتم انتم بهذه الحيل إلى اسقاط ما اثبته وتوصلنا نحن بها إلى اسقاط ما اسقطه وابطله فأى الفريقين احق بالصواب واتبع لمقصود الرسول صلى الله عليه وسلم والله المستعان.
المثال الرابع والخمسون: يصح تعليق الوكالة بالشرط كما يصح تعليق الولاية بالشرط كما صحت به السنة بل تعليق الوكالة اولى بالجواز فإن الولي وكيل وكالة عامة فانه انما يتصرف نيابة عن المولى فوكالته اعم من وكالة الوكيل في الشيء المعين فإذا صح تعليقها فتعليق الوكالة الخاصة اولى بالصحة وقال الشافعي لاتصح فإذا دعت الحاجة إلى ذلك فالحيلة في جوازه ان يوكله مطلقا ثم يعلق التصرف على شرط فيصح ولا يظهر فرق فقهى بين امتناع هذا وجواز هذا والمقصود من التوكيل التصرف والتوكيل وسيلة اليه فاذا صح تعليق الغاية فتعليق الوسيلة اولى بالصحة.
المثال الخامس والخمسون: اذا رفع إلى الامام وادعى عليه زنى فخاف ان انكر ان تقوم عليه البينة فيحد فالحيلة في ابطال شهادتهم انه يقر اذا سئل مرة واحدة ولايزيد عليها فلا تسمع البينة مع الاقرار وليس للحاكم ولا للامام ان يقرره تمام النصاب بل اذا سكت لم يتعرض له فإن كان الامام ممن يرى وجوب الحد بالمرة الواحدة فالحيلة ان يرجع عن اقراره فيسقط عند الحد فاذا خاف من اقامة البينة عليه اقر أيضا ثم رجع وهكذا ابدا وهذه الحيلة جائزة فانه يجوز له دفع الحد عن نفسه وان يخلد إلى التوبة كما قال: النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة لما فر ماعز من الحد هلا تركتموه يتوب فيتوب الله عليه فإذا فر من الحد إلى التوبة فقد أحسن.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:38 pm عدل 1 مرات |
|
| |
| المجلد الرابع | |
|