أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: الباب الثلاثون في الخير والصلاح وذكر السادة الصحابة وذكر الأولياء والصالحين السبت 24 نوفمبر 2018, 8:23 pm | |
| الباب الثلاثون في الخير والصلاح وذكر السادة الصحابة وذكر الأولياء والصالحين رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
اعلم... أن أفضل الخلق بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي رضي الله عنهم أجمعين وفضائلهم أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر وإني والله أحبهم وأحب من يحبهم وأسأل الله أن يميتني على محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- محمد ومحبتهم وأن يحشرنا في زمرتهم وتحت ألويتهم إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير
شعر ( إني أحب أبا حفص وشيعته ... كما أحب عتيقا صاحب الغار ) ( وقد رضيت عليا قدوة علما ... وما رضيت بقتل الشيخ في الدار ) ( كل الصحابة ساداتى ومعتقدي ... فهل علي بهذا القول من عار )
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أصبح منكم اليوم صائما فقال أبو بكر أنا يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمن أطعم اليوم منكم مسكينا فقال أبو بكر أنا قال فمن عاد منكم اليوم مريضا قال أبو بكر أنا فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما اجتمعن في أحد إلا دخل الجنة وقال لو كان بعدى نبي لكان عمر وقال له النبي -صلى الله عليه وسلم- والذي بعثني بالحق بشيرا ما سلكت واديا إلا سلك الشيطان واديا غيره ولما أسلم رضي الله عنه قال يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ألسنا على الحق قال بلى قال والذي بعثك بالحق نبيا لا نعبد الله سرا بعد هذا اليوم ولما قدم عمر رضي الله عنه الشام وقف على طور سيناء فأرسل البطريق عظيما لهم وقال أنظر إلى ملك العرب فرآه على فرس وعليه جبة صوف مرقعة مستقبل الشمس بوجهة ومخلاته في قربوس السرج وعمر يدخل يده فيها ويخرج فلق خبز يابس يمسحها من التبن ويلوكها فوصفة البطريق فقال لا ترى بمحاربة هذا طاقة أعطوه ما شاء.
وأما أمير المؤمنين عثمان رضي الله تعالى عنه ففضائلة كثيرة ومناقبه شهيرة فهو جامع القرآن ومن استحيت منه ملائكة الرحمن رضي الله عنه وقال جميع بن عمير دخلت على عائشة رضي الله عنها فقلت لها أخبرتني من كان أحب الناس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالت فاطمة قلت إنما أسألك عن الرجال قالت زوجها فوالله لقد كان صواما قواما ولقد سألت نفس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في يده فردها إلى فيه قلت فما حملك على ما كان فأرسلت خمارها على وجهها وبكت وقالت أمر قضي علي وقال معاوية لضرار بن حمزة الكناني صف لي عليا فاستعفي فألح عليه فقال أما إذن فلا بد إنه والله كان بعيد المدى شديد القوى يتفجر العلم من جوانبه وتنطق الحكمة من نواحيه يستوحش من الدنيا وزهرتها ويستأنس بالليل وظلمته كان والله غزيرة العبرة طويل الفكرة يقلب كفه ويعاتب نفسه يعجبه من اللباس ما قصر ومن الطعام ما خشن وكان والله يجيبنا إذا سألناه ويأتينا إذا دعوناه ونحن والله مع تقريبه لنا وقربة منا لا نكلمه هيبة له يعظم أهل الدين ويحب المساكين لا يطمع القوي في باطلة ولا ييأس الضعيف من عدله فاشهد الله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخي الليل سدولة وغارت نجومه وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته يتململ تململ الخائف ويبكي بكاء الحزين فكاني الآن اسمعه يقول يا دنيا إلى تعرضت أم إلي تشوقت هيهات غرى غيرى لقد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك فعمرك قصير وعيشك حقير وخطرك كبير آه من قلة الزاد ووحشة الطريق قال فوكفت دموع معاوية حتى ما يملكها على لحيته وهو يمسحها وقد اختنق القوم بالبكاء وقال رحم الله أبا الحسن كان والله كذلك فكيف حزنك عليه يا ضرار قال حزني عليه والله حزن من ذبح ولدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا تسكن حيرتها ثم قام فخرج وقيل أول من سل سيفا في سبيل الله تعالى الزبير بن العوام رضي الله عنه وذلك أنه صاح على أهل مكة ليلا صائح فقال قتل محمد فخرج متجردا وسيفه معه صلتا فتلقاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال ما لك يا زبير قال سمعت أنك قتلت قال فماذا أردت أن تصنع قال أردت والله أن أستعرض على أهل مكة وروى أحبط بسيفي من قدرت عليه فضمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى الله عليه و سلم وأعطاه أزرارا له فاستتر به وقال له أنت حواريي ودعا له.
قال الأوزاعي كان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهم بل كان يتصدق بها وباع دارا له بستمائة ألف درهم فقيل له يا أبا عبد الله غبنت قال كلا والله لم أغبن أشهدكم أنها في سبيل الله تعالى وهبط جبريل عليه السلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم أحد فقال من حملك على ظهره وكان حمله على ظهره طلحة حتى استقل على الصخر قال طلحة قال أقرئه السلام وأعلمه أني لا أراه يوم القيامة في هول من أهوالها إلا استنقذته منه من هذا الذي عن يمينك قال المقداد بن الأسود قال إن الله يحبه ويأمرك أن تحبه من هذا الذي بين يديك يتقي عنك قال عمار بن ياسر قال بشره بالجنة حرمت النار عليه ومر أبو ذر على النبي -صلى الله عليه وسلم- ومعه جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي فلم يسلم فقال جبريل هذا أبو ذر لو سلم لرددنا عليه فقال أتعرفه يا جبريل قال والذي بعثك بالحق نبيا لهو في ملكوت السموات السبع أشهر منه في الأرض قال بم نال هذه المنزلة قال بزهده في هذه الحطام الفانية وقال ابن عمر رضي الله عنهما سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول إن الله ليدفع بالمسلم الصالح عن ألف بيت من جيرانه البلاء ثم قرأ ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض ) الآية وقال أبو بكر السفاح لأبي بكر الهذلي بم بلغ الحسن ما بلغ قال جمع كتاب الله تعالى وهو ابن اثنتي عشرة سنة لم يجاوز سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها ولم يقلب درهما قط في تجارة ولم يل عملا لسلطان ولم يأمر بشيء حتى يفعله ولم ينه عن شيء حتى يدعه قال السفاح بهذا بلغ وقال الجاحظ كان الحسن يستثني من كل غاية فيقال فلان أزهد الناس إلا الحسن وأفقه الناس إلا الحسن وأفصح الناس إلا الحسن وأخطب الناس إلا الحسن وقال بعضهم كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس لأن عمر ملك الدنيا فزهد فيها وأويس لم يملكها فقيل لو ملكها لفعل كما فعل عمر فقال ليس من لم يجرب كمن جرب وقال أنس في ثابت البناني إن للخير مفاتيح وإن ثابتا من مفاتيح الخير وكان حبيب الفارسي من أخيار الناس وهو الذي اشترى نفسه من ربه أربع مرات بأربعين ألفا كان يخرج البدرة فيقول يا رب اشتريت نفسي منك بهذه ثم يتصدق بها وكان أيوب السختياني من أزهد الناس وأورعهم ذكر عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى فقال رحم الله أيوب لقد شهدت منه مقاما عند منبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أذكر ذلك المقام إلا اقشعر جلدي وقال سفيان الثوري جهدت جهدي على ان اكون في السنة ثلاثة ايام على ما عليه ابن المبارك فلم أقدر وكان الخليل بن أحمد النحوي من أزهد الناس وأعلاهم نفسا وكان الملوك يقصدونه ويبذلون له الأموال فلا يقبل منها شيئا وكان يحج سنة ويغزو سنة حتى مات رحمة الله وقال ابن خارجة جالست ابن عون عشرين سنة فما أظن الملكين كتبا عليه شيئا وروى أنه غسل كرز بن وبرة فلم يوجد على جسده مثقال لحم.
وعن محمد بن الحسن قال كان أبو حنيفة واحد وزمانه لو انشقت عنه الأرض لانشقت عن جبل من الجبال في العلم والكرم والزهد والورع وحج وكيع بن الجراح أربعين حجة ورابط عبادان أربعين ليلة وختم بها القرآن أربعين ختمه وتصدق بأربعين ألفا وروى أربعة آلاف حديث وما رؤى واضعا جنبه قط ووقف عمر بن عبد العزيز على عطاء بن أبي رباح وهو اسود مفلفل الشعر يفتي الناس في الحلال والحرام فتمثل يقول تلك المكارم لا قعبان من لبن.
ومن مشايخ الرساله رضوان الله عليهم أجمعين سيدي أبو عبد الله محمد بن اسماعيل المغربي أستاذ ابراهيم بن شيبان كان عجيب الشأن لم يأكل مما وصلت إليه أيدي بني آدم سنين كثيرة وكان أكله من أصول العشب شيئا تعود أكله.
ومنهم سيدي فتح بن شحرف بن داود يكني أبا نصر من الزاهدين الورعين لم يأكل الخبز ثلاثين سنة قال أحمد بن عبد الجبار سمعت أبي يقول صحبت فتح بن شحرف ثلاثين سنة فلم أره رفع رأسه إلى السماء ثم رفعها يوما فقال طال شوقي إليك فجعل قدومي عليك وقال محمد بن جعفر سمعت إنسانا يقول غسلنا فتح بن شحرف فرأينا مكتوب على فخذه لا إله إلا الله فتوهمناه مكتوبا وإذا هو عرق داخل الجلد ومات ببغداد فصلي عليه ثلاثا وثلاثين مرة أقل قوم كانوا يصلون عليه كانوا نحو من خمسة وعشرين ألفا إلى ثلاثين ألفا.
ومنهم سيدي فتح بن سعيد الموصلى يكني أبا نصر من أقران بشر الحافي وسري السقطي كبير الشأن في باب الورع والمجاهدات قال ابراهيم بن نوح الموصلى رجع فتح الموصلى إلى أهله بعد صلاة العتمة وكان صائما فقال عشوني فقالوا ما عندنا شيء نعشيك به فقال ما بالكم جلوس في الظلمة فقالوا ما عندنا شيء نسرج به فجعل يبكي من الفرح ويقول إلهي مثلي يترك بلا عشاء ولا سراج بأي يد كانت منى زال يبكي إلى الصباح وقال فتح رأيت بالبادية غلاما لم يبلغ الحلم وهو يمشي وحده ويحرك شفتيه فسلمت عليه فرد علي السلام فقلت إلى اين فقال الى بيت ربي عز و جل فقلت بماذا تحرك شفتيك قال أتلو كلام ربي فقلت انه لم يجر عليك قلم التكليف قال رأيت الموت يأخذ من هو أصغر سنا منى فقلت خطاك قصيرة وطريقك بعيدة فقال إنما علي نقل الخطا وعليه البلاغ فقلت أين الزاد والراحلة قال زادي يقيني وراحلتي رجلاي فقلت أسألك عن الخبز والماء قال يا عماه أرأيت لو دعاك مخلوق إلى منزله أكان يحمل بك أن تحمل زادك إلى منزله قلت لا فقال إن سيدي دعا عباده إلى بيته واذن لهم في زيارته فحملهم ضعف يقينهم على حمل أزوادهم واني استقبحت ذلك فحفظت الأدب معه أفتراه يضيعني فقلت حاشا وكلا ثم غاب عن بصري فلم اره إلا بمكة فلما رآني قال أيها الشيخ بعدك على ذلك الضعف من اليقين.
ومنهم سيدي أبو عثمان سعيد بن اسماعيل الحيري صحب شاه الكرمانى ويحيى بن معاذ الرازي وكان يقال في الدنيا ثلاثة لا رابع لهم أبو عثمان الحيري بنيسابور والجنيد ببغداد وأبو عبد الله الحلاج بالشام ومن كلامه لا يكمل الرجل حتى يستوى في قلبه أربعه أشاء المنع والعطاء والعز والذل وقال منذ أربعين سنة ما أقامني الله تعالى في حال فكرهته ولا نقلني ألى شيء فسخطته.
ومنهم سيدي سليمان الخواص يكني أبا تراب كان أحد الزهاد المعروفين والعباد الموصوفين سكن الشام ودخل بيروت وكان أكثر مقامة بيت المقدس قيل اجتمع حذيفة المرعشي وابراهيم بن أدهم ويوسف بن اسباط فتذاكروا الفقر والغني وسليمان ساكت فقال بعضهم الغني من كان له بيت يسكنه وثوب يستره وسداد من عيش يكفه عن فضول الدنيا وقال بعضهم الغني من لم يحتج إلى الناس فقيل لسليمان ما تقول أنت في ذلك فبكي وقال رأيت جوامع الغني في التوكل ورأيت جوامع الفقر في القنوط والغني حق الغني من أسكن الله في قلبه من غناه يقينا ومن معرفته توكلا ومن قسمته رضا فذلك الغني حق الغني وان أمسى طاويا وأصبح معوزا فبكي القوم من كلامه.
ومنهم سيدي ابو سليمان بن عبد الرحمن بن أحمد بن عطية الداراني أحد رجال الطريقة قدس الله سره كان من أجل السادات وأرباب الجد في المجاهدات ومن كلامه من أحسن في نهاره كفي في ليله ومن أحسن في ليله كفى في نهاره ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه والله تعالى أكرم من أن يعذب قلبا بشهوة تركت له وقال لكل شيء علامة وعلامة الخذلان ترك البكاء وقال لكل شيء صدأ وصدأ نور القلب شبع البطن وقال احمد بن أبي الحوارى شكوت إلى أبي سليمان الوسواس فقال إذا اردت أن ينقطع عنك فأى وقت أحسست به فافرح فانك إذا فرحت به انقطع عنك لأنه لا شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن وإذا اغتممت به زادك وقال ذو النون المصري رحمه الله تعالى اجتمعوا ليلا على أبي سليمان الداراني فسمعوه يقول يا رب أن طالبتني بسريرتي طالبتك بتوحيدك وان طالبتني بذنوبي طالبتك بكرمك وان جعلتني من أهل النار أخبرت أهل النار بحبي إياك.
وقال علي بن الحسين الحداد سألت أبا سليمان بأي شيء تعرف الابرار قال بكتمان المصائب وصيانة الكرامات وروى عنه أنه قال نمت ليلة عن وردى فإذا حوراء تقول لي أوتنام وأنا أربي لك في الخدور منذ خمسمائة عام.
ومنهم سيدي أبو محمد عبد الله بن حنيف من زهاد المتصوفة كوفي الأصل ولكنه سكن انطاكية ومن كلامه لا تغتم الا من شيء يضرك غدا ولا تفرح إلا بشيء يسرك غدا وله كرامات ظاهرة وبركات متواترة.
ومنهم سيدي أبو عبد الله محمد بن يوسف البناء اصبهاني الأصل كتب عن ستمائة شيخ ثم غلب عليه الانفراد والخلوة الى ان خرج الى مكة بشرط التصوف وقطع البادية على التجريد وكان في ابتداء أمره يكسب في كل يوم ثلاثة دراهم وثلثا فيأخذ من ذلك لنفسه دانقا ويتصدق بالباقي ويختم مع العمل كل يوم ختمه فإذا صلى العتمة في مسجده خرج إلى الجبل الى قريب الصبح ثم يرجع الى العمل وكان يقول في الجبل يارب إما أن تهب لي معرفتك أو تأمر الجبل أن ينطبق علي فإني لا أريد الحياة بلا معرفتك.
ومنهم سيدي يحيى ابن معاذ الرازي قدس الله سره يكني أبا زكرياء أحد رجال الطريق كان أوحد وقته ومن كلامه لا تكن ممن يفضحه يوم موته ميراثه ويوم حشره ميزانه وقال ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال إن لم تنفعه فلا تضره وان لم تسره فلا تغمه وان لم تمدحه فلا تذمه وقال الصبر على الخلوة من علامات الإخلاص وقال بئس الصديق صديقا يحتاج الى ان يقال له إذكرني في دعائك وقال على قدر حبك لله يحبك الخلق وعلى قدر خوفك من الله تهابك الخلق وعلى قدر شغلك بالله تشتغل في أمرك الخلق وقال من كان غناء في كيسه لم يزل فقيرا ومن وكان غناه في قلبه لم يزل غنيا ومن قصد بحوائجه المخلوقين يزل محروما.
وروى أنه قدم شيرازا فجعل يتكلم على الناس في علم الأسرار فأتته امرأة من نسائها فقالت كم تأخذ من هذه البلدة قال ثلاثون ألفا أصرفها في دين علي بخراسان فقالت لك علي ذلك على ان تأخذها وتخرج من ساعتك فرضي بذلك فحملت إليه المال فخرج من الغد فعوتبت تلك المرأة فيما فعلت فقالت إنه كان يظهر أسرار أولياء الله تعالى للسوقة والعامة فغرت على ذلك.
ومنهم سيدي يوسف بن الحسين الرازي يكنى أبا يعقوب كان وحيد وقته في اسقاط التصنع عالما أديبا صحب ذا النون المصري وأبا تراب النخشي من كلامه إذا أردت أن تعلم العاقل من الأحمق فحدثه بالمحال فإن قبل فاعلم أنه احمق وقال اذا رأيت المريد يشتغل بالرخص فاعلم أنه لا يجيء منه شيء وقال لأن ألقى الله تعالى بجميع المعاصي أحب من أن ألقاه بذرة من التصنع وقال أبو الحسن الدارج قصدت زيارة ابن الرازي من بغداد فلما دخلت بلده سألت عن منزله فكل من سألته يقول أي شيء تريد من هذا الزنديق فضيقوا صدري حتى عزمت على الانصراف فبت تلك الليلة في مسجد ثم قلت في نفسي جئت هذه البلدة فلا اقل من زيارته فلم أزل أسأل عنه حتى وصلت إلى مسجده فوجدته جالسا في المحراب وبين يديه مصحف يقرأ فيه فدنوت منه وسلمت عليه فرد علي السلام وقال من أين قلت من بغداد فقال أتحسن من قولهم شيئا قلت نعم وأنشدته ( رأيتك تبني دائما في قطيعتي ... ولو كنت ذا حزم لهدمت ما تبني )
فأطبق المصحف ولم يزل يبكي حتى ابتلت لحيته وثوبه ورحمته من كثرة بكائه ثم التفت إلي وقال يا بني أتلوم اهل البلد على قولهم يوسف بن الحسين زنديق وها أناذا من وقت صلاة الصبح أقرأ القرآن ولم تقطر من عيني قطرة وقد قامت علي القيامة بهذا البيت. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: الباب الثلاثون في الخير والصلاح وذكر السادة الصحابة وذكر الأولياء والصالحين السبت 24 نوفمبر 2018, 8:26 pm | |
| ومنهم سيدي حاتم بن علوان الأصم قدس الله سره يكني أبا عبد الرحمن من أكابر مشايخ خراسان صاحب شقيق البلخي ومن كلامه الزم خدمة مولاك تأتك الدنيا راغمة والآخرة راغبة وقال من ادعى ثلاثا بغير ثلاث فهو كذاب من ادعى حب الله تعالى من غير ورع عن محارمه فهو كذاب ومن ادعى محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- من غير محبة الفقر فهو كذاب ومن ادعى حب الجنة من غير انفاق ماله فهو كذاب وسأله رجل علام بنيت أمرك في التوكل على الله عز و جل قال على اربع خصال علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي وعلمت أن عملي لا يعمله غيري فأنا مشغول به وعلمت أن الموت يأتيني بغته فأنا أبادره وعلمت أني لا أخلو من عين الله عز و جل حيث كنت فأنا أستحي منه تسميته بالاصم ما حكاه أبو علي الدقاق أن امرأة جاءت تسأله عن مسألة فاتفق أنه خرج منها صوت ريح فخجلت المرأة فقال حاتم ارفعي صوتك وأراها أنه أصم فسرت المرأة بذلك وقالت أنه لم يسمع الصوت فغلب عليه هذا الاسم رحمة الله تعالى عليه ومنهم الحسن بن أحمد الكاتب من كبار مشايخ المصريين صحب أبا بكر المصري وأبا علي الروذباري وكان أوحد مشايخ وقته من كلامه روائح نسيم المحبة تفوح من المحبين وإن كتموها وتظهر عليهم دلائلها وإن أخفوها وتدل عليهم وإن ستروها وأنشدوا في هذا المعنى ( إذا ما أسرت أنفس الناس ذكره ... تبينه فيهم ولم يتكلوا ) ( تطيب به أنفاسهم فتذيعها ... وهل سر مسك أودع الريح يكتم )
ومن كلامه أيضا إذا انقطع العبد الى الله تعالى بالكلية فأول ما يفيده الاستغناء به عن الناس وقال صحبة الفساق داء ودواؤها مفارقتهم وقال اذا سكن الخوف في القلب لا ينطق اللسان بما لا يعنيه.
ومنهم سيدي جعفر بن نصر الخلدي يكنى بأبي محمد بغدادي المنشأ والمولد صحب الجنيد وانتمى اليه وحج قريبا من ستين حجة روي انه مر بمقبرة الشونيزية وامرأة على قبر تندب وتبكي بكاء بحرقة فقال لها مالك تبكين فقالت ثكلى ولدي فأنشأ يقول ( يقولون ثكلى ومن لم يذق ... فراق الاحبة لم يثكل ) ( لقد جرعتني ليالي الفراق ... شرابا أمر من الحنظل )
وروي أنه كان له فص فوقع منه يوما في الدجلة وكان عنده دعاء مجرب لرد الضالة اذا دعا به عادت فدعا به فوجد الفص في وسط أوراق كان يتفحصها وصورة الدعاء أن تقول يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع علي ضالتي وقد روي أنه يقرأ قبله سورة الضحى ثلاثا وروى الحافظ أبو بكر الخطيب في تاريخه قال ودعت في بعض حجاتي المزين الكبير الصوفي فقلت زودني شيئا فقال إن فقدت شيئا أو أردت أن يجمع الله بيني وبينك وبين أو بينك انسان فقل يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع بيني وبين كذا فإن الله يجمع بينك وبين ذلك الشيء أو الإنسان.
ومنهم سيدي معروف بن فيروز الكرخي قدس الله سره يكني أبا محفوظ من كبار المشايخ مجاب الدعوة وهو أستاذ السري وكان أبواه نصرانيين فأسلماه إلى مؤدبهم وهو صبي فكان المؤدب يقول له قل هو ثالث ثلاثة فيقول بل هو الواحد الصمد فضربه المؤدب على ذلك ضربا وجيعا فهرب منه فكان ابواه يقولان ليته يرجع إلينا على أي دين شاء فنوافقه عليه فرجع الى ابويه فدق الباب فقيل من بالباب فقال معروف فقيل على أي دين فقال على دين الاسلام فأسلم أبواه وكان مشهورا بإجابة الدعوة ومن كلامه رضي الله عنه إذا أراد الله بعبد خيرا فتح له باب العمل وأغلق باب الفترة والكسل وكان يعاتب نفسه ويقول يا مسكين كم تبكي وتندب أخلص تخلص وقال سري سألت معروفا عن الطائعين لله بأي شيء قدروا على الطاعات لله عز و جل قال بخروج حب الدنيا من قلوبهم ولوكانت في قلوبهم لما صحت لهم سجدة ومن إنشاداته ( الماء يغسل ما بالثوب من درن ... وليس يغسل قلب المذنب الماء )
وقال ابراهيم الأطروش كان معروف قاعدا يوما على الدجلة ببغداد فمر بنا صبيان في زورق يضربون بالملاهي ويشربون فقال له أصحابه أما ترى هؤلاء يعصون الله تعالى على هذا الماء فادع عليهم فرفع يديه الى السماء وقال الهي وسيدي كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة فقال له أصحابه إنما سألناك أن تدعو عليهم ولم نقل لك أدع لهم فقال إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا ولم يضركم ذلك وقال سري رأيت معروفا في المنام كأنه تحت العرش والله تعالى يقول للملائكة من هذا فقالوا أنت أعلم يا رب قال هذا معروف الكرخي سكر بحبي لا يفيق الا بلقائي وقيل له في مرضه أوص فقال إذا مت فتصدقوا بقميصي هذا فإني أحب أن أخرج من الدنيا عريانا كما دخلتها عريانا وقال أبو بكر الخياط رأيت في المنام كأني دخلت المقابر فإذا اهل القبور جلوس على قبورهم وبين أيديهم الريحان وإذا انا بمعروف الكرخي بينهم يذهب ويجيء فقلت يا أبا محفوظ ما فعل الله بك أوليس قد مت قال بلي ثم أنشد يقول ( موت التقي حياة لا نفاد لها ... قد مات قوم وهم في الناس أحياء )
ومنهم قاسم بن عثمان الكرخي يكني أبا عبد الملك من اجلاء المشايخ صحب أبا سليمان الداراني وغيره وكان من أقران السرى والحرث المحاسبي وكان أبو تراب النخشي يصحبه ومن كلامه من أصلح فيما بقي من عمره غفر له ما مضي وما بقي ومن أفسد فيما بقي من عمره أخذ بما مضي وما بقي وقال السلامة كلها في اعتزال الناس والفرح كله في الخلوة بالله عز و جل وسئل عن التوبة فقال التوبة رد المظالم وترك المعاصي وطلب الحلال وأداء الفرائض وقال لأصحابه أوصيكم بخمس أن ظلمتم فلا تظلموا وإن مدحتم فلا تفرحوا وان ذممتم فلا تحزنوا وإن كذبتم فلا تغضبوا وإن خانوكم فلا تخونوا وقال محمد بن الفرج سمعت قاسم بن عثمان يقول ان لله عبادا قصدوا الله بهممهم فأفردوه بطاعتهم واكتفوا به في توكلهم ورضوا به عوضا عن كل ما خطر على قلوبهم من أمر الدنيا فليس لهم حبيب غيره ولا قرة عين الا فيما قرب اليه وكان يقول قليل العمل مع المعرفة خير من كثير العمل بلا معرفة ثم قال اعرف وضع رأسك ونم فما عبد الله الخلق بشيء أفضل من المعرفة.
وروى عنه أنه قال رأيت في الطواف حول البيت رجلا فتقربت منه فإذا هو لا يزيد على قوله اللهم قضيت حاجة المحتاجين وحاجتي لم تقض فقلت له مالك لا تزيد على هذا الكلام فقال أحدثك كنا سبعة رفقاء من بلاد شتى غزونا أرض العدو فاستأسرونا كلنا فاعتزل بنا لتضرب أعناقنا فنظرت الى السماء فإذا سبعة أبواب مفتحة عليها سبع جوار من الحور العين في كل باب جارية فقدم رجل منا فضربت عنقه فرأيت جارية في يدها منديل قد هبطت إلى الأرض فضربت أعناق الستة وبقيت أنا وبقي باب وجارية فلما قدمت لتضرب عنقي استوهبني بعض خواص الملك فوهبني له فسمعتها تقول بأي شيء فاتك هذا يا محروم وأغلقت الباب فأنا يا أخي متحسر على ما فاتني قال قاسم بن عثمان أراه أفضلهم لأنه رأى ما لم يروا وترك يعمل على الشوق.
ومنهم سيدي أبو بكر دلف بن جحدر الشبلي كان جليل القدر مالكى المذهب عظيم الشأن صحب الجنيد ومن في عصره وكان يبالغ في تعظيم الشرع المطهر وكان إذا دخل شهر رمضان المعظم جد في الطاعات ويقول هذا شهر عظمه ربي فأنا أولى بتعظيمه وسئل عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- خير عمل المرء كسب يمينه فقال إذا كان الليل فخذ ماء وتهيأ للصلاة وصل ما شئت ومد يديك وسل الله عز و جل فذلك كسب يمينك ولما حج ورأى مكة المشرفة شرفها الله تعالى وقع مغشيا عليه فلما أفاق أنشد يقول ( هذه دراهم وأنت محب ... ما بقاء الدموع في الآماق )
وروى أنه قال كنت يوما جالسا فجرى في خاطرى أني بخيل فقلت مهما فتح الله علي به اليوم أدفعه إلى أول فقير يلقاني قال فبينما أنا متفكر إذ دخل علي شخص ومعه خمسون دينارا فقال اجعل هذه في مصالحك فأخذتها وخرجت وإذا أنا بفقير مكفوف بين يدي مزين يحلق رأسه فتقدمت اليه وناولته الصرة فقال لي ادفعها للمزين فقلت له إنها دنانير فقال إنك لبخيل قال فناولتها للمزين فقال المزين ان من عاداتنا أن الفقير إذا جلس بين أيدينا لا نأخذ منه أجرا قال فرميتها في الدجلة وقلت ما أعزك احد الا أذله الله تعالى.
ومنهم سيدي زرقان بن محمد أخو ذي النون المصري صاحب سياحة كان بجبل لبنان حكى عن يوسف بن الحسين الرازي قال بينما أنا بجبل لبنان أدور إذ أبصرت زرقان أخا ذي النون المصري جالسا على عين ماء وقت صلاة العصر فسلمت عليه وجلست من ورائه فالتفت إلي وقال ما حاجتك فقلت بيتا شعر سمعتهما من أخيك ذي النون المصري أعرضهما عليك فقال قل فقلت سمعته يقول ( قد بقينا مذبذبين حيارى ... نطلب الوصل ما إليه سبيل ) ( فدواعي الهوى تخف علينا ... وخلاف الهوى علينا ثقيل ) فقال زرقان ولكنى أقول ( قد بقينا مذهلين حيارى ... حسبنا ربنا ونعم الوكيل ) ( حيثما الفوز كان ذاك منانا ... وإليه في كل أمر نميل )
فعرضت أقوالهما على طاهر المقدسي فقال رحم الله ذا النون المصرى رجع إلى نفسه فقال ما قال ورجع زرقان الى ربه فقال ما قال وقال أبو عبد الرحمن السلمي زرقان بن محمد أخو ذي النون المصري وأظن أنه أخوه مؤاخاة لا أخوة نسب وكان من أقرانه ورفقائه.
ومنهم سيدي أبو عبد الله النباجي سعيد بن بريد كان من أقران ذي النون المصري ومن أقران أستاذي أحمد بن أبي الحوارى له كلام حسن في المعرفة وغيرها روى عنه أنه قال أصابني ضيق وشدة فبت وأنا مفكر في المسير إلى بعض أخواني فسمعت قائلا يقول لي في النوم أيجمل بالحر المريد إذا وجد عند الله ما يريد أن يميل بقلبه إلى العبيد فانتبهت وأنا من أغني الناس.
ومنهم سيدي بشر بن الحرث قدس الله روحه يكني أبا نصر أحد رجال الطريقة أصله من مرو وسكن بغداد وكان من كبار الصالحين وأعيان الأتقياء المتورعين صحب الفضيل بن عياض وروى عن سري السقطي وغيره ومن كلامه لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك وكيف يكون فيك خير وأنت لا يأمنك صديقك وقال اول عقوبة يعاقبها ابن آدم في الدنيا مفارقة الأحباب وقال غنيمة المؤمن غفلة الناس عنه وخفاء مكانه عنهم وقال التكبر على المتكبر من التواضع وسئل عن الصبر الجميل هو الذي لا شكوى فيه الى الناس وقيل انه لقي رجلا سكران فجعل الرجل يقبل يد بشر ويقول يا سيدي يا أبا نصر وبشر لا يدفعه عن نفسه فلما ولي الرجل تغرغرت عينا بشر وجعل يقول رجل أحب رجلا على خير توهمه لعل المحب قد نجا والمحبوب لا يدري ما حاله وروى أن امرأة جاءت إلى أحمد بن حنبل تسأله فقالت إني امرأة أغزل بالليل والنهار وأبيعه ولا أبين غزل الليل من غزل النهار فهل على ذلك شيء فقال يجب أن تبيني فلما انصرفت قال احمد لابنه اذهب فانظر اين تدخل فرجع فقال دخلت دار بشر فقال قد عجبت أن تكون هذه السائلة من غير بيت بشر ولما مرض مرضه الذي مات فيه قال له أهله نرفع ماءك إلى الطبيب قال أنا بعين الطبيب يفعل بي ما يريد فألحوا عليه فقال لأخته ادفعى إليهم الماء فدفعته إليهم في قارورة وكان بالقرب منهم طبيب نصراني فدفعوا أليه القارورة فقال حركوا الماء فحركوه فقال ضعوه فوضعوه فقالوا له ما بهذا وصفت لنا قال وبماذا وصفت لكم قالوا وصفت بأنك أحذق أهل زمانك في الطب قال هو كما وصفت لكم هذا الماء إن كان ماء نصراني فهو ماء راهب قد فتت الخوف كبده وإن كان ماء مسلم فماء بشر الحافي لأن ما في زمانه أخوف منه قالوا هو ماء بشر فقال أنا أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمدا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلما رجعوا الى بشر قال لهم أسلم الطبيب قالوا له ومن أعلمك بهذا قال لما خرجتم من عندي نوديت يا بشر ببركة مائك أسلم الطبيب توفي سنة سبع وعشرين ومائتين.
سيدي أبو زيد طيغور بن عيسى البسطامي من أجل المشايخ كبير الشأن ومن كلامه ما زلت أسوق الى الله تعالى نفسي وهي تبكي الى ان سقتها وهي تضحك وسئل بأي شيء وجدت هذه المعرفة فقال ببطن جائع وبدن عار وقيل له ما أشد ما لقيت في سبيل الله تعالى فقال لا يمكن وصفه فقيل له ما أهون ما لقيته نفسك منك فقال أما هذا فنعم دعوتها الىلا شيء من الطاعات فلم تجبني فمنعتها من الماء سنة وقال الناس كلهم يهربون من الحساب ويتجافون عنه وأنا أسأل الله تعالى أن يحاسبني فقيل له لم فقال لعله يقول فيما بين ذلك يا عبدي فأقول لبيك فقوله لي عبدي أحب الي من الدنيا وما فيها ثم بعد ذلك يفعل بي ما يشاء وقال له رجل دلني على عمل أتقرب به الى ربي فقال أحب أولياء الله ليحبوك فان الله تعالى ينظر الى قلوب اوليائه فلعله ينظر الى اسمك في قلب ولي فيغفر لك وسئل عن المحبة فقال استقلال الكثير من نفسك واستكثار القليل من حبيبك توفي سنة احدى وستين ومائتين رحمه الله تعالى شيخ الطائفة سيدي أبو القاسم الجنيد بن محمد القواريري شيخ وقته وفريد عصره أصله من نهاوند ومولده ومنشؤه ببغداد صحب جماعة من المشايخ وصحب خاله السرى والحرث المحاسبي ودرس الفقه على أبي ثور وكان يفتي في مجلسه بحضرته وهو ابن عشرين سنة ومن كلامه رضي الله عنه علامة اعراض الله تعالى عن العبد ان يشغله بما لا يعنيه وقال الادب أدبان أدب السر وأدب العلانية فأدب السر طهارة القلوب وأدب العلانية حفظ الجوارح من الذنوب ورؤي في يده يوما سبحة فقيل له أنت مع تمكنك وشرفك تأخذ بيدك سبحة فقال نعم سبب وصلنا به إلى ما وصلنا لا نتركه أبدا وقال حسن بن محمد السراج سمعت الجنيد يقول رأيت إبليس في منامي وكأنه عريان فقلت له ألا تستحي من الناس فقال بالله هؤلاء عندك من الناس لو كانوا من الناس ما تلاعبت بهم كما يتلاعب الصبيان بالكرة ولكن الناس عندي ثلاثة نفر فقلت ومن هم قال في مسجد الشونيزي قد أضنوا قلبي وأنحلوا جسمي كلما هممت بهم أشاروا الى الله عز و جل فاكاد أن أحرق قال الجنيد فانتبهت من نومي ولبست ثيابي وجئت إلى مسجد الشونيزي بليل فلما دخلت أخرج أحدهم رأسة وقال يا أبا القاسم أنت كلما قيل لك شيء تقبل قيل إن الثلاثة الذين كانوا في مسجد الشونيزي أبو حمزة وأبو الحسن الثورى وأبو بكر الدقاق رضي الله عنهم وقال محمد بن قاسم الفارسي بات الجنيد ليلة العيد في الموضع الذي كان يعتاده في البرية فإذا هو وقت السحر بشاب ملتف في عباءة وهو يبكي ويقول ( بحرمة غربتي كم ذا الصدور ... ألا تحنوا علي ألا تجودوا ) ( سرور العيد قد عم النواحي ... وحزني في ازدياد لا يبيد ) ( فإن كنت اقترفت خلال سوء ... فغذري في الهوى أن لا أعود )
توفي الجنيد رحمه الله تعالى سنة سبع وتسعين ومائتين ببغداد وصلى عليه نحو ستين ألفا رضوان الله عليهم أجمعين وممن صحبته وانتفعت بصحبته وفاضت الخيرات على ببركته سيدي الشيخ الإمام العالم العامل أبو المعالى وأبو الصداق أبو بكر بن عمر الطريني المالكي قدس الله سره وروحه ونور ضريحة كان أوحد زمانه في الزهد والورع قامعا لأهل الضلال والبدع وله أسرار ظاهرة وبركات متواترة قد أطاع أمره الخلائق عجما وعربا وانتشر ذكره في البلاد شرقا وغربا وأتت الملوك إلى بابه واختاروا أن يكونوا من جملة أصحابه ما أتاه مكروب الا فرج الله كربته ولا طالب حاجة الا قضي الله حاجته كان محافظا على النوافل ملازما للفرض وكان أكثر أكله من المباح من نبات الأرض لم يمتع نفسه في الدنيا بالمآكل والمشارب اللذيذة بل قيل إنه غضب على نفسه مرة فمنعها شرب الماء شهورا عديدة وكان رضي الله عنه كثير الشفقة والحنو على أصحابه نصوحا لجميع خلق الله من أعدائه وأحبابه يدخل عليه أعدى عدوه فيقبل ببشره وبره عليه فيخرج عنده وهو وهو أحب الناس إليه كما قال بعضهم ( وإني لألقي المرء أعلم أنه ... عدوى وفي أحشائه الضغن كامن ) ( فأمنحه بشرى فيرجع قلبه ... سليما وقد ماتت لديه الضغائن )
وكانت حملة أهل زمانه عليه وأحوالهم في كل أمر راجعة إليه وكنت كثيرا ما أسمعه يتمثل بهذا البيت ( وما حملوني الضيم إلا حملته ... لأنى محب والمحب حمول )
وكان رضي الله عنه كثير المصافاة عظيم الموافاة شأنه الحلم والستر لم يهتك حرمة مسلم ولا فضحة وما استشاره أحد في أمر الا أرشده إلى الخير ونصحه صحبته رضي الله عنه نحو خمس عشرة سنة فكأنها من طيبها كانت سنة ما قطع بره يوما واحدا عني حتى كنت أظن أن ليس عنده أخص مني وكان ذلك فعله مع جميع أصحابه قاطبة بيض الله وجهه في القيامة وبلغه من فضل ربه مآربه وكان رضي الله عنه فقيها في مذهب الامام مالك إمام كبير لم ير له في زمانه من شبيه ولا نظير وله في علم الحقيقة أقوال وكم رأينا له من مكاشفات وأحوال ولو تتبعت مناقبه لا تسع الكلام ولكني أقول كان أوحد عصره والسلام عاش رضي الله عنه نيفا وستين سنة وكان الناس في زمانه في عيشه راضيه وأحوال حسنة وكان رضي الله عنه كثير الأمراض والأسقام حصل له في آخر عمره ضعف شديد أقام به نحو سنة ثم تزايد مرضه في العشر الأول من ذي الحجة الحرام فلما كانت ليلة الحادى عشر اشتد به الأمر واحتضر ولم يزل في النزع الى ثلث الليل الأول من الليلة المذكورة ثم توفي رحمه الله تعالى سعيدا حميدا في ليلة الجمعة حادى عشر ذى الحجة الحرام سنة سبعة وعشرين وثمانمائة ولما أخبر الناس بوفاته عظم مصابه على المسلمين ووقع النوح والبكاء والأسف في أقطار البلدان حتى طوائف المخالفين للملة من النصارى وغيرهم وصاروا يبكون ويتوجعون ويتأسفون على فراقه وكيف لا وهو إمام العصر علامة الدهر حق فيه قول القائل ( حلف الزمان ليأتين بمثله ... حنثت يمينك يا زمان فكفر ) رضي الله عنه ورضي عنا به ونفعنا ببركته في الدين والدنيا والآخرة فشرعوا في تجهيزه وغسله فكنت ممن حضر غسله ولكن لم يكن ذهني معى في تلك الساعة لما جرى علينا من المصيبة بفقده كيف لا وقد كان والدا شفوقا وبارا محسنا عشوقا فلما انتهى غسله رضي الله عنه جاء القضاة والنواب والكشاف والولاة وحملوه على أعناقهم ومضوا به إلى جامع الخطبة بالمحلة فضاق بهم الجامع على سعته وضاقت بهم الشوارع والسكك والطرقات من كثرة الناس فلم ير اكثر جمعا ولا أغزرها دمعا من ذلك اليوم وهذا دليل على أنه كان قطب أهل زمانه.
قال الامام أحمد بن حنبل رضي الله عنه بينا وبينهم الجنائز يريد بذلك اجتماع الناس والله أعلم فارتفع نعشه على أعناقهم وتقدم للصلاة شيخه العارف بالله تعالى سيدي سليمان الدواخلي نفعنا الله ببركته ودفن يوم الجمعة بزاويته التى أنشأها بسندفا مع والده الشيخ الإمام العالم العلامة مفتى المسلمين سراج الدين أبي حفص عمر الطريني المالكي في قبر واحد نفعنا الله ببركته وجعل الجنة منقلبه ومثواه وحشرنا وإياه في زمرة سيد الأولين والآخرين محمد خاتم النبي -صلى الله عليه وسلم-ين وأفضل المسلمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ونسأله لنا التوفيق والإعانة وأن يمتع المسلمين بطول بقاء أخيه سيدنا ومولانا الشيخ شمس الدين محمد الطريني أدام الله أيامه للمسلمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
|
|