| المجلد الخامس | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: المجلد الخامس الإثنين 24 أبريل 2017, 10:22 pm | |
| المجلد الخامس وجوب اتباع الصحابة والتابعين -------------------- وجوب اتباع الصحابة والتابعين في جواز الفتوى بالاثار السلفية والفتاوي الصحابية وإنها اولى بالاخذبها من آراء المتأخرين وفتاويهم وأن قربها الى الصواب بحسب قرب اهلها من عصر الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأن فتاوي الصحابة أولى أن يؤخذ بها من فتاوي التابعين وفتاوي التابعين أولى من فتاوي تابعي التابعين وهلم جرا وكما كان العهد بالرسول اقرب كان الصواب اغلب وهذا حكم بحسب الجنس لا بحسب كل فرد فرد من المسائل كما ان عصر التابعين وإن كان افضل من عصر تابعيهم فإنما هو بحسب الجنس لا بحسب كل شخص شخص ولكن المفضلون في العصر المتقدم اكثر من المفضلين في العصر المتأخر وهكذا الصواب في أقوالهم اكثر من الصواب في أقوال من بعدهم فإن التفاوت بين علوم المتقدمين والمتأخرين كالتفاوت الذي بينهم في الفضل والدين ولعله لا يسع المفتى والحاكم عند الله ان يفتى ويحكم بقول فلان وفلان من المتأخرين من مقلدي الائمة ويأخذ برأيه وترجيحه ويترك الفتوى والحكم بقول البخاري واسحاق بن راهويه وعلي بن المديني ومحمد بن نصر المروزي وأمثالهم بل يترك قول ابن المبارك والاوزاعي وسفيان بن عيينة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة وأمثالهم بل لا يلتفت الى قول ابن أبي ذئب والزهري والليث بن سعد وأمثالهم بل لا يعد قول سعيد بن المسيب والحسن والقاسم وسالم وعطاء وطاوس وجابر بن زيد وشريح وأبي وائل وجعفر بن محمد واضرابهم مما يسوغ الاخذ به بل يرى تقديم قول المتأخرين من أتباع من قلده على فتوى ابي بكر الصديق وعمر وعثمان وعلى وابن مسعود وأبي بن كعب وابي الدرداء وزيد بن ثابت وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبادة بن الصامت وابي موسى الاشعري وأضرابهم فلا يدري ما عذره غدا عند الله إذا سوى بين أقوال أولئك وفتاويهم واقوال هؤلاء وفتاويهم فكيف إذا رجحها عليها فكيف اذا عين الاخذ بها حكما وإفتاء ومنع الاخذ بقول الصابة واستجاز عقوبة من خالف المتاحرين لها وشهد عليه بالبدعة والضلالة ومخالفة اهل العلم وانه يكيد الاسلام تالله لقد أخذ بالمثل المشهور رمتنى بدائها وانسلت وسمى ورثة الرسول باسمه هو وكساهم اثوابه ورماهم بدائه وكثير من هؤلاء يصرخ ويصيح ويقول ويعلن انه يجب على الامة كلهم الاخذ بقول من قلدناه ديننا ولا يجوز الاخذ بقول ابي بكر وعمر وعثمان وعلى وغيرهم من الصحابة وهذا كلام من أخذ به وتقلده ولاه الله ما تولى ويجزيه عليه يوم القيامة الجزاء الأوفى والذي ندين الله به ضد هذا القول والرد عليه فنقول:
اختلاف الصحابيين: إذا قال الصحابي قولا فإما أن يخالفه صحابي آخر أولا يخالفه فإن خالفه مثله لم يكن قول احدهما حجة على الاخر وإن خالفه أعلم منه كما اذا خالف الخلفاء الراشدون أوبعضهم غيرهم من الصحابة في حكم فهل يكون الشق الذي فيه الخلفاء الراشدون أوبعضهم حجة على الاخرين فيه قولان للعلماء وهما روايتان عن الامام احمد والصحيح ان الشق الذي فيه الخلفاء أوبعضهم أرجح وأولى ان يؤخذ به من الشق الاخر فإن كان الاربعة في شق فلا شك انه الصواب وإن كان أكثرهم في شق فالصواب فيه أغلب وإن كانوا اثنين واثنين فشق ابي بكر وعمر أقرب الى الصواب فإن اختلف ابو بكر وعمر فالصواب مع ابي بكر وهذه جملة لا يعرف تفصيلها إلا من له خبرة واطلاع على ما اختلف فيه الصحابة وعلى الراجح من أقوالهم ويكفى في ذلك معرفة رجحان قول الصديق في الجد والاخوة وكون الطلاق الثلاث بفم واحد مرة واحدة وإن تلفظ فيه بالثلاث وجواز بيع أمهات الاولاد وإذا نظر العالم المنصف في أدلة هذه المسائل من الجانبين تبين له ان جانب الصديق ارجح وقد تقدم بعض ذلك في مسالة الجد والطلاق الثلاث بفم واحد ولا يحفظ للصديق خلاف نص واحد ابدا ولا يحفظ له فتوى ولا حكم مأخذها ضعيف ابدا وهو تحقيق لكون خلافته خلافة نبوه.
فصل: اتفاق الصحابيين. وإن لم يخالف الصحابي صحابيا آخر فإما أن يشتهر قوله في الصحابة أولا يشتهر فإن اشتهر فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء انه إجماع وحجة وقالت طائفة منهم هو حجة وليس بإجماع وقالت شرذمة من المتكلمين وبعض الفقهاء المتأخرين لا يكون إجماعا ولا حجة وإن لم يشتهر قوله أولم يعلم هل اشتهر ام لا فاختلف الناس هل يكون حجة ام لا فالذي عليه جمهور الامة انه حجة هذا قول جمهور الحنفية صرح به محمد بن الحسن وذكر عن ابي حنيفة نصا وهو مذهب مالك وأصحابه وتصرفه في موطئه دليل عليه وهو قول إسحاق ابن راهويه وأبي عبيد وهو منصوص الامام احمد في غير موضع عنه واختيار جمهور اصحابه وهو منصوص الشافعي في القديم والجديد أما القديم فأصحابه مقرون به واما الجديد فكثير منهم يحكى عنه فيه انه ليس بحجة وفي هذه الحكاية عنه نظر ظاهر جدا فإنه لا يحفظ له في الجديد حرف واحد أن قول الصحابي ليس بحجة وغاية ما يتعلق به من نقل ذلك انه يحكى أقوالا للصحابة في الجديد ثم يخالفها ولو كانت عنده حجة لم يخالفها وهذا تعلق ضعيف جدا فإن مخالفة المجتهد الدليل المعين لما هو أقوى في نظره منه لا يدل على أنه لا يراه دليلا من حيث الجملة بل خالف دليلا لدليل أرجح عنده منه وقد تعلق بعضهم بأنه يراه في الجديد إذا ذكر اقوال الصحابة موافقا لها لا يعتمد عليها وحدها كما يفعل بالنصوص بل يعضدها بضروب من الاقيسة فهو تارة يذكرها ويصرح بخلافها وتارة يوافقها ولا يعتمد عليها بل يعضدها بدليل آخر وهذا ايضا تعلق اضعف من الذي قبله فإن تظاهر الادلة وتعاضدها وتناصرها من عادة اهل العلم قديما وحديثا ولا يدل ذكرهم دليلا ثانيا وثالثا على ان ما ذكروه قبله ليس بدليل.
وقد صرح الشافعي في الجديد من رواية الربيع عنه بأن قول الصحابة حجة يجب المصير إليه فقال المحدثات من الامور ضربان أحدهما ما أحدث يخالف كتابا أوسنة أوإجماعا أوأثرا فهذه البدعة الضلالة والربيع إنما أخذ عنه بمصر وقد جعل مخالفة الأثر الذي ليس بكتاب ولا سنة ولا إجماع ضلالة وهذا فوق كونه حجة وقال البيهقي في كتاب مدخل السنن له باب ذكر أقاويل الصحابة إذا تفرقوا قال الشافعي أقاويل الصحابة إذا تفرقوا فيها نصير إلى ما وافق الكتاب والسنة أوالإجماع إذا كان أصح في القياس وإذا قال الواحد منهم القول لا يحفظ عن غيره منهم فيه له موافقة ولا خلاف صرت إلى اتباع قوله إذا لم أجد كتابا ولا سنة ولا إجماعا ولا شيئا في معناه يحكم له بحكمه أووجد معه قياس قال البيقهي وقال في كتاب اختلافه مع مالك ما كان الكتاب والسنة موجودين فالعذر على من سمعه مقطوع إلا بإتيانه فإن لم يكن ذلك صرنا إلى أقاويل الصحابة أوواحد منهم ثم كان قول الائمة ابي بكر وعمر وعثمان اذا صرنا الى التقليد احب الينا وذلك اذا لم نجد دلالة في الاختلاف تدل على اقرب الاختلاف من الكتاب والسنة فنتبع القول الذي معه الدلالة لان قول الامام مشهور بانه يلزم الناس ومن لزم قوله الناس كان اشهر ممن يفتي الرجل أوالنفر وقد يأخذ بفتياه ويدعها واكثر المفتين يفتون الخاصة في بيوتهم ومجالسهم ولا يعتني العامة بما قالوا عنايتهم بما قال الامام وقد وجدنا الأئمة ينتدبون فيسألون عن العلم من الكتاب والسنة فيما ارادوا ان يقولوا فيخبرون بخلاف قولهم فيقبلون من المخبر ولا يستنكفون عن ان يرجعوا لتقواهم الله وفضلهم فإذا لم يوجد عن الائمة فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين في موضع الامانة اخذنا بقولهم وكان اتباعهم اولى بنا من اتباع من بعدهم.
قال الشافعي رضي الله عنه والعلم طبقات الاولى الكتاب والسنة الثانية الاجماع فيما ليس كتابا ولا سنة الثالثة ان يقول صحابي فلا يعلم له مخالف من الصحابة الرابعة اختلاف الصحابة الخامسة القياس هذا كله كلامه في الجديد".
قال البيهقي بعد ان ذكر هذا وفي الرسالة القديمة للشافعي بعد ذكر الصحابة وتعظيمهم قال: "وهم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل امر استدرك به علم وآراؤهم لنا احمد واولى بنا من راينا ومن ادركنا ممن نرضى أوحكى لنا عنه ببلدنا صاروا فيما لم يعلموا فيه سنة الى قولهم إن اجتمعوا أوقول بعضهم إن تفرقوا وكذا نقول ولم نخرج من أقوالهم كلهم".
قال: "وإذا قال الرجلان منهم في شئ قولين نظرت فإن كان قول احدهما اشبه بالكتاب والسنة أخذت به لان معه شيئا قويا فإن لم يكن على واحد من القولين دلالة بما وصفت كان قول الائمة ابي بكر وعمر وعثمان أرجح عندنا من واحد لو خالفهم غير إمام".
قال البيهقى: وقال في موضع آخر: "فإن لم يكن على القول دلالة من كتاب ولا سنة كان قول ابي بكر وعمر وعثمان احب الى من قول غيرهم فإن اختلفوا صرنا الى القول الذي عليه دلالة وقلما يخلو اختلافهم من ذلك وإن اختلفوا بلا دلالة نظرنا الى الاكثر فإن تكافئوا نظرنا احسن أقاويلهم مخرجا عندنا وإن وجد للمفتين في زماننا أو قبله إجماعا في شيء تبعناه فإذا نزلت نازله لم نجد فيها واحدة من هذه الامور فليس إلا اجتهاد الرأي".
فهذا كلام الشافعي رحمه الله ورضى عنه بنصه ونحن نشهد بالله أنه لم يرجع عنه بل كلامه في الجديد مطابق لهذا موافق له كما تقدم ذكر لفظه وقد قال في الجديد في قتل الراهب إنه القياس عنده ولكن أتركه لقول ابي بكر الصديق رضى الله عنه فقد أخبرنا انه ترك القياس الذي هو دليل عنده لقول الصاحب فكيف يترك موجب الدليل لغير دليل وقال في الضلع بعير قلته تقليدا لعمر وقال في موضع آخر قلته تقليدا لعثمان وقال في الفرائض هذا مذهب تلقيناه عن زيد ولا تستوحش من لفظة التقليد في كلامه وتظن انها تنفي كون قوله حجة بناء على ما تلقيته من اصطلاح المتأخرين أن التقليد قبول قول الغير بغير حجة فهذا اصطلاح حادث وقد صرح الشافعي في موضع من كلامه بتقليد خبر الواحد فقال قلت هذا تقليدا للخبر وأئمة الاسلام كلهم على قبول قول الصحابي قال نعيم بن حماد: ثنا ابن المبارك قال سمعت أبا حنيفة يقول: "إذا جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فعلى الرأس والعين وإذا جاء عن الصحابة نختار من قولهم وإذا جاء عن التابعين زاحمناهم" وذهب بعض المتأخرين من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة وأكثر المتكلمين الى انه ليس بحجة.
وذهب بعض الفقهاء الى أنه إن خالف القياس فهو حجة وإلا فلا قالوا لأنه إذا خالف القياس لم يكن إلا عن توقيف وعلى هذا فهو حجة وإن خالفه صحابي آخر والذين قالوا ليس بحجة قالو لان الصحابي مجتهد من المجتهدين يجوز عليه الخطأ فلا يجب تقليده ولا يكون حجة كسائر المجتهدين ولان الادلة الدالة على بطلان التقليلد تعم تقليد الصحابة ومن دونهم ولأن التابعي إذا ادرك عصر الصحابة اعتد بخلافه عند أكثر الناس فكيف يكون قول الواحد حجة عليه ولان الادلة قد انحصرت في الكتاب والسنة والاجماع والقياس والاستصحاب وقول الصحابي ليس واحدا منها ولان امتيازه بكونه افضل واعلم وأتقى لا يوجب وجوب اتباعه على مجتهد آخر من علماء التابعين بالنسبة الى من بعدهم، فنقول الكلام في مقامين أحدهما في الادلة الدالة على وجوب اتباع الصحابة الثاني في الجواب عن شبه النفاة.
الادلة على ان اتباع الصحابة واجب: فاما الاول فمن وجوه احدها ما احتج به مالك وهو قوله تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} فوجه الدلالة ان الله أثنى على من اتبعهم فإذا قالوا قولا فاتبعهم متبع عليه قبل ان يعرف صحته فهو متبع لهم فيجب ان يكون محمودا على ذلك وان يستحق الرضوان ولو كان اتباعهم تقليدا محضا كتقليد بعض المفتين لم يستحق من اتبعهم الرضوان إلا ان يكون عاميا فأما العلماء المجتهدون فلا يجوز لهم اتباعهم حينئذ.
فإن قيل اتباعهم هو ان يقول ما قالوا بالدليل وهو سلوك سبيل الاجتهاد لانهم إنما قالوا بالاجتهاد والدليل عليه قوله بإحسان ومن قلدهم لم يتبعهم بإحسان لأنه لو كان مطلق الاتباع محمودا لم يفرق بين الاتباع بإحسان أوبغير إحسان.
وايضا فيجوز أن يراد به اتباعه في اصول الدين وقوله بإحسان أي بالتزام الفرائض واجتناب المحارم ويكون المقصود ان السابقين قد وجب لهم الرضوان وإن أساءوا لقوله صلى الله عليه وسلم: "وما يدريك ان الله قد اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" وأيضا فالثناء على من اتبعهم كلهم وذلك اتباعهم فيما اجمعوا عليه وايضا فالثناء على من اتبعهم لا يقتضي وجوبه وإنما يدل على جواز تقليدهم وذلك دليل على جواز تقليد العالم كما هو مذهب طائفة من العلماء أوتقليد الاعلم كقول طائفة اخرى اما الدليل على وجوب اتباعهم فليس في الاية ما يقتضيه.
فالجواب من وجوه: أحدها أن الاتباع لا يستلزم الاجتهاد لوجوده احدها ان الاتباع المأمور به في القران كقوله فاتبعوني يحببكم الله واتبعوه لعلكم تهتدون ويتبع غير سبيل المؤمنين ونحوه لا يتوقف على الاستدلال على صحة القول مع الاستغناء عن القائل.
الثاني انه لو كان المراد اتباعهم في الاستدلال والجهاد لم يكن فرق بين السابقين وبين جميع الخلائق لان اتباع موجب الدليل يجب ان يتبع فيه كل احد فمن قال قولا بدليل صحيح وجب موافقته فيه.
الثالث أنه إما ان تجوز مخالفتهم في قولهم بعد الاستدلال أولا تجوز فإن لم تجز فهو المطلوب وإن جازت مخالفتهم فقد خولفوا في خصوص الحكم واتبعوا في احسن الاستدلال فليس جعل من فعل ذلك متبعا لموافقتهم في الاستدلال بأولى من جعله مخالفا لمخالفته في عين الحكم.
الرابع ان من خالفهم في الحكم الذي أفتوا به لا يكون متبعا لهم أصلا بدليل ان من خالف مجتهدا من المجتهدين في مسألة بعد اجتهاد لا يصح ان يقال اتبعه وان اطلق ذلك فلا بد من تقييده بأن يقال اتبعه في الاستدلال أوالاجتهاد.
الخامس ان الاتباع افتعال من اتبع وكون الانسان تابعا لغيره نوع افتقار اليه ومشى خلفه وكل واحد من المجتهدين المستدلين ليس تبعا للآخر ولا مفتقرا اليه بمجرد ذلك حتى يستشعر موافقته والانقياد له ولهذا لا يصح ان يقال لمن وافق رجلا في اجتهاده أوفتواه اتفاقا انه متبع له.
السادس ان الاية قصد بها مدح السابقين والثناء عليهم وبيان استحقاقهم ان يكونوا ائمة متبوعين وبتقدير الا يكون قولهم موجبا للموافقة ولا مانعا من المخالفة بل انما يتبع القياس مثلا لا يكون لهم هذا المنصب ولا يستحقون هذا المدح والثناء.
السابع ان من خالفهم في خصوص الحكم فلم يتبعهم في ذلك الحكم ولا فيما استدلوا به على ذلك الحكم فلا يكون متبعا لهم بمجرد مشاركتهم في صفة عامة وهي مطلق الاستدلال والاجتهاد ولاسيما وتلك الصفة العامة لا اختصاص لها به لان ما ينفى الاتباع اخص مما يثبته واذا وجد الفارق الاخص والجامع الاعم وكلاهما مؤثر كان التفريق رعاية للفارق أولى من الجمع رعاية للجامع وأما قوله بإحسان فليس المراد به ان يجتهد وافق أوخالف لانه اذا خالف لم يتبعهم فضلا عن ان يكون بإحسان ولان مطلق الاجتهاد ليس فيه اتباع لهم لكن الاتباع لهم اسم يدخل فيه كل من وافقهم في الاعتقاد والقول فلا بدمع ذلك ان يكون المتبع محسنا بأداء الفرائض واجتناب المحارم لئلا يقع الاغترار بمجرد الموافقة قولا وايضا فلابد ان يحسن المتبع لهم القول فيهم ولا يقدح فيهم اشتراط الله ذلك لعلمه بأن سيكون اقوام ينالون منهم وهذا مثل قوله تعالى بعد ان ذكر المهاجرين والانصار والذين جاءوا من بعدهم يقولون: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا}.
وأما تخصيص اتباعهم بأصول الدين دون فروعه فلا يصح لان الاتباع عام ولان من اتبعهم في اصول الدين فقط لو كان متبعا لهم على الإطلاق لكنا متبعين للمؤمنين من أهل الكتاب ولم يكن فرق بين اتباع السابقين من هذه الامة وغيرها وايضا فإنه اذا قيل فلان يتبع فلانا واتبع فلانا وانا متبع فلانا ولم يقيد ذلك بقرينة لفظية ولا حالية فإنه يقتضى اتباعه في كل الامور التي يتأتى فيها الاتباع لان من اتبعه في حال وخالفه في أخرى لم يكن وصفه بأنه متبع أولى من وصفه بأنه مخالف ولأن الرضوان حكم تعلق باتباعهم فيكون الاتباع سببا له لان الحكم المعلق بما هو مشتق يقتضى ان ما منه الاشتقاق سبب وإذا كان اتباعهم سببا للرضوان اقتضى الحكم في جميع موارده ولا اختصاص للاتباع بحال دون حال ولأن الاتباع يؤذن بكون الانسان تبعا لغيره وفرعا عليه وأصول الدين ليست كذلك ولأن الاية تضمت الثناء عليهم وجعلهم ائمة لمن بعدهم فلو لم يتناول إلا اتباعهم في اصول الدين دون الشرائع لم يكونوا ائمة في ذلك لان ذلك معلوم مع قطع النظر عن اتباعهم.
فصل: اتباع الصحابة مجتمعين ومنفردين وأما قولهم إن الثناء على من اتبعهم كلهم فنقول الاية اقتضت الثناء على من اتبع كل واحد منهم كما أن قوله والسابقون الاولون والذين اتبعوهم يقتضى حصول الرضوان لكل واحد من السابقين والذين اتبعوهم في قوله رضى الله عنهم ورضوا عنه واعد لهم جنات تجري وكذلك في قوله اتبعوهم لأنه حكم علق عليهم في هذه الآية فقد تناولهم مجتمعين ومنفردين وأيضا فإن الاصل في الاحكام المعلقة باسماء عامة ثبوتها لكل فرد فرد من تلك المسميات كقوله اقيموا الصلاة وقوله لقد رضى الله عن المؤمنين وقوله تعالى: {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} وايضا فان الاحكام المعلقة على المجموع يؤتى فيها باسم يتناول المجموع دون الافراد كقوله وكذلك جعلناكم امة وسطا - وقوله كنتم خير أمة اخرجت للناس - وقوله ويتبع غير سبيل المؤمنين.
فإن لفظ الامة ولفظ سبيل المؤمنين لا يمكن توزيعه على افراد الامة وافراد المؤمنين بخلاف لفظ السابقين فإنه يتناول كل فرد من السابقين وايضا فالآية تعم اتباعهم مجتمعين ومنفردين في كل ممكن فمن اتبع جماعتهم إذا اجتمعوا واتبع آحادهم فيما وجد عنهم مما لم يخالفه فيه غيره منهم فقد صدق عليه انه اتبع السابقين أما من خالف بعض السابقين فلا يصح ان يقال اتبع السابقين لوجود مخالفته لبعضهم لا سيما إذا خالف هذا مرة وهذا مرة وبهذا يظهر الجواب عن اتباعهم اذا اختلفوا فإن اتباعهم هناك قول بعض تلك الاقوال باجتهاد واستدلال إذ هم مجتمعون على تسوية كل واحد من تلك الاقوال لمن ادى اجتهاده اليه فقد قصد اتباعهم ايضا أما اذا قال الرجل قولا ولم يخالفه غيره فلا يعلم ان السابقين سوغوا خلاف ذلك القول وأيضا فالاية تقتضي اتباعهم مطلقا فلو فرضنا ان الطالب وقف على نص يخالف قول الواحد منهم فقد علمنا انه لو ظفر بذلك النص لم يعدل عنه اما اذا رأينا رأيا فقد يجوز ان يخالف ذلك الرأي وايضا فلو لم يكن اتباعهم إلا فيما اجمعوا عليه كلهم لم يحصل اتباعهم الا فيما قد علم انه من دين الاسلام بالاضطرار لان السابقين الاولين خلق عظيم ولم يعلم انهم اجمعوا الا على ذلك فيكون هذا الوجه هو الذي قبله وقد تقدم بطلانه اذ الاتباع في ذلك غير مؤثر وايضا فجميع السابقين قد مات منهم اناس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحينئذ فلا يحتاج في ذلك الوقت الى اتباعهم للاستغناء عنه بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لو فرضنا احدا يتبعهم إذ ذاك لكان من السابقين.
فحاصله ان التابعين لا يمكنهم اتباع جميع السابقين وايضا فإن معرفة قول جميع السابقين كالمتعذر فكيف يتبعون كلهم في شئ لا يكاد يعلم وايضا فإنهم إنما استحقوا منصب الامامة والاقتداء بهم بكونهم هم السابقين وهذه صفة موجودة في كل واحد منهم فوجب ان يكون كل منهم اماما للمتقين كما استوجب الرضوان والجنة.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:52 pm عدل 2 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الإثنين 24 أبريل 2017, 10:27 pm | |
| فصل: اتباع اقوال الصحابة وأما قوله ليس فيها ما يوجب اتباعهم فنقول الاية تقتضى الرضوان عمن اتبعهم بإحسان وقد قام الدليل على أن القول في الدين بغير علم حرام فلا يكون اتباعهم قولا بغير علم بل قولا بعلم وهذا هو المقصود وحينئذ فسواء يسمى تقليدا أواجتهادا وايضا فان كان تقليد العالم للعالم حراما كما هو قول الشافعية والحنابلة فاتباعهم بتقليد لانه مرضى وإن كان تقليدهم جائزا أوكان تقليدهم مستنثى من التقليد المحرم فلم يقل احد إن تقليد العلماء من موجبات الرضوان فعلم ان تقليدهم خارج عن هذا لان تقليد العالم إن كان جائزا فتركه الى قول غيره أوالى اجتهاد جائز ايضا بالاتفاق والشئ المباح لا يستحق به الرضوان وايضا فإن رضوان الله غاية المطالب التي تنال الا بافضل الاعمال ومعلوم ان التقليد الذي يجوز خلافه بافضل الاعمال بل الاجتهاد افضل منه فعلم ان اتباعهم هو افضل ما يكون في مسالة اختلفوا فيها هم ومن بعدهم وان اتباعهم دون من بعدهم هو الموجب لرضوان الله فلا ريب ان رجحان احد القولين يوجب اتباعه وقولهم أرجح بلا شك ومسائل الاجتهاد لا يتخير الرجل فيها بين القولين وايضا فان الله اثنى على الذين اتبعوهم بإحسان والتقليد وظيفة العامة فأما العلماء فإما ان يكون مباحا لهم أومحرما اذ الاجتهاد افضل منه لهم بغير خلاف وهو واجب عليهم فلو اريد باتباعهم التقليد الذي يجوز خلافه لكان للعامة ذلك النصيب الاوفى وكان حظ علماء الامة من هذه الاية ابخس الحظوظ ومعلوم ان هذا فاسد وايضا فالرضوان عمن اتبعهم دليل على ان اتباعهم صواب ليس بخطأ فإنه لو كان خطأ لكان غاية صاحبه أن يعفى له عنه فإن المخطئ إلى أن يعفى عنه اقرب منه إلى أن يرضى عنه وإذا كان صوابا وجب إتباعه لان خلاف الصواب خطأ والخطأ يحرم إتباعه إذا علم انه خطأ وقد علم انه خطأ يكون الصواب خلافه وأيضا فإذا كان إتباعهم موجب الرضوان لم يكن ترك إتباعهم موجب الرضوان لان الجزاء لا يقتضيه وجود الشيء وضده ولا وجوده وعدمه لأنه يبقى عديم الأثر في ذلك الجزاء وإذا كان في المسألة قولان أحدهما يوجب الرضوان والآخر لا يوجبه كان الحق ما يوجبه وهذا هو المطلوب وأيضا فإن طلب رضوان الله واجب لأنه إذا لم يوجب رضوانه فإما سخطه أوعفوه والعفو إنما يكون مع انعقاد سبب الخطيئة وذلك لا تباح مباشرته إلا بالنص وإذا كان رضوانه إنما هو في إتباعهم وإتباع رضوانه واجب كان إتباعهم واجبا وأيضا فإنه إنما أثنى على المتبع بالرضوان ولم يصرح بالوجوب لان إيجاب الإتباع يدخل فيه الإتباع في الأفعال ويقتضى تحريم مخالفتهم مطلقا فيقتضى ذم المخطئ وليس كذلك أما الأقوال فلا وجه لمخالفتهم فيها بعدما ثبت أن فيها رضا الله تعالى وأيضا فإن القول إذا ثبت أن فيه رضا الله لم يكن رضا الله في ضده بخلاف الأفعال فقد يكون رضا الله في الأفعال المختلفة وفي الفعل والترك بحسب قصدين وحالين أما الاعتقادات والأقوال فليست كذلك فإذا ثبت أن في قولهم رضوان الله تعالى لم يكن الحق والصواب إلا هو فوجب إتباعه.
فإن قيل: السابقون هم الذين صلوا إلى القبلتين أوهم أهل بيعة الرضوان ومن قبلهم فما الدليل على إتباع من أسلم بعد ذلك.
قيل: إذا ثبت وجوب إتباع أهل بيعة الرضوان فهو أكبر المقصود على انه لا قائل بالفرق وكل الصحابة سابق بالنسبة إلى من بعدهم.
فصل: أدلة أخرى على وجوب إتباع أقوال الصحابة الوجه الثاني قوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ} هذا قصه الله سبحانه وتعالى عن صاحب ياسين على سبيل الرضاء بهذه المقالة والثناء على قائلها والإقرار له عليها وكل واحد من الصحابة لم يسألنا أجرا وهم مهتدون بدليل قوله تعالى خطابا لهم وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون ولعل من الله واجب وقوله تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ} وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} وكل منهم قاتل في سبيل الله وجاهد إما بيده أوبلسانه فيكون الله قد هداهم وكل من هداه فهو مهتد فيجب إتباعه الآية.
الوجه الثالث قوله تعالى: {وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ} وكل من الصحابة منيب إلى الله فيجب إتباع سبيله وأقواله واعتقاداته من أكبر سبيله والدليل على انهم منيبون إلى الله تعالى أن الله تعالى قد هداهم وقد قال: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ}.
الوجه الرابع قوله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} فأخبر تعالى أن من اتبع الرسول يدعو إلى الله ومن دعا إلى الله على بصيرة وجب إتباعه لقوله فيما حكاه عن الجن ورضيه: {يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ} ولان من دعا إلى الله على بصيرة فقد دعا إلى الحق عالما به والدعاء إلى أحكام الله دعاء إلى الله لأنه دعاء إلى طاعته فيما أمر ونهى وإذا فالصحابة رضوان الله عليهم قد اتبعوا الرسول صلى الله عليه وسلم فيجب إتباعهم إذا دعوا إلى الله.
الوجه الخامس قوله تعالى: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى} قال ابن عباس في رواية أبى مالك هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم والدليل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} وحقيقة الاصطفاء افتعال من التصفية فيكون قد صفاهم من الأكدار والخطأ من ألا كدار فيكونون مصفين منه ولا ينتقض هذا بما إذا اختلفوا لان الحق لم يعدهم فلا يكون قول بعضهم كدرا لان مخالفته الكدر وبيانه يزيل كونه كدرا بخلاف ما إذا قال بعضهم قولا ولم يخالف فيه فلوا كان باطلا ولم يرده راد لكان حقيقة الكدر وهذا لان خلاف بعضهم لبعض بمنزلة متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أموره فإنها لا تخرجه عن حقيقة الاصطفاء.
الوجه السادس أن الله تعالى شهد لهم بأنهم أوتوا العلم بقوله ويرى الذين أوتوا العلم الذين انزل إليك من ربك هو الحق وقوله حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا وقوله: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَات} واللام في العلم ليست للاستغراق وإنما هي للعهد أي العلم الذي بعث الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وإذا كانوا قد أوتوا هذا العلم كان إتباعهم واجبا.
الوجه السابع قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} شهد لهم الله تعالى بأنهم يأمرون بكل معروف وينهون عن كل منكر فلو كانت الحادثة في زمانهم لم يفت فيها إلا من أخطأ منهم لم يكن أحد منهم قد أمر فيها بمعروف ولا نهى فيها عن منكر إذ الصواب معروف بلا شك والخطأ منكر من بعض الوجوه ولولا ذلك لما صح التمسك بهذه الآية على كون الإجماع حجة وإذا كان هذا باطلا علم أن خطأ من يعلم منهم في العلم إذا لم يخالفه غيره ممتنع وذلك يقتضى أن قوله حجة.
الوجه الثامن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} قال غير واحد من السلف: هم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ولا ريب انهم أئمة الصادقين وكل صادق بعدهم فيهم يأتم في صدقه بل حقيقة صدقه أتباعه لهم وكونه معهم ومعلوم أن من خالفهم في شئ وإن وافقهم في غيره لم يكن معهم فيما خالفهم فيه وحينئذ فيصدق عليه انه ليس معهم فتنتفى عنه ألمعية المطلقة وإن ثبت له قسط من ألمعية فيما وافقهم فيه فلا يصدق عليه أنه معهم بهذا القسط وهذا كما نفى الله ورسوله الإيمان المطلق عن الزاني والشارب والسارق والمنتهب بحيث لا يستحق اسم المؤمن وإن لم ينتف عنه مطلق الاسم الذي يستحق لاجله أن يقال معه شئ من الإيمان وهذا كما أن اسم الفقيه والعالم عند الإطلاق لا يقال لمن معه مسألة أومسألتان من فقه وعلم وإن قيل معه شئ من العلم ففرق بين ألمعية المطلقة ومطلق ألمعية ومعلوم أن المأمور به الأول لا الثاني فإن الله تعالى لم يرد منا أن نكون معهم في شئ من الأشياء وان نحصل من ألمعية ما يطلق عليه الاسم وهذا غلط عظيم في فهم مراد الرب تعالى من أوامره فإذا أمرنا بالتقوى والبر والصدق والعفة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والجهاد ونحو ذلك لم يرد منا أن نأتي من ذلك بأقل ما يطلق عليه الاسم وهو مطلق الماهية المأمور بها بحيث نكون ممتثلين لأمره إذا أتينا بذلك وتمام تقرير هذا الوجه بما تقدم في تقرير الامر بمتابعتهم سواء.
الوجه التاسع قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى الناس} ويكون الرسول عليكم شهيدا ووجه الاستدلال بالآية انه تعالى اخبر انه جعلهم أمة خيارا عدولا هذا حقيقة الوسط فهم خير الأمم وأعدلها في أقوالهم وأعمالهم وإرادتهم ونياتهم وبهذا استحقوا أن يكونوا شهداء للرسل على أممهم يوم القيامة والله تعالى يقبل شهادتهم عليهم فهم شهداؤه ولهذا نوه بهم ورفع ذكرهم و أثنى عليهم لأنه تعالى لما اتخذهم شهداء أعلم خلقه من الملائكة وغيرهم بحال هؤلاء الشهداء وأمر ملائكته أن تصلى عليهم وتدعو لهم وتستغفر لهم والشاهد المقبول عند الله هو الذي يشهد بعلم وصدق فيخبر بالحق مستندا إلى علمه به كما قال تعالى: {إِلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} فقد يخبر الإنسان بالحق اتفاقا من غير علمه به وقد يعلمه ولا يخبر به فالشاهد المقبول عند الله هو الذي يخبر به عن علم فلو كان علمهم أن يفتى أحدهم بفتوى وتكون خطأ مخالفه لحكم الله ورسوله ولا يفتى غيره بالحق الذي هو حكم الله ورسوله إما مع اشتهار فتوى الأول أوبدون اشتهارها كانت هذه الأمة العدل الخيار قد أطبقت على خلاف الحق بل انقسموا قسمين قسما أفتى بالباطل وقسما سكت عن الحق وهذا من المستحيل فإن الحق لا يعدوهم ويخرج عنهم إلى من بعدهم قطعا ونحن نقول لمن خالف أقولهم لو كان خيرا ما سبقونا إليه.
الوجه العاشر أن قوله تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} فأخبر تعالى أنه اجتباهم والاجتباء كالاصطفاء وهو افتعال من اجتبى الشيء يجتبيه إذا ضمه إليه وحازه إلى نفسه فهم المجتبون الذين اجتباهم الله إليه وجعلهم أهله وخاصته وصفوته من خلقه بعد النبيين والمرسلين ولهذا أمرهم تعالى أن يجاهدوا فيه حق جهاده فيبذلوا له أنفسهم ويفردوه بالمحبة والعبودية ويختاروه وحده إلها محبوبا على كل ما سواه كما اختارهم على من سواهم فيتخذونه وحده إليهم ومعبودهم الذي يتقربون إليه بألسنتهم وجوارحهم وقلوبهم ومحبتهم وإرادتهم فيؤثرونه في كل حال على من سواه كما اتخذهم عبيده وأولياءه وأحباءه وآثرهم بذلك على من سواهم ثم أخبرهم تعالى انه يسر عليهم دينه غاية التيسير ولم يجعل عليهم فيه من حرج البتة لكمال محبته لهم ورأفته ورحمته وحنانه بهم ثم أمرهم بلزوم مله إمام الحنفاء أبيهم إبراهيم وهي إفراده تعالى وحده بالعبودية والتعظيم والحب والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والتفويض والاستسلام فيكون تعلق ذلك من قلوبهم به وحده لا بغيره ثم أخبر تعالى انه نوه بهم وأثنى عليهم قبل وجودهم وسماهم عباده المسلمين قبل أن يظهرهم ثم نوه بهم وسماهم كذلك بعد أن أوجدهم اعتناء بهم ورفعة لشأنهم واعلاء لقدرهم ثم أخبر تعالى انه فعل ذلك ليشهد عليهم رسوله ويشهدوا هم على الناس فيكونون مشهودا لهم بشهادة الرسول شاهدين على الأمم بقيام حجة الله عليهم فكان هذا التنويه وإشارة الذكر لهذين الأمرين الجليلين ولهاتين الحكمتين العظيمتين والمقصود انهم إذا كانوا بهذه المنزلة عنده تعالى فمن المحال أن يحرمهم كلهم الصواب في مسألة فيفتى فيها بعضهم بالخطأ ولا يفتى فيها غيره بالصواب ويظفر فيها بالهدى من بعدهم والله المستعان.
الوجه الحادي عشر قوله تعالى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} ووجه الاستدلال بالآية انه تعالى اخبر عن المعتصمين به بأنهم قد هدوا إلى الحق فنقول الصحابة رضوان الله عليهم معتصمون بالله فهم مهتدون فإتباعهم واجب أما المقدمة الأولى فتقريرها من وجوه أحدها قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} ومعلوم كمال تولى الله تعالى ونصره إياهم أتم نصره وهذا يدل على انهم اعتصموا به أتم اعتصام فهم مهديون بشهادة الرب لهم بلا شك واتباع المهدى واجب شرعا وعقلا وفطرة بلا شك وما يرد على هذا الوجه من أن المتابعة لا تستلزم المتابعة في جميع أمورهم فقد تقدم جوابه.
الوجه الثاني عشر قوله تعالى عن أصحاب موسى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُون} فأخبر تعالى انه جعلهم أئمة يأتم بهم من بعدهم لصبرهم ويقينهم إذ بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين فإن الداعي إلى الله تعالى لا يتم له أمره إلا بيقينه للحق الذي يدعو إليه وبصيرته به وصبره على تنفيذ الدعوة إلى الله باحتمال مشاق الدعوة وكف النفس عما يوهن عزمه ويضعف إرادته فمن كان بهذه المثابة كان من الأئمة الذين يهدون بأمره تعالى.
ومن المعلوم أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أحق وأولى بهذا الوصف من أصحاب موسى فهم أكمل يقينا وأعظم صبرا من جميع الأمم فهم أولى بمنصب هذه الامامه وهذا أمر ثابت بلا شك بشهادة الله لهم وثنائه عليهم وشهادة الرسول لهم بأنهم خير القرون وأنهم خيرة الله وصفوته ومن المحال على من هذا شأنهم أن يخطئوا كلهم الحق ويظفر به المتأخرون ولو كان هذا ممكنا لا نقلبت الحقائق وكان المتأخرون أئمة لهم يجب عليهم الرجوع إلى فتاويهم وأقوالهم وهذا كما انه محال حسا وعقلا فهو محال شرعا وبالله التوفيق.
الوجه الثالث عشر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} وإمام بمعنى قدوة وهو يصلح للواحد والجمع كالأمة والأسوة وقد قيل هو جمع آمم كصاحب وصحاب وراجل ورجال وتاجر وتجار وقيل هو مصدر كقتال وضراب أي ذوي إمام والصواب الوجه الأول فكل من كان من المتقين وجب عليه أن يأتم بهم والتقوى واجبة والائتمام بهم واجب ومخالفتهم فيما افتوا به مخالف للائتمام بهم وإن قيل نحن نأتم بهم في الاستدلال وأصول الدين فقد تقدم من جواب هذا ما فيه كفاية.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:52 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 12:28 am | |
| الوجه الرابع عشر ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيح من وجوه متعددة انه قال: "خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم إن خير القرون قرنه مطلقا وذلك يقتضى تقديمهم في كل باب من أبواب الخير وإلا لو كانوا خيرا من بعض الوجوه فلا يكونون خير القرون مطلقا فلو جاز أن يخطئ الرجل منهم في حكم وسائرهم لم يفتوا بالصواب وإنما ظفر بالصواب من بعدهم وأخطأواهم لزم أن يكون ذلك القرن خيرا منهم من ذلك الوجه لان القرن المشتمل على الصواب خير من القرن المشتمل على الخطأ في ذلك الفن ثم هذا يتعدد في مسائل عديدة لان من يقول قول الصحابي ليس بحجة يجوز عنده أن يكون من بعدهم أصاب في كل مسألة قال فيها الصحابي قولا ولم يخالفه صحابي آخر وفات هذا الصواب الصحابة ومعلوم أن هذا يأتى في مسائل كثيرة تفوق العد والإحصاء فكيف يكونون خيرا ممن بعدهم وقد امتاز القرن الذي بعدهم بالصواب فيما يفوق العد والإحصاء مما اخطأوا فيه ومعلوم أن فضيلة العلم ومعرفة الصواب أكمل الفضائل وأشرفها فيا سبحان الله أي وصمة أعظم من أن يكون الصديق أوالفاروق أوعثمان أوعلي أوابن مسعود أوسلمان الفارسي أوعبادة بن الصامت وأضرابهم رضى الله عنهم قد أخبر عن حكم الله انه كيت وكيت في مسائل كثيرة واخطأ في ذلك ولم يشتمل قرنهم على ناطق بالصواب في تلك المسائل حتى تبع من بعدهم فعرفوا حكم الله الذي جهله أولئك السادة وأصابوا الحق الذي اخطأه أولئك الأئمة سبحانك هذا بهتان عظيم.
الوجه الخامس عشر ما روى مسلم في صحيحه من حديث أبي موسى الاشعري قال: "صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء فجلسنا فخرج علينا فقال: ما زلتم ههنا فقلنا يا رسول الله صلينا معك المغرب ثم قلنا نجلس حتى نصلي معك العشاء قال: أحسنتم وأصبتم ورفع رأسه إلى السماء وكان كثيرا ما يرفع رأسه إلى السماء فقال النجوم أمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد وأنا أمنه لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون وأصحابي أمنة لأمتي فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون" ووجه الاستدلال بالحديث انه جعل نسبة أصحابه إلى من بعدهم كنسبته إلى أصحابه وكنسبة النجوم إلى السماء ومن المعلوم أن هذا التشبيه يعطى من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم صلى الله عليه وسلم ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم وأيضا فإنه جعل بقاءهم بين الأمة أمنة لهم وحرزا من الشر وأسبابه فلو جاز أن يخطئوا فيما أفتوا به ويظفر به من بعدهم لكان الظافرون بالحق أمنة للصحابة وحرزا لهم وهذا من المحال.
الوجه السادس عشر ما رواه أبو عبد الله بن بطة من حديث الحسن عن أنس انه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مثل أصحابي في أمتي كمثل الملح في الطعام لا يصلح الطعام إلا بالملح" قال الحسن: "قد ذهب ملحنا فكيف نصلح" وروى ابن بطة أيضا بإسنادين إلى عبد الرزاق اخبرنا معمر عمن سمع الحسن يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل أصحابي في الناس كمثل الملح في الطعام" ثم يقول الحسن: "هيهات ذهب ملح القوم" وقال الإمام احمد: حدثنا حسين بن علي الجعفي عن أبى موسى يعنى إسرائيل عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل أصحابي كمثل الملح في الطعام" قال يقول الحسن: "هل يطيب الطعام إلا بالملح" يقول الحسن: "فكيف بقوم ذهب ملحهم" ووجه الاستدلال انه شبه أصحابه في صلاح دين الأمة بهم بالملح الذي صلاح الطعام به فلو جاز أن يفتوا بالخطأ ولا يكون في عصرهم من يفتى بالصواب ويظفر به من بعدهم لكان من بعدهم ملحا لهم وهذا محال يوضحه أن الملح كما أن به صلاح الطعام فالصواب به صلاح الأنام فلو أخطئوا فيما أفتوا به لاحتاج ذلك إلى ملح يصلحه فإذا أفتى من بعدهم بالحق كان قد أصلح خطأهم فكان ملحا لهم الوجه.
السابع عشر ما روى البخاري في صحيحه من حديث الأعمش قال سمعت أبا صالح يحدث عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم انفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" وفي لفظ "فوالذي نفسي بيده" وهذا خطاب منه لخالد بن الوليد ولأقرانه من مسلمة الحديبية والفتح فإذا كان مد أحد أصحابه أونصيفه أفضل عند لله من مثل أحد ذهبا من مثل خالد وأضرابه من أصحابه فكيف يجوز أن يحرمهم الله الصواب في الفتاوي ويظفر به من بعدهم هذا من أبين المحال.
الوجه الثامن عشر ما روى الحميدي ثنا محمد بن طلحة قال حدثني عبد الرحمن بن سالم بن عبد الرحمن بن عويلم بن ساعده عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله اختارني واختار لي أصحابا فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا" الحديث ومن المحال أن يحرم الله الصواب من اختارهم لرسوله وجعلهم وزراءه وأنصاره وأصهاره ويعطيه من بعدهم في شئ من الأشياء.
الوجه التاسع عشر ما روى أبو داود الطيالسي ثنا المسعودي عن عاصم عن أبى وائل عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: "إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد فبعثه برسالته ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فاختارهم لصحبة نبيه ونصرة دينه فما رأه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح ومن المحال أن يخطئ الحق في حكم الله خير قلوب العباد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ويظفر به من بعدهم وأيضا فإن ما أفتى به أحدهم وسكت عنه الباقون كلهم فإما أن يكونوا قد رأوه حسنا أويكونوا قد رأوه قبيحا فإن كانوا قد رأوه حسنا فهو حسن عند الله وإن كانوا قد رأوه قبيحا ولم ينكروه لم تكن قلوبهم من خير قلوب العباد وكان من أنكره بعدهم خيرا منهم وأعلم وهذا من أبين المحال".
الوجه العشرون: ما رواه الإمام احمد وغيره عن ابن مسعود رضى الله عنه قال: "من كان متأسيا فليتأس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا وأحسنها حالا قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم واتبعوا آثارهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم ومن المحال أن يحرم الله أبر هذه الأمة قلوبا وأعمقها علما وأقلها تكلفا وأقومها هديا الصواب في أحكامه ويوفق له من بعدهم.
الوجه الحادي والعشرون ما رواه الطبراني وأبو نعيم وغيرهما عن حذيفة بن اليمان انه قال: "يا معشر القراء خذوا طريق من كان قبلكم فوالله لئن استقمتم لقد سبقتم سبقا بعيدا ولئن تركتموه يمينا وشمالا لقد ضللتم ضلالا بعيدا" ومن المحال أن يكون الصواب في غير طريق من سبق إلى كل خير على الإطلاق.
الوجه الثاني والعشرون: ما قاله جندب بن عبد الله لفرقة دخلت عليه من الخوارج فقالوا ندعوك إلى كتاب الله فقال: أنتم قالوا: نحن قال: أنتم قالوا: نحن فقال: "يا أخابيث خلق الله في أتباعنا تختارون الضلالة أم في غير سنتنا تلتمسون الهدى اخرجوا عنى" ومن المعلوم أن من جوز أن تكون الصحابة أخطأوا في فتاويهم فمن بعدهم وخالفهم فيها فقد اتبع الحق في غير سنتهم وقد دعاهم إلى كتاب الله فإن كتاب الله إنما يدعو إلى الحق وكفى ذلك إزراء على نفوسهم وعلى الصحابة.
الوجه الثالث والعشرون ما رواه الترمذى من حديث العرباض بن سارية قال: "وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب فقال قائل يا رسول الله كأنها موعظة مودع فماذا تعهد إلينا فقال عليكم بالسمع والطاعة وإن تامر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة" وهذا حديث حسن إسناده لا بأس به فقرن سنة خلفائه بسنته وأمر بإتباعها كما أمر بإتباع سنته وبالغ في الأمر بها حتى أمر بأن يعض عليها بالنواجذ وهذا يتناول ما أفتوا به وسنوه للامة وإن لم يتقدم من نبيهم فيه شئ وإلا كان ذلك سنته ويتناول ما أفتى به جميعهم أوأكثرهم أوبعضهم لأنه علق ذلك بما سنه الخلفاء الراشدون ومعلوم أنهم لم يسنوا ذلك وهم خلفاء في آن واحد فعلم أن ما سنه كل واحد منهم في وقته فهو من سنة الخلفاء الراشدين رواه الإمام احمد في مسنده من حديث عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح عن ضمرة بن حبيب عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي سمع العرباض بن سارية فذكر نحوه.
الوجه الرابع والعشرون ما رواه الترمذي من حديث الثوري عن عبد الملك ابن عمير عن هلال مولى ربعي بن حراش عن ربعي عن حذيفة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقتدوا باللذين من بعدي أبى بكر وعمر واهتدوا بهدى عمار وتمسكوا بعهد ابن أم عبد" قال الترمذي هذا حديث حسن ووجه الاستدلال به ما تقدم في تقرير المتابعة.
الوجه الخامس والعشرون: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله ابن رباح عن أبى قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن يطع القوم أبا بكر وعمر يرشدوا" وهو في حديث الميضأة الطويل فجعل الرشد معلقا بطاعتهما فلو أفتوا بالخطأ في حكم وأصابه من بعدهم لكان الرشد في خلافهما.
الوجه السادس والعشرين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر وعمر في شأن تأمير القعقاع بن حكيم والأقرع بن حابس: "لو اتفقتما على شيء لم أخالفكما" فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر انه لا يخالفهما لو اتفقا ومن يقول قولهما ليس بحجة يجوز مخالفتهما وبعض غلاتهم يقول لا يجوز الأخذ بقولهما ويجب الأخذ بقول أمامنا الذي قلدناه وذلك موجود في كتبهم.
الوجه السابع والعشرون: أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى أبى بكر وعمر فقال: "هذا السمع والبصر" أي هما منى منزلة السمع والبصر أوهما من الدين بمنزلة السمع والبصر ومن المحال أن يحرم سمع الدين وبصره الصواب ويظفر به من بعدهما.
الوجه الثامن والعشرون ما رواه أبو داود وابن ماجة من حديث ابن إسحاق عن مكحول عن غضيف بن الحارث عن أبى ذر قال مرفتي على عمر رضى الله عنه فقال عمر نعم الفتى قال فتبعه أبو ذر فقال يا فتى استغفر لي فقال يا أبا ذر استغفر لك وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال استغفر لي قال: لا أو تخبرني قال: إنك مررت على عمر فقال: نعم الفتى وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه" ومن المحال أن يكون الخطأ في مسألة أفتى بها من جعل الله الحق على لسانه وقلبه حظه ولا ينكره عليه أحد من الصحابة ويكون الصواب فيها حظ من بعده هذا من أبين المحال.
الوجه التاسع والعشرون: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضى الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد كان فيمن خلا من الأمم أناس محدثون فإن يكن في أمتي أحد فهو عمر" وهو في المسند والترمذي "والله لو أن علم عمر وضع في كفه ميزان وجعل علم أهل الأرض في كفة لرجع علم عمر" فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال: قال عبد الله: "والله إني لاحسب عمر ذهب بتسعة أعشار العلم" ومن ابعد الأمور أن يكون المخالف لعمر بعد انقراض عصر الصحابة أولى بالصواب منه في شئ من الأشياء.
(ملحوظة: هناك فقد "3 صفحات" من صفحات المخطوط).
الوجه الرابع والثلاثون: ما رواه ابن عيينة عن عبد الله بن أبى يزيد قال: "كان ابن عباس إذا سئل عن شئ وكان في القرآن أوالسنة قال به وإلا قال بما قال به أبو بكر وعمر فإن لم يكن قال برأيه" فهذا ابن عباس وأتباعه للدليل وتحكيمه للحجة معروف حتى إنه يخالف لما قام عنده من الدليل أكابر الصحابة يجعل قول أبي بكر وعمر حجة يؤخذ بها بعد قول الله ورسوله ولم يخالفه في ذلك أحد من الصحابة.
الوجه الخامس والثلاثون ما رواه منصور عن زيد بن وهب عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رضيت لأمتي ما رضى لها ابن أم عبد" كذا رواه يحيى بن يعلى المحاربي عن زيد عن منصور والصواب ما رواه إسرائيل وسفيان عن منصور عن القاسم بن عبد الرحمن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ولكن قد روى جعفر بن عوف عن المسعودي عن جعفر بن عمرو ابن حريش عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود: "اقرأ على" قال: أقرأ وعليك انزل قال: "إني أحب أن اسمعه من غيري" فافتتح سورة النساء حتى إذا بلغ فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا فاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكف عبد الله بن مسعود فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وتكلم فحمد الله وأثنى عليه في أول كلامه وأثنى على الله وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم وشهد شهادة الحق وقال: "رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا ورضيت لكم ما رضى لكم ابن أم عبد" ومن قال ليس قوله بحجة وإذا خالفه غيره ممن بعده يجوز أن يكون الصواب في قول المخالف له لم يرض للامة ما رضيه لهم ابن أم عبد ولا ما رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الوجه السادس والثلاثون: ما رواه أبو إسحاق عن حارثة بن مضرب قال كتب عمر رضى الله عنه إلى أهل الكوفة قد بعثت إليكم عمار بن ياسر أميرا وعبد الله بن مسعود معلما ووزيرا وهما من النجباء من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم من أهل بدر فاقتدوا بهما واسمعوا قولهما وقد آثرتكم بعبد الله على نفسي فهذا عمر قد أمر أهل الكوفة أن يقتدوا بعمار وابن مسعود ويسمعوا قولهما ومن لم يجعل قولهما حجة يقول لا يجب الإقتداء بهما ولا سماع أقوالهما إلا فيما أجمعت عليه الأمة ومعلوم أن ذلك لا اختصاص لهما به بل لا فرق فيه بينهما وبين غيرها من سائر الأمة.
الوجه السابع والثلاثون: ما قاله عبادة بن الصامت وغيره بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن نقول بالحق حيث كنا ولا نخاف في الله لومة لائم ونحن نشهد بالله انهم وفوا بهذه البيعة وقالوا بالحق وصدعوا به ولم تأخذهم في الله لومة لائم ولم يكتموا شيئا منه مخافة سوط ولا عصا ولا أمير ولا وال كما هو معلوم لمن تأمله من هديهم وسيرتهم فقد أنكر أبو سعيد على مروان وهو أمير على المدينة وأنكر عبادة بن الصامت على معاوية وهو خليفة وأنكر ابن عمر على الحجاج مع سطوته وبأسه وأنكر على عمرو بن سعيد وهو أمير على المدينة وهذا كثير جدا من إنكارهم على الأمراء والولاة إذا خرجوا عن العدل لم يخافوا سوطهم ولا عقوبتهم ومن بعدهم لم تكن لهم هذه المنزلة بل كانوا يتركون كثيرا من الحق خوفا من ولاة الظلم وأمراء الجور فمن المحال أن يوفق هؤلاء للصواب ويحرمه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجه الثامن والثلاثون: ما ثبت في الصحيح من حديث أبى سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رقي المنبر فقال: "إن عبدا خيره الله بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله فبكى أبو بكر وقال بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا فعجبنا لبكائه أن يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن رجل خير فكان المخير رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر أعلمنا به" وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أمن الناس لينا في صحبته وذات يده أبو بكر ولو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام ومودته لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبى بكر" ومن المعلوم أن فوت الصواب في الفتوى لأعلم الأمة برسول الله صلى الله عليه وسلم ولجميع الصحابة معه وظفر فلان وفلان من المتأخرين بهذا من أمحل المحال ومن لم يجعل قوله حجة يجوز ذلك بل يحكم بوقوعه والله المستعان.
الوجه التاسع والثلاثون ما رواه زائدة عن عاصم عن زر عن عبد الله قال ما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الأنصار منا أمير ومنكم أمير فأتاهم عمر قال: "ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يؤم الناس قالوا: بلى فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر فقالوا: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر ونحن نقول لجميع المفتين أيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر إذا أفتى بفتوى وأفتى من قلدتموه بغيرها ولا سيما من قال من زعمائكم إنه يجب تقليد من قلدناه ديننا ولا يجوز تقليد أبي بكر الصديق رضى الله عنه اللهم إنا نشهدك أن أنفسنا لا تطيب بذلك ونعوذ بك أن نطيب به نفسا".
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:53 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 12:31 am | |
| الوجه الأربعون ما ثبت في الصحيح من حديث الزهري عن حمزة بن عبد الله عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بينما أنا نائم إذ أتيت بقدح لبن فقيل لي اشرب فشربت منه حتى إني لأرى الرى يجري في أظفاري ثم أعطيت فضلتى عمر قالوا: فما أولت ذلك قال: العلم" ومن أبعد الأشياء أن يكون الصواب مع من خالفه في فتيا أوحكم لا يعلم أن أحدا من الصحابة خالفه فيه وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الشهادة.
الوجه الحادي والأربعون ما ثبت في الصحيح من حديث عبد الله بن ابي يزيد عن ابن عباس رضى الله عنهما انه وضع للنبي صلى الله عليه وسلم وضوءا فقال من وضع هذا قالوا ابن عباس فقال اللهم فقهه في الدين وقال عكرمة ضمني إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم علمه الحكمة" ومن المستبعد جدا بل المتنع أن يفتى حبر الأمة وترجمان القرآن الذي دعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بدعوة مستجابة قطعا أن يفقهه في الدين ويعلمه الحكمة ولا يخالفه فيها احد من الصحابة ويكون فيها على خطأ ويفتى واحد من المتأخرين بعده بخلاف فتواه ويكون الصواب معه فيظفر به هو مقلدوه ويحرمه ابن عباس والصحابة.
الوجه الثاني والأربعون: أن صورة المسألة ما إذا لم يكن في الواقعة حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا اختلاف بين الصحابة رضى الله عنهم وإنما قال بعضهم فيها قولا وأفتى بفتيا ولم يعلم أن قوله وفتياه اشهر في الباقين ولا أنهم خالفوه وحينئذ فنقول من تأمل المسائل الفقهية والحوادث الفرعية وتدرب بمسالكها وتصرف في مداركها وسلك سبلها ذللا وارتوى من مواردها عللا ونهلا علم قطعا ان كثيرا منها قد تشتبه فيها وجوه الرأي بحيث لا يوثق فيها بظاهر مراد أوقياس صحيح ينشرح له الصدر ويثلج له الفؤاد بل تتعارض فيها الظواهر والاقيسة على وجة يقف المجتهد في اكثر المواضع حتى لا يبقى للظن رجحان بين لا سيما اذا اختلف الفقهاء فإن عقولهم من اكمل العقول واوفرها فإذا تلددوا وتوقفوا ولم يتقدموا ولم يتأخروا لم يكن ذلك في المسألة طريقة واضحة ولا حجة لائحة فإذا وجد فيها قول لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضى الله عنهم الذين هم سادات الامة وقدوة الائمة واعلم الناس بكتاب ربهم تعالى وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم وقد شاهدوا التنزيل وعرفوا التأويل ونسبة من بعدهم في العلم اليهم كنسبتهم اليهم في الفضل والدين كان الظن والحالة هذه بان الصواب في جهتهم والحق في جانبهم من اقوى الظنون وهو اقوى من الظن المستفاد من كثير من الاقيسة هذا مالا يمترى فيه عاقل منصف وكان الرأي الذي يوافق رأيهم هو الرأي السداد الذي لا رأى سواه وإذا كان المطلوب في الحادثة إنما هو ظن راجح ولو استند الى استصحاب أوقياس علة أودلالة أوشبه أوعموم مخصوص أومحفوظ مطلق أووارد على سبب فلا شك أن الظن الذي يحصل لنا بقول الصحابي الذي لم يخالف ارجح من كثير من الظنون المستندة إلى هذه الأمور أوأكثرها وحصول الظن الغالب في القلب ضروري كحصول الأمور الوجدانية ولا يخفى على العالم أمثلة ذلك.
الوجه الثالث والأربعون أن الصحابي إذا قال قولا أوحكم بحكم أوأفتى بفتيا فله مدارك ينفرد بها عنه ومدارك نشاركه فيها فأما ما يختص به فيجوز أن يكون سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم شفاها أومن صحابي آخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ما انفردوا به من العلم عنه أكثر من أن يحاط به فلم يرو كل منهم كل ما سمع وأين ما سمعه الصديق رضى الله عنه والفاروق وغيرهما من كبار الصحابة رضى الله عنهم إلى ما رووه فلم يرو عنه صديق الأمة مائة حديث وهو لم يغب عن النبي صلى الله عليه وسلم في شئ من مشاهده بل صحبه من حين بعث بل قبل البعث إلى أن توفي وكان أعلم الأمة به صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله وهديه وسيرته وكذلك اجله الصحابة روايتهم قليلة جدا بالنسبة الى ما سموه من نبيهم وشاهدوه ولو رووا كل ما سمعوه وشاهدوه لزاد على رواية أبي هريرة أضعافا مضاعفة فإنه إنما صحبه نحو أربع سنين وقد روى عنه الكثير فقول القائل لو كان عند الصحابي في هذه الواقعة شئ عن النبي صلى الله عليه وسلم لذكره قول من لم يعرف سيرة القوم وأحوالهم فإنهم كانوا يهابون الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويعظمونها ويقللونها خوف الزيادة والنقص ويحدثون بالشيء الذي سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم مرارا ولا يصرحون بالسماع ولا يقولون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فتلك الفتوى التي يفتى بها أحدهم لا تخرج عن ستة أوجه أحدها أن يكون سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم الثاني أن يكون سمعها ممن سمعها منه الثالث أن يكون فهمها من آية من كتاب الله فهما خفى علينا الرابع أن يكون قد اتفق عليها ملؤهم ولم ينقل إلينا قول المفتى بها وحده الخامس أن يكون لكمال علمه باللغة ودلالة اللفظ على الوجه الذي انفرد به عنا أولقرائن عالية اقترنت بالخطاب أولمجموع أمور فهموها على طول الزمان من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ومشاهدة أفعاله وأحواله وسيرته وسماع كلامه والعلم بمقاصده وشهود تنزيل الوحي ومشاهدة تأويله الفعل فيكون فهم مالا نفهمه نحن وعلى هذه التقادير الخمسة تكون فتواه حجة بجب أتباعها السادس أن يكون فهم ما لم يرده الرسول صلى الله عليه وسلم وأخطأ في فهمه والمراد غير ما فهمه وعلى هذا التقدير لا يكون قوله حجة ومعلوم قطعا أن وقوع احتمال من خمسة أغلب على الظن من وقوع احتمال واحد معين هذا مالا يشك فيه عاقل وذلك يفيد ظنا غالبا قويا على أن الصواب في قوله دون ما خالفه من أقوال من بعده وليس المطلوب إلا الظن الغالب والعمل به متعين ويكفى العارف هذا الوجه.
فصل: ما امتاز به المتقدمون على المتأخرين هذا فيما انفردوا به عنا أما المدارك التي شاركناهم فيها من دلالات الألفاظ والاقيسة فلا ريب انهم كانوا ابر قلوبا واعمق علما واقل تكلفا واقرب إلى أن يوفقوا فيها لما لم نوفق له نحن لما خصهم الله تعالى به من توقد الأذهان وفصاحة اللسان وسعة العلم وسهولة الأخذ وحسن الإدراك وسرعته وقلة المعارض أوعدمه وحسن القصد وتقوى الرب تعالى فالعربية طبيعتهم وسليقتهم والمعاني الصحيحة مركوزة في فطرهم وعقولهم ولا حاجة بهم إلى النظر في الإسناد وأحوال الرواة وعلل الحديث والجرح والتعديل ولا الى النظر في قواعد الأصول وأوضاع الأصوليين بل قد غنوا عن ذلك كله فليس في حقهم إلا أمران أحدهما قال الله تعالى كذا وقال رسوله كذا والثاني معناه كذا وكذا وهم أسعد الناس بهاتين المقدمتين وأحظى الأمة بهما فقواهم متوفرة مجتمعة عليهما.
وأما المتأخرون فقواهم متفرقة وهممهم متشعبة فالعربية وتوابعها قد خذت من قوى أذهانهم شعبة والأصول وقواعدها قد أخذت منها شبعة وعلم الإسناد وأحوال الرواة قد اخذ منها شعبة وفكرهم في كلام مصنفيهم وشيوخهم على اختلافهم وما أرادوا به قد اخذ منها شعبة الى غير ذلك من الامور فإذا وصلوا الى النصوص النبوية إن كان لهم همم تسافر اليها وصلوا اليها بقلوب وأذهان قد كلت من السير في غيرها وأوهن قواهم مواصلة السرى في سواها فأدركوا من النصوص ومعانيها بحسب القوة وهذا أمر يحسن به الناظر في مسألة إذا استعمل قوى ذهنه في غيرها ثم صار اليها وافاها يذهن كال وقوة ضعيفة وهذا شأن من استفرغ قواه في الأعمال غير المشروعة نضعف قوته عند العمل المشروع كمن استفرغ قوته في السماع الشيطاني فإذا جاءه قيام الليل قام الى ورده بقوة كالة وعزيمة باردة وكذلك من صرف قوى حبه وإرادته الى الصور أوالمال أوالجاه فإذا طالب قلبه بمحبة الله فإن انجذب معه انجذب بقوة ضعيفة قد استفرغها في محبة غيره فمن استفرغ قوى فكره في كلام الناس فإذا جاء الى كلام الله ورسوله جاء بفكرة كالة فأعطى بحسب ذلك.
والمقصود ان الصحابة اغناهم الله تعالى عن ذلك كله فاجتمعت قواهم على تينك المقدمتين فقط هذا الى ما خصوا به من قوى الاذهان وصفائها وصحتها وقوة إدراكها وكماله وكثرة المعاون وقلة الصارف وقرب العهد بنور النبوة والتلقي من تلك المشكاة النبوية فإذا كان هذا حالنا وحالهم فيما تميزوا به علينا وما شاركناهم فيه فكيف نكون نحن أوشيوخنا أوشيوخهم أومن قلدناه اسعد بالصواب منهم في مسألة من المسائل ومن حدث نفسه بهذا فليعزلها من الدين والعلم والله المستعان.
الوجه الرابع والاربعون ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تزال طائفة من امتي ظاهرين على الحق" وقال علي كرم الله وجهه ورضى عنه لن تخلو الارض من قائم لله بحجة لكيلا تبطل حجج الله وبيناته فلو جاز ان يخطئ الصحابي في حكم ولا يكون في ذلك العصر ناطق بالصواب في ذلك الحكم لم يكن في الامة قائم بالحق في ذلك الحكم لأنهم بين ساكت ومخطئ ولم يكن في الارض قائم لله بحجة في ذلك الامر ولا من يأمر فيه بمعروف أوينهى فيه عن منكر حتى نبغت نابغة فقامت بالحجة وامرت بالمعروف ونهت عن المنكر وهذا خلاف ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع.
الوجه الخامس والأربعون انهم إذا قالوا قولا أوبعضهم ثم خالفهم مخالف من غيرهم كان مبتديا لذلك القول ومبتدعا له وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة" وقول من جاء بعدهم يخالفهم من محدثات الأمور فلا يجوز أتباعهم.
وقال عبد الله بن مسعود: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة "وقال: "أيضا إنا نقتدى ولا نبتدي ونتبع ولا نبتدع ولن نضل ما تمسكنا بالأثر".
وقال أيضا: "إياكم والتبدع وإياكم والتنطع وإياكم والتعمق وعليكم بالدين العتيق".
وقال أيضا: "أنا لغير الدجال أخوف عليكم من الدجال أمور تكون من كبرائكم فأيما مرية أورجيل أدرك ذلك الزمان فالسمت الأول فالسمت الأول فأنا اليوم على السنة".
وقال أيضا:"وإياكم والمحدثان فإن شر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلاله" وقال أيضا اتبع ولا تبتدع فإنك لن تضل ما أخذت بالأثر.
وقال ابن عباس: "كان يقال عليكم بالاستقامة والأثر وإياكم والتبدع".
وقال شريح: "إنما أقتفى الأثر فما وجدت قد سبقنا إليه غيركم حدثتكم به".
وقال إبراهيم النخعي: "بلغنى عنهم يعنى الصحابة انهم لم يجاوزوا بالوضوء ظفرا ما جاوزته به وكفى على قوم وزرا أن تخالف أعمالهم أعمال أصحاب نبيهم صلى الله عليه وسلم".
وقال عمر بن عبد العزيز: "إنه لم يبتدع الناس بدعة إلا وقد مضى ما هو دليل وعبرة منها والسنة ما أسنتها إلا من علم ما في خلافها من الخطأ والزلل والحمق والتعمق فارض لنفسك ما رضى القوم" وقال أيضا: "قف حيث وقف القوم وقل كما قالوا واسكت كما سكتوا فإنهم عن علم وقفوا وببصر ناقد كفوا وهم على كشفها كانوا أقوى وبالفضل لو كان فيها أحرى أي فلئن كان الهدى ما أنتم عليه فلقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم حدث بعدهم فما أحدثه إلا من سلك غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم وانهم لهم السابقون ولقد تكلموا منه بما يكفي ووصفوا منه ما يشفى فما دونهم مقصر ولا فوقهم مجسر ولقد قصر عنهم قوم فجفوا وطمح آخرون عنهم فغلوا وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم" وقال أيضا كلاما كان مالك بن انس وغيره من الأئمة يستحسنونه ويحدثون به دائما قال: "سن رسول الله صلى الله عليه وسلم لولاة الأمر بعده سننا الأخذ بها تصديق لكتاب الله واستكمال لطاعته وقوة على دينه ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها ولا النظر في رأي من خالفهم فمن اقتدى بما سنوا فقد اهتدى ومن استنصر بها منصور ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله ما تولى وأصلاه جهنم وساءت مصيرا" ومن هنا اخذ الشافعي الاحتجاج بهذه الآية على أن الإجماع حجة.
وقال الشعبي: "عليك بآثار من سلف وإن رفضك الناس وإياك وآراء الرجال وإن زخرفوها لك بالقول" وقال أيضا: "ما حدثوك به عن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فخذه وما حدثوك به عن رأيهم فانبذه في الحش".
قال الاوزاعي: "اصبر نفسك على السنة وقف حيث وقف القوم واسلك سبيل سلفك الصالح فإنه يسعك ما وسعهم وقل بما قالوا وكف عما كفوا ولو كان هذا خيرا ما خصصتم به دون أسلافكم فإنهم لم يدخر عنهم خير خبئ لكم دونهم لفضل عندكم وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين اختارهم له وبعثه فيهم ووصفهم فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} الآية".
الوجه السادس والأربعون: انه لم يزل أهل العلم في كل عصر ومصر يحتجون بما هذا سبيله في فتاوي الصحابة وأقوالهم ولا ينكره منكر منهم وتصانيف العلماء شاهدة بذلك ومناظرتهم ناطقة به.
قال بعض علماء المالكية أهل الأعصار مجمعون على الاحتجاج بما هذا سبيله وذلك مشهور في رواياتهم وكتبهم ومناظراتهم واستدلالاتهم ويمتنع والحالة هذه إطباق هؤلاء كلهم على الاحتجاج بما لم يشرع الله ورسوله الاحتجاج به ولا نصبه دليلا للأمة فأي كتاب شئت من كتب السلف والخلف المتضمنة للحكم والدليل وجدت فيه الاستدلال بأقوال الصحابة ووجدت ذلك طرازها وزينتها ولم تجد فيها قط ليس قول ابي بكر وعمر حجة ولا يحتج بأقوال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتاويهم ولا ما يدل على ذلك وكيف يطيب قلب عالم يقدم على أقوال من وافق ربه تعالى في غير حكم فقال وأفتى بحضرة الرسول صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بموافقة ما قال لفظا ومعنى قول متأخر بعده ليس له هذه الرتبة ولا يدانيها وكيف يظن احد ان الظن المستفاد من فتاوي السابقين الاولين الذين شاهدوا الوحي والتنزيل وعرفوا التأويل وكان الوحي ينزل خلال بيوتهم وينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أظهرهم؟
قال جابر: "والقرآن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعرف تأويله فما عمل به من شئ عملنا به" في حديث حجة الوداع فمستندهم في معرفة مراد الرب تعالى من كلامه ما يشاهدونه من فعل رسوله وهديه الذى هو يفصِّل القرآن ويفسِّره فكيف يكون أحد من الامة بعدهم اولى بالصواب منهم في شئ من الاشياء هذا عين المحال.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:53 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 12:45 am | |
| تفسير الصحابي للقرآن كفتواه: فإن قيل فإذا كان هذا حكم أقوالهم في أحكام الحوادث فما تقولون في أقوالهم في تفسير القران هل هي حجة يجب المصير اليها؟.
قيل لا ريب ان اقوالهم في التفسير اصوب من اقوال من بعدهم وقد ذهب بعض اهل العلم الى ان تفسيرهم في حكم المرفوع قال ابو عبد الله الحاكم في مستدركه: "وتفسير الصحابي عندنا في حكم المرفوع" ومراده أنه في حكمه في الاستدلال به والاحتجاج لا أنه إذا قال الصحابي في الآية قولا فلنا أن نقول هذا القول قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وله وجه آخر وهو أن يكون في حكم المرفوع بمعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بيَّن لهم معاني القرآن وفسره لهم كما وصفه تعالى بقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} فبين لهم القرآن بيانا شافيا كافيا وكان إذا أشكل على أحد منهم معنى سأله عنه فأوضحه له كما سأله الصديق عن قوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} فبين له المراد وكما ساله الصحابي عن قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} فبين لهم معناها وكما سألته ام سلمة عن قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} فبين لها انه العرض وكما سأله عمر عن الكلالة فأحاله على آية الصيف التي في آخر السورة وهذا كثير جدا فإذا نقلوا لنا تفسير القرآن فتارة ينقلونه عنه بلفظه وتارة يمعناه فيكون ما فسروا بالفاظهم من باب الرواية بالمعنى كما يروون عنه السنة تارة بلفظها وتارة بمعناها وهذا أحسن الوجهين والله اعلم.
فإن قيل فنحن نجد لبعضهم أقوالا في التفسير تخالف الاحاديث المرفوعة الصحاح وهذا كثير كما فسر ابن مسعود الدخان بأنه الاثر الذي حصل عن الجوع الشديد والقحط وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه دخان يأتى قبل يوم القيامة" يكون من أشراط الساعة مع الدابة والدجال وطلوع الشمس من مغربها وفسر عمر بن الخطاب قوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ} بانها للبائنة والرجعية حتى قال لا ندع كتاب ربنا لقول امرأة مع أن السنة الصحيحة في البائن تخالف هذا التفسير وفسر علي بن ابي طالب كرم الله وجهه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً} أنها عامة في الحامل والحائل فقال تعتد ابعد الاجلين والسنة الصحيحة بخلافه وفسر ابن مسعود قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنّ} بان الصفة لنسائكم الأولى والثانية فلا تحرم ام المراة حتى يدخل بها والصحيح خلاف قوله وان ام المرأة تحرم بمجرد العقد على العقد على ابنتها والصفة راجعة الى قوله وربائبكم اللاتى في حجوركم من نسائكم اللاتي دخلتم بهن وهو قول جمهور الصحابة وفسر ابن عباس السجل بأنه كاتب للنبي صلى الله عليه وسلم يسمى السجل وذلك وهم وإنما السجل الصحيفة المكتوبة واللام مثلها في قوله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} وفي قول الشاعر: فخر صريعا لليدين وللفم أي يطوى السماء كما يطوى السجل على ما فيه من الكتاب وهذا كثير جدا فكيف يكون تفسير الصحابي حجة في حكم المرفوع؟
قيل: الكلام في تفسيره كالكلام في فتواه سواء وصورة المسألة هنا كصورتها هناك سواء بسواء وصورتها ان لا يكون في المسألة نص يخالفه ويقول في الاية قولا لا يخالفه فيه أحد من الصحابة سواء علم لا شتهاره أولم يعلم وما ذكر من هذه الامثلة فقد فيه الامران وهو نظير ما روى عن بعضهم من الفتاوي التي تخالف النص وهم مختلفون فيها سواء.
فإن قيل: لو كان قوله حجة بنفسه لما اخطأ ولكان معصوما لتقوم الحجة بقوله فإذا كان يفتى بالصواب تارة وبغيره اخرى وكذلك تفسيره فمن أين لكم ان هذه الفتوى المعينة والتفيسر المعين من قسم الصواب إذ صوره المسألة انه لم يقم على المسألة دليل غير قوله وقوله ينقسم فما الدليل على ان هذا القول المعين من أحد القسمين ولا بد.
قيل: الادلة المتقدمة تدل على انحصار الصواب في قوله في الصورة المفروضة الواقعة وهو ان من المتنع ان يقولوا في كتاب الله الخطأ المحض ويمسك الباقون عن الصواب فلا يتكلمون به وهذه الصورة المذكورة وامثالها قد تكلم فيها غيرهم بالصواب والمحظور إنما هو خلو عصرهم عن ناطق بالصواب واشتماله على ناطق بغيره فقط فهذا هو المحال وبهذا خرج الجواب عن قولكم لو كان قول الواحد منهم حجة لما جاز عليه الخطأ فإن قوله لم يكن بمجرده حجة بل بما انضاف اليه مما تقدم ذكره من القرائن.
الفرق بين الصحابي والتابعي في الاخذ بقولهم وتفسيرهم: فإن قيل فبعض ما ذكرتم من الادلة يقتضى ان التابعي اذا قال قولا ولم يخالفه صحابي ولا تابعي ان يكون قوله حجة.
فالجواب: ان التابعين انتشروا انتشارا لا ينضبط لكثرتهم وانتشرت المسائل في عصرهم فلا يكاد يغلب على الظن عدم المخالف لما أفتى به الواحد منهم فإن فرض ذلك فقد اختلف السلف في ذلك فمنهم من يقول يجب اتباع التابعي فيما أفتى به ولم يخالفه فيه صحابي ولا تابعى وهذا قول بعض الحنابلة والشافعية وقد صرح الشافعي في موضع بأنه قاله تقليدا لعطاء وهذا من كمال علمه وفقهه رضى الله عنه فإنه لم يجد في المسألة غير قول عطاء فكان قوله عنده أقوى ما وجد في المسألة وقال في موضع آخر وهذا يخرج على معنى قول عطاء والاكثرون يفرقون بين الصحابي والتابعي ولا يخفى ما بينهما من الفروق على ان في الاحتجاج بتفسير التابعي.
عن الامام احمد روايتين ومن تأمل كتب الائمة ومن بعدهم وجدها مشحونة بالاحتجاج بتفسير التابعي
فإن قيل: فما تقولون في قوله اذا خالف القياس؟
قيل:
من يقول بأن قوله ليس بحجة فلهم قولان فيما اذا خالف القياس احدهما انه اولى ان لا يكون حجة لانه قد خالف حجة شرعية وهو ليس بحجة في نفسة والثاني انه حجة في هذه الحال ويحمل على انه قاله توفيقا ويكون بمنزلة المرسل الذي عمل به مرسله.
وأما من يقول إنه حجة فلهم أيضا قولان احدهما انه حجة وإن خالف القياس بل هو مقدم على القياس والنص مقدم عليه فنرتب الادلة عندهم القرآن ثم السنة ثم قول الصحابة ثم القياس والثاني ليس بحجة لانه قد خالفه دليل شرعي وهو القياس فإنه لا يكون حجة إلا عند عدم المعارض والاولون يقولون قول الصحابي اقوى من المعارض الذي خالفه من القياس لوجوه عديدة والاخذ بأقوى الدليلين متعين وبالله التوفيق
فوائد تتعلق بالفتوى ولنختم الكتاب بفوائد تتعلق بالفتوى اربعة انواع للأسئلة: الفائدة الاولى: أسئلة السائلين لا تخرج عن أربعة أنواع لا خامس لها الأول أن يسأل عن الحكم فيقول ما حكم كذا وكذا، الثاني أن يسأل عن دليل الحكم، الثالث أن يسأل عن وجه دلالته، الرابع أن يسأل عن الجواب عن معارضيه.
فإن سأل الحكم فللمسئول حالتان إحداهما أن يكون عالما به والثانية أن يكون جاهلا به حرم عليه الإفتاء بلا علم فإن فعل فعليه إثمة وإثم المستفتى فإن كان يعرف في المسألة ما قاله الناس ولم يتبين له الصواب من أقوالهم فله أن يذكر له ذلك فيقول فيها اختلاف بين العلماء ويحكيه إن أمكنه للسائل وإن كان عالما بالحكم فللسائل حالتان إجداهما أن يكون قد حضره وقت العمل احتاج إلى السؤال فيجب على المفتى المبادرة على الفور إلى جوابه فلا يجوز له تأخير بيان الحكم له عن وقت الحاجة والحالة الثانية ان يكون قد سأل عن الحادثة قبل وقوعها فهذا لا يجب على المفتى أن يجيبه عنها وقد كان السلف الطيب إذا سئل أحدهم عن مسألة يقول للسائل هل كانت أووقعت فإن قال لا لم يجبه وقال دعنا في عافية وهذا لأن الفتوى بالرأي لا تجوز إلاعند الضرورة تبيحه كما تبيح الميتة عند الاضطرار وهذا إنما هو في مسألة لا نص فيها ولا إجماع فإن كان فيها نص أواجماع فعليه تبلغيه بحسب الإمكان فمن سئل عن علم فكتمه ألجمة الله يوم القيامة بلجام من نار هذا إذا أمن المفتى غائله الفتوى فإن لم يأمن غائلتها وخاف من ترتب شر أكثر من الإمساك عنها امسك عنها ترجيحا لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما وقد أمسك النبي صلى الله عليه وسلم عن نقض الكعبة وإعادتها على قواعد إبراهيم لأجل حدثان عهد قريش بالإسلام وأن ذلك ربما نفرهم عنه بعد الدخول فيه وكذلك إن كان عقل السائل لا يحتمل الجواب عما سأل عنه وخاف المسئول إن يكون فتنة له أمسك عن جوابه قال ابن عباس رضى الله عنه لرجل سأله عن تفسير آية وما يؤمنك أني لو أخبرتك يتفسيرها كفرت به أي جحدته وأنكرته وكفرت به ولم يرد أنك تكفر بالله ورسوله.
يجوز للمفتي أن يعدل عن السؤال إلى ما هو أنفع: الفائدة الثانية: يجوز للمفتي أن يعدل عن جواب المستفتي عما سأله عنه إلى ما هو انفع له منه ولا سيما إذا تضمن ذلك بيان ما سأل عنه وذلك من كمال علم المفتى وفقهه ونصحه وقد قال تعالى: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} فسألوه عن المنفق فأجابهم بذكر المصرف إذ هو أهم مما سألوه عنه ونبههم عليه بالسياق مع ذكره لهم في موضع آخر وهو قوله تعالى: {قُلِ الْعَفْوَ} وهو ما سهل عليهم إنفاقه ولا يضرهم إخراجه وقد ظن بعضهم ان من ذلك قوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجّ} فسألوه عن سبب ظهور الهلال خفيا ثم لا يزال يتزايد فيه النور على التدريج حتى يكمل ثم يأخذ في النقصان فأجابهم عن حكمة ذلك من ظهور مواقيت الناس التي بها تمام مصالحهم في أحوالهم ومعاشهم ومواقيت اكبر عبادتهم وهو الحج وإن كانوا قد سألوا عن السبب فقد اجيبوا بما هو أنفع لهم مما سألوا عنه وإن كانوا إنما سألوا عن حكمة ذلك فقد اجيبوا عن عين ما سالوا عنه ولفظ سؤالهم محتمل فإنهم قالوا ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم ياخذ في الزيادة حتى يتم ثم يأخذ في النقص؟
يجوز للمفتى أن يجيب بأكثر مما سئل: الفائدة الثالثة يجوز للمفتى ان يجيب السائل بأكثر مما سأله عنه وهو من كمال نصحه وعلمه وإرشاده ومن عاب ذلك فلقلة علمه وضيق عطنه وضعف.
به منعهما من ذلك وامر محمية بن جزو وكان على الخمس ان يعطيهما ما ينكحان به فمنعهما من الطريق المحرم وفتح لهما الطريق المباح وهذا اقتداء منه بربه تبارك وتعالى فإنه يساله عبده الحاجة فيمنعه إياها ويعطيه ما أصلح له وانفع منها وهذا غاية الكرم والحكمة.
"الفائدة الرابعة: غير موجودة بالأصل".
تنبيه السائل الى ما يرفع الوهم: الفائدة الخامسة: إذا أفتى المفتى للسائل بشئ ينبغي له ان ينبهه على وجه الاحتراز مما قد يذهب اليه الوهم منه من خلاف الصواب وهذا باب لطيف من أبواب العلم والنصح والارشاد ومثال هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده" فتأمل كيف أتبع الجملة الاولى بالثانية رفعا لتوهم إهدار دماء الكفار مطلقا وإن كانوا في عهدهم فإنه لما قال لا يقتل مؤمن بكافر فربما ذهب الوهم الى ان دماءهم هدر ولهذا لو قتل احدهم مسلم لم يقتل به فرفع هذا التوهم بقوله ولا ذو عهد في عهده ولقد خفيت هذه اللطيفة الحسنة على من قال يقتل المسلم بالكافر المعاهد وقدر في الحديث ولا ذو عهد في عهده بكافر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا اليها" فلما كان نهيه عن الجلوس عليها نوع تعظيم لها عقبه بالنهي عن المبالغة في تعظيمها حتى تجعل قبلة وهذا بعينه مشتق من القرآن كقوله تعالى لنساء نبيه: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} فنهاهن عن الخضوع بالقول فربما ذهب الوهم الى الاذن في الاغلاظ في القول والتجاوز فرفع هذا التوهم بقوله: {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} ومن ذلك قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} لما أخبر سبحانه بإلحاق الذرية ولا عمل لهم بآبائهم في الدرجة فربما توهم متوهم ان يحط الآباء الى درجة الذرية فرفع هذا التوهم بقوله وما ألتناهم من عملهم من شئ أي ما نقصنا من الاباء شيئا من أجور اعمالهم بل رفعنا ذريتهم الى درجتهم ولم نحطهم الى درجتهم بنقص اجورهم ولما كان الوهم قد يذهب الى انه يفعل ذلك بأهل النار كما يفعله بأهل الجنة قطع هذا الوهم بقوله تعالى: {كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} ومن هذا قوله تعالى: {إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} وله كل شئ فلما كان ذكر ربوبيته البلدة الحرام قد يوهم الاختصاص عقبه بقوله وله كل شئ ومن ذلك قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} فلما ذكر كفايته للمتوكل عليه فربما اوهم ذلك تعجيل الكفاية وقت التوكل فعقبه بقوله قد جعل الله لكل شئ قدرا أي وقتا لا يتعداه فهو يسوقه الى وقته الذي قدره له فلا يستعجل المتوكل ويقول قد توكلت ودعوت فلم ار شيئا ولم تحصل لي الكفاة فالله بالغ أمره في وقته الذي قدره له وهذا كثي جدا في القرآن والسنة وهو باب لطيف من ابواب فهم النصوص.
يجب على المفتى ان يذكر دليل الحكم: الفائدة السادسة: ينبغي للمفتى ان يذكر دليل الحكم ومأخذه ما أمكنه من ذلك ولا يلقيه الى المستفتى ساذجا مجردا عن دليله ومأخذه فهذا لضيق عطنه وقلة بضاعته من العلم ومن تأمل فتاوي النبي صلى الله عليه وسلم الذي قوله حجة بنفسه رآها مشتملة على التنبيه على حكمة الحكم ونظيره ووجه مشروعيته وهذا كما سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال اينقص الرطب إذا جف قالوا نعم فزجر عنه ومن المعلوم انه كان يعلم نقصانه بالجفاف ولكن نبههم على علة التحريم وسببه ومن هذا قوله لعمر وقد سأله عن قبلة امرأته وهو صائم فقال أرأيت لو تمضمضت ثم مججته أكان يضر شيئا قال لا فنبه على أن مقدمة المحظور لا يلزم ان تكون محظورة فإن غاية القبة أنها مقدمة الجماع فلا يلزم من تحريمه تحريم مقدمته.
كما أن وضع الماء في الفم مقدمة شربه وليست المقدمة محرمة ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها فإنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" فذكر لهم الحكم ونبههم على علة التحريم ومن ذلك قوله لابي النعمان بن بشير وقد خص بعض ولده بغلام نحله إياه فقال ايسرك ان يكونوا لك في البر سواء قال نعم قال فاتقوا الله واعدلوا بين اولادكم وفي لفظ إن هذا لا يصلح وفي لفظ إنى لا أشهد على جور وفي لفظ أشهد على هذا غيري تهديدا لا إذنا فإنه لا يأذن في الجور قطعا وفي لفظ رده والمقصود انه نبهه على علة الحكم ومن هذا قوله صلى الله عليه وسلم لرافع بن خديج وقد قال له: "إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل ليس السن والظفر وسأحدثك عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة" فنبه على علة المنع من التذكية بهما بكون احدهما عظماء وهذا تنبيه على عدم التذكية بالعظام إما لنجاسة بعضها وإما لتنجيسه على مؤمني الجن ولكون الاخر مدى الحبشه ففي التذكية بها تشبه بالكفار ومن ذلك قوله إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الانسية فإنها رجس ومن ذلك قوله في الثمرة تصيبها الجائحة أرأيت إن منع الله الثمرة فبم يأكل احدكم مال اخيه بغير حق وهذا التعليل بعينه ينطبق على من استأجر أرضا للزراعة فأصاب الزرع آفة سماوية لفظا ومعنى فيقال للمؤجر ارأيت إن منع الله الزرع فبم تأكل مال اخيك بغير حق وهذا هو الصواب الذي ندين الله به في المسألة وهو اختيار شيخ الاسلام ابن تيمية. والمقصود أن الشارع مع كون قوله حجة بنفسه يرشد الامة الى علل الاحكام ومداركها وحكمها فورثته من بعده كذلك ومن ذلك نهيه عن الخذف وقال إنه يفقأ العين ويكسر السن ومن ذلك إفتاؤه للعاض يد غيره بإهدار دية ثنيته لما سقطت بانتزاع المعضوض يده من فيه ونيه على العلة بقوله ايدع يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل وهذا من أحسن التعليل وابينه فإن العاض لما صال على المعضوض جاز له ان يرد صياله عنه بانتزاع يده من فمه فإذا ادى ذلك الى اسقاط ثناياه كان سقوطها بفعل مأذون فيه من الشارع فلا يقابل بالدية وهذا كثير جدا في السنة فينبغي للفتى ان ينبه السائل على علة الحكم ومأخذه ان عرف ذلك والا حرم عليه ان يفتي بلا علم وكذلك احكام القران يرشد سبحانه فيها الى مداركها وعللها كقوله ويسالونك عن المحيض قل هو اذى فاعتزلوا النساء في المحيض فأمر سبحانه نبيه ان يذكر لهم علة الحكم قبل الحكم وكذلك قوله {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم} وكذلك قوله {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم} وقال في جزاء الصيد {ليذوق وبال أمره}.
التمهيد للحكم المستغرب: الفائدة السابعة إذا كان الحكم مستغربا جدا مما لم تألفه النفوس وإنما الفت خلافه فينبغي للمفتي ان يوطئ قبله ما يكون مؤذنا به كالدليل عليه والمقدمة بين يديه فتأمل ذكره سبحانه قصة زكريا وإخراج الولد منه بعد انصرام عصر الشبيبة وبلوغه السن الذي لا يولد فيه لمثله في العادة فذكر قصته مقدمة بين يدي قصة المسيح وولادته من غير اب فإن النفوس لما آنست بولد من بين شيخين كبيرين لا يولد لهما عادة سهل عليها التصديق بولادة ولد من غير أب وكذلك ذكر سبحانه قبل قصة المسيح موافاة مريم رزقها في غير وقته وغير إبانه وهذا الذي شجع نفس زكريا وحركها لطلب الولد وإن كان في غير إبانه وتأمل قصة نسخ القبلة لما كانت شديدة على النفوس جدا كيف...
"الصفحة غير موجودة بالأصل".
يجوز للمفتي والمناظر ان يحلف على ثبوت الحكم عنده: الفائدة الثامنة: يجوز للمفتي والمناظر ان يحلف على ثبوت الحكم عنده وإن لم يكن حلفه موجبا لثبوته عند السائل والمنازع ليشعر السائل والمنازع له انه على ثقة ويقين مما قال له وانه غير شاك فيه فقد تناظر رجلان في مسألة فحلف أحدهما على ما يعتقده فقال له منازعه لا يثبت الحكم بحلفك فقال إنى لم أحلف ليثبت الحكم عندك ولكن لأعلمك انى على يقين وبصيره من قولى وأن شبهتك لا تغير عندي في وجه يقينى بما انا جازم به.
وقد امر الله نبيه صلى الله عليه وسلم ان يحلف على ثبوت الحق الذي جاء به في ثلاثة مواضع من كتابه احدها قوله تعالى: {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} والثاني قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ} والثالث قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} وقد اقسم النبي صلى الله عليه وسلم على ما أخبر به من الحق في اكثر من ثمانين موضعا وهي موجودة في الصحاح والمسانيد.
وقد كان الصحابة رضى الله عنهم يحلفون على الفتاوي والرواية فقال علي بن ابي طالب كرم الله وجه لابن عباس في متعة النساء إنك امرؤ تائه فانظر ما تفتي به في متعة النساء فوالله واشهد بالله لقد نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما ولى عمر رضى الله عنه حمد الله وأثنى عليه ثم قال: "يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم احل المتعة ثلاثا ثم حرمها ثلاثا فأنا اقسم بالله قسما لا أجد احدا من المسلمين متمتعا إلا رجمته إلا ان يأتي بأربعة من المسلمين يشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم احلها بعد ان حرمها".
وقد حلف الشافعي في بعض أجوبته فقال محمد بن الحكم: "سألت الشافعي رضى الله عنه عن المتعة كان يكون فيها طلاق أو ميراث أو نفقة أو شهادة فقال: لا والله ما أدرى" وقال يزيد بن هارون: "من قال القرآن مخلوق أو شئ منه فهو والله عندي زنديق" وسئل عن حديث جرير في الرؤية فقال: "والله الذي لا إله إلا هو من كذب به ما هم إلا زنادقة".
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:54 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 12:56 am | |
| وأما الامام احمد رحمة الله عليه ورضوانه فإنه حلف على عدة مسائل من فتاويه قيل ايزيد الرجل في الوضوء على ثلاث مرات فقال لا والله إلا رجل مبتلى يعنى بالوسواس وسئل عن تخلل الرجل لحيته إذا توضأ فقال إي والله وسئل يكون الرجل في الجهاد بين الصفين يبارز علجا بغير إذن الامام فقال لا والله وقيل له اتكره الصلاة في المقصورة فقال إي والله.
قلت وهذا لما كانت المقصورة تحمي للامراء وأتباعهم وسئل أيؤجر الرجل على بغض من خالف حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إي والله وسئل من قال: القرآن مخلوق كافر فقال: إي والله وسئل هل صح عندك في النبيذ حديث فقال: والله ما صح عندي حديث واحد إلا على التحريم وسئل أيكره الخضاب بالسواد فقال إي والله وسئل عن الرجل يؤم أباه ويصلي الأب خلفه فقال إي والله وسئل هل يكره النفخ في الصلاة فقال إي والله وسئل عن تزوج الرجل المسلم الأمة من أهل الكتاب فقال لا والله.
وسئل عن المرأة تستلقي على قفاها وتنام يكره ذلك فقال إي والله وسئل عن الرجل يرهن جاريته فيطؤها وهي مرهونة فقال لا والله وسئل عن حديث عمر بن الخطاب رضى الله عنه أنه قضى في رجل استسقى قوما وهو عطشان فلم يسقوه فمات فأغرمهم عمر الدية تقول أنت كذا قال إي والله وسئل عن الرجل إذا حد في القذف ثم قذف زوجته يلاعنها فقال إي والله وسئل أيضرب الرجل رقيقة فقال إي والله ذكر هذه المسائل القاضي أبو علي الشريف.
وقال الإمام أحمد في رواية ابنه صالح والله لقد أعطيت المجهود من نفسي ولوددت أني أنجو من هذا الأمر كفافا لا على ولالى وقال في روايته أيضا والله لقد تمنيت الموت في الأمر الذي كان وإني لأتمنى الموت في هذا وهذا فتنة الدنيا وقال إسحاق بن منصور لأحمد يكره الخاتم من ذهب أوحديد فقال إي والله.
وقال إسحاق أيضا قلت لأحمد يؤجر الرجل يأتي أهله وليس له شهوة في النساء فقال إي والله يحتسب الولد وإن لم يرد الولد إلا أنه يقول هذه امرأة شابة وقال له محمد بن عون يا أبا عبد الله يقولون إنك وقفت على عثمان فقال: "كذبوا والله على وإنما حدثتهم بحديث ابن عمر كنا نفاضل بين اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نقول ابو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي فيبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكره ولم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لا تخايروا بعد هؤلاء فمن وقف على عثمان ولم يربع بعلى عليه السلام فهو على غير السنة"
وسئل احمد هل المقام بالثغر افضل من المقام بمكة فقال: "إى والله".
وذكر ابو احمد بن عدي في الكامل ان ايوب بن إسحاق بن سافري قال: سألت احمد بن حنبل فقلت: يا أبا عبد الله ابن اسحاق إذا انفرد بحديث تقبله فقال: "لا والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا".
وقال صالح بن احمد قلت: لأبي تقتل الحية والعقرب في الصلاة فقال: "إى والله" وقال ايضا: "قلت لأبي تجهر بآمين فقال إى والله الامام وغير الامام" وقال ايضا قلت: لابي يفتح على الامام قال: "إى والله".
وقال الميموني قلت لاحمد: "ونحن نحتاج في رمضان ان نبيت الصوم من الليل فقال: إى والله" وقال الميموني أيضا: "تباع الفرس الحبيس إذا عطبت وإذا فسدت فقال: إى والله" وقال الميموني ايضا قلت لاحمد: "هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة شئ فأملى على أبي إى والله وفي غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلام شاتان مكافيتان وعن الجارية شاة".
وقال إسحاق بن منصور: "قلت لأحمد التسبيح للرجال والتصفيق للنساء قال إى والله" وقال الكوسج ايضا: "قلت لأحمد قال سفيان تجزئه تكبيرة إذا نوى بها افتتاح الصلاة قال احمد إى والله تجزئه إذا نوى ابن عمر وزيد" وقال أيضا قلت لأحمد المؤذن يجعل أصبعيه في أذنيه قال إى والله وقال ايضا قلت لأحمد سئل سفيان عن امرأة ماتت وفي بطنها ولد يتحرك ما أرى باسا ان يشق بطنها قال احمد بئس والله ما قال يردد ذلك سبحان الله بئس ما قال وقال ايضا قلت لاحمد تجوز شهادة رجل وامراتين في الطلاق قال لا والله وقال ايضا قلت لأحمد: "المرجئ إذا كان داعيا قال إى والله يجفى ويقصى".
وقال ابو طالب قلت لاحمد رجل قال القرآن كلام الله ليس بمخلوق ولكن لفظي هذا به مخلوق قال: "من قال هذا فقد جاء بالامر كله إنما هو كلام الله على كل حال والحجة فيه حديث ابي بكر: {الم غُلِبَتِ الرُّومُ}" فقيل له هذا مما جاء به صاحبك فقال: "لا والله ولكنه كلام الله هذا وغيره وإنما هو كلام الله قلت: بسم الله الرحمن الرحيم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} هذا الذي قرأت الساعة كلام الله" قال: إى والله هو كلام الله ومن قال لفظي بالقرآن مخلوق فقد جاء بالامر كله".
وقال الفضل بن زياد: "سألت ابا عبد الله عن حديث ابن شبرمة عن الشعبي في رجل نذر ان يطلق امراته فقال له الشعبي: "اوف بنذرك اترى ذلك فقال: لا والله" وقال الفضل ايضا: "سمعت ابا عبد الله وذكر يحيى بن سعيد القطان فقال لا والله ما أدركنا مثله".
وذكر احمد في رسالته الى مسدد ولا عين نظرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم خيرا من ابي بكر ولا بعد ابي بكر عين نظرت خيرا من عمر ولا بعد عمر عين نظرت خيرا من عثمان ولا بعد عثمان عين نظرت خيرا من علي بن ابي طالب رضى الله عنهم ثم قال احمد هم والله الخلفاء الراشدون المهديون.
وقال الميوني: "قلت لأحمد جابر الجعفي قال كان يرى التشيع قلت قد يتهم في حديثه بالكذب قال إى والله" قال القاضي: "فإن قيل كيف استجاز الامام احمد ان يحلف في مسائل مختلف فيها" قيل: اما مسائل الاصول فلا يسوغ فيها اختلاف فهى إجماع وأما مسائل الفروع فإنه لما غلب على ظنه صحة ذلك حلف عليه كما لو وجد في دفتر ابيه ان له على فلان دينا جاز له ان يدعيه لغلبة الظن بصدقه قلت ويحلف عليه قال فإن قيل اليس قد امتنع من اليمين على إسقاط الشفعة بالجوار قيل لأن اليمين هناك عند الحاكم والنية فيه للخصم قلت ولم يمنع احمد اليمين لهذا بل شفعه الجوار عنده مما يسوغ القول بها وفيها احاديث صحاح لا ترد ولهذا اختلف قوله فيها فمرة نفاها ومرة اثبتها ومرة فصل بين أن يشتركا في حقوق الملك كالطريق والماء وغيره وبين ألا يشتركا في شئ من ذلك فلا يثبت.
وهذا هوالصواب الذي لا ريب فيه وبه تجتمع الاحاديث وهو اختيار شيخ الاسلام ومذهب فقهاء البصرة ولا يختار غيره وقد روى احمد عن جماعة من الصحابة والتابعين انهم حلفوا في الرواية والفتوى وغيرها تحقيقا وتأكيدا للخبر لا إثباتا له باليمين وقد قال تعالى: {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} وقال تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الاية وقال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} وكذلك اقسم بكلامه كقوله تعالى: {يس وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ} {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} وأما إقسامه بمخلوقاته التي هي آيات دالة عليه فكثير جدا.
تستحسن الفتوى بلفظ النص: الفائدة التاسعة: ينبغي للمفتي ان يفتي بلفظ النص مهما امكنه فإنه يتضمن الحكم والدليل مع البيان التام فهو حكم مضمون له الصواب متضمن للدليل عليه في احسن بيان وقول الفقيه المعين ليس كذلك وقد كان الصحابة والتابعون والائمة الذين سلكوا على منهاجهم يتحرون ذلك غاية التحري حتى خلفت من بعدهم خلوف رغبوا عن النصوص واشتقوا لهم ألفاظا غير الفاظ النصوص فأوجب ذلك هجر النصوص ومعلوم ان تلك الالفاظ لا تفي بما تفي به النصوص من الحكم والدليل وحسن البيان فتولد من هجران الفاظ النصوص والاقبال على الالفاظ الحادئة وتعليق الاحكام بها على الامة من الفساد مالا يعلمه إلا الله فألفاظ النصوص عصمة وحجة بريئة من الخطأ والتناقض والتعقيد والاضطراب ولما كانت هي عصمة عهدة الصحابة واصولهم التي اليها يرجعون كانت علومهم اصح من علوم من بعدهم وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل من خطأ من بعدهم ثم التابعون بالنسبة الى من بعدهم كذلك وهلم جرا.
ولما استحكم هجران النصوص عند اكثر اهل الأهواء والبدع كانت علومهم في مسائلهم وادلتهم في غاية الفساد والاضطراب والتناقض.
وقد كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا سئلوا عن مسالة يقولون قال الله كذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أوفعل رسول الله كذا ولا يعدلون عن ذلك ما وجدوا اليه سبيلا قط فمن تامل أجوبتهم وجدها شفاء لما في الصدور فلما طال العهد وبعد الناس من نور النبوة صار هذا عيبا عند المتأخرين ان يذكروا في اصول دينهم وفروعه قال الله وقال رسول الله أما اصول دينهم فصرحوا في كتبهم ان قول الله ورسوله لا يفيد اليقين في مسائل اصول الدين وإنما يحتج بكلام الله ورسوله فيها الحشوية والمجسمة والمشبهة واما فروعهم فقنعوا بتقليد من اختصر لهم بعض المختصرات التي لا يذكر فيها نص عن الله ولا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن الامام الذي زعموا انهم قلدوه دينهم بل عمدتهم فيما يفتون ويقضون به وينقلون به الحقوق ويبيحون به الفروج والدماء والاموال على قول ذلك المصنف واجلهم عند نفسه وزعيمهم عند بني جنسه من يستحضر لفظ الكتاب ويقول هكذا قال وهذا لفظه فالحلال ما احله ذلك الكتاب والحرام ما حرمه والواجب ما اوجبه والباطل ما ابطله والصحيح ما صححه هذا وانى لنا بهؤلاء في مثل هذه الازمان فقد دفعنا إلى امر تضج منه الحقوق الى الله ضجيجا وتعج الفروج والاموال والدماء الى ربها عجيجا تبدل فيه الاحكام ويقلب فيه الحلال بالحرام ويجعل المعروف فيه اعلى مراتب المنكرات والذي لم يشرعه الله ورسوله من افضل القربات الحق فيه غريب وأغرب منه من يعرفه وأغرب منهما من يدعو اليه وينصح به نفسه والناس قد فلق بهم فالق الاصباح صبحه عن غياهب الظلمات وابان طريقة المستقيم من بين تلك الطرق الجائرات واراه بعين قلبه ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم واصحابه مع ما عليه اكثر الخلق من البدع المضلات رفع له علم الهداية فشمر اليه ووضح له الصراط المستقيم فقام واستقام عليه وطوبي له من وحيد على كثرة السكان غريب على كثرة الجيران بين اقوام رؤيتهم قذى العيون وشجى الحلوق وكرب النفوس وحمى الارواح وغم الصدور ومرض القلوب وإن انصفتهم لم تقبل طبيعتهم الانصاف وان طلبته منهم فأين الثريا من يد الملتمس قد انتكست قلوبهم وعمى عليهم مطلوبهم رضوا بالاماني وابتلوا بالحظوظ وحصلوا على الحرمان وخاضوا بحار العلم لكن بالدعاوي الباطلة وشقاشق الهذيان ولا والله ما ابتلت من وشله اقدامهم ولا زكت به عقولهم واحلامهم ولا ابيضت به لياليهم واشرقت بنوره ايامهم ولا ضحكت بالهدى والحق منه وجوه الدفاتر إذ بلت بمداده أقلامهم انفقوا في غير شئ نفائس الانفاس واتعبوا انفسهم وحيروا من خلفهم من الناس ضيعوا الاصول فحرموا الوصول وأعرضوا عن الرسالة فوقعوا في مهامه الحيرة وبيداء الضلالة.
والمقصود ان العصمة مضمونه في الفاظ النصوص ومعانيها في أتم بيان واحسن تفسير ومن رام إدراك الهدى ودين الحق من غير مشكاتها فهو عليه عسير غير يسير.
فصل: توجه المفتى الى الله الفائدة العاشرة ينبغي للمفتي الموفق إذا نزلت به المسألة ان ينبعث من قلبه الافتقار الحقيقي الحالي لا العلمي المجرد الى ملهم الصواب ومعلم الخير وهادي القلوب ان يلهمه الصواب ويفتح له طريق السداد ويدله على حكمه الذي شرعه لعباده في هذه المسألة فمتى قرع هذا الباب فقد قرع باب التوفيق وما اجدر من امل فضل ربه ان لا يحرمه إياه فإذا وجد من قلبه هذه الهمة فهي طلائع بشرى التوفيق فعليه ان يوجه وجهه ويحدق نظره الى منبع الهدى ومعدن الصواب ومطلع الرشد وهو النصوص من القرآن والسنة وآثار الصحابة فيستفرغ وسعه في تعرف حكم تلك النازلة منها فان ظفر بذلك اخبر به وان اشتبه عليه بادر إلى التوبة والاستغفار والاكثار من ذكر الله فإن العلم نور الله يقذفه في قلب عبده والهوى والمعصية رياح عاصفة تطفئ ذلك النور أوتكاد ولا بد ان تضعفه.
وشهدت شيخ الاسلام قدس الله روحه اذا اعيته المسائل واستصعبت عليه فر منها الى التوبة والاستغفار والاستغاثة بالله واللجأ اليه واستنزال الصواب من عنده والاستفتاح من خزائن رحمته فقلما يلبث المدد الالهي ان يتتابع عليه مدا وتزدلف الفتوحات الالهية اليه بايتهن يبدأ ولا ريب ان من وفق لهذا الافتقار علما وحالا وسار قلبه في ميادينه بحقيقة وقصد فقد أعطى حظه من التوقيق ومن حرمه فقد منع الطريق والرفيق فمتى اعين مع هذا الافتقار ببذل الجهد في درك الحق فقد سلك به الصراط المستقيم وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:54 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 12:58 am | |
| العلم بالحق مقدمة للحكم والفتيا: الفائدة الحادية عشرة اذا نزلت بالحاكم أوالمفتى النازلة فإما ان يكون عالما بالحق فيها أوغالبا على ظنه بحيث قد استفرغ وسعه في طلبه ومعرفته أولا فان لم يكن عالما بالحق فيها ولا غلب على ظنه لم يحل له ان يفتى ولا يقضى بما لا يعلم ومتى أقدم على ذلك فقد تعرض لعقوبة الله ودخل تحت قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} فجعل القول عليه بلا علم اعظم المحرمات الاربع التي لا تباح بحال ولهذا حصر التحريم فيها بصيغة الحصر ودخل تحت قوله تعالى: {وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ}.
ودخل في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من افتى بغير علم فانما إثمه على مَنْ أفتاه"، وكان احد القضاة الثلاثة الذين ثلثاهم في النار وان كان قد عرف الحق في المسألة علما أوظنا غالبا لم يحل له ان يفتى ولا يقضى بغيره بالاجماع المعلوم بالضرورة من دين الاسلام وهو احد القضاة الثلاثة والمفتين الثلاثة والشهود الثلاثة وإذا كان من افتى أوحكم أوشهد بغير علم مرتكبا لأعظم الكبائر فكيف من أفتى أوحكم أوشهد بما يعلم خلافه فالحاكم والمفتي والشاهد كل منهم مخبر عن حكم الله فالحاكم مخبر منفذ والمفتي مخبر غير منفذ والشاهد مخبر عن الحكم الكوني القدري المطابق للحكم الديني الامري فمن اخبر منهم عما يعلم خلافه فهو كاذب على الله عمدا ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة ولا اظلم ممن كذب على الله وعلى دينه وإن أخبروا بمالم يعلموا فقد كذبوا على الله جهلا وإن أصابوا في الباطن واخبروا بما لم يأذن الله لهم في الاخبار به وهم أسوأ حالا من القاذف اذا راى الفاحشة وحده فأخبر بها فإنه كاذب عند الله وإن أخبر بالواقع فإن الله لم يأذن له في الاخبار بها إلا اذا كان رابع أربعة فإن كان كاذبا عند الله في خبر مطابق لمخبره حيث لم يأذن له في الاخبار به فكيف بمن اخبر عن حكمة بما لم يعلم ان الله حكم به ولم يأذن له في الاخبار به قال الله تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} وقال تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ} والكذب على الله يستلزم التكذيب بالحق والصدق وقال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ} وهؤلاء الايات وإن كانت في حق المشركين والكفار فإنها متناولة لمن كذب على الله في توحيده ودينه وأسمائه وصفاته وأفعاله ولا تتناول المخطئ المأجور إذا بذل جهده واستفرغ وسعه في إصابة حكم الله وشرعه فإن هذا هو الذي فرضه الله عليه فلا يتناول المطيع لله إن أخطأ وبالله التوفيق.
ما يجب على الراوي والمفتي والحاكم والشاهد: الفائدة الثانية عشرة حكم الله ورسوله يظهرعلى اربعة ألسنة لسان الراوي ولسان المفتي ولسان الحاكم ولسان الشاهد فالرواي يظهر على لسانه لفظ حكم الله ورسوله والمفتي يظهر على لسانه معناه وما استنبطه من لفظه والحاكم يظهر على لسانه الاخبار بحكم الله وتنفيذه والشاهد يظهر على لسانه الاخبار بالسبب الذي يثبت حكم الشارع والواجب على هؤلاء الاربعة ان يخبروا بالصدق المستند الى العلم فيكونون عالمين بما يخبرون به صادقين في الاخبار به وآفة احدهم الكذب والكتمان فمتى كتم الحق أوالكذب فيه فقد حاد الله في شرعه ودينه وقد أجرى الله سنته ان يمحق عليه بركة علمه ودينه ودنياه اذا فعل ذلك كما أجرى عادته سبحانه في المتبايعين إذا كتما وكذبا أن يمحق بركة بيعهما ومن التزم الصدق والبيان منهم في مرتبته بورك له في علمه ووقته ودينه ودنياه وكان مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقا ذلك الفضل من الله وكفى بالله عليما فبالكتمان يعزل الحق عن سلطانه وبالكذب يقلبه عن وجهه والجزاء من جنس العمل فجزاء أحدهم ان يعزله الله عن سلطان المهابة والكرامة والمحبة والتعظيم الذي يلبسه اهل الصدق والبيان ويلبسه ثوب الهوان والمقت والخزي بين عباده فإذا كان يوم القيامة جازى الله سبحانه من يشاء من الكاذبين الكاتمين بطمس الوجوه وردها على أدبارها كما طمسوا وجه الحق وقلبوه عن وجهه جزاء وفاقا وما ربك بظلام للعبيد.
على المفتي ألا ينسب الحكم الى الله ولا الى رسوله إلا بنص قاطع: الفائدة الثالثة عشرة: لا يجوز للمفتي ان يشهد على الله ورسوله بأنه احل كذا أوحرمه أواوجبه أوكرهه إلا لما يعلم ان الامر فيه كذلك مما نص الله ورسوله على اباحته أوتحريمه أوإيجابه أوكراهته وأما ما وجده في كتابه الذي تلقاه عمن قلده دينه فليس له ان يشهد على الله ورسوله به ويغر الناس بذلك ولا علم له بحكم الله ورسوله.
قال غير واحد من السلف ليحذر احدكم ان يقول احل الله كذا أوحرم الله كذا فيقول الله له كذبت لم احل كذا ولم احرمه.
وثبت في صحيح مسلم من حديث بريده بن الحصيب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "وإذا حاصرت حصنا فسألوك أن تنزلهم على حكم الله ورسوله فلا تنزلهم على حكم الله ورسوله فإنك لا تدري أتصيب حكم الله فيهم أم لا ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك".
وسمعت شيخ الإسلام يقول حضرت مجلسا فيه القضاة وغيرهم فجرت حكومة حكم فيها احدهم بقول زفر فقلت له ما هذه الحكومة فقال هذا حكم الله فقلت له صار قول زفر هو حكم الله الذي حكم به وألزم به الأمة هل هذا حكم زفر ولا تقل هذا حكم الله أو نحو هذا من الكلام.
الاحوال التي ترد على المفتي من المستفتى: الفائدة الرابعة عشرة المفتي اذا سئل عن مسالة فإما ان يكون قصد السائل فيها معرفة حكم الله ورسوله ليس إلا وإما ان يكون قصده معرفة ما قاله الامام الذي شهر المفتي نفسه باتباعه وتقليده دون غيره من الائمة واما ان يكون مقصوده معرفة ما ترجح عند ذلك المفتي وما يعتقده فيها لاعتقاده علمه ودينه وأمانته فهو يرضى تقليده هو وليس له غرض في قول إمام بعينه فهذه اجناس الفتيا التي ترد على المفتين.
ففرض المفتي في القسم الاول ان يجيب بحكم الله ورسوله اذا عرفه وتيقنه لا يسعه غير ذلك.
وأما القسم الثاني فاذا عرف اقول الامام نفسه وسعه ان يخبر به ولا يحل له ان ينسب اليه القول ويطلق عليه انه قوله بمجرد ما يراه في بعض الكتب التي حفظها أوطالعها من كلام المنتسبين اليه فانه قد اختلطت اقوال الائمة وفتاويهم بأقوال المنتسبين اليهم واختياراتهم فليس كل ما في كتبهم منصوصا عن الائمة بل كثير منه يخالف نصوصهم وكثير منه لا نص لهم فيه وكثير منه يخرج على فتاويهم وكثير منه أفتوا به بلفظه أوبمعناه فلا يحل لاحد ان يقول هذا قول فلان ومذهبه إلا ان يعلم يقينا انه قوله ومذهبه فما أعظم خطر المفتي وأصعب مقامه بين يدى الله تعالى.
واما القسم الثالث فانه يسعه ان يخبر المستفتى بما عنده في ذلك يغلب على ظنه انه الصواب بعد بذل جهده واستفراغ وسعه ومع هذا فلا يلزم المستفتى الاخذ بقوله وغايته انه يسوغ له الاخذ به فلينزل المفتي نفسه في منزلة من هذه المنازل الثلاث وليقم بواجبها فإن الدين دين الله والله سبحانه ولا بد سائله عن كل ما افتى به وهو موقره عليه ومحاسب ولا بد والله المستعان.
على المفتي ان يفتي بالصواب ولو كان خلافا لمذهبه: الفائدة الخامسة عشرة ليحذر المفتي الذي يخاف مقامه بين يدي الله سبحانه ان يفتي السائل بمذهبه الذي يقلده وهو يعلم ان مذهب غيره في تلك المسألة ارجح من مذهبه واصح دليلا فتحمله الرياسة على ان يقتحم الفتوى بما يغلب على ظنه ان الصواب في خلافه فيكون خائنا لله ورسوله وللسائل وغاشا له والله لا يهدي كيد الخائنين وحرم الجنة على من لقيه وهو غاش للاسلام واهله والدين النصيحة والغش مضاد للدين كمضادة الكذب للصدق والباطل للحق وكثيرا ما ترد المسألة نعتقد فيها خلاف المذهب فلا يسعنا ان نفتي بخلاف ما نعتقده فنحكي المذهب الراجح ونرجحه ونقول هذا هو الصواب وهو اولى ان يؤخذ به وبالله التوفيق.
على المفتي الا يبهم على السائل: الفائدة السادسة عشرة لا يجوز للمفتي الترويج وتخيير السائل وإلقاؤه في الاشكال والحيرة بل عليه ان يبين بيانا مزيلا للإشكال متضمنا لفصل الخطاب كافيا في حصول المقصود لا يحتاج معه الى غيره ولا يكون كالمفتي الذي سئل عن مسألة في المواريث فقال يقسم بين الورثة على فرائض الله عزوجل وكتبه فلان وسئل اخر عن صلاة الكسوف فقال تصلي على حديث عائشة وان كان هذا اعلم من الاول وسئل اخر عن مسألة من الزكاة فقال اما اهل الايثار فيخرجون المال كله واما غيرهم فيخرج القدر الواجب عليه أوكما قال وسئل اخر عن مسالة فقال فيها قولان ولم يزد.
قال ابو محمد بن حزم: "وكان عندنا مفت إذا سئل عن مسألة لا يفتى فيها حتى يتقدمه من يكتب فيكتب هو جوابي فيها مثل جواب الشيخ فقدر ان مفتيين اختلفا في جواب فكتب تحت جوابهما جوابي مثل جواب الشيخين فقيل له انهما قد تناقضا فقال: وانا أتناقض كما تناقضا وكان في زماننا رجل مشار اليه بالفتوى وهو مقدم في مذهبه وكان نائب السلطان يرسل اليه في الفتاوي فيكتب يجوز كذا أويصح كذا أوينعقد بشرطه فارسل اليه يقول له تأتينا فتاوي منك فيها يجوز أوينعقد أويصح بشرطه ونحن لا نعلم شرطه فإما ان تبين شرطه وإما ان لا تكتب ذلك.
وسمعت شيخنا يقول: كل احد يحسن ان يفتى بهذا الشرط فإن أي مسألة وردت عليه يكتب فيها يجوز بشرطه أويصح بشرطه أويقبل بشرطه ونحو ذلك.
وهذا ليس بعلم ولا يفيد فائدة اصلا سوى حيرة السائل وتبلده وكذلك قول بعضهم في فتاويه يرجع في ذلك الى رأي الحاكم فيا سبحان الله والله لو كان الحاكم شريحا واشباهه لما كان مرد احكام الله ورسوله الى رأيه فضلا عن حكام زماننا فالله المستعان وسئل بعضهم عن مسالة فقال فيها خلاف فقيل له كيف يعمل المفتي فقال يختار له القاضي احد المذهبين قال ابو عمرو بن الصلاح: "كنت عند ابي السعادات ابن الاثير الجزري فحكى عن بعض المفتين انه سئل عن مسألة فقال فيها قولان فأخذ يزرى عليه وقال هذا حيد عن الفتوى ولم يخلص السائل من عمايته ولم يأت بالمطلوب".
قلت وهذا فيه تفصيل فإن المفتي المتمكن من العلم المضطلع به قد يتوقف في الصواب في المسألة المتنازع فيها فلا يقدم على الجزم بغير علم وغاية ما يمكنه ان يذكر الخلاف فيها للسائل وكثيرا ما يسأل الامام احمد رضى الله عليه وغيره من الائمة عن مسالة فيقول فيها قولان أوقد اختلفوا فيها وهذا كثير في اجوبة الامام احمد لسعه علمه وورعه وهو كثير في كلام الامام الشافعي رضى الله عنه يذكر المسالة ثم يقول فيها قولان وقد اختلف اصحابه هل يضاف القولان اللذان يحكيهما الى مذهبه وينسبان اليه ام لا على طريقين واذا اختلف علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وزيد وابي وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم ولم يتبين للمفتي القول الراجح من أقوالهم فقال هذه مسألة اختلف فيها فلان وفلان من الصحابة فقد انتهى الى ما يقدر عليه من العلم قال ابو اسحاق الشيرازي سمعت شيخنا ابا الطيب الطبري يقول سمعت ابا العباس الحضرمي يقول كنت جالسا عند ابي بكر بن داود الظاهري فجاءته امرأة فقالت ما تقول في رجل له زوجة لا هو ممسكها ولا هو مطلقها فقال لها اختلف في ذلك اهل العلم فقال قائلون تؤمر بالصبر والاحتساب ويبعث على التطلب والاكتساب وقال قائلون يؤمر بالانفاق ولا يحمل على الطلاق فلم تفهم المرأة قوله فأعادت المسألة فقال يا هذه اجبتك عن مسألتك وأرشدتك الى طلبتك ولست بسلطان فأمضى ولاقاض فأقضى ولا زوج فارضى فانصرفى.
لا يصح للمفتي ان يعتبر شرط الواقف إذا خالف الشارع الفائدة السابعة عشرة اذا سئل عن مسألة فيها شرط واقف لم يحل له ان يلزم بالعمل به بل ولا يسوغه على الاطلاق حتى ينظر في ذلك الشرط فإن كان يخالف حكم الله ورسوله فلا حرمة له ولا يحل له تنفيذه ولا يسوغ تنفيذه وإن لم يخالف حكم الله ورسوله فلينظر هل فيه قربة أورجحان عند الشارع ام لا فان لم يكن فيه قربة ولا رجحان لم يجب التزامه ولم يحرم فلا تضر مخالفته وان كان فيه قربة وهو راجح على خلافه فلينظر هل يفوت بالتزامه والتقييد به ما هو احب الى الله ورسوله وارضى له وانفع للمكلف واعظم تحصيلا لمقصود الواقف من الاجر فإن فات ذلك بالتزامه لم يجب التزامه ولا التقييد به قطعا وجاز العدول بل يستحب الى ما هو احب الى الله ورسوله وانفع للمكلف واكثر تحصيلا لمقصود الواقف وفي جواز التزام شرط الواقف في هذه الصورة تفصيل سنذكره إن شاء الله وإن كان فيه قربة وطاعة ولم يفت بالتزامه ما هو احب الى الله ورسوله منه وتساوي هو وغيره في تلك القربة ويحصل غرض الواقف بحيث يكون هو وغيره طريقين موصلين الى مقصوده ومقصود الشارع من كل وجه لم يتعين عليه التزام الشرط بل له العدول عنه الى ما هو اسهل عليه وارفق به وان ترجح موجب الشرط وكان قصد القربة والطاعة فيه أظهر وجب التزامه.
فهذا هو القول الكلى في شروط الواقفين وما يجب التزامه منها وما يسوغ وما لا يجب ومن سلك غير هذا المسلك تناقض اظهر تناقض ولم يثبت له قدم يعتمد عليه.
شروط الواقفين المخالفة للشرع: فإذا شرط الواقف ان يصلي الموقوف عليه في هذا المكان المعين الصلوات الخمس ولو كان وحده الى جانبه المسجد الاعظم وجماعة المسلمين لم يجب عليه الوفاء بهذا الشرط بل ولا يحل له التزامه اذا فاتته الجماعة فإن الجماعة اما شرط لا تصح الصلاة بدونها واما واجبة يستحق تاركها العقوبة وإن صحت صلاته وإما سنة مؤكدة يقاتل تاركها وعلى كل تقدير فلا يصح التزام شرط يخل بها وكذلك اذا شرط الواقف العزوبية وترك التأهل لم يجب الوفاء بهذا الشرط بل ولا التزامه بل من التزمه رغبة عن السنة فليس من الله ورسوله في شئ فإن النكاح عندالحاجة اليه إما فرض يعصي تاركه وإما سنة الاشتغال بها أفضل من صيام النهار وقيام الليل وسائر اوراد التطوعات واما سنة يثاب فاعلها كما يثاب فاعل السنن والمندوبات وعلى كل تقدير فلا يجوز اشتراط تعطيله أوتركه إذ يصير مضمون هذا الشرط انه لا يستحق تناول الوقف إلا من عطل ما فرض الله عليه وخالف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن فعل ما فرضه الله عليه وقام بالسنة لم يحل له ان يتناول من هذا الوقف شيئا ولا يخفى ما في التزام هذا الشرط والالزام به من مضادة الله ورسوله وهو اقبح من اشتراطه.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:55 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 1:18 am | |
| ترك الوتر والسنن الراتبة وصيام الخميس والاثنين والتطوع بالليل بل اقبح من اشتراطه ترك ذكر الله بكرة وعشيا ونحو ذلك.
ومن هذا اشتراطه ان يصلي الصلوات في التربة المدفون بها ويدع المسجد وهذا ايضا مضاد لدين الاسلام اعظم مضادة فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن المتخذين قبور أنبيائهم مساجد فالصلاة في المقبرة معصية لله ورسوله باطلة عند كثير من اهل العلم لا يقبلها الله ولا تبرأ الذمة بفعلها فكيف يجوز التزام شرط الواقف لها وتعطيل شرط الله ورسوله فهذا تغيير الدين لولا ان الله سبحانه يقيم له من يبين اعلامه ويدعو اليه.
ومن ذلك اشتراط إيقاد سراج أو قنديل على القبر فلا يحل للواقف اشتراط ذلك ولا للحاكم تنفيذه ولا للمفتي تسويغه ولا للموقوف عليه فعله والتزامه فقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتخذين السرج على القبور فكيف يحل للمسلم ان يلزم أو يسوغ فعل ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعله وحضرت بعض قضاة الاسلام يوما وقد جاءه كتاب وقف على تربة ليثبته وفيه وانه يوقد على القبر كل ليلة قنديل فقلت له كيف يحل لك ان تثبت هذا الكتاب وتحكم بصحته مع علمك بلعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم للمتخذين السرج على القبور فأمسك عن إثباته وقال الامر كما قلت أو كما قال.
ومن ذلك ان يشترط القراءة عند قبره دون البيوت التي اذن الله ان ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال والناس لهم قولان احدهما ان القراءة لا تصل الى الميت فلا فرق بين ان يقرأ عند القبر أو بعيدا منه عند هؤلاء والثاني انها تصل ووصولها فرع حصول الثواب للقارئ ثم ينتقل منه الى الميت فإذا كانت قراءة القارئ ومجيئه الى القبر إنما هو لأجل الجعل ولم يقصد به التقرب الى الله لم يحصل له ثواب فكيف ينقل عنه الى الميت وهو فرعه فما زاد بمجيئه الى التربة الا العناء والتعب بخلاف ما اذا قرأ لله في المسجد أوغيره في مكان يكون اسهل عليه واعظم لإخلاصه ثم جعل ثواب ذلك للميت وصل اليه.
وذاكرت مرة بهذا المعنى بعض الفضلاء فاعترف به وقال لكن بقى شئ آخر وهو ان الواقف قد يكون قصد انتفاعه بسماع القرآن على قبره ووصول بركة ذلك اليه فقلت له انتفاعه بسماع القرآن مشروط بحياته فلما مات انقطع عمله كله واستماع القران من افضل الاعمال الصالحة وقد انقطع بموته ولو كان ذلك ممكنا لكان السلف الطيب من الصحابة والتابعين ومن بعدهم اولى بهذا الحظ العظيم لمسارعتهم الى الخير وحرصهم عليه ولو كان خيرا لسبقونا اليه فالذي لا شك فيه انه لا يجب حضور التربة ولا تتعين القراءة عند القبر.
ونظير هذا ما لو وقف وقفا يتصدق به عند القبر كما يفعل كثير من الجهال فإن في ذلك من تعنية الفقير وإتعابه وإزعاجه من موضعه الى الجبانة في حال الحر والبرد والضعف حتى يأخذ لك الصدقة عند القبر مما لعله ان يحبط اجرها ويمنع انعقاده بالكلية.
ومن هذا لو شرط واقف الخانقاه وغيرها على أهلها ان لا يشتغلوا بكتابة العلم وسماع الحديث والاشتغال بالفقه فإن هذا شرط باطل مضاد لدين الاسلام لا يحل تنفيذه ولا التزامه ولا يستحق من قام به شيئا من هذا الوقف فإن مضمون هذا الشرط ان الوقف المعين انما يستحقه من ترك ما يجب عليه من العلم النافع وجهل امر الله ورسوله ودينه وجهل اسماءه وصفاته وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأحكام الثواب والعقاب ولا ريب ان هذا الصنف من شرار خلق الله وأمقتهم عند الله ورسوله وهم خاصة الشيطان واولياؤه وحزبه {أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ}.
ومن ذلك ان يشترط الواقف ان لا يقرأ في ذلك المكان شئ من آيات الصفات واحاديث الصفات كما امر به بعض اعداء الله من الجهمية لبعض الملوك وقد وقف مسجدا لله تعالى ومضمون هذا الشرط المضاد لما بعث الله به رسوله ان يعطل اكثر ايات القران عن التلاوة والتدبر والتفهم وكثير من السنة أواكثرها عن ان تذكر أوتروى أوتسمع أويهتدي بها ويقام سوق التجهم والكلام المبتدع المذموم الذي هو كفيل بالبدع والضلالة والشك والحيرة.
ومن ذلك ايضا ان يقف مكانا أومسجدا أومدرسة أورباطا على طائفة معينة من الناس دون غيرهم كالعجم مثلا أوالروم أوالترك أوغيرهم وهذا من أبطل الشروط فإن مضمونه ان اقارب رسول الله صلى الله عليه وسلم وذرية المهاجرين والانصار لا يحل لهم ان يصلوا في هذا المسجد ولا ينزلوا في هذا الرباط أو المدرسة أو الخانقاه بل لو امكن ان يكون ابو بكر وعمر واهل بدر واهل بيعة الرضوان رضى الله عنهم بين اظهرنا حرم عليهم النزول بهذا المكان الموقوف.
وهذه الشروط والاشتغال بها والاعتداد بها من اسمج الهذيان ولا تصدر من قلب طاهر لا ينفذها من شم روائح العلم الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك لو شرط ان يكون المقيمون بهذه الامكنة طائفة من اهل البدع كالشيعة والخوارج والمعتزلة والجهمية والمبتدعين في اعمالهم كأصحاب الاشارات واللاذن والشير والعنبر وأكل الحيات واصحاب النار واشباه الذئاب المشتغلين بالاكل والشرب والرقص لم يصح هذا الشرط وكان غيرهم احق بالمكان منهم وشروط الله احق.
فهذه الشروط واضعافها واضعاف أضعافها من باب التعاون على الاثم والعدوان والله تعالى انما امر بالتعاون على البر والتقوى وهو ما شرعه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم دون ما لم يشرعه فكيف بما شرع خلافه والوقف إنما يصح على القرب والطاعات ولا فرق في ذلك بين مصرفه وجهته وشرطه فإن الشرط صفة وحال في الجهة والمصرف فإذا اشترط انا يكون المصرف قربة وطاعة فالشرط كذلك ولا يقتضي الفقه إلا هذا ولا يمكن احدا ان ينقل عن ائمة الاسلام الذين لهم في الامة لسان صدق ما يخالف ذلك البتة بل نشهد بالله والله ان الائمة لا تخالف ما ذكرناه وان هذا نفس قولهم وقد اعاذهم الله من غيره وانما يقع الغلط من كثير من المنتسبين اليهم في فهم اقوالهم كما وقع لبعض من نصب نفسه للفتوى من اهل عصرنا ما تقول السادة الفقهاء في رجل وقف على اهل الذمة هل يصح ويتقيد الاستحقاق بكونه منهم فأجاب بصحة الوقف وتقييد الاستحقاق بذلك الوصف وقال هكذا قال اصحابنا ويصح الوقف على اهل الذمة فأنكر ذلك شيخنا عليه غاية الانكار وقال مقصود الفقهاء بذلك ان كونه من اهل الذمة ليس مانعا من صحة الوقف عليه بالقرابة أوبالتعيين وليس مقصودهم ان الكفر بالله ورسوله أوعبادة الصليب وقولهم إن المسيح ابن الله شرط لاستحقاق الوقف حتى إن من آمن بالله ورسوله واتبع دين الاسلام لم يحل له ان يتناول بعد ذلك من الوقف فيكون حل تناوله مشروطا بتكذيب الله ورسوله والكفر بدين الاسلام ففرق بين كون وصف الذمة مانعا من صحة الوقف وبين كونه مقتضيا فغلظ طبع هذا المفتي وكثف فهمه وغلظ حجابه عن ذلك ولم يميز.
ونظير هذا ان يقف على الاغنياء فهذا يصح اذا كان الموقوف عليه غنيا أوذا قرابة فلا يكون الغني مانعا ولا يصح ان يكون جهة الاستحقاق هو الغني فيستحق ما دام غنيا فإذا افتقر واضطر الى ما يقيم اوده حرم عليه تناول الوقف فهذا لا يقوله الا من حرم التوفيق وصحبة الخذلان ولو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الائمة يفعل ذلك لاشتد انكاره وغضبه عليه ولما اقره البتة وكذلك لو رأى رجلا من امته قد وقف على من يكون من الرجال عزبا غير متأهل فإذا تأهل حرم عليه تناول الوقف لاشتد غضبه ونكيره عليه بل دينه يخالف هذا فإنه كان إذا جاءه مال أعطى العزب حظا واعطى الاهل حظين واخبر ان ثلاثة حق على الله عونهم فذكر منهم الناكح يريد العفاف وملزم هذا الشرط حق عليه عدم اعانة الناكح.
ومن هذا ان يشترط انه لا يستحق الوقف إلا من ترك الواجب عليه من طلب النصوص ومعرفتها والتفقه في متونها والتمسك بها إلى الاخذ بقول فقيه معين يترك لقوله قول من سواه بل يترك النصوص لقوله فهذا شرط من ابطل الشروط وقد صرح اصحاب الشافعي واحمد رحمهما الله تعالى بأن الامام اذا شرط على القاضي ان لا يقضى إلا بمذهب معين بطل الشرط ولم يجز له التزامه وفي بطلان التولية قولان مبنيان على بطلان العقود بالشروط الفاسدة وطرد هذا ان المفتي متى شرط عليه ألا يفتى الا بمذهب معين بطل الشرط وطرده أيضا ان الواقف متى شرط على الفقيه ان لا ينظر ولا يشتغل إلا بمذهب معين بحيث يهجر له كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وفتاوي الصحابة ومذاهب العلماء لم يصح هذا الشرط قطعا ولا يجب إلتزامه بل ولا يسوغ.
وعقد هذا الباب وضابطه ان المقصود إنما هو التعاون على البر والتقوى وان يطاع الله ورسوله بحسب الامكان وان يقدم من قدمه الله ورسوله ويؤخر من اخره الله ورسوله ويعتبر ما اعتبره الله ورسوله ويلغي ما الغاه الله ورسوله وشروط الواقفين لا تزيد على نذر الناذرين فكما انه لا يوفى من النذور إلا بما كان طاعة لله ورسوله فلا يلزم من شروط الواقفين إلا ما كان طاعة لله ورسوله.
فإن قيل: الواقف انما نقل ماله لمن قام بهذه الصفة فهو الذي رضى بنقل ما له اليه ولم يرض بنقله الى غيره وإن كان افضل منه فالوقف يجري مجرى الجعالة فإذا بذل الجاعل ماله لمن يعمل عملا لم يستحقه من عمل غيره وان كان بينهما في الفضل كما بين السماء والارض.
قيل: هذا منشأ الوهم والايهام في هذه المسألة وهو الذي قام بقلوب ضعفةالمتفقهين فالتزموا والزموا من الشروط بما غيره احب الى الله وارضى له منه بإجماع الامة بالضرورة المعلومة من الدين.
وجواب هذا الوهم ان الجاعل يبذل ماله في غرضه الذي يريده إما محرما أومكروها أومباحا أومستحبا أوواجبا لينال غرضه الذي بدل فيه ماله واما الواقف فإنما يبذل ماله فيما يقربه الى الله وثوابه فهو لما علم انه لم يبق له تمكن من بذل ماله في اغراضه احب ان يبذله فيما يقربه الى الله وما هو انفع له في الدار الاخرة ولا يشك عاقل ان هذا غرض الواقفين بل ولا يشك واقف ان هذا غرضه والله سبحانه وتعالى ملكة المال لينتفع به في حياته وأذن له ان يحبسه لينتفع به بعد وفاته فلم يملكه ان يفعل به بعد موته ما كان يفعل به في حياته بل حجر عليه فيه وملكه ثلثه يوصى به بما يجوز ويسوغ ان يوصى به حتى إن حاف أوجار أوأثم في وصيته جاز بل وجب على الوصي والورثة رد ذلك الجور والحيف والاثم ورفع سبحانه الاثم عمن يرد ذلك الحيف والاثم من الورثة والاوصياء فهو سبحانه لم يملكه ان يتصرف في تحبيس ماله بعده إلا على وجه يقربه اليه ويدنيه من رضاه لا على أي وجه أراد ولم يأذن ولا رسوله للمكلف ان يتصرف في تحبيس ماله بعده على أي وجه اراده ابدا فأين في كلام الله ورسوله أواحد من الصحابة ما يدل على ان لصاحب المال ان يقف ما اراد على من اراد ويشرط ما اراد ويجب على الحكام والمفتين ان ينفذوا وقفه ويلزموا بشروطه واما ما قد لهج به بعضهم من قوله شروط الواقف كنصوص الشارع فهذا يران به معنى صحيح ومعنى باطل فإن اريد انها كنصوص الشارع في الفهم والدلالة وتقييد مطلقها بمقيدها وتقديم خاصها على عامها والاخذ فيها بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فهذا حق من حيث الجملة وان اريد انها كنصوص الشارع في وجوب مراعاتها والتزامها وتنفيذها فهذا من ابطل الباطل بل يبطل منها ما لم يكن طاعة لله ورسوله وما غيره احب الى الله وارضى له ولرسوله منه وينفذ منها ما كان قربة وطاعة كما تقدم.
ولما نذر ابو اسرائيل ان يصوم ويقوم في الشمس ولا يجلس ولا يتكلم امره النبي صلى الله عليه وسلم ان يجلس في الظل ويتكلم ويتم صومه فألزمه بالوفاء بالطاعة ونهاه عن الوفاء بما ليس بطاعة وهكذا اخت عقبة بن عامر لما نذرت الحج ماشيه مكشوفة الرأس امرها ان تختمر وتركب وتحج وتهدى بدنة فهكذا الواجب على اتباع الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أن يعتمدوا في شروط الواقفين وبالله التوفيق.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:55 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 1:20 am | |
| لا يجوز للمفتي إطلاق الفتوى في مسألة فيها تفصيل: الفائدة الثامنة عشرة: ليس للمفتي ان يطلق الجواب في مسالة فيها تفصيل إلا اذا علم ان السائل انما سأل عن احد تلك الانواع بل اذا كانت المسالة تحتاج الى التفصيل استفصله كما استفصل النبي صلى الله عليه وسلم ماعزا لما أقر بالزنا هل وجد منه مقدماته أوحقيقته فلما أجابه عن الحقيقة استفصله هب به جنون فيكون إقراره غير معتبر ام هو عاقل فلما علم عقله استفصله بأن امر باستنكاهه ليعلم هل هو سكران ام صاح فلما علم انه صاح استفصله هل احصن ام لا فلما علم انه قد أحصن اقام عليه الحد.
ومن هذا قوله لمن سالته هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت فقال نعم إذا رأت الماء فتضمن هذا الجواب الاستفصال بأنها يجب عليها الغسل في حال ولا يجب عليها في حال.
ص -188- غير موجودة. حانث في مذهب من افتاه وقع ذلك مرارا فخطر المفتى عظيم فإنه موقع عن الله ورسوله زاعم ان الله امر بكذا وحرم كذا أو اوجب كذا.
ومن ذلك ان يستفتيه عن الجمع بين الظهر والعصر مثلا هل يجوز له ان يفرق بينهما فجوابه بتفصيل المسألتين وان الجمع إن كان في وقت الاولى لم يجز التفريق وإن كان في وقت الثانية جاز.
ومن ذلك انه لو قال له إن لم تحرق هذا المتاع أو تهدم هذه الدار أو تتلف هذا المال وإلا قتلتك ففعل هل يضمن ام لا جوابه بالتفصيل فإن كان المال المكره على إتلافه للمكره لم يضمن وإن كان لغيره ضمنه.
وكذلك لو ساله المظاهر إذا وطئ في اثناء الكفارة هل يلزمه الاستئناف أو يبنى فجوابه بالتفصيل انه إن كان كفر بالصيام فوطئ في اثنائه لزمه الاستثناف وإن كفر بالاطعام لم يلزمه الاستئناف وله البناء فإن حكم تتابع الصوم وكونه قبل المسيس قد انقطع بخلاف الإطعام.
وكذلك لو سأله عن المكفر بالعتق اذا اعتق عبدا مقطوعه اصبعه فجوابه بالتفصيل إن كان إبهاما لم يجزه وإلا اجزأه فلو قال له مقطوع الاصبعين وهما الخنصر والبنصر فجوابه بالتفصيل ايضا إن كانا من يد واحجدة واحدة لم يجزه وإن كانت كل اصبع من يد أجزأه.
وكذلك لو ساله عن فاسق التقط لقطه أولقيطا هل يقر في يده فجوابه بالتفصيل تقر اللقطة دون اللقيط لانها كسب فلا يمنع منه الملتقط وثبوت يده على اللقيط ولاية وليس من أهلها.
ولو قال له: اشتريت سمكة فوجدت في جوفها مالا ما اصنع به فجوابه ان كان لؤلؤة أوجوهرة فهو للصياد لانه ملكه بالاصطياد ولم تطلب نفسه لك به وإن كان خاتما أودينارأ فهو لقطة يجب تعريفها كغيرها.
وكذلك لو قال له اشتريت حيوانا فوجدت في جوفه جوهرة فجوابه إن كانت شاة فهي لقطة للمشتري يلزمه تعريفها حولا ثم هي له بعده إن كان سمكة أوغيرها من دواب البحر فهي ملك للصياد والفرق واضح.
ومن ذلك لو ساله عن عبد التقط لقطة فأنفقها هل تتعلق بذمته أوبرقبته فجوابه انه إن انفقها قبل التعريف حولا فهى في رقبته وإن انفقها بعد حول التعريف فهي في ذمته يتبع بها بعد العتق نص عليها الامام احمد مفرقا بينهما لانه قبل الحول ممنوع منها فإنفاقه لها جناية منه عليها وبعد الحول غير ممنوع منها بالنسبة الى مالكها فإذا انفقها في هذه الحال فكأنه أنفقها بإذن مالكها فتتعلق بذمته كديونه.
ومن ذلك لو ساله عن رجل جعل جعلا لمن رد عليه لقطته فهل يستحقه من ردها فجوابه إن التقطها قبل بلوغ قول الجاعل لم يستحقه لانه لم يلتقطها لاجل الجعل وقد وجب عليه ردها بظهور مالكها وإن التقطها بعد ان بلغه الجعل استحقه.
ومن ذلك ان يسال فيقول هل يجوز للوالدين ان يتملكا مال ولدهما أو يرجعان فيما وهباه فالجواب ان ذلك للاب دون الام.
وكذلك اذ شهد له اثنان من روثته غر الاب والابن بالجرح فالجواب فيه تفصيل فإن شهدا قبل الاندمال لم يقبلا للتهمة وإن شهدا بعده قلت لعدم التهمة.
ومن ذلك إذا سئل عن رجل ادعى نكاح امرأة فأقرت له هل يقبل إقرارها ام لا جوابه بالتفصيل إن ادعى زوجيتها وحده قبل اقرارها وان ادعاها معه اخر لم يقبل.
ومن ذلك لو سئل عن رجل مات فادعى ورثته شيئا من تركته وأقاموا شاهدوا حلف كل منهم يمينا مع الشاهد فإن حلف بعضهم استحق قدر نصيبه من المدعي وهل يشاركه من لم يحلف في قدر حصته التي انتزعها بيمينه أولا يشاركه فالجواب فيه تفصيل إن كان المدعى دينار لم يشاركه وينفرد الحالف بقدر حصته وإن كان عينا شاركه من لم يحلف لان الدين غير متعين فمن حلف فإنما ثبت بيمنه مقدار حصته من الدين لا غيره ومن لم يحلف لم يثبت له حق واما العين فكل واحد من الورثة يقر ان كل جزء منها مشترك بين جماعتهم وحقوقهم متعلقة بعينه فالمخلص مشترك بين جماعتهم والباقي غصب على جماعتهم. ومن ذلك إذا سئل عن رجل استعدى على خصمه ولم يحرر الدعوى هل يحضره الحاكم الجواب بالتفصيل إن استعدى على حاضر في البلد احضره لعدم المشقة وإن كان غائبا لم يحضره حتى يحررها.
ومن ذلك لو سئل عن رجل قطع عضوا من صيد وأفلت هل يحل اكل العضو الجواب بالتفصيل إن كان صيدا بحريا حل أكله وإن كان بريا لم يحل.
ومن ذلك لو سئل عن تاجر اهل الذمة هل يؤخذ منه العشر فالجواب بالتفصيل إن كان رجلا اخذ منه العشر وإن كانت امرأة ففيها تفصيل إن اتجرت الى ارض الحجاز اخذ منها العشر وإن اتجرت الى غيرها لم يؤخد منها شئ لانها تقر في غير ارض الحجاز بلا جزية.
ومن ذلك لو سئل عن ميت مات فطلب الاب ميرائه ولم يعلم من الورثة غيره كم يعطي الاب فالجواب بالتفصيل إن كان الميت ذكرا اعطى الاب اربعة من سبعة وعشرين سهما لان غاية ما يمكن ان يقدر معه زوجة وام وابنتان فله اربعة بلا شك من سبعة وعشرين وإن كان الميت أنثى فله سهمان من خمسة عشر قطعا لان اكثر ما يمكن ان يقدر زوج وام وابنتان فله سهمان من خمسة عشر قطعا.
فإن قال السائل مات ميت وترك ثلاث بنات ابن بعضهن اسفل من بعض مع العليا جدها قال المفتي إن كان الميت ذكرا فالمسألة محال لأن جد العليا نفس الميت وإن على الميت انثى فجد العليا إما أن يكون زوج الميت أولا يكون كذلك فإن كان زوجها فله الربع وللعليا النصف وللوسطى السدس تكملة الثلثين والباقي للعصبة.
فلو قال السائل ميت خلف ابنتين وابوين ولم تقسم التركة حتى ماتت احداهما وخلفت من خلفت قال المفتي ان كان الميت ذكر فمسألته من ستة للأبوين سهمان ولكل بنت سهمان فلما ماتت احداهما خلفت جدة وجدا واختا لأب فمسألتها من ستة وتصح من ثمانية عشر وتركتها سهمان توافق مسألتها بالنصف فترد الى تسعة ثم تضربها في ستة تكون اربعه وخمسين ومنها تصح وإن كان الميت أنثى ففريضتها أيضا ستة ثم ماتت احدا البنتين عن سهمين وخلفت جدة وجدا من ام واختا لاب فلا شيء للجد وللجدة السدس وللأخت النصف والباقي للعصبة فمسألتها من ستة وسهامها اثنان فاضرب ثلاثة في السمألة الاولى تكن ثمانية عشر.
والمقصود التنبيه على وجوب التفصيل اذا كان يجد السؤال محتملا وبالله التوفيق فكثيرا ما يقع غلط المفتي في هذا القسم فالمفتي ترد اليه المسائل في قوالب متنوعة جدا فإن لم يتفطن لحقيقة السؤال والا هلك وأهلك فتارة تورد عليه المسألتان صورتهما واحدة وحكمهما مختلف فصورةالصحيح والجائز صورة الباطل والمحرم ويختلفان بالحقيقة فيذهل بالصورة عن الحقيقة فيجمع بين ما فرق الله ورسوله بينه وتارة تورد عليه المسالتان صورتهما مختلفة وحقيقتهما واحدة وحكمهما واحد فيذهل باختلاف الصورة عن تساويهما في الحقيقة فيفرق بين ما جمع الله بينة وتارة تورد عليه المسالة مجملة تحتها عدة انواع فيذهل وهمه الى واحد منها ويذهل عن المسئول عنه منها فيجيب بغير الصواب وتارة تورد عليه المسالة الباطلة في دين الله في قالب مزخرف ولفظ حسن فيتبادر الى تسويغها وهي من ابطل الباطل وتارة بالعكس فلا اله الا الله كم ههنا عن مزلة اقدام ومجال اوهام وما دعا محق الى حق الا اخرجه الشيطان على لسان أخيه ووليه من الانس في قالب تنفر عنه خفافيش البصائر وضعفاءالعقول وهم اكثر الناس و ما حذر احد من باطل الا اخرجه الشيطان على لسان و ليه من الانس فى قالب مزخرف يستخف به عقول ذلك الضرب من الناس فيستجيبون له و اكثر الناس نظرهم قاصر على الصور لا يتجاوزونها الى الحقائق فهم محبوسون فى سجن الالفاظ مقيدون بقيود لعبارات كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ}.
وأذكر لك من هذا مثالا وقع في زماننا وهو ان السلطان امر أن يلزم أهل الذمة بتغيير عمائمهم وأن تكون خلاف الوان عمائم المسلمين فقامت لذلك قيامتهم وعظم عليهم وكان في ذلك من المصالح وإعزاز الاسلام و إذلال الكفرة ما قرت به عيون المسلمين فألقى الشيطان على ألسنة أوليائه وإخوانه ان صوروا فتيا يتوصلون بها الى إزالة هذا الغبار وهي ما تقول السادة العلماء في قوم من أهل الذمة ألزموا بلباس غير لباسهم المعتاد وزى غير زيهم المالوف فحصل لهم بذلك ضرر عظيم في الطرقات والفلوات وتجرأ عليهم بسببه السفهاء والرعاة وآذوهم غاية الاذى فطمع بذلك في إهانتهم والتعدي عليهم فهل يسوغ للامام ردهم الى زيهم الاول وإعادتهم الى ما كانوا عليه مع حصول التميز بعلامة يعرفون بها وهل في ذلك مخالفة للشرع ام لا؟
فاجابهم من مسع التوفيق وصد عن الطريق بجواز ذلك وأن للامام إعادتهم الى ما كانوا عليه قال شيخنا فجاءتني الفتوى فقلت لا تجوز إعادتهم ويجب إبقاؤهم على الزي الذي يتميزون به عن المسلمين فذهبوا ثم غيروا الفتوى ثم جاءوا بها في قالب آخر فقلت لا تجوز إعادتهم فذهبوا ثم أتوا بها في قالب آخر فقلت هي المسألة المعينة وان خرجت في عدة قوالب ثم ذهب الى السلطان وتكلم عنده بكلام عجب منه الحاضرون فاطبق القوم على ابقائهم ولله الحمد.
ونظائر هذه الحادثة اكثر من ان تحصى فقد القى الشيطان على ألسنة أوليائه ان صوروا فتوى فيما يحدث ليلة النصف في الجامع وأخرجوها في قالب حسن حتى استخفوا عقل بعض المفتين فأفتاهم بجوازه وسبحان الله كم توصل بهذه الطرق الى إبطال حق وإثبات باطل واكثر الناس إنما هم اهل ظواهر في الكلام واللباس والافعال واهل النقد منهم الذين يعبرون من الظاهر الى حقيقته وباطنه لا يبلغون عشر معشار غيرهم ولا قريبا من ذلك فالله المستعان.
لا يفصل المفتي إلا إذا دعت الحاجة: الفائدة التاسعة عشرة اذا سئل عن مسالة من الفرائض لم يجب عليه ان يذكر موانع الارث فيقول بشرط الا يكون كافرا ولا رقيقا ولا قاتلا وإذا سئل عن فريضه فيها اخ وجب عليه ان يقول إن كان لاب فله كذا وإن كان لام فله كذا وكذلك إذا سئل عن الاعمام وبنيهم وبني الاخوة وعن الجد والجدة فلابد من التفصيل والفرق بين الموضعين ان السؤال المطلق في الصورة الاولى يدل على الوارث الذي لم يقم به مانع من الميراث كما لو سئل عن رجل باع أوآجر أوتزوج أوأقر لم يجب عليه ان يذكر موانع الصحه من الجنون والاكراه ونحوهما إلا حيث يكون الاحتمال متساويا.
ومن تأمل اجوبة النبي صلى الله عليه وسلم رآه يستفصل حيث تدعو الحاجة الى الاستفصال ويتركه حيث لا يحتاج اليه ويحيل فيه مرة على ما علم من شرعه ودينه من شروط الحكم وتوابعه بل هذا كثير في القرآن كقوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} وقوله: {فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} وقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ}.
ولا يجب على المتكم والمفتى ان يستوعب شرائط الحكم وموانعه كلها عند ذكر حكم المسألة ولا ينفع السائل والمتكلم والمتعلم قوله بسرطه وعدم موانعه ونحو ذلك فلا بيان اتم من بيان الله ورسوله ولا هدى اكمل من هدى الصحابة والتابعين وبالله التوفيق.
الاختلاف في فتوى المقلد: الفائدة العشرون: لا يجوز للمقلد ان يفتي في دين الله بما هو مقلد فيه وليس على بصيرة فيه سوى انه قول من قلده دينه هذا إجماع من السلف كلهم وصرح به الامام احمد والشافعي رضى الله عنهما وغيرهما.
قال ابو عمرو بن الصلاح: قطع ابو عبد الله الحليم إمام الشافعيين بما وراء النهر والقاضي ابو المحاسن الروياني صاحب بحر المذهب وغيرها بانه لا يجوز للمقلد ان يفتى بما هو مقلد فيه.
وقال: وذكر الشيخ ابو محمد الجويني في شرحه لرسالة الشافعي عن شيخه ابي بكر القفال المروزي انه يجوز لمن حفظ كلام صاحب مذهب ونصوصه ان يفتى به وان لم يكن عارفا بغوامضه وحقائقه وخالفه الشيخ ابو محمد وقال لا يجوز ان يفتى بمذهب غيره اذا لم يكن متبحرا فيه عالما بغوامضه وحقائقه كما لا يجوز للعامي الذي جمع فتاوي المفتين ان يفتى بها واذا كان متبحرا فيه جاز ان يفتى به.
وقال ابو عمرو: من قال: "لا يجوز له ان يفتى بذلك" معناه لا يذكره في صورة ما يقوله من عند نفسه بل يضيفه الى غيره ويحكيه عن إمامه الذي قلده فعلى هذا من عددناه في اصناف المفتين المقلدين ليسوا على الحقيقة من المفتين ولكنهم قاموا مقام المفتين وادعوا عنهم فعدوا منهم وسبيلهم في ذلك ان يقولوا مثلا مذهب الشافعي كذا وكذا ومقتضى مذهبه كذا وكذا وما أشبه ذلك ومن ترك منهم إضافة ذلك الى إمامه فإن كان ذلك اكتفاء منه بالمعلوم عن الصريح فلا بأس.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:56 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 1:31 am | |
| قلت: ما ذكره ابو عمرو حسن إلا ان صاحب هذه المرتبة يحرم عليه ان يقول مذهب الشافعي لما لا يعلم انه نصه الذي افتى به أويكون شهرته بين اهل المذهب شهرة لا يحتاج معها الى الوقوف على نصه كشهرة مذهبه في الجهر بالبسملة والقنوت في الفجر ووجوب تبييت النية للصوم في الفرض من الليل ونحو ذلك.
فأما مجرد ما يجد في كتب من انتسب الى مذهبه من الفروع فلا يسعه ان يضيفها الى نصه ومذهبه بمجرد وجودها في كتبهم فكم فيها من مسألة لا نص له فيها البتة ولا ما يدل عليه وكم فيها من مسألة نصه على خلافها وكم فيها من مسألة اختلف المنتسبون اليه في إضافتها الى مقتضى نصه ومذهبه فهذا يضيف الى مذهبه إثباتها وهذا يضيف اليه نفيها فلا ندري كيف يسع المفتي عند الله ان يقول هذا مذهب الشافعي وهذا مذهب مالك واحمد وابي حنيفة واما قول الشيخ ابي عمرو إن لهذا المفتي ان يقول هذا مقتضى مذهب الشافعي مثلا فلعمرالله لا يقبل ذلك من كل من نصب نفسه للفتيا حتى يكون عالما بمأخذ صاحب المذهب ومداركه وقواعده جمعا وفرقا ويعلم ان ذلك الحكم مطابق لأصوله وقواعده بعد استفراغ وسعه في معرفة ذلك فيها اذا اخبر ان هذا مقتضى مذهبه كان له حكم أمثاله ممن قال بمبلغ علمه ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.
وبالجملة فالمفتي مخبر عن الحكم الشرعي وهو اما مخبر عما فهمه عن الله ورسوله واما عما فهمه من كتاب أونصوص من قلده دينه وهذا لون فكما لا يسع الاول ان يخبر عن الله ورسوله إلا بما علمه فكذا لا يسع الثاني ان يخبر عن إمامة الذي قلده دينه إلا بما يعلمه وبالله التوفيق.
الاختلاف في تولية الفقيه القاصر عن معرفة الكتاب والسنة الافتاء: الفائدة الحادية والعشرون: إذا تفقه الرجل وقرأ كتابا من كتب الفقه أوأكثر وهو مع ذلك قاصر في معرفة الكتاب والسنة وآثار السلف والاستنباط والترجيح فهل يسوغ تقليده في الفتوى فيه للناس أربعة أقوال الجواز مطلقا والمنع مطلقا والجواز عند عدم المجتهد ولا يجوز مع وجوده والجواز إن كان مطلعا على ما اخذ من يفتي بقولهم والمنع إن لم يكن مطلعا.
والصواب فيه التفصيل وهو انه ان كان السائل يمكنه التوصل الى عالم يهديه السبيل لم يحل له استفتاء مثل هذا ولا يحل لهذا ان ينسب نفسه للفتوى مع وجود هذا العالم وإن لم يكن في بلده أوناحيته غيره بحيث لا يجد المستفتي من يسأله سواه فلا ريب ان رجوعه اليه اولى من ان يقدم على العمل بلا علم أو يبقى مرتبكا في حيرته مترددا في عماه وجهالته بل هذا هو المستطاع من تقواه المأمور بها.
ونظير هذه المسالة اذا لم يجد السلطان من يوليه إلا قاضيا عاريا من شروط القضاء لم يعطل البلد عن قاض وولي الامثل فالامثل.
ونظير هذا لو كان الفسق هو الغالب على اهل تلك البلد وان لم تقبل شهادة بعضهم على بعض وشهادته له تعطلت الحقوق وضاعت قبل شهاده الامثل فالامثل.
ونظيرها لو غلب الحرام المحض أو الشبهة حتى لم يجد الحلال المحض فإنه يتناول الامثل فالامثل ونظير هذا لو شهد بعض النساء على بعض بحق في بدن أو عرض أو مال وهن منفردات بحيث لا رجل معهن كالحمامات والأعراس قبلت شهادة فالأمثل منهن قطعا ولا يضيع الله ورسوله حق المظلوم ولا يعطل إقامة دينه في مثل هذه الصورة أبدا بل قد نبه الله تعالى على القبول في مثل هذه الصورة بقبول شهادة الكفار على المسلمين في السفر في الوصية في آخر سورة أنزلت في القرآن ولم ينسخها شيء ألبتة ولا نسخ هذا الحكم كتاب ولا سنة ولا أجمعت الأمة على خلافة ولا يليق بالشريعة سواه فالشريعة شرعت لتحصيل مصالح العباد بحسب الإمكان وأي مصلحة لهم في تعطيل حقوقهم إذالم يحضر أسباب تلك الحقوق شاهدان حران ذكران عدلان بل إذا قلتم تقبل شهادة الفساق حيث لاعدل وينفذ حكم الجاهل والفاسق إذا خلا الزمان عن قاض عالم عادل فكيف لا تقبل شهادة النساء إذا خلا جمعهن عن رجل أوشهادة العبيد إذا خلا جمعهم عن حر أوشهادة الكفار بعضهم على بعض إذا خلا جمعهم عن مسلم وقد قبل ابن الزبير شهادة الصبيان بعضهم على بعض في تجارحهم ولم ينكره عليه أحد من الصحابة وقد قال به مالك والإمام أحمد رحمهما الله تعالى في إحدى الروايتين عنه حيث يغلب على الظن صدقهم بأن يجتنبوا أويتفرقوا إلى بيوتهم وهذا هو الصواب وبالله التوفيق.
وكلام أصحاب أحمد في ذلك يخرج على وجهين فقد منع كثير منهم الفتوى والحكم بالتقليد وجوزه بعضهم لكن على وجه الحكاية لقول المجتهد كما قال أبو إسحاق بن شاقلا وقد جلس في جامع المنصور فذكر قول أحمد أن المفتي بنبغي له أن يحفظ أربعمائة ألف حديث ثم يفتي فقال له رجل أنت تحفظ هذا فقال إن لم أحفظ هذا فأنا أفتي بقول من كان يحفظه وقال أبو الحسن ابن بشار من كبار أصحابنا ماضر رجلا عنده ثلاث مسائل أوأربع من فتاوي الإمام أحمد يستند إلى هذه السارية ويقول قال أحمد بن حنبل.
الاختلاف في إفتاء العامي في حادثة عرف دليلها: الفائدة الثانية والعشرين: اذا عرف العامى حكم حادثة بدليلها فهل له ان يفتي به ويسوغ لغيره تقليده فيه ففيه ثلاثة اوجه للشافعية وغيرهم احدهما الجواز لانه قد حصل له العلم بحكم تلك الحادثة عن دليلها كما حصل للعالم وان تميز العالم عنه بقوة يتمكن بها من تقرير الدليل ودفع المعارض له فهذا قدر زائد على معرفة الحق بدليله والثاني لا يجوز له ذلك مطلقا لعدم اهليته للاستدلال وعدم علمه بشرطه وما يعارضه ولعله يظن دليلا ما ليس بدليل والثالث ان كان الدليل كتابا أوسنة جاز له الافتاء وان كان غيرهما لم يجز لان القران والسنة خطاب لجميع المكلفين فيجب على المكلف ان يعمل بما وصل اليه من كتاب ربه تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ويجوز له ان يرشد غيره اليه ويدله عليه.
الخصال التي يجب ان يتصف بها المفتي: الفائدة الثالثة والعشرين: ذكر ابو عبد الله بن بطة في كتابه في الخلع عن الامام احمد انه قال لا ينبغي للرجل ان ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال اولها ان تكون له نية فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور والثانية ان يكون له علم وحلم ووقار وسكينة الثالثة ان يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفتة الرابعة الكفاية والا مضغه الناس الخامسة معرفة الناس.
وهذا مما يدل على جلالة احمد ومحله من العلم والمعرفة فإن هذه الخمسة هي دعائم الفتوى واي شئ نقص منها ظهر الخلل في المفتي بحسبه.
منزلة النية: فأما النية فهى رأس الامر وعموده واساسه واصله الذي عليه يبنى فإنها روح العمل وقائده وسائقه والعمل تابع لها يبنى عليها يصح بصحتها ويفسد بفسادها وبها يستجلب التوفيق وبعدمها يحصل الخذلان وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والاخرة فكم بين مريد الفتوى وجه الله ورضاه والقرب منه وما عنده ومريد بها وجه المخلوق ورجاء منفعته وما يناله منه تخويفا أوظمعات فيفتي الرجلان بالفتوى الواحدة وبينهما في الفضل والثواب اعظم مما بين المشرق والمغرب هذا يفتى لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر ورسوله هو المطاع وهذا يفتي ليكون قوله هو المسموع وهو المشار اليه وجاهه هو القائم سواء وافق الكتاب والسنة أو خلفهما فالله المستعان وقد جرت عادة الله التي لا تبدل وسنته التي لا تحول ان يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم اليه ما هو بحسب اصلاصه ونيته ومعاملته لربه ويلبس المرائي اللابس ثوبى الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به فالمخلص له المهابة والمحبة وللآخر المقت والبغضاء.
من الصفات التي يتصف بها المفتي الحلم الوقار والسكينة: وأما قوله: "ان يكون له حلم ووقار وسكينة فليس صاحب العلم والفتيا الى شئ احوج منه الى الحلم والسكينة والوقار فإنها كسوة علمه وجماله وإذا فقدها كان علمه كالبدن العاري من اللباس" وقال بعض السلف: ما قرن شئ الى شئ احسن من علم الى حلم والناس ههنا أربعة اقسام فخيارهم من اوتى الحلم والعلم وشرارهم من عدمهما الثالث من أوتى علما بلا حلم الرابع عكسه فالحلم زينة العلم وبهاؤه وجماله وضده الطيش والعجلة والحدة والتسرع وعدم الثبات فالحليم لا يستفزه البدوات ولا يستخفه الذين لا يعلمون ولا يقلقه أهل الطيش والخفة والجهل بل هو وقور ثابت ذو أناة يملك نفسه عند ورود أوائل الامور عليه ولا تملكه اوائلها وملاحظته للعواقب تمنعه من ان تستخفه دواعي الغضب والشهوة فبالعلم تنكشف له مواقع الخير والشر والصلاح والفساد وبالحلم يتمكن من تثبيت نفسه عند الخير فيؤثره ويصبر عليه وعند الشر فيصبر عنه فالعلم يعرفة رشده والحلم يثبته عليه وإذا شئت ان ترى بصيرا بالخير والشر لا صبر له على هذا ولا عن هذا رأيته إذا شئت ان ترى صابرا على المشاق لا بصيرة له رأيته وإذا شئت ان ترى من لا صبر له ولابصيره رأيته وإذا شئت ان ترى بصيرا صابرا لم تكد فإذا رأيته فقد رايت إمام هدى حقا فاستمسك بغرزه والوقار والسكينة ثمرة الحلم ونتيجته.
ولشدة الحاجة الى السكينة وحقيقتها وتفاصيلها وأقسامها نشير الى ذلك بحسب علومنا القاصرة وأذهاننا الجامدة وعباراتنا الناقصة ولكن نحن ابناء الزمان والناس بزمانهم اشبه منهم بآبائهم ولكل زمان دولة ورجال.
معنى السكينة: فالسكينة فعيلة من السكون وهو طمأنينة القلب واستقراره واصلها في القلب ويظهر اثرها على الجوارح وهي عامة وخاصة.
سكينة الانبياء: فسكينة الانبياء صلوات الله وسلامه عليهم اخص مراتبها وعلى اقسامه كالسكينة التي حصلت لابراهيم الخليل وقد القى في المنجنيق مسافرا الى ما اضرم له اعداء الله من النار فلله تلك السكينة التي كانت في قلبه حين ذلك السفر وكذلك السكينة التي حصلت لموسى وقد غشيه فرعون وجنوده من ورائهم والبحر أمامهم وقد استغاث بنو اسرائيل يا موسى الى اين تذهب بنا هذا البحر امامنا وهذا فرعون خلفنا وكذلك السكينة التي حصلت له وقت تكليم الله له نداء ونجاء كلاما حقيقة سمعه حقيقة بأذنه وكذلك السكينة التي حصلت له وقد رأى العصا ثعبانا مبينا وكذلك السكينة التي نزلت عليه وقد راى حبال القوم وعصيهم كأنها تسعى فأوجس في نفسه خيفة وكذلك السكينة التي حصلت لنبينا صلى الله عليه وسلم وقد اشرف عليه وعلى صاحبه عدوهما وهما في الغار فلو نظر احدهم الى تحت قدميه لرآهما وكذلك السكينة التي نزلت عليه في موافقة العظيمة واعداء الله قد أحاطوا به كيوم بدر ويوم حنين ويوم الخندق وغيره فهذه السكينة امر فوق عقول البشر وهي من اعظم معجزاته عند ارباب البصائر فان الكذاب ولا سيما على الله املق ما يكون واخوف ما يكون واشده اضطرابا في مثل هذه المواطن فلوا لم يكن للرسل صلوات الله وسلامه عليهم من الآيات إلا هذه وحدها لكفتهم.
سكينة اتباع الرسل: وأما الخاصة فتكون لاتباع الرسل بحسب متابعتهم وهي سكينة الايمان وهي سكينة تسكن القلوب عن الريب والشك ولهذا انزلها الله على المؤمنين في اصعب المواطن احوج ما كانوا اليها هو الذي انزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع ايمانهم ولله جنود السموات والارض وكان الله عليما حكيما فذكر نعمته عليهم بالجنود الخارجة عنهم والجنود الداخلة فيهم وهي السكينة عند القلق والاضطراب الذي لم يصبر عليه عمر بن الخطاب رضى الله عنه وذلك يوم الحديبية قال الله سبحانه وتعالى يذكر نعمته عليهم بإنزالها أحوج ما كانوا اليها لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا لما علم الله سبحانه وتعالى ما في قلوبهم من القلق والاضطراب لما منعهم كفار قريش من دخول بيت الله وحبسوا الهدى عن محله واشترطوا عليهم تلك الشروط الجائرة الظالمة فاضطربت قلوبهم وقلقت ولم تطق الصبر فعلم تعالى ما فيها فثبتها بالسكينة رحمة منه ورافة ولطفا وهو اللطيف الخبير وتحتمل الاية وجها آخر وهو انه سبحانه علم ما في قلوبهم من الايمان والخير ومحبته ومحبة رسوله فثبتها بالسكينة وقت قلقها واضطرابها والظاهر ان الاية تعم الامرين وهو انه علم ما في قلوبهم مما يحتاجون معه الى إنزال السكينة وما في قلوبهم من الخير الذي هو سبب انزالها ثم قال بعد ذلك إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا احق بها واهلها وكان الله بكل شئ عليما لما كانت حمية الجاهلية توجب من الاقوال والاعمال ما يناسبها جعل الله في قلوب اوليائه سكينة تقابل حمية الجاهلية وفي السنتهم كلمة التقوى مقابلة لما توجبه حمية الجاهلية من كلمة الفجور فكان حظ المؤمنين السكينة في قلوبهم وكلمة التقوى على السنتهم وحظ اعدائهم حمية الجاهلية في قلوبهم وكلمة الفجور والعدوان على ألسنتهم فكانت هذه السكينة وهذه الكلمة جند من جند الله ايد بها الله رسوله والمؤمنين في مقابلة جند الشيطان الذي في قلوب اوليائه والسنتهم وثمرة هذه السكينة الطمأنينة للخير تصديقا وإيقانا وللامر تسليما وإذعانا فلا تدع شبهة تعارض الخير ولا إرادة تعارض الامر فلا تمر معارضات السوء بالقلب إلا وهي مجتازة من مرور الوساوس الشيطانية التي يبتلى بها العبد ليقوى إيمانه ويعلو عند الله ميزانه بمدافعتها وردها وعدم السكون اليها فلا يظن المؤمن انها لنقص درجته عند الله.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:57 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 1:33 am | |
| فصل: السكينة عند القيام بوظائف العبودية ومنها السكينة عند القيام بوظائف العبودية وهي التي تورث الخضوع والخشوع وغض الطرف وجمعية القلب على الله تعالى بحيث يؤدي عبوديته بقلبه وبدنه والخشوع نتيجة هذه السكينة وثمرتها وخشوع الجوارح نتيجة خشوع القلب وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يعبث بلحيته في الصلاة فقال لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
فإن قلت: قد ذكرت اقسامها ونتيجتها وثمرتها وعلامتها فما اسبابها الجالبة لها؟
الأسباب المؤدية الى السكينة: قلت: سببها استيلاء مراقبة العبد لربه جل جلاله حتى كأنه يراه وكلما اشتدت هذه المراقبة اوجبت له من الحياء والسكينة والمحبة والخضوع والخشوع و الخوف والرجاء ما لا يحصل بدونها فالمراقبة اساس الاعمال القلبية كلها وعمودها الذي قيامها به ولقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم اصول اعمال القلب وفروعها كلها في كلمة واحدة وفي قوله في الاحسان ان تعبد الله كانك تراه فتأمل كل مقام من مقامات الدين وكل عمل من اعمال القلوب كيف تجد هذا اصله ومنبعه؟
والمقصود ان العبد محتاج الى السكينة عند الوساوس المعترضة في اصل الايمان ليثبت قلبه ولا يزيغ وعند الوساوس والخطرات القادحة في اعمال الايمان لئلا تقوى وتصير هموما وغموما وارادات ينقص بها ايمانه وعند اسباب المخاوف على اختلافها ليثبت قلبه ويسكن جأشه وعند اسباب الفرح لئلا يطمح به مركبه فيجاوز الحد الذي لا يعبر فينقلب ترحا وحزنا وكم ممن أنعم الله عليه بما يفرحه فجمح به مركب الفرح وتجاوز الحد فانقلب ترحا عاجلا ولو أعين بسكينة تعدل فرحه لاريد به الخير وبالله التوفيق وعند هجوم الاسباب المؤلمه على اختلافها الظاهره والباطنه فما احوجه الى السكينة حينئذ وما انفعها له وأجداها عليه واحسن عاقبتها.
والسكينة في هذه المواطن علامة على الظفر وحصول المحبوب واندفاع المكروه وفقدها علامه على ضد ذلك لا يخطئ هذا ولا هذا والله المستعان.
الاستظهار بالعلم: وأما قوله: "ان يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته أي مستظهرا مضطعا بالعلم متمكنا منه غير ضعيف فيه فإنه اذا كان ضيفا قليل البضاعةغير مضطلع به أحجم عن الحق في موضع ينبغي فيه الإقدام لقلة علمه بمواضع الإقدام والاحجام فهو يقدم في غير موضعه ويحجم في غير موضعه ولا بصيرة له بالحق ولا قوة له على تنفيذه فالمفتى محتاج إلى قوة في العلم وقوة في التنفيذ فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له.
الكفاية: وأما قوله: "الرابعة الكفاية وإلا مضغه الناس" فإنه إذا لم يكن له كفاية احتاج إلى الناس والى الاخذ مما في ايديهم فلا يأكل منهم شيئا إلا اكلوا من لحمه وعرضه اضعافه وقد كان لسفيان الثوري شئ من مال وكان لا يتروى في بذله ويقول لولا ذلك لتمندل بنا هؤلاء فالعالم اذا منح غناء فقد أعين على تنفيذ علمه وإذا احتاج الى الناس فقد مات علمه وهو ينظر.
معرفة الناس: وأما قوله الخامسة معرفة الناس فهذا اصل عظيم يحتاج اليه المفتي والحاكم فإن لم يكن فقيها فيه فقيها في الامر والنهي ثم يطبق احدهما على الاخر وإلا كان ما يفسد اكثر مما يصلح فإنه اذا لم يكن فقيها في الامر له معرفة بالناس تصور له الظالم بصوره المظلوم وعكسه والمحق بصورة المبطل وعكسه وراج عليه المكر والخداع والاحتيال وتصور له الزنديق في صورة الصديق والكاذب في صورة الصادق ولبس كل مبطل ثوب زور تحتها الاثم والكذب والفجور وهو لجهله بالناس واحوالهم وعوائدهم وعرفياتهم لا يميز هذا من هذا بل ينبغي له ان يكون فقيها في معرفة مكر الناس وخداعهم واحتيالهم وعوائدهم وعرفياتهم فإن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والعوائد والاحوال وذلك كله من دين الله كما تقدم بيانه وبالله التوفيق.
فوائد تتعلق بالفتوى مروية عن الامام احمد الفائدة الرابعة والعشرون: في كلمات حفظت عن الامام احمد رحمه الله تعالى ورضى عنه في امر الفتيا سوى ما تقدم آنفا: قال في رواية ابنه صالح ينبغي للرجل اذا حمل نفسه على الفتيا ان يكون عالما بوجوه القرآن عالما بالاسانيد الصحيحة عالما بالسنن وقال في رواية أبي الحارث لا تجوز الفتيا إلا لرجل عالم بالكتاب والسنة وقال في رواية حنبل ينبغي لمن افتى ان يكون عالما بقول من تقدم وإلا فلا يفتي وقال في رواية يوسف بن موسى احب ان يتعلم الرجل كل ما تكلم فيه الناس وقال في رواية ابنه عبد الله وقد سأله عن الرجل يريد أن يسأله عن امر دينه مما يبتلي به من الايمان في الطلاق وغيره وفي مصره من أصحاب الراي واصحاب الحديث لا يحفظون ولا يعرفون الحديث الضعيف ولا الإسناد القوي فلمن يسأل لهؤلاء أولأصحاب الحديث على قلة معرفتهم فقال يسأل اصحاب الحديث ولا يسأل اصحاب الرأي ضعيف الحديث خير من الرأي وقال في رواية محمد بن عبيد الله بن المنادى وقد سمع رجلا يساله اذا حفظ الرجل مائة الف حديث يكون فقيها قال لا قال فمائتي ألف قال لا قال فثلاثمائة الف قال لا قال فأربعمائة الف قال بيده هكذا وحركها قال حفيده احمد بن جعفر بن محمد فقلت لجدي كم كان يحفظ احمد فقال أجاب عن ستمائة الف.
وقال عبد الله بن احمد: سالت ابي عن الرجل يكون عنده الكتب المصنفة فيها قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وليس للرجل بصر بالحديث الضعيف المتروك ولا الاسناد القوي من الضعيف فيجور ان يعمل بما شاء ويتخير منها فيفتى به ويعمل به قال لا يعمل حتى يسأل ما يؤخذ به منها فيكون يعمل على امر صحيح يسال عن ذلك اهل العلم.
وقال ابو داود سمعت احمد وسئل عن مسألة فقال دعنا من هذه المسائل المحدثة وما احصى ما سمعت احمد سئل عن كثير مما فيه الاختلاف من العلم فيقول لا أدرى وسمعته يقول ما رأيت مثل ابن عيينة في الفتيا احسن فتيا منه كان اهون عليه ان يقول لا ادري من يحسن مثل هذا سل العلماء وقال ابو داود قلت لأحمد الاوزاعي هو اتبع من مالك فقال لا تقلد دينك احدا من هؤلاء ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فخذ به ثم التابعين بعد الرجل فيه مخير وقال إسحاق بن هاني سألت أبا عبد الله عن الذي جاء في الحديث أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار فقال يفتى بما لم يسمع وقال ايضا قلت لأبي عبد الله يطلب الرجل الحديث بقدر ما يظن أنه قد انتفع به قال العلم لا يعدله شئ وجاءه رجل يسأله عن شئ فقال لا اجيبك في شئ ثم قال قال عبد الله بن مسعود إن كل من يفتى الناس في كل ما يستفتونه لمجنون قال الاعمش فذكرت ذلك للحاكم فقال لو حدثتني به قبل اليوم ما افتيت في كثير مما كنت افتى به قال ابن هاني وقيل لابي عبد الله يكون الرجل في قرية فيسأل عن الشيء الذي فيه اختلاف قال يفتي بما وافق الكتاب والسنة وما لم يوافق الكتاب والسنة امسك عنه قيل له افتخاف عليه قال لا قيل له ما كان من كلام اسحاق بن راهويه وما كان وضع في الكتاب وكلام ابي عبيد ومالك ترى النظر فيه فقال كل كتاب ابتدع فهو بدعة أوكل كتاب محدث فهو بدعة واما ما كان عن مناظرة يخبر الرجل بما عنده وما يسمع من الفتيا فلا أرى به بأسا قيل له فكتاب ابي عبيد غريب الحديث قال ذلك شئ حكاه عن قوم اعراب قيل له فهذه الفوائد التي فيها المناكير ترى ان تكتب قال المنكر ابدا منكر.
دلالة العالم للسائل على مفتى غيره: الفائدة الخامسة والعشرون: في دلالة العالم للمستفتى على غيره وهو موضع خطر جدا فلينظر الرجل ما يحدث من ذلك فإنه متسبب بدلالته إما الى الكذب على الله ورسوله في أحكامه أوالقول عليه بلا علم فهو معين على الاثم والعدوان وإما معين على البر والتقوى فلينظر الانسان الى من يدل عليه وليتق الله ربه فكان شيخنا قدس الله روحه شديد التجنب لذلك ودللت مرة بحضرته على مفت أومذهب فانتهرني وقال مالك وله دعه ففهمت من كلامه إنك لتبوء بما عساه يحصل له من الإثم ولمن أفتاه ثم رأيت هذه المسألة بعينها منصوصة عن الإمام أحمد قال أبو داود في مسائلة قلت لأحمد الرجل يسأل عن المسألة فأدله على إنسان يسأله فقال إذا كان يعني الذي أرشدته إليه متبعا ويفتي بالسنة فقيل لأحمد إنه يريد الاتباع وليس كل قوله يصيب فقال أحمد ومن يصيب في كل شيء قلت له فرأي مالك فقال لا تتقلد في مثل هذا بشيء قلت وأحمد كان يدل على أهل المدينة ويدل على الشافعي ويدل على إسحاق ولا خلاف عنه في استفتاء هؤلاء ولا خلاف عنه في أنه لا يستفتي أهل الرأي المخالفون لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالله التوفيق ولا سيما كثير من المنتسبين إلى الفتوى في هذا الزمان وغيره وقد رأى رجل ربيعة بن أبي عبد الرحمن يبكي فقال ما يبكيك فقال استفتي من لا علم له وظهر في الإسلام أمر عظيم قال ولبعض من يفتي ههنا أحق بالسجن من السراق قال بعض العلماء فكيف لو رأى ربيعة زماننا وإقدام من لا علم عنده على الفتيا وتوثبه عليها ومد باع التكلف إليها وتسلقه بالجهل والجرأة عليها مع قلة الخبرة وسوء السيرة وشؤم السريرة وهو من بين أهل العلم منكر أوغريب فليس له في معرفة الكتاب والسنة وآثار السلف نصيب ولا يبدي جوابا بإحسان وإن ساعد القدر فتواه كذلك يقول فلان ابن فلان.
يمدون للإفتاء باعا قصيرة وأكثرهم عند الفتاوي يكذلك
وكثير منهم نصيبهم مثل ما حكاه أبو محمد بن حزم قال كان عندنا مفت قليل البضاعة فكان لا يفتي حتى يتقدمه من يكتب الجواب فيكتب تحته جوابي مثل جواب الشيخ فقدر أن اختلف مفتيان في جواب فكتب تحتهما جوابي مثل جواب الشيخين فقيل له إنهما قد تناقضا فقال وأنا أيضا تناقضت كما تناقضا وقد أقام الله سبحانه لكل عالم ورئيس وفاضل من يظهر مماثلته ويرى الجهال وهم الأكثرون مساجلته ومشاكلته وانه يجري معه في الميدان وأنهما عند المسابقة كفرسي رهان ولا سيما إذا طول الأردان وأرخي الذوائب الطويلة وراءه كذنب الأتان وهدر باللسان وخلا له الميدان الطويل من الفرسان.
فلو لبس الحمار ثياب خز لقال الناس يا لك من حمار
وهذا الضرب إنما يستفتون بالشكل لا بالفضل وبالمناصب لا بالأهلية قد غرهم عكوف من لا علم عنده عليهم ومسارعة أجهل منهم إليهم تعج منهم الحقوق إلى الله تعالى عجيجا وتضح منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجا فمن أقدم بالجرأة على ما ليس له من فتيا أوقضاء أوتدريس استحق اسم الذم ولم يحل قبول فتياه ولا قضائه هذا حكم دين الإسلام وإن رغمت أنوف من اناس فقل يارب لا ترغم سواها حكم كذلكة المفتي الفائدة السادسة والعشرون في حكم كذلكة المفتي ولا يخلو من حالين إما أن يعلم صواب جواب من تقدمه بالفتيا أولا يعلم فإن علم صواب جوابه فله ان يكذلك وهل الاولى له الكذلكة أوالجواب المستقل فيه تفصيل.
فلا يخلو المبتديء اما ان يكون اهلا أومتسلقا متعاطيا ماليس له بأهل فإن كان الثاني فتركه الكذلكة اولى مطلقا إذ في كذلته تقرير له على الإفتاء وهو كالشهادة له بالأهلية وكان بعض اهل العلم يضرب إلى فتوى من كتب وليس بأهل فإن لم يتمكن من ذلك خوف الفتنة منه فقد قيل لايكتب معه في الورقة ويرد السائل وهذا نوع تحامل والصواب انه يكتب في الورقة الجواب ولا يأنف من الإخبار بدين الله الذي يجب عليه الإخبار به لكتابة من ليس بأهل فإن هذا ليس عذرا عند الله ورسوله وأهل العلم في كتمان الحق بل هذا نوع رياسة وكبر والحق لله عز وجل فكيف يجوز ان يعطل حق الله ويكتم دينه لأجل كتابة من ليس بأهل. وقد نص الإمام على ان الرجل اذا شهد الجنازة فرأى فيها منكرا لا يقدر على إزالته انه لا يرجع ونص على انه دعي الى وليمة عرس فرأى فيها منكرا لايقدر على إزالته انه يرجع فسألت شيخنا عن الفرق فقال لأن الحق في الجنازة للميت فلا يترك حقه لما فعله الحي من المنكر والحق في الوليمة لصاحب البيت فإذا اتى فيها بالمنكر فقد اسقط حقه من الإجابة وإن كان المبتدي بالجواب أهلا للإفتاء فلا يخلو إما ان يعلم المكذلك صواب جوابه أولا يعلم فإن لم يعلم صوابه لم يجز له ان يكذلك تقليدا له إذ لعله ان يكون قد غلط ولو نبه لرجع وهو معذور وليس المكذلك معذورا بل مفت بغير علم ومن أفتى بغير علم فإثمه على من أفناه وهو احد المفتين الثلاثة الذين ثلثاهم في النار وإن علم انه قد أصاب فلا يخلو إما أن تكون المسألة ظاهرة لا يخفى وجه الصواب فيها بحيث لا يظن بالمكذلك انه قلده فيما لا يعلم أوتكون خفية فإن كانت ظاهرة فالاولى الكذلكة لانه إعانة على البر والتقوى وشهادة للمفتى بالصواب وبراءة من الكبر والحمية وإن كانت خفية بحيث يظن بالمكذلك انه وافقه تقليدا محضا فإن امكنه إيضاح ما أشكه الاول وزيادة بيان أو ذكر قيد أوتنبيه على أمر أغفله فالجواب المستقل اولى وإن لم يمكنه ذلك فإن شاء كذلك وإن شاء اجاب استقلالا.
فإن قيل ما الذي يمنعه من الكذلكة إذا لم يعلم صوابه تقليدا له كما قلد المبتدي من فوقه فإذا افتى الاول بالتقليد المحض فما الذي يمنع المكذلك من تقليده.
قيل: الجواب من وجوه أحدها أن الكلام في المفتي الاول ايضا فقد نص الامام الشافعي واحمد وغيرهما من الائمة على انه لا يحل للرجل ان يفتى بغير علم حكى في ذلك الاجماع وقد تقدم ذكر ذلك مستوفى الثاني ان هذا الاول وإن جاز له التقليد للضرورة فهذا المكذلك المتكلف لا ضرورة له الى تقليده بل هذا من بناء الضعيف على الضعيف وذلك لا يسوغ كما لا تسوغ الشهادة على الشهادة وكما لا يجوز المسح على الخفين على طهارة التيمم ونظائر ذلك كثيرة الثالث أن هذا لو ساغ لصار الناس كلهم مفتين إذ ليس هذا بجواز تقليد المفتى اولى من غيره وبالله التوفيق.
جواز الفتوى للذي لا تجوز له الشهادة والقضاء: الفائدة السابعة والعشرون يجوز للمفتي ان يفتي أباه وابنه وشريكه ومن لا تقبل شهادته له وإن لم يجز أن يشهد له ولا يقضى له والفرق بينهما أن الافتاء يجري مجرى الرواية فكأنه حكم عام بخلاف الشهادة والحكم فإنه يخص المشهود له والمحكوم له ولهذا يدخل الراوي في حكم الحديث الذي يرويه ويدخل في حكم الفتوى التي يفتى بها ولكن لا يجوز له أن يحابي من يفتيه فيفتى أباه أوابنه أوصديقه بشئ ويفتى غيرهم بضده محاباة بل هذا يقدح في عدالته إلا أن يكون ثم سبب يقتضى التخصيص غير المحاباة ومثال هذا ان يكون في المسألة قولان قول بالمنع، وقول بالإباحة فيفى ابنه وصديقه بقول الاباحة والاجنبي بقول المنع فإن قيل هل يجوز له ان يفتى نفسه؟
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:57 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 1:52 am | |
| قيل: نعم إذا كان له ان يفتي غيره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم استفت قلبك وإن أفتاك المفتون فيجوز له أن يفتى نفسه بما يفتى غيره به ولا يجوز له أن يفتى نفسه بالرخصة وغير بالمنع ولا يجوز له إذا كان في المسألة قولان قول بالجواز وقول بالمنع أن يختار لنفسه قول الجواز ولغيره قول المنع.
وسمعت شيخنا يقول سمعت بعض الامراء يقول عن بعض المفتين من أهل زمانه يكون عندهم في المسألة ثلاثة اقوال احدها الجواز والثاني المنع والثالث التفصيل فالجواز لهم والمنع لغيرهم وعليه العمل.
لا يجوز ان يكون غرض المفتي وإرادته معيار للفتوى: الفائدة الثامنة والعشرون لا يجوز للمفتي ان يعمل بما يشاء من الاقوال والوجوه من غير نظر في الترجيح ولا يعتد به بل يكتفي في العمل بمجرد كون ذلك قولا قاله إمام أووجها ذهب إليه جماعة فيعمل بما يشاء من الوجوه والاقوال حيث رأى القول وفق إرادته وغرضه عمل به فإرادته وغرضه هو المعيار وبها الترجيح وهذا حرام باتفاق الامة.
وهذا مثل ما حكى القاضى أبو الوليد الباجي عن بعض أهل زمانه ممن نصب نفسه للفتوى: "أنه كان يقول إن الذي لصديقي على إذا وقعت له حكومة أوفتيا أن أفتيه بالرواية التي توافقه" وقال: "وأخبرني من أثق به انه وقعت له واقعة فأفتاه جماعة من المفتين بما يضره وأنه كان غائبا فلما حضر سألهم بنفسه فقالوا لم نعلم أنها لك وأفتوه بالرواية الاخرى التي توافقه قال وهذا مما لا خلاف بين المسلمين ممن يعتد بهم في الاجماع انه لا يجوز" وقد قال مالك: "رحمه الله في اختلاف الصحابة رضى الله عنهم مخطئ ومصيب فعليك بالاجتهاد".
وبالجملة فلا يجوز العمل والافتاء في دين الله بالتشهى والتخير وموافقة الغرض فيطلب القول الذي يوافق غرضه وغرض من يحابيه فيعمل به ويفتى به ويحكم به ويحكم على عدوه ويفتيه بضده وهذا من افسق الفسوق واكبر الكبائر والله المستعان.
أنواع المفتين: الفائدة التاسعة والعشرون: المفتون الذين نصبوا أنفسهم للفتوى أربعة أقسام النوع الاول من أنواع المفتين أحدهم العالم بكتاب الله وسنة رسوله وأقوال الصحابة فهو المجتهد في أحكام النوازل يقصد فيها موافقه الادلة الشرعية حيث كانت ولا ينافي اجتهاده تقليده لغيره أحيانا فلا تجد أحدا من الائمة إلا وهو مقلد من هو أعلم منه في بعض الاحكام وقد قال الشافعي رحمه الله ورضى عنه: في موضع من الحج قلته تقليدا لعطاء فهذا النوع الذي يسوغ لهم الافتاء ويسوغ استفتاؤهم ويتأدى بهم فرض الاجتهاد وهم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يبعث لهذه الامة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها وهم غرس الله الذين لا يزال يغرسهم في دينه وهم الذين قال فيهم علي بن ابي طالب كرم الله وجهه لن تخلو الارض من قائم لله بحجته. فصل: النوع الثاني من أنواع المفتين. النوع الثاني مجتهد مقيد في مذهب من ائتم به فهو مجتهد في معرفة فتاويه وأقواله ومأخذه وأصوله عارف بها متمكن من التخريج عليها وقياس ما لم ينص من ائتم به عليه على منصوصه من غير ان يكون مقلدا لإمامه لا في الحكم ولا في الدليل لكن سلك طريقه في الاجتهاد والفتيا ودعا الى مذهبه ورتبه وقرره فهو موافق له في مقصده وطريقة معا.
وقد ادعى هذه المرتبة من الحنابلة القاضي ابو يعلى والقاضي أوعلي بن ابي موسى في شرح الارشاد الذي له ومن الشافعية خلق كثير وقد اختلف الحنفية في أبي يوسف ومحمد وزفر بن الهذيل والشافعية في المزني وابن سريج وابن المنذر ومحمد بن نصر المروزي والمالكية في أشهب وابن عبدالحكم وابن القاسم وابن وهب والحنابلة في ابى حامد والقاضي هل كان هؤلاء مستقلين بالاجتهاد أومتقيدين مذاهب أئمتهم على قولين ومن تأمل أحوال هؤلاء وفتاويهم واختياراتهم علم أنهم لم يكونوا مقلدين لائمتهم في كل ما قالوه وخلافهم لهم أظهر من أن ينكر وإن كان منهم المستقل والمستكثر ورتبة هؤلاء دون رتبة الائمة في الاستقلال بالاجتهاد.
فصل: النوع الثالث من أنواع المفتين النوع الثالث من هو مجتهد في مذهب من انتسب اليه مقرر له بالدليل متقن لفتاويه عالم بها لا يتعدى اقواله وفتاويه ولا يخالفها وإذا وجد نص إمامه لم يعدل عنه الى غيره البته وهذا شأن اكثر المصنفين في مذاهب أئمتهم وهو حال اكثر علماء الطوائف وكثير منهم يظن انه لا حاجة به الى معرفة الكتاب والسنة والعربية لكونه مجتزيا بنصوص إمامه فهى عنده كنصوص الشارع قد اكتفى بها من كلفة التعب والمشقة وقد كفاه الامام استنباط الاحكام ومؤنة استخراجها من النصوص وقد يرى إمامه ذكر حكما بدليله فيكتفى هو بذلك الدليل من غير بحث عن معارض.
وهذا شان كثير من أصحاب الوجوه والطرق والكتب المطولة والمختصرة وهؤلاء لا يدعون الاجتهاد ولا يقرون بالتقليد وكثير منهم يقول اجتهدنا في المذاهب فرأينا اقربها الى الحق مذهب إمامنا وكل منهم يقول ذلك عن إمامه ويزعم انه اولى بالاتباع من غيره ومنهم من يغلو فيوجب اتباعه ويمنع من اتباع غيره فيالله العجب من اجتهاد نهض بهم الى كون متبوعهم ومقلدهم اعلم من غيره احق بالاتباع من سواه وأن مذهبه هو الراجح والصواب دائر معه وقد بهم عن الاجتهاد في كلام الله ورسوله واستنباط الاحكام منه وتبرجيح ما يشهد له النص مع استيلاء كلام الله ورسوله على غاية البيان وتضمنه لجوامع الكلم وفصله للخطاب وبراءته من التناقض والاختلاف والاضطراب فقعدت بهم هممهم واجتهادهم عن الاجتهاد فيه ونهضت بهم الى الاجتهاد في كون إمامهم أعلم الامة واولاها بالصواب وأقواله في غاية القوة وموافقة السنة والكتاب والله المستعان.
فصل: النوع الرابع من انواع المفتين النوع الرابع طائفة تفقهت في مذاهب من انتسبت اليه وحفظت فتاويه وفروعه وأقرت على أنفسها بالتقليد المحض من جميع الوجوه فإن ذكروا الكتاب والسنة يوما في مسألة فعلى وجه التبرك والفضيلة لا على وجه الاحتجاج والعمل وإذا رأوا حديثا صحيحا مخالفا لقول من انتسبوا اليه أخذوا بقوله وتركوا الحديث وإذا رأوا أبا بكر وعمر وعثمان وعليا وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم قد أفتوا بفتيا ووجدوا لامامهم فتيا تخالفها أخذوا بفتيا إمامهم وتركوا فتاوي الصحابة قائلين الامام اعلم بذلك منا ونحن قد قلدناه فلا نتعداه ولا نتخطاه بل هو أعلم بما ذهب اليه منا ومن عدا هؤلاء فمتكلف متخلف قد دنا بنفسه عن رتبه المشتغلين وقصر عن درجة المحصلين فهو مكذلك مع المكذلكين وإن ساعده القدر واستقل بالجواب قال يجوز بشرطه ويصح بشرطه ويجوز ما لم يمنع منه مانع شرعي ويرجع في ذلك الى رأي الحاكم ونحو ذلك من الاجوبة التي يستحسنها كل جاهل ويستحي منها كل فاضل.
ففتاوي القسم الاول من جنس توقيعات الملوك وعلمائهم وفتاوي النوع الثاني من جنس توقيعات نوابهم وخلفائهم وفتاوي النوع الثالث والرابع من جنس توقيعات خلفاء نوابهم ومن عداهم فمتشبع بما لم يعط متشبه بالعلماء محاك للفضلاء وفي كل طائفة من الطوائف متحقق بغيه ومحاك له متشبه به والله المستعان.
هل يجوز للمفتي المقلد لمذهب ان يفتي به: الفائدة الثلاثون: إذا كان الرجل في مذهب إمام ولم يكن مستقلا بالاجتهاد فهل له ان يفتى بقول ذلك الامام على قولين وهما وجهان لاصحاب الشافعي واحمد. أحدهما: الجواز ويكون متبعه مقلدا للميت لا له وإنما له مجرد النقل عن الإمام. والثاني: لا يجوز له ان يفتى لان السائل مقلد له لا للميت وهو لم يجتهد له والسائل يقول له انا أقلدك فيم تفتيني به.
والتحقيق ان هذا فيه تفصيل فإن قال له السائل اريد حكم الله تعالى في هذه المسألة واريد الحق فيما يخلصني ونحو ذلك لم يسعه إلا أن يجتهد له في الحق ولا يسعه أن يفتيه بمجرد تقليد غيره من غير معرفة بأنه حق أوباطل وإن قال له اريد ان اعرف في هذه النازلة قول الامام ومذهبه ساغ له الاخبار به ويكون ناقلا له ويبقى الدرك على السائل فالدرك في الوجه الاول على المفتي وفي الثاني على المستفتي.
هل يجوز تقليد الاموات: الفائدة الحادية والثلاثون: هل يجوز للحي تقليد الميت والعمل بفتواه من غير اعتبارها بالدليل الموجب لصحة العمل بها فيه وجهان لأصحاب الامام احمد والشافعي فمن منعه قال يجوز تغيير اجتهاده لو كان حيا فإنه كان يجدد النظر عند نزول هذه النازلة إما وجوبا وإما استحبابا على النزاع المشهور ولعله لو جدد النظر لرجع عن قوله الاول والثاني الجواز وعليه عمل جميع المقلدين في أقطار الارض وخيار ما بأيديهم من التقليد تقليد الاموات ومن منع منهم تقليد الميت فإنما هو شئ يقوله بلسانه وعمله في فتاويه وأحكامه بخلافه والاقوال لا تموت قائلها بموت قائلها كما لا تموت الاخبار بموت رواتها وناقليها.
المجتهد في نوع العلم له ان يفتي فيه ولا يفتي في غيره الفائدة الثانية والثلاثون: الاجتهاد حالة تقبل التجزؤ والانقسام فيكون الرجل مجتهدا في نوع من العلم مقلدا في غيره أوفي باب من ابوابه كمن استفرغ وسعه في نوع العلم بالفرائض وأدلتها واستنباطها من الكتاب والسنة دون غيرها من العلوم أوفي باب الجهاد أوالحج أوغير ذلك فهذا ليس له الفتوى فيما لم يجتهد فيه ولا تكون معرفته بما اجتهد فيه مسوغة له الافتاء بما لا يعلم في غيره وهل له ان يفتي في النوع الذي اجتهد فيه فيه ثلاثة اوجه اصحابها الجواز بل هو الصواب المقطوع به والثاني المنع والثالث الجواز في الفرائض دون غيرها فحجة الجواز أنه قد عرف الحق بدليله وقد بذل جهده في معرفة الصواب فحكمه في ذلك حكم المجتهد المطلق في سائر الانواع.
وحجة المنع تعلق أبواب الشرع واحكامه بعضها ببعض فالجهل ببعضها مظنة للتقصير في الباب والنوع الذي قد عرفه ولا يخفى الارتباط بين كتاب النكاح والطلاق والعدة وكتاب الفرائض وكذلك الإرتباط بين كتاب الجهاد وما يتعلق به وكتاب الحدود والاقضية والاحكام وكذلك عامة ابواب الفقه.
ومن فرق بين الفرائض وغيرها رأى انقطاع احكام قسمة المواريث ومعرفة الفروض ومعرفة مستحقها عن كتاب البيوع والاجارات والرهون والنضال وغيرها وعدم تعلقاتها وأيضا فإن عامة احكام المواريث قطعية وهي منصوص عليها في الكتاب والسنة.
فإن قيل فما تقولون فيمن بذل جهده في معرفة مسألة أومسألتين هل له ان يفتي بهما قيل نعم يجوز في أصح القولين وهما وجهان لاصحاب الامام احمد وهل هذا إلا من التبليغ عن الله وعن رسوله وجزى الله من أعان الاسلام ولو بشطر كلمة خيرا ومنع هذا من الافتاء بما علم خطأ محض وبالله التوفيق.
من أفتى وليس أهلا للفتوى أثم: الفائدة الثالثة والثلاثون: من أفتى الناس وليس بأهل للفتوى فهو آثم عاص ومن أقره من ولاة الامور على ذلك فهو آثم أيضا.
قال ابو الفرج ابن الجوزي رحمه الله ويلزم ولي الامر منعهم كما فعل بنو أمية وهؤلاء بمنزلة من يدل الركب وليس له علم بالطريق وبمنزلة الاعمى الذي يرشد الناس الى القبلة وبمنزلة من لا معرفة له بالطب وهو يطب الناس بل هو أسوأ حالا من هؤلاء كلهم وإذا تعين على ولي الامر منع من لم يحسن التطبب من مداواة المرضى فكيف بمن لم يعرف الكتاب والسنة ولم يتفقه في الدين؟
وكان شيخنا رضى الله عنه شديد الانكار على هؤلاء فسمعته يقول قال لي بعض هؤلاء أجعلت محتسبا على الفتوى فقلت له يكون على الخبازين والطباخين محتسب ولا يكون على الفتوى محتسب.
وقد روى الامام احمد وابن ماجة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا من افتى بغير علم كان إثم ذلك على الذي أفتاه وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينزعه من صدور الرجال ولكن يقبض العلم بقبض العلماء فإذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا وفي أثر مرفوع ذكره أبو الفرج وغيره من أفتى الناس بغير علم لعنته ملائكة السماء وملائكة الارض.
وكان مالك رحمه الله يقول من سئل عن مسألة فينبغي له قبل ان يجيب فيها ان يعرض نفسه على الجنة والنار وكيف يكون خلاصه في الاخرة ثم يجيب فيها وسئل عن مسألة فقال لا أدري فقيل له إنها مسألة خفيفة سهلة فغضب وقال ليس في العلم شئ خفيف أما سمعت قول الله عزه وجل إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا فالعلم كله ثقيل وخاصة ما يسأل عنه يوم القيامة وقال ما أفتيت حتى شهد لي سبعون انى أهل لذلك وقال لا ينبغي لرجل ان يرى نفسه أهلا لشئ حتى يسأل من هو أعلم منه وما أفتيت حتى سألت ربيعة ويحيى بن سعيد فأمراني بذلك ولو نهياني انتهيت قال وإذا كان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تصعب عليهم المسائل ولا يجيب احد منهم عن مسألة حتى يأخذ راى صاحبه مع ما رزقوا من السداد والتوفيق والطهارة فكيف بنا الذين غطت الذنوب والخطايا قلوبنا وكان رحمه الله إذا سئل عن مسألة فكأنه واقف بين الجنة والنار وقال عطاء بن ابي رباح أدركت أقواما إن كان أحدهم ليسال عن شئ فيتكلم وإنه ليرعد.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:58 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 1:55 am | |
| وسُئِلَ النبيُ صلى الله عليه وسلم أي البلاد شر؟ فقال: "لا أدرى حتى أسأل جبريل" فسأله فقال: "اسواقها".
وقال الامام احمد من عرض نفسه للفتيا فقد عرضها لأمر عظيم إلا أنه قد تلجئ الضرورة وسئل الشعبي عن مسألة فقال لا أدري فقيل له الا تستحي من قولك لا أدري وأنت فقيه اهل العراق فقال لكن الملائكة لم تستحى حين قالوا لا علم لنا إلا ما علمتنا وقال بعض أهل العلم تعلم لا أدري فإنك إن قلت لا أدري علموك حتى تدري وإن قلت أدري سألوك حتى لا تدري وقال عتبة بن مسلم صحبت ابن عمر اربعة وثلاثين شهرا فكان كثيرا ما يسأل فيقول لا أدري وكان سعيد بن المسيب لا يكاد يفتى فتيا ولا يقول شيئا إلا قال: "اللهم سلمني وسلم مني".
وسئل الشافعي عن مسألة فسكت فقيل الا تجيب فقال حتى أدري الفضل في سكوتي أو في الجواب وقال ابن ابي ليلى ادركت مائة وعشرين من الانصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا الى هذا وهذا الى هذا حتى ترجع الى الاول وما منهم من أحد يحدث بحديث أو يسأل عن شئ إلا ود أن أخاه كفاه.
وقال ابو الحسين الازدي ان احدهم ليفتي في المسألة لو وردت على عمر بن الخطاب لجمع لها أهل بدر وسئل القاسم بن محمد عن شئ فقال إنى لا احسنه فقال له السائل إنى جئتك لا اعرف غيرك فقال له القاسم لا تنظر الى طول لحيتي وكثرة الناس حولى والله ما أحسنه فقال شيخ من قريش جالس الى جنبه يا ابن اخي الزمها فوالله ما رأيناك في مجلس أنبل منك اليوم فقال القاسم والله لان يقطع لساني احب الى من ان اتكلم بما لا علم لي به وكتب سلمان الى ابي الدرداء رضى الله عنهما وكان بينهما مؤاخاة بلغني انك قعدت طبيبا فاحذر ان تكون متطببا أو تقتل مسلما فكان ربما جاءه الخصمان فيحكم بينهما ثم يقول ردوهما على متطبب والله أعيدا على قضيتكما.
حكم العامي إذا لم يجد مفتيا: الفائدة الرابعة والثلاثون إذا نزلت بالعامى نازلة وهو في مكان لا يجد من سأله عن حكمها ففيه طريقان للناس أحدهما أن له حكم ما قبل الشرع على الخلاف في الحظر والاباحة والوقف لان عدم المرشد في حقه بمنزلة عدم المرشد بالنسبة الى الامة والطريقة الثانية انه يخرج على الخلاف في مسالة تعارض الادلة عند المجتهد هل يعمل بالاخف أوبالاشد أويتخير والصواب انه يجب عليه ان يتقى الله ما استطاع ويتحرى الحق بجهده ومعرفة مثله وقد نصب الله تعالى على الحق امارات كثيرة ولم يسو الله سبحانه وتعالى بين ما يحبه وبين ما يسخطه من كل وجه بحيث لا يتميز هذا من هذا ولا بد ان تكون الفطر السليمة مائلة الى الحق مؤثرة له ولا بد ان يقوم لها عليه بعض الامارات المرجحة ولو بمنام أو بإلهام فإن قدر ارتفاع ذلك كله وعدمت في حقه جميع الامارات فهنا يسقط التكليف عنه في حكم هذه النازلة ويصير بالنسبة اليها كمن لم تبلغة الدعوة وإن كان مكلفا بالنسبة الى غيره فأحكام التكليف تتفاوت بحسب التمكن من العلم والقدرة والله اعلم.
من تجوز له الفتيا ومن لا تجوز: الفائدة الخامسة والثلاثون الفتيا اوسع من الحكم والشهادة فيجوز فتيا العبد والحر والمرأة والرجل والقريب والبعيد والاجنبي والامي والقارئ والاخرس بكتابته والناطق والعدو والصديق وفه وجه انه لا تقبل فتيا العدو ولا من لا تقبل شهادته له كالشهادة والوجهان في الفتيا كالوجهين في الحكم وإن كان الخلاف في الحاكم اشهر وأما فتيا الفاسق فإن افتى غيره لم تقبل فتواه وليس للمستفتي ان يستفتيه وله ان يعمل بفتوى نفسه ولا يجب عليه ان يفتي غيره وفي جواز استفتاء مستور الحال وجهان والصواب جواز استفتائه وإفتائه.
قلت: وكذلك الفاسق إلا ان يكون معلنا بفسقه داعيا الى بدعته فحكم استفتائه حكم إمامنه وشهادته وهذا يختلف باختلاف الامكنة والازمنة والقدرة والعجز فالواجب شئ والواقع شئ والفقيه من يطبق بين الواقع والواجب وينفذ الواجب بحسب استطاعته لا من يلقى العداوة بني الواجب والواقع فلكل زمان حكم والناس بزمانهم اشبه منهم بآبائهم وإذا عم الفسوق وغلب على أهل الارض فلو منعت إمامه الفساق وشهاداتهم وأحكامهم وفتاويهم وولاياتهم لعطلت الاحكام وفسد نظام الخلق وبطلت اكثر الحقوق ومع هذا فالواجب اعتبار الاصلح فالاصلح وهذا عند القدرة والاختيار واما عند الضرورة والغلبة بالباطل فليس إلا الاصطبار والقيام بأضعف مراتب الانكار.
يجوز للقاضي ان يفتي الفائدة السادسة والثلاثون لا فرق بين القاضي وغيره في جواز الافتاء بما تجوز الفتيا به ووجوبها إذا تعينت ولم يزل امر السلف والحلف على هذا فإن منصب الفتيا داخل في ضمن منصب القضاء عند الجمهور والذين لا يجوزون قضاء الجاهل فالقاضي مفت ومثبت ومنفذ لما أفتى به.
من يمنع فتوىا القاضي: وذهب بعض الفقهاء من أصحاب الامام احمد والشافعي الى انه يكره للقاضي ان يفتي في مسائل الاحكام المتعلقة به دون الطهارة والصلاة والزكاة ونحوها واحتج ارباب هذا القول بأن فتياه تصير كالحكم منه على الخصم ولا يمكن نقضه وقت المحاكمة قالوا ولانه قد يتغير اجتهاده وقت الحكومة أوتظهر له قرائن لم تظهر له عند الافتاء فإن اصر على فتياه والحكم بموجبها حكم بخلاف ما يعتقد صحته وإن حكم بخلافها طرق الخصم الى تهمته والتشنيع عليه بأنه يحكم بخلاف ما يعتقده ويفتى به ولهذا قال شريح أنا اقضى لكم ولا أفتى حكاه ابن المنذر واختار كراهية الفتوى في مسائل الاحكام وقال الشيخ ابو حامد الاسفرائيني لاصحابنا في فتواه في مسائل الاحكام جوابان أحدهما ليس له ان يفتى فيها لان لكلام الناس عليه مجالا ولاحد الخصمين عليه مقالا والثاني له ذلك لانه اهل.
له حكم فتيا الحاكم: الفائدة السابعة والثلاثون فتيا الحاكم ليست حكما منه ولو حكم غيره بخلاف ما افتى به لم يكن نقضا لحكمه ولا هي كالحكم ولهذا يجوز ان يفتي الحاضر والغائب ومن يجوز حكمه له ومن لا يجوز ولهذا لم يكن في حديث هند دليل على الحكم على الغائب لانه صلى الله عليه وسلم إنما أفتاها فتوى مجردة ولم يكن ذلك حكما على الغائب فإنه لم يكن غائبا عن البلد وكانت مراسلته وإحضاره ممكنة ولا طلب البينة على صحة دعواها وهذا ظاهر بحمد الله.
هل يفتى المفتي بشئ لم يقع؟ الفائدة الثامنة والثلاثون: إذا سال المستفتي عن مسألة لم تقع فهل تستحب إجابتة أوتكره أوتخير فيه ثلاثة أقوال وقد حكى عن كثير من السلف انه كان لا يتكلم فيما لم يقع وكان بعض السلف اذا ساله الرجل عن مسالة قال هل كان ذلك فإن قال نعم تكلف له الجواب وإلا قال دعنا في عافية.
وقال الامام احمد لبعض اصحابه اياك ان تتكلم في مسالة ليس لك فيها إمام والحق التفصيل فإن كان في المسألة نص من كتاب الله أوسنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أواثر عن الصحابة لم يكره الكلام فيها وإن لم يكن فيها نص ولا اثر فإن كانت بعيدة الوقوع أومقدرة لا تقع لم يستحب له الكلام فيها وإن كان وقوعها غير نادر ولا مستبعد وغرض السائل والاحاطة بعلمها ليكون منها على بصيرة اذا وقعت استحب له الجواب بما يعلم لا سيما إن كان السائل يتفقة بذلك ويعتبر بها نظائرها ويفرع عليها فحيث كانت مصلحة الجواب راجحة كان هو الاولى والله أعلم.
لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة: الفائدة التاسعة والثلاثون: لا يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة ولا تتبع الرخص لمن أراد نفعه فإن تتبع ذلك فسق وحرم استفتاؤه فإن حسن قصده في حيلة جائزة لا شبهة فيها ولا مفسدة لتخليص المستفتى بها من حرج جاز ذلك بل استحب وقد ارشد الله تعالى نبيه ايوب عليه السلام الى التخلص من الحنث بأن ياخذ بيده ضغثا فيضرب به المرأة ضربة واحدة وأرشد النبي صلى الله عليه وسلم بلالا الى بيع التمر بدراهم ثم يشترى بالدراهم تمرا آخر فيتخلص من الربا فاحسن المخارج ما خلص من المآثم وأقبح الحيل ما اوقع في المحارم أواسقط ما أوجبه الله ورسوله من الحق اللازم وقد ذكرنا من النوعين ما لعلك لا تظفر بحملته في غير هذا الكتاب والله الموفق للصواب.
رجوع المفتى عما افتى به: الفائدة الاربعون: في حكم رجوع المفتى عن فتياه إذا افتى المفتي بشئ ثم رجع عنه فإن علم المستفتى برجوعه ولم يكن عمل بالاول فقيل يحرم عليه العمل به وعندي في المسألة تفصيل وانه لا يحرم عليه الاول بمجرد رجوع المفتي بل يتوقف حتى يسأل غيره فإن أفتاه بموافقة الاول استمر على العمل به وإن أفتاه بموافقة الثاني ولم يفته احد بخلافه حرم عليه العمل بالاول وإن لم يكن في البلد إلا مفت واحد سأله عن رجوعه عما افتاه به فإن رجع الى اختيار خلافه مع تسويغه لم يحرم عليه وإن رجع لخطأ بأن له وأن ما أفتاه به لم يكن صوابا حرم عليه العمل بالاول هذا اذا كان رجوعه لمخالفة دليل شرعي فإن كان رجوعه لمجرد ما بان له ان ما أفتى به خلاف مذهبه لم يحرم على المستفتى ما أفتاه به اولا إلا أن تكون المسألة إجماعية.
فلو تزوج بفتواه ودخل ثم رجع المفتى لم يحرم عليه إمساك امرأته إلا بدليل شرعي يقتضى تحريمها ولا يجب عليه مفارقتها بمجرد رجوعه ولا سيما إن كان إنما رجع لكونه تبين له ان ما أفتى به خلاف مذهبه وإن وافق مذهب غيره هذا هو الصواب.
وأطلق بعض أصحابنا واصحاب الشافعي وجوب مفارقتها عليه وحكوا في ذلك وجهين ورجحوا وجوب المفارقة قالوا لان الرجوع عنه ليس مذهبا له كما لو تغير اجتهاد من قلده في القبلة في اثناء الصلاة فإنه يتحول مع الامام في الاصح.
فيقال لهم المستفتى قد دخل بامرأته دخولا صحيحا سائغا ولم يفهم ما يوجب مفارقته لها من نص ولا إجماع فلا يجب عليه مفارقتها بمجرد تغير اجتهاد المفتى وقد رجع عمر بن الخطاب رضى الله عنه عن القول بالتشريك وافتى بخلافه ولم ياخذ المال من الذين شرك بينهم اولا وأما قياسكم ذلك على من تغير اجتهاده في معرفة القبلة فهو حجة عليكم فإنه لا يبطل ما فعله المأموم بالاجتهاد الاول ويلزمه التحول ثانيا لانه مامور بمتابعة الامام بل نظير مسألتنا ما لو تغير اجتهاده بعد الفراغ من الصلاة فإنه لا تلزمه الاعادة ويصلى الثانيه بالاجتهاد الثاني.
وأما قول ابي عمرو بن الصلاح وابي عبد الله بن حمدان من اصحابنا إذا كان المفتي إنما يفتي على مذهب امام معين فإذا رجع لكونه بان له قطعا انه خالف في فتواه نص مذهب إمامه فإنه يجب نقضه وإن كان ذلك في محل الاجتهاد لان نص مذهب إمامه في حقه كنص الشارع في حق المفتى المجتهد المستقل فليس كما قالا ولم ينص على هذه المسالة احد من الائمة ولا تقتضيها اصول الشريعة ولو كان نص امامه بمنزلة نص الشارع لحرم عليه وعلى غيره مخالفته وفسق بخلافه.
ولم يوجب احد من الائمة نقض حكم الحاكم ولا إبطال فتوى المفتي بكونه خلاف قول زيد أوعمرو ولا يعلم احد سوغ النقض بذلك من الائمة والمتقدمين من أتباعهم وإنما قالوا ينقض من حكم الحاكم ما خالف نص كتاب أوسنة أو اجماع الامة ولم يقل احد ينقض من حكمه ما خالف قول فلان أو فلان وينقض من فتوى المفتي ما ينقض من حكم الحاكم فكيف يسوغ نقض احكام الحكام وفتاوي اهل العلم بكونها خالفت قول واحد من الائمة ولاسيما اذا وافقت نصا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو فتاوي الصحابة يسوغ نقضها لمخالفة قول فلان وحده ولم يجعل الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا احد من الائمة قول فقيه من الامة بمنزلة نص الله ورسوله بحيث يجب اتباعه ويحرم خلافه فإذا بان للمفتي انه خالف إمامه ووافق قول الائمة الثلاثة لم يجب على الزوج ان يفارق امرأته ويخرب بيته ويشتت شمله وشمل اولاده بمجرد كون المفتي ظهر له ان ما أفتى به خلاف نص إمامه ولا يحل له ان يقول له فارق اهلك بمجرد ذلك ولاسيما إن كان النص مع قول الثلاثه وبالجملة فبطلان هذا القول أظهر من أن نتكلف بيانه.
فإن قيل فما تقولون لو تغير اجتهاد المفتى فهل يلزمه إعلام المستفتى قيل اختلف في ذلك فقيل لا يلزمه إعلامه فإنه عمل اولا بما يسوغ له فإذا لم يعلم بطلانه لم يكن آثما فهو في سعة من استمراره وقيل بل يلزمه إعلامه لان ما رجع عنه قد اعتقد بطلانه وبان له ان ما افتاه به ليس من الدين فيجب عليه إعلامه كما جرى لعبد الله بن مسعود حين افتى رجلا بحل ام امرأته التي فارقها قبل الدخول ثم سافر الى المدينة وتبين له خلاف هذا القول فرجع الى الكوفة وطلب هذا الرجل وفرق بينه وبين اهله وكما جرى للحسن بن زياد اللؤلؤي لما استفتى في مسألة فأخطأ فيها ولم يعرف الذي افتاه به فاستأجر مناديا ينادي ان الحسن بن زياد استفتى في يوم كذا وكذا في مسألة فأخطأ فمن كان أفتاه الحسن بن زياد بشئ فليرجع اليه ثم لبث اياما لا يفتي حتى جاء صاحب الفتوى فأعمله انه قد أخطأ وان الصواب خلاف ما افتاه به.
قال القاضي ابو يعلى في كفايته من افتى بالاجتهاد ثم تغير اجتهاده لم يلزمه إعلام المستفتى بذلك إن كان قد عمل به وإلا أعلمه والصواب التفصيل فإن كان المفتي ظهر له الخطأ قطعا لكونه خالف نص الكتاب أو السنة التي لا معارض لها أوخالف إجماع الامة فعليه إعلام المستفتى وإن كان إنما ظهر له انه خالف مجرد مذهبه أونص إمامه لم يجب عليه عليه إعلام المستفتى وعلى هذا تخرج قصة ابن مسعود رضى الله عنه فإنه لما ناظر الصحابة في تلك المسألة بينوا له ان صريح الكتاب يحرمها لكون الله تعالى ابهمها فقال تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} وظن عبد الله ان قوله: {اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنّ} راجع الى الاول والثاني فبينوا له أنه إنما يرجع الى امهات الربائب خاصة فعرف انه الحق وان القول بحلها خلاف كتاب الله تعالى ففرق بين الزوجين ولم يفرق بينهما بكونه تبين له ان ذلك خلاف قول زيد او عمرو والله اعلم.
القول في ضمان المفتي للمال والنفس: الفائدة الحادية والاربعون: إذا عمل المستفتى بفتيا مفت في إتلاف نفس أومال ثم بان خطؤه قال ابو إسحاق الاسفرائني من الشافعية يضمن المفتى إن كان اهلا للفتوى وخالف القاطع وإن لم يكن اهلا فلا ضمان عليه لان المستفتى قصر في استفتائه وتقليده ووافقه على ذلك ابو عبد الله بن حمدان في كتاب آداب المفتى والمستفتى له ولم اعرف هذا لاحد قبله من الاصحاب ثم حكى وجها آخر في تضمين من ليس بأهل قال لانه تصدى لما ليس له بأهل وغر من استفتاه بتصد يه لذلك.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 1:59 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 2:13 am | |
| قلت: خطأ المفتى كخطأ الحاكم والشاهد وقد اختلفت الرواية في خطأ الحاكم في النفس اوالطرف فعن الامام احمد في ذلك روايتان إحداهما أنه في بيت المال لانه يكثر منه ذلك الحكم فلو حملته العاقله لكان ذلك إضرارا عظيمابهم والثانية انه على عاقلته كما لو كان الخطأ بسبب غير الحاكم وأما خطئوه في المال فإذا حكم بحق ثم بان كفر الشهود أوفسقهم نقض حكمه ثم رجع المحكوم عليه ببدل المال على المحكوم له وكذلك اذا كان الحكم بقود رجع اولياء المقتول ببدله على المحكوم له وكذلك إن كان الحكم بحق الله بإتلاف مباشر أو بالسراية ففيه ثلاثة اوجه احدها ان الضمان على المزكين لان الحكم إنما وجب بتزكيتهم والثاني يضمنه الحاكم لانه لم يتثبت بل فرط في المبادرة الى الحكم وترك البحث والسؤال والثالث ان للمستحق تضمين أيهما شاء والقرار على المزكين لانهم الجأوا الحاكم الى الحكم فعلى هذا إن لم يكن ثم تزكية فعلى الحاكم وعن احمد رواية اخرى انه لا ينقض بفسقهم فعلى هذا لا ضمان. وعلى هذا اذا استفتى الامام أوالوالى مفتيا فأفتاه ثم بان له خطؤه فحكم المفتى مع الامام حكم المزكين مع الحاكم وان عمل المستفتى بفتواه من غير حكم حاكم ولا إمام فأتلف نفسا أومالا فان كان المفتي اهلا فلا ضمان عليه والضمان على المستفتى وإن لم يكن أهلا فعليه الضمان لقول النبي صلى الله عليه وسلم من تطبب ولم يعرف منه طب فهو ضامن وهذا يدل على انه اذا عرف منه طب وأخطأ لم يضمن والمفتى اولى بعدم الضمان من الحاكم والامام لان المستفتى مخير بين قبول فتواه وردها فإن قوله لا يلزم يخلاف حكم الحاكم والامام وأما خطأ الشاهد فإما ان يكون شهودا بمال أوطلاق اوعتق أوحد أوقود فإن بان خطؤهم قبل الحكم لم يحكم بذلك وإن بان بعد الحكم باستيفاء القود وقبل استيفائه لم يستوف قطعا وإن بان بعد استيفائه فعليهم دية ما نلف ويتقسط الغرم على عددهم وإن بان خطؤهم قبل الحكم بالمال لغت شهادتهم ولم يضمنوا وإن بان بعد الحكم به نقض حكمه كما لو شهدوا بموت رجل باستفاضة فحكم الحاكم بقسم ميراثه ثم بانت حياته فإنه ينقض حكمه وإن بان خطؤهم في شهادة الطلاق من غير جهتهم كما لو شهدوا انه طلق يوم كذا وكذا وظهر للحاكم انه في ذلك اليوم كان محبوسا لا يصل اليه احد أوكان مغمى عليه فحكم ذلك حكم ما لو بان كفرهم أوفسقهم فإنه ينقض حكمه وترد المرأة الى الزوج ولو تزوجت بغيره بخلاف ما اذا قالوا رجعنا عن الشهاده فان رجوعهم ان كان قبل الدخول ضمنوا نصف المسمى لانهم قرروه عليه ولا تعود اليه الزوجه اذا كان الحاكم قد حكم بالفرقة وان رجعوا بعد الدخول ففيه روايتان احداهما انهم لا يغرمون شيئا لان الزوج استوفي المنفعة بالدخول فاستقر عله عوضها والثانية يغرمون المسمى كله لانهم فوتوا عليه البضع بشهادتهم واصلهما ان خروج البضع من يد الزوج هل هو متقوم أولا واما شهود العتق فإن بان خطؤهم تبينا انه لا عتق وان قالوا رجعنا غرموا للسيد قيمة العبد. الاوضاع التي لا يصح للمفتي ان يفتي وهو متلبس بها الفائدة الثانية والاربعون ليس للمفتي الفتوى في حال غضب شديد أوجوع فرط أوهم مقلق أوخوف مزعج اونعاس غالب اوشغل قلب مستول عليه أوحال مدافعه الاخبثين بل متى احسن من نفسه شيئا من ذلك يخرجه عن حال اعتداله وكمال تثبيته وتبينه امسك عن الفتوى فإن افتى في هذه الحالة بالصواب صحت فتياه ولو حكم في مثال هذه الحالة فهل ينفذ حكمه أولا ينفذ فيه ثلاثة اقوال النفوذ وعدمه والفرق بين ان يعرض له الغضب بعد فهم الحكومة فينفذ وبين ان يكون سابقا على فهم الحكومة فلا ينفذ والثلاثة في مذهب الامام احمد رحمه الله تعالى. مسائل يرجع فيها المفتى الى العرف: الفائدة الثالثة والاربعون لا يجوز له ان يفتى في الاقرار والايمان والوصايا وغيرها مما يتعلق باللفظ بما اعتاده هو من فهم تلك الالفاظ دون ان يعرف عرف اهلها والمتكلمين بها فيحملها على ما اعتادوه وعرفوه وإن كان مخالفا لحقائقها الاصلية فمتى لم يفعل ذلك ضل وأضل. فلفظ الدينار عند طائفة اسم لثمانية دراهم وعند طائفة اسم لاثني عشر درهما والدرهم عند غالب البلاد اليوم اسم للمغشوش فإذا أقر له بدراهم أوخلف ليعطعنه إياها أوأصدقها امرأة لم يجز للمفتي ولا للحاكم أن يلزمه بالخالصة فلو كان في بلد إنما يعرفون الخالصة لم يجز له أن يلزم المستحق بالمغشوشة. وكذلك في ألفاظ الطلاق والعتاق فلو جرى عرف أهل بلد أوطائفة في استعمالهم لفظ الحرية في العفة دون العتق فإذا قال أحدهم عن مملوكة إنه حر أوجاريته إنها حرة وعادته استعمال ذلك في العفة لم يخطر بباله غيرها لم يعتق بذلك قطعا وإن كان اللفظ صريحا عند من ألف استعماله في العتق وكذلك إذا جرى عرف طائفة في الطلاق بلفظ التسميح بحيث لا يعرفون لهذا المعي غيره فإذا قالت اسمح لي فقال سمحت لك فهذا صريح في الطلاق عندهم وقد تقدم الكلام في الفصل مشبعا. وأنه لا يسوغ ان يقبل تفسير من قال لفلان على مال جليل أوعظيم بدانق أودرهم ونحو ذلك ولا سيما إن كان المقر من الاغنياء المكثرين أوالملوك وكذلك لو أوصى له بقوس في محله لا يعرفون إلا اقواس البندق أوالاقواس العربية أواقواس الرجل أوحلف لا يشم الريحان في محل لا يعرفون الريحان إلا هذا الفارسي أوحلف لا يركب دابة في موضع عرفهم بلفظ الدابة الحمار أوالفرس أوحلف لا يأكل ثمرا في بلد عرفهم في الثمار نوع واحد منها لا يعرفون غيره أوحلف لا يلبس ثوبا في بلد عرفهم في الثباب القمص وحدها دون الاردية والازر والجباب ونحوها تقيدت يمينه بذلك وحده في جميع هذه الصور واختصت بعرفه دون موضوع اللفظ لغة أوفي عرف غيره بل لو قالت المرأة لزوجها الذي لا يعرف التكلم بالعربية ولا يفهمها قل لي انت طالق ثلاثا وهو لا يعلم موضوع هذه الكلمة فقال لها لم تطلق قطعا في حكم الله تعالى ورسوله وكذلك لو قال الرجل لآخر انا عبدك ومملوكك على جهة الخضوع له كما يقوله الناس لم يستبح ملك رقبته بذلك ومن لم يراع المقاصد والنيات والعرف في الكلام فإنه يلزمه ان يجوز له بيع هذا القائل وملك رقبته بمجرد هذا اللفظ. وهذا باب عظيم يقع فيه المفتي الجاهل فيغر الناس ويكذب على الله ورسوله ويغير دينه ويحرم ما لم يحرمه الله ويوجب ما لم يوجبه الله والله المستعان. على المفتي الا يعين علىالمكر والخداع: الفائدة الرابعة والاربعون: يحرم عليه اذا جاءته مسالة فيها تحيل على إسقاط واجب أوتحليل محرم أومكر أوخداع ان يعين المستفتى فيها ويرشده الى مطلوبه أويفتيه بالظاهر الذي يتوصل به الى مقصوده بل ينبغي له ان يكون بصيرا بمكر الناس وخداعهم واحوالهم ولا ينبغي له ان يحسن الظن بهم بل يكون حذرا فطنا فقيها بأحوال الناس وأمورهم يوازره فقه في الشرع وإن لم يكن كذلك زاغ وأزاغ وكم من مسألة ظاهرها ظاهر جميل وباطنها مكر وخداع وظلم فالغر ينظر الى ظاهرها ويقضى بجوازه وذو البصيرة ينقد مقصدها وباطنها فالاول يروج عليه زعل المسائل كما يروج على الجاهل بالنقد زغل الدارهم والثاني يخرج زيفها كما يخرج الناقد زيف النقود وكم من باطل يخرجه الرجل بحسن لفظه وتنميقه وإبرازه في صورة حق وكم من حق يخرجه بتهجينه وسوء تعبيره في صورة باطل ومن له ادنى فطنة وخبرة لا يخفى علهي ذلك بل هذا أغلب احوال الناس ولكثرته وشهرته يستغنى عن الامثلة بل من تأمل المقالات الباطلة والبدع كلها وجدها قد أخرجها اصحابها في قوالب مستحسنة وكسوها ألفاظا يقبلها بها من لم يعرف حقيقتها ولقد احسن القائل: تقــــــــول هذا جناء النحل تمدحه وإن تشأ قلت ذا قيئ الزنابير مدحا وذما وما جاوزت وصفهما والحـــق قد يعتريه سوء تعبير وراى بعض الملوك كأن اسنانه قد سقطت فعبرها له معبر بموت اهله واقاربه فأقصاه وطرده واستدعى آخر فقال له لا عليك تكون اطول اهلك عمرا فاعطاه وأكرمه وقربه فاستوفى المعنى وغير له العبارة واخرج المعنى في قالب حسن. والمقصود انه يحل له ان يفتي بالحيل المحرمة ولا يعين عليها ولا يدل عليها فيضاد الله في امره قال الله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} وقال تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} وقال تعالىك {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} وقال تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} وقال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} وقال تعالى: {وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} وقال تعالى في حق ارباب الحيل المحرمة: {وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ}، وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال: "ملعون من ضار مسلما أومكر به وقال لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل" وقال: "المكر والخديعة في النار". وفي سنن ابن ماجة وغيره عنه صلى الله عليه وسلم ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزئون بآياته طلقتك راجعتك طلقتك راجعتك وفي لفظ خلعتك راجعتك خلعتك راجعتك وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم: "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها وباعوها واكلوا اثمانها" وقال ايوب السختياني: "يخادعون الله كما يخادعون الصبيان" وقال ابن عباس من يخادع الله يخدعه وقال بعض السلف ثلاث من كن فيه كن عليه المكر والبغي والنكث. وقال تعالى: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} وقال تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} وقال تعالى: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ}. وقال الامام احمد: "هذه الحيل التي وضعها هؤلاء عمدوا الى السنن فاحتالوا في نقضها أتوا الى الذي قيل لهم إنه حرام فاحتالوا فيه حتى حللوه" وقال: "ما اخبثهم يعني أصحاب الحيل يحتالون لنقض سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم" وقال: "من احتال بحيلة فهو حانث" وقال: "إذا حلف على شئ ثم احتال بحيلة فصار اليها فقد صار الى الذي حلف عليه بعينه" وقد تقدم بسط الكلام في هذه المسألة مستوفى فلا حاجة الى إعادته. هل للمفتي اخذ الاجرة والهدية علي فتواه الفائدة الخامسة والاربعون في أخذ الاجرة والهدية والرزق على الفتوى فيه ثلاث صور مختلفة السبب والحكم، فأما اخذه الاجرة فلا يجوز له لان الفتيا منصب تبليغ عن الله ورسوله فلا تجوز المعاوضة عليه كما لو قال له لا أعلمك الاسلام أوالوضوء أوالصلاة إلا بأجرة فهذا حرام قطعا ويلزمه رد العوض ولا يملكه. وقال بعض المتاخرين: "إن أجاب بالخط فله ان يقول للسائل لا يلزمني ان اكتب لك خطى إلا بأجرة وله أخذ الاجرة وجعله بمنزلة اجرة الناسخ فإنه يأخذ الاجرة على خطه لا على جوابه وخطه قدر زائد على جوابه" والصحيح خلاف ذلك وأنه يلزمه الجواب مجانا لله بلفظه وخطه ولكن لا يلزمه الورق ولا الحبر. وأما الهدية ففيها تفصيل فإن كانت بغير سبب الفتوى كمن عادته بهاديه اومن لا يعرف انه مفت فلا بأس بقبولها والاولى ان يكافئ عليها وإن كانت بسبب الفتوى فإن كانت سببا إلى ان يفتيه بما لا يفتي به غيره ممن لا يهدي له لم يجز له قبول هديته وإن كان لا فرق بينه وبين غيره عنده في الفتيا بل يفتيه بما يفتي به الناس كره له قبول الهدية لانها تشبه المعاوضة على الافتاء. وأما اخذ الرزق من بيت المال فإن كان محتاجا اليه جاز له ذلك وإن كان غنيا عنه ففيه وجهان وهذا فرع متردد بين عامل الزكاة وعامل اليتيم فمن الحقه بعامل الزكاة قال النفع فيه عام فله الاخذ ومن ألحقه بعامل اليتيم منعه من الاخذ وحكم القاضي في ذلك حكم المفتي بل القاضي اولى بالمنع والله اعلم. افتاء المفتي في واقعة افتى فيها قبل ذلك الفائدة السادسة والاربعون إذا أفتى في واقعة ثم وقعت له مرة اخرى فإن ذكرها وذكر مستندها ولم يتجدد له ما يوجب تغير اجتهاده افتى بها من غير نظر ولا اجتهاد وإن ذكرها ونسى مستندها فهل له ان يفتي بها دون تجديد نظر واجتهاد فيه وجهان لاصحاب الامام احمد والشافعي احدهما ان يلزمه تجديد النظر لاحتمال تغير اجتهاده وظهور ما كان خافيا عنه والثاني لا يلزمه تجديد النظر لان الاصل بقاء ما كان على ما وإن ظهر له ما يغير اجتهاده لم يجز له البقاء على القول الاول ولا يجب عليه نقضه ولا يكون اختلافه مع نفسه قادحا في علمه بل هذا من كمال علمه وورعه ولأجل هذا خرج عن الائمة في المسألة قولان فأكثر وسمعت شيخنا رحمه الله تعالى يقول حضرت عقد مجلس عند نائب السلطان في وقف افتى فيه قاضي البلد بجوابين مختلفين فقرأ جوابه الموافق للحق فأخرج بعض الحاضرين جوابه الاول وقال هذا جوابك ضد هذا فكيف تكتب جوابين متناقضين في واقعة واحدة فوجم الحاكم، فقلت هذا من علمه ودينه افتى اولا بشئ ثم تبين له الصواب فرجع اليه كما يفتى إمامه بقول ثم يتبين له خلافه فيرجع اليه ولا يقدح ذلك في علمه ولا دينه وكذلك سائر الائمة فسر القاضي بذلك وسرى عنه. إذا صح الحديث فهو مذهب الشافعي حتى ولو خالف قوله: الفائدة السابعة والاربعون: قول الشافعي رحمه الله تعالى: "إذا وجدتم في كتابي خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولوا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعوا ما قلته" وكذلك قوله: "إذا صح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وقلت انا قولا فانا راجع عن قولى وقائل بذلك الحديث" وقوله: "اذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاضربوا بقولى الحائط" وقوله: "إذا رويت حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم اذهب اليه فاعلموا ان عقلى قد ذهب" وغير ذلك من كلامه في هذا المعنى صريح في مدلوله وأن مذهبه ما دل عليه الحديث لا قول له غيره ولا يجوز ان ينسب اليه ما خالف الحديث ويقال هذا مذهب الشافعي ولا يحل الافتاء بما خالف الحديث على انه مذهب الشافعي ولا الحكم به صرح بذلك جماعة من ائمة اتباعه حتى كان منهم من يقول للقارئ إذا قرأ عليه مسألة من كلامه قد صح الحديث بخلافها اضرب على هذه المسالة فليست مذهبه وهذا هو الصواب قطعا ولو لم ينص عليه فكيف اذا نص عليه وابدى فيه وأعاد وصرح فيه بالفاظ كلها صريحة في مدلولها. فنحن نشهد بالله ان مذهبه وقوله الذي لا قول له سواه ما وافق الحديث دون ما خالفه وان من نسب اليه خلافه فقد نسب اليه خلاف مذهبه ولا سيما إذا ذكر هو ذلك الحديث وأخبر انه إنما خالفه لضعف في سنده أولعدم بلوغه له من وجه يثق به ثم ظهر للحديث سند صحيح لا مطعن فيه وصححه ائمة الحديث من وجوه لم تبلغه فهذا لا يشك عالم ولا يماري في انه مذهبه قطعا وهذا كمسالة الجوائح فإنه علل حديث سفيان بن عيينه بانه كان ربما ترك ذكر الجوائح وقد صح الحديث من غير طريق سفيان صحة لا مرية فيها ولا علة ولا شبهة بوجه فمذهب الشافعي وضع الجوائح وبالله التوفيق. وقد صرح بعض ائمة الشافعيه بان مذهبه ان الصلاة الوسطى صلاة العصر وان وقت المغرب يمتد الى مغيب الشفق وان من مات وعليه صيام صام عنه وليه وان أكل لحوم الابل ينقض الوضوء وهذا بخلاف الفطر بالحجامة وصلاة المأموم قاعدا إذا صلى إمامه كذلك فإن الحديث وإن صح في ذلك فليس بمذهبه فإن الشافعي قد رواه وعرف صحته ولكن خالفه لاعتقاده نسخه وهذا شئ وذاك شئ ففي هذا القسم يقع النظر في النسخ وعدمه وفي الاول يقع النظر في صحة الحديث وثقه السند فاعرفه. القول في جواز الافتاء لمن يملك كتب الحديث الفائدة الثامنة والاربعون: إذا كان عند الرجل الصحيحان أواحدهما أوكتاب من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم موثوق بما فيه فهل له ان يفتي بما يجده فيه. رأي المانعين فقالت طائفة من المتأخرين: ليس له ذلك لانه قد يكون منسوخا او له معارض أويفهم من دلالته خلاف ما يدل عليه أويكون امر ندب فيفهم منه الايجاب أويكون عاما له مخصص اومطلقا له مقيد فلا يجوز له العمل ولا الفتيا به حتى يسال اهل الفقه والفتيا. رأي المجوزين: وقالت طائفة بل له أن يعمل به ويفتي به بل يتعين عليه كما كان الصحابة يفعلون إذا بلغهم الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحدث به بعضهم بعضا بادروا إلى العمل به من غير توقف ولا بحث عن معارض ولا يقول أحد منهم قط هل عمل بهذا فلان وفلان ولو رؤا من يقول ذلك لإنكروا عليه أشد الإنكار وكذلك التابعون وهذا معلوم بالضرورة لمن له أدنى خبرة بحال القوم وسيرتهم وطول العهد بالسنة وبعد الزمان وعتقها لا يسوغ الأخذ بها والعمل بغيرها ولو كانت سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسوغ العمل بها بعد صحتها حتى يعمل بها فلان لكان قول فلان أوفلان عيارا على السنن ومزكيا لها وشرطا في العمل بها وهذا من أبطل الباطل وقد أقام الله الحجة برسوله دون آحاد الامة وقد امر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ سنته ودعا لمن بلغها فلو كان من بلغته لا يعمل بها حتى يعمل بها الامام فلان والامام فلان لم يكن في تبليغها فائدة وحصل الاكتفاء بقول فلان وفلان. قالوا والنسخ الواقع في الاحاديث الذي أجمعت عليه الامة لا يبلغ عشرة احاديث البتة بل ولا شطرها فتقدير وقوع الخطأ في الذهاب الى المنسوخ اقل بكثير من وقوع الخطأ في تقليد من يصيب ويخطئ ويجوز عليه التناقض والاختلاف ويقول ويرجع عنه ويحكى عنه في المسألة الواحدة عدة أقوال ووقوع الخطأ في فهم كلام المعصوم اقل بكثير من وقوع الخطأ في فهم كلام الفقيه المعين فلا يفرض احتمال خطأ لمن عمل بالحديث وافتى به إلا وأضعاف أضعافه حاصل لمن افتى بتقليد من لا يعلم خطؤه من صوابه. القول الفصل: والصواب في هذه المسألة التفصيل فإن كانت دلالة الحديث ظاهرة بينة لكل من سمعه لا يحتمل غير المراد فله ان يعمل به ويفتي به ولا يطلب له التزكية من قول فقيه أوامام بل الحجة قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن خالفه من خالفه وإن كانت دلالته خفية لا يتبين المراد منها لم يجز له ان يعمل ولا يفتى بما يتوهمه مرادا حتى يسأل ويطلب بيان الحديث ووجهه وإن كانت دلالته ظاهرة كالعام على أفراده والامر على الوجوب والنهي على التحريم فهل له العمل والفتوى به يخرج على الاصل وهو العمل بالظواهر قبل البحث عن المعارض وفيه ثلاثة اقوال في مذهب احمد وغيره الجواز والمنع والفرق بين العام فلا يعمل به قبل البحث عن المخصص والامر والنهي فيعمل به قبل البحث عن المعارض وهذا كله إذا كان ثم نوع اهليه ولكنه قاصر في معرفة الفروع وقواعد الاصوليين والعربية وإذا لم تكن ثمة اهلية قط ففرضه ما قال الله تعالى: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}. وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الا سالوا اذا لم يعلموا إنما شفاء العى السؤال" وإذا جاز اعتماد المستفتي على ما يكتبه المفتي من كلامه أوكلام شيخه وإن علا وصعد فمن كلام إمامه فلأن يجوز اعتماد الرجل على ما كتبه الثقات من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم اولى بالجواز وإذا قدر انه لم يفهم الحديث كما لو لم يفهم فتوى المفتى فيسأل من يعرفه معناه كما يسأل من يعرفه معنى جواب المفتى وبالله التوفيق. الاحوال التي يجوز للمفتي ان يخالف فيها مذهب إمامه: الفائدة التاسعة والاربعون: هل للمنتسب الى تقليد امام معين ان يفتي بقول غيره لا يخلو الحال من امرين إما ان يسأل عن مذهب ذلك الامام فقط فيقال له ما مذهب الشافعي مثلا في كذا وكذا أو يسأل عن حكم الله الذي اداه اليه اجتهاده فإن سئل عن مذهب ذلك الامام لم يكن له ان يخبره بغيره إلا على وجه الاضافة اليه وإن سئل عن حكم الله من غير أن يقصد السائل قول فقيه معين فههنا يجب عليه الإفتاء بما هو راجح عنده وأقرب الى الكتاب والسنة من مذهب إمامه أومذهب من خالفه لا يسعه غير ذلك فإن لم يتمكن منه وخاف ان يؤدي الى ترك الافتاء في تلك المسألة لم يكن له ان يفتي بما لا يعلم انه صواب فكيف بما يغلب على ظنه ان الصواب في خلافه ولا يسع الحاكم والمفتي غير هذا البتة فان الله سائلهما عن رسوله وما جاء به لا عن الامام المعين وما قاله وإنما يسال الناس في قبورهم ويوم معادهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم فيقال له في قبره ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ويوم يناديهم فيقول ماذا أجبتم المرسلين ولا يسأل أحد قط عن إمام ولا شيخ ولا متبوع غيره بل يسأل عمن اتبعه وائتم به غيره فلينظر بماذا يجيب وليعد للجواب صوابا. وقد سمعت شيخنا رحمه الله يقول جاءني بعض الفقهاء من الحنفية فقال استشيرك في امر قلت ما هو قال اريد ان انتقل عن مذهبي قلت له ولم قال لاني ارى الاحاديث الصحيحة كثيرا تخالفه واستشرت في هذا بعض ائمة اصحاب الشافعي فقال لي لو رجعت عن مذهبك لم يرتفع ذلك من المذهب وقد تقررت المذاهب ورجوعك غير مفيد واشار على بعض مشايخ التصوف بالافتقار الى الله والتضرع اليه وسؤال الهداية لما يحبه ويرضاه فماذا تشير به انت علي قال فقلت له اجعل المذهب ثلاثة اقسام قسم الحق فيه ظاهر بين موافق للكتاب والسنة فاقض به وانت به طيب النفس منشرح الصدر وقسم مرجوح ومخالفة معه الدليل فلا تفت به ولا تحكم به وادفعه عنك وقسم من مسائل الاجتهاد التي الادلة فيها متجاذبة فإن شئت ان تفتي به وإن شئت ان تدفعه عنك فقال جزاك الله خيرا أوكما قال. وقالت طائفة اخرى منهم ابو عمرو بن الصلاح وابو عبد الله بن حمدان من وجد حديثا يخالف مذهبه فان كملت آلة الاجتهاد فيه مطلقا أوفي مذهب امامه أوفي ذلك النوع أوفي تلك المسالة فالعمل بذلك الحديث اولى وان لم تكمل آلته ووجد في قلبه حزازة من مخالفة الحديث بعدان بحث فلم يحد لمخالفته عنده جوابا شافيا فلينظر هل عمل بذلك الحديث إمام مستقل ام لا فإن وجده فله ان يتمذهب بمذهبه في العمل بذلك الحديث ويكون ذلك عذرا له في ترك مذهب إمامه والله اعلم. العمل فيما إذا ترجح للمفتي مذهب غير مذهب إمامه: الفائدة الخمسون: هل للمفتي المنتسب الى مذهب امام بعينه ان يفتي بمذهب غيره اذا ترجع عنده فإن كان سالكا سبيل ذلك الامام في الاجتهاد ومتابعة الدليل اين كان وهذا هو المنبع للامام حقيقة فله ان يفتي بما ترجح عنده من قول غيره وإن كان مجتهدا متقيدا بأقوال ذلك الامام لا يعدوها الى غيرها فقد قيل ليس له ان يفتي بغير قول امامه فإن اراد ذلك حكاه عن قائله حكاية محضة. والصواب انه اذا ترجح عنده قول غير امامه بدليل راجح فلا بد ان يخرج على اصول امامه وقواعده فان الائمة متفقة على اصول الاحكام ومتى قال بعضهم قولا مرجوحا فأصوله ترده وتقتضي القول الراجح فكل قول صحيح فهو يخرج على قواعد الائمة بلا ريب فإذا تبين لهذا المجتهد المقيد رجحان هذا القول وصحة مأخذه خرج على قواعد إمامه فله ان يفتي به وبالله التوفيق. وقد قال القفال لو ادى اجتهادي الى مذهب ابي حنيفة قلت مذهب الشافعي كذا لكني اقول بمذهب ابي حنيفة لان السائل إنما يسألني عن مذهب الشافعي فلا بد ان اعرفه ان الذي افتيته به غير مذهبه فسألت شيخنا قدس الله روحه عن ذلك فقال اكثر المستفتين لا يخطر بقلبه مذهب معين عند الواقعة التي سال عنها وانما سؤاله عن حكمها وما يعمل به فيها فلا يسع المفتي ان يفتيه بما يعتقد الصواب في خلافه. العمل عند اعتدال رايين عند المفتي الفائدة الحادية والخمسون إذا اعتدل عند المفتي قولان ولم يترجح له احدهما على الاخر فقال القاضي ابو يعلى له ان يفتي بأيهما شاء كما يجوز له ان يعمل بأيهما شاء وقيل بل يخير المستفتى فيقول له انت مخير بينهما لانه إنما يفتي بما يراه والذي يراه هو التخيير وقيل بل يقتيه بالاحوط من القولين. قلت: الاظهر انه يتوقف ولا يفتيه بشئ حتى يتبين له الراجح منهما لان احدهما خطأ فليس له ان يفتيه بما لا يعلم انه صواب وليس له ان يخيره بين الخطأ والصواب وهذا كما إذا تعارض عند الطبيب في امر المريض امران خطأ وصواب ولم يتبين له احدهما لم يكن له ان يقدم على احدهما ولا يخيره وكما لو استشاره في امر فتعارض عنده الخطا والصواب من غير ترجيح لم يكن له ان يشير باحدهما ولا يخيره وكما لو تعارض عنده طريقان مهلكة وموصلة ولم يتبين له طريق الصواب لم يكن له الاقدام ولا التخيير فمسائل الحلال والحرام اولى بالتوقف والله أعلم. لا يصح للمفتي ان يفتي بما رجع عنه إمامه: الفائدة الثانية والخمسون: اتباع الائمة يفتون كثيرا باقوالهم القديمة التي رجعوا عنها وهذا موجود في سائر الطوائف فالحنفية يفتون بلزوم المنذورات التي مخرجها مخرج اليمين كالحج والصوم والصدقة وقد حكوا هم عن ابي حنيفة أنه رجع قبل موته بثلاثة أيام إلى التكفير والحنابلة يفتي كثير منهم بوقوع طلاق السكران وقد صرح الإمام أحمد بالرجوع عنه إلى عدم الوقوع كما تقدم حكايته والشافعية يفتون بالقول القديم في مسألة التثويب وامتداد وقت المغرب ومسألة التباعد عن النجاسة في الماء الكثير وعدم استحباب قراءة السورة في الركعتين الأخيرتين وغير ذلك من المسائل وهي أكثر من عشرين مسألة ومن المعلوم أن القول الذي صرح بالرجوع عنه لم يبق مذهبا له فإذا أفتى المفتي به مع نصه على خلافه لرجحانه عنده لم يخرجه ذلك عن التمذهب بمذهبه فما الذي يحرم عليه أن يفتي بقول غيره من الأئمة الأربعة وغيرهم إذا ترجح عنده؟ فإن قيل الأول قد كان مذهبا له مرة بخلاف مالم يقل به قط. قيل هذا فرق عديم التأثير إذ ما قال به وصرح بالرجوع عنه بمنزلة مالم يقله وهذا كله مما يبين أن أهل العلم لا يتقيدون بالتقليد المحض الذي يهجرون لأجله قول كل من خالف من قلدوه، وهذه طريقة ذميمة وخيمة حادثة في الإسلام مستلزمة لأنواع من الخطأ ومخالفة الصواب والله اعلم لا يصح. للمفتي أن يفتي بضد لفظ النص: الفائدة الثالثة والخمسون: يحرم على المفتي أن يفتي بضد لفظ النص وإن وافق مذهبه، ومثاله أن يسأل عن رجل صلى من الصبح ركعة ثم طلعت الشمس هل يتم صلاته أم لا فيقول لا يتمها ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فليتم صلاته". ومثل ان يسأل عمن مات وعليه صيام هل يصوم عنه وليه فيقول لا يصوم عنه وليه وصاحب الشرع صلى الله عليه وسلم قال من مات وعليه صيام صام عنه وليه. ومثل أن يسأل عن رجل باع متاعه ثم أفلس المشتري فوجده بعينه هل هو احق به فيقول ليس أحق به وصاحب الشرع يقول فهو أحق به. ومثل أن يسأل عن رجل أكل في رمضان أوشرب ناسيا هل يتم صومه فيقول لا يتم صومه وصاحب الشرع يقول: فليتم صومه. ومثل ان يسأل عن اكل كل ذي ناب من السباع هل هو حرام فيقول ليس بحرام ورسوله صلى الله عليه وسلم يقول: "أكل كل ذي ناب من السباع حرام". ومثل أن يسأل عن الرجل هل له منع جاره من غرز خشبة في جداره فيقول له أن يمنعه وصاحب الشرع يقول: "لا يمنعه". ومثل ان يسأل هل تجزي صلاة من لا يقيم صلبه من ركوعه وسجوده فيقول تجزيه صلاته وصاحب الشرع صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تجزيء صلاة لايقيم الرجل فيها صلبه بين ركوعه وسجوده". أويسأل عن مسألة التفضيل بين الأولاد في العطية: هل يصح أو لا يصح وهل هو جور أم لا فيقول يصح وليس بجور وصاحب الشرع يقول إن هذا لا يصح ويقول: "لا تشهدني على جور". ومثل أن يسأل عن الواهب هل يحل له أن يرجع في هبته فيقول نعم يحل له أنه يرجع إلى أن يكون والدا أو قرابة فلا يرجع وصاحب الشرع يقول: "لا يحل لواهب أن يرجع في هبته إلا الوالد فيما يهب لولده".
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 2:00 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 2:26 am | |
| ومثل أن يسأل عن رجل له شرك في أرض أودار أوبستان هل يحل له أن يبيع حصته قبل إعلام شريكه بالبيع وعرضها عليه فيقول نعم يحل له أن يبيع قبل إعلامه وصاحب الشرع يقول: "من كان له شرك في أرض أوربعة أوحائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه".
ومثل أن يسأل عن قتل المسلم بالكافر فيقول: نعم يقتل بالكافر وصاحب الشرع يقول: "لا يقتل مسلم بكافر".
ومثل أن يسأل عمن زرع في أرض قوم بغير إذنهم فهل الزرع له أم لصاحب الأرض فيقول الزرع له وصاحب الشرع يقول: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته".
ومثل أن يسأل: هل يصح تعليق الولاية بالشرط فيقول لا يصح وصاحب الشرع يقول أميركم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبد الله ابن رواحة.
ومثل أن يسأل هل يحل القضاء بالشاهد واليمين فيقول لا يجوز وصاحب الشرع قضى بالشاهد واليمين.
ومثل أن يسأل عن الصلاة الوسطى هل هي صلاة العصر أم لا فيقول ليست العصر وقد قال صاحب الشريعة صلاة الوسطى صلاة العصر.
ومثل أن يسأل عن يوم الحج الأكبر هل هو يوم النحر أم لا فيقول ليس يوم النحر وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوم الحج الأكبر يوم النحر".
ومثل أن يسأل هل يجوز الوتر بركعة واحدة فيقول لا يجوز الوتر بركعة واحدة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة".
ومثل أن يسأل هل يسجد في إذا السماء انشقت و اقرأ باسم ربك الذي خلق فيقول لا يسجد فيهما وقد سجد فيهما رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومثل أن يسأل عن رجل عض يد رجل فانتزعها من فيه فسقطت أسنانه فيقول له ديتها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لادية له".
ومثل أن يسأل عن رجل اطلع في بيت رجل فخذفه ففقأ عينه هل عليه جناح فيقول نعم عليه جناح وتلزمه دية عينه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه لو فعل ذلك لم يكن عليه جناح.
ومثل أن يسأل عن رجل اشتري شاة أوبقرة أوناقة فوجدها مصراة فهل له ردها ورد صاع من تمر معها أم لا فيقول لا يجوز له ردها ورد الصاع من التمر معها وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سخطها ردها وصاعا من تمر.
ومثل أن يسأل عن الزاني البكر هل عليه مع الجلد تغريب فيقول لا تغريب عليه وصاحب الشرع يقول عليه جلد مائة وتغريب عام.
ومثل أن يسأل عن الخضراوات هل فيها زكاة فيقول يجب فيها الزكاة وصاحب الشرع يقول لازكاة في الخضراوات.
أو يسأل عما دون خمسة أوسق هل فيه زكاة فيقول نعم تجب الزكاة وصاحب الشرع يقول لا زكاة فيما دون خمسة أوسق.
أو يسأل عن امرأة أنكحت نفسها بدون إذن وليها فيقول نكاحها صحيح وصاحب الشرع يقول فنكاحها باطل باطل باطل.
أو يسأل عن المحلل والمحلل له هل يستحقان اللعنة فيقول لا يستحقان اللعنة وقد لعنهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في غير وجه.
أو يسأل هل يجوز إكمال شعبان ثلاثين يوما ليلة الإغماء فيقول لا يجوز إكمال ثلاثين يوما وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما".
أو يسأل عن المطلقة المبتوتة هل لها نفقة وسكني فيقول نعم لها النفقة والسكنى وصاحب الشرع يقول: "لا نفقة لها ولا سكني".
أو يسأل عن الإمام هل يستحب له أن يسلم في الصلاة تسليمتين فيقول يكره ذلك ولا يستحب وقد روى خمسة عشر نفسا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله السلام عليكم ورحمة الله.
أو يسأل عمن رفع يديه عند الركوع والرفع منه هل صلاته مكروهة أوهي ناقصة فيقول نعم تكره صلاته أو هي ناقصة وربما غلا فقال باطلة وقد روى بضعة وعشرون نفسا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه عند الافتتاح وعند الركوع وعند الرفع منه بأسانيد صحيحة لا مطعن فيها.
أو يسأل عن بول الغلام الذي لم يأكل الطعام هل يجزي فيه الرش أم يجب الغسل فيقول لا يجزي فيه الرش وصاحب الشرع يقول يرش من بول الغول ورشه هو بنفسه.
أو يسأل عن التيمم هل يكفي بضربة واحدة إلى الكوعين فيقول لا يكفي ولا يجزيء وصاحب الشرع قد نص على أنه يكفي نصا صحيحا لا مدفع.
أو يسأل عن بيع الرطب بالتمر هل يجوز فيقول نعم يجوز وصاحب الشرع يسأل عنه فيقول لا آذن.
أو يسأل عن رجل أعتق ستة عبيد لا يملك غيرهم عند موته هل تكمل الحرية في اثنتين منهم أو يعتق من كل واحد سدسه فيقول لا تكمل الحرية ف اثنين منهم وقد أقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فكمل الحرية في اثتين وأرق أربعة.
أو يسأل عن القرعة هل هي جائزة أم باطلة فيقول لا بل هي باطلة وهي من أحكام الجاهلية وقد أقرع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بالقرعة في غير موضع.
أو يسأل عن الرجل خلف الصف وحده هل له صلاة أم لا صلاة له وهل يؤمر بالإعادة فيقول نعم له صلاة ولا يؤمر بالإعادة وقد قال صاحب الشرع لا صلاة له وأمره بالإعادة.
أو يسأل هل للرجل رخصة في ترك الجماعة من غير عذر فيقول نعم له رخصة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا أجد لك رخصة.
أو يسأل عن رجل أسلف رجلا ماله وباعه سلعة هل يحل ذلك فيقول نعم يحل ذلك وصاحب الشرع يقول لا يحل سلف وبيع.
ونظائر ذلك كثيرة جدا وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم برأي أوقياس أواستحسان أوقول أحد من الناس كائنا من كان ويهجرون فعل ذلك وينكرون على من يضرب له الأمثال ولا يسوغون غير الانقياد له والتسليم وبالتلقي بالسمع والطاعة ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أوقياس أويوافق قول فلان وفلان بل كانوا عاملين بقوله وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم وبقول تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} ويقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ}.
وأمثالها فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا وكذا يقول من قال بهذا ويجعل هذا دفعا في صدر الحديث أويجعل جهله بالقائل به حجة له في مخالفتة وترك العمل به ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الجهل وأقبح من ذلك عذره في جهله إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة الله صلى الله عليه وسلم وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذا الإجماع وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان.
ولا يعرف إمام من أئمة الإسلام ألبتة قال لا نعمل بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نعرف من عمل به فإن جهل من بلغه الحديث من عمل به لم يحل له أن يعمل به كما يقول هذا القائل.
على المفتي ألا يتأول النصوص تأويلا فاسدا: الفائدة الخامسة والخمسون إذا سئل عن تفسير آية من كتاب الله أوسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فليس له أن يخرجها عن ظاهرها بوجوه التأويلات الفاسدة لموافقة نحلته وهواه ومن فعل ذلك استحق المنع من الإفتاء والحجر عليه وهذا الذي ذكرناه هو الذي صرح به أئمة الإسلام قديما وحديثا.
قال أبو حاتم الرازي حدثني يونس بن عبد الأعلى قال قال لي محمد بن إدريس الشافعي الأصل قرآن أو سنة فإن لم يكن فقياس عليهما وإذا اتصل الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصح الإسناد به فهو المنتهي والإجماع أكبر من الخبر الفرد والحديث على ظاهرة وإذا احتمل المعاني فما أشبه منها ظاهرة أولاها به فإذا تكافأت الأحاديث فأصحها إسنادا أولاها وليس المنقطع بشيء ماعدا منقطع سعيد بن المسيب ولا يقاس أصل على أصل ولا يقال لأصل لم وكيف وإنما يقال للفرع لم فإذا صح قياسه على الأصل صح قامت وقاست به الحجة رواه الأصم عن ابن أبي حاتم.
وقال أبو المعالي الجويني في الرسالة النظامية في الأركان الإسلامية: "ذهب أئمة السلف إلى الانكفاف عن التأويل وإجراء الظواهر على مواردها وتفويض معانيها إلى الرب تعالى والذي نرتضيه رأيا وندين الله به عقد اتباع سلف الأمة فالأولى الاتباع وترك الابتداع والدليل السمعي القاطع في ذلك أن إجماع الأمة حجة متبعة وهو مستند معظم الشريعة وقد درج صحب الرسول صلى الله عليه وسلم ورضى عنهم على ترك التعرض لمعانيها ودرك ما فيها وهم صفوة الإسلام المستقلون بأعباء الشريعة وكانوا لا يألون جهدا في ضبط قواعد الملة والتواصي بحفظها وتعليم الناس ما يحتاجون إليه منها ولو كان تأويل هذه الظواهر مسوغا أو محتوما لأوشك أن يكون اهتمامهم بها فوق اهتمامهم بفروع الشريعة وإذا انصرم عصرهم وعصر التابعين لهم على الإضراب عن التأويل كان ذلك قاطعا بأنه الوجه المتبع فحق على ذي الدين أن يعتقد تنزيه الباري عن صفات المحدثين ولا يخوض في تأويل المشكلات ويكل معناها الى الرب تعالى وعند إمام القراء وسيدهم الوقوف على قوله تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} من العزائم ثم الابتداء بقوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ}".
ومما استحسن من كلام مالك انه سئل عن قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} كيف استوى فقال الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة فلتجر اية الاستواء والمجىء وقوله لما خلقت بيدي وقوله ويبقى وجه ربك وقوله تجري بأعيننا وما صح من اخبار الرسول كخبر النزول وغيره على ما ذكرنا انتهى كلامه.
وقال ابو حامد الغزالي الصواب للخلف سلوك مسلك السلف في الإيمان المرسل والتصديق المجمل وما قاله الله ورسوله بلا بحث وتفتيش.
وقال في كتاب التفرقة الحق الاتباع والكف عن تغيير الظاهر رأسا والحذر عن اتباع تأويلات لم يصرح بها الصحابة وحسم باب السؤال رأسا والزجر عن الخوض في الكلام والبحث الى ان قال ومن الناس من يبادر الى التأويل ظنا لا قطعا فإن كان فتح هذا الباب والتصريح به يؤدي الى تشويش قلوب العوام بدع صاحبه وكل ما لم يؤثر عن السلف ذكره وما يتعلق من هذا الجنس بأصول العقائد المهمة فيجب تكفير من يغير الظواهر بغير برهان قاطع.
وقال ايضا كل ما لم يحتمل التأويل في نفسه وتواتر نقله ولم يتصور ان يقوم على خلافه برهان فمخالفته تكذيب محض وما تطرق اليه احتمال تأويل ولو بمجاز بعيد فإن كان برهانه قاطعا وجب القول به وإن كان البرهان يفيد ظنا غالبا ولا يعظم ضرره في الدين فهو بدعة وإن عظم ضرره في الدين فهو كفر.
قال ولم تجر عادة السلف بهذه المجادلات بل شددوا القول على من يخوض في الكلام ويشتغل بالبحث والسؤال.
وقال ايضا الإيمان المستفاد من الكلام ضعيف والإيمان الراسخ إيمان العوام الحاصل في قلوبهم في الصبا بتواتر السماع وبعد البلوغ بقرائن يتعذر التعبير عنها.
قال وقال شيخنا ابو المعالي يحرص الإمام ما امكنه على جمع عامة الخلق على سلوك سبيل السلف في ذلك انتهى.
وقد اتفقت الأئمة الأربعة على ذم الكلام وأهله وكلام الإمام الشافعي ومذهبه فيهم معروف عند جميع اصحابه وهو انهم يضربون ويطاف بهم في قبائلهم وعشائرهم هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة واقبل على الكلام.
وقال لقد اطلعت من اهل الكلام على شيء ما كنت اظنه وقال لأن يبتلي العبد بكل شيء نهى عنه غير الكفر أيسر من أن يبتلي بالكلام وقال لحفص الفرد أنا أخالفك في كل شيء حتى في قول لا إله إلا الله أنا أقول لا إله إلا الله الذي يرى في الاخرة والذي كلم موسى تكليما وأنت تقول لا إله إلا الله الذي لا يرى في الآخرة ولا يتكلم.
وقال البيهقي في مناقبه ذكر الشافعي إبراهيم بن إسماعيل بن علية فقال أنا مخالف له في كل شيء وفي قوله لا إله إلا الله لست أقول كما يقول أنا أقول لا إله إلا الله الذي كلم موسى من وراء حجاب وذاك يقول لا إله إلا الله الذي خلق كلاما أسمعه موسى من وراء حجاب.
وقال في أول خطبة رسالته الحمد لله الذي هو كما وصف به نفسه وفوق ما يصفه به الواصفون من خلقه وهذا تصريح بأنه لا يوصف إلا بما وصف به نفسه تعالى وأنه يتعالى ويتنزه عما يصفه به المتكلمون وغيرهم مما لم يصف به نفسه.
وقال أبو نصر أحمد بن محمد بن خالد السجزي سمعت أبي يقول قلت لأبي العباس بن سريج ما التوحيد فقال توحيد أهل العلم وجماعة المسلمين أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتوحيد أهل الباطل الخوض في الأعراض والأجسام إنما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنكار ذلك.
وقال بعض أهل العلم كيف لا يخشى الكذب على الله ورسوله من يحمل كلامه على التأويلات المستنكرة المجازات المستكرهة التي هي بالألغاز والأحاجي أولى منها بالبيان والهداية وهل يأمن على نفسه أن يكون ممن قال الله فيهم ولكم الويل مما تصفون قال الحسن هي والله لكل واصف كذبا إلى يوم القيامة وهل يأمن أن يتناوله قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ} قال ابن عيينة: "هي لكل مفتر من هذه الأمة إلى يوم القيامة" وقد نزه سبحانه نفسه عن كل ما يصفه به خلقه إلا المرسلين فإنهم إنما يصفونه بما أذن لهم أن يصفوه به فقال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} وقال تعالى: {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ} ويكفي المتأولين كلام الله ورسوله بالتأويلات التي لم يردها ولم يدل عليها كلام الله أنهم قالوا برأيهم على الله وقدموا آراءهم على نصوص الوحي وجعلوها عيارا على كلام الله ورسوله ولو علموا أي باب شر فتحوا على الأمة بالتأويلات الفاسدة وأي بناء للإسلام هدموا بها وأي معاقل وحصون استباحوها لكان أحدهم أن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يتعاطى شيئا من ذلك فكل صاحب باطل قد جعل ما تأوله المتأولون عذرا له فيما تأوله هو وقال ما الذي حرم على التأويل وأباحه لكم فتأولت الطائفة المنكرة للمعاد نصوص المعاد وكان تأويلهم من جنس تأويل منكرى الصفات بل أقوى منه لوجوه عديدة يعرفها من وازن يبن التأويلين وقالوا كيف نحن نعاقب على تأويلنا وتؤجرون أنتم على تأويلكم قالوا ونصوص الوحي بالصفات أظهر وأكثر من نصوصه بالمعاد ودلالة النصوص عليها أبين فكيف يسوغ تأويلها بما يخالف ظاهرها ولا يسوغ لنا تأويل نصوص المعاد وكذلك فعلت الرافضة في أحاديث فضائل الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة رضى الله عنهم وكذلك فعلت المعتزلة في تأويل أحاديث الرؤية والشفاعة وكذلك القدرية في نصوص القدر وكذلك الحرورية وغيرهم من الخوارج في النصوص التي تخالف مذاهبهم وكذلك القرامطة والباطنية طردت الباب وطمت الوادي على القرى وتأولت الدين كله فأصل خراب الدين والدنيا إنما هو من التأويل الذي لم يرده الله ورسوله بكلامه ولادل عليه أنه مراده وهل اختلف الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة أوصغيره إلا بالتأويل فمن بابه دخل إليها وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل.
فساد الأديان بالتأويل: وليس هذا مختصا بدين الإسلام فقط بل سائر أديان الرسل لم تزل على الاستقامة والسداد حتى دخلها التأويل فدخل عليها من الفساد مالا يعلمه إلا رب العباد.
وقد توراثت البشارات بصحة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة ولكن سلطوا عليها التأويلات فأفسدوها كما أخبر سبحانه عنهم من التحريف والتبديل والكتمان فالتحريف تحريف المعاني بالتأويلات التي لم يردها المتكلم بها والتبديل تبديل لفظ لفظ آخر والكتمان جحده وهذه الأدواء الثلاثة منها غيرت الأديان والملل وإذا تأملت دين المسيح وجدت النصارى إنما تطرقوا إلى إفساده بالتأويل بما لا يكاد يوجد قط مثله في شيء من الأديان ودخلوا إلى ذلك من باب التأويل وكذلك زنادقه الأمم جميعهم إنما تطرقوا إلى إفساد ديانات الرسل صلوات الله وسلامه عليهم بالتأويل ومن بابه دخلوا وعلى أساسه بنوا وعلى نقطه خطوا.
البواعث المؤدية إلى التأويل: والمتأولون أصناف عديدة بحسب الباعث لهم على التاويل وبحسب تصور أفهامهم ووفورها وأعظمهم توغلا في التأويل الباطل من فسد قصده وفهمه فكلما ساء قصده وقصر فهمه كان تأويله أشد انحرافا فمنهم من يكون تأويله لنوع هوى من غير شبهة بل يكون على بصيرة من الحق ومنهم من يكون تأويله لنوع شبهة عرضت له أخفت عليه الحق ومنهم من يكون تأويله لنوع هدى من غير شبهة بل يكون على بصيرة من الحق ومنهم من يجتمع له الأمران الهوى في القصد والشبهة في العلم.
نتائج التأويل: وبالجملة فافتراق أهل الكتابين وافتراق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة إنما أوجبه التأويل وإنما أريقت دماء المسلمين يوم الجمل وصفين والحرة وفتنة ابن الزبير وهلم جرا بالتأويل وإنما دخل أعداء الإسلام من المتفلسفة والقرامطة والباطنية والإسماعلية والنصيرية من باب التأويل فما امتحن الإسلام بمحنة قط إلا وسببها التأويل فإن محنته إما من المتأولين وإما أن يسلط عليهم الكفار بسبب ما ارتكبوا من لتأويل وخالفوا ظاهر التنزيل وتعللوا بالأباطيل فما الذي أراق دماء بني جذيمة وقد أسلموا غير التأويل حتى رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وتبرأ إلى الله من فعل المتأول بقتلهم وأخذ أموالهم وما الذي أوجب تأخر الصحابة رضى الله عنهم يوم الحديبية عن موافقة رسول الله صلى الله عليه وسلم غير التأويل حتى اشتد غضبه لتأخرهم عن طاعته حتى رجعوا عن ذلك التأويل وما الذي سفك دم أمير المؤمنين عثمان ظلما وعدوانا وأوقع الأمة فيما أوقعها فيه حتى الآن غير التأويل وماالذي سفك دم علي رضى الله عنه وابنه الحسين وأهل بيته رضى الله تعالى عنهم غير التأويل وماالذي أراق دم عمار بن ياسر وأصحابه غير التأويل وماالذي أرق دم ابن الزبير وحجر بن عدي وسعيد بن جبير وغيرهم من سادات الأمة غير التأويل وما الذي اريقت عليه دماء العرب في فتنة أبي مسلم غير التأويل وما الذي جرد الإمام أحمد بين العقابين وضرب السياط حتى عجت الخليقة إلى ربها تعالى غير التأويل وما الذي قتل الإمام أحمد بن نصر الخزاعي وخلد خلقا من العلماء في السجون حتى ماتوا غير التأويل وما الذي سلط سيوف التتار على دار الإسلام حتى ردوا أهلها غير التأويل وهل دخلت طائفة الإلحاد من أهل الحلول والاتحاد إلا من باب التأويل وهل فتح باب التأويل إلا مضادة ومناقضة لحكم الله في تعليمه عباده البيان الذي امتن الله في كتابه على الإنسان بتعليمه إياه فالتأويل بالألغاز والأحاجي والأغلوطات أولى منه بالبيان والتبيين وهل فرق بين دفع حقائق ما أخبرت به الرسل عن الله وأمرت به بالتأويلات الباطلة المخالفة له وبين رده وعدم قبوله ولكن هذا رد جحود ومعاندة وذاك رد خداع ومصانعة.
قال ابو الوليد بن رشد المالكي في كتابه المسمى بالكشف عن مناهج الأدلة وقد ذكر التأويل وجنايته على الشريعة إلى أن قال: "فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه وهؤلاء أهل الجدل والكلام وأشد ما عرض على الشريعة من هذا الصنف أنهم تأولوا كثيرا مما ظنوه ليس على ظاهره وقالوا إن هذا التأويل هو المقصود به وإنما أمر الله به في صورة المتشابه ابتلاء لعباده واختبارا لهم ونعوذ بالله من سوء الظن بالله بل نقول إن كتاب الله العزيز إنما جاء معجزا من جهة الوضوح والبيان فما أبعد من مقصد الشارع من قال فيما ليس بمتشابه إنه متشابه ثم أول ذلك المتشابه بزعمه وقال لجميع الناس إن فرضكم هو اعتقاد هذا التأويل مثل ما قالوه في آية الاستواء على العرش وغير ذلك مما قالوا إن ظاهره متشابه ثم قال وبالجملة فأكثر التأويلات التي زعم القائلون بها أنها المقصود من الشرع إذا تأملت وجدت ليس يقوم عليها برهان" مثل من أول شيئا من الشرع: إلى أن قال ومثال من أول شيئا من الشرع وزعم أن ما أوله هو الذي....
ص -253-؟
العارض فيها من قبل التأويل تبينت ان هذا المثال صحيح.
واول من غير هذا الدواء الأعظم هم الخوارج ثم المعتزلة بعدهم ثم الأشعرية ثم الصوفية ثم جاء ابو حامد فطم الوادي على القرى هذا كلامه بلفظه.
ولو ذهبنا نستوعب ما جناه التأويل على الدنيا والدين ومانال الأمم قديما وحديثا بسببه من الفساد لاستدعى ذلك عدة اسفار والله المستعان.
اطمئنان قلب المستفتي قبل العمل بالفتوى: الفائدة السادسة والخمسون لا يجوز العمل بمجرد فتوى المفتي اذا لم تطمئن نفسه وحاك في صدره من قبوله وتردد فيها لقوله صلى الله عليه وسلم استفت نفسك وإن افتاك الناس وافتوك فيجب عليه ان يستفتي نفسه اولا ولا تخلصه فتوى المفتي من الله اذا كان يعلم ان الأمر في الباطن بخلاف ما افتاه كما لا ينفعه قضاء القاضي له بذلك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم من قضيت له بشيء من حق اخيه فلا يأخذه فإنما اقطع له قطعة من نار والمفتي والقاضي في هذا سواء ولا يظن المستفتي ان مجرد فتوى الفقيه تبيح له ما سأل عنه اذا كان يعلم ان الأمر بخلافه في الباطن سواء تردد أوحاك في صدره لعلمه بالحال في الباطن أولشكه فيه أولجهله به أولعلمه جهل المفتي أومحاباته في فتواه أوعدم تقييده بالكتاب والسنة أولأنه معروف بالفتوى بالحيل والرخص المخالفة للسنة وغير ذلك من الأسباب المانعة من الثقة بفتواه وسكون النفس إليها فإن كان عدم الثقة والطمأنينة لأجل المفتى يسأل ثانيا وثالثا حتى تحصل له الطمأنينة فإن لم يجد فلا يكلف الله نفسا إلا وسعها والواجب تقوى الله بحسب الاستطاعة.
العمل إذا وجد مفتيان أحدهما أعلم من الآخر: فإن كان في البلد مفتيان أحدهما أعلم من الآخر فهل يجوز استفتاء المفضول مع وجود الفاضل فيه قولان للفقهاء وهما وجهان لأصحاب الشافعي وأحمد فمن جوز ذلك رأى أنه يقبل قوله إذا كان وحده فوجود من هو أفضل منه لا يمنع من قبول قوله كالشاهد ومن منع استفتاء قال المقصود حصول ما يغلب على الظن الإصابة وغلبة الظن بفنوى الأعلم أقوى فيتعين والحق التفصيل بأن المفضول إن ترجح بديانة أوورع أوتحر للصواب وعدم ذلك الفاضل فاستفتاء المفضول جائز إن لم يتعين وإن استويا فاستفتاء الأعلم أولى والله أعلم.
ترجمة كلام المفتي والمستفتي: الفائدة السابعة والخمسون: إذا لم يعرف المفتي لسان السائل أولم يعرف المستفتي لسان المفتي أجزأ ترجمة واحد بينهما لأنه خبر محض فيكتفي فيه بواحد كأخبار الديانات والطب وطرد هذا الاكتفاء بترجمة الواحد في الجرح التعديل والرسالة والدعوى والإقرار والإنكار بين يدي الحاكم والتعريف في إحدى الروايتين وهي مذهب ابي حنيفة واختارها أبو بكر إجراء لها مجرى الخبر والرواية الثانية لا يقبل في هذه المواضع أقل من اثتين إجراء لها مجرى الشهادة وسلوكا بها سبيلها لأنها تثبت الإقرار عند الحاكم وتثبت عدالة الشهود وجرحهم فافتقرت إلى العدد كما لو شهد على إقراره شاهد واحد فإنه لا يكتفي به وهذا بخلاف ترجمة الفتوى والسؤال فغنه خبر محض فافترقا.
العمل في سؤال يحتمل صورا عديدة: الفائدة الثامنة والخمسون: إذا كان السؤال محتملا محملا لصور عديدة فإن لم يعلم المفتي الصورة المسئول عنها لم يجب عن صورة واحدة منها وإن علم الصورة المسئول عنها فله أن يخصها بالجواب ولكن يقيد لئلا يتوهم أن الجواب عن غيرها فيقول إن كان الأمر كيت وكيت أوكان المسئول عنه كذا وكذا فالجواب كذا وكذا وله أن يفرد كل صورة بجواب فيفصل الأقسام المحتملة ويذكر حكم كل قسم ومنع بعضهم من ذلك لوجهين أحدهما انه ذريعة إلى تعليم الحيل وفتح باب لدخول المستفتي وخروجه من حيث شاء الثاني أنه سبب لازدحام أحكام تلك الأقسام على فهم العامي فيضيع مقصودة والحق التفصيل فيكره حيث استلزم ذلك ولا يكره بل يستحب إذا كان فيه زيادة.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 2:00 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 2:42 am | |
| إيضاح وبيان وإزالة لبس وقد فصل النبي صلى الله عليه وسلم في كثير من أجوبته بقوله إن كان كذا فالامر كذا كقوله في الذي وقع على جارية امرأته إن كان استكرهها فهى حرة وعليه لسيدتها مثلها وإن كانت مطاوعة فهى له وعليه لسيدتها مثلها وهذا كثير في فتاويه صلى الله عليه وسلم.
على المفتي ان يكون حذرا فطنا: الفائدة التاسعة والخمسون: وهي مما ينبغي التفطن له إن رأى المفتي خلال السطور بياضا يحتمل أن يلحق به ما يفسد الجواب فليحترز منه فربما دخل من ذلك عليه مكروه فإما أن يأمر بكتابة غير الورقة وإما أن يخط على البياض أويشغله بشئ كما يحترز منه كتاب الوثائق والمكاتيب.
وبالجملة فليكن حذرا فطنا ولا يحسن ظنه بكل أحد وهذا الذي حمل بعض المفتين على أنه كان يقيد السؤال عنده في ورقة ثم يجيب في ورقة السائل ومنهم من كان يكتب السؤال في ورقة من عنده ثم يكتب الجواب وليس شئ من ذلك بلازم والاعتماد على قرائن الاحوال ومعرفة الواقع والعادة.
على المفتي ان يشاور الثقة: الفائدة الستون: إن كان عنده من يثق بعلمه ودينه فينبغي له ان يشاوره ولا يستقل بالجواب ذهابا بنفسه وارتفاعا بها ان يستعين على الفتاوي بغيره من أهل العلم وهذا من الجهل فقد أثنى الله سبحانه على المؤمنين بأن أمرهم شورى بينهم وقال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} وقد كانت المسألة تنزل بعمر بن الخطاب رضى الله عنه فيستشير لها من حضر من الصحابة وربما جمعهم وشاورهم حتى كان يشاور ابن عباس رضى الله عنهما وهو إذا ذاك أحدث القوم سنا وكان يشاور عليا كرم الله وجهه وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم رضي الله عنهم أجمعين ولا سيما إذا قصد بذلك تمرين أصحابه وتعليمهم وشخذ أذهانهم قال البخاري في صحيحه باب إلقاء العالم المسألة على أصحابه وأولى ما ألقى عليهم المسألة التي سئل عنها هذا ما لم يعارض ذلك مفسدة من إفشاء سر السائل أو تعريضه للأذى أومفسدة لبعض الحاضرين فلا ينبغي له ان يرتكب ذلك وكذلك الحكم في عابر الرؤيا فالمفتي والمعبر والطبيب يطلعون من أسرار الناس وعوراتهم على ما لا يطلع عليه غيرهم فعليهم استعمال الستر فيما لا يحسن إظهاره.
على المفتي ان يكثر الدعاء لنفسه بالتوفيق: الفائدة الحادية والستون: حقيق بالمفتي ان يكثر الدعاء بالحديث الصحيح: "اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والارض عالم الغيب والشهادة انت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء الى صراط مستقيم".
وكان شيخنا كثير الدعاء بذلك وكان إذا اشكلت عليه المسائل يقول يا معلم ابراهيم علمني ويكثر الاستعانة بذلك اقتداء بمعاذ بن جبل رضى الله عنه حيث قال لمالك بن يخامر السكسكي عند موته وقد رآه يبكي فقال والله ما أبكى على دنيا كنت اصيبها منك ولكن أبكي على العلم والايمان اللذين كنت اتعلمهما منك فقال معاذ بن جبل رضى الله عنه إن العلم والايمان مكانهما من ابتغاهما وجدهما اطلب العلم عند أربعة عند عويمر أبي الدرداء وعند عبد الله بن مسعود وابي موسى الاشعري وذكر الرابع فإن عجز عنه هؤلاء فسائر اهل الارض عنه أعجز فعليك بمعلم ابراهيم صوات الله عليه.
وكان بعض السلف يقول عند الافتاء: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم".
وكان مكحول يقول لا حول ولا قوة إلا بالله وكان مالك يقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله العلي العظيم وكان بعضهم يقول رب اشرح لي صدري ويسر لي امري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي وكان بعضهم يقول اللهم وفقني واهدني وسددني واجمع لي بين الصواب والثواب واعذني من الخطأ والحرمان وكان بعضهم يقرأ الفاتحة وجربنا نحن ذلك فرأيناه من أقوى اسباب الاصابة.
والمعول في ذلك كله على حسن النية وخلوص القصد وصدق التوجه في الاستمداد من المعلم الاول معلم الرسل والانبياء صلوات الله وسلامه عليهم فإنه لا يرد من صدق في التوجه اليه لتبليغ دينه وإرشاد عبيده ونصيحتهم والتخلص من القول عليه بلا علم فإذا صدقت نيته ورغبته في ذلك لم يعدم أجرأ إن فاته أجران والله المستعان.
وسئل الامام احمد فقيل له ربما اشتد علينا الامر من جهتك فلمن نسأل بعدك فقال سلوا عبد الوهاب الوراق فإنه أهل ان يوفق للصواب واقتدى الامام احمد بقول عمر بن الخطاب رضى الله عنه اقتربوا من افواه المطيعين واسمعوا منهم ما يقولون فإنهم تجلى لهم امور صادقة وذلك لقرب قلوبهم من الله وكلما قرب القلب من الله زالت عنه معارضات السوء وكان نور كشفه للحق أتم وأقوى وكلما بعد عن الله كثرت عليه المعارضات وضعف نور كشفه للصواب فإن العلم نور يقذفه الله في القلب يفرق به العبد بين الخطأ والصواب.
وقال مالك للشافعي رضى الله عنهما في اول ما لقيه إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورا فلا تطفئه بظلمة المعصية وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً} ومن الفرقان النور الذي يفرق به العبد بين الحق والباطل وكلما كان قلبه اقرب الى الله كان فرقانه اتم وبالله التوفيق.
لا تتوقف الفتوى على غرض السائل: الفائدة الثانية والستون: قد تكرر لكثير من اهل الافتاء الامساك عما يفتون به مما يعلمون انه الحق إذا خالف غرض السائل ولم يوافقه وكثير منهم يسألة عن غرضه فإن صادفه عنده كتب له وإلا دله على مفت أومذهب يكون غرضه عنده وهذا غير جائز على الاطلاق بل لا بد فيه من تفصيل فإن كان المسئول عنه من مسائل العلم والسنة أومن المسائل العلميات التي فيها نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسع المفتى تركه الى غرض السائل بل لا يسعه توقفه في الافتاء به على غرض السائل بل ذلك إثم عظيم وكيف يسعه من الله ان يقدم غرض السائل على الله ورسوله وإن كانت المسألة من المسائل الاجتهادية التي يتجاذب اعنتها الاقوال والاقيسة فإن لم يترجح له قول منها لم يسع له ان يترجح لغرض السائل وإن ترجح له قول منها وظن انه الحق فأولى بذلك فإن السائل إنما يسأل عما يلزمه في الحكم ويسعه عند الله فإن عرفه المفتي أفتاه به سواء وافق غرضه أوخالفه ولا يسعه ذلك ايضا إذا علم ان السائل يدور على من يفتيه بغرضه في تلك المسألة فيجعل استفتاءه تنفيذا لغرضه لا تعبد الله بأداء حقه ولا يسعه ان يدله على غرضه اين كان بل ولا يجب عليه ان يفتي هذا الضرب من الناس فإنهم لا يستفتون ديانه وانما يستفتون توصلا الى حصول أغراضهم بأي طريق اتفق فلا يجب على المفتي مساعدتهم فإنهم لا يريدون الحق بل يريدون اغراضهم باي طريق وافق لهذا إذا وجدوا أغراضهم في أي مذهب اتفق اتبعوه في ذلك الموضع وتمذهبوا به كما يفعله ارباب الخصومات بالدعاوي عند الحكام ولا يقصد احدهم حاكما بعينه بل أي حاكم نفذ غرضه عنده صار اليه.
وقال شيخنا رحمه الله مرة: انا مخير بين إفتاء هؤلاء وتركهم فإنهم لا يستفتون للدين بل لو صولهم إلى أغراضهم حيث كانت ولو وجدوها عند غيري لم يجيئوا الى بخلاف من يسأل عن دينه وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم في حق من جاءه يتحاكم اليه لاجل غرضه لا لالتزامه لدينه صلى الله عليه وسلم من اهل الكتاب "فإن جاؤك فاحكم بينهم أواعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا" فهؤلاء لما لم يلتزموا دينه لم يلزمه الحكم بينهم والله تعالى اعلم.
روح الفتوى الدليل عليها الفائدة الثالثة والستون عاب بعض الناس ذكر الاستدلال في الفتوى وهذا العيب اولى بالعيب بل جمال الفتوى وروحها هو الدليل فكيف يكون ذكر كلام الله ورسوله وإجماع المسلمين وأقوال الصحابة رضوان الله عليهم والقياس الصحيح عيبا وهل ذكر قول الله ورسوله إلا طراز الفتاوي وقول المفتي ليس بموجب للاخذ به فإذا ذكر الدليل فقد حرم على المستفتي ان يخالفه وبرئ هو من عهدة الفتوى بلا علم.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل عن المسألة فيضرب لها الامثال ويشبهها بنظائرها هذا وقوله وحده حجة فما الظن بمن ليس قوله بحجة ولا يجب الاخذ به واحسن أحواله وأعلاها ان يسوغ له قبول قوله وهيهات أن يسوغ بلا حجة وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئل احدهم عن مسألة افتى بالحجة نفسها فيقول قال الله كذا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا أوفعل كذا فيشفى السائل ويبلغ القائل وهذا كثير جدا في فتاويهم لمن تأملها ثم جاء التابعون والائمة بعدهم فكان أحدهم يذكر الحكم ثم يستدل عليه وعلمه يأبى ان يتكلم بلا حجة والسائل يأبى قبول قوله بلا دليل ثم طال الامد وبعد العهد بالعلم وتقاصرت الهمم الى ان صار بعضهم يجيب بنعم أولا فقط ولا يذكر للجواب دليلا ولا مأخذا ويعترف بقصورة وفضل من يفتى بالدليل ثم نزلنا درجة أخرى الى ان وصلت الفتوى الى عيب من يفتى بالدليل وذمه ولعله ان يحدث للناس طبقة اخرى لا يدري ما حالهم في الفتاوي والله المستعان.
للمفتي ان يقلد الميت اذا علمت عدالتة: الفائدة الرابعة والستون: هل يجوز للمفتي تقليد الميت اذا علم عدالته وانه مات عليها من غير ان يسأل الحي فيه وجهان لاصحاب احمد والشافعي اصحهما له ذلك فإن المذاهب لا تبطل بموت اصحابها ولو بطلت بموتهم لبطل ما بأيدي الناس من الفقه عن ائمتهم ولم يسغ لهم تقليدهم والعمل بأقوالهم وايضا لو بطلت اقوالهم بموتهم لم يعتد بهم في الاجماع والنزاع ولهذا لو شهد الشاهدان ثم ماتا بعد الاداء وقبل الحكم بشهادتهما لم تبطل شهادتهما وكذلك الراوي لاتبطل روايته بموته فكذلك المفتي لا تبطل فتواه بموته ومن قال تبطل فتواه بموته قال أهليته زالت بموته ولو عاش لوجب عليه تجديد الاجتهاد ولأنه قد يتغير اجتهاده وممن حكى الوجهين في المفتى أبو الخطاب فقال إن مات المفتى قبل عمل المستفتى فله العمل بها وقيل لا يعمل بها والله أعلم.
هل للمستفتي ان يكرر العمل بالفتوى إذ تكرر السبب: الفائدة الخامسة والستون: إذا استفتاه عن حكم حادثة فأفتاه وعمل بقوله ثم وقعت له ثانية فهل له مرة أن يعمل بتلك الفتوى الأولى أم يلزمه الاستفتاء مرة ثانية فيه وجهان لأصحاب أحمد والشافعي فمن لم يلزمه بذلك قال الأصل بقاء ما كان فله أن يعمل بالفتوى وإن أمكن تغير اجتهاده كما أن له أن يعمل بها بعد مدة من وقت الإفناء وإن جاز تغير اجتهاده ومن منعه من ذلك قال ليس على ثقة من بقاء المفتي على اجتهاده الاول فلعله أن يرجع عنه فيكون المستفتى قد عمل بما هو خطأ عند من استفتاه ولهذا رجح بعضهم العمل بقول الميت على قول الحي واحتجوا بقول ابن مسعود من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة.
استفتاء الاعلم والادين: الفائدة السادسة والستون: هل يلزم المستفتي ان يجتهد في أعيان المفتين ويسأل الاعلم والادين ام لا يلزمه ذلك فيه مذهبان كما سبق وبينا مأخذهما والصحيح انه يلزمه لانه المستطاع من تقوى الله تعالى المأمور بها كل احد وتقدم انه اذا اختلف عليه مفتيان احدهما اورع والاخر أعلم فأيهما يجب تقليده فيه ثلاثة مذاهب سبق توجيهها
القول في التمذهب بمذهب معين: وهل يلزم العامي ان يتمذهب ببعض المذاهب المعروفة ام لا فيه مذهبان احدهما لا يلزمه وهو الصواب المقطوع به إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولم يوجب الله ولا رسوله على أحد من الناس ان يتمذهب بمذهب رجل من الامة فيقلده دينه دون غيره وقد انطوت القرون الفاضلة مبرأة مبرا اهلها من هذه النسبة بل لا يصح للعامي مذهب ولو تمذهب به فالعامي لا مذهب له لان المذهب إنما يكون لمن له نوع نظر واستدلال ويكون بصيرا بالمذاهب على حسبه أولمن قرأ كتابا في فروع ذلك المذهب وعرف فتاوي إمامه وأقوله وأما من لم يتأهل لذلك ألبتة بل قال أنا شافعي أوحنبلي أوغير ذلك لم يصر كذلك بمجرد القول كما لو قال أنا فقيه أونحوي أوكاتب لم يصر كذلك بمجرد قوله.
يوضحه ان القائل إنه شافعي أومالكي أوحنفي يزعم انه متبع لذلك الامام سالك طريقه وهذا إنما يصح له إذا سلك سبيله في العلم والمعرفة والاستدلال فأما مع جهله وبعده جدا عن سيرة الامام وعلمه وطريقه فكيف يصح له الانتساب اليه إلا بالدعوى المجردة والقول الفارغ من كل معنى والعامي لا يتصور ان يصح له مذهب ولو تصور ذلك لم يلزمه ولا لغيره ولا يلزم أحدا قط ان يتمذهب بمذهب رجل من الامة بحيث يأخذ اقواله كلها ويدع أقوال غيره.
وهذه بدعة قبيحة حدثت في الامة لم يقل بها احد من أئمة الاسلام وهم أعلى رتبة وأجل قدرا وأعلم بالله ورسوله من ان يلزموا الناس بذلك وأبعد منه قول من قال يلزمه ان يتمذهب بمذهب عالم من العلماء وأبعد منه قول من قال يلزمه ان يتمذهب بأحد المذاهب الاربعه.
فيالله العجب ماتت مذاهب اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومذاهب التابعين وتابعيهم وسائر أئمة الاسلام وبطلت جملة إلا مذاهب اربعة أنفس فقط من بين سائر الامة والفقهاء وهل قال ذلك احد من الائمة أودعا اليه أودلت عليه لفظه واحدة من كلامه عليه والذي اوجبه الله تعالى ورسوله على الصحابة والتابعين وتابعيهم هو الذي اوجبه على من بعدهم الى يوم القيامه لا يختلف الواجب ولا يتبدل وإن اختلفت كيفيته أوقدره باختلاف القدرة والعجز والزمان والمكان والحال فذلك أيضا تابع لما أوجبه الله ورسوله.
ومن صحح للعامي مذهبا قال هو قد اعتقد ان هذا المذهب الذي انتسب اليه هو الحق فعليه الوفاء بموجب اعتقاده وهذا الذي قاله هؤلاء لو صح للزم منه تحريم استفتاء اهل غير المذهب الذي انتسب اليه وتحريم تمذهبه بمذهب نظير إمامه أوأرجح منه أوغير ذلك من اللوازم التي يدل فسادها على فساد ملزوماتها بل يلزم منه أنه إذا راى نص رسول الله صلى الله عليه وسلم أوقول خلفائه الاربعة مع غير إمامه ان يترك النص وأقوال الصحابة ويقدم عليها قول من انتسب اليه.
وعلى هذا فله ان يستفتى من شاء من أتباع الائمة الاربعة وغيرهم ولا يجب عليه ولا على المفتى ان يتقيد بأحد من الائمة الاربعة بإجماع الامة كما لا يجب على العالم ان يتقيد بحديث اهل بلده أوغيره من البلاد بل إذا صح الحديث وجب عليه العلم به حجازيا كان أو عراقيا أو شاميا أو مصريا أو يمنيا.
وكذلك لا يجب على الانسان التقيد بقراءة السبعة المشهورين بانفاق المسلمين بل اذا وافقت القراءة رسم المصحف الامام وصحت في العربية وصح سندها جازت القراءة بها وصحت الصلاة بها أتفاقا بل لو قرأ بقراءة تخرج عن مصحف عثمان وقد قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة بعده جازت القراءة بها ولم تبطل الصلاة بها على أصح الاقوال والثاني تبطل الصلاة بها وهاتان روايتان منصوصتان عن الامام احمد والثالث إن قرأ بها في ركن لم يكن مؤديا لفرضه وإن قرأ بها في غيره لم تكن مبطلة وهذا اختيار أبي البركات ابن تيمية قال لانه لم يتحقق الاتيان بالركن في الاول ولا الاتيان بالمبطل في الثاني ولكن ليس له ان يتبع رخص المذاهب واخذ غرضه من أي مذهب وجده فيه بل عليه اتباع الحق بحسب الامكان.
العمل عند اختلاف المفتيين: الفائدة السابعة والستون: فإن اختلف عليه مفتيان فأكثر فهل يأخذ بأغلظ الاقوال أوبأخفها أويتخير أويأخذ بقول الاعلم اوالاورع أويعدل الى مفت اخر فينظر من يوافق من الاولين فيعمل بالفتوى التي يوقع عليها أويجب عليه ان يتحرى ويبحث عن الراجح بحسبه فيه سبعة مذاهب ارجحها السابع فيعمل كما يعمل عند اختلاف الطريقين أوالطبيبين أوالمشيرين كما تقدم وبالله التوفيق.
هل قول المفتي ملزم الفائدة الثامنة والستون: إذا استفتى فأفتاه المفتي فهل تصير فتواه موجبة على المستفتي العمل بحيث يكون عاصيا إن لم يعمل بها أولا يوجب عليه العمل فيه اربعة أوجه لاصحابنا وغيرهم أحدها انه لا يلزمه العمل بها إلا ان يلتزمه هو والثاني انه يلزمه إذا شرع في العمل فلا يجوز له حينئذ الترك والثالث انه إن وقع في قلبه صحة فتواه وأنها حق لزمه العمل بها والرابع انه اذا لم يجد مفتيا آخر لزمه الاخذ بفتياه فإن فرضه التقليد وتقوى الله ما استطاع وهذا هو المستطاع في حقه وهو غاية ما يقدر عليه وإن وجد مفتيا آخر فإن وافق الاول فأبلغ في لزوم العمل وإن خالفه فإن استبان له الحق في إحدى الجهتين لزمه العمل به وإن لم يستبن له الصواب فهل يتوقف أويأخذ بالاحوط أويتخير أويأخذ بالاسهل فيه وجوه تقدمت.
العمل بالفتوى اذا لم تبلغه مشافهة من المفتي الفائدة التاسعة والستون يجوز له العمل بخط المفتي وإن لم يسمع الفتوى من لفظ إذا عرف انه خطه أواعلمه به من يسكن الى قوله ويجوز له قبول قول الرسول إن هذا خطه وإن كان عبدا أوامرأة أوصبيا أوفاسقا كما يقبل قوله في الهدية والاذن في دخول اعتمادا على القرائن والعرف وكذا يجوز اعتماد الرجل على ما يجده من كتابة الوقف على كتاب أورباط أوخان أونحوه فيدخله وينتفع به وكذلك يجوز له الاعتماد على ما يجده بخط ابيه في برنامجه أن له على فلان كذا وكذا فيحلف على الاستحقاق وكذا يجوز للمرأة الاعتماد على خط الزوج انه أبانها فلها ان تتزوج بناء على الخط وكذا الوصي والوارث يعتمد على خط الموصي فينفذ ما فيه وإن لم يشهد شاهدان وكذا اذا كتب الراوي الى غيره حديثا جاز له ان يعتمد عليه ويعمل به ويرويه بناء على الخط اذا تيقن ذلك كله هذا عمل الامة قديما وحديثا من عهد نبينا صلى الله عليه وسلم والى الان وإن انكره من انكره.
ومن العجب ان من انكر ذلك وبالغ في إنكاره ليس معه فيما يفتي به إلا مجرد كتاب قيل إنه كتاب فلان فهو يقضى به ويفتى ويحل ويحرم ويقول هكذا في الكتاب والله الموفق.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل كتبه الى الملوك والى الامم يدعوهم الى الاسلام فتقوم عليهم الحجة بكتابه وهذا أظهر من أن ينكر وبالله التوفيق.
ما يفعل المفتي إذا حدثت حادثة ليس فيها قول لاحد من العلماء الفائدة السبعون إذا حدثت حادثة ليس فيها قول لاحد من العلماء فهل يجوز الاجتهاد فيها بالافتاء والحكم ام لا فيه ثلاثة اوجه.
احدها يجوز وعليه تدل فتاوي الائمة وأجوبتهم فإنهم كانوا يسالون عن حوادث لم تقع قبلهم فيجتهدون فيها وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله اجران وإن اجتهد فأخطأ فله أجر وهذا يعم ما اجتهد فيه مما لم يعرف فيه قول من قبله وما عرف فيه اقوالا واجتهد في الصواب منها وعلى هذا درج السلف والخلف والحاجة داعية الى ذلك لكثرة الوقائع واختلاف الحوادث ومن له مباشرة لفتاوي الناس يعلم ان المنقول وإن اتسع غاية الاتساع فإنه لا يفي بوقائع العالم جميعا وانت إذا تأملت الوقائع رأيت مسائل كثيرة واقعة وهي غير منقولة ولا يعرف فيها كلام لأئمة المذاهب ولا لأتباعهم.
والثاني لا يجوز له الافتاء ولا الحكم بل يتوقف حتى يظفر فيها بقائل قال الامام احمد لبعض اصحابه إياك ان تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام والثالث يجوز ذلك في مسائل الفروع لتعلقها بالعمل وشدة الحاجة اليها وسهولة خطرها ولا يجوز في مسائل الاصول.
والحق التفصيل وأن ذلك يجوز بل يستحب أويجب عند الحاجة واهلية المفتي والحاكم فإن عدم الامران لم يجز وإن وجد أحدهما دون الاخر احتمل الجواز والمنع والتفصيل فيجوز للحاجة دون عدمها والله أعلم.
فتاوي إمام المفتين صلى الله عليه وسلم: ولنختم الكتاب بذكر فصول يسير قدرها عظيم أمرها من فتاوي إمام المفتين ورسول رب العالمين تكون روحا لهذا الكتاب ورقما على جلة هذا التأليف
فتاوي امام المفتين صلى الله عليه وسلم في العقيدة: فصح عنه صلى الله عليه وسلم انه سئل عن رؤية المؤمنين ربهم تبارك وتعالى فقال: "هل تضارون في رؤية الشمس صحوا في الظهيرة ليس دونها سحاب" قالوا: لا فقال: "هل تضارون في رؤية القمر البدر صحوا ليس دونه سحاب" قالوا: لا قال: "فإنكم ترونه كذلك" متفق عليه.
وسئل كيف نراه ونحن ملء الارض وهو احد فقال أنبئكم عن ذلك في آلاء الله الشمس والقمر آية منه صغيرة ترونهما ويريانكم ساعة واحدة لا تضارون في رؤيتهما ولعمر إلهك أقدر على ان يراكم وترونه ذكره احمد.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه سئل عن مسألة القدر وما يعمل الناس فيه أمر قد قضى وفرغ منه أم أمر يستأنف فقال بل أمر قد قضى وفرغ منه فسئل حينئذ ففيم العمل فأجاب بقوله اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة ومن كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة ثم قرأ قوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى} الى اخر الآيتين ذكره مسلم وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه سئل عما يكتمه الناس في ضمائرهم هل يعلمه الله فقال نعم ذكره مسلم.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه سئل اين كان ربنا قبل ان تخلق السموات والارض فلم ينكر على السائل وقال كان في عماء ما فوقه هواء وما تحته هواء ذكره احمد.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه سئل عن مبدأ تخليق هذا العالم فأجاب بأن قال كان الله ولم يكن شئ غيره وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شئ ذكره البخاري.
وصح عنه صلى الله عليه وسلم انه سئل اين يكون الناس يوم يبدل الارض فقال على الصراط وفي لفظ آخر هم في الظلمة دون الجسر فسئل من أول الناس إجازة فقال فقراء المهاجرين ذكره مسلم ولا تنافى بين الجوابين فإن الظلمة أول الصراط فهناك مبدأ التبديل وتمامه وهم على الصراط.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً} فقال: ذلك العرض ذكره مسلم.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أول طعام يأكله اهل الجنة فقال: "زيادة كبد الحوت" فسئل صلى الله عليه وسلم: ما غذاؤهم على أثره فقال: "ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها" فسئل صلى الله عليه وسلم ما شرابهم عليه فيها فقال: "من عين فيها تسمى سلسبيلا" ذكره مسلم.
وسئل صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك فقال: "نور أنى أراه" ذكره مسلم فذكر الجوار ونبه على المانع من الرؤية وهو النور الذي هو حجاب الرب تعالى الذي لو كشفه لم يقم له شئ.
وسئل صلى الله عليه وسلم يا رسول الله كيف يجمعنا ربنا بعد ما تمزقنا الرياح والبلى والسباع فقال للسائل أنبئك بمثل ذلك في آلاء الله الارض اشرفت عليها وهي مدرة بالية فقلت لا تحي أبدا ثم أرسل ربك عليها السماء فلم تلبث عليك إلا أياما ثم أشرفت عليها وهي شربة واحدة ولعمر إلهك إنك لهو أقدر على ان يجمعهم من الماء على ان يجمع نبات الارض ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم يا رسول الله ما يفعل بنا ربنا إذا لقيناه فقال تعرضون بادية له صفحاتكم لا يخفى عليه خافية منكم فيأخذ ربك عز وجل بيده غرفة من الماء فينضح بها قلبكم فلعمر إلهك ما يخطى وجه واحد منكم منها قطرة فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء وأما الكافر فتحطمه بمثل الحميم الاسود ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم بم نبصر وقد حبس الشمس والقمر فقال للسائل بمثل بصرك ساعتك هذه وذلك مع طلوع الشمس وذلك في يوم اشرقت فيه الارض ثم واجهته الجبال فسئل صلى الله عليه وسلم بم نجزي من حسناتنا وسيئاتنا فقال الحسنة بعشرة أمثالها والسيئة بمثلها أو يعفو فسئل صلى الله عليه وسلم على ماء يطلع من الجنة فقال على انهار من عسل مصفى وانهار من كأس ما بها من صداع ولا ندامة وانهار من لبن لم يتغير طعمه وماء غير آسن وفاكهة لعمر إلهك مما تعلمون وخير من مثله معه وأزواج مطهرة فسئل صلى الله عليه وسلم ألنا فيها ازواج فقال الصالحات للصالحين تلذونهن مثل لذاتكم في الدنيا ويلذونكم غير ان لا توالد ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن كيفية إتيان الوحي اليه فقال: "يأتيني أحيانا مثل صلصلة الجرس وهو أشده على فيفصم عنى وقد وعيت ما قال وأحيانا يتمثل لى الملك رجلا" متفق عليه.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن شبه الولد بأبيه تارة وبأمه تارة فقال إذا سبق ماء الرجل ماء المرأة كان الشبه له وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل فالشبه لها متفق عليه.
وأما ما رواه مسلم في صحيحه انه قال إذا علا ماء الرجل ماء المرأة أذكر الرجل بإذن الله وإذا علا ماء المرأة ماء الرجل انت بإذن الله فكان شيخنا يتوقف في كون هذا اللفظ محفوظا ويقول المحفوظ هو اللفظ الاول والاذكار والإيناث ليس له سبب طبيعي وإنما هو بأمر الرب تبارك وتعالى للملك ان يخلقه كما يشاء ولهذا جعل مع الرزق والاجل والسعادة والشقاوة.
قلت: فإن كان هذا اللفظ محفوظا فلا تنافى بينه وبين اللفظ الاول ويكون سبق الماء سببا للشبه وعلوه على ماء الآخر سببا للإذكار والإيناث والله أعلم.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن اهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال هم منهم حديث صحيح ومراده صلى الله عليه وسلم بكونهم منهم التبعية في أحكام الدنيا وعدم الضمان لا التبعية في عقاب الآخرة فإن الله تعالى لا يعذب أحدا إلا بعد قيام الحجة عليه.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} فقال إنما إنما هو جبريل عليه السلام لم أره على صورته التي خلق عليها هاتين المرتين ذكره مسلم.
ولما نزل قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} سئل صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أيتكرر علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب فقال نعم ليكررن عليكم حتى تؤدوا إلى كل ذي حق حقه فقال الزبير: "والله إن الامر لشديد".
وسئل صلى الله عليه وسلم كيف يحشر الكافر على وجهه فقال أليس الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر أن يمشيه في الاخرة على وجهه.
وسئل صلى الله عليه وسلم هل تذكرون أهاليكم يوم القيامة فقال أما في ثلاث مواطن فلا يذكر أحد أحدا حيث يوضع الميزان حتى يعلم أيثقل ميزانه ام يخف وحيث يتطاير الكتب حتى يعلم كتابه من يمينه أومن شماله أومن وراء ظهره وحيث يوضع الصراط على جسر جهنم على حافتيه كلاليب وحسك يحبس الله به من يشاء من خلقه حتى يعلم أينجو أم لا ينجو.
وسئل صلى الله عليه وسلم يا رسول الله الرجل يحب القوم ولما يعمل بأعمالهم فقال: "المرء مع من أحب". وسئل صلى الله عليه وسلم عن الكوثر فقال: "هو نهر أعطانيه ربي في الجنة هو أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل فيه طيور أعناقها كأعناق الجزر قيل يا رسول الله إنها لناعمة" قال: "آكلها أنعم منها". وسئل صلى الله عليه وسلم عن اكثر ما يدخل الناس النار فقال الاجوفان الفم والفرج وعن أكثر ما يدخلهم الجنة فقال: "تقوى الله وحسن الخلق.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 2:02 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 2:58 am | |
| وسئل صلى الله عليه وسلم عن المرأة تتزوج الرجلين والثلاثة مع من تكون يوم القيامة فقال: "تخير فتكون مع احسنهم خلقا".
وسئل صلى الله عليه وسلم أي الذنب أعظم فقال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك قيل ثم ماذا قال أن تقتل ولدك خشية ان يطعم معك قيل ثم ماذا قال ان تزني بحليلة جارك".
وسئل صلى الله عليه وسلم أي الاعمال احب الى الله فقال: "الصلاة على وقتها وفي لفظ لاول وقتها قيل ثم ماذا قال الجهاد في سبيل الله قيل ثم ماذا قال بر الوالدين".
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله: {يَا أُخْتَ هَارُونَ} وبين عيسى وموسى عليهما السلام ما بينهما فقال: "كانوا يسمون بأنبيائهم وبالصالحين قبلهم".
وسئل صلى الله عليه وسلم عن أول أشراط الساعة فقال: "نار تحشر الناس من المشرق الى المغرب".
وهذه إحدى مسائل عبد الله بن سلام الثلاث والمسألة الثانية ما أول طعام يأكله أهل الجنة والثالثة سبب شبه الولد بأبيه وأمه فولدها الكاذبون وجعلوها كتابا مستقلا سموه مسائل عبد الله بن سلام وهي هذه الثلاثة في صحيح البخاري.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الاسلام فقال شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الايمان فقال "ان تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت" وسئل صلى الله عليه وسلم عن الاحسان فقال "ان تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ} فقال هم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون ويخافون ان لا يقبل منهم.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية فقال إن الله تعالى خلق آدم ثم مسح على ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون ثم مسح على ظهره فاستخرج منه ذرية فقال خلقت هؤلاء للنار وبعمل اهل النار يعملون فقال رجل يا رسول الله ففيم العمل فقال إن الله إذ خلق العبد للجنة استعمله بعمل اهل الجنة حتى يموت على عمل من اعمال اهل الجنة فيدخله الجنة وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل اهل النار حتى يموت على عمل من أعمال اهل النار فيدخل النار.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} فقال بل ايتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأى برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الادوية والرقى هل ترد من القدر شيئا فقال هي من القدر.
وسئل صلى الله عليه وسلم عمن يموت من أطفال المشركين فقال الله أعلم بما كانوا عاملين وليس هذا قولا بالتوقف كما ظنه بعضهم ولا قول بمجازاة الله لهم على ما يعلمه منهم أنهم عاملوه لو كانوا عاشوا بل هو جواب فصل وأن الله يعلم ما هم عاملوه وسيجازيهم على معلومه فيهم بما يظهر منهم يوم القيامة لا على مجرد علمه كما صرحت به سائر الاحاديث واتفق عليه أهل الحديث انهم يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع دخل الجنة ومن عصى دخل النار.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن سبأ هل هو أرض أم امرأة فقال ليس بأرض ولا امرأة ولكنه رجل ولد عشرة من العرب فتيامن منهم ستة وتشاءم منهم أربعة فأما الذين تشاءموا فلخم وجذام وغسان وعاملة وأما الذين تيامنوا فالازد والاشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار فقال رجل يا رسول الله وما أنما فقال الذين منهم خثعم وبجيلة.
وسئل عن قوله تعالى: {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} فقال صلى الله عليه وسلم "هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له".
وسئل عن افضل الرقاب يعنى في العتق فقال انفسها عند اهلها وأغلاها ثمنا وسئل صلى الله عليه وسلم عن افضل الجهاد فقال من عقر جواده وأريق دمه.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن افضل الصدقة فقال "ان تتصدق وانت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى" وسئل صلى الله عليه وسلم أي الكلام افضل فقال "ما اصطفى الله الملائكة سبحان الله وبحمده".
وسئل صلى الله عليه وسلم متى وجبت لك النبوة وفي لفظ متى كنت نبيا فقال وآدم بين الروح والجسد هذا هو اللفظ الصحيح والعوام يروونه بين الماء والطين قال شيخنا وهذا باطل وليس بين الماء والطين مرتبة واللفظ المعروف ما ذكرنا.
وذكر الامام احمد في مسنده ان اعرابيا ساله يا رسول الله اخبرني عن الهجرة اليك أينما كنت أم لقوم خاصة ام الى ارض معلومة ام إذا مت انقطعت فسأل ثلاث مرات ثم جلس فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسيرا ثم قال اين السائل قال ها هو ذا حاضر يا رسول الله قال الهجرة ان تهجر الفواحش ما ظهر منها وما بطن وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة ثم أنت مهاجر وإن مت في الحضر فقام آخر فقال يا رسول الله أخبرني عن ثياب أهل الجنة أتخلق خلقا ام تنسج نسجا؟ قال فضحك القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تضحكون من جاهل يسأل عالما فاستلبث رسول الله صلى الله عليه وسلم ساعة ثم قال اين السائل عن ثياب اهل الجنة فقال ها هو ذا يا رسول الله قال لا بل تنشق عنها ثمار الجنة ثلاث مرات.
وسئل صلى الله عليه وسلم انفضى الى نسائنا في الجنة وفي لفظ آخر هل نصل الى نسائنا في الجنة فقال "إي والذي نفسي بيده إن الرجل ليفضي في الغداة الواحدة الى مائة عذراء" قال الحافظ ابو عبد الله المقدسي رجال إسناده عندي على شرط الصحيح.
وسئل أنطأ في الجنة فقال نعم والذي نفسي بيده دحما دحما فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرا ورجال إسناده على شرط صحيح ابن حبان.
وفي معجم الطبراني انه سئل هل يتناكح اهل الجنة فقال بذكر لا يميل وشهوة لا تنقطع دحما دحما.
قال الجوهري: الدخك الدفع الشديد.
وفيه ايضا انه سئل صلى الله عليه وسلم أيجامع اهل الجنة فقال: "دحما دحما ولكن لا منى ولا منية".
وسئل صلى الله عليه وسلم أينام اهل الجنة فقال: "النوم أخو الموت وأهل الجنة لا ينامون".
وسئل صلى الله عليه وسلم هل في الجنة خيل فقال "إن دخلت الجنة أتيت بفرس من ياقوتة له جناحان فحملت عليه فطار بك في الجنة حيث شئت".
ص -275-؟
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} اين الناس يؤمئذ قال على جسر جهنم.
وسئل عن الايمان فقال إذا سرتك حسناتك وساءتك سيئاتك فأنت مؤمن.
وسئل عن الإثم فقال إذا حاك في قلبك شئ فدعه.
وسئل عن البر والاثم فقال البر ما اطمأن اليه القلب واطمأنت اليه النفس والاثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر.
وسأله عمر هل نعمل في شئ نستأنفه ام في شئ قد فرغ منه قال بل في شئ قد فرغ منه قال ففيم العمل قال يا عمر لا يدرك ذلك إلا بالعمل قال إذا نجتهد يا رسول الله.
وكذلك سأله سراقة بن مالك بن جعشم فقال يا رسول الله اخبرنا عن امرنا كأننا ننظر اليه أبما جرت به الاقلام وثبتت به المقادير أم بما يستأنف فقال لا بل بما جرت به الاقلام وثبتت به المقادير قال ففيم العمل إذا قال اعملو فكل ميسر قال سراقة فلا أكون ابدا أشد اجتهادا في العمل منى الان.
فصل: فتاوي إمام المفتين صلى الله عليه وسلم في الطهارة: وسئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء بماء البحر فقال هو الطهور ماؤه والحل ميتته.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض والنتن ولحوم الكلاب فقال: "الماء طهور لا ينجسه شئ".
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بالفلاة وما ينوبه من الدواب والسباع فقال: "إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شئ".
وسأله ابو ثعلبة فقال إنا بأرض قوم أهل كتاب وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم فقال إن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء واطبخوا فيها واشربوا.
وفي الصحيحين إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم قال لا تأكلوا فيها إلا ان لا تجدوا غيرها فاغسلوها ثم كلوا فيها.
وفي المسند والسنن أفتنا في آنية المجوس إذا اضطررنا اليها فقال إذا اضطررتم اليها فاغسلوها بالماء واطبخوا فيها.
وفي الترمذي سئل عن قدور المجوس فقال أنقوها غسلا واطبخوا فيها.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يخيل اليه انه يجد الشئ في الصلاة فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن المذى قال يجزئ منه الوضوء فقال له السائل فكيف بما أصاب ثوبي منه فقال يكفيك ان تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى انه أصاب منه صححه الترمذي.
وسئل صلى الله عليه وسلم عما يوجب الغسل وعن الماء يكون بعد الماء فقال ذاك المذى وكل فحل يمذى فتغسل من ذلك فرجك وأنثييك وتوضأ وضوءك للصلاة.
وسألته فاطمة بنت ابي حبيش فقالت إني امرأة استحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة فقال لا إنما ذلك عرق وليس بحيضة فإذا أقبلت حيضتك فدعى الصلاة فإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي.
وسئل عنها ايضا فقال النبي صلى الله عليه وسلم "تدع الصلاة أيام أقرائها التي كانت تحيض فيها ثم تغتسل وتتوضأ عند كل صلاة وتصوم وتصلي".
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الغنم فقال إن "شئت فتوضأ وإن شئت فلا تتوضأ".
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الابل فقال "نعم توضأ من لحوم الابل".
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مرابض الغنم فقال "نعم صلوا فيها".
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الابل فقال لا.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله ما تقول في رجل لقى امرأة لا يعرفها فليس يأتى الرجل من امرأته شئ إلا قد أتاه منها غير أنه لم يجامعها فأنزل الله تعالى هذه الاية: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "توضأ ثم صل" فقال معاذ: فقلت يا رسول الله أله خاصة أم للمؤمنين عامة قال بل للمؤمنين عامة.
وسألته أم سليم فقالت يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم نعم إذا رأت الماء فقالت ام سلمة أو تحتلم المرأة فقال تربت يداك فيم يشبهها ولدها وفي لفظ ان ام سليم سألت نبي الله صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأت المرأة ذلك فلتغتسل.
وفي المسند ان خولة بنت حكيم سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل فقال ليس عليها غسل حتى تنزل كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل.
وساله أمير المؤمنين علي بن ابي طالب كرم الله وجهه عن المذي فقال من المذي الوضوء ومن المني الغسل وفي لفظ إذ رأيت المذي فتوضأ واغسل ذكرك وإذا رأيت نضح الماء فاغتسل ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما فقال يغتسل وعن الرجل يرى انه قد احتلم ولم يجد البلل فقال لا غسل عليه ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجامع أهله ثم يكسل وعائشة جالسة فقال إنى أفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل ذكره مسلم.
وسألته ام سلمة فقالت يا رسول الله إني امرأة اشد ضفر رأسي أفأنقضه بغسل الجنابة فقال لا إنما يكفيك ان تحثى على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء ذكره مسلم وعند ابي داود واغمري قرونك عند كل حفنة.
وسأله صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت يا رسول الله إن لنا طريقا الى المسجد منتنة فكيف نفعل إذا مطرنا ققال أليس بعد طريق هي أطيب منها قلت بلى يا رسول الله قال هذه بهذه وفي لفظ أليس بعده ما هو أطيب منه قلت بلى قال فإن هذا يذهب بذاك ذكره أحمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم فقيل له إنا نريد المسجد فنطأ الطريق النجسة فقال الارض يطهر بعضها بعضا ذكره ابن ماجة.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع به فقال تحته ثم تقرضه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه متفق عليه وسئل صلى الله عليه وسلم عن فأرة وقعت في سمن فقال ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم ذكره البخاري ولم يصح فيه التفصيل بين الجامد والمائع.
وسألته صلى الله عليه وسلم ميمونة عن شاة ماتت فألقوا إهابها فقال هلا أخذتم مسكها فقالت نأخذ مسك شاة قد ماتت فقال لها صلى الله عليه وسلم إنما قال تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ} وإنكم لا تطعمونه إن تدبغوه تنتفعو به فأرسلت اليها فسلخت مسكها فدبغته فاتخذت منه قربة حتى تخرقت عندها ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن جلود الميتة فقال "ذكاؤها دباغها" ذكره النسائي.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الاسصتطابة فقال "أولا يجد أحدكم ثلاثة احجار حجران للصفحتين وحجر للمسر به" حديث حسن وعند مالك مرسلا أولا يجد احدكم ثلاثة احجار ولم يزد.
وساله سراقة عن التغوط فأمره ان يتنكب القبلة ولا يستقبلها ولا يستدبرها ولا يستقبل الريح وان يستنجي بثلاثة احجار ليس فيها رجيع أوثلاثة اعواد أوبثلاث حثيات من تراب ذكره الدارقطني.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الوضوء فقال اسبغ الوضوء وخلل بين الاصابع وبالغ في الاستنشاق إلا إن تكون صائما ذكره ابو داود.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمرو بن عنبسة فقال كيف الوضوء قال أما الوضوء فإنك إذا توضأت فغسلت كفيك فأنقيتهما خرجت خطاياك من بين أظافرك وأناملك فإذا تمضمضت واستنشقت وغسلت وجهك ويديك الى المرفقين ومسحت رأسك وغسلت رجليك اغتسلت من عامة خطاياك كيوم ولدتك امك ذكره النسائي وسأله صلى الله عليه وسلم أعرابي عن الوضوء فأراه ثلاثا ثلاثا ثم قال هكذا الوضوء فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم ذكره احمد.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في السبت 12 يونيو 2021, 2:03 pm عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المجلد الخامس الثلاثاء 25 أبريل 2017, 3:12 am | |
| وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله الرجل منا يكون في الصلاة فيكون منه الرويحة ويكون في الماء قلة فقال إذا فسا أحدكم فليتوضأ ولا تأتوا النساء في أعجازهن فإن الله لا يستحي من الحق ذكره الترمذي.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن المسح على الخفين فقال للمسافر ثلاثة ايام وللمقيم يوما وليلة.
وسأله صلى الله عليه وسلم ابن ابي عمارة فقال يا رسول الله امسح على الخفين فقال نعم قال يوما قال ويومين قال وثلاثة ايام قال نعم وما شئت ذكره ابو داود فطائفة من أهل العلم أخذت بظاهره وجوزوا المسح بلا توقيت وطائفة قالت هذا مطلق وأحاديث التوقيت مقيدة والمقيد يقضى على المطلق.
وسأله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال اكون في الرمل أربعة اشهر أوخمسة أشهر ويكون فينا النفساء والحائض والجنب فما ترى قال عليك بالتراب ذكره احمد.
وسأله صلى الله عليه وسلم أبو ذر إني أغرب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فقال إن الصعيد الطيب طهور ما لم تجد الماء عشر حجج فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك حديث حسن.
وسأله صلى الله عليه وسلم امير المؤمنين علي ابن ابي طالب كرم الله وجهه فقال انكسرت إحدى زندي فأمره ان يمسح على الجبائر ذكره ابن ماجة.
وقال ثوبان استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الغسل من الجنابة فقال اما الرجل فلينشر راسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر وأما المرأة فلا عليها ان لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات تكفيها ذكره ابو داود.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال إني أغتسلت من الجنابة وصليت الصبح ثم أصبحت فرأيت قدر موضع الظفر لم يصبه ماء فقال لو كنت مسحت عليه بيدك أجزاك ذكره ابن ماجه.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة عن الحيض فقال تأخذ إحداكن ماءها وسدرها فتطهر فتحسن الطهور تم تصب على رأسها فتدلكه دلكا شديدا حتى تبلغ شئون رأسها ثم تصب عليها الماء ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها.
وسألته صلى الله عليه وسلم عن غسل الجنابة فقال تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور ثم تصب الماء على رأسها فتدلكه حتى يبلغ شئون رأسها ثم تفيض الماء عليها.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل ما يحل لي من امرأتي وهي حائض فقال تشد عليها إزارها ثم شأنك بأعلاها ذكره مالك.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن مؤاكلة الحائض فقال واكلها ذكره الترمذي وسئل صلى الله عليه وسلم كم تجلس النفساء فقال تجلس اربعين يوما إلا ان ترى الطهر قبل ذلك ذكره الدارقطني
فتاوي إمام المفتين صلى الله عليه وسلم في الصلاة: وسأله صلى الله عليه وسلم ثوبان عن أحب الاعمال الى الله تعالى فقال عليك بكثرة السجود لله عزوجل فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة وحط بها عنك خطيئة ذكره مسلم وسأله عبد الله بن سعد أيما أفضل الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد فقال ألا ترى الى بيتي ما أقربه من المسجد فلأن أصلي في بيتي أحب الى من ان أصلي في المسجد إلا ان تكون صلاة مكتوبة ذكره ابن ماجة.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل في بيته فقال نوروا بيوتكم ذكره ابن ماجه.
وسئل صلى الله عليه وسلم متى يصلي الصبي فقال إذا عرف يمينه من شماله فمروه بالصلاة.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن قتل رجل مخنث يتشبه بالنساء فقال إنى نهيت عن قتل المصلين ذكره ابو داود.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلاة فقال للسائل صل معنا هذين اليومين فلما زالت الشمس أمر بلالا فأذن ثم أمره فأقام الظهر ثم أمره فأقام العصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية ثم امره فأقام المغرب حتى غابت الشمس ثم امره فأقام العشاء حين غاب الشفق ثم امره فأقام الفجر حين طلع الفجر فلما كان اليوم الثاني امره فأبرد بالظهر وصلى العصر والشمس مرتفعة أخرها فوق الذي كان وصلى المغرب قبل ان يغيب الشفق وصلى العشاء بعد ما ذهب ثلث الليل وصلى الفجر فأسفر بها ثم قال أين السائل عن وقت الصلاة فقال الرجل انا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وقت صلاتكم ما رأيتم ذكره مسلم.
وسئل صلى الله عليه وسلم هل من ساعة أقرب الى الله من الاخرى قال نعم أقرب ما يكون الرب عزوجل من العبد جوف الليل الاخر فإن استطعت ان تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة الوسطى فقال هي صلاة العصر وسئل صلى الله عليه وسلم هل في ساعات الليل والنهار ساعة تكره الصلاة فيها فقال نعم إذا صليت الصبح فدع الصلاة حتى تطلع الشمس فإنها تطلع بين قرني شيطان ثم صل فإن الصلاة محضورة متقبلة حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح فدع الصلاة فإن تلك الساعة تسجر جهنم وتفتح فيها أبوابها حتى ترتفع الشمس عن حاجبك الايمن فإذا زالت الشمس فالصلاة محضورة متقبلة حتى تصلى العصر ثم دع الصلاة حتى تغيب الشمس ذكره ابن ماجه وفيه دليل على تعلق النهي بفعل صلاة الصبح لا بوقتها.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال لا أستطيع أن آخذ شيئاص من القرآن فعلمني ما يجزيني فقال قل سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله اكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله فقال يا رسول الله هذا لله فما لي فقال قل اللهم ارحمني وعافني واهدني وارزقني فقال بيده هكذا وقبضها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هذا فقد ملأ يديه من الخير ذكره أوداود.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمران بن حصين وكان به بواسير عن الصلاة فقال صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك ذكره البخاري.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل أقرأ خلف الامام أو انصت قال بل أنصت فإنه يكفيك ذكره الدارقطني.
وسأله صلى الله عليه وسلم حطان فقال يا رسول الله إنا لا نزال سفرا فكيف نصنع بالصلاة فقال ثلاث تسبيحات ركوعا وثلاث تسبيحات سجودا ذكره الشافعي مرسلا.
وسأله صلى الله عليه وسلم عثمان بن ابي العاص فقال يا رسول الله إن الشيطان قد حال بين صلاتي وبين قراءتي يلبسها على فقال ذاك شيطان يقال هل خترب فإذا أحسسته فتعوذ بالله واتفل على يسارك ثلاثا قال ففعلت ذلك فأذهبه الله ذكره مسلم
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال أصلي في ثوبي الذي أتى فيه أهلي قال نعم إلا ان ترى فيه شيئا فتغسله.
وسأله صلى الله عليه وسلم معاوية بن حيدة يا رسول الله عوراتنا ما نأتى منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قال قلت يا رسول الله الرجل يكون مع الرجل قال إن استطعت أن لا يراها أحد فافعل قلت فالرجل يكون خاليا قال الله أحق ان يستحيا منه ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في الثوب الواحد قال أوكلكم يجد ثوبين متفق عليه.
وسأله صلى الله عليه وسلم سلمة بن الاكوع يا رسول الله إني اكون في الصيد فأصل وليس على إلا قميص واحد فقال فازرره وإن لم تجد إلا شوكة ذكره احمد وعند النسائي إنى اكون في الصيف وليس على إلا قميص.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل يا رسول الله أصلي في الفراء قال فأين الدباغ وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في القوس والقرن فقال اطرح القرن وصلى في القوس ذكره الدارقطني والقرن بالتحريك الجعبة.
وسألته ام سلمة هل تصلي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار فقال إذا كان الدرع سابلا يغطي ظهر قدميها ذكره ابو داود.
وسأله صلى الله عليه وسلم ابو ذر عن اول مسجد وضع في الارض قال المسجد الحرام فقال ثم أي قال المسجد الاقصى فقال كم بينهما قال اربعون عاما ثم الارض لك مسجد حيث أدركتك الصلاة فصل متفق عليه وذكر الحاكم في مستدركه ان جعفر بن ابي طالب سأله عن الصلاة في السفينة فقال صل فيها قائما إلا ان تخاف الغرق.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة فقال واحدة أو دع.
وسأله صلى الله عليه وسلم جابر عن ذلك فقال واحدة ولان تمسك عنها خير لك من مائة ناقة كلها سواد الحدق فقلت المسجد كان مفروشا بالحصباء فكان أحدهم يمسحه بيديه لموضع سجوده فرخص النبي في مسحه واحدة وندبهم الى تركها والحديث في المسند.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة فقال هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال يصلي أحدنا في منزله الصلاة ثم يأتى المسجد وتقام الصلاة أفأصلي معهم فقال لك سهم جمع ذكره ابو داود وسأله صلى الله عليه وسلم ابو ذر عن الكلب الاسود يقطع الصلاة دون الاحمر والاضفر فقال الكلب الاسود شيطان.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال يا رسول الله إنى صليت فلم أدر أشفعت أوأوترت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم ان يتلعب بكم الشيطان في صلاتكم من صلى فلم يدر اشفع ام اوتر فليسجد سجدتين فإنهما تمام صلاته ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم لأي شئ فضلت يوم الجمعة فقال لان فيها طبعت طينة ابيك آدم وفيها الصعقة والبعثة وفيها البطشة وفي آخر ثلاث ساعات منها ساعة من دعا الله فيها استجيب له.
وسئل ايضا عن ساعة الاجابة فقال حين تقام الصلاة الى الانصراف منها ولا تنافي بين الحديثين لأن ساعة الاجابة وإن كانت آخر ساعة بعد العصر فالساعة التي تقام فيها الصلاة أولى ان تكون ساعة الاجابة كما ان المسجد الذي اسس على التقوى هو مسجد قباء ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم اولى بذلك منه وهو اولى من جمع بينهما بتنقلها فتأمل.
وسئل صلى الله عليه وسلم يا رسول الله اخبرنا عن يوم الجمعة ما فيه من الخير فقال فيه خمس خلال فيه خلق آدم وفيه أهبط آدم الى الارض وفيه توفي الله آدم وفيه ساعة لا يسأل الله العبد فيها شيئا إلا اعطاه إياه ما لم يسأل إثما أو قطيعة رحم وفيه تقوم الساعة فما من ملك مقرب ولا سماء ولا أرض ولا جبال ولا حجر إلا وهو مشفق من يوم الجمعة ذكره احمد والشافعي.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال مثنى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة متفق عليه وسأله أبو أمامة بكم أوتر قال بواحدة قال إني أطيق اكثر من ذلك قال ثلاث ثم قال بخمس ثم قال بسبع وفي الترمذي انه سئل عن الشفع والوتر هي الصلاة بعضها شفع وبعضها وتر وفي سنن الدارقطني ان رجلا سأله عن الوتر فقال افصل بين الواحدة والثنتين بالسلام.
وسئل صلى الله عليه وسلم أي الصلاة افضل قال طول القنوت ذكره احمد.
وسئل أي القيام أفضل قال نصف الليل وقليل فاعله.
وسئل صلى الله عليه وسلم هل من ساعة اقرب الى الله من الاخرى قال نعم جوف الليل الاوسط ذكره النسائي.
فصل: فتاوي إمام المفتين صلى الله عليه وسلم في الموت وسئل صلى الله عليه وسلم عن موت الفجاءة فقال راحة للمؤمن وأخذة أسف للفاجر ذكره احمد ولهذا لم يكره احمد موت الفجاءة في إحدى الروايتين عنه وقد روى عنه كراهتها وروى في مسنده ان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بجدار أوحائط مائل فأسرع المشي فقيل له في ذلك فقال إني اكره موت الفوات ولا تنافي بين الحديثين فتأمله.
وسئل تمر بنا جنازة الكافر أفنقوم لها قال نعم إنكم لستم تقومون لها إنما تقومون إعظاما للذي يقبض النفوس ذكره احمد وقام لجنازة يهودية فسئل عن ذلك فقال إن للموت فزعا فإذا رأيتم جنازة فقوموا وسئل عن امرأة اوصت ان يعتق عنها رقبة مؤمنة فدعا بالرقبة فقال من ربك قالت الله قال من انا قالت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنه ذكره ابو داود.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر رضى الله عنه هل ترد إلبنا عقولنا في القبر وقت السؤال فقال نعم كهيئتكم اليوم ذكره احمد.
وسئل عن عذاب القبر فقال نعم عذاب القبر حق.
فصل فتاوي إمام المفتين صلى الله عليه وسلم في الزكاة: وسئل صلى الله عليه وسلم عن صدقة الابل فقال ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها ومن حقها حلبها يوم ورودها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عليه اولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما الى الجنة وإما الى النار.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن البقر فقال ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مرت عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما الى الجنة وإما الى النار.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن البقر فقال ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر لا يفقد منها شيئا ليس فيها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مرت عليه أولاها رد عليه أخراها في يوم كان مقداره خمسين الف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما الى الجنة وإما الى النار.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الخيل فقال الخيل ثلاثة هي لرجل وزر ولرجل ستر ولرجل أجر فأما الذي له أجر فرجل ربطها في سبيل الله فأطال لما في مرج أوروضة فما أصابت في طيلها ذلك من المرج أوالروضة كانت له حسنات ولو أنه انقطع طيلها فاستنت شرفا أوشرفين كانت له آثارها وأرواثها حسنات ولو أنها مرت بنهر فشربت منه ولم يرد ان يسقيها كانت له حسنات فهى لذلك الرجل اجر ورجل ربطها تغنيا وتعففا ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها فهى لذلك الرجل ستر ورجل ربطها فخرا ورياء ونواء لاهل الاسلام فهى على ذلك وزر.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال ما أنزل على فيها إلا هذه الاية الجامعة الفاذة فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ذكره مسلم.
وسألته صلى الله عليه وسلم ام سلمة فقالت إني البس أوضاحا من ذهب أكنز هو قال ما بلغ ان تؤدي زكاته فزكي فليس بكنز ذكره مالك وسئل صلى الله عليه وسلم أفي المال حق سوى الزكاة قال نعم ثم قرأ: "وآتى المال على حبه" ذكره الدارقطني.
وسألته صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت إن لي حليا وإن زوجي خفيف ذات اليد وإن لي ابن أخ أفيجزئ عني ان أجعل زكاة الحلي فيهم قال نعم.
وذكر ان ماجة ان ابا سيارة ساله فقال إن لي نخلا فقال اد العشر فقلت يا رسول الله احمها لي فحماها لي وسأله صلى الله عليه وسلم العباس عن تعجيل زكاته قبل ان يحول الحول فإذن له في ذلك ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن زكاة الفطر فقال هي على كل مسلم صغيرا أو كبيرا حرا أو عبدا صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو أقط.
وسأله صلى الله عليه وسلم أصحاب الاموال فقالوا إن أصحاب الصدقة يعتدون علينا أفنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون علينا قال لا ذكره ابو داود.
وسأله صلى الله عليه وسلم رجل فقال إنى ذو مال كثير وذو أهل وولد وحاضرة فأخبرني كيف انفق وكيف امنع فقال تخرج الزكاة من مالك فإنها طهرة تطهرك وتصل بها رحمك وأقاربك وتعرف حق السائل والجار والمسكين فقال يا رسول الله أقلل في قال فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيرا فقال حسبي وقال يا رسول الله إذا أديت الزكاة الى رسولك فقد برئت منها الى الله ورسوله قال رسول الله نعم اذا اديتها الى رسولي فقد برئت منها ولك أجرها وإثمها على من بدلها ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم عن الصدقة على ابي رافع مولاه فقال إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة وإن مولى القوم من انفسهم ذكره احمد.
وسأله صلى الله عليه وسلم عمر عن ارضه بخيبر واستفتاه ما يصنع فيها وقد اراد ان يتقرب بها الى الله فقال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ففعل وتصدق عبد الله بن زيد بحائط له فأتاه ابواه فقالا يا رسول الله إنها كانت قيم وجوهنا ولم يكن لنا مال غيره فدعا عبد الله فقال إن الله قد قبل منك صدقتك وردها على ابويك فتوارثاها بعد ذلك ذكره النسائي.
وسئل صلى الله عليه وسلم أي الصدقة افضل فقال المنيحة ان يمنح أحدكم الدرهم أو ظهر الدابة أو لبن الشاة أولبن البقرة ذكره احمد.
وسئل صلى الله عليه وسلم مرة عن هذه المسألة فقال جهد المقل وأبدأ بمن تعول ذكره ابو داود. تم بحمد الله الانتهاء من نسخ وتنسيق كتاب إعلام الموقعين عن رب العالمين بواسطة إدارة المنتدى |
|
| |
| المجلد الخامس | |
|