الباب العشرون: في الظلم وشؤمه وسوء عواقبه وذكر الظلمة وأحوالهم وغير ذلك
قال الله تعالى: (ألا لعنة الله على الظالمين) وقال تعالى: (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون) قيل هذه تسلية للمظلوم ووعيد للظالم وقال تعالى: (أنا اعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سرادقها) وقال تعالى: (وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون) وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم خرج من الأسلام" وقال أيضاً: "رحم الله عبداً كان لأخيه قبله مظلمة في عرض أو مال فأتاه فتحلله منها قبل أن يأتي يوم القيامة وليس معه دينار ولا درهم"، وقال ايضاً: "مَنْ اقتطع حق امرىء مسلم أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال له رجل يا رسول الله: ولو كان شيئاً يسيراً؟ قال: "ولو كان قضيباً من أراك" وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أوحي الله تعالى إلي يا أخا المرسلين يا أخا المنذرين أنذر قومك فلا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد من عبادي عند احد منهم مظلمة فإني ألعنه مادام قائماً يصلي بين يدي حتى يرد تلك الظلامة إلى أهلها فأكون سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويكون من أوليائي وأصفيائي ويكون جاري مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين في الجنة"، وعن علي رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إياك ودعوة المظلوم فإنما يسأل الله تعالى حقه"، وعنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "ما من عبد ظلم فشخص ببصره إلى السماء إلا قال الله عز وجل لبيك عبدي حقاً لأنصرنك ولو بعد حين"، وعنه أيضاً أنه قال: "الا إن الظلم ثلاثة فظلم لا يغفر وظلم لا يترك وظلم مغفور لا يطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله والعياذ بالله تعالى قال الله تعالى: (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمَن يشاء)، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم العباد بعضهم بعضاً وأما الظلم المغفور الذي لا يُطلب فظلم العبد نفسه".
ومر رجل برجل قد صلبه الحجاج فقال: يا رب إن حلمك على الظالمين أحل المظلومين فنام تلك الليلة فرأى في منامه أن القيامة قد قامت وكأنه قد دخل الجنة فرأى ذلك المصلوب في أعلي عليين وإذا مناد ينادي حلمي على الظالمين قد أضر بالظلومين في أعلي عليين.
وقيل من سلب نعمة غيره سلب نعمته غيره، وسمع مسلم بن بشار رجلاً يدعو على مَنْ ظلمه فقال له: كل الظالم إلى ظلمه فهو أسرع فيه من دعائك.
ويقال من طال عدوانه زال سلطانه، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.
ورئي لوح في أفق السماء مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله وتحته هذا البيت:
( فلم أر مثل العدل للمرء رافعا ... ولم أر مثل الجور للمرء واضعا )
وقال الشاعر:
( كنت الصحيح وكنا منك في سقم ... فإن سقمت فإنا السالمون غدا )
( دعت عليك أكف طالما ظلمت ... ولن ترد يد مظلومة أبدا )
وكان معاوية يقول إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصرا إلا الله، وقال أبو العيناء كان لي خصوم ظلمة فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود وقلت قد تضافروا علي وصاروا يداً واحدة فقال يد الله فوق ايديهم فقلت له إن لهم مكراً فقال ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله قلت هم فئة كثيرة فقال كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله.
وقال يوسف بن إسباط من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصي الله في أرضه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال أبو القاسم: "من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه وإن كان أخاه لأبيه وأمه" وقال مجاهد يسلط الله على أهل النار الجرب فيحكون أجسادهم حتى تبدو العظام فيقال لهم هل يؤذيكم هذا فيقولون إي والله فيقال لهم هذا بما كنتم تؤذون المؤمنين.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: لما كشف الله العذاب عن قوم يوسف عليه السلام ترادوا المظالم بينهم حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه فيرده إلى صاحبه.
وقال أبو ثور بن يزيد الحجر في البنيان من غير حلة عربون على خرابة وقال غيره لو أن الجنة وهي دار البقاء أسست على حجر من الظلم لأوشك أن تخرب.
وقال بعض الحكماء اذكر عند الظلم عدل الله فيك وعند القدرة قدرة الله عليك لا يعجبك رحب الذراعين سفاك الدماء فإن له قاتلا لا يموت.
وقال سحنون بن سعيد كان يزيد بن حاتم يقول ما هبت شيئا قط هيبتي من رجل ظلمته وأنا أعلم أن لا ناصر له ألا الله فيقول حسبك الله الله بيني وبينك.
وقال بلال بن مسعود اتق الله فيمن لا ناصر له إلا الله، وبكي علي بن الفضل يوما فقيل له ما يبكيك قال أبكي على من ظلمني إذا وقف غداً بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة.
وروى أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقول الله تعالى: اشتد غضبي علي مَنْ ظلم مَنْ لا يجد له ناصر غيري.
ونادى رجل سليمان ابن عبد الملك وهو على المنبر يا سليمان اذكر يوم الأذان فنزل سليمان من على المنبر ودعا بالرجل فقال له ما يوم الأذان فقال قال الله تعالى: (فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين) قال: فما ظلامتك؟ قال أرض لي بمكان كذا وكذا أخذها وكيلك فكتب إلى وكيله ادفع إليه أرضه وأرضاً مع أرضه.
وروى أن كسرى أنوشروان كان له معلم حسن التأديب يعلمه حتى فاق في العلوم فضربه المعلم يوماً من غير ذنب فأوجعه فحقد أنوشران عليه فلما ولي الملك قال للمعلم ما حملك على ضربي يوم كذا وكذا ظلماً؟ فقال له: لما رأيتك ترغب في العلم رجوت لك المُلك بعد أبيك فأحببت أن اذيقك طعم الظلم لئلا تظلم، فقال أنوشروان زه زه.
وقال محمد بن سويد وزير المأمون
( فلا تأمنن الدهر حرا ظلمته ... فما ليل حر إن ظلمت بنائم )
وروى أن بعض الملوك رقم على بساطه:
( لا تظلمن إذا ما كنت مقتدرا ... فالظلم مصدره يفضي إليه الندم
( تنام عيناك والمظلوم منتبه ... يدعو عليك وعين الله لم تنم )
وما أحسن ما قال الاخر:
( أتهزأ بالدعاء وتزدريه ... وما تدري بما صنع الدعاء )
( سهام الليل نافذة ولكن ... لها أمد وللأمد انقضاء )
( فيمسكها إذا ما شاء ربي ... ويرسلها إذا نفذ القضاء )
وقال أبو الدرداء:
اياك ودمعة اليتيم ودعوة المظلوم فانها تسري بالليل والناس نيام.
وقال الهيثم ابن فراس السامي من بني سامة بن لؤي في الفضل بن مروان:
( تجبرت يا فضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك كان الفضل والفضل والفضل )
( ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادهم الموت المشتت والقتل )
يريد الفضل بن الربيع والفضل بن يحيى والفضل بن سهل.
ووجد تحت فراشي يحيى بن خالد البرمكي رقعة مكتوب فيها:
( وحق الله ان الظلم لؤم ... وأن الظلم مرتعه وخيم )
( الى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم )
ووجد القاسم بن عبيد الله وزير المكتفي في مصلاه رقعة مكتوبا فيها:
( بغي وللبغي سهام تنتظر ... )
( أنفذ في الاحشاء من وخز الابر )
( سهام أيدي القانتين في السحر )
وقال المنصور بن المعتمر لابن هبيرة حين اراد ان يوليه القضاء ما لإلي هذا بعدما حدثني ابراهيم، قال وما حدثك ابراهيم؟ قال حدثني عن علقمة عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان يوم القيامة نادى مناد اين الظلمة وأعوان الظلمة وأشياع الظلمة حتى من برى لهم قلماً أو لاق لهم دواة فيجمعون في تابوت من حديد ثم يرمي بهم في نار جهنم".
وروى هرون بن محمد بن عبد الملك الزيات قال جلس ابي للمظالم يوماً فلما انقضى المجلس رأى رجلاً جالساً فقال له ألك حاجة؟ قال نعم ادنني إليك فاني مظلوم وقد أعوزني العدل والإنصاف، قال ومن ظلمك؟ قال انت ولست أصل اليك فاذكر حاجتي، قال وما يحجبك وقد ترى مجلسي مبذولاً؟ قال يحجبني عنك هيبتك وطول لسانك وفصاحتك، قال ففيم ظلمتك؟ قال في ضيعتي الفلانية أخذها وكيلك غصباً مني بغير ثمن فإذا وجب عليها خراج أديته باسمي لئلا يثبت لك اسم في ملكها فيبطل ملكي فوكيلك يأخذ غلتها وأنا أؤدي خراجها وهذا لم يسمع بمثله في المظالم، فقال له محمد هذا قول تحتاج معه إلى بينة وشهود أشياء، فقال له الرجل أيؤمنني الوزير من غضبه حتى أجيب؟ قال نعم قد أمنتك، قال البينة هم الشهود واذا شهدوا فليس يحتاج معهم إلى شيء آخر فما معنى قولك بينة وشهود وأشياء وأي شيئ هذه الأشياء إن هي إلا الجور وعدولك عن العدل، فضحك محمد وقال صدقت والبلاء موكل بالمنطق واني لارى فيك مصطنعاً، ثم وقع له مائة دينار يستعين بها على عمارة ضيعته وصيره من أصحابه فكان قبل أن يتوصل إلى الإنصاف وإعادة ضيعته له يقال له يا فلان كيف الناس؟ فيقول بشر بين مظلوم لا ينصر وظالم لا ينتصر، فلما صار من أصحاب محمد ابن عبد الملك ورد عليه ضيعته وأنصفه قال له ليلة كيف الناس الآن؟ قال بخير، قال اعتمدت معهم الإنصاف ورفعت عنهم الإجحاف ورددت عليهم الغصوب وكشفت عنهم الكروب وأنا أرجو لهم ببقائك نيل كل مرغوب والفوز بكل مطلوب.
ومما نقل في الاثار الاسرائيلية في زمان موسى صلوات الله وسلامه عليه أن رجلاً من ضعفاء بني إسرائيل كان له عائلة وكان صياداً يصطاد السمك ويقوت منه أطفاله وزوجته فخرج يوماً للصيد فوقع في شبكته سمكة كبيرة ففرح بها ثم أخذها ومضي إلى السوق ليبيعها ويصرف ثمنها في مصالح عياله فلقيه بعض العوانية فرأى السمكة معه فأراد أخذها منه فمنعه الصياد فرفع العواني خشبة كانت بيده فضرب بها رأس الصياد ضربة موجعة وأخذ السمكة منه غصباً بلا ثمن فدعا الصياد عليه وقال إلهي جعلتني ضعيفاً وجعلته قوياً عنيفاً فخذ لي بحقي منه عاجلاً فقد ظلمني ولا صبر لي إلى الآخرة، ثم إن ذلك الغاصب الظالم انطلق بالسمكة إلى منزله وسلّمها إلى زوجته وأمرها أن تشويها فلما شوتها قدمتها له ووضعتها بين يديه على المائدة ليأكل منها ففتحت السمكة فاها ونكزته في أصبع يده نكزة طار بها عقله وصار لا يقر بها قراره فقام وشكا الى الطبيب ألم يده وما حل به فلما رآها قال له دواؤها أن تقطع الأصبع لئلا يسري الألم إلى بقية الكف، فقطع أصبعه فانتقل الألم والوجع الى الكف واليد وازداد التألم وارتعدت من خوفه فرائصه، فقال له الطبيب ينبغي أن تقطع اليد إلى المعصم لئلا يسري الألم إلى الساعد، فقطعها فانتقل الألم الى الساعد فما زال هكذا كلما قطع عضواً انتقل الألم إلى العضو الآخر الذي يليه فخرج هائماً على وجهه مستغيثاً إلى ربه ليكشف عنه ما نزل به فرأى شجرة فقصدها فأخذه النوم عندها فنام فرأى في منامه قائلاً يقول: يا مسكين إلى كم تقطع أعضاءك امض إلى خصمك الذي ظلمته فارضه، فانتبه من النوم وفكر في أمره فعلم أن الذي أصابه من جهة الصياد فدخل المدينة وسأل عن الصياد وأتي إليه فوقع بين يديه يتمرغ على رجليه وطلب منه الإقالة مما جناه ودفع إليه شيئاً من ماله وتاب من فعله فرضي عنه خصمه الصياد فسكن في الحال ألمه وبات تلك الليلة فرد الله تعالى عليه يده كما كانت ونزل الوحى على موسى عليه السلام: يا موسى وعزتي وجلالي لولا أن ذلك الرجل أرضى خصمه لعذبته مهما امتدت به حياته.
ومما تضمنته أخبار الأخيار ما رواه أنس رضي الله عنه قال بينما أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قاعداً إذ جاءه رجل من أهل مصر فقال يا أمير المؤمنين هذا مقام العائذ بك فقال عمر رضي الله عنه: لقد عذت بمجير فما شأنك؟ فقال سابقت بفرسي ابناً لعمرو بن العاص وهو يومئذ أمير على مصر فجعل يقنعني بسوطه ويقول أنا ابن الأكرمين فبلغ ذلك عمراً أباه فخشي أن آتيك فحبسني في السجن فانفلت منه فهذا الحين أتيتك فكتب لعمرو بن العاص إذا أتاك كتابي هذا فاشهد الموسم أنت وولدك فلان وقال للمصري أقم حتى يأتيك فأقام حتى قدم عمرو وشهد موسم الحج فلما قضى عمر الحج وهو قاعد مع الناس وعمرو بن العاص وابنه إلى جانبه قام المصري فرمي إليه عمر رضي الله عنه بالدرة قال أنس رضي الله عنه فلقد ضربه ونحن نشتهي أن يضربه فلم ينزع حتى أحببنا أن ينزع من كثرة ما ضربه وعمر يقول اضرب ابن الأكرمين قال يا أمير المؤمنين قد استوفيت واشتفيت قال ضعها على ضلع عمرو فقال يا أمير المؤمنين لقد ضربت الذي ضربني قال أما والله لو فعلت ما منعك أحد حتى تكون أنت الذي تنزع ثم أقبل على عمرو بن العاص وقال يا عمرو متى تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم احراراً فجعل عمرو يعتذر إليه ويقول إني لم أشعر بهذا.
وقيل لما ظلم أحمد بن طولون قبل أن يعدل استغاث الناس من ظلمه وتوجهوا إلى السيدة نفيسة يشكونه إليها فقالت لهم متى يركب قالوا في غد فكتبت رقعة ووقفت بها في طريقه وقالت يا أحمد يا ابن طولون فلما رآها عرفها فترجل عن فرسه وأخذ منها الرقعة وقرأها فإذا فيها ملكتم فأسرتم وقدرتم فقهرتم وخولتم فعسفتم وردت اليكم الأرزاق فقطعتم هذا وقد علمتم أن سهام الاسحار نافذة غير مخطئة لاسيما من قلوب أوجعتموها وأكباد جوعتموها وأجساد عريتموها فمحال أن يموت المظلوم ويبقي الظالم اعملوا ما شئتم فإنا صابرون وجوروا فإنا بالله مستجيرون واظلموا فإنا إلى الله متظلمون وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، قال فعدل لوقته.
وحكى أن الحجاج حبس رجلاً في حبسه ظلماً فكتب إليه رقعة فيها قد مضي من بؤسنا أيام ومن نعيمك أيام والموعد القيامة والسجن جهنم والحاكم لا يحتاج الى بينة.
وكتب في آخرها:
( ستعلم يا نؤم إذا التقينا ... غدا عند الإله من الظلوم )
( أما والله إن الظلم لؤم ... وما زال الظلوم هو الملوم )
( سينقطع التلذذ عن أناس ... أداموه وينقطع النعيم )
( إلى ديان يوم الدين نمضي ... وعند الله تجتمع الخصوم )
وحكى أبو محمد الحسين بن محمد الصالحي قال كنا حول سرير المعتضد بالله ذات يوم نصف النهار فنام بعد أن اكل فانتبه منزعجاً وقال يا خدم فأسرعنا الجواب فقال ويلكم أعينوني والحقوا بالشط فأول ملاح ترونه منحدراً في سفينة فارغة فأقبضوا عليه وائتوني به ووكلوا بالسفينة مَنْ يحفظها فأسرعنا فوجدنا ملاحاً في سفينة منحدرة وهي فارغة فقبضنا عليه ووكلنا بها مَنْ يحفظها وصعدنا به إلى المعتضد فلما رآه الملاح كاد يتلف فصاح عليه المعتضد صيحة عظيمة كادت روحه تذهب منها وقال أصدقني يا ملعون عن قضيتك مع المرأة التى قتلتها اليوم وإلا ضربت عنقك، فتلعثم وقال نعم كنت سحراً في المشرعة الفلانية فنزلت إمرأة لم أر مثلها عليها ثياب فاخرة وحلي كثيرة وجواهر فطمعت فيها واحتلت عليها حتى سددت فمها وأغرقتها وأخذت جميع ما كان عليها ثم طرحتها في الماء ولم أجسر على حمل سلبها إلى داري لئلا يفشو الخبر علي فعولت على الهروب والانحدار إلى واسط فصبرت إلى أن خلا الشط في هذه الساعة من الملاحين وأخذت في الانحدار فتعلق بي هؤلاء القوم فحملوني إليك، فقال وأين الحلى والسلب؟ قال في صدر السفينة تحت البواري، قال المعتضد علي به الساعة فحضروا به فأمر بتغريق الملاح، ثم أمر أن ينادي ببغداد مَنْ خرجت له أمرأة إلى المشرعة الفلانية سحراً وعليها ثياب فاخرة وحُلي فليحضر، فحضر في اليوم الثاني ثلاثة من أهلها وأعطوا صفتها وصفة ما كان عليها فسلم ذلك اليهم، قال: فقلت يا مولاى من أين علمت أو أوحى اليك بهذه الحالة وأمر هذه الصبية؟ فقال بل رأيت في منامي رجلاً شيخاً أبيض الرأس واللحية والثياب وهو ينادي يا أحمد أول ملاح ينحدر الساعة فاقبض عليه وقرره على المرأة التى قتلها اليوم ظلماً وسلبها ثيابها وأقم عليه الحد ولا يفتك، فكان ما شاهدتم.
فيتعين على كل ولي أمر أن يعدل في الأحكام وأن يتبصر في رعيته وعلى كل غافل أن يكف يده عن الظلم ويسلك سنن العدل ويعامل بالنصفة ويراقب الله في السر والعلانية ويعلم أن الله يُجازي على الخير والشر ويُعاقب الظالم على ظلمة وينتصر للمظلوم ويأخذ له حقه ممَّنْ ظلمه واذا أخذ الظالم لم يفلته والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين والحمد لله رب العالمين.