منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 المجلد السادس

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالسبت 23 يناير 2016, 11:32 pm

(31) الجعالة
س31: تكلم بوضوح عن الجعالة لغةً، واصطلاحًا، واذكر حكمها، وأمثلة لها، وكم أركانها؟ وما هي؟ وما الحكم فيما إذا بلغ الإنسان الجعل بعد العمل أو في أثنائه أو قبل الفعل وحكم الأخذ وإذا قال من رد عبدي فله كذا فما الحكم؟ وإذا رده من المسافة المعينة أو من أبعد منها أورد أحد آبقين أو فسخ جاعل أو عامل الجعالة قبل التمام أو جمع بين تقدير مدة وعمل، واذكر الدليل والتعليل والتفصيل والفروق والمحترزات والخلاف والترجيح.

ج: الجعالة بتثليث الجيم مشتقة من الجعل بمعنى التسمية؛ لأن الجاهل يسمى الجعل للعامل أو من الجعل بمعنى الإيجاب، يقال: بجعلت له كذا وكذا أي أوجبت، ويسمى ما يعطاه الإنسان على أمره يفعله جعلاً وجعالة وما تجعل للغازي إذا غزا عنك بجعل وهي الجعائل يدفعه المضروب عليه البعث إلى من يغزو عنه.

قال سليك بن شقيق الأسدي:
فأعطيت الجعالة مستميتًا ... خفيف الحاذ من فتيان جرم

والجعالة إصطلاحًا:
جعل جائز التصرف شيئًا متمولاً معلومًا لمن يعمل له عملاً مباحًا معلومًا أو مجهولاً مدة معلومة أو مجهولة، وهي جائزة بالكتاب والسُّنة والإجماع في الجملة، قال الله تعالى: {وَلِمَن جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ}، وقوله -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين: «مَنْ قتل قتيلاً فله سلبُه»، وعن أبي سعيد قال: «انطلق نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفرة سافروها حتى نزلوا على حي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلدغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو آتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم بعض شيء فآتوهم، فقالوا: يا أيها الرهط، إن سيدنا لدغ وسعينا بكل شيء لا ينفعه، فهل عند أحد منكم من شيء؟ قال بعضهم: إني والله لأرقي، ولكن والله لقد استضفنا فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً، فصالحوهم على قطيع من غنم، فانطلق يتفل عليه ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي وما به قلبة فأوفرهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقتسموا، فقال الذي رقى: لا تفوا حتى نأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فنذكر له الذي كان فننظر الذي يقرنا، فقدموا على النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكروا له ذلك، فقال: «وما يدريك أنها رقية»، ثم قال: «قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهمًا»، وضحك النبي -صلى الله عليه وسلم-، رواه الجماعة إلا النسائي، وهذا لفظ البخاري، وأجمع المسلمون على جواز الجعالة في الجملة، ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك من رد ضالة وآبق وعمل لا يقدر عليه فجاز كالإجارة.

وأركان الجعالة:
1) عمل.

2) جعل.
3) صيغة.
4) عاقد.


ولا يشترط أن يكون الجعل معلومًا إن كان من مال حربي فيصح مجهولاً كما تقدم في الجهاد.

قال في «المغني»:
ويحتمل أن تجوز الجعالة مع جهالة العوض إذا كانت الجهالة لا تمنع التسليم نحو أن يقول من رد عبدي الآبق فله نصفه.

ومن رد ضالتي فله ثلثها، فإن أحمد قال: إذا قال الأمير في الغزو من جاء بعشرة رؤوس فله رأس جاز، وقالوا: إذا جعل جعلاً لمن يدله على قلعة أو طريق سهل وكان الجعل من مال الكفار جاز أن يكون مجهولاً كجارية يعينها العامل فيخرج هاهنا مثله، فأما إذ كانت الجهالة تمنع من التسليم لم تصح الجعالة وجهًا واحدًا.

ويشترط أن يكون العمل مباحًا لا محرمًا، فلا تصح الجعالة على الزنا واللواط والسرقة وشرب الدخان وحلق اللحية وعمل التواليت والخنافس، ولا تصح على عمل الرؤوس الصناعية ولا على قص رؤوس النساء ولا عمل ثياب رجال لنساء ولا على عمل ثياب نساء لرجال ولا على المسابقة في الكرة، ولا على اللعب بأم الخطوط، ولا على اللعب بالورق، ولا على الخضاب بالسواد، ولا على نقل من يريد ترك الجمعة والجماعة، ولا عمل الصور أو بيعها مجسدة أو غير مجسدة إذا كانت من صور ذوات الأرواح لتحريمها بيعًا وشراء وتصويرًا واقتناءً.

ولا تصح الجعالة على تصليح آلات اللهو كالمذياع والتلفزيون والسينما والبكم وتسجيل الأغاني، ولا يجوز جعل للمطربين رجالاً أو نساءً، ولا تجوز الجعالة على الغيبة ولا النميمة ولا الكذب، ولا تصح على عمل شيش للدخان ولا المجلات الخليعة.

ولا تصح الجعالة لمن يشهد بالزور وقس على ذلك جميع المحرمات، فلا تصح عليها الجعالة كالإجارة، ولا تصح لمن يعمل عبثًا؛ لأنه لا فائدة فيه كساع يقطع أيامًا في يوم واحد.

ومثله في عدم الصحة تكليف فوق الطاقة كرفع ثقيل من حجر أو غيره ومشى على جبل أو جدار أو قفز قليب أو نحوها فلا تنعقد الجعالة على شيء من ذلك لاشتراط الإباحة، وهذه الأشياء إما أن يخشى فاعله الضرر فحرام وإلا فمكروه على هذا يكون غير مباح.

وقال الحليمي من الشافعية:
لا يراهن رجلان على قوة يختبران بها أنفسهما على عمل فيقول أحدهما: إن قدرت على رمي هذا الجبل ونحوه فلك كذا، فإنه لا يصح.

وقال ابن عبد الهادي:
إذا قال من أكل هذا الرغيف أو رطل اللحم أو شرب هذا الكوز الماء أو صعد هذه الشجرة ونحو ذلك، فمن فعله استحق ذلك، قال: ومما يفعل في عصرنا أن يجعل على أكل كثير من الحلوى والفاكهة أو صعود موضع عسر ونحو ذلك، أن يقال من أكل هذه الرمانة ولم يرم منها حبة فله كذا فيصح ذلك، ومن فعل استحق الجعل، فإن قال: إن فعلت كذا فلك كذا وإن لم تأكله فعليك كذا لم يجز. اهـ.

وتصح الجعالة ولو كان العمل مجهولاً إذا كان العوض معلومًا كمن خاط لي هذا الثوب ونحوه فله كذا وكرد لقطة لم يعين موضعها؛ لأن الجعالة جائزة لكل منهما فسخها فلا يؤدي أن يلزمه مجهول بخلاف الإجارة وأن تكون مع شخص جائز التصرف أو لمن يعمل له مدة ولو كانت المدة مجهولة كمن حرس زرعي فله كل يوم كذا، قال في «الشرح».

ويصح الجعل على مدة مجهولة أو على مجهول إذا كان العوض معلومًا؛ لأنها عقد جائز من الطرفين فجاز أن يكون العمل فيها مجهولاً والمدة مجهولة كالشركة والوكالة، ولأن الجائزة لكل منهما فسخها فلا يؤدي إلى أن يلزمه مجهول عنده إذا كان العوض معلومًا، ولأن الحاجة تدعو إلى كون العمل مجهولاً وكذلك المدة لكونه لا يعلم موضع الضالة والآبق ولا حاجة إلى جهالة العوض، ولأن العمل لا يصير لازمًا فلم يشترط كونه معلومًا والعوض يصير لازمًا بإتمام العمل فاشترط العلم به، انتهى.

فإن جعله لمعين بأن قال لزيد مثلاً:
إن رددت لقطتي فلك كذا وكذا فيستحقه إن ردها ولا يستحق من ردها سوى المخاطب بذلك؛ لأن ربها لم يجاعل إلا المخاطب على ردها.

وإن كانت بيد إنسان فجعل له مالكها جعلاً ليردها لم يبح لمن هي بيده أخذ الجعل إلا إن طابت نفس مالكها حقيقة بذلك.

وتصح الجعالة ولو جعل العوض لغير معين كان يقول من بنى لي هذا الجدار فله كذا وكذا أو من رد عبدي الآبق.

وإذا قال من أذن في هذا المسجد شهرًا فله كذا وكذا ومن فعله ممن لي عليه دين فهو بريء من كذا فيصح العقد مع كونه تعليقًا؛ لأنه في معنى المعاوضة لا تعليقًا محضًا.

فمن بلغه الجعل قبل العمل المجعول عليه ذلك العوض استحق الجعل بالعمل بعد لا إستقراره بتمام العمل كالربح في المضاربة، فإن تلف فله مثل مثلي وقيمة غيره.

ولا يحبس العامل العين حتى يأخذه ومن بلغه الجعل في أثناء العمل فله من الجعل حصة تمامه.

المعنى:
أنه يستحق من الجعل بقسط ما بقي من العمل فقط؛ لأن عمله قبل بلوغه الجعل وقع غير مأذون له فيه فلم يستحق عنه عوضًا لبذله منافعه متبرعًا بها.

ومحل ذلك إن أتم العمل بنية الجعل ولهذا لو لم يبلغه الجعل إلا بعد تمام العمل لم يستحق الجعل ولا شيئًا منه لما سبق.

وحرم عليه أخذ الجعل؛ لأنه من أكل المال بالباطل إلا أن تبرع له ربه به بعد إعلامه بالحال.

وفي كلام ابن الجوزي في «المنتظم»:
يجب على الولاة إيصال قصص أهل الحوائج فإقامة من يأخذ الجعل على إيصال القصص للولاة حرام؛ لأنه من أكل المال بالباطل.

قال في «الفروع»:
ويتوجه إحتمال ولعله ظاهر كلام ابن الجوزي إن وجب عليه حرام وإلا فلا.

وإن قال:
جائز التصرف لزيد مثلاً إن رددت لقطتي فلك كذا فيستحقه إن ردها هو ولم يستحقه من ردها دون زيد المقول له ذلك؛ لأن ربها لم يجاعله على رده وتقدمت المسألة.

وإن فعل المجاعل عليه جماعة اقتسموا الجعل بينهم؛ لأنهم اشتركوا في العمل الذي به استحق الجعل، فلو قال قائل من نقب السور فله دينار فنقبوه كلهم نقبًا واحدًا، فإن كانوا ثلاثة استحقوا الدينار بينهم أثلاثًا؛ لأنهم اشتركوا في العمل الذي يستحق به العوض فاشتركوا في العوض كالأجرة في الإجارة.

وإن نقب كل واحد نقبًا فكل واحد دينار كما لو قال من دخل هذا النقب فله دينار فدخله جماعة استحق كل واحد منهم دينارًا؛ لأن كل واحد من الداخلين دخل دخولاً كاملاً كدخول المنفرد فاستحق العوض كاملاً.

ولو اختلف المالك والعامل، فقال: عملته بعد أن بلغني الجعل، وقال المالك: بل قبله فقول عامل بيمينه؛ لأنه لا يعلم إلا من جهته، هذا هو الذي تميل نفسي، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولو فاوت بين الجماعة العاملين فجعل لإنسان في رد آبق على رده ريالاً وجعل للآخر ريالين وجعل للثالث ثلاثة ريالات، فإن رد واحد استحق جعله وإن رده الثلاثة فلكل واحد منهم ثلث ما جعل له؛ لأنه عمل ثلث العمل فاستحق ثلث المنتمي.

وإن رده إثنان منهم فلكل واحد منهم نصف جعله؛ لأنه عمل نصف العمل فاستحق نصف المسمى وإن جعل لواحد عوضًا معلومًا كريال مثلاً وجعل لآخر عوضًا مجهولاً فرداه معًا فلرب المعلوم نصفه وللآخر أجر عمله.

وإن جعل رب العبد الآبق مثلاً لواحد معين كزيد شيئًا فرده من جوعل وهو زيد في المثال هو وآخران معه، وقال الآخران: رددناه معاونة لزيد استحق زيد كل الجعل ولا شيء لهما؛ لأنهما تبرعا بعملهما، وإن قالا: رددناه لنأخذ العوض منه لأنفسنا فلا شيء لهما؛ لأنهما عملا من غير جعل ولزيد ثلث الجعل؛ لأنه عمل ثلث العمل.

وإن نادى غير صاحب الضالة، فقال: من ردها فله جنيه فردها رجل أو امرأة فالجنيه على المنادي؛ لأنه ضمن العوض المعنى التزمه ولا شيء على رب الضالة؛ لأنه لم يلتزم.

وإن قال المنادي غير رب الضالة في ندائه قال فلان: من رد ضالتي فله ريال، ولم يكن رب الضالة قال ذلك فردها رجل لم يضمن المنادي؛ لأنه لم يلتزم العوض والذي رد الضالة مقصر حيث لم يأخذ بالاحتياط لنفسه.

وإن قال رب عبد آبق من سيده من رد عبدي فله كذا، والمسمى أقل من دينار أو أقل من اثني عشر درهمًا فضة اللذين قدرهما الشارع في رد الآبق، فقيل: يصح ذلك وللراد برد الآبق الجعل فقط؛ لأنه رد على ذلك فلا يستحق غيره.

وقيل:
لا تصح التسمية وللراد له ما قدره الشارع لاستقراره عليه كاملاً بوجود سببه.

وما ذكر من أن الشارع قدر في رد الآبق دينار أو اثني عشر درهمًا، قال في «الإنصاف»: أنه المذهب سواء كان يساويهما أو لا لئلا يلتحق بدار الحرب أو يشتغل بالفساد، وروي عن عمر وعن عمرو بن دينار وابن أبي مليكة مرسلاً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل في رد الآبق خارجًا من الحرم دينارًا، والقول الثاني هو الذي تميل إليه النفس والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن كان المسمى أكثر من دينار أو أكثر من اثني عشر درهمًا فرده إنسان استحق الجعل بعمل ما جوعل عليه كرد لقطة وبناء حائط؛ لأنه استقر على الجاعل بالعمل.

ويستحق من سمي له جعل على رد آبق ورده من دون المسافة المعينة القسط من المسمى، فإن كان المردود منه نصف المسافة استحق نصف المسمى فقط؛ لتبرعه بالزائد؛ لعدم الإذن فيه.

وهذا مع تساوي الطريق في الصعوبة والسهولة، أما إن كان يختلف بأن كان نصفه سهلاً ونصفه صعبًا كان بحسبه من المسمى.

ويصح الجمع بين تقدير المدة و العمل في الجعالة كأن يقول من خاط هذا الثوب في يوم كذا فإن أتى به فيها استحق الجعل ولم يلزمه شيء آخر وإن لم يف به فيها فلا شيء له.

ويستحق من رد أحد آبقين جوعل على ردهما نصف الجعل عن ردهما؛ لأنه رد نصفهما وكذا لو قال من خاط لي هذين الثوبين فله كهذا فخاط أحدهما فله بقدره من الجعل.

ومحل ذلك إذا لم يكن في اللفظ ما يدل على فعل الشيئين معًا، كما لو قال من ردهما كليهما فله كذا.

وبعد الشروع في العمل إن فسخ جاعل فعلى الجاعل للعامل أجرة مثل عمله؛ لأن عمل بعوض لم يسلم له فكان له أجرة عمله وما عمله بعد الفسخ لا أجرة له عليه؛ لأنه عمل غير مأذون فيه.

وإن زاد الجاعل أو نقص من الجعل قبل الشروع في العمل جاز وعمل به؛ لأنه عقد جائز فجاز فيه ذلك كالمضاربة.

وإن فسخ عامل قبل تمام العمل فلا شيء له؛ لإسقاط حق نفسه حيث لم يوف ما شرط عليه.

ومن التقط لقطة وكتمها ليبذل جعلاً على تحصيلها كما يفعله بعض الجهالة أو من لا يوثق بأمانته فهذه لقطة ويكون آثمًا بتركه التعريف وحكمه بتركه التعريف لها حكم الغاصب فلا يستحق شيئًا أصلاً، وقد ذكر العلماء فروق بين الإجارة والجعالة.

أولاً:
أن الإجارة لابد أن يكون العمل معلومًا كالعوض.

والجعالة:
قد يكون معلومًا كمن بنى لي هذا البيت فله كذا وقد يكون مجهولاً كمن رد لقطتي فله كذا.

ثانيًا:
الإجارة تكون مع معين، والجعالة أوسع من الإجارة؛ ولهذا تجوز على أعمال القرب كالأذان والإمامة وتعليم القرآن ونحوها بخلاف الإجارة.

ثالثًا:
أن الجعالة لا يستحق العامل العوض حتى يعمل جميع العمل، و أما الإجارة ففيها تفصيل يرجع إلى أنه إن لم يكمل الأجير ما عليه فإن كان بسببه ولا عذر له فلا شيء له وإن كان التعذر من جهة المؤجر فعليه جميع الأجر وإن كان بغير فعلهما وجب من الأجر بقدر ما استوفى.

رابعًا:
أن العمل في الجعالة قائم مقام القبول؛ لأنه يدل عليه.

خامسًا:
أن الجعالة جائزة بخلاف الإجارة.

سادسًا:
أنه لا يشترط في الجعالة العلم بالعمل ولا بالمدة.

سابعًا:
أن القاعدة في العمل إذا كان مجهولاً لا تمكن الإجارة عليه فطريقه الجعالة وإذا كان معلومًا ولم يقصد لزوم العقد عدل إلى الجعالة أيضًا.

من النظم فيما يتعلق بالجعالة:
وقولك من يفعل كذا فله كذا   فمن بعد علم الجعل يغفله يردد
إذا قاله من صح منه إجازة   وليس بشرط فيهما دين مهتدي
ولا شيء في فعل سبق علم جعله   ولو رد بعد العلم لقطة منشد
وتعيينه زيدًا بفعل معين   له واقسمن من الفاعلين ومهد
لكل من الجعل استووا أو تفاضلوا   كنسبة فعل منه من متعدد
وغير اشتراط جهل فعل ومدة   ولا شرط فعل في زمان مقيد
ولابد من علم بجعل وقيل ما   اجتهال تواتي القبض معه بمفسد
وإن منع التسليم أو صد مطلقًا   فلغو وأجر المثل للعامل أعد
وإن تنو جعلاً منذ تدريه تعطه   وعند جواز ذي فمن شاء يفسد
فإن فسخ العمال لم يعط أجرة   وفي فسخها من جاعل فليزود
بأجرة مثل الفعل منذ شروعه   وفي الجعل قول الجاعل اقبل بأوطد
ويخرج عند الخلف فيه تحالف   فيلزم أجر المثل في فعل مقصد
كقربة اختص الفعول بنفعها   وإن يتعدى كالأذان تردد
ولا شيء في فعل بلا شرط ربه   سوى في مرد الأبقين بأوكد
وعن أحمد بل أربعون وعشر أو   دنينيران يردده من مصر أطد
وطد نحو من يردده يملك ثلثه   وما قال رب اجعلن كالمبعد
ومن ربه يعطى غرامة قوته   ولو مرمنه في الطريق المعبد
ومن أرثه إن مات خذه كجعله   ولو فات كل قيمة المتشرد
ومن الآباق فهو أمانة   لإقرارهم للمدعي أو بشهد
ولا يستحق الجعل إلا برده   ولو فقد المردود عن باب سيد
ومن قال من يردد فتى هند أعطه   منا ورق ألزمه جعل المردد
وفي بقعة عينت أورد غصبه   من الجعل اعطا نسبة الفعل تهتد
وجعل كذا في رد الآباق من منى   كنسبة مردود ومن أقرب أرفد
وإن ردهم من أبعد من منى فلا   تزده على الجعل المسمى المحدد
وإن قال من داوى فأبرا له كذا   فليس صحيحًا في الصحيح المؤطد
وقيل بلى والحكم حكم جعالة   وقد قيل بل حكم الإجارة فاقصد
وممن يداوي الكحل دون بقية الدواء   على الأقوى فمن مال أرمد


(32) اختلاف العامل والجاعل في أصل الجعالة وقدر المسافة أو قدر الجعل وحكم إنقاذ مال الغير من الهلاك وما يتعلق بذلك من نفقة أو نحوها.
س32: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا اختلف الجاعل والعامل في أصل جعل أو في قدره أو في مسافة وإذا عمل إنسان لغيره عملاً بلا إذنه قاصد بذلك أخذ أجرة أو أنفق على آبق أو بهيمة أو مات من لزمه جعل أو نفقة أو خيف على حيوان، فما الحكم؟ وإذا كان عنده وديعة وخيف عليها أو وقع حريق بدار فهدمها على النار غير ربها بلا إذنه أو وقع آبق بيد إنسان وصدمه الآبق أو لم يجد واجد الآبق سيده، فما الحكم؟ واذكر الدليل والتعليل والتفصيل والخلاف والترجيح.

ج: إذا اختلفا في أصل الجعالة المسماة فأنكر أحدهما، فالقول قول من ينفيه منهما؛ لأن الأصل عدمه، وإن اختلفا في قدر الجعل أو اختلفا في قدر المسافة، فقال الجاعل: جعلت ذلك لمن رده من عشرات أميال، فقال العامل: بل من ستة أميال أو اختلفا في عين العبد الذي جعل فيه الجعل في رده، فقال: رددت العبد الذي جعلت إلي الجعل فيه فأنكر الجاعل، وقال: بل شرطته في العبد الذي لم ترده، فالقول قول جاعل؛ لأنه منكر لما يدعيه العامل زيادة عما يعترف والأصل براءته.

وإن عمل شخص ولو المعد لأخذ أجرة على عمله كالملاح والمكاري والحجام والقصار والخياط والدلال والنقار والكيال والوزان وشبههم ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل وأذن له المعمول له في العمل فله أجرة المثل لدلالة العرف على ذلك.

وإن لم يكن معدًّا لأخذ الأجرة وعمل لغيره عملاً بلا إذن أو بلا جعل ممن عمل له فلا شيء له؛ لأنه بذل منفعته من غير عوض فلم يستحقه ولئلا يلزم الإنسان ما لم يلتزمه ولم تطب نفسه به إلا في تخليص مال غيره ولو كان مال غيره قنا من بحر أو فم سبع أو فلاة يظن هلاكه في تركه فله أجره مثله.

وإن لم يأذن ربه؛ لأنه يخشى هلاكه وتلفه على مالكه بخلاف اللقطة، وكذا لو انكسرت السفينة فخلص قوم الأموال من البحر فتجب لهم الأجرة على الملاك؛ لأن فيه حثًّا وترغيبًا في إنقاذ الأموال من المهلكة.

ومثل ذلك، والله أعلم عندي لو خلص مال غيره من حريق أو سيل لو بقي لتلف فإن الغواص إذا علم أن له الأجرة غرر بنفسه وبادر إلى التخليص بخلاف ما إذا علم أن لا شيء له وإلا في رد الآبق من قن ومدبر وأم ولد إن لم يكن الراد الإمام، فإن كان الإمام أو نائبه فلا شيء له لانتصابه للمصالح وله حق في بيت المال على ذلك ولذلك لم يكن له الأكل من مال يتيم.

وإن كان الراد غير الإمام أو نائبه فله ما قدره الشارع دينارًا أو اثني عشر درهمًا وسواء كان الراد زوجًا أو ذا رحم في عيال المالك وسواء رده من المصر أو خارجه قربت المسافة أو بعدت ما لم يمت سيد مدبر خرج من الثلث وأولد قبل وصول إليه فيعتقا فلا شيء لرادهما في نظير الرد؛ لأن العمل لم يتم إذ العتيق لا يسمى آبقًا أو يهرب الآبق من واجده قبل وصوله؛ لأنه لم يرد شيئًا.

ويأخذ راد الآبق من سيد أو تركته ما أنفق عليه أو ما أنفق على الدابة التي يجوز إلتقاطها يرجع في قوت وعلف وكسوة وأجرة حمل احتيج إليها لا دهن وحلوى ولو هرب أو لم يستحق جعلاً لرده من غير بلد سماه أو لم يستأذن المنفق مالكًا في الإنفاق مع قدرة على استئذانه؛ لأن الإنفاق مأذون فيه شرعًا لحرمة النفس وحثًا على صون ذلك على ربه بخلاف الوديعة.

ولا يجوز لواجد آبق أن يستخدمه بدل نفقته عليه كالعبد المرهون وأولى ويؤخذ جعل ونفقة من تركه سيد ميت كسائر الحقوق عليه ما لم ينو أن يتبرع بالعمل والنفقة فإن نوى التبرع فلا نفقة له، وكذا لو نوى بالعمل التبرع لا أجرة له ومقتضاه لا تعتبر نية الرجوع بخلاف الوديعة ونحوها، والفرق الترغيب في الإنقاذ من المهلكة فيكفي عدم نية التبرع فيرجع ولو لم ينو الرجوع وللإنسان ذبح حيوان خيف موته ولا يضمن ما نقصه؛ لأن العمل في مال الغير متى كان إنقاذًا له من التلف المشرف عليه كان جائزًا بغير إذن مالكها ولا ضمان على المتصرف وإن حصل به نقص، وقيل: يجب عليه ذبح الحيوان المأكول استنقاذًا من التلف وحفظًا لماليته، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن ادعى أنه لم يذبحه إلا خوفًا من موته فلابد من بينة إلا إن كان أمينًا كالراعي أو دلت قرينة على صدقه مثل بعير به مرض أو كان الذابح رجلاً يوثق بدينه وأمانته صدوقًا فلا يضمن، وتقدم في الإجارة إذا ادعى الراعي موتًا ولم يحضره جلدًا قبل يمينه.

قال الشيخ تقي الدين وغيره:
ومن استنقذ مال غيره من مهلكة ورده استحق أجرة المثل ولو بغير شرط في أصح القولين.

وقال إذا استنقذ فرسًا أو نحوه للغير ومرض بحيث أنه لم يقدر على المشي فيجوز، بل يجب في هذه الحال أن يبيعه الذي استنقذه ويحفظ ثمنه لصاحبه نص الأئمة على هذه المسألة ونظائرها.

وقال ابن القيم:
متى كان العمل في مال الغير إنقاذًا له من التلف المشرف عليه كان جائزًا كذبح الحيوان المأكول إذا خيف موته ولا يضمن ما نقص بذبح، قال: ولهذا جاز لأحدهم ضم اللقطة ورد الآبق وحفظ الضالة حتى أنه يحسب ما ينفقه على الضالة والآبق واللقطة.

وينزل إنفاقه عليها منزلة إنفاقه لحاجة نفسه لما كان حفظًا لمال أخيه وإحسانًا إليه فلو علم المتصرف لحفظ مال أخيه أن نفقته تضيع وأن إحسانه يذهب باطلاً في حكم الشرع لما أقدم على ذلك، ولضاعت مصالح الناس ورغبوا عن حفظ أموال بعضهم بعضًا وتعطلت حقوق كثيرة وفسدت أموال عظيمة.

ومعلوم أن شريعة بهرت العقول وفاقت كل شريعة واشتملت على كل مصلحة وعطلت كل مفسدة تأبى ذلك كل الإباء، وذكر أصولاً ثم قال: وإنما الشأن فيمن عمل في مال غيره عملاً بغير إذنه ليتوصل بذلك العمل إلى حقه أو فعله حفظًا لمال المالك وإحرازًا له من الضياع، فالصواب أنه يرجع عليه بأجرة عمله، وقد نص عليه أحمد في عدة مواضع منها إذا حصد زرعه في غيبته.

ومنها:
لو انكسرت سفينته فوقع متاعه في البحر فخلصه، فلو ترك ذلك لضاع والمؤمنون يرون قبيحًا أن يذهب عمل مثل هذا ضائعًا ومال هذا ضائعًا ويرون من أحسن الحسن أن يسلم مال هذا وينجح سعي هذا، انتهى. وكذا يجوز بيع نحو وديعة ولقطة ورهن خيف تلفه ويحفظ ثمنه لربه.

فمن حصل بيده مال غيره وجب عليه حفظه فحيث كان يخشى تلفه ولم يكن مالكه حاضرًا يمكن إعلامه فيفعل ما فيه حظ من بيع أو غيره حسب ما يراه أنفع وهو الموافق للقواعد وللنظائر.

ولو وقع حريق بدار فهدمها غير ربها بلا إذنه على النار خوف سريان أو هدم قريبًا منها خوف تعديها وعتوها لم يضمن ذكرها ابن القيم في الطرق، ثم قال: وكذا لو رأى السيل يقصد الدار المؤجرة فبادر وهدم الحائط ليخرج السيل ولا يهدم الدار كان محسنًا ولا يضمن.

والآبق وغيره من المال الضائع بيد آخذه أمانة إن تلف قبل التمكن من رده بغير تفريط ولا تعد فلا ضمان عليه؛ لأنه محسن بأخذه.

ومن ادّعى الآبق أنه ملكه بلا بينة فصدقه الآبق المكلف أخذه؛ لأنه إذا استحق أخذه بوصفه إياه فتصديقه على أنه ملكه أولى، وأما قول الصغير فغير معتبر فإن لم يجد واجد الآبق سيده دفعه لنائب إمام فيحفظه لربه إلى أن يجده ولنائب إمام بيعه لمصلحة رآها في بيعه ويحفظ ثمنه لانتصابه.

فلو قال سيده بعد أن باعه واجده كنت اعتقته قبل صدور البيع عمل به وبطل البيع؛ لأنه لا يجر به إلى نفسه نفعًا ولا يدفع عنها ضررًا ولم يصدر منه ما ينافيه وليس لواجد العبد بيعه ولا يملكه بعد تعريف؛ لأن العبد يتحفظ بنفسه فهو كضوال الإبل لكن جاز إلتقاطه؛ لأنه لا يؤمن لحاقه بدار حرب وإرتداده وإشتغاله بالفساد.

وكل ما جاز أن يكون عوضًا في الإجارة جاز أن يكون عوضًا في الجعالة فيصح أن يجعل لعامل نفقة وكسوته كاستئجاره بذلك مفردًا أو مع دراهم مسمات وتزيد الجعال بجعل مجهول من مال حربي.

وكل ما جاز عليه أخذ العوض في الإجارة من الأعمال جاز عليه أخذ العوض في الجعالة وما لا يجوز أخذ العوض عليه في الإجارة كالغنا والزمر وسائر المحرمات وتقدم نماذج منها في (ص190) لا يجوز أخذ الجعل عليها؛ لقوله تعالى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:22 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالجمعة 29 يناير 2016, 12:56 am

(33) الـلّــقَـطَـــة
س33: ما هي اللقطة؟ وإذا أخذ نعله أو متاعه وترك بدله فما الحكم؟ وما هي أقسام اللقطة؟ اذكرها بوضوح ممثلاً لكل قسم من أقسامها مبينًا ما يدخل في كل قسم وما يخرج منه، وإذا ترك إنسان دابة بمهلكة أو فلاة أو ألقى مال خوف غرق فما الحكم؟ وما هي أركان اللقطة؟ وما الأصل فيها؟ وإذا أخذ متاع إنسان أو ثيابه من حمام أو نحوه، وما الذي يحرم إلتقاطه؟ وما مثاله؟ وما الذي تضاعف قيمته على من التقطه؟ وماذا يعمل الإمام مما حصل بيده؟ وهل يؤخذ منه؟ وهل يعرفه؟ واذكر الدليل والخلاف والترجيح.

ج: اللُّقَطَة بضم اللام وفتح القاف، وحكى ابن مالك فيها أربع لغات: لقاطة، ولقطة بضم اللام وسكون القاف على وزن حزمة، ولقط بفتح اللام والقاف بلا هاء.

ونظمها في بيت:
لقاطة ولقطة ولقطه ... ولقط لاقط قد لقط

وحكى عن الخليل اللقطة بضم اللام وفتح القاف كثير الإلتقاط، وحكى في «الشرح» اسم للملتقط؛ لأن ما جاء على فعلة فهو اسم للفاعل كالضحكة والصرعة والهمزة واللمزة واللقطة بسكون القاف الملقوط مثل الضحكة الذي يضحك.

واللقطة عرفًا:
مال أو مختص ضائع أو ما في معناه لغير حربي، فإن كان لحربي فلآخذه وهو ما معه كما لو ضل الحربي الطريق فأخذه إنسان فإنه يكون لآخذه.

وأركانها ثلاثة:
ملتقط، وملقوط والتقاط، والأصل في اللقطة ما روى زيد بن خالد الجهني قال: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لقطة الذهب والورق، فقال: «أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فادفعها إليه»، وسأله عن ضالة الإبل، فقال: «مالك ولها دعها، فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها»، وسأله عن الشاة، فقال: «خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب» متفق عليه.

والوكاء:
الخيط الذي يشد به المال في الخاصة في الخرقة، والعفاص: الوعاء الذي هي فيه من خرقة أو قرطاس أو غيره، قال أبو عبيد: والأصل أنه الجلد الذي يلبس رأس القارورة.

وقوله:
«معها حذاؤها» يعني خفها؛ لأنه لقوته وصلابته يجري مجرى الحذاء، وسقاؤها: بطنها؛ لأنها تأخذ فيه كثيرًا فيبقى معها يمنعها العطش، والضالة: اسم للحيوان خاصة دون سائر اللقطة والجمع ضوال، ويقال لها أيضًا: الهوامي والهوامل قاله الشارح، فمن أخذ متاعه في نحو حمام من ثياب أو مداس ونحوه وترك ببناء الفعلين للمجهول بدله شيء متمول غير فالمتروك كلقطة نص عليه في رواية ابن القسم وابن بختان وجزم به في «الوجيز» وغيره.

قال في «المغني»:
ومن أخذت ثيابه من الحمام ووجد غيرها لم يأخذها فإن أخذها عرفها سنة ثم تصدق، إنما قال ذلك؛ لأن سارق الثياب لم يجر بينه وبين مالكها معاوضة تقتضي زوال ملكه عن ثيابه، فإذا أخذها فقد أخذ مال غيره ولا يعرف صاحبه فيعرفه كاللقطة، انتهى.

ويأخذ المأخوذ متاعه حقه من المتروك بدل متاعه بعد تعريفه من غير رفع إلى حاكم، قال الموفق الشارح هذا أقرب إلى الرفق بالناس.

قال الحارثي:
وهذا أقوى على أصل من يرى أن العقد لا يتوقف على اللفظ؛ لأن فيها نفعًا لمن سرقت ثيابه بحصول عوض عنها ونفعًا للآخر إن كان سارقًا بالتخفيف عنه من الإثم وحفظًا لهذه الثياب عن الضياع، فلو كانت الثياب المتروكة أكثر قيمة من المأخوذة كان كانت المتروكة تساوي مائة ريالاً والمأخوذة تساوي ثمانين ريالاً أخذ الثمانين؛ لأنها قيمة ثيابه والزائد عما يستحقه عشرون لم يرض صاحبها بتركها عما أخذه فيتصدق بالباقي الذي هو العشرون إن أحب أو يدفعها إلى الحاكم ليبرأ من عهدتها.

وصوب في «الإنصاف»:
وجوب التعريف إلا مع قرينة تقتضي السرقة بأن تكون ثيابه أو مداسه خيرًا من المتروكة وهي مما لا تشتبه على الآخذ ثيابه ومداسه؛ لأن التعريف إنما جعل في المال الضائع عن ربه ليعلم به ويأخذه وتارك هذه عالم بها راض ببدلها عوضًا عما أخذ ولا يعرف أنه له فلا يحصل من تعريفه فائدة، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

واللقطة ثلاثة أقسام:
أحدها:
ما لا تتبعه همة أوساط الناس ولا يهتمون في طلبه كسوط وهو ما يضرب به فوق القضيب ودون العصي يجمع على سياط، ومنه الحديث: «سياط كأذناب البقر».

قال المنخل يصف موردًا:
كان مزاحف الحيات فيه ... قبيل الصبح آثار السياط

ومما لا تتبعه همة أوساط الناس شسع النعل أحد سيور النعل الذي يدخل بين الأصبعين، وفي الحديث: «إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في نعل واحدة».

ومما لا تتبعه همة أوساط الناس الرغيف، ويقال له: خبزة وككسرة وتمرة وموزة قلبن ومثل ذلك قلم ناشف وقلم رصاص وفنجال شاهي أو مرمن التي يعتادها الناس الثمينة.

والميزان أوساط الناس لا الذي يهتم للشيء البسيط جدًا ولا الذي لا يهتم للشيء الثمين.

فيملك ما لا تتبعه همة أوساط الناس بأخذه ويباح الإنتفاع به؛ لما روى جابر قال: رخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العصى والسوط والحبل يلتقطه الرجل ينتفع به، رواه أبو داود وأحمد عن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر بتمرة في الطريق، فقال: «لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها» أخرجاه.

ولا يلزم تعريفه؛ لأنه من المباحات والأفضل لواجده التصدق به ولا يلزمه بدل ما لا تتبعه همة إذا أتلف عند واجد.

قال في «الشرح»:
إذا التقطه إنسان وانتفع به وتلف فلا ضمان إن وجد ربه الذي سقط منه؛ لأن لاقطه ملكه بأخذه وإن كان ما التقطه مما لا تتبعه الهمة موجودًا أو وجد ربه لزم الملتقط دفع الملتقط له.

وكالقول فيما تقدم في كون آخذه يملكه لو لقي كناس وهو المعروف الآن بالبلدي وبالذي يشيل الدمال وكنخال ومقلش قطعًا متفرقة من الفضة، فإنه يملكها بأخذها ولا يلزم تعريفها ولا بدلها إن وجد بدلها ولو كثرت؛ لأن تفرقها يدل على تغاير أربابها.

ومن ترك دابة لا عبدًا أو متاعًا بمهلكة أو تركها ترك إياس لانقطاعها بعجزها عن المشي أو عجز مالكها عن علفها بأن لم يجد ما يعلفها فتركها ملكها آخذها؛ لحديث الشعبي مرفوعًا: «من وجد دابة قد عجز أهلها فسيبوها فأخذها فأحياها فهي له» قال أبو عبد الله محمد بن حميد بن عبد الرحمن، فقلت: يعني الشعبي من حدثك بهذا، قال: غير واحد من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، رواه أبو داود والدارقطني.

وما ألقي في البحر مما في سفينة خوف غرق يملكه آخذه لا إلقاء صاحبه له اختيارًا فأشبه المنبوذ رغبة عنه، وقيل: إن ما ألقي في البحر خوفًا من الغرق لا يملكه آخذه، والذي تميل إليه النفس القول الأول، وهو أنه باق على ملك أهله ولآخذه الأجرة، وهذا هو الأحوط، والله سبحانه وتعالى أعلم.

القسم الثاني:
الضوال جمع ضالة اسم للحيوان خاصة دون سائر اللقطة، ويقال لها: الهوامي والهوافي والهوامل وامتناعها إما لكبر جثتها كإبل وخيل وبقر وبغال وإما لسرعة عدوها كضباء وأما بطيرانها وأما بنابها كفهد معلم أو قابل للتعليم وإلا فليس بمال كما يعلم مما تقدم في البيع، وكفيل وزرافة ونعامة وقرد وهر وقن كبير.

فهذا قسم غير القن الآبق يحرم التقاطه لما ورد عن زيد بن خالد الجهني، قال: سُئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن لقطة الذهب والورق، قال: «أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة، فإن لم تعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدها إليه»، وسأله عن الإبل، فقال: «ما لك ولها دعها فإن معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها»، وسأله عن الشاة، فقال: «خذها فإنما هي لك أو لأخيك أو للذئب» متفق عليه.

وعن منذر بن جرير قال:
كنت مع أبي جرير بالبواريح في السواد فراحت البقر، فرأى بقرة أنكرها، فقال: ما هذه البقرة؟ قالوا: بقرة لحقت بالبقر فأمر بها فطردت حتى توارت، ثم قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: «لا يأوي الضالة إلا ضال» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه.

ولمالك في «الموطأ» عن ابن شهاب قال:
كانت ضوال الإبل في زمن عمر بن الخطاب إبلاً مؤبلة تتناتج لا يمسكها أحد حتى إذا كان عثمان أمر بمعرفتها ثم تباع، فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها، وروي عن عمر: من أخذ ضالة فهو ضال أي مخطئ.

وكان ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول:
رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى في ضالة الإبل المكتومة بغرامتها ومثلها معها، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: من وجد بعيرًا وعرفه فلم يجد له مالكًا وضربه العلف والتعب في مؤنته فليذهب ويرسله حيث وجده ولأخذه، ولأن الأصل عدم جواز الالتقاط؛ لأنه مال غيره فكان الأصل عدم جواز أخذه كغير الضالة وإنما جاز الأخذ لحفظ المال على صاحبه، وإذا كان محفوظًا لم يجز أخذه، وأما الآبق فيجوز التقاطه صونًا عن الالتحاق بدار الحرب وإتداده وسعيه بالفساد.

وأما الحمر فألحقها بعضهم فيما يمتنع من صغار السباع واعترضه الموفق -رحمه الله- بأنها لا تمتنع وألحقها بالشاة، وما قاله يؤيده الواقع، فإن الحمار لا يمتنع كالشاة، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولا يملك ما حرم التقاطه بتعريف ولا يرجع بما أنفق لتعديه بالتقاطه؛ لعدم إذن المالك والشارع فيه أشبه الغاصب ولا فرق في ذلك بين زمن الأمن والفساد وبين الإمام وغيره.

ولإمام ونائبه أخذه ليحفظه لربه لا على أن لقطة؛ لأن له نظرًا في حفظ مال الغائب، وفي أخذه على وجه الحفظ مصلحة لمالكها بصيانتها ولا يلزم الإمام أو نائبه تعريف ما أخذه منها ليحفظه لربه؛ لأن عمر لم يكن يعرف الضوال، ولأن ربها يجيء إلى موضع الضوال، فإذا عرفها أقام البينة عليها وأخذها.

ولا يؤخذ من الإمام أو نائبه بوصف فلا يكتفي فيها بالصفة؛ لأن الضالة كانت ظاهرة للناس حين كانت في يد مالكها فلا يختص بمعرفة صفاتها دون غيره فلم يكف ذلك، بل يؤخذ منه بينة؛ لأنه يمكنه إقامة البينة عليها لظهورها للناس ومعرفة خلطائه وجيرانه يملكه إياها.

وما يحصل عند الإمام من الضوال فإنه يشهد عليها ويجعل عليها وسمًا بأنها ضالة لاحتمال تغيره ثم إن كان له حمى تركها ترعى فيها إن رأى ذلك.

وإن رأى المصلحة في بيعها وحفظ ثمنها أو لم يكن له حمى باعها بعد أن يحلها ويحفظ صفاتها ويحفظ ثمنها لصاحبها، فإن ذلك أحفظ لها؛ لأن تركها يفضي إلى أن تأكل جميع ثمنها.

وإن أخذها غير الإمام أو نائبه ضمنها؛ لأنه لا ولاية له على صاحبها.

ويجوز التقاط صيود متوحشة بحيث لو تركت رجعت للصحراء بشرط عجز ربها عنها؛ لأن تركها إذن أضيع لها من سائر الأموال والمقصود حفظها لصاحبها في نفسها.

ومثله على ما ذكره في «المغني» وغيره:
لو وجد الضالة في أرض مسبعة يغلب على الظن أن الأسد يفترسها إن تركت أو قريبًا من دار الحرب يخاف عليها من أهلها أو بمحل يستحل أهله أموال المسلمين كوادي التيم أو برية لا ماء فيها ولا مرعى فالأولى جواز أخذها للحفظ ولا ضمان.

ويسلمها إلى نائب الإمام ولا يملكها بالتعريف، قال الحارثي: وهو كما قال: قال في «الإنصاف»: قلت: لو قيل بوجوب أخذها والحالة هذه لكان له وجه، قاله في «شرح الإقناع».

قال ناظم «المفردات»:
وإن تقف بهيمة بمهلكة    وربها يظنها في هلكة
فآخـــذ يملك لا بالــرد    نقول فرق بينها والعبد


ولو كان القصد حفظها في نفسها لما جاز التقاط الأثمان، فإن الدينار دينار حيثما كان ولا يملكها بالتعريف؛ لأن الشرع لم يرد بذلك فيها.

ولا يملكها آخذها بتعريف لما تقدم من أن يحفظها لربها فهو كالوديع وأحجار طواحين وقدور ضخمة وأخشاب كبيرة وأقلام مياه كبيرة ومكائن وأصياخ وكسيارة ودباب وصناديق ضخمة ودواليب كبيرة وأبواب ونحو ذلك كإبل فلا يجوز إلتقاطها؛ لأنها لا تكاد تضيع عن صاحبها ولا تبرح من مكانها فهي أولى بعدم التعرض من الضوال بالجملة للتلف إما بسبع أو جوع أو عطش ونحوه بخلاف هذه.

وما حرم التقاطه ضمنه آخذه إن تلف أو نقص كغاصب ولو كان الإمام أو نائبه وآخذه على سبيل الحفظ؛ لأن التقاط ذلك غير مأذون فيه من الشارع.

وإن تبع شيء من الضوال المذكور دوابه فطرده فلا ضمان عليه أو دخل شيء منها داره فأخرجه فلا ضمان عليه حيث لم يأخذه ولم تثبت يده عليه وإن التقط كلبًا فلا ضمان فيه؛ لأنه ليس بمال.



ومن التقط ما لا يجوز إلتقاطه وكتمه عن ربه ثبت بينه أو إقرار فتلف فعليه قيمته مرتين؛ لحديث: «في الضالة المكتومة غرامتها ومثلها معها» قال أبو بكر في التنبيه: وهذا حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا يُراد سواء كان الملتقط إمامًا أو غيره.

ويزول ضمان ما حرم التقاطه ممن أخذه بدفعه للإمام أو نائبه؛ لأن للإمام نظرًا في ضوال الناس، فيقوم مقام المالك أو يرد المأخوذ من ذلك إلى مكانه الذي أخذه منه بأمر الإمام أو نائبه؛ لما روى الأثرم عن القضبي عن مالك، عن عمر أنه قال لرجل وجد بعيرًا: أرسله حيث وجدته؛ لأن أمره بردّه كأخذه منه.

وعلم مما تقدم أنه إن رده بغير إذن الإمام أو نائبه فتلف كان من ضمانه؛ لأنه أمانة حصلت في يده فلزمه حفظها فإذا ضيعها لزمه ضمانها كما لو ضيع الوديعة.

القسم الثالث:
ما يجوز التقاطه، ويملك بتعريفه المعتبر شرعًا، وهو ما عدا القسمين مما تتبعه همة أوساط الناس وما لا تتبعه، من نقد ومتاع كثياب وكتب وفرش وأوان وآلات حرف ونحوها وغنم وفُصلان بضم الفاء وكسرها جمع فصيل ولد الناقة إذا فصل عن أمه وعجاجيل جمع عجل ولد البقر وجحاش جمع جحش وهو ولد الأتان، وهي الأنثى من الحمر.

قال زيد الخيل:
أتاني أنهم مزقون عرضي ... جحاش الكرملين لهم فديد

وأفلا جمع فلو بوز سحر وجرو وقدو وسمو وهو الجحش والمهر إذا فطما أو بلغ السنة والأوز والدجاج ونحوها، وقال الشيخ تقي الدين وغيره: لا يلتقط الطير والظباء ونحوها إذا أمكن صاحبها إدراكها، وأما إذا خيف عليها كما لو كانت بمهلكة أو في أرض مسبعة أو قريبًا من دار الحرب أو بموضع يستحل أهله أموال المسلمين أو ببرية لا ماء فيها ولا مرعى جاز أخذها.

ولا ضمان على آخذها؛ لأنه إنقاذ لها من الهلاك حتى لو قيل بوجوب أخذها، والحالة هذه لكان متوجهًا، وكالخشبة الصغيرة وقطعة الحديد والنحاس والرصاص والكتب وقدر صغير وصحن وإبريق ودلة ومدخنة وما جرى مجرى ذلك والمريض من كبار الإبل والبقر ونحوهما كالصغير سواء وجد بمصر أو بمهلكة لم ينبذه ربه رغبة منه، فإن نبذه كذلك ملكه آخذه وتقدم في إحياء الموات.

وقن صغير وعكة دهن أو عسل أو تنكة دهن أو عسل أو جالون فيه ذلك أو جرة فيها عسل أو دهن أو الغرارة من الحب أو الكيس من الحب أو السكر أو صندوق شاي أو قطمة هيل أو صندوق هيل أو نحوه فيحرم على من لا يأمن نفسه عليها أخذ هذه اللقطة ونحوها لما فيه من تضييعها على ربها كإتلافها وكما لو نوى تملكها في الحال أو نوى كتمانها.

وكذا عاجز عن تعريفها فليس له أخذها ولو بنية الأمانة؛ لأنه لا يحصل به المقصود من وصولها إلى ربها ويضمنها بأخذها من لا يأمن نفسه عليها إن تلفت فرط أو لم يفرط؛ لأنه أخذ مال غيره على وجه لا يجوز له أخذه؛ لأنه غير مأذون فيه أشبه الغاصب ولا يملك اللقطة ولو عرفها؛ لأن السبب المحرم لا يفيد الملك بدليل السرقة.

فإن أخذها بنية الأمانة ثم طرأ له قصد الخيانة لم يضمن اللقطة إن تلفت بلا تفريط في الحول كما لو كان أودعها إياه وإن أمن نفسه على اللقطة وقوي على تعريفها فله أخذها وقيس عليه كل ما لا يمتنع بنفسه عن صغار السباع.

قال في «التيسير نظم التحرير»:
أنواعها في تسعة هنا ترد    بقرية أو في فلاة متسع
حل التقاطه وليعرفه سنة    منه وإن لم يأته تملكه
فالحيوان مطلقًا إذا وجد    ومن صغار وحشه لم يمتنع
فإن أتى ذو الملك يومًا مكنه    لنفسه بصفة مملكه



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:23 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالجمعة 29 يناير 2016, 1:21 am

(34) الأفضل في حق من وجد لقطة وأقسام ما أبيح التقاطه ولم يملك وما يلزم الملتقط وصفة النداء على اللقطة ووقته ومكانه وحكم تأخير التعريف والمسنون في حق آخذها وحكم لقطة الحرم
س34: هل الأفضل أخذ اللقطة أم تركها؟ وما الحكم فيما إذا أخذها ثم ردها أو فرط فيها؟ وما الذي ينتفع به ولا يعرف؟ وبأي شيء يملك القن الصغير؟ وكم أقسام ما أبيح التقاطه ولم يملك به؟ وما الذي يلزم الملتقط نحوه؟ وهل يرجع بما أنفق عليه؟ ومن أين مؤنته؟ وما طريقة النداء على اللقطة؟ وما وقته؟ وأين مكانه؟ وإذا كانت ملتقطة في برية فما الحكم؟ وعلى من أجرة المنادي؟ وإذا أخر التعريف فما الحكم؟ وهل الخوف عذر في تأخير التعريف؟ وما حكم لقطة الحرم؟ وفيما إذا وجدت بدار حرب، أو ضاعت، أو كان الملتقط غنيًا، أو ضاعت من واجدها، وما الدليل على ذلك؟ واذكر الخلاف والترجيح.

ج: الأفضل لمن أمن نفسه على اللقطة وقوي على تعريفها تركها وعدم التعرض لها، قال أحمد: الأفضل ترك الالتقاط، وروي معناه عن ابن عباس وابن عمر -رضي الله عنهما-: ولو وجدها بمضيعة، قاله في «المطلع»؛ لأن في الإلتقاط تعريضًا بنفسه لأكل الحرام وتضييع الواجب من تعريفها وأداء الأمانة فيها فترك ذلك أولى وأسلم.

قال ناظم «المفردات»:
وعندنا الأفضل ترك اللقطة ... وإن يخف عاد عليها شططه

وقال أبو حنيفة والشافعي:
الإلتقاط أفضل؛ لأن من الواجب على المسلم حفظ مال أخيه، وقال مالك: كما قال أحمد الترك أفضل؛ لخبر: «ضالة المؤمن حرق النار».

وقيل:
واجب، وتأولوا الحديث على من أراد الانتفاع بها من أول الأمر قبل التعريف، والمراد ما عدا لقطة الحاج، فأجمعوا على أنه لا يجوز التقاطها، بل تترك مكانها لنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك.

والذي تميل إليه النفس قول أبي حنيفة والشافعي وهو أن الأفضل الإلتقاط لما ذكر، ولقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} والله سبحانه وتعالى أعلم.

والأفضل مع وجود ربها عكسه وهو أن يتجنبها ولا يأخذها مع وجود ربها، قال في «المبدع»: وعند أبي الخطاب إن وجدها بمضيعة وأمن نفسه عليها فالأفضل أخذها لما فيه من الحفظ المطلوب شرعًا كتخليصه من الغرق ولا يجب أخذه؛ لأنه أمانة كالوديعة وخرج وجوبه إذًا؛ لأن حرمة مال المسلم كحرمة دمه، انتهى، والمذهب الأول والقول الثاني هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومن أخذ اللقطة ثم ردها بلا إذن الإمام أو نائبه إلى موضعها حرم وضمنها، وكذا لو فرط فيها وتلفت حرم وضمنها؛ لأنها أمانة حصلت في يده فلزمه حفظها كسائر الأمانات وتركها والتفريط فيها تضييع لها، وقال مالك: لا ضمان على من أخذها ثم ردها إلى موضعها؛ لأنه روي عن عمر أنه قال لرجل وجد بعيرًا: «أرسله حيث وجدته» رواه الأثرم، ولما روي عن جرير بن عبد الله أنه رأى في بقرة بقرة قد لحقت بها فأمر بها فطردت حتى توارت، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، وحديث عمر في الضالة التي لا يحل أخذها، فإذا أخذها احتمل أن له ردها إلى مكانها ولا ضمان عليه لهذه الآثار، ولأنه ك ان واجبًا عليه تركها ابتداء فكان له ذلك بعد أخذه، وحديث جرير لا حجة فيه؛ لأنه لم يأخذ البقرة ولا أخذها غلامه، إنما لحقت بالبقر من غير فعله ولا اختياره ولذلك يلزمه ضمانًا إذا فرط فيها؛ لأنها أمانة، والله أعلم.

وإن ردها بأمر الإمام أو نائبه بذلك فإنه لا يضمن بلا نزاع؛ لأن للإمام نظرًا في المال الذي لا يعلم مالكه، وكذا لو التقطها ودفعها للإمام أو نائبه ولو كان مما لا يجوز التقاطه، وينتفع بمباح من كلاب ولا تعرف.

ويملك قن صغير بتعريف كسائر الأموال والأثمان صححه في «الإنصاف»، وجزم به في «الرعاية» و«الوجيز»، قال الحارثي: وصغار الرقيق مطلقًا يجوز التقاطه ذكره القاضي واقتصر على ذلك.

وقيل:
يجوز التقاط القن الصغير ذكرًا كان أو أنثى ولا يملك بالالتقاط، انتهى. والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فإن التقط صغيرًا وجهل رقه وحريته فهو حر لقيط، قال الموفق: لأن اللقيط محكوم على حريته؛ لأن الأصل على ما يأتي في اللقيط.

وما أبيح التقاطه ولم يملك به وهو القسم الثالث من أقسام اللقطة ثلاثة أقسام.

القسم الأول:
الحيوان المأكول كالفصيل والشاة والدجاجة ونحوها فيلزم الملتقط نحو هذا فعل الأصح أما أكله بقيمته في الحال؛ لما في الحديث من قوله -صلى الله عليه وسلم- حين سُئل عن لقطة الشاة: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» فجعلها له في الحال؛ لأنه سوَّى بينه وبين الذئب، والذئب لا يتأنى بأكلها، ولأن في كل الحيوان في الحال إغناء عن الإنفاق عليه وحراسة لماليته على صاحبه إذا جاء.

قال ناظم «المفردات»:
والشاة في الحال ولو في المصر ... تملك بالضمان إن لم يبر

وقال مالك وأبو عبيد وابن المنذر وأصحاب الشافعي:
ليس له أكلها في المصر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «هي لك أو لأخيك أو للذئب» ولا يكون الذئب في المصر، ولأنه يمكنه بيعها بخلاف الصحراء، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومتى أراد أكله حفظ صفته فمتى جاء صاحبه فوصفه غرم له قيمته بكمالها، وإن شاء الملتقط لهذا القسم باع الحيوان وحفظ ثمنه؛ لأنه إذا جاز أكله فبيعه أولى وللملتقط أن يتولى ذلك بنفسه ولا يحتاج إلى إذن الإمام في أكله أو بيعه.

وإن شاء حفظ الحيوان وأنفق عليه من ماله؛ لما في ذلك من حفظه على مالكه، فإن تركه بلا إنفاق عليه فتلف ضمنه؛ لأنه مفرط. وليس للملتقط أن يتملك الحيوان ولو بثمن المثل كولي اليتيم.



ويرجع الملتقط بما أنفق على الحيوان ما لم يتعد بأن التقطه لا ليعرفه أو بنية تملكه في الحال.

ويرجع إن نوى الرجوع بما أنفق على مالك الحيوان إن وجده كالوديعة قضى به عمر بن عبد العزيز.

فإن استوت الأمور الثلاثة بأن لم يترجح عنده الأحظ منها خير؛ لأنها كلها جائزة ولعدم ظهور الأحظ.

القسم الثاني:
ما التقط مما يخشى فساده بتبقيته كالبطيخ والطماطم والعنب والموز والرمان والتفاح والبرتقال والمشمش وسائر الخضروات والفاكهة فيلزم الملتقط فعل الأحظ، أما أن يبيعه بقيمته ويحفظ ثمنه بلا إذن حاكم وإن شاء أكله بقيمته قياسًا على الشاة؛ لأن في كل منها حفظًا لماليته على مالكه ويحفظ صفاته في المسألتين.

ومتى جاء صاحبه فوصفه دفع له ثمنه أو قيمته.

وإن شاء جفف ما يجفف كعنب وتمر ونحوهما؛ لأن ذلك أمانة في يده وفعل الأحظ في الأمانات متعين.

وإن احتاج في تجفيفه إلى مؤنة فمؤنته منه فيباع بعضه لتجفيفه؛ لأنه من مصلحته فإن أنفق من ماله رجع، وقيل: ليس له الرجوع.

والذي تميل إليه النفس أنه إن كان بإذن حاكم أو أنفق غير متطوع بالنفقة أن له الرجوع، والله سبحانه وتعالى أعلم.

قال في «التيسير نظم التحرير»:
وثالث الأنواع ما منه فسد ... نحو الطعام فليخير من وجد
في أكلـــــه بقيمــــة لـربه ... أو بيعــــه وحفظ اشترى به


وقال العمريطي:
وقسمت لأربعة أقسام ... أولها يبقى على الدوام
من النقود والثياب والورق ... ونحوها فالحكم فيه ما سبق
والثاني لا يبقى على الدوام ... بحالة كالرطب من طعام
فإن يشا فالأكل مع غرم البدل ... أو بيعها مع حفظ ما منه حصل
ثالثها يبقى ولكن مع تعب ... كالتمر في تجفيفه وكالعنب
فبيعه رطبًا أو التجفيف ... وبعد ذاك يلزم التعريف
رابعها ما احتاج ما لا يصرف ... كالحيوان مطلقًا إذ يعلف
فأخذه يجوز بالتخيير ... للشخص في ثلاثة الأمور
أكل وبيع ثم حفظ للثمن ... والترك لكن أن يسامح بالمون


القسم الثالث:
باقي المال وهو ما عدا القسمين المذكورين من المال كالأثمان والمتاع ونحوهما ويلزم الملتقط حفظ الجميع من حيوان وغيره؛ لأنه صار أمانة في يده في التقاطه ويلزم تعريفه سواء أراد الملتقط تملكه أو حفظه لصاحبه؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب ولم يفرق، ولأن حفظها لصاحبها إنما يفيد بوصولها إليه، ما يتلف إذ التقط وإن وجد خمرًا أراقها.

وإن وجد دخانًا أحرقه وإن وجد تلفزيونًا أو سينما أتلفهما لتحريمها، وإن وجد مذياعًا أتلفه.

وإن وجد صورًا مجسدة أو غير مجسدة من صور ذوات الأرواح أحرقها أو مزقها، وكذا إن وجد كاميرا وهي الآلة التي يصور بها فيتلفها.

وإن وجد بكما أو اسطوانات أغاني أتلفها، وكذا إن وجد تسجيل أغاني محرمة.

وإن وجد مجلات خليعة أو كتب بدع أو كتبًا تحتوي على صور ذوات الأرواح أتلفها.

وإن وجد الورقة التي يلعب بها أتلفها؛ لأن كل هذه من المحرمات الملهيات القاتلات للأوقات.

وإن وجد الشيش المعدة لشرب الدخان أتلفها.

وإن التقط دف صنوج أو آلة تنجيم أو آلة سحر أتلفهما.

ولا غرم في جميع ما تقدم؛ لعدم إباحتها وإن التقط رؤوسًا صناعية أتلفها.

وإن التقط طفايات الدخان أتلفها وجميع الملاهي وآلات الفساد لتحريمها، ولأن في التعريف لها نشر للفساد وفي إيصالها لأصحابها إعانة لأهل المعاصي، والله تعالى يقول: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}.

وطريقة التعريف على اللقطة:

النداء عليها بنفسه أو نائبه؛ لأن إمساكها من غير تعريف تضييع لها عن صاحبها فلم يجز، ولأنه لو لم يجب التعريف لما جاز الإلتقاط؛ لأن بقاءها في مكانها إذًا أقرب إلى صاحبها إما بأن يطلبها في الموضع الذي ضاعت فيه فيجدها، وإما بأن يجدها من يعرفها وأخذه لها يفوت الأمرين فيحرم فلما جاز الإلتقاط وجب التعريف كيلا يحصل الضرر ويعرفها فورًا لظاهر الأمر إذ مقتضاه الفور، ولأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها، فإذا عرفت إذًا كان أقرب إلى وصولها إليه وتعريفها يكون نهارًا؛ لأن النهار مجمع الناس وملتقاهم أول كل يوم قبل انشغالهم بمعاشهم أسبوعًا؛ لان الطلب فيه أكثر، ولأن توالي طلب صاحبها لها في كل يوم باعتبار غالب الناس أسبوعًا ثم مرة في كل أسبوع من شهر ثم مرة في كل شهر، وقيل: على العادة بالنداء، وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب، قال في «الإنصاف»: وهو الصواب، ويكون على الفور. اهـ. وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومدة التعريف حول كامل من وقت التقاطه روي عن عمرو وعلي وابن عباس؛ لحديث زيد بن خالد، فإنه -عليه الصلاة والسلام- أمره بعام؛ لأن السنة لا تتأخر عنها القوافل ويمضي فيها الزمان الذي تقصد فيه البلاد من الحر والبرد والإعتدال فصلحت قدرًا كمدة أجل العنين.

وصفة التعريف بأن ينادي من ضاع منه شيء أو من ضاع منه نفقة ولا يصفها؛ لأنه لا يؤمن أن يدعيها بعض من سمع صفتها فتضيع على مالكها.

ويكون مكان النداء بمجامع الناس غير المساجد، فلا تعرف فيها، بل في السوق عند اجتماع الناس في الأسواق وحمام وباب مسجد وعند أبواب المعاهد والجوامع والمدارس والثانويات والمتوسطات ونحو ذلك وقت صلاة؛ لأن المقصود إشاعة ذكرها، ويحصل ذلك عند اجتماع الناس للصلاة، وكره النداء عليها في المسجد.

وقيل:

يحرم النداء عليها في المسجد؛ لما روى جابر، قال: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رجلاً ينشد ضالة في المسجد، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا وجدت».

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من سمع رجلاً ينشد في المسجد ضالة، فليقل: لا أداها الله إليك، فإن المساجد لم تبن لهذا».

وعن بريدة أن رجلاً نشد ضالة في المسجد، فقال: من دعا إلى الجمل الأحمر، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لا وجدت إنما بنيت المساجد لما بنيت له»، وقد ورد النهي عن رفع الصوت في المسجد، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويكثر تعريف اللقطة في موضع وجدت فيه؛ لأن مظنة طلبها ويكثر تعريفها في الوقت الذي يلي التقاطها؛ لأن صاحبها يطلبها عقب ضياعها فالإكثار منه إذن أقرب إلى وصولها إليه.

قال في «نهاية التدريب»:
ويلزم التعــــريف قدر عام   بالعرف لا في ســـــــائر الأيام
بموضع الوجدان والمجامع   كالطرق والأسواق والجوامع


وإن وجد لقطه في طريق غير مأتي فقيل لقطة، واختار الشيخ تقي الدين أنه كالركاز، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه أحوط، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن التقطها بصحراء عرفها بأقرب البلاد إلى الصحراء التي وجدت فيها اللقطة؛ لأنها مظنة طلبها، وإن كان لا يرجى وجود رب اللقطة لم يجب تعرفها نظرًا إلى أنه كان كالعبث، وقيل: يجب تعريفها، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأن أحوط والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن كانت دراهم أو دنانير ليست بصرة ولا نحوها، فقيل: يملكها بلا تعريف، وقيل: أنه يجب النداء عليها، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه أحوط، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وأجرة مناد على ملتقط؛ لأنه سبب في العمل فكانت الأجرة عليه كما لو اكترى شخصًا يقلع له مباحًا، ولأنه لو عرفها بنفسه لم يكن له عليه أجرة، فكذلك إذا استأجر عليه ولا يرجع بأجرة المنادي على رب اللقطة ولو قصد حفظها لمالكها؛ لأن التعريف واجب على الملتقط.

وقيل:
ما لا يملك بالتعريف والذي يقصد حفظه لمالكه يرجع عليه بالأجرة.

وقيل:
إن الأجرة من نفس اللقطة والقول الثاني هو الذي تميل إليه النفس والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن أخر التعريف عن الحول الأول أثم وسقط أو أخره بعض الحول الأول لغير عذر أثم الملتقط بتأخيره التعريف لوجوبه فورًا وسقط التعريف؛ لأن حكمة التعريف لا تحصل بعد الحول الأول، فإذا تركه في بعض الحول عرف بقيته فقط ولم يملكها بالتعريف بعد حول التعريف؛ لأن شرط الملك التعريف فيه ولم يوجد، ولأن الظاهر أن التعريف بعد الحول لا فائدة فيه؛ لأن ربها بعده يسلو عنها ويترك طلبها.

وقيل: لا يسقط التعريف بتأخيره؛ لأنه واجب فلا يسقط بالتأخير عن الوقت الذي هو الحول الأول كالعبادات وسائر الواجبات، ولأن التعريف بالحول الثاني يحصل به المقصود على نوع من القصور فيجب الإتيان به؛ لقوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»، فعلى هذا إن أخر التعريف نصف الحول أتى بالتعريف في بقيته وكمله من الحول الثاني، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس وهو الأحوط، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وليس خوف الملتقط من سلطان جائر أن يأخذها منه عذر في ترك تعريفها، فإن أخر التعريف لذلك الخوف لم يملكها إلا بعد التعريف فمتى وجد أمنًا عرفها حولاً وملكها فيؤخذ منها أن تأخير التعريف للعذر لا يؤثر.

وكذا إذا ترك تعريفها في الحول الأول لعذر كمرض أو حبس ثم زال عذر نحو مرض وحبس ونسيان فعرفها بعد، فإنه يملكها بتعريفها حولاً بعد زوال العذر؛ لأنه لم يؤخر التعريف عن وقت إمكانه فأشبه ما لو عرفها في الحول الأول.

ومن وجد لقطة وعرفها حولاً فلم تعرف فيه وهي مما يجوز التقاطه دخلت في ملكه؛ لقوله -عليه الصلاة السلام- في حديث زيد بن خالد: «فإن لم تعرف فاستنفقها»، وفي لفظ: «وإلا فهي كسبيل مالك»، وفي لفظ: «ثم كلها»، وفي لفظ: «فانتفع بها»، وفي لفظ: «فشأنك بها» وتدخل في ملك الملتقط حكمًا كالميراث ملكًا مراعًا يزول بمجيء صاحبها.

ولو كانت اللقطة عرضًا أو حيوانًا فتملك كالأثمان؛ لعموم الأحاديث التي في اللقطة جميعها، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئل عن اللقطة، فقال: «عرفها سنة» ثم قال في آخره: «فانتفع بها أو فشأنك بها»، وقيل: لا يملك إلا الأثمان.

قال ناظم «المفردات»:
ملتقط الأثمان مذ عرفها ... حولاً فقهرًا ذا الغنى يملكها

والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وأما لقطة الحرم، فقيل: إنها كغيرها تملك بالتعريف حكمًا؛ لأنه أحد الحرمين فأشبه حرم المدينة، ولأنها أمانة فلم يختلف حكمها بالحل والحرم كالوديعة وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس وعائشة وابن المسيب، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة، وروي عن أحمد رواية أخرى أنه لا يجوز التقاط لقطة الحرم للتملك، وإنما يجوز حفظها لصاحبها، فإن التقطها عرفها أبدًا حتى يأتي صاحبها وهو قول عبد الرحمن بن مهدي، وأبي عبيد، وعن الشافعي كالمذهبين.

واحتج لهذا القول بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة: «لا تحل ساقطتها إلا لمنشد» متفق عليه، وقال أبو عبيد: المنشد المعرف، والناشد الطالب، وينشد: إصاخة الناشد للمنشد فيكون معناه لا تحل لقطة مكة إلا لمن يعرفها؛ لأنها خصصت بهذا من سائر البلدان، كما أنها باينت غيرها في تحريم صيدها وشجرها وتغليظًا لحرمتها، ولأن مكة لا يعود الخارج منها غالبًا إلا بعد حول أو أكثر إن عاد فلم ينتشر إنشادها في البلاد كلها، فلذلك وجب عليه مداومة تعريفها ولا فرق بين مكة وبين سائر الحرم لاستواء جميع ذلك في الحرمة.

وعن عبد الرحمن بن عثمان التيمي -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن لقطة الحاج، رواه مسلم.
قال ابن وهب: يعني يتركها حتى يجدها ربها، رواه أبو داود أيضًا، وأجاب أهل القول الأول عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إلا لمنشد» بأنه يحتمل أن يريد إلا لمن عرفها عامًا، وتخصيصها بذلك لتأكدها لا لتخصيصها، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ضالة المسلم حرق النار».

والقول الذي تطمئن إليه النفس قول من قال: إن لقطة الحرم لا تملك، وهو اختيار الشيخ وغيره من المتأخرين، والله سبحانه وتعالى أعلم.

قال في «التيسير نظم التحرير»:
ورابع الأنواع لقطة الحرم   تعريفها على الدوام ملتزم
فليلتقط للحفـــــظ أو ليترك   ولا يجــــوز الأخذ للتملك


وإن كان الملتقط وجد اللقطة بالجيش الذي هو معه فيبدأ بتعريفها في الجيش الذي هو فيه لاحتمال أن تكون لأحدهم، فإذا قفل أتم التعريف في دار الإسلام، فإذا لم تعرف ملكها كما يملكها في دار الإسلام، هذا إذا اشتبهت عليه وأما إذا ظن أنها من أموالهم فهي غنيمة له لا تحتاج إلى تعريف؛ لأن الظاهر أنها من أموالهم وأموالهم غنيمة.

قال في «الإنصاف»:
قلت: وهذا هو الصواب، وكيف يعرف ذلك؟ وقيل: إن وجد لقطة بدار حرب وهو في الجيش عرفها سنة ابتدأ في الجيش وبقيتها في دار الإسلام ثم وضعها في المغنم، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن كانت من متاع المشركين فيجعلها في الغنيمة، وإن شك فيها عرفها حولاً وجعلها في الغنيمة؛ لأنه وصل إليها بإرادة الله بقوة الجيش.

وإن دخل إلى دار حرب متلصصًا عرفها ثم هي كغنيمة ويحتمل أن تكون غنيمة له من غير تعريف، كما قاله الموفق، قال في «الإنصاف»: عن الإحتمال، قلت: وهو الصواب، وكيف يعرف ذلك؟ انتهى.

وتدخل في ملك الغني كالفقير؛ لأنها كالميراث ولا فرق في ذلك بين الغني والفقر والمسلم والكافر والعدل والفاسق.

وإن ضاعت اللقطة من واجدها بلا تفريط فالتقطها آخر فعرفها الملتقط الثاني مع علمه بالملتقط الأول ولم يعلم الثاني الأول باللقطة أو أعلم الثاني الأول وعرفها الثاني وقصد بتعريفها تملكها لنفسه فتدخل في ملك الثاني حكمًا بانقضاء الحول الذي عرفها فيه كما لو أذن له الأول أن يتملكها لنفسه؛ لأن سبب الملك وجد منه، والأول لم يملكها ولم يوجد منه تعريف لا بنفسه ولا بنائبه، والتعريف هو سبب الملك والحكم ينتفي لانتفاء سببه.

فإن لم يعلم الملتقط الثاني بالملتقط الأول حتى عرفها حولاً كاملاً ملكها الثاني لعدم تعديه إذًا وليس للأول إنتزاعها منه؛ لأن الملك مقدم على حق التملك، وإذا جاء رب اللقطة أخذها من الثاني ولا يطالب الأول؛ لأنه لم يفرط وإن علم الثاني بالأول ردها للأول، فإن أبى الأول أخذها فهي للثاني؛ لأن الأول ترك حقه فسقط.



وإن قال الأول للثاني عرف اللقطة ويكون ملكها لي فعرفها الثاني فهو نائبه في التعريف ويملكها الأول؛ لأنه وكله في التعريف فصح كما لو كانت بيد الأول، وإن قال: عرفها وتكون بيننا، ففعل صح، وكانت بينهما؛ لأنه أسقط حقه من نصفها ووكله في الباقي.

وإن رأى لقطة أو لقيطًا وسبقه آخر إلى أخذه أو أخذها فللآخذ، فإن أمر أحدهما صاحبه بالأخذ فأخذ ونواه لنفسه فهي له، وإلا فللآمر إن صحح التوكيل في الإلتقاط والفرق بين الإلتقاط والإصطياد أن الإلتقاط يشتمل على أمانة واكتساب بخلاف الإصطياد ونحوه، فإنه محض اكتساب.

وإن غصبها غاصب من الملتقط وعرفها أو لم يعرفها لم يملكها؛ لأنه متعد بأخذها ولم يوجد منه سبب تملكها، فإن الإلتقاط من جملة السبب ولم يوجد منه بخلاف ما لو التقطها إثنان، فإنه وجد منه الإلتقاط وإن التقطها إثنان فعرفاها حولاً كاملاً ملكاها جميعًا.

وهل تدخل اللقطة في ملك الملتقط بعد مضي حول التعريف قهرًا عليه إلا أن يختار أن تكون أمانة أو أنه يملكها بعد مضي الحول باختيار التملك، فإن لم يختر التملك لم يملك، وعلى هذا القول، فإن اختار أحدهما دون الآخر ملك المختار نصفها دون الآخر.

ومغصوب مال أن يضع فهو لقطة   ثلاثة أقسام يسير مزهد
كسوط وشسع والرغيف وتمرة   فيملك مجانًا بغير تنشد
فإن كان مما يرغب الناس عنه أن   تجد ربه فاردده عندي فقلد
ولم يقض بالرجعى لمالك سنبل الحصيد   وأثمار الجذاذ المبدد
ومحتمل ألا تعرف لقطة   إذا كان هذا الموجب القطع لليد
وعن أحمد قد جاء تعريف درهم   ودانق عين قيل عن ذكره حد
ومن يلتقط مالاً كثيرًا مفرقًا   يظن لقوم فاعتبر كل مفرد
وذات امتناع من صغار سباعها   بأنفسها من يلتقطها فمعتدي
بتعظيمها أو عدوها أو مطارها   أو الناب والشيء الثقيل كذا اعدد
وكالإبل الأبقار عند إمامنا   وأتن لضعف كالشياه بأجود
وإن خيف من مملوك صيد توحشا   يكن لقطة في الحكم للمتصيد
وزن قيمتي ممنوع تاو كتمته   ويبريك أن تدفعه للحاكم اليد
وما ردها فيء في الأقوى ولا ترد   لشهوة ذي بالوصف لكن بشهد
وآخذها غير الإمام لحفظها   ضمين سوى الخاشي عليها التوى قد
وغير الذي سقنا يجوز التقاطه   وتركه أولى على المتوطد
وقال أبو الخطاب إن كان واجدًا   بمضيعة فالأخذ أولى لمنشد
وإن لم يثق من نفسه بأمانة   ولا حسن تعريف كالغاصب أعدد
وقيل أن يعرفها هنا صار مالكًا   كأخذ الكلا من أرض شخص مصدد
ويضمن بالتفريط أهل التقاطها   ولو ردها في موضع الأخذ يعتدي
وواجدها إن ضاعت من الحرز مثل ذا   وإن يذره يلزم عطاها لمبتدي
وإلا ليملكها بتعريفها له   كذا إن يدر في الأردا وإن شركا طد
وما وجد الصياد أو من يبيعه   بحوت ولم يملك فللمتصيد
وإن يلق ذي في نحو شاة أو التقى   به أثر ملك فهو لقطة منشد
وفي ساحل البحران تجد نحو عنبر   بلا أثر ملك فهو ملك لوجد
ويملك صيدًا في شباك عدا بها   فلم يتعوق والشباك لينشد
وللناضب الآلات ما كان مثبتًا   بها وكذا ما كان ملكًا لذي يد
وفاقد نعل أو ثياب بمغسل   وجد دونها ما لم يشابه بمركد
فعنه تصدق به تعريفها بها   وقيل لذي المفقود حلل وجود
وقيل بل ادفعها لقاض يبيعها   ويقضيك لكن إن تزد لا تزيد
وإن يقترن منب بغلظة آخذ   تعرف وفيها بعد الأوجه أسند
وإن نازع السكان في الدار مالكًا   على الدفن فيها يعط واصفه قد
وكالشاة والفصلان والعجل جائز   الالتقاط في الأولى مع تخير وجد
على أكله في الحال أو بيعه أو احتياط   عليه إن أبى ربه أردد
وقولان في استرجاع إنفاق مشهد   نوى العود واللذ ما نوى العود فاصدد
وما كان كالبطيخ يخشى فساده   فكل ثم بع واضمنه إن تبق يفسد
وفي مذهب الجوزي عرفه دائمًا   إلى خشية الإتلاف فاختر كما ابتدي
وما كان من شيء بجف فكلما   لصاحبه كان الأحظ ليقصد
وقيمة مأكول عليك بأكله   وعز لكها لم تبر منها بل أنقد
فإن شئت تجفيفًا وأنفقت فارتجع   وإن بعت منه ثم أنفقت تحمد
وعنه يباع النزر من غير ذي بقا   وما كثر أرفعه لقاض مقلد
وغير الذي قدمت يلزم حفظه   وتعريف غير التافه المتبدد
عقيب التقاط الكل حولاً متابعًا   نهارًا بأرض الإلتقاط بمحشد
ويكثر من تعريفها وقت أخذها   وما بعد الأسبوع التوالي بموطد
وواجبه ما لا يعد بفعله الفتى   مهملاً في العرف دون تقيد
فإن أخر التعريف في الحول كله   وجب بعدو المنصوص إسقاطه أشهد
ووجهين في تأخير تعريف عاجز   عن الحول هل يعطى به بعد أسند
وقد قيل لا تعريف للشاة مطلقًا   لا طلاقة في الأخذ لما يقيد
وليس بمجد ملكها بعد ذلكم   وقولان في حفظ لها والتجود
وسيان ناوي حفظها وتملك   ولو نزرت في الحل والحرم أطد
وإن عرفت فالأجر خذ من معرف   ولم يعد في كل مال بأوطد
وقال أبو الخطاب أجرة ما نوى   به حفظه أو ليس يملك فأردد
ويذكر جنس في الندا دون وصفها   ويملك لا بالقصد بعد بأجود
ولا فرق بين العروض وغيرها   في الأولى لدى الإرشاد والشيخ قلد
وعن أحمد لا ملك في لقطة أتى   وعنه لى ملكًا له ذي تأيد
وعن أحمد الأثمان يملكها فقط   وكالشاة في الأولى وذا القول أكد
وقولان فيما ليس يملك هل له   التصدق مضمونًا عليه فأسند
وعن أحمد لا ملك في حرم إلا لملتقط   إن حاز دون تقيد



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:23 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالجمعة 29 يناير 2016, 1:38 am

(35) التصرف باللقطة وما يسنّ نحوها وإذا وجدها في مركوبة أو في سمكة أو دعى ما بيد لص أو نحوه ونمائها وإذا وصفها إثنان أو تلفت أو وجدها مبيعة إلخ.
س35: تكلم بوضوح عن حكم التصرف في اللقطة، ومتى يكون؟ وما الذي يسنّ نحوها؟ وما حكم الإشهاد على صفتها؟ وهل تدفع بلا وصف ولمن نماء اللقطة؟ ومتى تعتبر قيمتها؟ وإذا وصفها إثنان أو تلفت أو أدركها صاحبها مبيعة أو موهوبة أو احتاجت إلى مؤنة، أو قال رب اللقطة للملتقط بعد تلفها بيد الملتقط أخذتها لتذهب بها لا لتعرفها، وقال: بل لأعرفها أو استيقظ فوجد بثوبه أو كيسه مالاً أو وجد في حيوان نقدًا أو في سيارة أو في طيارة أو في قطار أو سمكة درة أو عنبرة بساحل أو ادّعى ما بيد لص أو ناهب أو قاطع طريق أنه له فما الحكم؟ وهل هنا فرق بين المعرفين للقطة؟ وما حكم التقاط القن والمدبر والمكاتب والمبعض؟ واذكر ما يتعلق بذلك من محترزات وأمثلة وتفاصيل وقيود وأدلة وتعليلات وخلاف وترجيح.

ج: يحرم تصرف الملتقط في اللقطة بعد تعريفها حولاً ولو بخلط بما لا تتميز منه حتى يعرف وعاءها وهو كيسها من جلد أو خرق أو باغة أو صوف أو وبر أو حديد أو قدر أو زق أو زجاج أو ورق ونحو ذلك وحتى يعرف وكاءها وهو ما يشد به الكيس والزق، هل هو من سير أو خيط أبريسم أو كتان أو قطن أو لون البوك أحمر أو أسود أو أخضر أو أصفر أو خياطته كذا أو حجمه كذا أو عدد ما فيه أو ألوان ما فيه وحتى يعرف قدرها بمعيارها الشرعي من كيل أو وزن أو عد أو ذرع ويعرف جنسها وصفتها التي تتميز بها.

وهي نوعها؛ لحديث زيد وفيه: «فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها وعددها ووكاءها فأعطها إياه، وإلا فهي لك» رواه مسلم، وفي حديث أُبي بن كعب فيه: «عدلها ووعاءها ووكاءها وأخلطها بما لك، فإن جاء ربها فأدها إليه» لأن دفعها إلى ربها يجب بوصفها. 



وإذا تصرف بها قبل معرفة صفتها لم يبق سبيل إلى معرفة وصفها بإنعدامها بالتصرف، ولأنه حيث وجب دفعها إلى ربها بوصفها فلابد من معرفته؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

وسن أن يعرف وكاءها ووعاءها وعفاصها وجنسها وقدرها وصفتها عند وجدانها؛ لأن فيه تحصيلاً للعلم بذلك.

قال في «نهاية التدريب»:
والشخص إن يظفر بمال ضائع   بموضع كمسجد وشارع
فلقطة لواثق بنفسه   أولى وغير واثق بعكسه
وليعرف الملتقط الوعاء   والجنس والمقدار والوكاء

وسن له أيضًا عند وجدانها إشهاد عدلين، قال أحمد: لا أحب أن يمسها حتى يشهد عليها؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل» رواه أبو داود، ولم يأمر به زيد بن خالد وأبي بن كعب، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة فتعين حمله على الندب وكالوديعة.

وفائدة الإشهاد حفظها من نفسه عن أن يطمع فيها ومن ورثته إن مات وغرمائه إن أفلس ولا يسن الإشهاد على صفتها لئلا ينتشر ذلك فيدعيها من لا يستحقها ويذكر صفتها كما قلنا في التعريف من الجنس والنوع ويستحب أن يكتب صفتها ليكون أثبت لها مخافة أن ينساها إن اقتصر على حفظها، فإن الإنسان عرضة للنسيان.

كما قيل:
وما سمي الإنسان إلا لنسيه ... ولا القلب إلا أنه يتقلب

صورته:
ما إذا التقط رجل مالاً وخاف على نفسه الموت أقر فلان أنه في الوقت الفلاني مر في المكان الفلاني فوجد بوكًا أو شنطة أو نحو ذلك ويصف اللقطة بجنسها ونوعها وقدرها ولونها ووعائها وعفاصها حتى يخرجها عن الجهالة وأنه عرف ذلك سنة كاملة آخرها كذا وكذا، ولم يحضر لها صاحب ولا طالب وجميع ذلك باق بعينه الآن ويشخصه للشهود فيشهدوا بتشخيصه ومعاينته إن أمكن، ثم يقول: وإني أخاف على نفسي فراغ الأجل المحتوم واشتغال الذمة والمطالبة بالآخرة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فأشهد عليه بذلك ويؤرخ.

صورة أخرى لكيفية كتابتها:
أقر فلان أنه في اليوم ... من شهر كذا ... أنه التقط في موضع كذا ... كيسًا ضمنه كذا ... وأنه عرفه لوقته وساعته ونادى عليه في موضعه، وفي الأسواق والشوارع والمساجد أيامًا متتالية وجُمعًا متتابعة وأشهرًا مترادفة من حين إلتقاطها إلى سنة كاملة فلم يحضر لها طالب وخشى على نفسه الموت أشهد عليه شهوده أنه وجدها فالتقطها وأنها تحت يده وفي حيازته، فإن حضر من يدعيها ووصفها وثبت ملكه لها أخذها وبرئ الملتقط المذكور عن عهدتها وخلت يده منها بتسليمه إياها لمالكها بالطريق الشرعي، وذلك بتاريخ ومتى وصف اللقطة طالبها وهو مدعي ضياعها بصفاتها ولو بعد الحول لزم دفع اللقطة له إن كانت عنده بنمائها المتصل؛ لأنه ملك مالكها ولا يمكن إنفصالها عنه، ولأن يتبع في العقود والفسوخ بلا يمين ولا بينة ظن صدقة أو لا؛ لقوله -عليه الصلاة والسلام-: «فإن جاء طالبها يومًا من الدهر فأدها إليه»، وقوله: «فإن جاءك أحد يخبرك بعددها ووعاءها ووكاءها فادفعها إليه»، ولأنه يتعذر إقامة البينة عليها غالبًا لسقوط حال الغفلة والسهو فلو لم يجب دفعها بالصفة لما جاز إلتقاطها، وقد جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- بينة مدعي اللقطة وصفها، فإن وصفها فقد أقام البينة.

وعند أبي حنيفة والشافعي أنه لا يلزم الدفع إلا ببينة، وفي «شرح المهذب»: وإن جاء من يدعيها ووصفها، فإن غلب على ظنه أنها له جاز له أن يدفع إليه ولا يلزم الدفع؛ لأن مال الغير فلا يجب تسليمه بالوصف كالوديعة والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ودفع اللقطة لمدعيها بلا وصف ولا بينة يحرم ولو ظن صدقة؛ لأنها أمانة فلم يجز دفعها إلا من لم يثبت أنه صاحبها كالوديعة ويضمن، وقال في «الشرح»: فإن دفعها فجاء آخر فوصفها أو أقام بها بينة لزم الدافع غرامتها له؛ لأنه فوّتها على مالكها بتفريطه وله الرجوع على مدعيها؛ لأنه أخذ مال غيره ولصاحبها تضمين آخذها فإذا ضمنه لم يرجع على أحد.

وإن لم يأت أحد يدعيها فللملتقط مطالبة آخذها بها؛ لأنه لا يأمن مجيء صاحبها فيغرمه، ولأنه أمانة في يده فملك الأخذ من غاصبها.

ومع رق ملتقط وإنكار سيده أنها لقطة فلابد من بينة تشهد بأنه التقطها ونحوه؛ لأن إقرار القن بالمال لا يصح؛ لأنه إقرار على سيده بخلاف إقراره بنحو طلاق.

والنماء المنفصل بعد حول تعريفها لواجدها؛ لأن ملك اللقطة بانفصال الحول فنماؤها إذن نماء ملكه فهو له؛ لقوله: «الخراج بالضمان».

وأما النماء المنفصل في حول التعريف فيرد معها؛ لأنه تابع لها.

وإن تلفت اللقطة أو نقصت أو ضاعت قبله أي الحول ولم يفرط لم يضمنها؛ لأنها في يده أمانة فلم تضمن بغير تفريط كالوديعة.

وإن تلفت أو نقصت أو ضاعت بعد الحول، فإن الملتقط يضمنها مطلقًا سواء فرط فيها أو لم يفرط؛ لأنها دخلت في ملكه فكان تلفها من ماله.

وتعتبر قيمة اللقطة إذا تلفت وقد زادت أو نقصت يوم عرف ربها؛ لأنه وقت وجوب رد العين إليه لو كانت موجودة ويرد مثل مثلي وإن اختلفا في القيمة أو المثل، فالقول قول الملتقط مع يمينه إذا كانت اللقطة قد استهلكت في يد الملتقط؛ لأنه غارم وإن وصف اللقطة إثنان فأكثر معًا أو وصفها ثان بعد الأول، لكن قبل دفعها إلى الأول أقرع بينهما أو أقاما بينتين باللقطة أقرع بينهما؛ لأنه لا مزية لأحدهما على الآخر وتدفع لقارع بيمينه لاحتمال صدق صاحبه كما لو تداعيا عينًا بيد غيرهما ولتساويهما في البينة أو عدمها أشبه ما لو ادعيا وديعة، وقال: هي لأحدهما ولا أعرف عينه، وقيل: تقسم بينهما لتساويهما في الوصف، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه فيما أرى أقرب إلى العدل، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن وصفها ثان بعد دفعها لمن وصفها أولاً فلا شيء لثان؛ لأن الأول استحقها بوصفه إياها مع عدم المنازع له حين أخذها وثبتت يده عليها ولم يوجد ما يقتضي انتزاعها منه فوجب إبقاؤها له كسائر ماله ولو أقام أحد بينة أنها له بعد أن أخذها الأول بالوصف أخذها الثاني من واصف؛ لأن البينة أقوى من الواصف فيرجع صاحبها بذلك، ولأنه يحتمل أن يكون الواصف رآها عند من أقام البينة فحفظ أوصافها فجاء وادعاها وهو مبطل.

ولو ادعى اللقطة كل واحد منهما فوصفها أحدهما دون الآخر حلف واصفها وأخذها، فإن تلفت اللقطة عند الواصف ضمنها؛ لأن يده عادية كالغاصب، ولا ضمان على دافعها لواصفها؛ لأنه دفعها بأمر الشرع كما لو دفعها بأمر الحاكم؛ لأن الدفع إذن واجب عليه، ويغرمها الواصف لمن أقام البينة لعدوان يده.

وإن أعطى ملتقط واصفها بدلها لتلفها عنده لم يطالبه ذو البينة، وإنما يرجع على الملتقط ثم يرجع الملتقط على الواصف بما أخذه لتبين عدم استحقاقه له إن لم يكن أقر للواصف بملكها وحينئذ يكون مدعيًا أن مقيم البينة ظلمه بتضمينه فلا يملك الرجوع على غير من ظلمه.

ولو أدرك اللقطة ربها بعد الحول والتعرف مبيعة أو أدركها موهوبة بيد من انتقلت إليه أو أدركها موقوفة فليس لربها إلا البدل؛ لأن تصرف الملتقط وقع صحيحًا؛ لكونها صارت في ملكه.

ويفسخ العقد إن أدركها ربها زمن خيار بأن بيعت بشرط الخيار سواء كان لبائع أوله وللمشتري وترد له لقدرته عليه وإن كان الخيار للمشتري وحده فليس لربها إلا البدل ما لم يختر المشتري الفسخ ولا يلزم كما لو أدركها بعد عودها إلى الملتقط بفسخ أو غيره فينتزعها؛ لأنه وجد عين ماله في يد ملتقط فكان له أخذه كالزوج إذا طلق قبل الدخول فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة أو كما لو أدركها بعد رهنها، فإن ربها ينتزعها من يد المرتهن لقيام ملكه وإنتفاء إذنه.

ومؤنة رد اللقطة إلى مالكها إن احتاج إلى مؤنة على ربها ذكره في التعليق والانتصار لتبرع الملتقط بحفظها، ولو قال رب اللقطة بعد تلفها بيد الملتقط بحول تعريف بلا تفريط المشروع عليك ضمانها لكونك أخذتها لتذهب بها لا لتعرفها، وقال ملتقط: بل أخذتها لأعرفها، فالقول قول الملتقط بيمينه.

ووارث ملتقط فيما تقدم تفصيله كمورثه لقيامه مقامه، فإن مات ملتقط عرفها وارثه بقية الحول وملكها وبعد الحول انتقلت إليه إرثًا كسائر أموال الميت ومتى جاء صاحبها أو وارثه أخذها أو بدلها وإن عدمت قبل موته فربها غريم ببدلها في التركة.

ومن استيقظ من نوم أو صحى من بنج أو جنون أو زال الإغماء عنه فوجد بثوبه أو كيسه مالاً درهمًا أو جنيهًا أو ريالاً أو غيرها لا يدري من صره أو وضعه في كيسه أو جيبه فهو لهو بلا تعريف؛ لأن قرينة الحال تقتضي تمليكه له.

ولا يبرأ من أخذ من نائم أو مغمى عليه أو فيه بنج شيئًا إلا بتسليمه له بعد إفاقته؛ لأن الأخذ في حالة من الحالات المتقدمة موجب للضمان المأخوذ على آخذه لوجود التعدي؛ أنه إما سارق أو غاصب أو مازح فلا يبرأ من عهدته إلا برده على مالكه في حالة يصح قبضة له فيها.

ومن وجد في حيوان اشتراه كشاة ونحوها نقدًا كدراهم أو دنانير وجدها في بطن الشاة فلقطة أو وجد فيه درة أو عنبرة فهو لقطة لواجده يلزمه تعريفها كسائر الأموال الضائعة، قلت: وكذا لو اشترى سيارة أو نحوها من المركوبات الحديثة فوجد داخل خشة أو حديدة نقدًا أو نحوه.

ويبدأ في تعريف ببائع؛ لأنه يحتمل أن تكون الشاة ابتلعتها من ملكه كما لو وجد صيدًا مخضوبًا أو في أذنه قرطًا أو في عنقه خرز، فإنه لقطة؛ لأن ذلك الخضاب ونحوه يدل على ثبوت اليد عليه قبل ذلك.

وإن وجد إنسان درة غير مثقوبة في بطن سمكة ملكها باصطياده لها من البحر فالدرة لصياد، قال في «الفروع»: لأن الظاهر ابتلاعها من معدنها، قال في «المغني»: لأن الدر يكون في البحر بدليل قوله تعالى: {وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا}.

وإن باع الصياد السمكة غير عالم بالدرة لم يزل ملكه عنها فترد إليه؛ لأنه لو علم ما في بطنها لم يبعه ولم يرض بزوال ملكه عنه وإن وجد الصياد في بطن السمكة ما لا يكون إلا لآدمي كدراهم أو دنانير أو وجد فيها درة أو غيرها مثقوبة أو متصلة بذهب أو فضة أو غيرهما فلقطة لا يملكها الصياد، بل يعرفها وكطير صاده ولا اثر ملك به فهو للصياد.

وإن وجد إنسان عنبرة بساحل فحازها فهي له؛ لأن الظاهر أن البحر قذف بها فهي مباحة، ومن سيق إلى مباح فهو له.

وما روى سعيد، عن إسماعيل بن عياش، عن معاوية بن عمرو، قال: ألقى بحر عدن عنبرة مثل البعير فأخذها ناس بعدن فكتب إلى عمر بن عبد العزيز، فكتب إلينا: أن خذوا منها الخمس، وادفعوا إلى آخذيها سائرها وإن باعوكموها فاشتروها فأردنا أن نزنها فلم نجد ميزانًا يخرجها فقطعناها ثنتين ووزناها فوجدناها ستمائة رطل فأخذنا خمسها ودفعنا سائرها ثم اشتريناها بخمسة آلاف دينار وبعثنا بها إلى عمر.

فلم يلبث إلا قليلاً حتى باعها بثلاثة وثلاثين ألفًا فهو اجتهاد من عمر، والمذهب أن جميعها لواجدها وتقدم في الزكاة وإن لم تكن العنبرة على الساحل فلقطة يعرفها ما لم تصد السمكة التي وجد بها الدرة من عين أو نهر لا يتصل بالبحر فكالشاة في أن ما وجد في بطنها من درة مثقوبة أو غير مثقوبة لقطة؛ لأن العين والنهر غير المتصل ليس معدًا للدر وإن كان متصلاً بالبحر وكانت الدرة غير مثقوبة أنها للصياد أو وجد بما التقط أثر ملك فهو لقطة للملتقط تجري فيه أحكامها.

قال الإمام أحمد:
فيمن ألقى شبكة في البحر فوقعت فيها سمكة فجذبت الشبكة فمرت بها في البحر فصادها رجل، فإن السمكة للذي حازها والشبكة يعرفها ويدفعها إلى صاحبها فجعل الشبكة لقطة؛ لأنها مملوكة لآدمي والسمكة لمن صادها؛ لأنها كانت مباحة ولم يملكها صاحب الشبكة لكون شبكته لم تثبتها فبقيت على الإباحة، قاله في «المغني».

ونقل عن أحمد في رجل انتهى إلى شرك فيه حمار وحش أو ظبية قد شارف الموت فخلصه وذبحه هو لصاحب الأحبولة وما كان من الصيد في الأحبولة فهو لمن نصبها وإن كان بازيًا أو صقرًا أو عقابًا.

وسُئل عن بازي أو صقر أو كلب معلم أو فهد ذهب عن صاحبه فدعاه فلم يجبه ومر في الأرض حتى أتى لذلك أيام فأتى قرية فسقط على حائط فدعاه رجل، فأجابه، قال: يرده على صاحبه، قيل له: فإن دعاه فلم يجبه فنصب له شركًا فصاده به، قال: يرده على صاحبه.

فجعل هذا لصاحبه؛ لأنه قد ملكه فلم يزل ملكه عنه بذهابه عنه والسمكة في الشبكة لم يكن ملكها ولا حازها وكذلك جعل ما وقع في الحبولة من البازي والصقر والعقاب لصاحب الحبولة، ولم يجعله هاهنا لمن وقع في شركه؛ لأن هذا فيما علم أنه قد كان مملوكًا لإنسان فذهب وإنما يعلم هذا بالخبر أو بوجود ما يدل على الملك فيه مثل وجود السير في رجله وآثار التعلم مثل استجابته للذي يدعوه ونحو ذلك.

ومتى لم يوجد ما يدل على أنه مملوك فهو لمن اصطاده؛ لأن الأصل عدم الملك فيه وإباحته ومن ادّعى ما بيد لص أو ناهب أو قاطع طريق أنه له ووصفه فهو له.

قال في «الفروع»:
ومن وصف مغصوبًا ومسروقًا ومنهوبًا ونحوه، فإنه يستحقه بالوصف ولا يكلف بينة تشهد به ذكره في «عيون المسائل»، والقاضي وأصحابه على قياس قول الإمام إذا اختلف المؤجر والمستأجر في دفن الدار فمن وصفه فهو له لترجحه بالوصف.

قال في القاعدة الثامنة والتسعين (98):
من ادّعى شيئًا ووصفه دفع إليه بالصفة إذا جهل ربه ولم تثبت عليه من جهة مالك وإلا فلا.

ولا فرق في وجوب تعريف اللقطة حولاً وملكها بعده بين ملتقط غني وفقير وقن لم ينهه سيده ومسلم وكافر؛ لأن الالتقاط نوع اكتساب فاستووا فيه كالاحتشاش والاصطياد والاحتطاب، وأما من لا يأمن نفسه عليها فيحرم عليه أخذها وتقدم.

وإن وجد اللقطة صغير أو سفيه أو مجنون صح التقاطه؛ لأنه نوع تكسب كالاصطياد وقام وليه بتعريفها عن واجدها؛ لأنه ثبت لواجدها حق التملك فيها فكان على وليه القيام بها.

ولا تكون اللقطة للولي بل لواجدها بعد تعريف الولي؛ لأن سبب الملك تم بشرطه.

فإن تلفت اللقطة بيد أحدهم بغير تفريط فلا ضمان عليه، وإن فرط في حفظها ضمن ما تلف منها بتفريطه في ماله.

قال في «الفروع»: نص عليه في صبي كإتلافه جزم به في «المغني» و«الشرح».

وكتم اللقطة عن ولي واجده بأن علم بها ولم يأخذها منه لكونه ليس أهلاً للحفظ حتى تلفت فعلى الولي ضمانها؛ لأنه هو المضيع لها؛ لأنه يلزمه حفظ ما يتعلق به حق موليه، قاله الأصحاب، ولو عرفها مميز بنفسه بدون إذن وليه فالأظهر الأجزاء، قاله الحارثي؛ لأنه يعقل التعريف فالمقصود حاصل.

فلو لم يعرفها الولي ولا الصغير حتى بلغ لم يملكها؛ لأنه قد مضى أجل التعريف فيما تقدم من السنين وإن عرفها فيما بعد ذلك؛ لأن التعريف بعده لا يفيد ظاهرًا لكون صاحبها ييأس منها ويترك طلبها.

قال الإمام في غلام أصاب عشرة دنانير فذهب بها إلى منزله فضاعت، فلما بلغ أراد ردها فلم يعرف صاحبها تصدق بها، فإن لم يجد وكان يجحف به تصدق قليلاً.

قال القاضي: معنى هذا أنها تلفت بتفريط الصبي وهو أنه لم يعلم وليه حتى يقوم بتعريفها.

وهذه المسألة تدل على أنه إذا ترك التعريف لعذر كان كتركه لغير عذر؛ لأن الصغير من أهل العذر، وقد تقدم ذلك في الضرب الثالث أن تأخير التعريف لعذر ليس مانعًا للتعريف بعد زوال العذر.

والقن يصح التقاطه؛ لعموم الأحاديث، ولأن الإلتقاط سبب يملك به الصغير، ويصح منه فصح من الرقيق وله تعريفها بلا إذن سيده كاحتطابه واحتشاشه واصطياده؛ لأنه فعل حسبي فلم يمكن رده.

وله إعلام سيده بها إن كان عدلاً وأمنه عليها ولسيده أخذها منه ليتولى تعريفها؛ لأنها من كسبه ولسيده إنتزاع كسبه من يده وإن كان القن قد عرفها بعد الحول عرفها السيد تمامه.

ولسيده تركها مع الرقيق الملتقط إن كان الرقيق عدلاً ليتولى تعريفها ويكون السيد مستعينًا به في حفظها كما يستعين به في حفظ ماله.

وإن كان العبد غير أمين كان السيد مفرطًا بإقرارها في يده فيضمنها إن تلفت كما لو أخذها من يده ثم ردها إليه؛ لأن العبد كيده.

وإن أعتق السيد عبده بعد التقاطه كان له إنتزاعه اللقطة من يده؛ لأنها من كسبه.

وإن لم يأمن الرقيق سيده على اللقطة لزمه سترها عنه؛ لأنه يلزمه حفظها وذلك وسيلة إليه ويسلمها إلى الحاكم ليعرفها ثم يدفعها إلى سيده بشرط الضمان، فإن أعلم سيده بها فلم يأخذها منه أو أخذها فعرفها وأدى الأمانة فيها فتلفت في الحول الأول بغير تفريط فلا ضمان فيها؛ لأنها لم تتلف بتفريط من أحدهما.

ومتى تلفت اللقطة بإتلاف الرقيق الملتقط أو تفريطه في الحول أو بعده ولو بدفعها لسيده وهو لا يأمنه عليها، ففي رقبته ضمانها مطلقًا سواء تلفت في حول التعريف أو بعد نص عليه؛ لأنه أتلف مال غيره فكان ضمانه في رقبته كغير اللقطة.

وكذا مدبر ومعلق عتقه وأم ولد لكن إن فطرت أم الولد فداها سيدها بالأقل من قيمتها أو قيمة ما أتلفت كسائر إتلافاتها.

ومكاتب في التقاط كحر؛ لأن المكاتب يملك أكسابه وهذا منها ومتى عاد قنا فعجزه كانت كلقطة القن.

وما يلتقط مبعض فبينه وبين سيده على قدر ما فيه من الحرية والرق كسائر أكسابه.

وكذا في الحكم كل نادر من كسب كهبة وهدية ووصية وركاز ونحوها كنثار وقع في حجره، ولو أن بين المبعض وسيده مهايأة مناوبة على أن كسبه لنفسه مدة معلومة ولسيده مدة معلومة؛ لأن الكسب النادر لا يعلم وجوده ولا يظن فلا يدخل في المهايأة وإن كان الرقيق الملتقط بين شركاء فاللقطة بينهم بحسب حصصهم فيه.

من النظم فيما يتعلق باللقطة
ويلزم علم الوصف والظرف والوكا   لدى ملكها عونًا لعودة قصد
والإشهاد في حين التقاطك سنة   وعند التصرف واجب في المجود
ولا تذكرون عند الشهود صفاتها   بل الجنس مع نوع كتعريف منشد
ويلزم أن تعطي بمتصل النما   لواصفها من غير حلف وشهد
كذلك قبل الحول منفصل النما   وبعد في الأقوى حادث ملك وجد
وليس عليه قبل تملك غرمها   إذا لم يخن بل قبل ذا حكم مشهد
ويضمنها إن تتوى بعد تملك   وتقويمها من حين علم بقصد
ويأخذها من وصف من له بها   شهود بملك ثابت متأكد
ويأخذ منه الغرم بالهلك عنده   وليس له تضمين دافعها اشهد
وقيل بلى إن لم يسلم بحاكم   ومن واصف إن لم يصدقه فاردد
وعن ملك حي واجد إن تزل فلا   رجوع فإن عادت إليه لتردد
وتقسم بين إثنين إن وصفا معًا   وقيل ليحلف قارع وله جد
وإن نفدت عرضه عنها وربها   غريم بها إن كنت في قغر فدفد
وليس بدين قل يحضر ربها   ولكن إذا ما جاله الحق جدد
ويضمن معط دون وصف لمدع   ولا شهد للواصف المتجدد
وآخذها ألزم لرد ودافعًا   طلابًا بها مع فقد باغ ملدد
ومثل فقير ذو الغنى في التقاطها   وذو العهد في أحكامها مثل مهتدي
وقيل بأمر جد على المرء مشرفًا   وقيل انتزعها والأمين ليشهد
وذا الفسق مثل العدل واضمم لحفظها   تعريفها عدلاً إليه بأجود
وإن لم يوات حفظها منه أفردت   مع العدل في حفظ لها وتنشد
وإن يلتقط طفل وذو سفه إلى   وليهما التعريف وهي لوجد
ويضمن بالتفريط فيها إذا توت   كذاك الولي أن يبقها عند فوهد
وإن يلتقط عبد لعدل فإن يشا   يعرف بها المولى وإن شاء يجحد
وكتمانها المولى الخؤون محتم   وللسيد التخليص من عدل أعبد
فإن جهل المولى فعرف عبده   تكن ملك مولاه ويتمم ما ابتدي
فإن يتوها في حول تعريفها تكن   كعدوانه في نفسه عند أحمد
وإن يتوها من بعد حول تعلقت   بذمته من بعد عتق لينقد
إذا قيل بالتعريف يملكها الفتى   ولا ملك في الأولى ففي نفسه طد
كإتلافها في الحكم من بعد حوله   ويسقط تضمين الفتى خذ تسيد
وإن لم يعرفها فمولاه ملزم   بتعريفها حتمًا بغير تردد
وكالحر في حكم التقاط مكاتب   ومن بعضه حر له ولسيد
وقيل إذا هايا لمن في زمانه   أصيبت كذا في نادر الكسب وردد
وأخذكها أولى بها دون مبصر   متى ينوها للنفس لا للمرشد
وتعريفها للجمع فرض كفاية   تصير لهم طرا بتعريف مفرد
وإما تضع من واجد فالتقطتها   ولم تدر رب الملك للواجد أردد
ويأثم حاويها بنية كتمها   وليس له ملك وإن عرف أشهد
وإن يتداعى الدفن في الدار مؤجر   ومستأجر ذا الوصف في النص أرفد
ويملكها إن عرفت إن جهلا معًا  كذا إن تعلم اللاقي فعرفت في ردي
وإن وجدوا المبتاع أيضًا دفينة   على بعض موجود علامة من هدي
فللمشتري اجعل لقطة دون بائع   إذا لم يصفها أو يجيء بشهد
كذا الحكم في الحفار بالأجر والذي   إكتراه كلا الحكمين في نص أحمد
كذا الحكم في الموجود في بطن مشتري   من البر والبياع في قول أرفد
وما أخرج الصياد من سمك يرى   به أثر ملك لقطة لا تقيد
وفاقد أثر الملك من درة له   فإن باع لم يعلم فللدرة أردد
عليه كما لو باع دارًا له بها   من المال كنز فاقتبس وتنشد
وإن ند صيد بالشباك قصدته   ملكت وما معه التقاط لنشد
وترجع بالإنفاق قبل تملك   متى تنوه مع إذن قاض مقلد
وإما بلا إذن متى تنو رجعة   وتشهد على الإنفاق فارجع بأوكد
ومن يلق صيدًا أو عن البحر عنبرًا   بلا اثر يملك وإلا لينشد



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:24 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 09 فبراير 2016, 9:52 am

(36) تعريف اللقيط وبيان أركانه وحكم الالتقاط والإشهاد والنفقة عليه وما يحكم به عليه إذا وجد وحضانته وما وجد معه أو قريبًا منه وما يدور حول ذلك ممن مسائل وشروط وضوابط وتفاصيل
س36: من هو اللقيط؟ وما الذي يبحث فيه هذا الباب؟ وما الأصل فيه؟ وما أركان اللقط الشرعي؟ وما حكم التقاط اللقيط والإشهاد عليه؟ ومن أين ينفق عليه؟ و إذا نفد ما ينفق عليه منه فمن أين ينفق عليه أو بان له من تلزمه نفقته فما الحكم؟ ومتى يحكم بإسلامه؟ ومتى يحكم بحريته؟ ومتى يحكم بكفره وإذا كثر المسلمون في دار الحرب فيما يحكم على لقيطها، وإذا وجد اللقيط في بلد إسلام كل أهله ذمة أو فيها مسلم أو وجد معه أو قريبًا فراش أو ثياب أو نحوها فما الحكم؟ ومن الأولى بحضانة اللقيط؟ وهل لواجده حفظ مال اللقيط؟ وما صفة الإنفاق عليه؟ وضح ذلك مع ذكر الدليل والتعليل والقيود والمحترزات والأمثلة والخلاف والترجيح.

ج: اللقيط: هو فعيل بمعنى مفعول كقتيل وجريح، وشرعًا: طفل لا يعرف نسبه ولا يعرف رقة طرح في شارع أو عند باب مسجد أو في المسجد أو نحوه أو ضل الطريق وهو صغير إلى التمييز، وقيل: إلى البلوغ وهو الذي تطمئن إليه النفس؛ لاحتياجه إلى الحفظ والقيام بتربيته وتعهد أحواله، والله سبحانه وتعالى أعلم.

هذا الباب يبين فيه حقيقته وما يفعل به وإسلامه وحريته والتقاط اللقيط فرض كفاية، و الأصل فيه مع ما يأتي قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ} وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى} وقوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} ولأن آدمي محترم فوجب حفظه كالمضر إلى طعام غيره وإنجائه من غرق فإذا التقطه بعض من أهل الحضانة للقيط سقط الإثم عن الباقين، فإن لم يلتقطه أحدًا ثم الجميع، ولو علم به واحد فقط تعين عليه ويحرم النبذ؛ لأنه تعريض بالمنبوذ للتلف ويسن الإشهاد على اللقيط كاللقطة ودفعًا لنفسه لئلا تراوده باسترقاقه.

وقيل: يجب الإشهاد عليه وإن كان اللاقط ظاهر العدالة خوفًا من أن يسترق وفارق الإشهاد عليه الإشهاد على اللقطة بأن الغرض من اللقطة المال والإشهاد في التصرف المالي مستحب ومن اللقيط حفظ حريته ونسبه فوجب الإشهاد كما في النكاح وبأن اللقطة يشيع أمرها بالتعريف ولا تعريف في اللقيط.

وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويجب الإشهاد على ما مع اللقيط تبعًا له، وقيل: يستحب والأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

صورة فيما إذا وجد رجل لقيطًا وأشهد عليه وعلى ما معه.

أشهد عليه فلان أنه في الوقت الفلاني صباحًا أو مساءً أو ليلاً اجتاز في المكان الفلاني فوجد بالشارع الفلاني أو في المسجد الفلاني أو قرب المسجد الفلاني ويعين المكان ويوضحه إيضاحًا جليًا يؤمن معه الإشتباه بغيره من الأمكنة فوجد فيه صبيًا أو طفلة ملقى على الأرض، ويذكر صفته التي وجده بها ويعينه للشهود وأنه لقيط لم يكن له فيه ملك ولا شبهة ملك ولا حق من الحقوق الموصلة لملكه ولا لملك بعضه وأنه مستمر في يده على الحكم المشروع أعلاه عرف الحق في ذلك فأقر به والصدق فاتبعه لوجوبه عليه شرعًا وأشهد عليه بذلك في تاريخ كذا وكذا.

وله ثلاثة أركان: اللقيط، وقد عرف، والإلتقاط والملتقط: وهو كل حر مكلف رشيد عدل، ولو ظاهر، وينفق عليه مما معه إن كان معه شيء؛ لأن نفقته واجبة في ماله وما وجد معه فهو ماله؛ لأن الطفل يملك وله يد صحيحة بدليل أنه يرث ويورث.

ويصح أن يشتري له وليه ويبيع من ماله وإلا يكن معه شيء فينفق عليه من بيت المال؛ لما روى سعيد عن سنين أبي جميلة، قال: وجدت ملقوطًا فأتيت به عمر، فقال عريفي: يا أمير المؤمنين، إنه رجل صالح، فقال عمر: أكذلك هو؟ قال: نعم، فقال: فأذهب هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته ورضاعه.

فإن تعذر الإنفاق عليه من بيت المال لكونه لا مال فيه أو لكون البلد ليس فيها بيت مال ونحوه إقترض على بيت المال حاكم وظاهره ولو مع وجود متبرع؛ لأنه أمكن الإنفاق عليه بدون منة تلحقه في المستقبل أشبه الأخذ لها من بيت المال، قاله في «شرح المنتهى» فلو اقترض الحاكم ما أنفق عليه ثم بان اللقيط رقيقًا أو بان له من تلزمه نفقته كأب موسر أو وارث موسر رجع الحاكم على سيد الرقيق وأبى الحر الموسر؛ لأن النفقة حينئذ واجبة عليهم وإن لم يظهر له أحد تجب عليه نفقته، وفي الحاكم ما اقترضه من بيت المال؛ لأن نفقته حينئذٍ واجبة فيه.

وإن كان اللقيط مال تعذر الإنفاق منه لمانع أو ينتظر حصوله من وقف أو غيره فلمن أنفق عليه الرجوع أن يرجع؛ لأنه في هذه الحالة غني عن مال الغير، هذا معنى كلام الحارثي، وقال: وإذا أنفق الملتقط أو غيره نفقة المثل بإذن الحاكم ليرجع فله الرجوع، انتهى. والله أعلم.

وإذا أنفق بغير أمر الحاكم، فقال أحمد: يؤدي النفقة من بيت المال، فإن تعذر على الحاكم الإقتراض من بيت المال أو كان لا يمكن الأخذ منه لنحو منع مع وجود المال فعلى من علم حاله الإنفاق عليه مجانًا للأمر بالتعاون على البر والتقوى والإحسان، ولأنه إحياء معصوم وإنقاذ له من التلف، قال تعالى: "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

وكذا حكم كل فرض كفاية يلزم من علم به القيام مجانًا ولا يرجع المنفق بما أنفقه عليه عند تعذر أخذ من بيت المال أو الإقتراض عليه؛ لأنه فرض كفاية إذا قام بها البعض سقطت عن الباقين لحصول المقصود وإن ترك الكل أثموا أو لأنها وجبت للمواساة فهي كنفقة القريب وقري الضيف.

جزم به القاضي وجماعة منهم صاحب «المستوعب» و«التلخيص»، واختاره صاحب «الموجز» و«التبصرة»، وقالا له: أن ينفق عليه من الزكاة وقدمه في «الرعاية»، قال الحارثي: وهو أصح؛ لأن الوجوب مجانًا واستحقاق العوض لا يجتمعان، انتهى.

ويحكم بإسلام الرقيق إن وجد بدار الإسلام، وفيه مسلم أو مسلمة يمكن كونه من أحدهما لظاهر الدار وتغليبًا للإسلام فإنه يعلو ولا يعلى عليه ويحكم بحريته؛ لأنها الأصل في الآدميين، فإن الله خلق آدم وذريته أحرارًا والرق لعارض والأصل عدمه.

فاللقيط حر في جميع أحكامه حتى في قذف وقود إلا أن يوجد اللقيط ببلد حرب ولا مسلم في يد الحرب أو فيه مسلم كتاجر وأسير فهو كافر رقيق؛ لأن الدار لهم.

وإذا لم يكن فيها مسلم كان أهلها منهم وإن كان فيها قليل من المسلمين كتاجر وأسير غلب فيها حكم الأكثر من أجل كون الدار لهم.

قال في «الرعاية»: وإن كان فيها مسلم ساكن فاللقيط مسلم.

وإلى ذلك أشار الحارثي، فقال: مثل الأصحاب في المسلم هنا بالتاجر والأسير واعتبر إقامته زمنًا حتى صرح في «التلخيص»: أنه لا يكفي مروره مسافرًا وإن كثر المسلمون في دار الحرب فلقيطها مسلم حر تغليبًا للإسلام، وإن وجد اللقيط في بلد إسلام كل أهله ذمة، فقيل: إنه مسلم؛ لأن الدار للمسلمين، ولاحتمال كونه من مسلم يكتم إيمانه، قاله القاضي وابن عقيل.

وقال في «المنتهى»: وفي بلد كل أهله ذمة فكافر؛ لأنه لا مسلم بها محتمل كونه منه وتغليب الإسلام إنما يكون مع الإحتمال.

وقال في «الإقناع»: وإن وجد في دار الإسلام في بلد كل أهلها ذمة ووجد فيها لقيط حكم بكفره. اهـ.

وكذلك جزم الموفق والشارح وصاحب «المبدع» وغيرهم بأنه يحكم بكفره.

وما مشى عليه في «الإقناع» و«المنتهى» هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن كان ببلد إسلام كل أهله ذمة مسلم ولو واحدًا يمكن كون اللقيط من المسلم فاللقيط مسلم، قال بعض الأصحاب منهم الموفق والشارح قولاً واحدًا تغليبًا للإسلام ولظاهر الدار.

وإن لم يبلغ من لقيط قلنا بكفره تبعًا لدار الكفر وهو من وجد في بلد أهل حرب لا مسلم به أو به نحو تاجر وأسير حتى صارت دار الكفر دار إسلام فهو مسلم فيها حكمنا بإسلامه تبعًا للدار؛ لأنها صارت دار الإسلام.

وما وجد مع لقيط من فراش تحته كوطاء وبساط ووسادة وسرير وثياب وحلي أو غطاء عليه أو مال بجيه أو تحت فراشه أو وسادته أو وجد مدفونًا تحته دفنًا طريًا بأن تجدد حفره أو وجد مطروحًا قريبًا منه كثوب موضوع إلى جانبه أو وجد حيوان مشدودًا بثيابه فهو له.

وكذا ما طرح من فوقه أو ربطه به أو بثيابه أو سريره وما بيده من عنان دابة أو مربوطًا عليها أو مربوط به أو بثيابه، قاله الحارثي؛ لأن يده عليه فالظاهر أنه كالمكلف.

ويمتنع التقاطه بدون التقاط المال الموجود لما فيه من الحيلولة بين المال ومالكه.

وكذا خيمة ودار وجد فيها فهي له وجهل مالكها ولم يكن فيها غيره، فإن كان ثم بالغ في جميع ما تقدم فهو به أخص إضافة للحكم إلى أقوى السببين، فإن يد الملتقط ضعيفة بالنسبة إلى يد البالغ، وإن كان الثاني لقيطًا فهو بينهما نصفين لاستواء يدهما إلا أن توجد قرينة تقتضي إختصاص أحدهما بشيء دون شيء فيعمل بها وما وجد مدفونًا بعيدًا عنه أو مدفونًا تحته غير طري لم يكن له إعتماد على القرينة وما ليس محكومًا له به فلقطه.

والأولى بحضانة اللقيط واجده؛ لأنه وليه إن كان أمينًا عدلاً لما تقدم عن عمر - رضي الله عنه - ؛ لأن عمر أقر اللقيط في يد أبي جميلة حين قال له عريفه إنه رجل صالح ولو كان ظاهرًا لم تعلم عدالته باطنًا كولاية النكاح والشهادة فيه وأكثر الأحكام حرًا تام الحرية؛ لأن كلا من القن والمدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة منافعه مستحقة لسيده فلا يصرفها في غير نفعه إلا بإذنه.

وكذا المكاتب ليس له التبرع بماله ولا منافعه إلى بإذن سيده وكذا المبعض لا يتمكن من إستكمال الحضانة فإن أذن السيد لرقيقه أقر بيده؛ لأنه يصير كأن السيد التقطه واستعانت برقيقه في حضانته.

قال ابن عقيل: إن أذن له السيد لم يكن له الرجوع بعد ذلك وصار كما لو التقطه مكلفًا؛ لأن غير المكلف لا يلي أمر نفسه فلا يلي أمر غيره رشيدًا؛ لأن السفيه لا ولاية له على نفسه فغيره أولى.

ويجوز لمن لا يقر بيده التقاط؛ لأن أخذه قربه لا يختص بواحد دون آخر وعدم إقراره بيده دوامًا لا يمنع أخذه ابتداء إلا الرقيق فليس له التقاطه إلا بإذن سيده إلا أن لا يعلم به سواء فعليه التقاطه لتخليصه من الهلاك كالغرق ويأتي.

ولواجدة المتصف بما تقدم حفظ مال اللقيط بلا حكم حاكم؛ لأنه وليه لقول عمر ولك ولاؤه، ولأنه ولي بحضانته لا من أجل قرابته منه أشبه الحاكم.

ولواجده المتصف بما تقدم الإنفاق على اللقيط مما وجد معه بلا إذن حاكم لولايته عليه وكما لو وصي، ولأنه من الأمر بالمعروف بخلاف من أودع مالاً وغاب وله ولد فلا ويسن لواجد اللقيط الإنفاق على اللقيط بإذن الحاكم إن وجد؛ لأنه أبعد عن التهمة وأقطع من المظنة وخروج من الخلاف وأحفظ لماله من أن يرجع عليه مما أنفق وينبغي لولي اللقيط أن ينفق عليه بالمعروف كولي اليتيم، فإذا بلغ واختلفا هو وواجده في قدر ما أنفق عليه أو اختلفا في التفريط في الإنفاق بأن قال اللقيط: أنفقت علي فوق المعروف، وأنكر واجده بأن قال: بل أنفقت عليك بالمعروف، فقول المنفق بيمينه؛ لأنه أمين والأصل براءته.

ولواجد اللقيط قبول هبة للقيط وله قبول وصية له وله قبول زكاة إن كان ممن نحل له وقبول نذر له كولي اليتيم، ولأن القبول محض مصلحة فكان له بلا إذن حاكم كحفظه وتربيته.

وقال «شرح الإقناع»:قلت: ولعل المراد يجب إن لم يضر باللقيط كما تقدم في الحجر فيما إذا وهب لليتيم رحمة أنه يجب القبول إن لم تلزم نفقته وإنما عبروا باللام في مقالة من منع ذلك وجعله للحاكم.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:24 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 09 فبراير 2016, 9:57 am

(37) أحكام تتعلق باللقيط والملتقط عند التنازع وعند عدمه وبيان ميراثه وديته وجنايته والجناية عليه ومن يقر بيده ومن لا يقر بيده ما حول ذلك من مسائل
س37: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: التقاط القن، التقاط ذمي لذمي إذا التقط اللقيط كافر ومسلم، إذا التقطه من البادية، أو صبي، أو التقطه في الحضر من يريد النقلة، أو وجد بفضاء خال من السكان، أو التقطه موسر ومعسر، أو مقيم ومسافر، أو امرأة ورجل، أو ظاهر العدالة أو كريم مع ضدهما، إذا ادعى إثنان صفة الشركة في الإلتقاط، ديته، وميراثه لمن جنايته، إذا ادعى رق اللقيط، إذا ادعاه مالك أمة، إذا ادّعى اللقيط الكفر، إذا وجد في دار كفر أو في دار إسلام، إذا دني عليه؟ واذكر الدليل والتعليل و المحترزات والقيود والخلاف والترجيح.

ج: يجب الإلتقاط على قن لم يوجد غيره؛ لأنه تخليص للقيط من الهلكة وهو واجب في هذه الحال لانحصاره فيه ويصح التقاط ذمي لذمي ويقر بيده؛ لقوله تعالى: "وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" .

ومحل ذلك فيما إذا عرف بعلامة أو وجد في بلد أهله ذمة كما تقدم، وإن التقط اثنان لقيطًا كافرًا فهما سواء لاستوائهما في الالتقاط وللكافر على الكافر الولاية.

وقيل: المسلم أحق به؛ لأنه عند المسلم ينشأ عن الإسلام ويتعلم شرائع الدين فيفوز بالسعادة، ولأن الكفالة ولاية ولا ولاية للكافر على المسلم، قال الله تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}، ولأنه لا يؤمن أن يفتنه عن دينه.

وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويقرّ لقيط بيد من التقطه بالبادية مقيمًا في حلة –بكسر الحاء- وهي بيوت مجتمعة للاستيطان؛ لأنها كالقرية، فإن أهلها لا يرحلون عنها لطلب الماء والكلأ أو لم يكن في حلة لكنه يريد نقل اللقيط إلى الحضر؛ لأنه ينقله من أرض البؤس والشقاء إلى أرض الرفاهية والدين، فيقر بيده.

ولا يقر بيد ملتقطه إن كان بدويًا ينتقل في المواضع؛ لأنه إتعاب للطفل بنقله فيؤخذ من إلى من في قرية؛ لأنه أرفه له وأخف عليه.

وقيل: يقر بيده، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه أرجى لظهور نسبه وأصح لبدنه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولا يقر بيده من وجده في الحضر فأراد نقله للبادية؛ لأن مقامه في الحضر أصلح له في دينه ودنياه وأرفه له وكونه وجده في الحضر، فالظاهر أنه ولد فيه فبقاؤه فيه أرجى لكشف نسبه وظهور أهله واعترافهم به، وقيل: يقر بيده.

والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس لما تقدم، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولا يقر بيد واجده مع فسقه الظاهر أو رقه لانتفاء أهليته للحضانة والولاية على الأحرار إلا أن يأذن له سيده، فإن أذن له فهو نائبه.

ولا يقر بيده مدبر وأم ولد ومعلق عتقه بصفة ومكاتب وعضه حر لقيام الرق وتقدم أو مع كفر الواجد واللقيط مسلم لانتفاء ولاية الكافر على المؤمن ولا يؤمن فتنته في الدين.

ولا يقر بيد صبي ومجنون؛ لعدم أهليتهم للولاية.

وإن التقطه حضرًا من يريد نقله إلى بلد آخر لم يقر بيده أو التقطه في الحضر من يريد النقلة إلى بلد آخر أو إلى قرية أو التقطه من يريد النقلة من حلة إلى حلة لم يقر بيده؛ لأن بقاؤه في بلده أو قريته أو حلته أرجى لكشف نسبه وكالمتنقل به إلى البادية.

وقيل: إذا التقطه من يريد النقلة إلى بلد آخر يقر بيده؛ لأن البلد كالبلد، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومحل المنع ما لم يكن المحل الذي كان وجد به وبيئًا وخيمًا كغور بيسان بكسر الموحدة وبعدها مثناة تحتية ثم سين مهملة موضع بالشام استعمل عمر النعمان بن عدي بن نضلة عليه فبلغه عنه الشعر الذي قاله، وهو:

ومن مبلغ الحسناء أن خليلها ... بميسان يسقى من زجاج وحنتم
إذا شئت غنتني دهاقين قرية ... ورقاصة تحدو على كل مبسم
فإن كنت ندماني فبالأكبر اسقني ... ولا تسقني بالأصغر المتثلم
لعل أمير المؤمنين يسوؤه ... تنادمونا بالجوسق المتهدم


فعزله، وقال: لا تعمل لي عملاً أبدًا، ونحو غور بيسان من الأراضي الوبيئة كالجحفة بالحجاز، فإن اللقيط يقر بيد المنتقل عنها إلى البلاد التي لا وباء فيها أو دونها في الوباء لتعين المصلحة في النقل قاله الحارثي.

وإن وجد اللقيط بفضاء خال من السكان نقله حيث شاء، قاله في «الترغيب» و«التلخيص» إذ لا وجه للترجيح.

ولا يقر اللقيط بيد مبذر وإن لم يكن فاسقًا، قاله في «التلخيص» فإن أراد السفر به لم يمنع للأمن عليه وإن كان الملتقط مستور الحال لم تعرف منه حقيقة عدالة ولا خيانة أقر اللقيط في يده؛ لأن حكمه حكم العدل في لقطة المال والولاية في النكاح والشهادة فيه وفي أكثر الأحكام؛ لأن الأصل في المسلم العدالة، ولذلك قال عمر: «المسلمون عدول بعضهم على بعض».

فإن أراد السفر بلقيطه لغير نقلة أقر بيده؛ لأنه يقر في يده في الحضر من غير مشرف يضم إليه فأشبه العدل، ولأن الظاهر الستر والصيانة.

وحيث قلنا لم يقر اللقيط فيما تقدم من المسائل، فإنما هو عدم إقراره عند وجود الأولى به من الملتقط، فإن لم يوجد أولى منه فإقراره بيده أولى كيف كان لرجحانه بالسبق إليه.

ويقدم موسر ومقيم من ملتقطين للقيط معًا على ضدهما فيقدم الموسر على المعسر؛ لأنه أحط للقيط وإن التقطه فقير وحده، فقيل: لا يقر بيد الفقير؛ لأنه لا يقدر على حضانته من حيث ضعف الإمكانيات اللازمة لحياة الطفل؛ لأن الغالب أن مسكن الفقير لا تتوفر فيه مسائل التهوية والأسباب الوقائية والنظافة وما إلى ذلك.

وقيل: يقر بيده؛ لأن الأمور تجري بقضاء الله وقدره بضمانه وكفالته وأن الله تعالى تكفل بحفظه إذا شاء، وأن الأسباب الضرورية للحياة ينشأ عليها أبناء الفقراء مألوفة عندهم ويشبون عليها وتبنى فيها أجسامهم كأقوى ما تبنى الأجسام وقد رؤي حسًا ومشاهدة ما يتمتع به أبناء الفقراء من مناعة ضد الأمراض مع الكفاف في العيش، وذلك من رعاية الله لخلقه.

وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويقدم المقيم على المسافر؛ لأنه أرفق به فإنه استوى الملتقطان بأن لم يتصف أحدهما بما يكون به أولى وتشاحا به أقرع بينهما؛ لقوله تعالى: {وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} ولأنه لا يمكن أن يكون عندهما في حالة واحدة.

وإن تهايآه بأن جعل عند كل واحد يومًا أو أكثر أضر بالطفل؛ لأنه تختلف عليه الأغذية والأنس والألف ولا يمكن دفعه إلى أحدهما دون الآخر بالتحكم لتساويهما في سبب الاستحقاق ولا يمكن أن يسلم إلى غيرهما؛ لأنه قد ثبت لهما حق الالتقاط فلا يجوز إخراجه عنهما، فتعين الإقراع بينهما كالشريكين في تعيين السهام بالقسمة، وكما يقرع بين النساء في البداءة بالقسم ولا ترجح المرأة في الالتقاط كما ترجح في حضانة ولدها على أبيه؛ لأنها إنما رجحت هناك لشفقتها على ولدها وتوليها لحضانته بنفسها والأب يحضنه بأجنبية فكانت أمه أحظ له وأما هاهنا فهي أجنبية من اللقيط والرجل يحضنه بأجنبية فاستويا.

ولا يقدم ظاهر العدالة على مستورها ولا يقدم كريم على بخيل ولا يقدم بلدي على قروي لاستواء المذكورين في الأهلية.

وإن اختلف المتنازعان فادّعى كل واحد منهما أن الذي التقطه وحده، فاللقيط للذي له البينة به بلا نزاع سواء كان في يده أو في غيره عملاً بالبينة.

فإن أتى كل واحد ببينة نظر في تاريخ البينتين وقدم السابق بالتاريخ؛ لأن الذي بينته متأخرة إنما يريد أن يأخذ الحق ممن ثبت له، فإن اتفق التاريخ أو أطلقتا أو أرخت إحداهما وأهملت الأخرى تعارضتا وسقطتا فكدعوى المال فتقدم بينة تاريخ وإن لم يكن لهما بينة فصاحب اليد مقدم؛ لأن اليد تفيد الملك فأولى أن تفيد الإختصاص فيكون اللقيط له بيمينه لاحتمال صدق الآخر.

فإن كان اللقيط بيديهما ولا بينة استعملت القرعة لتساويهما وعدم المرجح؛ لأن القرعة تستعمل عند اشتباه المستحقين وعند تزاحمهم وليس أحدهما أولى من الآخر، ولا طريق إلى اشتراكهما في كفالة اللقيط فمن خرجت له القرعة سلم له اللقيط بيمينه.

وإن لم تكن لمن عدمت بينتاهما أو تعارضتا يد على اللقيط فوصف أحدهما بعلامة مستورة مثل ذلك أن يقول بظهره أو بطنه أو كتفه أو فخذه شامة أو جرح أو أثره أو أثر نار أو نحو ذلك من العلامات المستورة فكشف فوجد كما ذكر قدم على من لم يصفه به؛ لأنه نوع من اللقطة فقدم بوصفها كلقطة المال، ولأنه يدل على سبق يده عليه.

وإن وصفاه جميعًا أقرع بينهما لانتفاء المرجح لأحدهما على الآخر، وإن لم يكن لهما بينة ولا لأحدهما ولم يصفاه ولا وصفه أحدهما ولا يد لهما ولا لأحدهما سلمه حاكم لمن يرى منهما أو من غيرهما؛ لأنه لا يد لهما ولا بينة فاستويا وغيرهما فيه كما لو لم يتنازعاه ولا تخيير للقيط إذ لا مستند له بخلاف اختيار الصغير أحد الأبوين؛ لأنه يستند إلى تجربة تقدمت قاله في «التلخيص».

ومن أسقط حقه من مختلفين في لقيط سقط؛ لأن الحق لهما، فكان لكل منهما تركه الآخر كالشفيعين.

وإن ادّعى أحدهما أن الآخر أخذه منه قهرًا وسأل يمينه، ففي «الفروع»: يتوجه يمينه؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لو يُعطى الناس بدعواهم لادّعى قومٌ دماء قوم وأموالهم ولكن اليمين على مَنْ ادّعى عليه».

والشركة في الالتقاط أن يأخذ الملتقطان اللقيط معًا.

ووضع اليد عليه كالأخذ.

ولا اعتبار بالقيام المجرد عن الأخذ عند اللقيط؛ لأن الالتقاط حقيقة في الأخذ، وفي معناه وضع اليد فلا يوجد بدونهما.

وارث اللقيط إن مات لبيت المال ولا يرثه الملتقط؛ لأنه إذا لم يكن رحم ولا نكاح فالإرث بالولاء.

وديته إن قتل لبيت المال؛ لأنهما من ميراثه كسائر ماله إن لم يخلف وارثًا بفرض أو تعصيب فإن كانت له زوجة فلها الربع والباقي لبيت المال.

وهذا قول مالك والشافعي وأكثر أهل العلم، واختار الشيخ تقي الدين - رحمه الله - أن ميراث اللقيط لملتقطه.

وهذا القول هو الذي تميل النفس إليه يؤيده ما روى أبو داود والترمذي من حديث واثلة بن الأسقع مرفوعًا: «المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه» والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن ماتت لقيطة لها زوج فله النصف والباقي لبيت المال، وإن كان له بنت أو بنت ابن أو ابن بنت أخذ جميع المال؛ لأن الرد والرحم مقدم على بيت المال.

ومحل ذلك ما لم يستلحقه ملتقطه بأن يدعي أنه منه، فإن استلحقه وأمكن كونه منه لحقه وجاز وارثه.

وإذا جنى اللقيط جناية تحملها العاقلة بأن جنى خطأ أو شبه عمد فدية خطئه ونحوها في بيت المال؛ لأن ميراثه له ونفقته عليه.

وإن جنى جناية لا تحملها العاقلة كالعمد المحض وإتلاف المال فحكمه فيها حكم غير اللقيط، فإن كانت توجب القصاص وهو بالغ عاقل اقتص منه مع المكافأة.

وإن كانت موجبة للمال وله مال استوفي ما وجب بالجناية من ماله وإلا كان في ذمته حتى يوسر كسائر الديون.

ويخبر الإمام في قتل عمد بين أخذ الدية وبين القصاص أيهما فعله جاز إذا رآه أصلح؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : «السلطان ولي من لا ولي له».

ومعنى التخيير تفويض النظر إليه في أصلح الأمرين، فإذا ظهر الأصلح لمن يكن مخيرًا، بل يتعين عليه فعل ذلك الأصلح ولا يجوز العدول عنه فليس التخيير هنا حقيقة وعلى هذا يقاس جميع ما ذكره الفقهاء من قولهم يخبر الإمام في كذا ويخير الولي أو الوصي في كذا ونحوه.

ومتى عفا على مال أو صالح عليه كان لبيت المال كجناية الخطأ الموجبة للمال.

وإن قطع طرف اللقيط وهو صغير أو مجنون حال كون القطع عمدًا انتظر بلوغه ورشده ليقتص أو يعفو؛ لأن مستحق الإستيفاء المجني عليه وهو حينئذ لا يصلح للاستيفاء فانتظرت أهليته وفارق القصاص في النفس؛ لأن القصاص ليس له بل لوارثه.

والإمام هو المتولي عليه فيحبس الجاني على طرف اللقيط إلى أوان البلوغ والرشد لئلا يهرب إلا أن يكون اللقيط فقيرًا عاقلاً كان أو مجنونًا فيلزم الإمام العفو على شيء من الملا يكون فيه حظ اللقيط ينفق عليه منه دفعًا لحاجة الإنفاق.

قال في «شرح المنتهى»: عن التسوية بين المجنون والعاقل أنه المذهب وصححه في «الإنصاف»، ويأتي إن شاء الله تعالى في باب إستيفاء القصاص أن لولي المجنون العفو؛ لأنه لا أمد له ينتهي إليه بخلاف ولي العاقل وقطع به في «الشرح» و«المغني» هنا وهو ظاهر ما قطع به في «الهداية» و«المذهب» و«المستوعب» و«الخلاصة» وغيرهم هناك، وقيل للإمام: استيفاؤه قبل البلوغ.

وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه لم يظهر لي ما يدل أنه يلزم الأم العفو على مال يكون فيه حظ للقيط ينفق عليه منه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وعلم مما تقدم أن اللقيط لو كان مجنونًا غنيًا لم يكن للإمام العفو على مال بل ينتظر إفاقته وهو المذهب، قاله الحارثي وقطع به في «الشرح».

وإن ادّعى جان على اللقيط رقه والجناية توجب القصاص أو المال أو ادّعى قاذفه رقه بعد بلوغه فكذبهما اللقيط، فالقول قوله؛ لأنه محكوم بحريته، فقبل قوله؛ لأنه موافق للظاهر بدليل أنه لو قذف إنسانًا وجب عليه حد الحر فللقيط طلب حد القذف وإستيفاء القصاص من الجاني وإن كان حرًا، وإن أوجبت الجناية مالاً طلب بما يجب في الحر وإن صدق اللقيط قاذفه أو الجاني عليه على كونه رقيقًا لم يجب عليه إلا ما يجب في قذف الرقيق أو جنايته عليه.

وإن ادّعى أجنبي رق اللقيط أو ادّعى إنسان أن مجهول نسب غير اللقيط مملوكه وهو بيد المدعي رقه صدق المدعي لدلالة اليد على الملك بيمنه لإمكان عدم الملك حيث كان دون التمييز أو مجنونًا ثم إذا بلغ، وقال: أنا حر، لم يقبل، قاله الحارثي، وإن لم يكن اللقيط أو مجهول النسب بيد المدعي فلا يصدق؛ لأن دعواه تخالف الأصل والظاهر.

ويثبت نسب اللقيط إذا دعاه مع بقاء رقه لسيده ولو مع بينة بنسبة، قال في «الترغيب» وغيره: إلا أن يكون مدعيه امرأة حرة فتثبت حريته فإن ادعى ملتقطه رقه أو ادعاه أجنبي وليس بيده لم يصدق؛ لأنها تخالف الظاهر بخلاف دعوى النسب؛ لأن دعواه يثبت بها حق اللقيط ودعوى الرق يثبت بها حق عليه فلم تقبل بمجردها كرق غير اللقيط.

وإلا يكن اللقيط بيد الأجنبي المدعي لرقه وحلف أن له بينة بيده كما لو قالا: نشهد أنه جاز في ملكه كان بيده حكم له باليد وحلف أن اللقيط ملكه حكم له به؛ لأن ثبوت اليد دليل الملك، فقبل قوله فيه أو شهدت له بينة بملك بأن قال أنه جار في ملكه أو أنه ملكه أو أنه مملوكه أو عبده ولو لم تذكر البينة سبب الملك حكم له به كما ل شهدا بملك دار أو ثوب أو شهدت له بينة أن أمة المدعي ولدت اللقيط بملك المدعي أو شهدت أنه قنه ولم تذكر سبب الملك حكم له به؛ لأن الغالب أنها لا تلد في ملكه إلا ملكه.

فإن شهدت أنه ابن أمته أو أن أمته ولدته ولم تقل في ملكه لم يحكم له به؛ لأنه يجوز أن تكون ولدته قبل ملكه لها فلا يكون له مع كونه ابن أمته وكونها ولدته.

قال في «المغني»: وإن كانت له بينة لم يقبل فيه إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين.

وإن شهدت الولادة قبل فيه امرأة واحدة أو رجل واحد؛ لأنه مما لا يطلع عليه الرجال في غالب الأحوال.

وإن ادّعى رق اللقيط ملتقط لم يقبل منه إلا ببينة تشهد بملكه له أو أن أمته ولدته في ملكه فيحكم له به كما لو لم يكن ملتقطه.

ولا تكفي يده ولا بينة تشهد له باليد؛ لأن الأصل الحرية ويده عن سبب لا يفيد الملك فوجودها كعدمها بخلاف المال، فإن الأصل فيه الملك وعدم قبول دعوى الملتقط بدون بينة إن أقامها بعد اعتراف الملتقط أنه لقيط لجنايته على نفسه بالإعتراف.

وإلا يعترف بأنه لقيط بأن ادعى رق اللقيط ابتداء من غير تقدم اعتراف منه وأقام بينة الرق قبل قول الملتقط وحكم له به كما لو صدرت دعوى ذلك من أجنبي إذ لا فرق بينهما وإن كان المدعى عليه من لقيط ومجهول نسبه بالغًا عاقلاً، وكذا مميزًا كما سيأتي في الدعاوي فأنكرا أنه رقيق، وقال: أنا حر، فالقول قوله: أنا حر؛ لأن الأصل معه.

وإن أقر برق لقيط بالغ بأن قال: أنا ملك زيد لم يقبل إقراره ولو لم يتقدم إقرار اللقيط تصرف منه بنحو بيع أو شراء أو لم يتقدم إقراره إصداق ولا نكاح أو لم يتقدمه اعتراف بحريته قبل ذلك بأن أقر بالرق جوابًا لدعوى مدع أو أقر ابتداء ولو صدق مقر له بالرق؛ لأنه يبطل به حق الله تعالى في الحرية المحكوم بها فلم يصح إقراره كما لو أقر قبل ذلك بالحرية، ولأن الطفل المنبوذ لا يعلم رق نفسه؛ لأنه في تلك الحال ممن لا يعقل ولم يتجدد له بعد التقاطه فكان إقراره باطلاً.

فإن شهدت لمدعي رق اللقيط أو مجهول النسب بينة بدعواه حكم له ببينته ونقض تصرفه الواقع منه قبل أن يحكم به لمدع رقه؛ لأنه بان أنه قد تصرف بدون إذن سيده.

وإن أقر لقيط بالغ بكفر وقد نطق بإسلام أو أقر به لقيط بالغ مسلم محكوم بإسلامه من طريق الظاهر تبعًا للدار بأن كان وجد في دار الإسلام فيها مسلم يمكن كونه منه فهو مرتد حكمه حكم سائر المرتدين يستتاب ثلاثًا، فإن تاب وإلا قتل في الصورتين، أما في الأولى فبلا نزاع في مذهب أحمد؛ لأن إسلامه متيقن فلا يقبل إقراره بما ينافيه، وأما في الثانية فالصحيح من المذهب أنه لا يقبل منه ذلك؛ لأن لاإسلام وجد عريًا من المعارض وثبت حكمه واستقر فلم يجز إزالة حكمه بقوله كما لو قال ذلك ابن مسلم، وقوله لا دلالة فيه أصلاً؛ لأنه لا يعرف في الحال من كان أبوه ولا ما كان دينه، وإنما يقول ذلك من تلقاء نفسه.

فائدة:

قال أحمد في أمة نصرانية ولدت من فجور ولدها مسلم؛ لأن أبويه يهّودانه وينصّرانه، وهذا ليس معه إلا أمه.

ومنبوذ أطفال لقيط محرر
له في بلاد السلم حكم موحد
وفي بلد الكفار منهم بأجود
وقبل إن خلت منا وإلا فمهتدي
وسيان ما لم يملك المسلمون والذي
ملكوه ثم حيزت بجحد
وينفق بيت المال إن كان معوزًا
عليه ويحوي إرثه مع تفرد
فإن يتعذر منه من جاد منفقًا
يثب ومتى ينو الرجوع ليسعد
على الطفل بعد الرشد مع إذن حاكم
وإلّا فخذ من بيت مال لمشهد
وإحراز هذا الطفل فرض كفاية
على عالم من ذمة وموحد
وإشهاده حين احتوى الطفل سنة
وليس وجوبًا في الأصح المؤطد
وإن كان معه النقد والعرض فوقه
وتحت ومشدود إليه له أعدد
ووجهان في مال يكون بقربه
وليس له ملك بمال مبعد
ولا في دفين تحته وبملكه
قضى ابن عقيل في دفن مجدد
وملتقط حر أمين أحق بالحضانة
والإنفاق من غير مبعد
على الطفل من بدو إلى حضر به
وليس له عكس بغير تردد
وقرره في حجر المقيم بحلة
ووجهان في ذي نقلة متشرد
ومن ينتقل من بلدة لإقامة
بأخرى كالأولى يبق معه بأجود
ولاحظ فيه للرفيق وفاسق
ولا كافر والطفل في حكم مهتدي
ووجهان في مستور حال موحد
وفي فاسق وجه حكاه ابن أحمد
وقدم مقيمًا موسرًا دون عكسه
وإن يستوِ أقرع وعند التردد
بأيهما في حوزة الطفل سابق
فذا شهد قدم وإلا فذو اليد
ووجهان في إخلافه ولواصف
يسلمه إن يخل كذا عن يد قد
فإن لم يصفه واحد فلحاكم
إلى من يشا تسليمه وليجهد
وإن كان في أيديهما وتنازعا
فبينهما أقرع ولا تتردد
وقدم في الأولى مسلمًا مع كفره
ولو كان ذو فقر لينجو من الردي
وميراثه مع عقله عند قتله
على خطأ في بيت مال ليورد
وإن كان عمدًا فالإمام وليه
بتخييره في العقل والقتل أشهد
وفي قطع عضو منه أرجئ لحكمه
إلى حلميه يقتص أو منه يفتدي
وإن كان مجنونًا فقيرًا فإن يشارك
إمام على مال عفا للتفقد
وذو النسب المجهول من يبغِ رقة
ببينة تنبي يملك مؤكد
بأن فتاة المدعي ولدته واشترط
قولها في ملكه في المجود
فمن كان طفلًا أو به جنة بلا
شهود فعبد المدعي إن كان ذا يد
وقاذفه أو من عليه جنى إذا ادعى
رقه أقبل جحده بالغًا قد
وقيل أقبلن من قاذف فانف حده
ولا حق بالتصديق بعد الترشد
وإن كان باقي الرق ملتقطًا فلا
تثبت له استرقاقًا إلا بشهد
وإن يعترف بالرق بعد جحوده
ومفهمه بعد البلوغ ليردد
ووجهان في تصديقه من مميز
وإن يبع أو يبتع وينكح ويطرد
الفتى عرسه إقراره أردد بأوكد
وفي ثالث فيما عليه أقبلن قد
وقول لقيط مسلم بعد حلمه
أنا كافر ذا ردة منه فاردد
وقيل أنفه مع جزية بشروطها
وإلا فألحقه بمأمنه قد
وإن كان بالإسلام قد فاه قبل ذا
يعيه فإن لم يسلم اقتله ترشد



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:24 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 09 فبراير 2016, 10:03 am

(38) بيان من يتبعه اللقيط ومن لا يتبعه ونفقة المشتبه نسبه وحكم ما إذا وطئت امرأة بشبهة وتعريف القائف ومتى يحتج إليه، وما حول ذلك من مسائل وأدلة وخلاف وترجيح
س38: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي ممثلاً لما لا يتضح بالتمثيل، ومن الذي يتبعه اللقيط والذي لا يتبعه: إذا ادعاه جمع، إذا ألحق بإثنين ووصي له أو وهب له، إذا ألحقته بأكثر من إثنين، إذا ادّعى نسبه رجل أو امرأة، إذا لم توجد قافه، إذا اختلف القائفان، إذا لم يوجد إلا قائف واحد، ما الذي يشترط في القائف؟ واذكر ما كان مشابهًا للقيط، نفقة المولود المشتبه نسبه إذا وطئت مزوجة بزنا وأتت بمولود أو وصى إثنان أمة لهما ولا قافة وإذا ولدت ذكر وولدت أخرى واختلفا، فما الحكم؟

ج: وإن أقر إنسان أن اللقيط ولده مسلم أو ذمي يمكن كونه منه حرًا كان أو رقيقًا رجلاً كان أو امرأة ولو كانت أمة حيًا كان اللقيط أو ميتًا ألحق به؛ لأنه استلحاق لمجهول النسب إدعاه من يمكن كونه منه من غير ضرر فيه ولا دافع عنه ولا ظاهر يرده فوجب اللحاق، ولأنه محض مصلحة للطفل لوجوب نفقته وكسوته واتصال نسبه فكما لو أقر له بمال.

ولا تجب نفقة على العبد إذا ألحقناه به؛ لأنه لا يملك ولا حضانة للعبد على من استلحقه لإشغاله بالسيد فيضيع فلا يتأهل للحضانة وإن أذن السيد جاز لانتفاء مانع الشغل.

ولا تجب نفقة من استلحقه العبد على السيد؛ لأنه محكوم بحريته والسيد غير نسيب وتكون نفقته في بيت المال؛ لأنه للمصالح العامة.

ولا يلحق بزوج امرأة مقرة به بدون تصديق زوجها؛ لأن إقرارها لا ينفذ على غيرها فلا يلحقه بذلك نسب ولد لم يولد على فراشه ولم يقر به.

فإن أقامت المرأة بينة أنها ولدته على فراش زوجها لحق به وكذلك الرجل إذا ادعى نسبه لم يلحق بزوجته؛ لأن إقراره لا يسري عليها.

ولا يتبع اللقيط رقيقًا ادّعى نسبه في رقه؛ لأنه لا يلزم من تبعته النسب الرق بدون بينة.

ولا يتبع لقيط كافرًا استلحقه في كفر؛ لأنه محكوم بإسلامه فلا يتأثر بدعوى الكافر، ولأنه مخالف للظاهر وفيه إضرار باللقيط.

ولا حق للكافر في حضانته؛ لأنه ليس أهلاً لكفالة مسلم ولا تؤمن فتنته عن الإسلام.

ونفقته في بيت المال، وكذا الحكم لو وطئ إثنان مسلم وكافر امرأة كافرة بشبهة وادعاه كل منهما وألحقته القافة بالكافر، فإنه يلحقه في النسب ولا يتبعه في الدين لاحتمال كونه من المسلم.

ولا يسلم اللقيط إلى مستلحقه إلا أن يقيم مستلحقه بينة تشهد أنه ولد على فراشه فيلحقه دينًا لثبوت أنه ولد ذميين كما لو لم يكن بشرط استمرار أبويه على الحياة إلى بلوغه عاقلاً، فإن مات أحدهما أو أسلم قبل بلوغه حكم بإسلامه.

والمجنون كالطفل إذا أقر إنسان أنه ولده لحق به إذا أمكن أن يكون منه وكان مجهول النسب؛ لأن قول المجنون غير معتبر فهو كالطفل.

وكل من ثبت لحاقه بالاستلحاق لو بلغ أو عقل وأنكر لم يلتفت إلى قوله لنفوذ الإقرار عليه في صغره أو جنونه لمستند صحيح أشبه الثابت بالبينة.

وإن ادّعى نسب اللقيط جمع إثنان فأكثر سمعت؛ لأن كل واحد لو انفرد صحت دعواه فإذا تنازعوا تساووا في الدعوى ولا فرق بين المسلم والكافر والحر والعبد، فإن كان لأحدهم بينة قدم ذوو البينة بها؛ لأنها تظهر الحق وتبينه.

وإن كان في يد امرأة وادّعت نسبه وأقامت بينة به قدمت على امرأة ادعته بلا بينة؛ لأن البينة علامة واضحة على إظهار الحق.

وإن كان اللقيط المدعي نسبه في يد أحد المدعيين وأقاما بينتين قدمت بينة خارج كالمال، فإن تساووا في البينتين بأن أقام كل منهم بينة والطفل بأيديهم أو ليس بيد واحد منهم أو تساووا بعدم البينة بأن لم يكن لواحد منهم بينة بدعواه عرض اللقيط مع مدع موجود أو مع أقارب المدعي على القافة، القافة جمع قائف، وهو من يعرف الآثار ويعرف الإنسان بالشبه ولا يختص ذلك بقبيلة معينة، ومن تكررت منه المعرفة فهو قائف.

قال القطامي:
كذبت عليك لا تزال تقوفني ... كما قاف آثار الوسيقة قائف
وقيل: إن البيت للأسود بن يعفر، والقيافة بالكسر: تتبع الأثر وتقوفه تتبعه.

 وأنشد ثعلب:
محلي بأطواف عتاق يبينها ... على الضزن أغبى الضأن لو يتقوف

وكان إياس بن معاوية قائفًا وكذا شريح: فإن ألحقته القافة بواحد لحقه وحده؛ لحديث عروة عن عائشة قالت: دخل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم وهو مسرور تبرق أسارير وجهه، فقال: «أي عائشة، ألم تر أن مجززًا المدلجي دخل فرأى أسامة وزيدًا وعليهما قطيفة قد غطيا رأسيهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض»، وفي لفظ: «دخل قائف والنبي -صلى الله عليه وسلم- شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان، فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- وأعجبه وأخبر به عائشة» متفق عليهما، فلولا جواز الإعتماد على القافة لما سر به النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا اعتمد عليه، ولأن عمر قضى به بحضرة الصحابة فلم ينكره منكر فكان إجماعًا.

ويدل على ذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في ولد الملاعنة: «انظروها، فإن جاءت به حمش الساقين كأنه وحرة، فلا أراه إلا وقد كذب عليها، وإن جاءت به أكحل جعدًا جماليًا سائغ الأليتين خدلج الساقين فهو للذي رميت به» فأتت به على النعت المكروه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن»، فحكم به النبي -صلى الله عليه وسلم- للذي أشبهه منهما.

وقوله: «لولا الأيمان لكان لي ولها شأن» يدل على أنه لم يمنعه من العمل بالشبه إلا الأيمان، فإن انتفى المانع يجب العمل به لوجود مقتضيه.

وقوله حمش الساقين: دقيقهما والجعد لئيم الحسب ويطلق على الكريم.

 قال كثير في السخاء يمدح بعض الخلفاء:
إلى الأبيض الجعد بن عاتكة الذي ... له فضل ملك في البرية غالب
وخدلج الساقين: ممتلئهما.

قال الشاعر:
إن لها سائقًا خدلجًا ... لم يدلج الليلة فيما أدلجا

وكذلك قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في ابن أمة زمعة حين رأى به شبهًا بينًا بعتبة بن أبي وقاص: «احتجبي منه يا سودة»، فعمل بالشبه في حجب سودة عنه.

فإن قيل: فالحديثان حجة عليكم إذ لم يحكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالشبه فيهما، بل ألحق الولد بزمعة، وقال لعبد بن زمعة: «هو لك يا عبد بن زمعة، الولد للفراش وللعاهر الحجر»، ولم يعمل شبه ولد الملاعنة في إقامة الحد عليها لشبهه بالمقذوف.

قلنا إنما لم يعمل به في أمة ابن زمعة؛ لأن الفراش أقوى، وترك العمل بالبينة لمعارضة ما هو أقوى منها لا يوجب الإعراض عنها إذا خلت عن المعارض، ولذلك ترك إقامة الحد عليها من أجل إيمانها بدليل قوله: «لولا الأيمان لي ولها شأن» على أن ضعف الشبه في إقامة الحد لا يوجب ضعفه عن إلحاق النسب، فإن الحد في الزنا لا يثبت إلا بأقوى البينتين وأكثرها عددًا وأقوى الإقرار حتى يعتبر فيها تكراره أربع مرات ويدرأ بالشبهات.

والنسب يثبت بشهادة امرأة واحدة على الولادة ويثبت بمجرد الدعوى ويثبت مع ظهور انتفائه حتى لو أن امرأة أتت بولد وزوجها غائب عنها منذ عشرين سنة لحقه ولدها فكيف يحتج على نفيه بعد إقامة الحد، ولأنه حكم بظن غالب ورأي راجح ممن هو أهل الخبرة، فجاز كقول المقومين.

فإن قيل: فهاهنا إذا عملتم بالقيافة فقد نفيتم النسب عمن لم تلحقه القافة به، قلنا: إنما انتفى النسب هاهنا لعدم دليله؛ لأنه لم يوجد إلا مجرد الدعوى وقد عارضها مثلها فسقط حكمها، وكان الشبه مرجحًا لأحدهما، فانتفت دلالة الأخرى فلزم إنتفاء النسب لانتفاء دليله وتقديم اللعان عليه لا يمنع العمل به عند عدمه كاليد تقدم عليها البينة ويعمل بها.

وإن ألحته القافة بإثنين لحق نسبه بهما لما روى سعيد عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر، فقال: القائف قد اشتركا فيه جميعًا فجعله بينهما، وبإسناده عن الشعبي، قال: وعلي يقول هو ابنهما وهما أبواه يرثهما ويرثانه، رواه الزبير بن بكار عن عمر، فيرث اللقيط الملحق بأبوين كلاً من الأبوين إرث ولد كامل، فإن لم يخلف غيره ورث جميع مالهما ويرثانه إرث أب واحد.

وحيث كان إلحاقه القافة لقيطًا بإثنين معتبرًا فلو تزوج من ألحقت القافة الولد به بنت المحلق الآخر المفروض في مسألتنا، قيل في الشخص الذي تزوج قد تزوج هذا أخت ابنه لأبيه في النسب لا في الرضاع؛ لأنها أجنبية منه.

قال في «شرح الغاية»: قال الخلوتي: إذا ألحقته القافة بإثنين وكان لكل من هذين الإثنين بنت وللقيط أم جاز لواحد أجنبي عنهما أن يجمع بين بنتي هذين الشخصين وأم اللقيط؛ لأن كلاً منهن أجنبي من الآخرين.

ويعابا بها، فيقال: شخص تزوج بأم شخص وأختيه معًا وأقر النكاح مع إسلام الجميع.

 وفي ذلك قلت ملغزًا:
يا فقيهًا حوى الفضائل طرا
وتسامى على الأنام بعلمه
أفتنا شخص تزوج أختين
لشخص مع البناء بأمه
وأجازوا عقوده دون ريب
أو ملام في الشرع أرشد لفهمه

وإن وصى الملحق بإثنين قبلا له الوصية أو وهب له قبلا له الهبة؛ لأنهما بمنزلة أب واحد، وعلى قياس ذلك سائر التصرفات من نكاح أو غيره، قال الموضح: وهما وليان في غير ذلك كنكاح وغيره.

وإن خلف الملحق بإثنين أحدهما فللمخلف منهما إرث أب كامل ونسبه مع ذلك ثابت من الميت لا يزيله شيء كما أن الجدة إذا انفردت أخذت ما تأخذه الجداب والزوجة وحدها تأخذ ما تأخذه الزوجات ولأمي أبويه إذا مات وخلفهما مع أم أمه وعاصب نصف سدس؛ لأنهما بمنزلة جدة الأب ولأم أمه نصف السدس كما لو كانت مع أم أب واحد، وكذا لو ألحقته القافة بأكثر من إثنين فيلحق بهم وإن كثروا؛ لأن المعنى الذي لأجله ألحق باثنين موجود فيما زاد عليه فقياس عليه وإذا جاز أن يخف من إثنين جاز أن يخلف من أكثر.

ولو توقفت القافة في إلحاقه بأحد من ادّعاه أو نفته عن الآخر لم يلحق بالذي توقفت به؛ لأنه دليل له.

وإن ادّعى نسبه رجل وامرأة ألحق بهما؛ لأنه لا تنافي بينهما لإمكان كونه منهما بنكاح أو وطيء بشبهة فيكون إبنهما بمجرد دعواهما كالإنفراد، فإن قال الرجل: هو ابني من زوجتي وادّعت زوجته أنه ابنها منه وادّعت امرأة أنه ابنها فهو ابنه وترجح زوجته على الأخرى؛ لأنه زوجها أبوه فالظاهر أنها أمه.

وإن ادعت امرأة نسبه، فقيل: يقبل لأنها أحد الأبوين فقبل إقرارها بالنسب كالأب.

وقيل: لا يقبل؛ لأنه يمكن إقامة البينة على ولادته من طريق المشاهدة، فلا يحكم فيها بالدعوى بخلاف الأب، فإنه لا يمكن إقامة البينة على ولادته من طريق المشاهدة، فقبلت فيه دعواه.

ولهذا إذا قال لامرأة إن دخلت الدار: فأنت طالق لم يقبل قولها في دخول الدار إلا بينة، ولو قال لها: إن حضت فأنت طالق قبل قولها في الحيض من غير بينة فكذلك هنا.

والثالث: إن كانت فراشًا لرجل لم يقبل قولها؛ لأن إقرارها يتضمن إلحاق النسب بالرجل وإن لم تكن فراشًا قبل؛ لأنه لا يتضمن إلحاق النسب بغيرها.

وإن لم توجد قافة وادعاه إثنان فأكثر ضاع نسبه، فإن وجدت ولو بعيدة هبوا إليها وإن نفته القافة عمن ادعياه أو ادعوه أو أشكل أمره على القافة فلم يظهر لهم فيه شيء ضاع نسبه؛ لأنه لا دليل لأحدهم أشبه من لم يدع نسبه أو اختلف فيه قائفان فألحقه أحدهما بواحد والآخر بآخر أو اختلف قائفان اثنان وثلاثة من القافة فأكثر بأن قال اثنان منهم هو ابن زيد، وقال الباقون هو ابن عمر ضاع نسبه لتعارض الدليل ولا مرجح لبعض من يدعيه أشبه تعارض البينتين.

ولا يرجع أحدهم بذكر علامة في جسده؛ لأنه قد يطلع عليها الغير فلا يحصل الثقة بذكرها.

ويؤخذ بقول قائفين اثنين خالفهما قائف ثالث لكمال النصاب إن اعتبر التعدد وإلا فتعارض القائفين يقتضي تساقطهما، والثالث خلا عن معارض فيعمل به كبيطارين خالفهما بيطار في عيب وكطبيبين خالفهما طبيب في عيب قاله في «المنتخب».

ويثبت النسب ولو رجعا بعد التقويم بأن قوماه بعشرة ثم رجع إلى إثني عشر أو ثمانية لم يقبل، قاله الحارثي، وينبغي حمله على ما بعد الحكم.

ولو رجع عن دعواه النسب من ألحقته قافة به لم يقبل منه الرجوع؛ لأنه حق عليه ومع عدم إلحاق القافة به فرجع أحدهما عن دعواه ألحق بالآخر لزوال المعارض ولا يضيع سبه.

ويكفي قائف واحد في إلحاق النسب لما روي عن عمر أن استقاف المصطلقى وحده، وكذلك ابن عباس استقاف ابن كلدة واستلحق به، ولأنه حكم فقبل فيه الواحد كالحاكم وهو كحاكم فيكفي مجرد خبرة؛ لأنه ينفذ ما يقوله بخلاف الشاهد.

فإن ألحقه بواحد ثم ألحقه قائف آخر بآخر كان لاحقًا بالأول فقط؛ لأن لحاقه جرى مجرى حكم الحاكم فلا ينقض بمخالفة غيره له وكذا لو ألحقه بواحد ثم عاد فألحقه بغيره.

وإن أقام آخر بينة أنه ولده حكم له به وسقط قول القائف؛ لأنه بدل فيسقط بوجود الأصل كالتيمم مع وجود الماء.

ويشترط كونه القائف ذكرًا؛ لأن القيافة حكم مستند النظر والإستدلال فاعتبر فيه الذكورة كالقضاء.

ثانيًا: أن يكون عدلاً؛ لأن الفاسق لا يقبل قوله.

ثالثًا: أن يكون مسلمًا مجربًا بالإصابة؛ لأنه أمر علمي فلابد من العلم بعلمه له وذلك لا يعرف بغير التجربة فيه.

قال في «المغني»: وقد روينا أن رجلاً شريفًا شك في ولد له من جاريته وأبى أن يستلحقه فمر به إياس بن معاوية في المكتب وهو لا يعرفه، فقال: ادع لي أباك، فقال المعلم: ومن أبو هذا؟ قال: فلان، قال: من أين علمت أنه أبوه؟ قال: هو أشبه من الغراب بالغراب، فقام المعلم مسرورًا إلى أبيه فأعلمه بقول إياس فخرج الرجل، وسأل إياسًا: من أين علمت أن هذا ولدي، فقال: سبحان الله، وهل يخفى ذلك على أحد؟ لأنه لأشبه منك من الغراب بالغراب فسر الرجل واستلحق ولده.

وإن وطئ إثنان امرأة بشبهة في طهر ولا زوج لها أو وطئا أمتهما في طهر واحد أو وطئ أجنبي بشبهة زوجة لآخر أو سرية لآخر هي فراش لذلك الآخر وهو أن يجدها الواطئ على فراشه فيظنها زوجته أو أمته أو يدعو زوجته أو أمته في ظلمة فتجيبه زوجة آخر أو أمة الآخر أو يتزوجها كل واحد منهما تزويجًا فاسدًا أو يكون نكاح أحدهما صحيحًا والآخر فاسدًا مثل أن يطلق رجل امرأته فينكحها آخر في عدتها ويطؤها أو يبيع جاريته ويطؤها المشتري قبل استبرائها، فإذا وقع شيء من ذلك المذكور وأتت بولد يمكن كونه من الواطئين، فإنه يرى القافة معهما.

قال في «المحرر»: سواء ادعياه أو جحداه أو أحدهما وقد ثبت الإفتراش ولم يدع زوج أنه من واطأ ونفقة المولد المشتبه نسبه على الواطئ لاستوائهما في إمكان لحوق بهما فإذا ألحق بأحدهما رجع من لم يلحق به على الآخر بنفقته لتبين أنه محل الوجوب.

ويقبل قول القائف في غير بنوه كأخوة وعمومة وخؤولة؛ لحديث عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا علا ماؤها ماء الرجل أشبه الولد أخواله، وإذا علا ماء الرجل ماءها أشبه الولد أعمامه» ذكره الحارثي، ولا يختص بالعصبات كما تقدم؛ لأن المقصود معرفة شبه المدعي للميت بشبه مناسبيه وهو موجود فيما هو أعم من العصبات.

وإن وطئت مزوجة أو أمة بزنا وهي فراش لزوج أو سيد وأتت بولد بعد ستة أشهر من الواطئ فالولد الذي أتت به الزوجة لزوج والذي أتت به الأمة لسيد لقوة جانب كل منها بكونها فراشًا له وأنه إذا وطئ إثنان أمة لهما وأتت بولد وأشكل أمره في أمتهما المشتركة بينهما ولم يدعه أحدهما ولا قافة موجودة يعرض عليها أو وجد قافة وأشكل الأمر عليها يلحق الولد الواطئين معًا إذ لو انفرد كل منهما بالملك للحقه؛ لأنه صاحب فراش فكذلك هنا إذ لا فرق وتعتق بموتهما؛ لأنها أم ولدهما وبموت أحدهما يعتق منها قدر نصيبه.

وليس لزوج وطئت زوجته بشبهة وأتت بولد وألحق به الولد بإلحاق القافة به وهو يجحده اللعان لنفيه؛ لأن شرط صحة اللعان أن يكون معه قذف؛ لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} وهذا ليس بقاذف فلا يصح اللعان؛ لعدم شرطه.

ولو ولدت امرأة ذكرًا وولدت امرأة أخرى أنثى، واختلفا بأن أدّعت كل واحدة منهما أن الذكر ولدها دون الأنثى عرض الولد أن مع أميهما على قافة كرجلين فيما تقدم فليلحق كل واحد منهما بمن ألحقته به القافة كما لم يكن لها ولد آخر لا يلحق الولد الواحد بأكثر من امرأة واحدة، فإن ألحقه القائف بأمين سقط قوله لاستحالة ذلك.

فإن لم يوجد قائف اعتبر باللبن خاصة فلبن الذكر يخالف لبن الأنثى في طبعه وزنته، فلبن الذكر أثقل من لبن الأنثى، فمن كان لبنها لبن الذكر فهو ولدها والبنت للأخرى، وإن كان الولدان ذكرين أو أنثيين وادعتا أحدهما تعين عرض الولد المتنازع فيه على القائف كما تقدم وإن ادّعى إثنان مولودًا، فقال أحدهما: هو ابني، وقال الآخر: هو بنتي نظر، فإن كان ذكرًا فلمدعيه وإن كان أنثى فلمدعيها سواء كانت بينة أو لا؛ لأن كل واحد منهما لا يستحق سوى ما ادعاه وإن كان خنثى مشكل عرض معهما على القافة؛ لأنه ليس قول أحدهما أولى من الآخر، والله أعلم.

من النظم مما يتعلق باللقيط:
وفي نسب ألحقه حيًا وميتًا
بمن يدعي حتى كفور وخرد
ولا تتبعن في الرق أو كفر مدع
بلا شهد في فرشه بالتولد
وقيل وقول الشاهدين بأنه
ولد كافرين أشرط وحيين فازدد
وعنه ولا تتبع مزوجة وفي
مقال عن المعروفه الأهل بعد
وقد قيل ذا أطلق كذا بادعائها
وعن كل زوج بإدّعا الآخر أصدد
وعبد كحر والأماء كحرة
إذا ادعيا في نسبة لا تبعد
وذا شهد قدمه عند تنازع
وإلا سبوقًا دون فرش أم فوهد
وعبد وحر والكفور ومسلم
كحريق مهديين في المتعدد
وإن جاء كل بالشهود تساقطا
لفقد إستهام واقتسام بها طد
وعند التساوي في الأمور إن تنازعوا
فبالقافة أفصل بينهم ثم قلد
فلحق بمن قد ألحقوه به تصب
ولو بمثنى أو بجمع بأوطد
ولا تتعدى إثنين عند ابن حامد
وعند أبي يعلى الثلاثة فاحدد
ولا تتعدى الأم من غير مرية
وبامرأتين إن ألحقوه ليردد
ويحظر طفل مع قرائب مدع
توى فيهم إن ألحق ألحق بملحد
وإن تنفه عن واحد وتوقفت
على خصمه ألحق بذي الخصم ترشد
وإن يتعذر قائف أو تعارضوا
أو أشكل عليهم أو نفوا عن معدد
فقد ضاع أصل الطفل عند ابن جعفر
وقيل ليلحق من يشار في الترشد
ويختار مجد الدين إلحاقه بهم
هنا حبذ حبرًا مجيدًا فقلد
كذا حكم وطء إثنين أنثى بشبهة
متى اشتركا في وطء طهر فتولد
ووطء فراش المرء أو أمة له
بإمكان كون الطفل من كل مورد
وسيان مع دعوى الوليد وجحده
من الجمع أو من بعضهم بتفرد
ومن الحقوا بالزوج والزوج منكر
له بلعان نفيه في المؤكد
لأن بقاه محرمًا وارثًا أذى
ولاحقه بالإنتساب كذا أعدد
وإن يختلف نفسان في ابن وطفلة
فبالقافة التوزيع في المتجود
وقيل يرى ألبان أمهما كمن
له خبرة التجريب في المتعود
ويقبل قول القائف الذكر الرضي
المجرب قدمًا في إجابة مقصد
ووجهان في حرية ثم يكتفي
بإخبار فرد في الأصح المسدد
وعن أحمد لا بُدَّ في قول قافة
من إثنين مع لفظ الشهادة فأشهد
فإن يتعارض قائفان وثالث
فالإثنين فاقبل حسب في نص أحمد
ولا تنقضن ما ألحقوا بتحالف
طرًا ومقال إثنين كالمتريد
ويسقط حكم القائفين بشهد
لثان كماء مع تيمم فقد
وعنه إثنتان بالولادة يثبت
إنتساب الذي أقصاه منه فأطد
ومن ينف طفلاً في يد لفراشه
ومن بتها أن تشهد امرأة قد
وقيل مقال الأم يقبل مطلقًا
وقد قيل لا بل من زوجة بتفرد



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:25 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 09 فبراير 2016, 10:06 am

(39)  باب الوقف
س39: ما هو الوقف؟ وما الأصل فيه وإلى أين يصرف ربعه؟ وما الذي يقصد به؟ وما حكمه؟ وما هي أركانه؟ وما صيغة الوقف؟ وهل يصح من الأخرس؟ واذكر أمثلة لما لا يتضح إلا بها، وما هو صريح الوقف؟ وما هي كنايته؟ وما الذي يلزم معها؟ وإذا قال: تصدقت بداري على زيد، ثم قال: رددت الوقف وأنكر زيدًا، وقال: جعلت هذا المكان مسجدًا أو جعلت ملكي للمسجد، أو وقف؟ وما الذي يلزم معها؟ وإذا قال: تصدقت بداري على زيد، ثم قال: رددت الوقف؟ والترجيح.

ج: الوقف: مصدر وقف، بمعنى حبس وأحبس، يقال: وقفت الدار للمساكين أقفها بالتخفيف لغة رديئة معناه منعت أن تباع أو توهب أو تورث وقف الرجل إذا قام ومنع نفسه من المضي والذهاب ووقفت أنا ثبت مكاني قائمًا وامتنعت من المشي كله بغير ألف.

قال بشر:
ونحن على جوانبها وقوف ... نغض الطرف كالإبل القماح

والوقف مما اختص به المسلمون، قال الشافعي: لم يحبس أهل الجاهلية وإنما حبس أهل الإسلام، والأصل فيه قوله تعالى: {لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} فإن أبا طلحة لما سمعها رغب في وقف بيرحاء وهي أحب أمواله -رضي الله عنه-، فعن أنس -رضي الله عنه- أن أبا طلحة قال: «يا رسول الله، إن الله يقول: {لَن تَنَالُوا البِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، فقال: «بخ بخ، ذلك مال رابح مرتين»، وقد سمعت: «أرى أن تجعلها في الأقربين»، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه» متفق عليه.

وقال تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوهُ}، وقال تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ}، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ}، وقال تعالى: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} والوقف من فعل الخير المأمور به، ومن أفضل القرب المندوب إليها؛ لحديث أبي هريرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له» رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه، وحمل بعضهم الصدقة الجارية على بقية الخصال العشر التي ذكروا أنها لا تنقطع بموت ابن آدم.

قد نظمها السيوطي بقوله:
إذا مات ابن آدم ليس يجري ... عليه من خصال غير عشر
علوم بثها ودعاء نجل ... وغرس النخل والصدقات تجري
وراثة مصحف ورباط ثغري ... وحفر البئر أو إجراء نهر
وبيت للغريب بناه يأوي ... إليه أو بناء محل ذكر
وتعليم لقرآن كريم ... فخذها من أحاديث بحصر


وفي «صحيح البخاري» من حديث عمرو بن الحارث قال: «ما ترك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- درهمًا ولا دينارًا ولا عبدًا، ولا أمة، ولا شيئًا إلا بغلته البيضاء، وسلاحه، وأرضًا جعلها صدقة»، وقال جابر: لم يكن أحد ذو مقدرة من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا وقف.

وعن ابن عمر أن عمر أصاب أرضًا من أرض خيبر، فقال: يا رسول الله، أصبت أرضًا بخيبر لم أصب مالاً قط أنفس عندي منه فما تأمرني، فقال: إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، فتصدق بها عمر على أنها لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول، وفي لفظ: «غير متأثل مالاً» رواه الجماعة.

وفي حديث عمرو بن دينار قال في صدقة عمر: «ليس على الولي جناح أن يأكل ويؤكل صديقًا غير متأثل»، قال: «وكان ابن عمر هو الذي صدقة عمر ويهدي لناس من أهل مكة كان ينزل عليهم» أخرجه البخاري، وفيه من الفقه أن من وقف شيئًا على صنف من الناس وولده منهم دخل فيه.

وعن عثمان: «أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: «من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة»، فأشتريتها من صلب مالي» رواه النسائي والترمذي، وقال: حديث حسن.

وفيه جواز إنتفاع الواقف بوقفه العام، وعن ابن عمر قال: قال عمر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أن المائة السهم التي لي بخيبر لم أصيب مالاً قط أعجب إلي منها قد أردت أن أتصدق بها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أحبس أصلها وسبل ثمرتها» رواه النسائي وابن ماجه.

وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا واحتسابًا، فإن شبعه وروثه في ميزانه يوم القيامة حسنات» رواه أحمد والبخاري، وعنه -رضي الله عنه- قال: بعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عمر على الصدقة، فقيل: منع ابن جميل وخالد بن الوليد والعباس عم النبي -صلى الله عليه وسلم- ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما ينقم ابن جميل إلا أن كان فقيرًا فأغناه الله تعالى، وأما خالد فإنكم تظلمون خالدًا فقد احتبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله، وأما العباس فهي علي ومثلها معها»، ثم قال: «يا عمر، أما علمت أن عم الرجل صنو أبيه» رواه مسلم، وفي حديث سعد ابن عبادة: قلت: يا رسول الله، إن أمي ماتت فأي الصدقة أفضل، قال: «الماء» فحفر بئرًا، وقال: هذه لأم سعد، رواه أبو داود والنسائي، وكان -صلى الله عليه وسلم- يرخص في وقف المنقول والمشاع، ويقول لمن سأله عن إباحة ذلك: «إن كانت نخلاً أحبس أصلها وسبل ثمرتها».

وعن ابن عباس قال: أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الحج، فقالت امرأة لزوجها: أحجتي مع رسول الله  -صلى الله عليه وسلم-؟ فقال: ما عندي ما أحجك، قالت: أحجتي على جملك؟ فلأن قال ذلك حبيس في سبيل الله، فأتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فسأله، فقال: «أما أنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله» رواه أبو داود.

والوقف: تحبس المكلف الرشيد الحر ماله المنتفع به مع بقاء عينه بقطع تصرفه: أي إمساك المال عن أسباب التملكات بقطع تصرف مالكه وغيره في رقبته بشيء من التصرفات يصرف ريع غلة المال وثمرته ونحوها بسبب تحبيسه إلى جهة بريعينها واقف.

ومعنى قولهم وتسبيل المنفعة: إطلاق فوائد العين الموقوفة من غلة وثمرة وغيرها للجهة المعينة تقربًا إلى الله تعالى بأن ينوي بها القربة.

وهذا الحد لصاحب المطلع وتبعه عليه في «التنقيح»، و«المنتهى»، و«الإقناع»، وتبعهم المصنف، واستظهر شارح «المنتهى» أن قوله تقريبًا إلى الله تعالى إنما يحتاج إلى ذكره في حد الوقف الذي يترتب عليه الثواب لا غير ذلك، فإن الإنسان قد يقف ملكه على غيره توددًا لا لأجل القربة ويكون وقفًا لازمًا.

ومن الناس من يقف عقاره على ولده خشية على بيعه له بعد موته وإتلاف ثمنه واحتياجه إلى غيره من غير أن تخطر القربة بباله ومنهم من يستدين حتى يستغرق الدين ماله وهو مما يصح وقفه فيخشى أن يحجر عليه ويباع ماله في الدين فيقفه ليفوت على رب المال ويكون وقفًا لازمًا لكونه قبل الحجر عليه مطلق التصرف في ماله لكنه أثم بذلك، ومنهم من يقف على ما لا يقع عليه غالبًا إلا قربة كالمساكين والمساجد قاصدًا بذلك الرياء، فإنه يلزم ولا يثاب عليه؛ لأنه لم يبتغ به وجه الله تعالى ففقد الشرط المعتبر.

ولا يصح الوقف من نحو مكاتب ولا سفيه ولا وقف كلب لم يعلم ولا الخمر ولا نحو المطعوم والمشروب إلا الماء، ويأتي -إن شاء الله تعالى-، فالوقف سُّنة؛ لقوله تعالى: {وَافْعَلُوا الخَيْرَ}؛ ولفعله -عليه الصلاة والسلام- وفعل أصحابه.

وأركان الوقف: واقف، ووقف، وموقوف عليه، وما ينعقد به من الصيغ القولية أو الفعلية، فيصح الوقف بإشارة من أخرس مفهمة؛ لأنها قائمة مقام القول من الناطق.

ويصح الوقف بفعل مع شيء دال على الوقف عرفًا كما يحصل بذلك القول؛ لاشتراكهما في الدلالة عليه كبناء هيئة مسجد مع إذن عام في الصلاة فيه ولو بأذان وإقامة فيما بناه على هيئة المسجد بنفسه أو بمن نصبه؛ لذلك لأن الأذان والإقامة فيه كالإذن العام في الصلاة فيه.

قال الشيخ تقي الدين: ولو نوى خلافه ونقله أبو طالب أن نية خلاف ما دل عليه الفعل لا أثر لها.

وقال الحارثي: وليس يعتبر للإذن وجود صيغة، بل يكفي ما دل عليه من فتح الأبواب والتأذين أو كتابة لوح بالأذان أو الوقف، انتهى.

وإن كان ما بناه على هيئة المسجد وأذن في الصلاة فيه سفل بيته وينتفع بسطح البيت فيصح ولو كان إنتفاعه به بجماع فيباع؛ لأنه من الإنتفاع بملكه.

وقال أبو حنيفة: إذا جعل علو داره مسجدًا دون أسفلها أو أسفلها دون أعلاها لا يصح؛ لأن المسجد يتبعه هواه والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

أو جعل علو البيت مسجدًا وانتفع بعلوه وسفله ولو لم يذكر استطراقًا إلى ما جعله مسجدًا فيصح الوقف ويستطرق إليه كما لو باع بيتًا من داره ولو لم يذكر له استطراقًا فإنه يصح البيع والإجارة ويستطرق إليه على العادة.

أو بنى بيتًا لقضاء حاجة وتطهر ويشرعه يفتح بابه إلى الطريق ويملأ خابية ماء على الطريق أو ينثر على الناس نثارًا فمن فعل شيئًا من ذلك كان تسبيلاً وإذنًا في الإلتقاط وأبيح أخذه.

وكذلك دخول الحمام وإستعمال مائه من غير إذن مباح بدلالة الحال.

أو يجعل أرضه مقبرة ويأذن للناس إذنًا عامًا بالدفن فيها؛ لأن الإذن الخاص قد يقع على غير الموقوف فلا يفيد دلالة الوقف، قاله الحارثي.

وباحتماله قوي أو يفرش نحو حصير كبساط بمسجد ومدرسة ويأذن للناس إذنًا عامًا في الصلاة عليه، وكذلك لو دفعه لقيم المسجد وأمره بافتراشه فيه أو خاطه بمفروش بجانبه فيصح ذلك ويلزم بمجرد فعله ذلك.

ويحصل الوقف بقول رواية واحدة وصريحة وقفت وحبست وسبلت فمن أتى بكلمة من هذه الثلاثة صح الوقف؛ لعدم احتمال غيره بعرف الإستعمال المنضم إليه عرف الشرع؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إن شئت حبست أصلها وسبلت ثمرتها» فصارت هذه الألفاظ في الوقف كلفظ التطليق في الطلاق.

وإضافة التحبيس إلى الأصل والتسبيل إلى الثمرة لا يقتضي المغايرة في المعنى، فإن الثمرة محبسة أيضًا على ما شرط صرفها إليه، فلو قال مالك: حبست ثمرة نخل على الفقراء كان ذلك وقفًا لازمًا باتفاق من يرى أن التحبيس صريح في الوقف.

وأما الصدقة فقد سبق لها حقيقة شرعية في غير الوقف هي أعم من الوقف فلا يؤدي معناه إلا بقيد يخرجها عن المعنى الأعم، ولهذا كانت ككناية فيه.

وفي جمع الشارع بين لفظي التحبيس والتسبيل تبيين لحالة الإبتداء والدوام، فإن حقيقة الوقف إبتداء تحبيسه ودوام تسبيل منفعته، ولهذا أخذ كثير من الأصحاب الوقف بأنه تحبيس الأصل وتسبيل الثمرة والمنفعة.

وكناية الوقف تصدقت وحرمت وأبدت لعدم خلوص كل لفظ منها عن الاشتراك، فإن الصدقة تستعمل في الزكاة وهي ظاهرة في صدقة التطوع والتحريم صريح في الظهار والتأبيد يستعمل في كل ما يُراد تأبيده من وقف وغيره.

فلا يصح الوقف بها مجردة عما يصرفها إليه ككنايات الطلاق فيه؛ لأنها لم يثبت لها عرف لغوي ولا شرعي إلا بنية للوقف.

فمن أتى بكناية واعترف أنه نوى بها الوقف لزمه حكمًا؛ لأنها بالبنية صارت ظاهرة فيه.

وإن قال: ما أردت بها الوقف قبل قوله؛ لأن نيته لا يطلع عليها غيره أو قرن الكناية في اللفظ بأحد الألفاظ الخمسة.

وهي الصرائح الثلاثة والكنايات كقوله: تصدقت صدقة موقوفة، أو تصدقت صدقة محبسة، أو تصدقت صدقة مسبلة، أو تصدقت صدقة محرمة، أو يقول: حرمت كذا تحريمًا موقوفًا... إلخ.

كقوله حرمته تحريمًا محبسًا أو تحريمًا مسبلاً أو تحريمًا مؤبدًا أو قرن الكناية بحكم الوقف، كقوله: تصدقت به صدقة لا تباع أو صدقة لا توهب أو صدقة لا تورث أو تصدقت بداري على قبيلة كذا أو على طائفة كذا أو على مسجد كذا؛ لأن ذلك كله لا يستعمل في غير الوقف فانتفت الشركة.

أو قرن الكناية بحكم الوقف كأن يقول: تصدقت بأرضي على زيد والنظر لي أيام حياتي أو النظر لفلان ثم من بعده لفلان أو تصدقت به على زيد ثم بعده على ولده وعلى عمرو.

فلو قال رب دار: تصدقت بداري على زيد، ثم قال المتصدق: أردت الوقف وأنكر زيد، وقال: إنما هي صدقة فلي التصرف في رقبتها بما أريد قبل قبول زيد ولم يكن وقفًا لمخالفة قول المتصدق للظاهر؛ لأن زيدًا يدعي ما اللفظ صريح فيه، والواقف يدعي ما هو كناية فيه فقدمت دعوى زيد.

لكن إن كان الواقف قد نوى الوقف كان وقفًا باطنًا وحصل له ثواب الوقف، وبهذا يعلم الفرق بين تصدقت وغيرها من بقية الكنايات التي ليست صريحة، فلو قال: حرمت هذه الدار على زيد، وقال: أردت الوقف وأنكر زيد لم يلتفت إلى إنكاره وتكون وقفًا.

وعند الشيخ تقي الدين لو قال إنسان: قريتي التي في الثغر لموالي الذين به ولأولادهم صح وقفًا ونقله يعقوب بن بختان عن أحمد.

وعند الشيخ تقي الدين وغيره أنه يحصل الوقف بكل ما أدّى معناه.

وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإذا قال واحد جعلت هذا المكان مسجدًا أو وقفًا صار مسجدًا أو وقفًا بذلك، وإن لم تكمل عبارته أو قال كل واحد أو جماعة جعلت ملكي للمسجد أو في المسجد ونحو ذلك صح وصار بذلك وقفًا للمسجد، قاله في «الإختبارات».

ويؤخذ منه أن الوقف يحصل بكل ما أدى معناه وإن لم يكن من الألفاظ السابقة.

ووقف الهازل ووقف التلجئة إن غلب على الوقف جهة التحرير من جهة أنه لا يقبل الفسخ فينفي أن يصح كالعتق والإتلاف وإن غلب عليه شبه التمليك فيشبه الهبة والتمليك وذلك لا يصح من الهازل على الصحيح، قاله في «الإختيارات».

قال في «الفروع»: فيتوجه منه الاكتفاء بلفظ يشعر المقصود وهو أظهر على أصلنا فيصح جعلت هذا للمسجد وفي المسجد ونحوه، وهو ظاهر نصوصه، انتهى.



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:25 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى



عدد المساهمات : 52644

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 09 فبراير 2016, 10:10 am

(40) الشروط المعتبرة في الوقف وبيان ما يصح وقفه وما لا يصح وبيان الذي يصح منه الوقف والذي لا يصح منه، وما حول ذلك من المسائل
س40: كم الشروط المعتبرة لصحة الوقف؟ اذكرها بوضوح مع ذكر المحترزات والقيود والتفاصيل، ومن الذي يصح منه الوقف والذي لا يصح منه؟ وما الذي يصح به الوقف والذي لا يصح أن يقفه؟ ومثل لذلك مما هو موجود ووضح حكم توقيف الماء واحلي وما تستحضره من المخترعات الحديثة مما يصلح للجهاد ومما يستعمل لغير ذلك؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.

ج: شروط الوقف المعتبرة لصحته ستة: أحدها: كون الوقف من مالك جائز التصرف وهو المكلف الرشيد، فلا يصح من صغير أو سفيه أو مجنون كسائر تصرفاتهم المالية.

قال في «الإختبارات»: ويجوز للإنسان أن يتصرف فيما في يده في الوقف وغيره حتى تقوم بينة شرعية أنه ليس ملكًا له أو كون الوقف ممن يقوم مقامه كوكيله لا الولي، فلا يصح منه لعدم المصلحة للمحجور عليه فيه.

الثاني: كون الموقوف عينًا، فلا يصح وقف ما في الذمة كقوله: وقفت دارًا أو عبدًا ولو موصوفًا؛ لأنه ليس بعين معلومة يصح بيعها بخلاف نحو أم الولد وأن تكون العين من الأعيان التي ينتفع بها إنتفاعًا عرفًا.

وأن يكون النفع مباحًا بلا ضرورة مقصودة متقومًا كإجارة وإستغلال ثمرة ونحوه مع بقائها؛ لأن الوقف يُراد للدوام ليكون صدقة جارية ولا يوجد فيما لا تبقى عينه.

والإشارة بأنه كالإجارة إلى أن المنتفع به تارة يُراد منه ما ليس عينًا كسكنى الدار وركوبه الدابة وزراعة الأرض، وتارة يُراد منه حصول عين كالثمرة من الشجر والصوف والوبر والألبان والبيض من الحيوان، ولو صادف الوقف جزءًا مشاعًا من العين المتصفة بما تقدم كنصف أو سهم معلوم منها؛ لحديث ابن عمر قال: المائة سهم التي بخيبر لم أصب مالاً قط أعجب إلي منها، فأردت أن أتصدق بها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : «أحبس أصلها وسبل ثمرتها» رواه النسائي وابن ماجه.

ويعتبر أن يقول كذا سهمًا من كذا سهمًا قاله أحمد؛ لأنه عقد يجوز على بعض الجملة مفرزًا فجاز عليه مشاعًا كالبيع، ولأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة وهو يحصل في المشاع كحصوله في المفروز ولا نسلم إعتبار البعض وإن سلمنا فهو يصح في الوقف كما يصح في البيع، قال في «الفروع»: ويتوجه أن المشاع لو وقفه مسجدًا يثبت فيه حكم المسجد في الحال فيمنع منه نحو جنب وتتعين القسمة هنا لتعينها طريقًا للانتفاع بالموقوف، وكذا ذكره ابن الصلاح.

ويصح وقف الحيوان الذي يصح بيعه كالفرس على الغزاة أو العبد لخدمة المرضى وأثاث يفرش في مسجد كالزوالي والبسط والمدات ويصح توقيف قطار ودبابة للجهاد في سبيل الله.

ويصح توقيف براشونات للنزول من الطائرات ورادرات وصواريخ ودبابات للجهاد في سبيل الله.

ويصح توقيف سيف أو مدفع أو رشاش أو طائرات أو سيارات أو دراجات نارية أو غير نارية على الغزات في سبيل الله.

ويصح توقيف بنادق أو رصاص على الغزاة في سبيل الله، ويصح توقيف سفن ومراكب وبواخر على الغزاة في سبيل الله، أما الحيوان فلحديث أبي هريرة مرفوعًا: «من احتبس فرسًا في سبيل الله إيمانًا واحتسابًا، فإن شبعه وروثه في ميزان حسناته» رواه البخاري.

وأما الأثاث والسلاح؛ فلقوله -عليه الصلاة والسلام-: «وأما خالد فقد احتبس أدراعه وإعتاده في سبيل الله» متفق عليه، وفي لفظ: «وأعتده» قال الخطابي: الإعتاد: ما يعده الرجل من مركوب وسلاح وآلة الجهاد.

وقال في «النهاية»:الإعتاد:جمع قلة للعتاد، وهو ما أعده الرجل من السلاح والدواب وآلة الحرب ويجمع على أعتدة، وما عدا ذلك مقيس عليه؛ لأن فيه نفعًا مباحًا مقصودًا، فجاز وقفه كوقف السلاح.

وإن صادف الوقف دارًا ولم يذكر الواقف حدودها صح إذا كانت معروفة وإن وقف عقارًا مشهورًا لم يشترط ذكر حدود.

وقال في «الفروع»: نقل جماعة فيمن وقف دارًا ولم يحدها، قال: وإن لم يحدها إذا كانت معروفة. اهـ.
ويصح وقف حلي على لبس ويصح وقف حلي للإعارة للعرس أو لزينة أو غير ذلك من الأمور المباحة؛ لما روى نافع: «أن حفصة ابتاعت حليًا بعشرين ألفًا حبسته على نساء آل الخطاب، فكانت لا تخرج زكاته» رواه الخلال.

ولا يصح أن أطلق واقف لبس الحلي، فلم يعينه للبس ولا لإعارة؛ لأنه لا ينتفع به في غير ذلك إلا باستهلاكه، ولا يصح الوقف مبهمًا غير معين كوقفت أحد هذين العبدين؛ لأن الوقف نقل ملك على وجه الصدقة.

فلم تصح في غير معين كالهبة فإن كان المعين مجهولاً مثل أن يقف دارًا لم يرها، قال أبو العباس: منع هذا بعيد.

وكذلك هبة أو وقف ما لا يصح بيعه كأم ولد فلا يصح الوقف عليها أيضًا، فإن وقف على غيرها كعلي زيد على أن ينفق عليها منه مدة حياته أو وقف على زيد مثلاً على أن يكون الريع لأم ولده مدة حياته صح الوقف؛ لأن استثناء المنفعة لأم ولد كاستثنائها لنفسه.

ولا يصح أيضًا وقف كلب وخنزير وسباع البهائم التي لا تصلح للصيد، وكذا جوارح الطير التي لا تصلح للصيد؛ لأنه لا يصح بيعها.

واختار الشيخ تقي الدين -رحمه الله- صحة وقف الكلب المعلم والجوارح المعلمة وما لا يقدر على تسليمه، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه لم يظهر لي ما يدل على المنع، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولا يصح وقف تلفزيون ولا سينما لتحريمهما، ولا يصح وقف مذياع ولا مسجل للغناء ولا دخان ولا شيش لشرب الدخان ولا أوان لمن يشرب بها خمرًا، ولا بيتًا ولا حجرة لمن يعمل فيهما معصية.

ولا يصح وقف آلة تصوير ولا صور ذوات الأرواح ولا مزامير ولا أجراس؛ لما ورد من «أن الملائكة لا تصحب رفقة فيها كلب ولا صورة ولا جرس».

ولا وقف أطبول وهي الدماميم للغناء ولا مكائن وأمواس لحلق اللحا أو قصها أو الأخذ منها أو لتصليح التواليت أو لحلق رؤوس النساء، ولا البكمات والأسطوانات وجميع آلات اللهو والمعازف.

وليحذر الإنسان كل الحذر من أن يجعل لها إتصالاً بثلثه أو ثلث والده أو قريبه أو يوقف ما كان له من أسهم فيما يستمد منه أهل المعاصي تنويرًا أو لتصليح آلاتهم وملاهيهم أو عند من ينشأ عن أعمالهم صورًا وآلات لهو ونحو ذلك.

وليحذر أن يضع ثلثه أو وصيته عند من يتعامل بالربا فيعطيه مثلاً على عشرة آلاف إذا أبقاها عنده سنة ألفًا أو أكثر أو دون فهذه الزيادة ربا، وقد قال الله تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا}، والمرابي محارب لله ورسوله نسأل الله أن يعصمنا وإخواننا المسلمين من جميع المعاصي إنه القادر على ذلك.

ولا يصح وقف منفعة يملكها كخدمة عبد موصى له بها ومنفعة أم ولده في حياته ومنفعة العين المستأجرة.

ولا يصح أن يقف الحر نفسه وإن صحت إجارته ولا أن يقف العبد الموصى بخدمته.

ولا يصح وقف نحو أرض مصر كأرض الشام والعراق ولا وقف مرهون بلا إذن راهن؛ لأن الوقف تصرف بإزالة الملك فيما لا يصح بيعه.

فلو وقف جائز التصرف نحو أرض مصر كأرض الشام والعراق وكل ما فتح عنوة ووقف على المسلمين على نحو مدارس كمساجد وخوانك وغيرها إنما الأرض أرصاد: إعتداد وأرصاد الأرض اعتدادها فكأنه أعدها لصرف نمائها إلى الجهة التي عينها وإفرازها يقال: أفرز الشيء إذا عزله وميزه وبابه ضرب فكأنه أفرزها عن ملكه.

ووقف الأرض مساجد يكتفي في ثبوت وقفه لها بناء المسجدية بصورة المسجد كبناء محراب أو منبر ويكتفي بذلك أيضًا بتسميته مسجدًا، فإذا زالت تلك الصور بانهدامها وتعطل منافعها عادت الأرض إلى حكمها الأصلي، من جواز لبث جنب فيها وعدم صحة إعتكاف لزوال حكم المسجدية عنها وعودها إلى الحكم الذي كانت عليه قبل ذلك إذ هي وقف الإمام عمر - رضي الله عنه - على المسلمين ولم يقسمها بينهم، كما وصل إلينا ذلك بالتواتر والوقف لا يوقف فلذلك جعل وقفها مجرد إرصاد وإفراز وموافق للقواعد.

ولا يصح وقف ما لا ينتفع به مع بقائه دائمًا غير ماء فيصح وقفه.

قال في «الفائق» :ويجوز وقف الماء، قال الفضل: سألته عن وقف الماء، فقال: إن كن شيئًا إستخاروه بينهم، قال الحارثي: هذا النص يقتضي تصحيح الوقف لنفس الماء كما يفعله أهل دمشق يقف أحدهم حصته أو بعضها من ماء النهر.

وهو مشكل من وجهين: أحدهما: إثبات الوقف فيما لم يملكه بعد فإن الماء يتجدد شيئًا فشيئًا، الثاني: ذهاب العين بالإنتفاع، ولكن قد يقال: بقاء مادة الحصول من غير تأثيره بالإنتفاع يتنزل منزلة بقاء أصل العين مع الإنتفاع ويؤيده هذا صحة وقف البئر، فإن الوقف وارد على المجموع الماء والحفيرة، فالماء أصل في الوقف، وهو المقصود من البئر ثم لا أثر لذهاب الماء بالإستعمال لتجدد بدله فهنا كذلك.

فيجوز وقف الماء لذلك، كمطعوم ومشموم يسرع فساده؛ لأنه لا ينتفع به مع بقاء عينه بخلاف ند وصندل وقطع كافور فيصح وقفه لشم مريض وغيره لبقائه مع الإنتفاع، وقد صحت إجارته لذلك فصح وقفه واستظهر في «الإنصاف»: أن هذا من المتفق على صحته لوجود شروط الوقف فيه.

ولا يصح وقف دهن على مسجد ولا وقف شمع كذلك ولا وقف الريحان ليشمه أهل المسجد لما تقدم.

وقيل: يجوز ذلك ويصح وقفها، قال في «الإنصاف»: وقال الشيخ تقي الدين: لو تصدق بدهن مسجد ليوقد فيه جاز، وهو من باب الوقف وتسميته وقفًا بمعنى أنه وقف على تلك الجهة لا ينتفع به في غيرها لا تأباه اللغة وهو جار في الشرع.

وقال أيضًا: يصح وقف الريحان ليشمه أهل المسجد، وقال: وطيب الكعبة حكمه حكم كسوتها، قال في «الإنصاف»: فعلم أن التطيب منفعة مقصودة، لكن قد تطول مدة التطيب، وقد تقصر ولا أثر لذلك.

وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله أعلم.

وكذا يجوز وقف لنبات وأكواع ونجفات ومراوح وكنديشات لنفع المسلمين.

ولا يصح وقف أثمان ولو لتحل ووزن كقنديل على مسجد وحلقة من نقد ذهب أو فضة تجعل في باب المسجد فلا يصح وقف شيء من ذلك على المسجد، كما لا يصح وقف الدراهم والدنانير لينتفع باقتراضها؛ لأن الوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.

قال في «الفائق»: وعنه يصح وقف الدراهم فينتفع بها في القرض ونحوه، اختاره شيخنا يعني به الشيخ تقي الدين -رحمه الله-، وقال في «الاختيارات»: ولو وقف الدراهم على المحتاجين لم يكن جواز هذا بعيدًا، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقيل: يصح وقف الأثمان للتحلي والوزن قياسًا على الإجارة، ويستثنى منه ما لو وقف فرسًا بسرج ولجام مفضين، فإنه يصح ويدخل تبعًا، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وما لا ينتفع به إلا في الإتلاف لا يصح فيه ذلك فيزكي النقد ربه لبقاء ملكه عليه، ولما كان واقف الإثمان يصح في بعض الصور على سبيل التبعية أشار إلى ذلك بقوله إلا إذا وقف الإثمان تبعًا كوقف فرس في سبيل الله تعالى بلجام وسرج مفضضين، فيصح الوقف في الكل فتباع الفضة؛ لأنها لا ينتفع بها ويصرف ثمنها في وقف مثله.

قال الإمام أحمد فيمن وصى بفرس وسرج ولجام مفضض يوقف في سبيل الله: فهو على ما وقف ووصي، وإن بيعت الفضة من السرج واللجام وجعل ثمن ذلك في وقف مثله، فهو أحب لي؛ لأن الفضة لا ينتفع بها ولعله
يشتري بتلك الفضة سرج ولجام فيكون أنفع للمسلمين، قيل: فتباع وتجعل في نفقته.

قال في «المغني»: فأباح أن يشتري بفضة السرج واللجام سرجًا ولجامًا؛ لأنها صرفها في جنس ما كانت عليه حين لم ينتفع بها فيه فأشبه الفرس الحبيس إذا عطب فلم ينتفع به في الجهاد جاز بيعه وصرف ثمنه في مثله ولم يجز إنفاقها على الفرس؛ لأنه صرف لها إلى غير جهتها ولا تصرف في نفقة الفرس، وقيل: يباع ذلك وينفق عليه، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومثل ما تقدم وقف دار بقناديل نقد من ذهب أو فضة على جهة بر، فإنها تباع القناديل ويشتري بثمنها دارًا أو حانوتًا يكون وقفًا وتصرف غلة ذلك إلى الجهة التي عينها الواقف ما لم تكن الدار محتاجة لعمارة أو إصلاح ولم يكن في الوقف ما يصرف منه فتباع ويصرف ثمنها في ذلك لدعاء الحاجة إليه ولجواز بيع بعض الوقف لإصلاح باقيه عند الإحتياج إليه فهذا أولى.

الشرط الثالث: كون الوقف على بر وهو إسم جامع للخير وأصله الطاعة لله تعالى واشتراط معنى القربة في الصرف إلى الموقوف عليه؛ لأن الوقف قربة وصدقة، فلابد من وجودها فيما لأجله الوقف سواء كان الوقف من مسلم أو ذمي؛ لأن ما لا يصح من المسلم الوقف عليه لا يصح من الذمي كالوقف على غير معين.

قال أحمد في نصارى وقفوا على البيعة وماتوا ولهم أبناء نصارى فأسلموا والضياع بيد النصارى: فلهم أخذها وللمسلمين عونهم حتى يستخرجوها من أيديهم، لا يقال ما عقده أهل الكتاب وتقابضوه ثم أسلموا وترافعوا إلينا لا ينقض؛ لأن الوقف ليس بعقد معاوضة وإنما هو إزالة ملك عن الموقوف على وجه القربة، فغذا لم يقع صحيحًا لم يزل الملك فيبقى بحاله كالعتق.

والقربة قد تكون على الآدمي كالفقراء والمساكين والغزاة والمتعلمين، وقد تكون على غير آدمي كالحج والغزو والسقاية التي يتخذ فيها الشراب في المواسم وغيرها وإصلاح الطرق والمساجد والقناطر والمقابر والمدارس والبيمارستانات، وإن كانت منافعها تعود على الآدمي فيتصرف في مصالحها عند الإطلاق.

ومن النوع الأول الأقارب فيصح الوقف على القريب؛ لأنه شرع لتحصيل الثواب، فإذا لم يكن على بر لم يحصل مقصوده الذي شرع لأجله.

قلت: بل يستحب الوقف على القريب؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي طلحة وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: «أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبتي عمه» متفق عليه.

وكتب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: صدقة للسائل والمحروم والضيف ولذي القربى وابن السبيل، وفي سبيل الله، وكتب علي -كرم الله وجهه- بصدقته ابتغاء مرضاة الله ليولجني الجنة، ويصرف النار عن وجهي ويصرفني عن النار في سبيل الله، وذي الرحم والقريب والبعيد لا يباح ولا يورث، وكتبت فاطمة -رضي الله عنها- بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنساء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفقراء بني هاشم وبني المطلب.

ويصح على ما فيه قربة كالربط والخانات لأبناء السبيل وكتب العلم النافع كالحديث والتفسير والفقه والتوحيد والفرائض والعربية، فلا يصح الوقف على تعليم شعر مباح ولا على مكروه كتعليم منطق لانتفاء القربة ولا على معصية، وتأتي أمثلته لما فيه من المعونة عليها.

ويصح الوقف من مسلم على ذمي معين؛ لما روي أن صفية بنت حيي زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وقفت على أخ لها يهودي، ولأنه موضع للقربة لجواز الصدقة عليه، ولو كان الذمي الموقوف عليه أجنبيًا من الواقف؛ لأنه تجوز صلته.

وفي «الإنتصار»: لو نذر الصدقة على ذمية لزمه كعكسه كما يصح من ذمي على مسلم معين أو طائفة وكالفقراء والمساكين ويستمر الوقف إذا أسلم بطريق الأولى كما عدم هذا الشرط ويلغو شرط الواقف إستحقاقه ما دام كذلك ذميًا لئلا يخرج الوقف عن كونه قربة.

ومثل ذلك ما لو وقف على زيد ما دام زيد غنيًا أو على فلانة ما دامت متزوجة.

ولا يصح الوقف على كنائس جمع كنيسة متعبد اليهود والنصارى أو الكفار، قاله في «القاموس»: ولا يصح على بيوت نار أو على بيع جمع بيعة بكسر الباء الموحدة متعبَّد النصارى ونحوها كديور وصوامع ورهبان ومصالحها كقناديلها وفرشها ووقودها وسدنتها؛ لأنه معونة على معصية ولو كان الوقف على ما ذكر من ذمي، فلا يصح لما تقدم من أن ما لا يصح من المسلم لا يصح من الذمي.

قال في أحكام أهل الذمة، وللإمام أن يستولي على كل وقف وُقف على كنيسة أو بيت نار أو بيعة ويجعلها على جهة قربات.

ويصح الوقف على المار بها من المسلمين لجواز الصدقة على المجتازين وصلاحيتهم للقربة.

ولا يصح الوقف على ذمي فقط قدمه في «الفروع»، ولا يصح الوقف على الفساق ولا على قطاع الطريق ولا على المغاني وكل المحرمات ولا على المسارح ولا على لاعبي الكرة لم ينشأ عنها من إضاعة صلاة وكلام فاحش من لعن وقذف وأضرار بدنية، ولا يصح على المجلات التي يجتمع فيها أناس للنظر إلى السينما والتلفزيون ولا على لاعبي الشطرنج والورق والنرد والكيرم ولا على طبع المجلات الخليعة ولا على الكتب التي فيها سب للدين أو لحملته ونحو ذلك، ولو خص الفقراء من الفساق وما عطف عليه لم يصح؛ لأنه إعانة على المعصية.

ولا يصح الوقف على كتابة نحو التوراة والإنجيل أو شيء منهما؛ لأنه معصية ولو كان الوقف من ذمي لوقوع التبديل والتحريف.

وقد روي من غير وجه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غضب لما رأى مع عمر صحيفة فيها شيء من التوراة، وقال: «أفي شك أنت يا ابن الخطاب، ألم آت بها بيضاء نقية، لو كان أخي موسى حيًا ما وسعه إلا اتباعي».

وكذا كتب بدع، قال في «شرح المنتهى»: ويلحق بذلك كتب الخوارج والقدرية ونحوهما.

وكالدواوين التي فيها إلحاد أو هجاء للمسلمين أو تهييج للفساق أو قتل للوقت بلا منفعة دينية أو دنيوية تعين على الدين.

ولا يصح الوقف على حربي أو على مرتد؛ لأن ملكه تجوز إزالته والوقف يجب أن يكون لازمًا، ولأن إتلاف أنفسهما والتضييق عليهما واجب فلا يجوز فعل ما يكون سببًا لبقائهما والتوسعة عليهما.

ولا يصح وقف ستور وإن لم تكن حريرًا لغير الكعبة كوقفها على الأضرحة.

ولا يصح وقف الإنسان على نفسه؛ لأن الوقف إما تمليك للرقبة أو المنفعة ولا يجوز له أن يملك نفسه من نفسه، كما لا يجوز له أن يبيع ماله من نفسه ونقل حنبل وأبو طالب ما سمعت بهذا ولا أعرف الوقف إلا ما أخرجه لله تعالى، وبهذا قال مالك والشافعي.

وقيل: يصح الوقف على النفس وهو رواية عن الإمام أحمد، وبه قال أبو حنيفة واختاره جماعة منهم ابن أبي موسى والشيخ تقي الدين، وصححه ابن عقيل والحارثي وأبو المعالي في «النهاية» و«الخلاصة» و«التصحيح» و«إدراك الغاية»، ومال إليه في «التلخيص»، وجزم به في «المنور» و«منتخب الآدمي»، وقدمه في «النهاية»، و«المستوعب» و«الهادي»، و«الفائق»، والمجد في «مسودته على الهداية»، وعليه العمل في زمننا وقبله عند حكامنا من أزمنة متطاولة، وهو أظهر، وفي «الإنصاف»، وهو الصواب وفيه مصلحة عظيمة وترغيب في فعل الخير وهو من محاسن المذهب، وفي «الفروع» ومتى حكم به حاكم حيث يجوز له الحكم، فظاهر كلامهم ينفذ حكمه ظاهرًا وإن كان فيه في الباطن خلافه.

وهذا هو القول الذي تميل إليه النفس يؤيده ما ورد عن عثمان -رضي الله عنه- أنه وقف بئر رومة، وقال: دلوي فيها كدلاء المسلمين، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وعلى القول الأول ينصرف في الحال إلى من بعد فمن وقف على نفسه ثم أولاده أو الفقراء صرف في الحال إلى أولاده أو الفقراء؛ لأن وجود من لا يصح الوقف عليه كعدمه فكأنه وقفه على من بعده إبتداء، فإن لم يذكر غير نفسه فملكه بحاله ويورث عنه، ويصح وقف قنه على خدمة الكعبة صانها الله تعالى.

يتبع تكملة السؤال رقم (40) إن شاء الله...



عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:26 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 09 فبراير 2016, 10:13 am

قال في «الإختيارات»:
وينبغي أن يشترط في الواقف ممن يمكن من تلك القربة فلو أراد الكافر أن يقف مسجدًا منع منه.

ولا يصح الوقف على تنوير قبر ولا على تبخيره وتطييبه ولا على من يقيم عنده أو يخدمه.

ولا يصح الوقف على من يشد الرحل إلى زيارة القبور لتحريم ذلك.

ولا يصح وقف القن على حجرة النبي -صلى الله عليه وسلم- لإخراج ترابها أو إشعال قناديلها أو إصلاحها ويعتبر هذا من الغلو ولا يحل الغلو في القبور ولا إشعالها وتنويرها ولا البناء عليها ولا يجوز زخرفتها؛ لأن كل هذا وسيلة وذريعة إلى الشرك بالله.

ولا يصح وقف بيت أو عمارة فيها قبور مسجدًا؛ لقول ابن عباس: «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زائرات القبور والمتخذين عليها السرج والمساجد» أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي.

ومن وقف شيئًا على غيره كأولاده أو مسجدًا واستثنى غلته كلها لنفسه أو استثنى سكناه أو استثنى بعضها له مدة حياته أو مدة معينة صح أو استثنى غلته أو بعضها لولده أو غيره صح أو استثنى الأكل مما أوقفه أو النفقة عليه أو استثنى الانتفاع لنفسه أو لأهله مدة حياتهم أو اشترط أنه يطعم صديقه مدة حياته.

وقال مالك والشافعي ومحمد بن الحسن: لا يصح الوقف إذا وقف على غيره واستثنى الأكل منه مدة حياته؛ لأنه إزالة ملك فلم يجز إشتراط نفعه لنفسه كالبيع والهبة، وكما لو اعتق عبدًا واشترط أن يخدمه ولأن ما ينفقه على نفسه مجهول، فلم يصح اشتراطه كما لو باع شيئًا واشترط أن ينتفع به، ولأن الوقف يقتضي حبس العين وتمليك المنفعة والعين محبوسة عليه ومنفعتها مملوكة له فلم يكن للوقف معنى ويخالف وقف عثمان رضي الله عنه وقف عام، ويجوز أن يدخل في العام ما لا يدخل في الخاص، والدليل عليه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي في المساجد وهي وقف على المسلمين، ولأن الوقف العام يدخل فيه من غير شرط ولا يدخل في الوقف الخاص فدل على الفرق بينهما، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

أو اشترط أنه يطعم صديقه مدة معينة صح الوقف والشرط على ما قال سواء قدر ما يأكله أو عياله أو صديقه ونحوه أو أطلقه.

قال الأثرم: قيل لأبي عبد الله اشترط في الوقف أني أقف على نفسي وعيالي، قال: نعم، واحتج بما روي عن حجر المدري أنه في صدقة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يأكل أهله منها بالمعروف غير المنكر، ويدل له أيضًا قول عمر لما وقف لا جناح على من وليها أن يأكل منها أو يطعم صديقًا غير متمول فيه وكان الوقف في يده إلى أن مات، ولأنه إذا وقف وقفًا عامًا كالمساجد والسقايات والرباطات والمقابر كان له الانتفاع بذلك وكذلك هنا.

فلو مات من استثنى نفع ما وقف مدة معينة في أثناء المدة المعينة لنحو السكنى، فالباقي منها لورثته كما لو باع، واستثنى سكناها سنة ثم مات فيها.

قال في «شرح الإقناع»: قلت: فيؤخذ منه صحة إجارة كل ما ملك منفعته وإن لم يشرطها الواقف له ولورثته إجارتها للموقوف عليه ولغيره كالمستثنى في البيع، ومنه يؤخذ صحة إجارة ما شرط سكناه لنحو بنته أو أجنبي أو خطيب أو إمام، قاله البهوتي، فلو لم يكن لمن مات، وقد بقي له بعض المدة ورثة، فالباقي من المدة التي مات عنها لبيت المال كباقي تركته ولا يعطي للموقوف عليه؛ لأنه لا يستحق شيئًا إلا بعد فراغ جميع المدة التي عينها الواقف.

ومن وقف شيئًا على الفقراء فافتقر شمله الوقف وتناول الواقف منه؛ لوجود الوصف الذي هو الفقر فيه.

ولو وقف إنسان مسجدًا أو مقبرة أو بئرًا أو مدرسة؛ لعموم الفقهاء أو بعضهم: نوع من الفقهاء كالحنابلة والشافعية أو وقف ربطًا أو غيرها للصوفية المستقيمين أو نحوهم مما يعم فالواقف كغيره في الإستحقاق والإنتفاع ما وقفه؛ لقول عثمان هل تعلمون أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: «من يشتري بئر رومة، فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة» فاشتريتها من صلب مالي، فجعلت فيها دلوي مع دلو المسلمين، قالوا: اللهم نعم.

والصوفية: هم المشتغلون بالعبادات في غالب الأوقات المعرضون عن الدنيا المتبتلون للعبادة وتصفية النفس من الأخلاق المذمومة.

فمن كان من الصوفية جماعًا للمال، ولم يتخلق بالأخلاق المحمودة ولا تأدب بالآداب الشرعية غالبًا لا آداب وضعية إذ لا أثر لما وضعوه من الآداب الغير المطلوبة في الشرع.

وإن كان فاسقًا لم يستحق شيئًا من الوقف على الصوفية، قاله الشيخ تقي الدين -رحمه الله- لعدم دخوله فيهم.

وقال الصوفي: الذي يدخل في الوقف على الصوفية يعتبر له ثلاثة شروط: الأول: أن يكون عدلاً في دينه، الثاني: أن يكون ملازمًا لغالب الآداب الشرعية في غالب الأوقات، وإن لم تكن واجبة كآداب الأكل والشرب واللباس والنوم والسفر والصحبة والمعاملة مع الخلق إلى غير ذلك من آداب الشريعة قولاً وفعلاً.

ولا يلتفت لما أحدثه بعض الصوفية من الآداب التي لا أصل لها في الدين من التزام شكل مخصوص في اللبسة ونحوها كلباس خرقة متعارفة عندهم من يد شيخ، وغير ذلك مما لا يستحب في الشريعة إذ لا دليل على اشتراطه في الشرع.

بل ما وافق الكتاب والسُّنة فهو حق يصار غليه وما لا يكون كذلك فهو باطل لا يعول إليه فلا يلتفت إلى اشتراطه وإن كان مائة شرط قضاء الله أحق وشرط الله أوثق.

الثالث: أن يكون قانعًا بالكفاية من الرزق بحيث لا يمسك ما يفضل عن حاجته هذا ملخص ما ذكره في كتاب الوقف من «الفتاوى المصرية».

الشرط الرابع: من شروط الوقف كونه على معين من جهة كمسجد كذا أو شخص كزيد غير نفسه يملك ملكًا ثابتًا؛ لأن الوقف يقتضي تحبيسًا لا تجوز إزالته.

والوقف على المساجد ونحوها وقف على المسلمين إلا أنه غير معين في نفع خاص لهم.

فلا يصح الوقف على مكاتب ومعلق عتقه بصفة؛ لأن الوقف تمليك فلا يصح على من لا يملك والمكاتب ملكه غير مستقر، وأما الوقف على المكاتبين فيصح؛ لأنهم جهة يُراد معناه صرفه على جهة المكاتبين فمن كان مكاتبًا استحق قضاء كتابته، ونحو ذلك قاله ابن نصر الله.

ولا يصح على مجهول كرجل لصدقة بكل رجل ومسجد بصدقة بكل مسجد ولا على مبهم كأحد هذين الرجلين أو المسجدين ونحوهما لتردده كبعتك أحد هذين العبدين، والذي تميل إليه النفس أنه يجوز ويخرج أحدهما بقرعة، والله أعلم.

ولا يصح الوقف على من لا يملك كقن وأم ولد ومدبر.

وقيل: يصح الوقف على العبد ويكون لسيده وسواء قلنا: يملك أو لا، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقال الشيخ تقي الدين: يصح الوقف على أم ولده بعد موته وإن وقف على غيرها على أن ينفق عليها مدة حياتها أو يكون الريع لها مدة حياتها صح، وما قاله هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى.

ولا يصح على ميت وجن وملك بفتح اللام أحد الملائكة ولا على بهيمة؛ لأنها لا تملك ولا على حمل أصالة كوقف داره على حمل هذه المرأة؛ لأنها تمليك إذن والحمل لا يصح تمليكه بغير الإرث والوصية، وقيل: يصل الوقف على الحمل إبتداء، اختاره الحارثي وصححه ابن عقيل، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه لم يظهر لي دليل على المنع، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ولا يصح الوقف على المعدوم كعلى من سيولد لي أو على من سيولد لفلان فلا يصح إصالة، بل يصح الوقف على الحمل أو على من سيولد تبعًا لمن يصح الوقف عليه، كقول واقف وقفت كذا على أولادي ومن سيولد لي من فلان أو لفلان بلا نزاع.

وإن وقف شيئًا على شخص اشترط تعيينه لما تقدم من أن الوقف لا يصح على مبهم وإن كان الوقف على جهة فلا يشترط تعيين أشخاصها، بل يشترط تعيين الجهة فقط، كقوله: وقفت على مصنفي التفسير أو شراح الأحاديث أو الأصوليين الذين يصنفون في التوحيد أو على من يدرس الحديث أو التفسير أن الفقه أو الفرائض أو التجويد أو غيره من العلوم المباحة في موضع كذا أو يطلق أو على من يؤذن أو يقيم الصلاة في مسجد كذا أو مدرسة كذا من مدارس المسلمين أو المعهد العلمي أو الجامعة الإسلامية أو الكليات لما في ذلك من تقوية الدين فيصح الوقف في ذلك كله.

ويذكر في الوصية أو في الوقف أن الذي يدرس دروسًا محرمة كالرسام لصور ذوات الأرواح ونحو ذلك لا يستحق من ذلك الوقف شيئًا البتة؛ لأن عمله محرم.

ويلزم بمجرد التعيين لصدوره من أهله في محله.

وإذا عين الواقف لوقفه ناظرًا، فإنه يقرر ذلك الناظر في الجهات المذكورة الصالح لمباشرة ما عينه الواقف، وهو المتأهل لذلك العمل فلو أقر الناظر غير صالح للقيام بشرط الواقف فلا ينفذ تقريره.

وإن قال إنسان: وقفت كذا على أولاد فلان وفي أولاد فلان حمل فيشمله الوقف كمن لم يخلق من أولاد الأولاد تبعًا فيستحق العمل بمجرد وضع وكل حمل من أهل وقف.

قال في «الإنصاف»: يتجدد حق الحمل بوضعه من ثمر وزرع ما يستحقه مشتر لشجر أو أرض من ثمر وزرع.

قال في «القواعد»: سُئل أحمد عمن وقف نخلاً على ولد قوم ثم ولد مولود قال: إن كان النخل قد أبر فليس له في ذلك شيء وهو ملك الأول وإن لم يكن أبر فهو معهم.

وكذلك الزرع إذا بلغ الحصاد فليس له شيء وإن لم يبلغ الحصاد فله فيه.

وفي «المغني»: ما كان من الزرع لا يتبع الأرض في البيع فلا حق فيه للمتجدد؛ لأنه كالثمر المؤبر وما يتبع وهو لم يظهر مما يتكرر حمله فيستحق فيه المتجدد في الثمر، وتقدم في بيع الأصول والثمار لا يدخل في بيع نحو أرض ما فيها ما يحصد من زرع إلا مرة كبر وشعير وقطنيات ونحوها ويبقى لبائع إلى أول وقته بلا أجرة ما لم يشترطه مشتر.

وإن كان يجز مرة بعد أخرى كرطبة، وبقول أو تتكرر ثمرته كقثاء وباذنجان فأصوله لمشتر وجزة ظاهرة ولقطة أولى لبائع هذا إذا وجد حالة الوقف.

وأما إن كان البذر من مال الموقوف عليهم فهو لهم فلا يستحق الحمل بوضعه منه شيئًا وإنما يستحق قدر نصيبه من المنفعة.

وإن كان من مال الوقف، فالظاهر أنه كذلك وكالحمل في تجدد الإستحقاق من أي إنسان قدم إلى مكان موقوف عليه كثغر نزل في ذلك المكان أو خرج منه إلى مثله فيستحق من ثمر وزرع ما يستحقه مشتر لم تقدم قياسًا للإستحقاق على عقد البيع إلا أن يشترط لكل زمن معين فيكون له بقسطه وقياسه من نزل في مدرسة ونحوه.

وقال ابن عبد القوى ولقائل أن يقول: ليس كذلك؛ لأن واقف المدرسة ونحوها جعل ريع الوقف في السنة كالجعل على اشتغال من هو في المدرسة عامًا فينبغي أن يستحق بقدر عمله في السنة من ريع الوقف في السنة لئلا يفضي إلى أن يحضر الإنسان شهرًا فيأخذ جميع الوقف ويحضر غيره باقي السنة بعد ظهور الثمرة فلا يستحق شيئًا، وهذا يأباه مقتضى الوقوف ومقاصدها.

وكذا قال الشيخ تقي الدين يستحق بحصة من مغله ومن جعله كالولد فقد أخطأ وللورثة من المغل ما باشر مورثهم وأعلم أنه إذا كان استحقاق الموقوف عليه بصفة محضة مثل كونه فقيهًا أو فقيرًا فحكمه حكم الحمل.

وأما إذا كان استحقاقه عوضًا عن عمل أو كان إستغلال الأرض لجهة الوقف، فإنه يستحق كل من اتصف بصفة الإستحقاق في ذلك العام منه حتى من مات في أثنائه استحق بقسطه وإن لم يكن الزرع قد وجد، وبنحو ذلك أفتى الشيخ تقي الدين.

وشجر الحور الموقوف إن أدرك أوان قطعة في حياة البطن الأول فهو له وإن مات البطن الأول وبقي الحور في الأرض مدة حتى زاد كانت الزيادة حادثة من منفعة الأرض مدة حتى زاد كانت الزيادة حادثة من منفعة الأرض التي للبطن الثاني، ومن الأصل الذي لورثة الأول، فإما أن تقسم الزيادة على قدر القيمتين، وإما أن يعطى الورثة أجرة الأرض للبطن الثاني، والأول قياس ما تقدم في بيع الأصول والثمار، وفيما أرى أن الكندل والأثل يقال فيه مثل ما يقال في شجر الحور، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن غرس الحور البطن الأول من مال الوقف ولم يدرك أو أن قطعه إلا بعد انتقاله إلى البطن الثاني فهو لهم وليس لورثة الأول فيه شيء؛ لأنه يتبع أصله في البيع فيتبعه في انتقال الإستحقاق كما تقدم في الثمر غير المتشقق، قاله الشيخ تقي الدين.

الشرط الخامس من شروط الوقف: أن يقف ناجزًا غير معلق ولا موقت ولا مشروط بنحو خيار.

فلا يصح تعليق الوقف على شرط سواء كان التعليق في ابتدائه كقوله: إذا قدم زيد أ و ولد لي ولد أو جاء رمضان فداري وقف على كذا، أو كان التعليق لانتهائه، كقوله: داري وقف على كذا إلى أن يحضر زيد أو يولد لي ولد ونحوه؛ لأنه كالهبة إلا أن علق واقف الوقف بموته، كقوله: هو وقف بعد موتي، فإنه يصح.

والتعليق بهذه الصيغة تبرع مشروط بالموت، فصح كما لو قال: قفوا داري على جهة كذا بعد موتي، واحتج أحمد بأن عمر وصى فكان في وصيته هذا ما أوصى به عبد الله عمر أمير المؤمنين إن حدث به حدث الموت أن تمغًا صدقه وذكر بقية الخبر، رواه أبو داود بنحو من هذا ووقفه هذا كان بأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- واشتهر في الصحابة ولم ينكر فكان إجماعًا.

ويفارق التعليق بشرط في الحياة؛ لأن هذا وصية وهي أوسع من التصرف في الحياة بدليل جوازها بالمجهول والمعدوم، قال في «القاموس»: وثمغ بالفتح مال بالمدينة لعمر وقفه.

ويلزم الوقف المعلق بالموت من حين صدوره منه إذ من أحكام الوقف لزومه في الحال أخرجه مخرج الوصية أم لم يخرجه.

وعند ذلك ينقطع التصرف فيه بالبيع ونحوه، قال أحمد في رواية الميموني في الفرق بينه وبين المدبر: أن المدبر ليس لأحد فيه شيء وهو ملك الساعة، وهذا متى وقفه على قوم مساكين فكيف يحدث به شيئًا، قاله الحارث، والفرق عسر جدًا.

وقال كلام الأصحاب: يقتضي أن المعلق على الموت أو على شرط في الحياة لا يقع لازمًا قبل وجود المعلق عليه؛ لأن ما هو معلق بالموت وصية والوصية في قولهم لا تلزم بالموت والمعلق على شرط في الحياة في معناها فيثبت فيه مثل حكمها، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن كان الموقوف نحو أمة ففي القواعد صارت كالمستولدة فينبغي أن يتبعها ولدها وأما الكسب ونحوه فالظاهر أنه للواقف وورثته إلى الموت؛ لأن الوقف المعلق بالموت يكون لازمًا من حين العقد لزومًا مراعى بموت الواقف؛ لأنه كالوصية فما دام الوقف حيًا يتصرف في نمائه وكسبه ومتى مات انتقل إلى الجهة التي عينه له.

فيعتبر الوقف المعلق بالموت من ثلث مال الواقف؛ لأنه حكمه حكم الوصية، فإن خرج من الثلث لم يكن لأحد من الورثة ولا غيرهم رد شيء منه وما زاد على الثلث فإنه يلزم الواقف منه في قدر الثلث والزائد موقوف على إجازة وأرث.

قال في «المغني»: لا نعلم في هذا خلافًا عند القائلين بلزوم الوقف، قال الحارثي: وإذا قال: داري وقف على موالي بعد موتي دخل أمهات أولاده ومدبروه؛ لأنهم من مواليه حقيقة إذن.

الشرط السادس من شروط الوقف: أن لا يشترط الواقف في الوقف شرطًا ينافيه من الشروط الفاسدة كشرط نحو بيعه أو هبته متى شاء أو شرط خيار فيه بأن قال: وقفته بشرط الخيار أبدًا أو مدة معينة أو شرط توقيته كقوله: هو وقف يومًا أو سنة أو نحوها أو بشرط تحويل الوقف من جهة لأخرى، كقوله: وقفت داري على جهة كذا على أن أحولها عنها أو عن الوقفية بأن أرجع عنها متى شئت، فإن الشرط شيئًا من ذلك بطل الشرط والوقف.

وقال الشيخ تقي الدين: يصح في الكل نقله عنه في «الفائق»، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله أعلم.

وكذلك لو شرط الواقف تغيير شرطه أو متى شاء أبطله لم يصح الوقف؛ لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف لكن إن وقف على ولده بأن قال: هذا وقف على ولدي سنة ونحوها كشهر ثم على المساكين صح الوقف والتوقيت.

وكذلك إن قال: هذا وقف على ولدي مدة حياتي ثم هو بعد موتي للمساكين، صح؛ لأنه وقف متصل الإبتداء والإنتهاء.

وإن قال: هو وقف على المساكين ثم على ولده صح للمساكين دون ولده؛ لأن المساكين لا إنقراض لهم.

قال في «المغني»: ولا تأثير لشرط بيع الموقوف إذا خرب وصرف ثمنه بمثله فلو شرط الواقف ذلك أو شرطه للناظر بعده فسد الشرط فقط، وصح الوقف كما في الشروط الفاسدة في البيع، ذكره الحارثي واستصوبه صاحب «الإنصاف».

قال في «الفروع»: وشرط بيعه إذا خرب فاسد في المنصوص نقله حرب وعلل بأنه ضرورة ومنفعة لهم.

من النظم فيما يتعلق بالوقف:
ألا حبذا المال الحلال لمن هدي
إلى البذل في أبواب بر معدد
وذلك فضل الله يؤتيه من يشا
ومن خير بر المرء وقف مؤبد
إذا انقطعت أعمال بر الفتى أتى
إليه أنيسًا عند وحشة مفرد
فلا تك جماعًا منوعًا مكاثرًا
وسارع لبذل الفرض في المال وإبتد
وإياك والمال الحرام مورثًا
لباذله في البر تشقى وتسعد
تعد لعمري أخسر الناس صفقة
وأكثرهم غبنًا وعضًا على اليد
فبادر إلى تقديم مالك طائعًا
صحيحًا شحيحًا رغبة في التزود
ولا تخش فوت الرزق فالله ضامن
لنا الرزق ما أبقاك في اليوم والغد
ووقفك حبس الأصل مع بذل نفعه
يصح بقول ثم فعل بأوطد
مؤد لمعناه كجاعل أرضه
كمقبرة أو كالرباط ومسجد
ويأذن في فعل يعد لأجله
وألفاظ تصريح ثلاثة أعدد
وقفت حبست الشيء سبلت والكنى
تصدقت أو خرمت أبدت وأنشد
لصحة وقف بالكنى أن تقارن الصحيح
وإلا حكم وقف مخلد
كأبدت موقوفًا وليس بقابل انتقال
بوجه من وجوه التعقد
وينفذ أن يتوي بها الوقف باطنًا
وفي ظاهر خذه بتغيير مقصد
ولا تمضه في غير ما جاز بيعه
بشرط بقا نفع ورشد المؤبد
وينفذ في المنقول مثل عقاره
وينفذ أيضًا في المشاع كمفرد
ووقف حلي جائز اللبس جائز
لعارية واللبس في المتأكد
ووقف على المجهول ملغى ووقفه
وكل حرام البيع كالكلب فاعدد
ورهن وسبع لا يصيد وصائد
بوجه وحمل مفرد دوام مولد
ويبطل مع شرط الخيار وبيعها
متى شا وقيل الشرط لا الوقف أفسد
وما لم يدم نفع به مع بقائه
كطعم وأثمان وريحان أردد
وليس صحيحًا في سوى البر من يقف
على غير معروف وبر فما هدي
ووقف لأصناف الزكاة مجوز
وإصلاح جسر أو رباط ومسجد
وللناس حتى أهل عهد تعينوا
ويفسد موقوف لأهل التهود
وبيعتهم أو كتابة كتبهم
ولو كان منهم واقف ذو تجود
ويلغى على المرتد أو أهل حربنا
وقطاع درب أو ذوي آلة ألدد
ومن ليس أهل الملك مثل ملائك
وجن كذا العجماء مع قن اعبد
ووقف على خيل الغزاة لأهلها
وخان وربط مسجد هو لقصد
ووجهان فيمن ملكه ناقص وفي
الوقوف على حمل كالايصالة أعدد
ووقف على الفساق والأغنياء لا
يصح ولا ما فيه عون لمفسد
ووقف الفتى شيئًا على نفسه أجز
على الظاهر المنصوص من نص أحمد
وثنياك من وقف على الغير نفعه
حياتك والإنفاق كل ليوطد
وإن يشترط إخراج من شا من أهله
وإدخال من شا من سوى أهله أردد
وإن يشترط حرمان من شاء ناظر
متى لم يعين مستحقوه أطد
وشرطك ذا فيمن يواتيك حصرهم
أرى كاستوى جهل السباق فأفسد
وتوقيته كالوقف عامًا أو إن أتى
فلان فداري وقف بأجود
وقيل يصح الوقف والشرط باطل
وإن قال هي وقف إذا مت فأشهد
بصحة ذا من ثلثه بعد موته
كوقف أبي حفص وقيل بل أردد
وإن صح توقيت يكن بعد وقته
كمنقطع في الحكم في بابه أقصد
ويلزم في الإيجاب في المتأكد
وعنه وبالإخراج أيضًا عن اليد
ويشرط في الأقوى قبول معين
وقفت عليه كالعطالا المعدد
فمع شرطه أن ينعدم يغط آنفًا
لمن بعده من أهل وقف مؤبد
كوقف على أولاده إن ردوا أو تووا
وإن رد بعض أو توى من بقا أزيد
وفي مجلس العلم اشتراط قبولهم
ومن بعد موت الواقف أن يتقيد
ووقف على من لا يجوز وبعده
على جائز صحح لمن جاز فاشهد
وقيل إلغ في المردود مع ذي مآله
وقيل إن تأتي علم فقد المفسد
كمنقطع فاصرفه حتى انقراضهم
ومن بعدهم للجائز الصرف أورد



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:26 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 09 فبراير 2016, 10:17 am

(41) إذا وقف وسكت أو لم يخرج الموقوف عن يده أو ارتد الموقف وبيان مصرف الوقف وحكم تغيير شرط الواقف وحكم صحيح الوسط ومنقطع الابتداء وانقطاع الجهة إلخ.
س41: تكلم بوضوح عن ما يلي: إذا قال إنسان وقفت كذا وسكت إذا لم يخرج الموقوف عن يده، متى يلزم الوقف، قبول الوقف، إذا ارتد الموقف، إلى أين يتعين مصرف الوقف، متى يجوز ركوب الفرس الحبيس؟ صرف موقوف لبناء مسجد على بناء منارة أو شراء سلم للسطح أو صرفه في زخرفة أو في مكانس أو مجارف للمسجد تغيير شرط واقف، وكيف يصرف منقطع الإبتداء؟ الوقف على من لا يصح الوقف عليه، وكيف يصرف منقطع الآخر إذا وقفه وسكت؟ وكيف يقع الحجب بين ورثة الواقف؟ وما مثال ذلك؟ وإذا لم يوجد لواقف ورثة من النسب، أو انقطعت الجهة والواقف حي فما الحكم؟ وكيف يعمل في وقف صحيح الوسط فقط؟ وما مثاله؟ وإذا وقف على ثلاثة ثم على المساكين أو وقف على ثلاثة ولم يذكر مآلاً، فما الحكم في ذلك؟ وفيما إذا ماتوا وفيما إذا وقف على أولاده وعلى المساكين أو على مسجد أو على مساجد؟ واذكر الدليل والتعليل والتفصيل والقيود والمحترزات والأمثلة والخلاف والترجيح.

ج: لا يشترط لصحة الوقف ذكر الجهة التي يصرف إليها الوقف، فإذا أطلق ولم يعين مصرفًا للوقف فهو صحيح؛ لأنه إزالة ملك على وجه التقرب إلى الله، وما أطلق من كلام الآدميين محمول على المعهود في الشرع.

فإذا قال إنسان: وقفت كذا وسكت صح وصرف لورثة الواقف نسبًا لا ولاء ولا نكاحًا.

ولا يشترط للزوم الوقف إخراج الموقوف عن يد الواقف؛ لحديث عمر روي عنه -رضي الله عنه- أنه كان في يده إلى أن مات رحمه الله.

ويلزم الوقف بمجرده كالعتق ويزول ملكه عنه؛ لأن الوقف تبرع يمنع البيع والهبة فلزم بمجرد اللفظ كالعتق، والهبة تمليك مطلق.

والوقف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة فهو بالعتق أشبه فإلحاقه به أولى وعلم منه أن إخراجه عن يده ليس شرطًا بطريق الأولى، وعلى القول بالاشتراط لو شرط نظره لنفسه سلمه لغيره ثم ارتجعه منه.

قال في «الفروع»: ولا يشترط فيما وقف على شخص معين قبوله للوقف؛ لأنه إزالة ملك يمنع البيع والهبة والميراث، فلم يعتبر فيه القبول أشبه العتق.

والفرق بين الوقف والهبة والوصية أن الوقف لا يختص المعين، بل يتعلق به حق من يأتي من البطون في المستقبل فيكون الوقف على جميعهم إلا أنه مرتب فصار بمنزلة الوقف على الفقراء لا يبطل برد واحد منهم ولا يقف على قبوله بخلاف الهبة والوصية لمعين.

وإذا كان الوقف على غير معين كالمساكين والفقراء والعلماء أو كان الوقف على من لا يتصور منه القبول كالمسجد والقناطر لم يفتقر إلى القبول من ناظرها ولا من غيره كنائب الإمام؛ لأنه لو اشترط لامتنع صحة الوقف عليها.

ولا يبطل الوقف على معين برده للوقف فقبوله له ورده وعدمها سواء في الحكم.

ويتعين مصرف الوقف إلى الجهة المعينة من قبل الواقف له نصًا نقله الجماعة وقطع به أكثر الأصحاب؛ لأن تعيين الواقف لها صرف عما سواها.

فلو سبل ماء للشرب لم يجز الوضوء به ولا الغسل ونحوه، وكذا لو سبل ماء للوضوء لم يجز الشرب منه؛ لأنه لو لم يجب إتباع تعيينه لم يكن له فائدة، ولا يصح الوضوء ونحوه به.

قلتُ: ومثل ذلك ما جعل في الأزيار والقرب في المساجد، فلا يجوز الوضوء به، ولا يجوز الأخذ منه للبيوت والحجر إلا لضرورة أو حاجة، وكذا ما جعل للمارة لم يجز أخذه للبيوت والدكاكين، بل من أراد شرب منه كغيره، وكذا ما جعل في المدارس مخصصًا لهم الظاهر أنه لا يجوز لغيرهم إلا عند الحاجة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

لأنه غير مباح أشبه المباح المغصوب قال في «شرح الغاية»: ينبغي أن يقيد هذا في البلاد القليلة المياه التي يجمعون ماء الوضوء في أحواضها بالدلاء والسقايات أو يجرون الماء إليها في بعض الأوقات على حسب نوبهم، فهذه لو استعملت للشرب وإزالة النجاسة لضاق على الناس أمر طهارتهم، بل ربما تعطلوا بالكلية، وكذلك المصانع الصغار التي على الطرقات إنما بنيت لإرواء ظمأ المارة، فلو استعملت في غير ذلك لنفدت في مدة يسيرة وتبقى المارة بقية السنة بلا ماء.

وأما في البلاد الكثيرة المياه كدمشق الشام وأمثالها من البلاد الكثيرة المياه، فالظاهر أنه لا مانع من استعمال ماء البرك في مدارسها ومساجدها المعدة للوضوء في الشرب وغيره.

وإن كان الواقف لاحظ في بنائها أن تستعمل في الوضوء؛ فإنه لو تناول من البركة الواحدة الخلق الكثير في آن واحد لا ينقص ماؤها إذ كلما أخذ منها شيء خلفه أضعافه.

وكذلك السبلات التي بنيت في الأزقة للشرب المشتملة على شيء من الماء مع جريان إليها دائمًا والمصانع الكبرى في الصحارى المبني عليها محارب يباح إستعمال مائها شربًا ووضوءًا إذ وضع واقفيها عليها المحارب قرينة منهم على إباحة إستعمالها لذلك كله.

ويؤكد ما ذكر قول الشيخ تقي الدين الآتي قريبًا يجوز تغيير شرط الواقف إلى ما هو أصلح منه، ونقل في «الفروع» قولاً إن سبل ماء للشرب جاز الوضوء منه، ثم قال: فشرب ماء موقوف للوضوء يتوجه عليه.

ولا يركب فرس حبيس في حاجة غير تأديبه وغير جمال المسلمين ورفعتهم وغيظ عدوهم أو في علف الفرس وسقيه ولا يعار أو يؤجر إلا لنفعه قاله الآجري، قلت: وكذا المراكب الحديثة لا تستعمل إلا لما يعود إلى مصالح الجهاد في سبيل الله.

وسُئل عن التعليم بسهام الغزو، فقال: هو منفعة للمسلمين وعن الإمام يجوز إخراج بسط مسجد وحصره لمنتظر جنازة؛ لأنها موقوفة لنفع المسلمين وهذا منها.

ويجوز صرف موقوف على بناء مسجد لبناء منارته وإصلاحها وبناء منبره وشراء سلم للسطح وبناء ظلة؛ لأنه ذلك من حقوقه ومصالحه ولا يجوز صرف الموقوف على المسجد في بناء مرحاض وهو بيت الخلاء وجمعه مراحيض لمنافاته المسجد و إن ارتفق به أهله.

ولا يجوز صرفه أيضًا في زخرفته بالذهب أو الأصباغ؛ لما ورد عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما أمرت بتشييد المساجد لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى» رواه أبو داود.

وليس ببناء، بل لو شرط لما صح؛ لأنه ليس قربة ولا داخلاً في قسم المباح ولا في شراء مجازف ومكانس وقناديل؛ لأنه ليس ببناء ولا سببًا له فانتفى دخوله في الموقوف عليه.

قال الحارثي: وإن وقف على مسجد أو مصالحه جاز صرفه في عمارته وفي نحو مكانس كحصر ومدات ووقود بفتح الواو كزيت ومجارف ومساحي ورزق إمام ومؤذن ومقيم لدخول ذلك كله في مصالح المسجد وضعًا أو عرفًا.

قال في «الوهبانية»:
ويدخل في وقف المصالح قيم ... إمام خطيب والمؤذن يعبر

قلت: وكذا مراوح ونجفات ولمبات وجميع أدوات الكهرب من أسلاك ومواسير وأكواع وطفايات وعداد وكنديشات وقناديل ودواليب لحفظ المصاحف وآلات التنوير.

وفي «فتاوى الشيخ تقي الدين»:إذا وقف على مصالح الحرم وعمارته جاز صرفه لقائم بالوظائف التي يحتاج إليها المسجد من تنظيف وحفظ وفراش وفتح باب وإغلاقه ممن يجوز الصرف إليهم.

وعند الشيخ تقي الدين يجوز تغيير شرط واقف لما هو أصلح منه فلو وقف على فقهاء أو صوفية واحتيج للجهاد صرف للجند.

ووقف منقطع الإبتداء فقط كوقفه على من لا يجوز الوقف عليه كعلى عبده ثم ولده ثم الفقراء يصرف في الحال لمن بعده فتصرف لولده في الحال لما تقدم من أن وجود من لا يصح الوقف عليه كعدمه.

ويصرف منقطع الوسط كوقفه على زيد ثم عبده ثم على المساكين بعد انقطاع من يجوز الوقف عليه لمن بعد ما هو منقطع منه فيصرف بعد موت الولد إلى المساكين؛ لأن الواقف قصد صيرورة الوقف إلى الأوسط والآخر في الجملة ولا حالة يمكن انتظارها فوجب الصرف إليه لئلا يفوت غرض الواقف ولكيلا تبطل فائدة الصحة، ولأن وجود من لا يصح الوقف عليه كعدمه فيكون كأنه وقف على الجهة الصحيحة من غير ذكر الباطلة ولأننا لما صححنا الوقف مع ذكر من لا يجوز الوقف عليه فقد ألغيناه، فإنه يتعذر الصحيح مع اعتباره.

وإن وقف على من لا يصح الوقف عليه ولم يذكر له مآلاً صحيحًا كأن يقول وقفته على الأغنياء أو الذميين أو على الكنيسة ونحوها بطل الوقف؛ لأنه عين المصرف الباطل واقتصر إليه.

ويصرف منقطع الآخر كعلى زيد ثم عمرو ثم عبيده أو الكنيسة بعد من يجوز الوقف عليه إلى ورثته حين الإنقطاع نسبًا على قدر إرثهم وقفًا وكذا لو وقف على زيد ولم يزد عليه.

ويصرف ما وقفه وسكت إلى ورثته، كما لو قال: وقفت هذه الدار ولم يسمّ مصرفًا صحيحًا؛ لأن مقتضى الوقف التأييد فيحمل على مقتضاه ولا يضر تركه ذكر مصرفه، ولأن الإطلاق إذا كان له عرف صح وحمل عليه وعرف المصرف هاهنا أولى الجهات به فكأنه عينهم بصرفه.

فيصرف ريعه إلى ورثة الواقف حين إنقطاع الوقف لا حين موته كما يفهم من «الرعاية»؛ لأن حكمه حكم الوقف المنقطع الانتهاء نسبًا؛ لأن الوقف مصرفه البر وأقاربه أولى الناس ببره؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- لأبي طلحة وإني أرى أن تجعلها في الأقربين، فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة وبني عمه، متفق عليه؛ ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم صدقة وصلة».

ولقوله -عليه الصلاة والسلام-: «إنك أن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس»، ولأنهم أول الناس بصدقاته النوافل والمفروضات فكذا صدقته المنقولة لا ولاء ولا نكاحًا؛ لعدم الإنتساب ويكون على قدر إرثهم من الوقف وقفًا عليهم فلا يملكون نقل الملك في رقبته، وعلم منه صحة الوقف وإن لم يعين له مصرفًا.

وعلى قوله إلى ورثته قال ابن نصر الله في «حواشي الفروع»: هل المراد ورثته حين موته أو حين إنقطاع الوقف وإذا صرف إليهم فماتوا فهل ينتقل إلى ورثتهم أم لا؟ فأما الأول ففي «الرعاية» ما يقتضي أن المراد ورثته حين إنقطاع الوقف؛ لأنه إلى ورثته إذًا أي حين الإنقطاع، وأما المسألة الثانية ففي «شرح الخرقي» للزركشي، وحيث قلنا يصرف إلى الأقارب فانقرضوا أو لم يوجد له قريب، فإنه يصرف إلى بيت المال؛ لأنه مال لا مستحق له نص عليه أحمد في رواية إبراهيم وأبي طالب وغيرهما، وقطع به أبو الخطاب وأبو البركات.

وقال ابن عقيل في «التذكرة»، وصاحب «التلخيص»، وأبو محمد: يرجع إلى الفقراء والمساكين إذ القصد بالوقف الصدقة الدائمة، انتهى. ولم يذكر إذا مات بعض الورثة فهل يصرف إلى ورثة الواقف إذ ذاك وأنه إذا حدث للواقف وارث، فإنه يشارك الموجودين كما في نظائره، والله أعلم. ع ن.

والذي تميل إليه النفس قول من قال: إنه يرجع إلى الفقراء والمساكين إذ القصد بالوقوف الصدقة الدائمة، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويقسم بينهم على قدر إرثهم من الواقف فيستحقونه كالميراث ويقع الحجب بين ورثة الواقف فيه كوقوعه في إرث والغني والفقير في ذلك سواء لاستوائهم في القرابة.

قال القاضي: فلبنت مع ابن ثلث وله الباقي، والأخ لأم مع أخ لأب سدس وله ما بي وإن كان جد لأب وأخ لأبوين أو لأب يشتركان سوية ويقتسمان ريع الوقف المذكور كالميراث، ويأتي إن شاء الله في الجزء الذي بعد هذا في الفرائض الكلام على الجد والأخوة والخلاف والراجح، وإن كان أخ لغير أم انفرد به العم كالميراث، فإن عدموا بأن لم يكن لواقف ورثة النسب فمعروف وقفه للفقراء والمساكين وقفًا عليهم؛ لأن القصد بالوقف الثواب الجاري على وجه الدوام وإنما قدم الأقارب على المساكين لكونهم أولى، فإذا لم يكونوا فالمساكين أهل ذلك، فصرف إليهم.
 
وقيل: يصرف في مصالح المسلمين فيرجع إلى بيت المال، والذي تطمئن إليه النفس القول الأول، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومتى انقطعت الجهة الموقوف عليها والواقف حي بأن وقف على أولاده أو أولاد زيد فقط فانقرضوا في حياته رجع إليه وقفًا.

وقيل: إنه لا يرجع إلى الواقف وقفًا لانقطاع الجهة الموقوف عليها.

والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

قال في «شرح المنتهى»: أي متى قلنا يرجع إلى أقارب الواقف وقفًا، وكان الواقف حيًا رجع إليه وقفًا، وكذا الوقف على أولاده وأنسالهم أبدًا على أنه من توفي منهم عن غير ولد رجع نصيبه إلى أقرب الناس إليه فتوفي أحد أولاده عن غير ولد والأب الواقف حي عاد نصيبه إليه لكونه أقرب الناس.

وقيل: إلى عصبته وذريته، والذي تميل إليه النفس القول الثاني أنه يعود إليه وقفًا، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويعمل في وقف صحيح وسط فقط دون الإبتداء والآخر كما لو وقف داره على عبده ثم على زيد ثم على الكنيسة بالاعتبارين بأن يلغى ما عدا الوسط ويجعل كأنه جعل وقفه ما عدا الطرفين فيصرف في الحال لزيد ويرجع بعد زيد لورثة واقف نسبًا وقفًا على قدر إرثهم ثم على المساكين.

ولو وقف على زيد وعمر وبكر ثم على المساكين فمن مات منهم رجع نصيبه لمن بقي منهم؛ لأنه الموقوف عليه أولاً وعوده إلى المساكين مشروط بانقراضهم؛ لأن استحقاقهم مرتب بثم، فإن مات الثلاثة فللمساكين عملاً يشرطه.

وإن وقف على ثلاثة ولم يذكر الواقف مآلاً، بل سكت فمن مات منهم رجع نصيب ميت منهم لباق كالتي قبلها لا كمنقطع إذ احتمال الانقطاع في غاية البعد، قاله الشيخ تقي الدين.

وقيل: إذا وقف على ثلاثة ولم يذكر مآلاً فمن مات منهم فحكم نصيبه حكم المنقطع، فإذا مات الثلاثة جميعًا صرف كمنقطع لورثة الواقف نسبًا على قدر إرثهم وقفًا، فإن عدموا فللمساكين، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومن وقف على أولاده وعلى المساكين فهو بين الجهتين نصفين يصرف لأولاده النصف وللمساكين النصف لاقتضاء الإضافة التسوية، وكذا لو وقف على مسجد معين أو وقف على مساجد معلومات وعلى إمام يصلي في المسجد أو يصلي في أحد المساجد فيكون ما وقفه بين الجهتين نصفين لانتفاء مقتضى التفاوت.



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:27 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 09 فبراير 2016, 10:20 am

(42) زوال ملك الواقف وإنتقاله وجناية الموقوت وزكاته ونماؤه وتزويجه وأرش الجناية وعتق الرقيق الموقوف إلخ
س42: متى يزول ملك الواقف فيما وقف على نحو مسجد؟ ومتى ينتقل فيما وقف على آدمي؟ وإذا جنى القن الموقوف فما الحكم؟ ومن الذي تلزمه فطرة القن الموقوف وزكاته، وهل يقطع بسرقة الموقوف، ولمن نماؤه، ونفعه، وهل يتزوج موقوف عليه أمة موقوفة عليه، وهل ينفسخ به نكاحها؟ وهل له ولاية تزويجها؟ ومتى يلزم الولي تزويجها؟ وما حكم ولدها مع شبهة، وعتق الرقيق الموقوف؟ وإذا قطع عضو من أعضاء موقوف فما الحكم؟ وأين مصرف أرش رقيق عفى عن الجناية، وإذا قتل عمدًا الرقيق، فماذا يجب؟ وما حكم العفو عنها؟ وإذا قتل قودًا فهل يبطل الوقف؟ وهل يبطل بالقطع؟ وكيف يتلقى الوقف كل بطن؟ وما الذي يترتب على ذلك؟ واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.

ج: يزول ملك الواقف فيما وقف على نحو مسجد كمدرسة ورباط وقنطرة وفقراء وغزاة، وكذا بقاع المساجد والمدارس والقناطر والسقايات وينتقل بمجرد وقف لله تعالى، قال الحارثي: بلا خلاف.

وينتقل الملك فيما وقف على آدمي معين كزيد وعمرو له وعلى جمع محصور كأولاده وأولاد زيد للمحصور؛ لأنه سبب يزيل التصرف في الرقبة فملكه المنتقل إليه كالهبة وفارق العتق من حيث أنه إخراج عن حكم المالية، ولأنه لو كان تمليكًا للمنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى.

وقال أحمد: من وقف على ورثته في مرضه يجوز؛ لأنه لا يباع ولا يورث ولا يصير ملكًا للورثة يحتمل أنه أراد أنهم لا يملكون التصرف في الرقبة جمعًا بين قوليه لا يقال عدم ملكه التصرف فيها يدل على عدم ملكه لها؛ لأنه ليس بلازم بدليل أم الولد، فإنه يملكها ولا يملك التصرف في رقبتها.

فينظر في الوقف الموقوف عليه إن كان مكلفًا رشيدًا، قال ابن رجب: قال في «الإنصاف»: هذا المذهب بلا ريب أو ينظر فيه وليه إن كان الموقوف عليه صغيرًا أو مجنونًا أو سفيهًا حيث لا ناظر بشرط يأتي في الكلام على الناظر.

ولو كان الموقوف أرضًا على معين وقلنا إنه يملك الوقف فغصبها إنسان وزرعها وأدركها من وقفت عليه والزرع قائم فإنه يتملك زرع غاصب بنفقته وهي مثل بذره وعوض لواحقه كمالك الأرض المطلق.

ويلزم الموقوف عليه المعين أرش جناية خطأ الموقوف إن كان قنًا كما يلزم سيد أم الولد فداؤها ولا يتعلق الأرش برقبته؛ لأنه لا يمكن تسليمه كأم الولد ولا يلزم الموقوف عليه أكثر من قيمته، بل يفديه بالأقل من أرش الجناية أو قيمته، وفي «الغاية وشرحها»: ويتجه أنه لا يلزم الموقوف عليه عمده أي ما جناه القن الموقوف عمدًا، وإن الموقوف عليه له تسليم القن الجاني عمدًا لولي الجناية الموجبة للقصاص؛ لعموم قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} الآية، لقتل إن اختاره الولي لوجوبه بالجناية سواء كانت الجناية على الموقوف عليه أو على غيره، وللموقوف عليه تسليم الجاني ليتملكه ولي الجناية بدل ملكه الذي فوته عليه بجنايته، لكن التسليم للتمليك تأباه القواعد لخروجه عن التأبيد الذي هو أعظم المقاصد وإن عفا ولي الجناية على مال، فعلى الموقوف عليه المعين أقل أمرين كما سبق. اهـ.

وقيل: إن جنى الوقف خطأ فالأرش يكون في كسبه إذا كان الموقوف عليه معينًا؛ لأنه ليس له مستحق معين ولا يمكن تعلقها برقبته، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويلزم موقوفًا عليه فطرة القن الموقوف، وكذا لو اشترى عبدًا من غلة الوقف لخدمة الوقف، فإن الفطرة تجب قولاً واحد التمام التصرف فيه.

قال أبو المعالي: ويلزم موقوفًا عليه زكاته لو كان إبلاً أو بقرًا أو غنمًا سائمة على ظاهر كلام الإمام أحمد، واختيار القاضي في التعليق والمجد وغيرهما.

قال الناظم: لكن يخرج من غيرها، وقدمه الزركشي، وتقدم في الزكاة بأتم من هذا، وتقدم أيضًا تجب الزكاة في غلة شجر وأرض موقوفة على معين بشرطه.

ويخرج من عين ثمر وزرع؛ لأنه ملك الموقوف عليه.

ويقطع سارق الموقوف وسارق نمائه إذا كان على معين ولا شبهة للسارق لتمام الملك فيه، قال في «الشرح»: فيستوفيه بنفسه وبالإجارة والإعارة ونحوها إلا أن عين في الوقف غير ذلك.

وللموقوف عليه المعين نفع الموقوف بإستعماله، وله نماؤه وغلته بلا نزاع.

وجناية موقوف على غير آدمي معين كعبد موقوف على مسجد أو على المساكين إذا جنى فأرش جنايته في كسبه؛ لأن ليس له مستحق معين يمكن إيجاب الأرش عليه ولا يمكن تعلقها في رقبته فتعين في كسبه.

ولا يتزوج موقوف عليه أمة موقوفة عليه؛ لأن الملك لا يجامع النكاح وينفسخ بوقفها عليه نكاحها للملك ولا يطأ لأمة الموقوفة ولو أذن في وطئها واقف؛ لأن ملكه ناقص ولا يمكن منع حبلها فتنقص أو تتلف أو تخرج من الوقف بأن تبقى أم ولد.

وللموقوف عليه ولاية تزويجها لملكه لها ويلزم الولي تزويجها إن طلبت صيانة لها عن الوقوف في المحرم إن لم يشرط واقف ولاية التزويج لغير الموقوف عليه ولموقوف عليه الأمة أخذ مهرها إن زوجها هو أو غيره ولو كان المهر لوطء شبهة؛ لأنه بدل المنفعة وهو يستحقها كالأجرة.
وكالصوف واللبن والثمرة، وسواء كان الواطئ الواقف أو غيره وهذه كلها فوائد القول بأنه يملكها وكذا النفقة عليه وولد الموقوفة من وطء مع شبهة بنحو زوجة حرة كبأمته ولو كان الواطئ من قن اشتبهت عليه بمن ولده منها حر لاعتقاده حريته.

وعلى واطيء قيمة الولد لتفويته عليه رقه بإعتقاده حريته يوم وضعه حيًا تصرف قيمته في شراء مثله يكون وقفًا مكانه؛ لأن القيمة بدل عن الوقف فوجب أن ترد في مثله وتصير الموقوفة أم ولده؛ لأنه أحبلها بحر في ملكه وولد من زوج، ولا شرط حريته أو من زنا وقف معها هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب، قاله في «شرح الغاية»، وقال في «شرحها»: لأن ولد كل ذات رحم حكمه حكمها كأم الولد والكسب ما لم يعرض لذلك ما يمنعه كالشبهة واشتراط زوج الأمة على سيدها عند تزويجها حرية ولدها ونحوهما، قاله في «شرح المنتهى».

ونظر البهوتي في شرحه عليه وعلله بأن الموقوف عليه لا يملك عتقه بالتصريح فلا يملك شرطه، انتهى مع أن عبارة شارك «المنتهى» لا تؤدي ما فهم منها إذ ما ذكروه بيان لأصل المسألة وإيضاح لأصل القاعدة من أن ولد كل ذات رحم حكمه حكمها فاستثنى من القاعدة الشبهة واشتراط الحرية ولابد في الشبهة من كونها اشتبهت بمن ولدها منه حر ولو كان الواطيء رقيقًا، فمن أمعن النظر ظهر له الحق.

وحيث قلنا أن الموقوف عليه يملك الموقوفة فوطئها، فإنه لا حد عليه للشبهة ولا مهر عليه بوطئه إياها؛ لأنه لو وجب لوجب له ولا يجب للإنسان شيء على نفسه.

وولد الموقوف عليه من الموقوفة حر للشبهة وعلى الواطيء قيمة الولد يوم وضعه حيًا تصرف في مثله؛ لأنه فوت رقه على من يؤول الوقف عليه بعده، ولأن القيمة بدل عن الوقف فوجب أن ترد في مثله.

وتعتق المستولدة ممن هي وقف عليه بموته؛ لأنها صارت أم ولده لولادتها منه وهو مالكها وواطيء الأمة الموقوفة عليه لا يزول ملكه عنها باستيلاده إياها ما دام حيًا مع بقاء تحريمها عليه وكونها صارت أم ولده لا يباح له وطؤها لنقص ملكه، ولأنه ممنوع من وطئها إبتداء فمنع منه دوامًا.

ويجب قيمتها في تركته إن كانت؛ لأنه أتلفها على من بعده من البطون يشتري بقيمتها مثلها ويشتري بقيمة وجبت بتلفها أو تلف بعضها مثلها يكون وقفًا مكانها لينجبر على ذلك البطن ما فاتهم أو يشتري بذلك منقص من أمه إن تعذر شراء أمة كاملة يصير ما يشتري بالقيمة أو بعضها وقفًا بمجرد الشراء كبدل أضحية.

ولا يصح عتق رقيق موقوف بحال لتعلق حق من يؤول الوقف به، ولأن الوقف عقد لازم لا يمكن إبطاله، وفي القول بنفوذ عتقه إبطال له وإن كان بعضه غير موقوف فأعتقه مالكه صح فيه ولم يسر إلى البعض الموقوف؛ لأنه إذا لم يعتق بالمباشرة فلان لا يعتق بالسراية أولى غير قن مكاتب وقفه سيده بعد مكاتبته وأدى ما عليه من مال الكتابة.

وقيل: لا يصح وقف المكاتب؛ لأن الوقف يجب أن يكون مستقرًا والوقف فيه غير مستقر، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويملك الموقوف عليه الوقف إذا كان الموقوف عليه آدميًا معينًا أو جمعًا محصورًا؛ لأنه سبب يزيل التصرف في الرقبة فملكه المنتقل إليه كالهبة وفارق العتق من حيث أنه أخرج عن حكم المالية، ولأنه لو كان تمليكًا للمنفعة المجردة لم يلزم كالعارية والسكنى، وقيل: لا يملكه، بل ينتقل إلى الله ويكون ملكًا لله؛ لأنه حبس عين وتسبيل منفعة على وجه القربة، فأزال الملك إلى الله تعالى كالعتق، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن قطع عضوًا من أعضاء موقوف كيده ونحوها عمدًا فللقن الموقوف القود؛ لأنه حقه لا يشرك فيه أحد وإن عفى الرقيق الموقوف عن الجناية عليه أو كان القطع أو الجرح لا يوجب قودًا؛ لعدم المكافأة أو كونه خطأ أو جائفة ونحوه فأرشه يصرف في مثل المجني عليه إن أمكن وإلا اشترى به شقص من مثله؛ لأنه بدل عن بعض الوقف، فوجب أن يرد في مثله.

قال الحارثي: اعتبار المثلية في البدل المشتري بمعنى وجوب الذكر في الذكر والأنثى بالأنثى والكبير بالكبير وسائر الأوصاف التي تتفاوت الأعيان بتفاوتها لاسيما الصناعة المقصودة في الوقف، والدليل على الاعتبار أن الغرض جبران ما فات ولا يحصل بدون ذلك.

وإن قتل رقيق موقوف عبدًا أو أمة ولو كان قتله عمدًا محضًا من مكافيء له، فالواجب بذلك قيمته دون القصاص؛ لأن الموقوف عليه لا يختص به فلم يجز أن يقتص من قاتله كالعبد المشترك.

ولا يصح عفو الموقوف عليه عن قيمة المقتول، ولو قلنا أنه يملكه؛ لأن ملكه لا يختص به لتعلق حق البطن الثاني به تعلقًا لا يجوز إبطاله ولا يعلم قدر ما يستحقه هذا منه فيعفو عنه.

و إن قتل الموقوف قودًا بأن قتل مكافئًا له عمدًا فقتله ولي المقتول قصاصًا بطل الوقف كما لو مات حتف أنفه ولا يبطل الوقف إن قطع عضوًا منه قصاصًا كما لو سقط بآكلة.

ويتلقى الموقوف عليهم الوقف كل بطن منهم عن واقفه لا من البطن الذي قبله، قال القاضي في «المجرد»، وابن عقيل في «الفصول»، والموفق في «المغني»، وابن رجب في «القواعد الفقهية»، وصححه الطوفي في «قواعده»: لأن الوقف صادر على جميع أهل الوقف من حينه فمن وقف شيئًا على أولاده ثم أولادهم ثم أولاد أولادهم ما تناسلوا كان الوقف على جميع نسله إلا أن استحقاق كل طبقة مشروط بانقراض من فوقها، قال في «المغني»: وإن رتب، فقال: وقفت هذا على ولدي وولد ولدي ما تناسلوا أو تعاقبوا الأعلى فالأعلى أو الأقرب فالأقرب أو الأول فالأول أو البطن الأول ثم البطن الثاني.

أو على أولادي ثم أولاد أولادي أو على أولادي، فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولادي فكل هذا على الترتيب ويكون على ما شرط ولا يستحق البطن الثاني شيئًا حتى ينقرض البطن الأول كله ولو بقي واحد من البطن الأول كان الجميع له؛ لأن الوقف ثبت بقوله فينبع فيه مقتضى كلامه.

وإن قال على أولادي وأولادهم ما تعاقبوا وتناسلوا على أنه من مات منهم عن ولد كان ما كان جاريًا عليه جاريًا على ولده كان ذلك دليلاً على الترتيب؛ لأنه لو اقتضى التشريك لاقتضى التسوية ولو جعلنا لولد الولد سهمًا مثل أبيه ثم دفعنا إليه سهم أبيه صار له سهمان ولغيره سهم.

وهذا ينافي التسوية، ولأنه يفضي إلى تفضيل ولد الغبن الإبن على الإبن والظاهر من إرادة الواقف خلاف هذا، فإذا ثبت الترتيب، فإنه ترتيب بين كل والد وولده، فإذا مات عن ولد انتقل إلى ولده سهمه سواء بقي من البطن الأول أحد أو لم يبق.

فإذا امتنع البطن الأول حال استحقاقهم من اليمين مع الشاهد لهم بالوقف لثبوت وقفه فلمن بعده من البطون ولو قبل استحقاقهم الوقف الحلف مع الشاهد بالوقف لثبوته؛ لأنه موقوف عليه.

وعلم منه أنهم لا يستحقونه بالحلف، بل عد إنقراض من قبلهم، ففائدة ذلك عدم صحة تصرف من بيده الوقف فيه ببيع ونحوه وحيث ثبت الوقف بالحلف المذكور، فإن الريع يكون للبطن الأول؛ لأن يدخل في ملكهم قهرًا كالإرث.



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:27 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 09 فبراير 2016, 10:23 am

(43)  ما يرجع به عند التنازع في شيء من أمر الوقف وما يرجع إليه وما يتعلق بالشرط في الوقف وبيان التخصيص وإدخال شيء أو إخراجه وحكم تغيير الشرط وما قال الشيخ تقي الدين حول ذلك
س43: إلى أي شيء يرجع عند التنازع في شيء أمر الوقف الذي يملكه الإنسان والذي تحت يده ولا يملكه؟ وهل الإستثناء كالشرط؟ وما الذي مثل الشرط؟ وما حكم العمل بالشرط؟ ومتى يجب الرجوع إلى الشرط الذي شرطه الواقف؟ وفي أي شيء يرجع؟ وما صفة التساوي؟ وما صفة التفضيل؟ وإذا خرج الواقف شيئًا أو أدخله فهل يعمل بذلك، واذكر أمثلة للصفات التي يستحق بها، وما حكم تغيير الشرط وإذا خصص مدرسة أو مقبرة أو إمامتها بأهل مذهب فما الحكم؟ وإذا شرط أن لا ينتفع بالوقف أو خصص إمامة بذي مذهب مخالف، وما معنى قول العلماء نصوص الواقف كنصوص الشارع؟ واذكر الدليل والتعليل والتفصيل والمحترز والقيد والخلاف والترجيح.

ج: يرجع عند التنازع في شيء من أمر الوقف وجوبًا لشرط واقف كقوه شرطت لزيد كذا ولعمر وكذا؛ لأن عمر شرط في وقفه شروطًا، ولو لم يجب إتباع شرطه لم يكن في إشتراطه فائدة، ولأن ابن الزبير وقف على ولده وجعل للمردودة من بناته أن تسكن غير مضرة ولا مضر بها فإذا استغنت بزوج فلا حق لها فيه، ولأن الوقف متلقى من جهته فاتبع شرطه.

ولو كان الشرط مباحًا كشرطه الدار الموقوفة أن تكون للسكنى دون الإستغلال، فإنه يجب إعتباره في كلام الواقف، وأما وقف الدار عند الإطلاق، فقيل: يحمل على الإستغلال لا على السكنى.

قال في «النظم الوهباني»:
ومن وقفت دار عليه فما له ... سوى الأجر والسكنى بها لا تقرر
ولا يعمل بمكروه كشرطه أن لا يصلي في مسجد بناه إلا طائفة كذا.


وفي «الغاية وشرحها»: ويتجه أنه يعتبر هذا الشرط ويرجع إليه وجوبًا إذا وقف الإنسان وقفًا يملكه بنوع من أنواع التملكات الصحيحة، والقول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

فأما وقف الأمراء والسلاطين فلا يتبع شروطهم؛ لأنهم لا ملك لهم إذ ما بأيديهم إما مجتمع من المظالم أو من الغنائم أو من الجزية أو من مال لا وارث له ونحو ذلك.

وعلى كل حال ليس لهم مما بأيديهم شيء، وإنما هو للمسلمين يصرف في المصالح العامة فلو اشتروا مما بأيديهم شيء عقارات ووقفوها وشرطوا في أوقافهم شروطًا، فلا تجب العمل بها، فمن كان له حق في بيت المال ومنع منه فله أن يتناول من أوقافهم كفايته ولو لم يعمل مما شرطوه إلا أن كان فيما شرطوه مصلحة للمسلمين كمدرس كذا من العلوم النافعة وطالب كذا منها كذلك، وكشرطهم إن مات عن ولد والولد في مرتبة والده بأن يكون فيه أهلية للقيام بوظيفة أبيه، فالوظيفة له لاستحقاقه إياها.

ففي هذا كله يجب العمل بشروطهم إذ في العمل بها مصلحة للمسلمين فيجب العمل بها، ولا يجب العمل بشرطهم إذا شرطوا أن وظيفة الوالد لولده وإن لم يكن مثل والداه؛ لأن ذلك رفع الشيء لغير أهله ووضعه في غير محله أو شرط لأحدهم أن يدفع كذا من ريع وقفه لمن يقرأ الدرس من العلوم النافعة كالفقه والتفسير والتوحيد والحديث والفرائض والعربية في مدرسته، فلا يتعين عليه فعله في تلك المدرسة، بل عليه أن يقرأ الدرس المشروط في أي موضع كان عملاً بشرط الواقف في الجملة.

ومثل شرط صريح في حكم وجوب الرجوع إليه استثناه، قال في «الإنصاف»: والإستثناء كالشرط على الصحيح من المذهب نص عليه، انتهى فيرجع إليه.

فلو وقف على أولاده وأولاد زيد أو قبيلة كذا إلا بكرًا لم يكن له شيء.

ومثل الشرط مخصص من صفة كما لو وقفه على أولاده الفقهاء أو المشتغلين بالعلم، فإنه يختص بهم فلا يشاركهم من سواهم وإلا لما كان لتخصيصه فائدة.

ومثل الشرط في حكم الرجوع إليه مخصص من عطف بيان؛ لأنه مشبه بالصفة في إيضاح متنوعه وعدم إستقلاله، فمن وقف على ولده أبي محمد عبد الله، وفي أولاده ومن كنيته أبو محمد غيره اختص به عبد الله.

ومثله في حكم أيضًا مخصص من توكيد كما لو وقف على أولاد زيد نفسه فلا يدخل أولاد أولاده.

وكذا مخصص من بدل كمن له أربعة أولاد، وقال: وقفت على ولدي فلان وفلان وفلان وعلى أولاد أولادي، فإن الوقف يكون على أولاده الثلاثة وأولاده الأربعة؛ لأنه أبذل بعض الولد وهو فلان وفلان وفلان من اللفظ المتناول للجميع وهو ولدي، فاختص بالبعض المبدل؛ لأنه المقصود بالحكم، كقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} لما خص المستطيع بالذكر اختص الوجوب به.

ولو قال: ضربت زيدًا رأسه ورأيت زيدًا وجهه اختص الضرب بالرأس والرؤية في الوجه، قال في «المغني»: ومنه قوله تعالى: {وَيَجْعَلَ الخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ} وقول القائل: طرحت الثياب بعضها فوق بعضها، فإن الفوقية تختص بالبعض مع عموم اللفظ الأول كذا هاهنا. 



ولو قال: وقفت على ولدي فلان وفلان ثم الفقراء لا يشمل ولد ولده ونحو ما تقدم تقديم الخبر، كقوله: وقفت داري على أولادي والساكن منهم عند حاجته بلا أجرة فلان، وكذا مخصص من جار ومجرور نحو وقفت هذا على أنه من اشتغل بالعلم من أولادي صرف إليه.

وكذا إن قال: وقفته بشرط أنه من تأدب بالآداب الشرعية صرف إليه ونحوه فيرجع إلى ذلك كله كالشرط فلو تعقب الشرط ونحوه جملاً عاد الشرط ونحوه إلى جميع الجمل.

وكذا الصفة إذا تعقبت جملاً عادت إلى الكل.

قال في «القواعد الأصولية»: في عود الصفة للكل لا فرق بين أن تكون متقدمة أو متأخرة.

وقال الشيخ تقي الدين: موجب ما ذكره أصحابنا في عود الشرط ونحوه للكل؛ لأنه لا فرق بين العطف بالواو وبالفاء أو بثم على عموم كلامهم.

ويجب العمل بالشرط في عدم إيجار الوقف أو قدر مدة الإيجار، فإن شرط أن لا يؤجر أكثر من سنة لم تجز بالزيادة عليها، لكن عند الضرورة يزاد بحسبها ولم يزل عمل القضاة عليه من أزمنة متطاولة.

وقال الشيخ تقي الدين: والشروط إنما يلزم الوفاء بها إذا لم تفض الإخلال إلى المقصود الشرعي.

وقال - رحمه الله -: قاعدة فيما يشترط الناس في الوقف، فإن فيها ما فيه عوض دنيوي وأخرون وما ليس كذلك، وفي بعضها تشديد على الموقوف عليه.

فنقول: الأعمال المشروطة في الوقف على الأمور الدينية مثل الوقف على الأئمة والمؤذنين والمشتغلين بالعلم من القرآن والحديث والفقه ونحو ذلك أو بالعبادات أو بالجهاد في سبيل الله تنقسم إلى ثلاثة أقسام: أحدها: عمل يتقرب به إلى الله وهو الواجبات والمستحبات التي رغب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها وحض على تحصيلها، فمثل هذا الشرط يجب الوفاء به ويقف إستحقاق الوقف على حصوله في الجملة.

والثاني: عمل نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه نهي تحريم أو نهي تنزيه، فاشتراط مثل هذا العمل باطل باتفاق العلماء لما قد استفاض عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خطب على منبره، فقال: «ما بال أقوام يشترطون شروطًا ليست في كتاب الله! من اشترط شرطًا ليس في كتاب الله فهو باطل»، وإن كان مائة شرط، وكذا ما كان من الشروط مستلزمًا وجود ما نهى عنه الشارع فهو بمنزلة ما نهى عنه.

وما علم أنه نهى عنه ببعض الأدلة الشرعية فهو بمنزلة ما علم أنه صرح بالنهي عنه، ومن هذا الباب أن يكون العمل المشترط ليس محرمًا في نفسه؛ لكنه مناف لحصول المقصود المأمور به.

ومثال هذه الشروط أن يشترط على أهل الرباط ملازمته، وهذا مكروه في الشريعة مما أحدثه الناس أو يشترط على الفقهاء إعتقاد بعض البدع المخالفة للكتاب والسُّنة أو بعض الأقوال المحرمة أو يشترط على الإمام أو المؤذن ترك بعض سنن الصلاة والأذان أو فعل بعض بدعهما مثل أن يشترط على الإمام أن يقرأ في الفجر بقصار المفصل أو أن يصل الأذان بذكر غير مشروع أو أن يقيم صلاة العيد في المدرسة أو المسجد مع إقامة المسلمين لها على سُّنة نبيهم -صلى الله عليه وسلم- .

ومن هذا الباب أن يشترط عليهم أن يصلوا وحدانًا ومما يلحق بهذا القسم أن يكون الشرط مستلزمًا ترك ما ندب إليه الشارع مثل أن يشترط على أهل رباط أو مدرسة أو جانب المسجد الأعظم أن يصلوا فيها فرضهم، فإن هذا دعا إلى ترك الفرض على الوجه الذي هو أحب إلى الله ورسوله فلا يلتفت إلى مثل هذا.

القسم الثالث: عمل ليس بمكروه في الشرع ولا مستحب، بل هو مباح مستوى الطرفين، فهذا قول بعض العلماء بوجوب الوفاء به والجمهور من العلماء من أهل المذاهب المشهورة وغيرهم على أن شرطه باطل، فلا يصح عندهم إلا ما كان قربة إلى الله تعالى، وذلك لأن الإنسان ليس له أن يبذل ماله إلا لما فيه منفعة في الدين أو الدنيا فما دام الإنسان حيًا فله أن يبذل ماله في تحصيل الأغراض المباحة؛ لأنه ينتفع بذلك.

فأما الميت فما بقي بعد الموت ينتفع من أعمال الأحياء إلا بعض صالح قد أمر به أو أعان عليه أو أهدي إليه ونحو ذلك، فأما الأعمال التي ليست طاعة لله ورسوله فلا ينتفع بها الميت بحال، انتهى من «مجموع فتاوى شيخ الإسلام».

وقال المصنف: لذلك وأنه يجب العمل بالشرط إن لم يحتج إلى زيادة على القدر المشروط، أما إذا احتيج بأن تعطلت منافع الموقوف ولم يمكن تعميره إلا بذلك جاز.

وإن تعذر عقود حيث احتيج إليه كعقد واحد حتى لو شرط أن لا يؤجر أبدًا واحتاج الوقف إلى الإجازة فللناظر أن يؤجره وهو أولى من بيعه وقد أفتى به المرداوي وغيره ولم تزل علماؤنا تفتي به وهو أولى من بيعه ولا تجوز المحافظة على بعضها مع فوات المقصود بها ويأتي.

وقال في «شرح الوجيز»: إن كان الوقف يحتاج إلى عمارة لا تحصل إلا بأن يزاد على المدة المشروطة مدة أخرى جاز أن يزاد عليها بقدر ما يحتاج إليه فقط ككون العمارة تحتاج إلى إستلاف دراهم، ولم يحصل من يسلفهم إلا من يستأجر أكثر من هذه المدة وأن تكون عمارته من الخراب ليعمر بما يحصل من الأجرة لا تمكن إلا مع الزيادة، فإنه يجوز أن يزاد بقدر الحاجة، فإن عمارة الوقف واجبة وما لا يتم الواجب إلا به فلابد من فعله، وهذا واجب بالشرع، انتهى.

ويجب الرجوع إلى شرط الواقف في قسمة الوقف على الموقوف عليهم بمعنى أنه يرجع إلى شرط بتقدير الإستحقاق من تساو أو تفضيل كعلى أن للأنثى سهم وللذكر سهمين، أو على أن للمؤذن كذا، وللإمام كذا وللخطيب كذا، وللمعلم كذا أو نحوه.

ويرجع أيضًا إلى شرطه في تقديم بعض أهل الوقف كقوله: وقفت هذا على زيد وعمرو وبكر ويبدأ بالدفع لزيد بكذا أو وقفت على طائفة كذا ويبدأ بنحو الأصلح كالأفقه أو الأدين أو المريض أو الفقير.

ويرجع أيضًا إلى شرطه في تأخير وهو عكس التقديم كقوله: يعطي منه أولاً ما سوى كذا، ثم ما فضل لفلان فليس للمؤخر إلا ما فضل، فإن لم يفضل شيء يسقط.

ويرجع أيضًا إلى شرطه في جمع كجعل الاستحقاق مشتركًا في حالة واحدة كأن يقف على أولاده وأولادهم.

ويرجع أيضًا إلى شرطه في ترتيب كجعل إستحقاق بطن مرتبًا على الآخر كأن يقف على أولاده ثم أولادهم، فالتقديم بقاء الاستحقاق للمؤخر على صفة أن له ما فضل عن المقدم وإلا بأن لم يفضل عن المقدم شيء سقط المؤخر، والمراد إذا كان للمقدم شيء مقدر كمائة مثلاً فحينئذ إن كانت الغلة وافرة حصل بعد المقدر للمقدم فضل فيأخذه المؤخر وغلا بأن كانت الغلة غير وافرة فلا يفضل بعده فضل، فلا شيء للمؤخر.

والترتيب عدم إستحقاق المؤخر مع وجود المقدم فضل عنه شيء أولاً.

والتساوي جعل ريع بين أهل وقف متساويًا كقوله: وقفت على جميع أولادي يقسم بينهم بالسوية.

والتفضيل جعل الريع متفاوتًا كقوله: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} ونحوه والتسوية والتفضيل هو معنى قوله في قسمته، ويرجع إلى شرطه في إخراج من شاء من أهل الوقف مطلقًا أو بصفة كإخراج من تزوجت من البنات ونحوه.

وإدخال من شاء من أهل الوقف مطلقًا كوقف على أولادي أخرج من أشأ منهم وأدخل من أشأ منهم.

أو بصفة كصفة فقر أو اشتغال بعلم؛ لأن ليس بإخراج للموقوف عليه من الوقف، وإنما علق الإستحقاق بصفة فكأنه جعل له حقًا في الوقف إذا اتصف بإرادته أعطاه ولم يجعل له حقًا إذا اتفقت تلك الصفة فيه.

وليس هو تعليق للوقف بصفة، بل وقف مطلق والإستحقاق له صفة.

ولا فرق بين أن يشترط الواقف ذلك لنفسه أو للناظر وفرضها في «الشرح» وغيره، فيما إذا اشترطه للناظر بعده، لكن التعليل يقتضي التعميم.

ووقف على زوجته ما دامت عازبة ومتى تزوجت فلا حق لها أو وقف على أولاده وشرط أن من تزوج من بناته فلا حق لها لما تقدم عن ابن الزبير، ومعنى الإخراج والإدخال بصفة جعل الإستحقاق والحرمان مرتبًا على وصف مشترط فمن اتصف بصفة من صفات الإستحقاق استحق ما شرط له.

فإن زالت تلك الصفة زال استحقاقه،فإن عادت الصفة عاد استحقاقه.

ولا يصح الوقف إن شرط فيه إدخال من شاء من غير أهل الوقف وإخراج من شاء منهم؛ لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف فأفسده، قاله الموفق ومن تابعه كشرط الواقف تغيير شرط، فلا يصح ويبطل به وقف وظاهره سواء شرط ذلك لنفسه أو للناظر بعده؛ لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف فأفسده كما لو شرط أن لا ينتفع به بخلاف إدخال من شاء منهم وإخراجه وتقدم تعليله.

ويرجع إلى شرط واقفه في ناظر الوقف؛ لأن عمر جعل وقفه إلى ابنته حفصة ثم يليه ذو الرأي من أهلها، ولأن مصرف الوقف يتبع فيه شرط واقفه، فكذا في ناظره، وفي إنفاق عليه إذا خرب وإذا كان حيوانًا بأن يقول: ينفق عليه أو يعمر من جهة كذا، وفي سائر أحواله؛ لأنه ثبت بوقفه فوجب أن يتبع فيه شرطه كما لو شرط أن لا ينزل فيه فاسق ولا شرير ولا متجوه ونحو كذي بدعة فيعمل به.

يتبع تكملة السؤال رقم (43) إن شاء الله...



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:28 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالثلاثاء 09 فبراير 2016, 10:26 am

قلت:
وكذا لو شرط الموقف أن لا ينزل فيه مصور أو معلم التصوير أو حلاق اللحى أو بائع آلات اللهو كالسينما والتلفزيون والراديو والشيش المعدة للدخان، وبائع الصور لذوات الأرواح مجسدة أو غير مجسدة وبائع المجلات الخليعة والكتب المضلة ومصلح آلات اللهو من بكمات وسينمات وتلفزيونات ونحو ذلك، فيحرم تأجيرهم وتسكينهم.

وكذا لو شرط أن لا ينزل فيه من لا يصلي الجماعة ممن تجب عليه أو لا يشهد الجمعة وهو ممن يجب عليه حضورها، وكذا لو شرط أن لا ينزل فيه من يبيع الرؤوس الصناعية أو يصلح التواليتات أو الخنافس أو يتعاطى بالتأمين على الأموال أو الأنفس، وتقدم حكم التأمين في الجزء الخامس (ص338).

وكذا لو شرط أن لا يسكنه من نساؤه سافرات أو مغنيات أو مطربات فيجب العمل ويحرم تأجيرهم وتسكينهم؛ لأن ذلك إعانة على هذا المنكر وتحرم إعانة صاحب المعصية، قال تعالى: { وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ.

وكذا لو شرط أن لا ينزل فيه من يعمل للدعايات المحرمة في اللوحات والأوراق ونحوها، وكذا لو شرط أن لا ينزل فيه من لا يصلي أبدًا فيجب العمل بذلك كله، وكذا لو شرط أن لا ينزل فيه من يبيع الدخان أو يشربه
أو يبيع طفاياته أو يورده أو ينقله أو لا ينزل فيه بائع آلات التصوير أو أدوات الملاهي.

أو لا يسكن فيه من يعمل للدعايات المحرمة أو يعلم التصوير لذوات الأرواح أو لا ينزل فيه من يحلق لحيته أو يقصها أو ينتفها أو منهم بلواط أو زنا فيجب العمل بذلك كله، ويحرم تسكينهم وتأجيرهم.

وكذا لو شرط أن لا ينزل فيه لاعبي الكرة أو من يبيعها لما فيها من المضار للدين والدنيا والبدن ومن إلهاء عن الصلاة وضياع وقتها وسب وقذف، ونحو ذلك فيجب العمل بذلك، نسأل الله العصمة لنا ولإخواننا المسلمين من هذه المنكرات المفسدات للأخلاق والأديان والأبدان.

وقال الشيخ تقي الدين: الجهات الدينية كالخوانك والمدارس وغيرها لا يجوز أن ينزل فيها فاسق بقول أو فعل، سواء كان فسقه بظلمة الخلق وتعديه عليهم بقوله من نحو سب أو ضرب أو كان فسقه بتعديه حقوق الله يعني ولو لم يشرطه الواقف؛ لأنه يجب الإنكار عليه وعقوبته فكيف ينزل.

وما قاله الشيخ تقي الدين صحيح موافق للقواعد، قال الحارثي: الشرط المباح الذي لا يظهر قصد القربة منه هل يجب إعتباره ظاهر كلام الأصحاب، والمعروف عن المذهب الوجوب وهو مذهب الأئمة الثلاثة وغيرهم واستدل له إلى أن قال: ولا يلزم من انتفاء جعل المباح جهة للوقف إنتفاء جعله شرطًا فيه؛ لأن جعله أصلاً في الجهة مخل بالمقصود وهو القربة وجعله شرطًا لا يخل به، فإن الشرط إنما يفيد تخصيص البعض بالعطية، وذلك لا يرفع أصل القربة وأيضًا فإنه من قبيل التوابع والشيء قد يثبت له حال تبعيته ما لا يثبت له حال أصالته.

وإن خصص الواقف مقبرة أو رباطًا أو مدرسة أو خصص إمامتها أو خصص خطابتها بأهل بلد أو قبيلة مستقيمين على الإسلام تخصصت بها أعمالاً للشرط إلا أن يقع الاختصاص بنحلة بدعة.

ولا يصح شرط واقف المدرسة ونحوه تخصيص المصلين بها بذي مذهب، فلا تختص بهم؛ لأن إثبات المسجدية يقتضي عدم الاختصاص كما في «التحرير» فاشتراط التخصيص ينافيه، ولغيرهم الصلاة بها لعدم التزاحم بها ولو وقع وهو أفضل؛ لأن الجماعة تراد له.

ولا يصح تخصيص الإمامة بذي مذهب مخالف لصريح أو ظاهر السنة سواء كن خلفه لعدم الإطلاع عليها أو لتأويل ضعيف إذ لا يجوز إشتراط مثل هذا، قاله الحارثي.

ولا يصح شرط واقف أن لا ينتفع بالوقف أو شرطه عدم إستحقاق مرتكب الخير لشيء من ريع الوقف؛ لأنه شرط ينافي مقتضى الوقف.

قال الشيخ تقي الدين: قول الفقهاء نصوص الوقف كنصوص الشارع، يعني في الفهم والدلالة على المراد الواقف لا في وجوب العمل بها أي أن مراد الواقف يستفاد من ألفاظه المشروطة كما يستفاد مراد الشارع من ألفاظه، فكما يعرف العموم والخصوص والإطلاق والتقييد والتشريك والترتيب في الشرع من ألفاظ الشارع، فكذلك تعرف في الوقف من ألفاظ الواقف مع أن التحقيق أن لفظ الواقف ولفظ الموصى والحالف والناذر وكل عاقد يحمل على عادته في خطابه ولغته التي يتكلم بها سواء وافقت لغة العرب أو لغة الشارع.

وأما أن تجعل نصوص الواقف أو نصوص غيره من العاقدين كنصوص الشارع في وجوب العمل بها، فهذا كفر بإتفاق المسلمين إذ لا أحد يطاع في كل ما يأمر به من البشر بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والشروط إن وافقت كتاب الله كانت صحيحة وإن خالفت فباطلة.

وقال: ولا خلاف أن من وقف على صلاة أو صيام أو قراءة أو جهاد غير شرعي، ونحو ذلك لم يصح وقفه، والخلاف الذي بينهم في المباحات كما لو وقف على الأغنياء، ولا يجوز إعتقاد غير المشروع مشروعًا وقربة وطاعة واتخاذه دينًا.

وقال: الشروط إنما يلزم الوفاء بها إذا لم تقض إلا الإخلال بالمقصود الشرعي، ولا يجوز المحافظة على بعضها مع فوات المقصود الشرعي بها.

وقال ابن القيم - رحمه الله -: والصواب الذي لا تسوغ الشريعة غيره عرض شرط الواقفين على كتاب الله سبحانه وعلى شرطه فما وافق كتاب الله وشرطه فهو صحيح، وما خالفه كان شرطًا باطلاً مردودًا ولو كان مائة شرط.

وقال الشيخ تقي الدين - رحمه الله -: فمن شرط في القربات أن يقدم فيها الصنف المفضول فقد شرط خلاف شرط الله كشرطه في الإمامة تقديمة غير الأعلم، وقال أيضًا: إن نزل مستحق تنزيلاً شرعيًا لم يجز صرفه عما نزل فيه بلا موجب شرعي؛ لأنه نقض للاجتهاد بالاجتهاد.

وقال: كل متصرف بولاية إذا قيل يفعل ما يشاء، فإنما هو إذا كان فعله لمصلحة شرعية حتى لو صرح واقف بفعل ما يهواه الناظر أو ما يراه فشرط باطل لمخالفته الشرعي وغايته أن يكون مباحًا وهو باطل على الصحيح المشهور حتى لو تساوى فعلان عمل بالقرعة.

وقال: الشرط المكروه باطل إتفاقًا، وعند الشيخ إنما يلزم العمل بشرط مستحق، قال: وعلى الناظر بيان المصلحة أي التثبت والتحري فيها بدليل قوله، فيعمل بما ظهر له أنه مصلحة ومع الإشتباه إن كن الناظر عالمًا عادلاً ساغ له إجتهاده.

وقال: لو شرط الصلوات الخمس على أهل مدرسة بالقدس بها كان أفضل لأهلها صلاة الخمس بالمسجد الأقصى، ولا يقف استحقاقهم على الصلاة بالمدرسة، وكان يفتي به ابن عبد السلام وغيره.

وقال: إذا شرط في استحقاق ربع الوقف العزوبة، فالمتأهل أحق من المتعزب إذا استويا في سائر الصفات.

وقال: إذا وقف على الفقراء، فأقارب الواقف الفقراء أحق من الفقراء الأجانب مع التساوي في الحاجة، وإذا قدر وجود فقير مضطر كان دفع ضرورته واجبًا، وإذا لم تندفع ضرورته إلا بتنقيص كفاية أقارب الواقف من غير ضرورة تحصل لهم تعين ذلك.

وقال في وقف مدرسة: شرط أن لا يصرف ريعها لمن له وظيفة بجامكية أو مرتب في جهة أخرى إن لم يكن في الشرط مقصود شرعي خالص أو راجح كان الشرط باطلاً كما لو شرط عليهم نوع مطعم أو ملبس أو مسكن لا تستحبه الشريعة ولا يمنعهم الناظر من تناول كفايتهم من جهة أخرى هم مرنبون فيها، وليس هذا إبطالاً للشرط؛ لكنه ترك للعمل.

وقال: لو حكم حاكم بمحضر وقف فيه شروط هم مرتبطون فيها والمحضر خط يكتب في واقفه خطوط الشهود في آخره لصحة ما تضمنه صدره، قاله في «القاموس»، ثم ظهر كتاب الوقف بخلافه وجب ثبوته والعمل به إن أمكن إثباته أو أقر موقوف عليه أنه لا يستحق في هذا الوقف إلا مقدارًا معلومًا، ثم ظهر شرط الواقف أنه يستحق أكثر مما قاله حكم له بمقتضى الشرط ولا يمنع منه الإقرار المتقدم. اهـ.

وذكر التاج السبكي في كتابه «الأشباه والنظائر»: الصواب أنه لا يؤخذ سواء علم شرط الواقف وكذب في إقراره أم لم يعلم، فإن ثبوت هذا الحق له لا ينتقل بكذبه، انتهى.

وقال ابن نصر الله: ومما يؤيده أن شرط صحة الإقرار كون المقر يملك نقل الملك في العين التي يقر بها ومستحق الوقف لا يملك ذلك في الوقف فلا يملك الإقرار به قبل قبضه أو جواز بيعه ولا يصح منه، ولو صح الإقرار بالريع قبل ملك المستحق له لاتخذ وسيلة إلى إجارة مدة مجهولة بأن يأخذ المستحق عوضها من شخص عن ريعها أو عن رقبته ويقر له به مدة حياة المقر أو مدة إستحقاق المقر، فلا يجوز إعتبار إقرار المستحق بالوقف ولا بريعه إلا بشرط ملكه للريع ولم أزل أفتي بهذا قديمًا وحديثًا من غير أن ولكنني قلته تفقهًا، ولا أظن لمن نظر تام في الفقه يقول بخلاف ذلك، والله أعلم.

ويأكل الناظر للوقف بمعروف، وقال الشيخ تقي الدين: له أخذ أجرة عمله مع فقر. اهـ.

من النظم فيما يتعلق بالوقف:
ووقف على من جاز فقدهم ولم
تعين مآلاً عادة لم تفقد
كذا إن تعين بعدما ليس جائزًا
وقولك ذا وقف ولما تزيد
فعند إنقراض الجائز الوقف أعطه
المساكين في أولى روايات أحمد
وعنه لقربى الواقف الورث اصرفن
على قدر ميراث لكل فتى جد
وعنه لقربى الواقف الورث اصرفن
ولا تخصصن ذا الفقر منهم بأوكد
ومن قلت يعطاه فوقف مؤبد
بنص وقيل أرده ملكًا وأفسد
وعنه إجعلن كالفيء بعد إنقراضهم
كوارثه أو مع بقا مبتد ردي
وإن قال ذا وقف ولم يبد مصرفًا
كمنقطع فاجعله لا تتردد
ووقف على من لا إنقراض لهم لهم
ولو قال فيه ثم يعطى لأعبد
وبعد لزوم الوقف يملك عينه المحبس
موقوفًا عليه بأوكد
فيلزم في الأنعام فرض زكاتها
ولكن ليخرج من سواها ويمدد
ويملك تزويج الإماء بأوطد
وقيل بل القاضي، وقيل بل اصدد
ويملك مهرًا وانتفاعًا وغلة
كثمر وألبان وصوف ملبد
وليس له وطء الإماء فإن عدا
فلا مهر في هذا وعن حده حد
ومولوده حر في الأقوى ويفتدي
بقيمته والأم من إرثه حد
بقيمتها إذ عتقها بعد موته
ومثلهما وفقًا بذا المال أرصد
ولا تمض في وقف الرقيق عتاقه
ولو باشر الإعتاق ذو الوقف يعتدي
وأولادها وقف من الزوج أو زنى
ومن شبهة حر بقيمته فدي
لدى الوضع مع مهر وقيمتها إن توت
وبالقيمتين إبتع مثيلاً وخلد
وقيل من الغلات موقوف نسلها
وقيمته إن حر ملك لذي اليد
وفي مال أرش إعتدا وقفه خطا
وفي الكسب في وجه وفيء بمبعد
وإن كان وقفًا للمساكين كان في
تكسبه في وجه مال كما ابتدى
وإن كان مجنيًا عليه فأرشه
به عنه اشتر مثله ثم أبد
فإن لم يف خذ ما تأتي كشقص أو
سوى آدمي إن تعذر خلد
وليس لب الوقف عفو عن أرش ذا
ولا قود في النفس لا يبعد إن فدي
وبعد لزوم زال عن ملك واقف
فيمنع إلغا شرط أو من تزيد
وناظره من خص في لفظ وقفه
ومتصلاً واشرط أمينًا بأجود
وليس له التبديل بعد لزومه
ومع فقد تعيين لذي الوقف أسند
إذا كان ذا رشد وليس بفاسق
وأنثى وقيل أضمم أمينًا لمعتدي
وقيل يلي قاض لفقد معين
كوقف على جمع منافي التعدد
وليس له من دون إذن محبس
ولا منعه التفويض في المتجود
فإن حاز فاخصص ناظرًا عن محبس
لأهل كقاض غير مبطل ما ابتدي
وليس له من غير تعيين واقف
سوى أجر مثل للفقير بمبعد
وإن كان عن كاف ليعط كفاية
ولا رد إن عن كسب إلهي بأجود
وواقفه أن يشرطن نظرًا له
فيسند له من بعد عزل بأجود
وعنه يكون الوقف لله ربنا
إذًا فيليه حاكم ذا تأيد
وما من زكاة لا ولا شفعة له
ومن ريعه أرش الجناية فأعدد
وقيل لبيت المال والنفع مطلقًا
ليعط لموقوف عليه ويفرط
سوى واقف ما عم نفعًا لمسجد
وبئر فإن المرء أسوة مفرد
ولا شيء في ترتيب وقف لمن تلا
ولو لم يكن من سبق غير أوحد
وبعد انقراض السابقين جميعهم
أو الرد منهم للمصلين أرفد
وقف عند قسم الوقف مع شرط واقف
كجمع وترتيب ووصف مقيد
وإطلاقه ثم التساوي بينهم
وتفضيل بعض وإنتقاص مزيد
والإنفاق فيه ثم سائر شأنه
لأن إتداء الوقف منه فقلد
وإن يشترط إخراج من شاء من ذوي
الوقوف وإدخال الأجانب تفسد
فتفضيل من صلى على سابق إلى
مقاصد أهل الوقف أولى بمفسد
ومن غلة الموقوف إصلاح شأنه
إذا لم يعين غيرها ذو التجود
وإن يبغ أهل الوقف علم أموره
ونسخ كتاب الوقف يحبو بمبعد



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:28 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالإثنين 22 فبراير 2016, 8:54 pm

(44) ظهور الوقف مُنافيًا لما تصادق عليه مستحقوه، كيفية العمل بالوقف العام، إذا جهل شرط قسم واقف جهالة اسم الموقوف عليه، الشروط وعدمها حول الوقف فسق الناظر على الوقف وضعفه أو عدم رشده، وما حول ذلك من المسائل
س44: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا ظهر كتاب الوقف مُنافيًا لما تصادق عليه مستحقوه، وماذا يعمل بالوقف العام الذي ليس له ناظر، إذا جهل شرط قسم واقف، إذا وقف على أحد أولاده وجهل اسمه، إذا لم يشرط واقف ناظرًا أو شرطه لمعين فمات المشروط له، إذا أطلق النظر للحاكم، إذا شرط النظر لفلان فإن مات ففلان فعزل نفسه أو فسق أو شرطه لأفضل أولاده فأبى أو استوى اثنان في الفضل أو شرط النظر لإثنين من أفاضل ولده فلم يوجد إلا واحد، وما يشترط في الناظر الأجنبي، وإذا كان الناظر ضعيفًا أو فسق بعد أن كان عدلاً أو ولى النظر أجنبي من واقف وهو فاسق أو فسق أو كان النظر لموقوف عليه وهو غير رشيد، فما الحكم؟ واذكر ما حول ذلك من المسائل والأدلة والتعاليل والقيود والمحترزات والتفاصيل والخلاف والترجيح.

ج: إذا تصادق مستحقو الوقف على شيء من مصارفه وعلى مقادير إستحقاقهم في الوقف ونحوه ثم ظهر كتاب الوقف منافيًا لما تصادقوا عليه عمل بما تضمنه كتاب الواقف وجوبًا على حسب وصف الواقف من تعيين مصارف وتقدير وظائف وألغي التصادق الذي جرى بينهم لمخالفته كتاب الواقف أفتى به الحافظ ابن رجب -رحمه الله تعالى -.

وقال القاضي أبو يعلى في «الأحكام السلطانية»: يعمل والي المظالم في وقف عام ليس له ناظر معين بكتاب ديوان حاكم وهو الذي يسمونه القضاة سجلاً إذ هو للصحة والضبط أقرب من غيره أو يعمل بما في ديوان سلطنته وهو المعروف الآن الدفتر السلطاني؛ لأنه مأمون التزوير غالبًا ومحفوظ من التبديل والتغيير في الغالب أو يعمل بكتاب وقف قديم ظهر وعليه أمارات الصدق بحيث يقع في النفس صحته، ولا يحتاج ذلك إلى من يشهد للقرينة الدالة على صحة ما تضمنه، ولأن إقامة البينة على القديم متعذر فاكتفى بمجرد وجوده.

وإن لم يعلم شرط قسم واقف غلة ما وقفه وأمكن التأنس بصرف من تقدم ممن يوثق به رجع إليه؛ لأن أرجح ممن عداه، والظاهر صحة صرفه ووقوعه على الوقف، فإن تعذر وكان الوقف على عمارة أو إصلاح صرف بقدر الحاجة، وإن كان على قوم عمل بعادة جارية إن كانت، فإن لم تكن عادة عمل يعرف مستقر في الوقف في مقادير الوقف كفقهاء المدارس؛ لأن العرف المستقر يدل على شرط الواقف أكثر من دلالة لفظ الإستفاظة، قاله الشيخ تقي الدين.

ولأن الغالب وقوع الشرط على وقفه وأيضًا فالأصل عدم تقييد الواقف فيكون مطلقًا، والمطلق منه يثبت له حكم العرف، فإن لم تكن عادة ولا عرف ببلد الوقف كما لو كان ببادية ليس لها عادة ولا عرف ساوى فيه بين المستحقين؛ لأن الشركة ثبتت ولم يثبت التفضيل فوجب التسوية.

ومحل كون القسمة بينهم على السواء إذا كان الموقوف وفي أيديهم أو لا يد لواحد منم عليه، فإن كان في يد بعضهم، فالقول قوله كذا نبه عليه جماعة، فإن كان الواقف حيًا رجع إلى قوله.

وأفتى الشيخ تقي الدين فيمن وقف على أحد أولاده وقفًا وجهل اسم الموقوف عليه أنه يميز بقرعة ولو وجد في كتاب وقف رجلاً وقف على فلان وعلى بنيه واشتبه هل المراد بين بنيه جمع ابن أو المراد بني بنته واحدة البنات، فيكون الوقف لبني البنين خاصة ولا يشاركهم بنو البنات، وقال ابن عقيل في «الفنون»: يكون بينهما لتساويهما كما في تعارض البينتين.

وقال الشيخ تقي الدين: ليس من تعارض البينتين، بل هو بمنزلة تردد البينة الواحدة، ولو كان من تعارض البينتين فالقسمة عند التعارض رواية مرجوحة وإلا فالصحيح إما التساقط وإما القرعة فيحتمل أن يقرع هنا.

ويحتمل أن يرجح بنو البنين؛ لأن العادة أن الإنسان إذا وقف على ولد بنيه لا يخص منهما الذكور، بل يعم أولادهما بخلاف الوقف على ولد الذكور، فإنه يخص ذكورهم كثيرًا كآبائهم.

ولأنه لو أراد ولد البنت لسماها باسمها أو لشرك بين ولدها وولد سائر بناته قال: وهذا أقرب إلى الصواب، نقله عنه في «الإنصاف».

وإذا لم يشرط واقف ناظرًا على الموقوف أو شرط النظر لمعين فمات المشروط له فليس للواقف ولاية النصب لانتفاء ملكه فلم يملك النصب ولا العزل ويكون نظره لموقوف عليه إن حصر موقوف عليه كأولاده وأولاد زيد فينظر كل منهم على حصته كالملك المطلق المشترك سواء كان عدلاً أو فاسقًا؛ لأنه ملكه وغلته له.

وإن كان الموقوف عليه غير محصور كالوقف على الفقراء والمساكين والعلماء والقراء فنظره للحاكم، وإلا فالموقوف على المسجد أو مدرسة أو رباط أو قنطرة أو سقاية فنظره لحاكم ببلد الوقف؛ لأنه ليس له مالك معين و من يقيمه الحاكم؛ لأنه يتعلق به حق الموجودين وحق من يأتي من البطون فكان نظره للحاكم أو من يستنيبه الحاكم.

ومن أطلق النظر من الواقفين للحاكم فلم يعينه شمل لفظ الحاكم أي حاكم كان سواء كان مذهب الحاكم مذهب حاكم البلد زمن الموقوف أم لا وإن لم نقل بذلك لم يكن له نظر إذا انفرد وهو باطل إتفاقًا، قاله الشيخ تقي الدين.

وإن شرط النظر لحاكم المسلمين كائنًا من كان فتعدد الحاكم، فقيل: إن النظر فيه للسلطان يوليه من شاء من المتأهلين لذلك ولو فرض النظر حاكم لإنسان لم يجز لحاكم آخر نقضه؛ لأنه كنقض حكمه.

ولو ولى كل من حاكمين النظر على وقف لا ناظر له شخصًا في آن واحد وجهل سابق وتنازع الشخصان قدم ولي وهو السلطان أحقهما لتعلق حق كل منهما فلا يتعدى به إلى غيرهما، ولا يشتركان؛ لأن كلا منهما إنما ولي لينظر فيه على انفراده، فكان أحقهما بذلك أولى، قاله الشيخ تقي الدين.

فإن استويا في الأحقية أقرع بينهما وإن علم الأول تعين لوقوعه في محله، ولذلك لم يملك الثاني نقضه ولو فوض النظر حاكم لإنسان لم يجز لحاكم آخر نقضه، بل ينظر الحاكم مع المفوض له النظر حفظًا للوقف.

وقال الشيخ تقي الدين: لا يجوز لواقف شرط نظر لذي مذهب معين دائمًا، ومن شرط النظر لفلان، فإن مات ففلان بأن قال الواقف: النظر لزيد، فإن مات فلعمرو مثلاً فعزل زيد نفسه أو فسق فكموته؛ لأن تخصيصه الموت خرج مخرج الغالب فلا يعتد بمفهومه وإن أسقط حقه من النظر لغيره فلس له ذلك؛ لأنه إدخال في الوقف لغير أهله فلم يملكه وحقه باق فإن أصر على عدم التصرف إنتقل إلى من يليه كما لو عزل نفسه فإن لم يكن من يليه أقام الحاكم مقامه كما لو مات.

وإن شرط النظر لأفضل أولاده أو أولاد زيد فالنظر للأفضل منهم عملاً بالشرط فإن أبى الأفضل القبو فالنظر لمن يليه كأنه لم يكن ولو ولي النظر الأفضل فحدث من هو أفضل منه انتقل النظر إليه لوجود الشرط فيه، فإن استويا إثنان في الفضل اشتركا في النظر، وإن شرط النظر لإثنين من أفاضل ولده فلم يوجد إلا فاضل واحد من أولاده ضم إليه أمين ينظر معه عملاً بشرط الواقف.

وكذا الحكم لو جع النظر لإثنين غير مستقلين لم يصح تصرف أحدهما دون الآخر بلا شرط واقف كالوكيلين والوصيين عن واحد، فلو مات أحدهما أو انعزل ضم إلى الحي أمين ينظر معه.

وشرط في ناظر أجنبي شروط والمراد بالأجنبي غير موقوف عليه، وكذا إن كان لبعض الموقوف عليهم إن كانت ولايته من حاكم كوقف على جماعة غير محصورين ولم يعين واقفه ناظرًا ففوضه الحاكم إلى إنسان أو كانت ولايته من ناظر أصالة وذلك بجعل الواقف له ذلك أو بدونه أو جاز للوكيل أو يوكل.

فأول الشروط: إسلام، إن كان الموقوف عليه مسلمًا أو كانت من جهات الإسلام كمسجد ومدرسة ورباط ونحوه؛ لقوله تعالى: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}، الشرط الثاني: التكليف؛ لأن غير المكلف لا ينظر في ملكه الطلق، ففي الوقف أولى، والشرط الثالث: الرشد؛ لأن السفيه محجور عليه في تصرفاته في ماله فلا يتصرف في غيره، والشرط الرابع: الكفاية في التصرف والعلم بالتصرف وقوته عليه، قال الله تعالى مخبرًا عما قال يوسف: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ}، وقال عما قالته ابنة صاحب مدين: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ} وإذا لم يكن المتصرف متصفًا بهذه الصفات لم يكن في إمكانه مراعاة الحفظ للوقف.

ولا يشترط في الناظر الذكورية؛ لأن عمر أوصى بالنظر لحفصة -رضي الله عنها-.

ويضم لناظر ضعيف تعين كونه ناظرًا بشرط واقف أو كون الوقف عليه قوي أمين ليحصل المقصود.

وإن كانت الولاية على الوقف من ناظر أصلي فلابد من شرط العدالة فيه؛ لأنها ولاية على مال فاشترط لها العدالة كالولاية على مال اليتيم، فإن لم يكن الأجنبي المولى من حاكم أو ناظر أصلي عدلاً لم تصح ولايته لفوات شرطها وهو العدالة وأزيلت يده عن الوقف حفظًا له.

فإن فسق منصوب حاكم بعد أن كان عدلاً عزل أو أصر متصرفًا بخلاف الشرط الصحيح عالمًا بتحريمه عزل من التولية وأزيلت يده عن الوقف؛ لأن ما منع التولية إبتداء منعها دوامًا فإن عاد إلى أهليته عاد حقه كوصي عزل لمقتض، ثم زال فيعاد، فإن عاد إلى أهليته يعاد إلى النظر ما لم يقرر الحاكم شخصًا غيره قبل عوده، فإن قرره قبل عوده لم يكن له إزالته بدن موجب شرعي لمصادفة تقريره محله.

وإن ولي النظر أجنبي من واقف بأن شرطه له والأجنبي فاسق أو وهو عدل ثم فسق يضم أمين لحفظ الوقف ولم تزل يده؛ لأنه أمكن الجمع بين الحقين.

ومتى لم يمكن حفظه نه أزيلت ولايته فإن مراعاة حفظ الوقف أهم من إبقاء ولاية الفاسق عليه وإن كان النظر لموقوف عليه إما بجعل الواقف النظر للموقوف عليه أو لكون الموقوف عليه أحق بالنظر لعدم تعيين غيره، فالموقوف عليه مع رشد أحق بالنظر عدلاً كان أو فاسقًا رجلاً كان أو امرأة؛ لأن يملك الوقف فهو ينظر لنفسه وإن كان الموقوف عليه غير شيد ولم يشرط النظر لغيره فوليه يقوم بالنظر مقامه؛ لأنه يملكه كملكه الطلق.

وإن شرط النظر واقف لغيره من موقوف عليه أو أجنبي ثم عزله لم يصح عزله له كإخراج بعض الموقوف عليهم إلا أن شرط الواقف لنفسه ولاية العزل، فإن شرطها له فله شرطه.

وإن شرط الواقف النظر لنفسه ثم جعل النظر لغيره أو أسنده أو فوّض النظر إليه بأن قال: جعلت النظر أو فوضته أو أسندته إلى زيد، فللواقف عزل المجعول أو المسند أو المفوض إليه؛ لأنه نائبه أشبه الوكيل.

ولناظر بإصالة كموقف عليه إن كان معينًا وحاكم فيما وقف على غير معين ولم يعين الواقف غيره نصب وكيل عنه وعزله لأصالة ولايته أشبه المتصرف من مال نفسه وتصرف الحاكم في مال يتيم ولكل من موقوف عليه وحاكم عزل وكيله وكونه له عزله لأصالة نظره فمن نصبه الناظر أو الحاكم نائبه كما في المطلق وله الوصية لنظر لأصالة الولاية.

وللمستنيب عزل نائبه متى شاء؛ لأنه وكيله وللموكل أن يعزل وكيله متى شاء ولا ينصب ناظر بشرط؛ لأن نظره مستفاد بالشرط ولم يشترط النصب له ولو مات الناظر بالشرط في حياة الواقف لم يملك الواقف نصب غيره بدون شرط ولاية النصب لنفسه وانتقل الأمر إلى الحاكم، وإن مات بعد وفاة الواقف فكذلك بلا نزاع.

ولا يوصي ناظر بشرط بالنظر بلا شرط واقف؛ لأنه إنما ينظر بالشرط ولم يشترط الإيصاء له سواء كان في مرض موته أو لا خلافًا للحنفية فإنهم يوجبون العمل بوصيته بالنظر في مرض الموت بلا شرط واقف.

وإن جعل الواقف له أن يوصي صح إيصاؤه به وكذلك لو كان الموقوف عليه هو المشروط فالأشبه أن له النصب لأصالة ولايته إذ الشرط كالمؤكد لمقتضى الوقف عليه.

وإن أسند الواقف النظر لإثنين فأكثر من الموقوف عليهم أو غيرهم أو جعل النظر الحاكم أو الناظر الأصلي إليهما لم يصح تصرف أحدهما منفردًا عن الآخر بلا شرط؛ لأن الواقف لم يرض بواحد وإن لم يوجد إلا واحد وأبى أحدهما أو مات أقام الحاكم مقامه آخر.

وإ ن شرط واقف النظر لكل منهما بأن قال: جعلت النظر لكل واحد منهما صح، وكذا يصح إذا جعل التصرف لواحد أو جعل اليد لآخر أو جعل عمارة الوقف لواحد وجعل تحصيل ريعه لآخر صح تصرف أحدهما منفردًا.

وإذا مات أحدهما أو أبى لم يحتج إلى إقامة آخر واستقل الموجود منهما؛ لأن البدل مستغنى عنه واللفظ لا يدل عليه، فلو تنازع ناظران غير مستقلين بالتصرف في نصب إمام، نصب أحدهما زيدًا والآخر عمرًا لم تنعقد ولاية الإمامة لأحدهما لإنتفاء شرطها.

وإن استقلا وقررا في وظيفة وسبق نصب أحدهما الآخر انعقدت وقدم الأسبق منهما دون الثاني؛ لأن ولايته لم تصادف محلاً وإن اتحد واستوى المنصوبان أقرع بينهما فمن قرع صاحبه قدم لعدم المرجح.

وفي «الغاية وشرحها»: ويتجه وجوب إتباع شرط الواقف فيما وظفه فلا يجوز اشتراك اثنين فأكثر في وظيفة واحدة كإمامة وخطابة ونحوها من وظائف أوقاف حقيقة كأوقاف التجار ونحوهم، كما لا يجوز جمع شخص واحد جملة من الوظائف في وقف ويأتي.

بل يجوز اشتراك ثنين فأكثر في وظيفة في أوقاف صورية كأوقاف الأمراء والملوك، فإن أوقافهم من حيث الصورة، وأما في نفس الأمر فهي للمسلمين.

وأول من أحدث وقف أراضي بيت المال على جهات الخير نور الدين الشهيد صاحب دمشق، ثم صلاح الدين يوسف صاحب مصر لما استفتيا ابن أبي عصرون فأفتاهما بالجواز على معنى أنه إرصاد وإفرار من بيت المال على بعض مستحقيه ليصلوا إليه بسهولة؛ لأنه وقف حقيقي إذ من شرط الموقوف أن يكون مملوكًا للواقف والسلطان ليس بمالك لذلك ووافق ابن عصرون على فتواه جماعة من علماء عصره من المذاهب الأربعة.

وحيث كانت هذه الصورية إفرازًا وإرصادًا فللسلطان أو نائبه المفوض إليه التصرف في ذلك أن يقيم وكيلاً عنه في التصرف في ذلك بإجارة أو غيرها كما في بقية الأحكام والتصرفات المتعلقة ببيت المال ولا ريبة في صحة هذا الناظر المنصوب وكيلاً عمن له ولاية التصرف. اهـ.

ولا نظر لحاكم مع ناظر خاص؛ لأنه ليس استحقاقه من جهة الحاكم، قال في «الفروع»: ويتوجه عدم النظر لغير الناظر مع حضوره في البلد أما إذا غاب الناظر فيقرر حاكم في وظيفة خلت في غيبته لما فيه من القيام بلفظ الواقف في المباشرة ودوام نفعه، فالظاهر أنه يريده ولا حجة في تولية الأئمة مع البعد لمنعهم غيرهم التولية فنظيره منع الواقف التولية لغيبة الناظر. اهـ.

فعليه لو ولي الناظر الغائب إنسانًا وولى الحاكم إنسانًا آخر قدم الأسبق تولية منهما.

ولحاكم النظر العام فيعترض على الناظر الخاص إن فعل ما لا يسوغ له فعله لعموم ولايته.

وللحاكم ضم أمين إلى الناظر الخاص مع تفريطه أو تهمته ليحصل بالأمين المقصود من حفظ الوقف واستصحاب يد من أراده الواقف والظاهر أن الأول يرجع إلى رأي الثاني ولا يتصرف إلا بإذنه ليحصل الغرض من نصبه.

وكذا إذا ضم إلى ضغيف قوي معاونًا له فلا تزال يد الأول عن المال ولا نظره والأول هو الناظر دون الثاني، هذا قياس ما ذكر في الموصى له.

ولا اعتراض لأهل الوقف على ناظر أمين ولاه الواقف ولهم سؤاله عما يحتاجون إلى عمله من أمر وقفهم حتى يستوي علمه وعلمهم فيه.

ولأهل الوقف المطالبة بإنتساخ كتاب الوقف لتكون نسخته وثيقة في أيديهم لهم.

وللناظر الإستدانة على الوقف بلا إذن حاكم لمصلحة كشراء للوقف نسيئة أو شراء بنقد لم يعينه.

وعلى الناظر سواء كان الحاكم أو غيره نصب جاب مستوف للعمال المتفرقين إن احتيج إليه أو لم تتم مصلحة إلا به.

وله أن يفرض لكل على عمله ما يستحقه مثله في كل مال يعمل فيه بمقدار ذلك المال الذي يعمل فيه إن احتيج إلى المستوفي أو لم تتم مصلحة إلا به، فإن لم يحتج إليه وتمت المصلحة بدونه لقلة الأعمال ومباشرته الحساب بنفسه لم يلزمه نصبه.

ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة يباشر الحكم وإستيفاء الحساب بنفسه ويولي مع البعد ذكره الشيخ تقي الدين.

وإذا قام المستوفي بما عليه من العمل استحق ما فرض له وإن لم يقم به لم يستحقه ولم يجز أخذه.

ولولي الأمر نصب ديوان يكون مستوفيًا لحساب أموال الأوقاف عند المصلحة كما له نصب ديوان لحساب الأمور السلطانية كالفيء وغيره مما يؤول إلى بيت المال من تركات ونحوها.



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:29 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالإثنين 22 فبراير 2016, 8:57 pm

(45) ما يتعلق بالناظر والوظيفة في الوقف والشروط المعتبرة في الإمام الذي نصبه رئيس القرية أو الجيران والذي يجب أن يولى وما حول ذلك من المسائل
س45: تكلم بوضوح عن وظيفة الناظر، وما الذي له؟ وهل يتوقف الإستحقاق على نصبه؟ واذكر ما يوضح لذ لك من أمثلة وحكم الجمع بين وظائف لواحد واستنابة من ولاه السلطان ولمن الإمامة فيما بناه أهل الشوارع والقبائل من المساجد؟ وما الذي يعتبر في الإمام الذي نصبه جيران المسجد أو رئيس القرية؟ وهل للإمام النصب؟ ومن الذي يجب أن يولى في الوظائف وإمامة المساجد؟ وهل يولى الفاسق وإذا قرر بوظيفة على وفق الشرع فهل يصرف عنها؟ وإذا لم يقم بالوظيفة فهل يبدل؟ وإذا عطل المغل الموقوف على المسجد فكيف تكون الأجرة؟ وتكلم عما وقف على مصالح الحرم، وعما يأخذه الفقهاء من الوقف وما وقف على أعمال بر، وما الذي قاله الشيخ تقي الدين في أخذها ما فوق الحاجة بأضعاف ومن لهم جهات معلومة يأخذون ويستنيبون في الجهاد بيسير؟ وما حول ذلك من المسائل والأدلة والتعليلات والقيود والتفاصيل والمحترزات والخلاف والترجيح.

ج: وظيفة الناظر: حفظ وقف وعمارته وإيجاره وزرعه ومخاصمته فيه وتحصيل ريعه من أجرة أو زرع أو ثمر والإجتهاد في تنميته وصرفه في جهاته بما تحصل به تنميته من عمارة وإصلاح وإعطاء مستحق.

ويقبل قول الناظر المتبرع في دفع المستحق وإن لم يكن متبرعًا لم يقبل قوله إلا ببينة، قال في «شرح الإقناع»: ولا يعمل بالدفتر المستحق المعروف في زمننا بالمحاسبات في منع مستحق ونحوه إذا كان بمجرد إملاء الناظر والكاتب على ما أعتيد في هذه الأزمنة.

ومن وظيفة الناظر نحو شراء طعام وشراب شرطه الواقف؛ لأن الناظر هو الذي يلي الوقف وحفظه وحفظ ريعه وتنفيذ شرط واقفه وطلب الحظ مطلوب فيه شرعًا، فكان ذلك إلى الناظر.

ويقبل قول الناظر المتبرع في دفع المستحق وإن لم يكن متبرعًا فلابد من البينة كما تقدم في الوكالة.

وللناظر وضع يده على الوقف وعلى ريعه وله التقرير في وظائفه ذكروه في ناظر المسجد، فينصب من يقوم بوظائفه من إمام ومؤذن وقيم وغيرهم كما أن للناظر الموقوف عليه نصب من يقوم بمصلحة الواقف من جاب وحافظ.

ومتى امتنع من نصب من يجب نصبه، نصبه الحاكم كولي النكاح إذا عضل وإن طلب على النصب جعلا سقط حقه وقرر الحاكم من فيه أهلية.

وليس لمتكلم على وقف من ناظر وغيره وتقرير نفسه أو من لا تقبل شهادته له كولده ونحوه في شيء من وظائف الوقف؛ لأنهم كهو، ولذلك لا تصح إجارته له ولا لهم كما تقدم في الوكالة.

وكذا لا يجوز مع كونه ناظرًا أن يكون شاهدًا لوقف ولا مباشرًا فيه ولا أن يتصرف بغير مسوغ شرعي.

ولا يتوقف الإستحقاق على نصب الناظر ولا الإمام إلا بشرط من الواقف.

فإن شرط الواقف في الصرف نصب الناظر للمستحق كالمدرس والمعيد والمتفقه في المدرسة مثلاً، فلا إشكال في توقف الاستحقاق على نصب الناظر له عملاً بالشرط وإن لم يشرط الواقف نُصب الناظر للمستحق، بل قال: ويصرف الناظر إلى مدرس أو معيد أو متفقه بالمدرسة فلا يتوقف الاستحقاق على نصب ناظر ولا إمام، فلو انتصب بمدرسة مدرس أو معيد وأذعن له الطلبة بالاستفادة وتأهل لذلك استحق ولم ينازع لوجود الوصف المشروط؛ لأن الإجازة من الشيخ غير شرط في جواز التصدي للإقراء والإفادة.

قلت: ومن باب أولى وأحرى الشهادات الموجودة في زمننا التي اعتمد كثير من أهل هذا الزمان عليها وصاروا يتواصون بها ويحرض بعضهم بعضًا على الحصول عليها والتمسك بها وتركوا التوكل على الله الذي هو فريضة يجب إخلاصه لله تعالى، وعنه تنشأ الأعمال الصالحة، فإن الإنسان إذا اعتمد على الله في جميع أموره الدينية والدنيوية صح إخلاصه ومعاملته مع الله جل وعلا، قال تعالى: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فمن علم من نفسه الأهلية جاز له ذلك وإن لم يحمل الشهادة المعروفة في هذا الزمان وإن لم يجزه أحد وعلى ذلك السلف، وكذلك في كل علم، وفي الإقراء والإفتاء خلافًا لما يتوهمه الجهلة الأغبياء من اعتقاد كونها شرطًا.

قال في «الإتقان»: ولا يجوز أخذ المال في مقابلتها إجماعًا، بل إن علم أهليته وجب عليه الإجازة أو عدمها حرم عليه، قال: وادّعى ابن خير الإجماع على أنه ليس لأحد أن ينقل حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يكن له به روية ولو بالإجاز، انتهى.

وكذا لو أقام بالمدرسة طالب متفقهًا ولو لم ينصبه ناصب استحق لوجود التفقه، وكذا لو شرط الصرف المطلق إلى إمام مسجد ونحو مؤذن كقيمه فأم إمام ورضيه الجيران أو أذن فيه مؤذن أو قام بخدمة المسجد قائم كان مستحقًا لوجود الشرط ومع شرط واقف نحو ناظر كأمين ومدرس ومعيد وإمام لم يجز قيام شخص واحد بالوظائف كلها ولو أمكنه جمع بينها.

وقال الشيخ تقي الدين -رحمه الله-: وإن أمكن أن يجمع بين الوظائف لواحد فعل، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقال في «الأحكام السلطانية»: ولا يجوز أن يؤم في المساجد السلطانية وهي الجوامع الكبار إلا من ولاه الإمام أو نائبه لئلا يفتات عليه فيما وكل إليه.

وإن ندب له إمامين وخص كلا منهما ببعض الصلوات الخمس جاز، كما في تخصيص أحدهما بصلاة النهار والآخر بصلاة الليل، فإن لم يخصص فهما سواء وأيهما سبق كان أحق، ولم يكن للآخر أن يؤم في تلك الصلاة بقوم آخرين وإن حضرا معًا وتنازعا أقرع بينهما إذ لا مزية لأحدهما على الآخر.

ويستنيب من ولاه السلطان أو نائبه إن غاب ويصير نائبه أحق لقيامه مقامه وإن غاب ولم يقم نائبًا فيقدم من رضيه أهل المسجد لتعذر إذنه.

وما بناه أهل الشوارع والقبائل من المساجد، فالإمامة لمن يرضونه لا يعترض عليهم في أئمة مساجدهم، فإن تعذر إتفاقهم على واحد فلرئيس القرية نصب إمام عدل؛ لأنه محل حاجة.

وليس لهم بعد الرضابة والإتفاق عليه عزله عن إمامته ما لم تتغير حاله بنحو فسق أو ما يمنع الإمامة؛ لأن رضاهم به كالولاية فلم يجز صرفه.

لكن يستنيب إن غاب؛ لأن تقديم الجيران له ليس ولاية وإنما قدم لرضاهم به.

ولا يلزم من رضاهم به الرضى بنائبه كما في الوصي في الصلاة على الميت بخلاف من ولاه الناظر أو الحاكم؛ لان الحق صار بالولاية فجاز أن يستنيب.

وأقل ما يعتبر في الإمام الذي نصبه جيران المسجد أو رئيس القرية: العدالة ظاهرًا وباطنًا، والقراءة الواجبة في الصلاة، والعلم بأحكام الصلاة وما يعتبر بها من صحة وفساد.

و للإمام النصب أيضًا؛ لأنه من الأمور العامة لكن لا ينصب إلا برضى الجيران، وكذا ناظر خاص فلا ينصب من لا يرضونه الجيران لما في كتاب أبي داود وابن ماجه عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول ثلاثة: «لا يقبل الله منهم صلاة من تقدم قوم وهم له كارهون» إلخ.

وقال الحارثي: ما معناه ظاهر المذهب ليس لأهل المسجد مع وجود إمام أو نائبه نصب ناظر في مصالحه ووقفه كما في غير المسجد، فإن لم يوجد القاضي كالقرى الصغار والأماكن النائية أو وجد وكان غير مأمون أو وجد وهو مأمون لكنه ينصب غير مأمون فلأهله النصب تحصيلاً للغرض ودفعًا للمفسدة.

وكذا ما عدا المسجد من الأوقاف لأهله نصب ناظر فيه لعدم وجود القاضي المأمون ناصبًا لمأمون، قال في «الإنصاف»: ويجب أو يولى في الوظائف وإمامة المساجد الأحق شرعًا وأن يعمل بما يقدر عليه من عمل واجب.

وقال في «الأحكام السلطانية»: الإمامة بالناس طريقها الأولى لا الوجوب بخلاف ولاية القضاء والنقابة؛ لأنه لو تراضى الناس بإمام يصلي لهم صح وليس للناس أن يولوا عليهم الفساق سواء كانت الولاية خاصة أو عامة.

قال في «المبدع»: والحاصل إن كان النظر لغير موقوف عليه وكانت ولايته من حاكم أو ناظر فلابد فيه من شرط العدالة وإن كانت ولايته من واقف وهو فاسق أو عدل ففسق صح، وضم إليه أمين.

ومن قرر بوظيفة على وفق الشرع حرم على ناظر وغيره صرفه عنها بلا موجب شرعي يقتضي ذلك كتعطيله القيام بها وفسق ينافيها وله الإستنابة ولو عينه واقف.

ومن لم يقم بوظيفة بدل وجعل بدله من له الولاية ممن يقوم بها تحصيلاً لغرض الواقف إن لم يتب ويلتزم الواجب قبل صرفه وإن قصر وترك بعض العمل لم يستحق ما قابله وإن زاد على العمل المشروط لم يستحق شيئًا على الزيادة.

قلت: والذي يظهر لي أنه إن كان تاركًا للعمل في يوم البطالة، ولكن يشتغل في بيته بالتحضير والمطالع والتحرر لأوقات التدريس والقضاء، فهذا يستحق ما قابله إلا إن كان الواقف أو الجاعل قدر للدرس لكل يوم مبلغًا معلومًا، فاليوم الذي لا يدرس فيه أو لا يقضي فيه لا يستحق ما قابله، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقال الشيخ تقي الدين: من وقف وقفًا على مدرس وفقهاء فلناظر ثم حاكم تقدير أعطيتهم فلو زاد النماء فهو لهم. اهـ.

وليس تقدير الناظر أمرًا حتمًا كتقدير الحاكم بحيث لا يجوز له أو لغيره زيادته ونقصه لمصلحة وقريب منه تغير أجرة لمثل ونفقته وكسوته؛ لأنه يختلف باختلاف الأحوال والأزمان وليس من نقض الاجتهاد بالاجتهاد، بل عمل بالاجتهاد الثاني لتغير السبب، وإن قيل إن المدرس لا يزاد ولا ينقص بزيادة النماء ونقصه للمصلحة كان باطلاً؛ لأنه لهم والحكم بتقديم مدرس أو غيره باطل لم نعلم أحدًا يعتد به، قال: به ولا بما يشبه ولو نفده حاكم وبطلانه لمخالفته الشرط والعرف أيضًا؛ لأنه إنما يجوز أن ينفذ الحاكم حكم من هو أهل للحكم كالمجتهد؛ لأنه لحكمه مساغ.

والضرورة وإن ألجأت إلى تنفيذ حكم المقلد، فإنما التنفيذ يسوغ إذا وقف المقلد على حد التقليد ولم يتجاسر على قضية لو نزلت على عمر لجمع لها أهل الشورى، وإنما كان الحكم بالتقديم باطلاً؛ لأنه حكم على ما سيوجد فهو كحكم الحاكم في غير محل ولاية فوض إليه الحكم بها فلا ينفذ حكمه، ولأن النماء لم يخلق بعد وإنما قدم القيم ونحو إمام ومؤذن؛ لأن ما يأخذه أجرة عمله، ولهذا يحرم أخذه فوق أجرة مثله بلا شرط بخلاف مدرس ومعيد وفقهاء، فإنهم من جنس واحد، ولهذا كان القياس أن يسوي بينهم.

قال في «الفائق»: ولو شرط على مدرس أو فقهاء وإمام فلكل جهة الثلث وإن تفاوتوا في المنفعة كالجيش، فإن فيه المقاتلة وغيرهم مع أنهم في المغنم سواء لكن دل العرف على التفضيل.

وقال الشيخ تقي الدين: لو عطل مغل وقف مسجد سنة قسطت أجرة مستقبلة على السنة التي تعطل مغلها وعلى السنة الماضية التي لم يتعطل مغلها لتقويم الوظيفة فيها؛ لأنه خير من التعطيل ولا ينقص الإمام بسبب تعطل الزرع بعض العام.

وقال في «الفروع»: فقد أدخل يعني الشيخ تقي الدين مغل سنة في سنة وقد أفتى غير واحد من الحنالة في زمننا فيما نقص عما قدره الواقف كل شهر أنه يتمم مما بعده وحكم به بعضهم بعد سنين.

وفي «فتاوى الشيخ تقي الدين»: إذا وقف على مصالح الحرم وعمارته فالقائمون بالوظائف التي يحتاج إليها المسجد من التنظيف والحفظ والفرش وفتح الأبواب وإغلاقها ونحو ذلك يجوز الصرف إليهم.

وما يأخذه الفقهاء من الوقف فكرزق من بيت المال وما يؤخذ من بيت المال رزق للإعانة على الطاعة والعلم لا كجعل أو كأجرة على أصح الأقوال الثلاثة اختاره الشيخ تقي الدين، وجزم به في «التنقيح»، ولذلك لا يشترط العلم بالقدر وينبني على هذا أن القائل بالمنع من الأجرة على نوع القرب لا يمنع من أخذ المشروط في الوقف، قاله الحارثي في الناظر، وكذا ما وقف على أعمال بر وموصى به ومنذور له ليس كالأجرة والجعل، انتهى.

وقال القاضي في خلافه: ولا يقال إن منه ما يؤخذ أجرة عن عمل كالتدريس ونحوه؛ لأنا نقول أولاً لا نسلم أن ذلك أجرة محضة، بل هو رزق وإعانة على العلم بهذه الأموال، وهذا موافق لما قاله الشيخ تقي الدين، وفي «شرح المنتهى»: قلت: وعلى الأقوال الثلاثة حيث كان الاستحقاق بشرط فلابد من وجوده. اهـ.

وهذا في الأوقاف الحقيقية، وأما الأوقاف التي من بيت المال كأوقاف الأمراء أو الملوك فليست بأوقاف حقيقة، وإنما هي أوقاف بالصورة فكل من له الأكل من بيت المال له التناول منها وإن لم يباشر المشروط كما أفتى به صاحب «المنتهى» موافقة للشيخ الرملي وغيره في وقف جامع طولون ونحوه.

وفي «الينبوع» للسيوطي: فرع نذكر ما ذكره أصحابنا الفقهاء في الوظائف المتعلقة بأوقاف الأمراء والسلاطين كلها إن كان لها أصل من بيت المال أو ترجع إليه فيحوز لمن كان بصفة الاستحقاق من عالم للعلوم الشرعية وطالب العلم كذلك.

وصوفي على طريقة الصوفية من أهل السُّنة أن يأكل مما وقفوه غير متقيد بما شرطوه ويجوز في هذه الحالة الإستنابة لعذر وغيره، ويتناول المعلوم وإن لم يباشر ولا استناب، ومن لم يكن بصفة الاستحقاق من بيت المال لم يحل إلا كل من هذا الوقف ولو قرره الناظر وباشر للوظيفة؛ لان هذا من بيت المال لا يتحول عن حكمة الشرعي بجعل أحد. اهـ.

وقال الشيخ تقي الدين: من أكل المال بالباطل قوم لهم رواتب أضعاف حاجاتهم من بيت المال وقوم لهم جهات معلومها كثير يأخذونه ويستنيبون في الجهات بيسير من المعلوم؛ لأن هذا خلاف غرض الواقفين.

وقال الشيخ تقي الدين: والنيابة في مثل هذه الأعمال المشروطة من تدريس وإمامة وخطابة وأذان وغلق باب ونحوه جائزة ولو عينه الواقف، وفي عبارة أخرى له: ولو نهى الواقف عنه إذا كان النائب مثل مستنيبه في كونه أهلاً لما استنيب فيه ولا مفسدة راجحة، انتهى.

وجواز الإستنابة في هذه الأعمال كالأعمال المشروطة في الإجارة على عمل في الذمة كخياطة الثوب وبناء الحائط.



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:29 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالإثنين 22 فبراير 2016, 9:00 pm

(46) مسائل فيما يتعلق بالناظر والموقوف عليه وأمثلة للوقف على الأولاد وكيفية إستحقاقهم وبيان من يدخل فيما ذكر ومن لا يدخل وما حول ذلك البحوث والأدلة
س46: إذا أجر الناظر الوقف بأنقص من أجرة المثل أو غرس أو بنى في الوقف عليه، فما الحكم؟ وممّ ينفق على الموقوف ذي الروح، وإذا تعذر ما ينفق عليه منه أو احتاج العقار إلى تعمير، فما الحكم؟ ومن الذي يدخل إذا وقف على أولاده ثم المساكين؟ وكيف استحقاقهم للوقف؟ وهل يدخل أولاد البنات في الوقف إذا قال على ولده أو بنيه ووضح ترتيب الجملة وترتيب الأفراد وترتيب الاشتراك؟ واذكر ما حول ذلك من أمثلة ومحترزات وضوابط وشروط وأدلة وخلاف وترجيح.

ج: إذا أجر ناظر الوقف المعين العين الموقوفة بأنقص من أجرة المثل صح عقد الإجارة وضمن الناظر نقصًا لا يتغابن به في العادة إن كان المستحق غيره؛ لأنه يتصرف في مال غيره على وجه الأحظ فضمن ما نقصه عقد كالوكيل إذا باع أو أجر بدون ثمن أو أجر مثل.

ولا تفسخ الإجارة حيث صحت لو طلب الوقف بزيادة عن الأجرة الأولى وإن لم يكن فيها ضرر؛ لأنها عقد لازم من الطرفين ومن غرس أو بنى لنفسه فيما وقف عليه وحده فالغراس والبناء للغارس أو الباني محترم؛ لأنه وضعه بحق.

قال في «الإقناع»: فلو مات وانتقل الوقف لغيره فينبغي أن يكون كغراس وبناء انقضت مدته وإن كان الغارس أو الباني شريكًا في الوقف بأن كان على جماعة فغرس فيه أحدهم أو بنى فغرسه وبناؤه له غير محترم فيقلع، وكذا إن كان له النظر فقط دون الإستحقاق فغرس أو بنى في الوقف فغرسه وبناؤه غير محترم فيقلع وليس له بقاؤه بغير رضى أهل الوقف فيقلع إن أشهد أنه له.

وإن غرس أو بنى موقوف عليه أو ناظر وقف فهو له إن شهد أنه غرسه أو بناه له وإن لم يشهد أنه له فغرسه وبناؤه للوقف تبعًا للأرض.

وإن غرسه الناظر أو بناه للوقف أو من مال الوقف فهو وقف وإن غرس إنسان غير ناظر وموقوف عليه فهو للوقف بنيته.

وقال الشيخ تقي الدين: يد الوقف ثابتة على المتصل به ما لم تأت حجة تدفع موجبها كمعرفة كون الغارس غرسها له بحكم إجارة أو إعارة أو غصب ويد المستأجر على المنفعة فليس له دعوى البناء بلا حجة ويد أهل عرصة مشتركة ثابتة على ما فيها بحكم الاشتراك إلا مع بينة باختصاصه ببناء ونحوه.

وينفق الناظر على موقوف ذي روح كالرقيق والخيل مما عين واقف الإنفاق منه رجوعًا إلى شرط الواقف، فإن لم يعين الواقف محلاً للنفقة فنفقته من غلته؛ لأن الوقف اقتضى تحبيس أصله وتسبيل منفعته ولا يحصل ذلك إلا بالإنفاق عليه فكان ذلك ضرورته.

فإن لم يكن له غلة لضعفه ونحوه فنفقته على موقوف عليه معين؛ لأنه ملكه، فإن تعذر الإنفاق عليه من الموقوف عليه لعجزه أو غيبته ونحوهما بيع الموقوف وصرف ثمنه في مثله.

لكن غير ذي روح يكون وقفًا لمحل الضرورة إن لم يمكن إيجاره، فإن أمكن إيجاره كعبد أو فرس أو جر مدة بقدر نفقته لاندفاع الضرورة المقتضية للبيع بذلك ونفقة حيوان موقوف على غير معين كفقراء ومسجد تؤخذ من بيت المال؛ لأن الإنفاق هنا من المصالح.

فإن تعذر الأخذ من بيت المال بيع الموقوف وصرف ثمنه في عين أخرى كما تقدم فيما إذا كان على معين وتعذر الإنفاق عليه بكل حال، وإن مات العبد الموقوف فمؤنة تجيزه على من تلزمه نفقته.

وإن كان الموقوف عقارًا واحتاج لعمارة لم تجب عمارته على أحد مطلقًا سواء كان على معين أو لا بلا شرط من واقفه كالطلق ذكره الحارثي وغيره مع أنه قال بعد في عمارة الوقف تجب إبقاء للأصل ليحصل دوام الصدقة وهو معنى قول الشيخ تقي الدين تجب عمارة الوقف بحسب البطون.

فإن شرط العمارة واقف عمل بالشرط على حسب ما شرط لوجوب اتباع شرطه سواء شرط البداءة بالعمارة أو تأخيرها فيعمل بما شرط لكن إن شرط تقديم الجهة عمل ما لم يؤدّ إلى تعطيل الوقف، فإذا أدى إليه قدمت العمارة حفظًا للأصل.

واشتراط الصرف إلى الجهة في كل شهر كذا في معنى اشتراط تقديمه على العمارة ومع الإطلاق تقدم على أرباب الوظائف وتقدم عمارة نحو مسجد ومدارس وزوايا على أرباب وظائف سواء شرط البداءة بالعمارة أو بالجهة الموقوف عليها أو لم يشرط شيئًا ما لم يفض تقديم العمارة إلى تعطيل مصالحه فيجمع بين العمارة وأرباب الوظائف حسب الإمكان لئلا يتعطل الوقف أو مصالحه.

ولو احتاج خان مسبل أو احتاجت دار موقوفة وقفت للسكنى لنحو حاجّ كعابر سبيل وغزاة إلى مرمه وهي تصليح ما وهي وتضعضع أو جر من ذلك الموقوف جزء بقدر ما يحتاج إلى مرمته بقدر الضرورة والظاهر أنه يؤجر منه ذلك جوازًا أن العمارة لا تجب إلا بشرط من الواقف.

وعلم منه أنه لا يجوز أن يؤجر أكثر من قدر الحاجة وتسجيل كتاب الوقف منه كالعادة ذكره الشيخ تقي الدين، وقال: لو عمر وقفًا بالمعروف فله أخذه من غلته.

وقال الشيخ أيضًا: ولو وقف مسجدًا أو شرط إمامًا وستة قراء وقيمًا ومؤذنًا وعجز الوقف عن تكميل حق الجميع ولم يرض الإمام والمؤذن والقيم إلا بأخذ جامكية مثلهم صرف للإمام والمؤذن والقيم جامكية مثلهم مقدمة على القراء، فإن هذا المقصود الأصلي.

ومن وقف على ولده ثم على المساكين أو وقف على أولاده ثم المساكين أو وقف على ولد غيره أو وقف على أولاد غيره ثم على المساكين دخل موجود من أولاده حال الوقف فقط الذكور والإناثي والخناثي بينهم بالسوية، أما كون الأنثى كالذكر؛ لأن الولد يقع على الواحد والجمع والذكر والأنثى كما قاله أهل اللغة، وأما كونه بينهم بالتسوية فلأنه جعل لهم وإطلاق التشريك يقتضي التسوية كما لو أقر لهم بشيء وكولد الأم في الميراث.

ولا يدخل فيهم المنفي بلعان؛ لأنه لا يلحقه كولد الزنا ثم لا فرق بين صيغة الولد أو الأولاد في الإستقلال الموجود منهم في الوقف واحدًا كان أو اثنين أو أكثر؛ لأن عمل الواقف بوجود ما دون الجمع دليل إرادته من الصيغة.

ولا يدخل ولد حادث للواقف بأن حملت به أمه بعد صدور الوقف منه، وقيل: إن حدث للواقف ولد بعد وقفه استحق كالموجودين ومحل ذلك ما لم يقل الواقف: وقفت كذا على ولدي، ومن يولد لي، فإن قال ذلك دخل من كان موجودًا حال الوقف ومن يحدث.

والقول الثاني: وهو أنه يدخل ولو لم يقل الواقف ومن يولد لي وهو الذي تطمئن إليه النفس، والعرف الجاري بين الناس يؤيده أن الواقف لا يقصد حرمان ولده المتجدد، بل هو عليه أشفق لصغره وحاجته، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويدخل في الوقف على ولده أو أولاده أو ولد غيره أو أولاده ولد بنيه الموجودين تبعًا سواء وجدوا حالة وقف أو لا كوصية لولد فلان فيدخل فيه أولاده الموجودون حال الوصية وأولاد بنيه وجدوا حال الوصية أو بعدها قبل موت الموصى لا من وجد بعد موته ما لم تكن قرينة تصرفه عن ذلك.

وأما ولد البنات، فقيل: لا يدخلون في الوقف؛ لأنهم لا ينسبون إليه، بل إلى آبائهم، قال الله تعالى: { ادْعُوَهُمْ لآبَائِهِمْ } قال المروذي: قلت لأبي عبد الله: ما تقول في رجل وقف ضيعة على ولده، فمات الأولاد وتركوا النسوة حوامل، فقال: كل ما كان من أولاد الذكور بنات كن أو بنين فالضيعة موقوفة عليهم، وما ك ن أولاد البنات فليس لهم فيه شيء؛ لأنهم من رجل آخر، ووجه ذلك قوله تعالى: { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ } دخل فيه ولد البنين وإن سفلوا، ولما قال تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ} تناول ولد البنين.

فالمطلق من كلام الآدمي إذا خلا عن قرينة ينبغي أن يحم لعلى المطلق من كلام الله تعالى ويفسر بما يفسر به، ولأن ولد الولد ولد بدليل قوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ}، و {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ}، وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ارموا بني إسماعيل، فإن أباكم كان راميًا»، وقالوا: نحن بنو النظير بنو كنانة، والقبائل تنسب إلى جدودها، ولأنه لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة، دخل فيه ولد البنين فكذلك إذا لم يكونوا قبيلة، وإنما يسمى ولد الولد ولدًا مجازًا، ولهذا يصح نفيه، فيقال: ما هذا ولدي، وقيل: لا يدخل ولد الولد بحال وسواء في ذلك ولد الولد أو ولد البنت؛ لأن الولد حقيقة وعرفًا إنما هو ولده لصلبه، وإنما سمي ولد مجازًا، ولهذا يصح نفيه، والقول الأول هو الذي تميل إليه نفسي، والله أعلم.

فأما ولد البنات فعلى القول الأول لا يدخلون.

قال الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد

وممن قال: لا يدخل ولد البنات في الوقف الذي على أولاده وأولاد أولاده مالك ومحمد بن الحسن.

وقيل: يدخل في أولاد البنات، وهو مذهب الشافعي وأبي يوسف؛ لأن البنات أولاده فأولادهن أولاده حقيقة فيجب أن يدخلوا في اللفظ لتناوله لهم، وقد دل على صحة ذلك قوله تعالى: {وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى} وهو ولد بنت فجعله من ذريته.

وكذلك ذكر الله تعالى قصة عيسى وإبراهيم وإسماعيل وإدريس، ثم قال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ} وعيسى فيهم، وعن أبي بكرة قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه، وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى، ويقول: «أن ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» رواه البخاري.

وعن أسامة بن زيد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال وحسن وحسين على وركيه: «هذان ابناي وابنا بنتي، اللهم إني أحبهما، فأحبهما وأحب من يحبهما» رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب،وعن أنس قال: قال بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي، فبكت، فدخل عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهي تبكي، وقالت: قالت لي حفصة أنت ابنة يهودي، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «إنك لابنة نبي، وإن عمك لنبي، وإنك لتحت نبي، فبم تفخر عليك»، ثم قال: «اتقي الله يا حفصة» رواه أحمد والترمذي، وصححه النسائي، وفي حديث أسامة بن زيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: «وأما أنت يا علي، فختني وأبو ولدي» رواه أحمد، ولما قال تعالى: { وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ } دخل في التحريم حلائل أبناء البنات.

وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويستحق أولاد البنين الوقف مرتبًا بعد آبائهم وإن سفلوا لكن يحجب أعلاهم أسفلهم، كقوله: وقفته على أولادي أو الأعلى فالأعلى أو الأول فالأول أو قرنًا بعد قرن ونحوه مما يدل على الترتيب ما لم يكونوا قبيلة كولد النظر بن كنانة أو يأتي بما يقتضي التشريك كعلى أولادي وأولادهم فلا ترتيب وإن قال: وقفت على ولدي وولد ولدي شمل قوله فوق ثلاثة بطون؛ لان الولد يتناول أولاد الابن، وقيل: يدخل ثلاثة بطون دون من بعدهم.

والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن قال: وقفت على ولدي ثم ولد ولدي ثم الفقراء شمل قوله البطن الثالث، وشمل من بعده لتناول الولد أولاد الإبن، وقيل: لا يشمل البطن الثالث، ومن بعده، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وإن قال: وقفت على أولادي لصلبي لم يدخل ولد ولد، أو قال: وقفت على أولادي الذين يلوني اختص بهم ولم يدخل ولد ولد معهم، وإن قال: وقفت على عقبي أو نسلي، أو قال: وقفت على ولد ولدي، أو قال: وقفت على ذريتي لم يدخل فيهم ولد البنات إلا بقرينة.

ونقل عنه: يدخلون، وقال أبو بكر وابن حامد –رحمهما الله تعالى-: يدخلون في الوقف إلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي فلا يدخلون، وهذا القول هو الذي تطمئن إليه النفس؛ لقوله تعالى في حق الذرية ودخول أولاد البنات فيهم: { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ } إلى قوله: { وَعِيسَى } ابن مريم، فدل على دخول أولاد البنات في ذرية الرجل؛ لأن عيسى إنما ينسب إلى إبراهيم بأمه مريم، فإنه لا أب له.,

وروى ابن أبي هاشم أن الحجاج أرسل إلى يحيى بن يعمر: بلغني أنك تزعم أن الحسن والحسين من ذرية النبي -صلى الله عليه وسلم- تجده في كتاب الله، وقد قرأته من أوله إلى آخره، قال: أليس تقرأ سورة الأنعام: {وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} حتى بلغ: {وَيَحْيَى وَعِيسَى} قال: بلى، قال: أليس عيسى من ذرية إبراهيم وليس له أب، قال: صدقت، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ومن الوقف المحرم ما يفعله بعض الموقفين فيوقف على ذريته الذكور والأنثى حياة عينها، فهذا كما قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن الشيخ محمد: أنه وقف الجنف والإثم لما فيه من الحيلة على حرمان أولاد البنات ما جعل الله لهم في العاقبة، وهذا القوف على هذا الجهة بدعة ما أنزل الله بها من سلطان وغايته تغيير فرائض الله بحيلة الوقف.

قال: وقد صنف فيها شيخنا -رحمه الله تعالى- وأبطل شبه المعارضين ولا يجيزه إلا مرتاب في هذه الدعوة الإسلامية. اهـ.

قلت: فعلى المسلم أن يتجنب هذا الجنف والحيف والضرر العظيم الذي هو حرمان أولاد بناته، فإنه يسبب العقوق من أولاد البنات ويبغضه لهم فلا يسمحون بالدعاء له، وقد لا يعيش من نسله إلا هم فيأخذ وقفه البعيد وأولاد بنته يحرمون كيف؟ وقد ورد عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل أو المرأة ليعمل بطاعة الله سنين ثم يحضرهما الموت، فيضاران في الوصية، فتجب لهما النار» ثم قرأ أبو هريرة قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} رواه أبو داود.

وإن قال على البطن الأول من أولادي ثم على الثاني ثم الثالث وأولادهم، والبطن الأول بنات، ونحو ذلك مما يدل على دخول أولاد البنات فيدخلون بلا خلاف.

ومن وقف أولاده ثم أولادهم أو أولاده ما تناسلوا أو تعاقبوا الأعلى فالأعلى أو الأقرب فالأقرب أو طبقة بعد طبقة أو نسلاً بعد نسل، أ قال على أولادي، فإذا انقرضوا فعلى أولاد أولادي فترتيب جملة على جملة مثلها لا يستحق البطن الثاني شيئًا قبل إنقراض البطن الأول؛ لأن الوقف ثبت بقوله فيتبع فيه مقتضى كلامه كقوله بطنًا بعد بطن، ونحوه كقرن بعد قرن فمتى بقي واحد من البطن الأول كان الكل له، والمراد لمن وجد من البطن الأعلى حيث كان الوقف على ولده أو أولاده أو ذكر ما يقتضي الترتيب.

وعند الشيخ تقي الدين المرتب بثم إنما يدل على ترتيب الأفراد لا ترتيب البطون، فعليه يستحق الولد نصيب أبيه بعده فلو قال الواقف ومن مات عن ولد فنصيبه لولده، فهو دليل ترتيب؛ لأنه لو اقتضى التشريك لاقتضى التسوية، ولو جعلنا لولد الولد سهمًا مثل سهم أبيه ثم دفعنا غليه مثل سهم أبيه صار له سهمان ولغيره سهم، وهذا ينافي التسوية، ولأنه يفضي إلى تفضيل ولد الإبن والظاهر من مراد الواقف خلافه.

فإن ثبت الترتيب، فإنه ترتيب بين كل والد وولده، فإذا مات من أهل الوقف واحد أو أكثر مما له ولد استحق كل ولد بعد أبيه نصيبه الأصلي والعائد إليه سواء بقي من البطن الأول واحد أو لم يبق منه أحد؛ لعموم قوله: «من مات عن ولد فنصيبه لولده» مثل أن يكون الموقوف عليهم ثلاثة إخوة فيموت أحدهم عن ولد انتقل إليه نصيبه، ويموت الثاني عن غير ولد فنصيبه لأخيه الثالث، فإذا مات الأخ الثالث عن ولد استحق الولد جميع ما كان في يد أبيه من الثالث الأصلي والثلث العائد إليه من أخيه؛ لعموم «فنصيبه لولده»؛ لأنه مفرد مضاف لمعرفة فيعم.

وفي «الاختيارات الفقهية»: وقول الواقف «من مات عن ولد فنصيبه لولده» يشمل الأصلي لا العائد وهو احد الوجهين، وكذا إن زاد الواقف في شرطه على أن مات عن ولد في حياة والده، والمراد قبل دخوله في الوقف، وله ولد ثم مات الوالد عن أولاده لصلبه وعن ولد ولده لصلبه الذي مات أبه قبل استحقاقه فلولد الابن مع أعمامه ما لأبيه لو كان حيًا، فهذا تصريح في ترتيب الأفراد، فإذا مات واحد من مستحقي الوقف وجهل شرط الواقف صرف إلى جميع المستحقين بالسوية ذكره في «الاختيارات الفقهية».

وقال في «الفروع»: وقول الواقف «من مات فنصيبه لولده» يعم ما استحقه وما يستحقه مع صفة الاستحقاق، استحقه أو لا تكثر للفائدة ولصدق الإضافة بأدنى ملابسة فلو مات إنسان عن ولد ولد قبل أن يدخل أبوه في الوقف المشروط فيه أن من مات عن ولد فنصيبه لولده، فلولد الولد نصيب جده؛ لأن أباه استحقه أن لو كان موجودًا، ثم قال بعد قوله بأدنى ملابسة، ولأنه بعد موته لا يستحقه، ولأنه المفهوم عند العامين الشارطين ويقصدونه؛ لأنه يتيم لم يرث هو وأبوه من الجد، ولأن في صورة الاجتماع ينتقل مع وجود المانع إلى ولده.

وصفات الاستحقاق للوقف ثلاثة: ترتيب جملة، وترتيب الأفراد، وترتيب الاشتراك، فترتيب الجملة: عبارة عن كون البطن الأول ينفرد بالوقف كله عمن بعده ما دام منه واحد ثم إذا انقرض أهل البطن الأول كلهم انتقل إلى الثاني فقط، وما دام من الثاني واحد لم ينتقل منه شيء، وهكذا.

وترتيب أفراد: عبارة عن كون الشخص من أهل الوقف لا يشاركه ولده ولا يتناول من الوقف شيئًا ما دام الأب حيًا، فإذا مات الأب انتقل ما بيده إلى ولده فاستحقاقه مشروطًا بموت أبيه.

والاشتراك: عبارة عن استحقاق جميع الموجودين من البطون من غير توقف على شيء، بل هم على حد سواء فيشارك الولد والده، وكذا ولد الولد ثم الصفة الأولى تحصل بصيغ: منها: أن يقول هذا وقف على أولادي أو ولدي أو بطنًا بعد بطن أو طبقة بعد طبقة أو قرنًا بعد قرن أو ثم أولادهم.

وتحصل الثانية بقوله من مات فنصيبه لولده أو عن غير ولد فلمن في درجته.

وتحصل الثالثة بالواو بأن قال: على أولادي وأولادهم وأولاد أولادهم ونسلهم وعقبهم كان الواو للاشتراك؛ لأنها لمطلق الجمع فيشتركون فيه بلا تفضيل فيستحق الأولاد مع آبائهم لما تقدم من أنها لا تقتضي الترتيب بلا قرينة.

وإن قال الواقف: هذا وقف على أولادي ثم أولادهم على أن نصيب من مات عن ولد فنصيبه لولده فهو ترتيب بين كل والد وولده فيستحق كل ولد بعد أبيه نصيبه؛ لأنه صريح في ترتيب الأفراد.

ولو قال: وقفت على أولادي ثم أولاد أولادي على أنه من توفي منهم عن غير ولد فنصيبه لأهل درجته استحق كل ولد نصيب أبيه بعده كالمسألة التي قبلها بقرينة، قوله: عن غير ولد فهذا دال على إرادة ترتيب الأفراد وإن مات ولد فنصيبه له.

وإن قال علي: أن نصيب من مات عن غير ولد لمن في درجته، والوقف مرتب ثم أو نحوها فمات أحدهم فنصيبه لأهل البطن الذي هو منهم دون بقية البطون من أهل الوقف المستحقين له دون عملاً بسوابق الكلام.

فلو كان البطن الأول ثلاثة فمات أحدهم عن ابن ثم مات الثاني عن ابنين ثم مات أحد الابنين وترك أخاه وبن عمه وعمه وأبناء لعمه الحي كان نصيبه لأخيه وابن عمه الذي مات أبوه دون عمه الحي وابنه.

وكذا لو وقف على ثلاثة من بنيه الأربع على أن نصيب من مات عن غير ولد لمن في درجته فمات أحد الثلاثة عن غير ولد كان نصيبه بين أخويه من أهل الوقف دون الثالث؛ لأنه ليس من أهل الاستحقاق أشبه ابن عمهم.

وقال السبكي: إذا وقف على شخص ثم أولادهم وشرط أن من مات من بناته فنصيبها للسباقين من إخوتها ومن مات قبل استحقاقه لشيء وفله ولد استحق ولده ما كان يستحقه المتوفى لو كان حيًا فمات الموقوف عليه وخلف ولدين وولد ولد مات أبوه في حياة والده، فأخذ الولدان نصيبهما وهما ابن وبنت وأخذ ولد الولد النصيب الذي لو كان والده حيًا لأخذه ثم ماتت البنت فهل يختص أخوها الباقي بنصيبها أو يشاركه فيه ابن أخيه؟ قال: تعارض اللفظان المذكوران، ونظرنا فرجحنا أن التنصيص على الإخوة وعلى الباقين منهم كالخاص، وقوله: من مات قبل الاستحقاق كالعام فيقدم الخاص على العام، فلذلك ترجح عندنا تخصيص الأخ وإن كان الآخر محتملاً وهو مشاركة ابن الأخ، انتهى.



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:30 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالإثنين 22 فبراير 2016, 9:02 pm

(47)  الوقف المشترك بين البطون، وإذا رتب ثم شرك، أو قال من مات عن ولد فنصيبه لمن في درجته، والوقف على القرابة من يدخل ومن لا يدخل، والوقف على الآل والأهل وقومه
س47: تكلم بوضوح عن أحكام ما يلي: إذا كان الوقف مشتركًا بين البطون وشرط أن من مات عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته، إذا قال: وقفت على زيد، وإذا انقرض أولاده فعلى المساكين، وإذا رتب ثم شرك، أو قال بعد الترتيب ثم على أنسالهم وأعقابهم، وإذا وقف شيئًا على بنيه أو على بني فلان أو على قرابته أو قرابة زيد فمن يدخل من أولئك ومن يدخل في الوقف على العترة ، وإذا وقف على أهل بيته أو نسائه أو قومه أو آله أو أهله، فما الحكم ؟ وما الدليل؟ وضحه مع ذكر الخلاف والترجيح.

ج: إذا كان الوقف مشتركًا بين البطون وشرط إن مات عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته فيختص به أهل الوقف الذي هو منهم من أهل الوقف، وليس للأعلى مع أهل درجة الميت شيء من نصيبه وإن كانوا مشاركين لهم قبل موته.

فإن لم يوجد في درجة من مات عن غير ولد أحد من أهل الوقف فكما لو لم يذكر الشرط؛ لأنه لم يوجد ما تظهر فائدته فيه فيشترط الجميع من أهل الوقف في مسألة الاشتراك؛ لأن الاشتراك يقتضي التسوية وتخصيص بعض البطون يفضي إلى عدمها ويختص البطن الأعلى بنصيب المتوفي الذي لم يوجد في درجته أحد في مسألة الترتيب؛ لأن الوقف مرتب فيعمل بمقتضاه حيث يوجد الشرط المذكور.

وإن كان الوقف على البطن الأول كما لو قال وقفت على أولادي على أن نصيب من مات منهم لمن في درجته فكذلك نصيبه لأهل البطن الذي هو منهم من أهل الوقف كما تقدم، فإن لم يكن في درجته أحد اختص به الأعلى كما لو لم يذكر الشرط.

وحيث كان نصيب ميت لأهل البطن الذي منهم فيستوي في ذلك كله إخوة الميت وبنو عمه وبنو عم أبيه وبنو عم أبي أبيه؛ لأنهم في درجته في القرب إلى الجد الذي يجمعهم والإطلاق يقتضي التسوية، وكذا أناثهم حيث لا مخصص للذكور إلا أن يقول الواقف يقدم الأقرب فالأقرب إلى المتوفي ونحوه فيختص نصيب الميت بالأقرب وليس من الدرجة من هو أعلى من الميت كعمه أو أنزل منه كابن أخيه.

والحادث من أهل الدرجة بعد موت الآيل نصيبه إليهم كالموجودين حين الموت لوجود الوصف فيه والشرط منطبق عليهم.

فعلى هذا إن حدث من هو أعلى من الموجودين وكان الشرط في الوقف الأعلى فالأعلى كما لو وقف على أولاده ومن يولد له ثم أولادهم ثم أولاد أولادهم ما تناسلوا ومات أولاده وانتقل الوقف لأولادهم ثم ولد له ولد أخذ هذا الولد الوقف من أولاد إخوته؛ لأنه أعلى منهم درجة فلا يستحقونه معه.

ولا يرجع عليهم بما قبضوه فيما مضى من غلته؛ لأن المقبوض إنما استحقه قاضه ومالكه بوضع يده عليه وتناوله إياه في مدة كان يستحقها فيها دون غيره.

قال في «شرح الإقناع»: فائدة لو قال على أن من مات قبل دخوله في الوقف عن ولد وإن سفل وآل الحال في الوقف إلى أنه لو كان المتوفي موجودًا لدخل قام ولده مقامه في ذلك وإن سفل واستحق ما كان أصله يستحقه من ذلك أن لو كان موجودًا فانحصر الوقف في رجل من أولاد الواقف ورزق خمسة أولاد مات أحدهم في حياة والده وترك ولدًا ثم مات الرجل عن أولاده الأربعة وولد ولده ثم مات من الأربعة ثلاثة عن غير ولد وبقي منهم واحد مع ولد أخيه استحق الولد الباقي أربعة أخماس ريع الوقف وولد أخيه الخمس الباقي.

وجه ذلك أن قول الواقف على أن من مات منهم قبل دخوله في هذا الوقف إلخ مقصور على استحقاق الولد لنصيب والده المستحق له في حياته لا يتعداه إلى من مات من إخوة والده عن غير ولد بعد موته، بل ذلك إنتمنا يكون للإخوة الأحياء عملاً بقول الواقف على أن من توفي منهم عن غير ولد إلخ إذ لا يمكن إقامة الولد مقام أبيه في الوصف الذي هو الأخوة حقيقة والأصل حمل اللفظ على حقيقته، وفي ذلك جمع بين الشرطين وعمل بكل منهما في محله وذلك أولى من إلغاء أحدهما. اهـ.

ولو قال واقف ومن مات عن غير ولد وإن سفل فنصيبه لإخوته ثم نسلم وعقبهم عم ولو من لم يعقب من إخوته ثم نسلهم ومن أعقب ثم انقطع عقبه أي ذريته؛ لأنه لا يقصد غيره، واللفظ يحتمله فوجب الحمل عليه قطعًا، قاله الشيخ تقي الدين.

ولو رتب الواقف أولاً بعض الموقوف عليهم، فقال: وقفت على أولادي ثم على أولاد أولادي ثم شرك بينهم بأن قال بعد أولاد أولادي وأولادهم أو عكس بأن قال: وقفت على أولادي وأولاد أولادي ثم على أولادهم، فهو على ما شرط ففي المسألة الأولى يختص الأولاد باقتضاء ثم للترتيب.

فإذا انقرض الأولاد صار مشتركًا بين من بعدهم من أولادهم وأولاد أولادهم وإن نزلوا؛ لأن العطف فيهم بالواو وهو لا تقتضي الترتيب، فإن قيل: قد رتب أولاً فهل حمل عليه ما بعده، فالجواب قد يكون غرض الواقف
تخصيص أولاده لقربهم منه.

وفي المسألة الثانية وهي ما إذا وقف على أولاده وأولاد أولاده ثم أولادهم وأولاد أولادهم يشترك البطنان الأولان للعطف بالواو دون غيرهم فلا يدخل معهم في الوقف لعطفه بثم، فإذا انقرضوا اشترك فيه من بعدهم لما تقدم.

ولو قال بعد الترتيب بين أولاده بقوله هذا وقف على أولادي ثم على أولادهم ثم على أنسالهم وأعقابهم استحقه أهل العقب مرتبًا لقرينة الترتيب فيما قبله ولا يستحقونه مشتركًا مع الأنسال نظرًا إلى عطفهم بالواو لمخالفة القرينة السياق وصوب استحقاق أهل العقب مرتبًا في «الإنصاف».

قال في «الاختيارات»: الواو كما لا تقتضي الترتيب لا تنفيه لكن هي ساكتة عنه نفيًا وإثباتًا ولكن تدل على التشريك وهو الجمع المطلق، فإن كان في الوقف ما يدل على الترتيب مثل أن رتب أولاً عمل به ولم يكن ذلك لمقتضى الواو، انتهى.

ومن وقف على بني فلان أو على بنيه فهو للذكور يختصون به؛ لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة؛ لقوله تعالى: {أَصْطَفَى البَنَاتِ عَلَى البَنِينَ}، وقوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ}، وقوله تعالى: {المَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا} فلا يدخل خنثى؛ لأنه لا يعلم كونه ذكرًا، وكذلك لو وقف على بناته اختص بالبنات فلا يدخله فيه الذكور ولا الخناثى؛ لأنه لا يعلم كونهن إناثًا وإن كانوا بنو فلان قبيلة كبيرة، قال في «الرعاية» كبني هاشم وبني تميم وقضاعة دخل فيه الإناث؛ لقوله تعالى: "وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَم" ولأن القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها دون أولاد النساء من تلك القبيلة إذا كانوا من رجال غير القبيلة؛ لأنهم لا ينسبون إلى القبيلة الموقوف عليها، بل إلى غيرها وكما لو قال المنتسبين إليّ ويدخل أولادهن منهم لوجود الإنتساب حقيقة ولا يشمل مواليهم؛ لأنهم ليسوا منهم حقيقة كما لا يدخلون في الوصية.

وقال الشافعي: لا يصح الوقف على من لا يمكن استيعابهم وحصرهم في غير المساكين وأشباههم؛ لأن هذا تصرف في حق آدمي فلم يصح مع الجهالة كما لو قال: وقفت على قوم، وهذا أحد قولي الشافعي والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأن من صح الوقف عليهم إذا كانوا محصورين صح وإن لم يحصوا كالفقراء، والله أعلم.

وإن وقف على عترته وعشيرته فكما لو قال: وقفت على القبيلة، قال في «المقنع»: العترة هم العشيرة؛ لقول أبي بكر في محفل من الصحابة نحن عترة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبيضته التي تفقأت عنه ولم ينكره أحد وهم أهل اللسان، وقيل: العترة الذرية، وقيل: ولده وولد ولده.

وفي «القاموس وشرحه»: العترة: نسل الرجل وأقرباؤه من ولد وغيره.

وإن وقف على قرابته أو قرابة زيد فالوقف لذكر وأنثى من أولاده وأولاد أبيه وهم إخوته وأخواته وأولاد جده وهم أبوه وأعمامه وعماته وأولاد جد أبيه وهم جده وأعمامه وعماته فقط؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يجاوز بني هاشم بسهم ذوي القربى المشار إليه في قوله تعالى: {مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ القُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي القُرْبَى} فلم يعط من هو أبعد كبني عبد شمس وبني نوفل شيئًا، ولا يقال هما كبني المطلب، فإنه -صلى الله عليه وسلم- علل الفرق بينهم وبين من سواهم ممن ساواهم في القرب بأنهم لم يفارقوا في جاهلية الإسلام ولا إسلام ولم يعط قرابته من ولد أمه وهم بنو زهرة شيئًا منه، ولا يدخل في الوقف على القرابة مخالف لدين الواقف، فإن كان الواقف مسلمًا لم يدخل في قرابته كافرهم وإن كان كافرًا لم يدخل المسلم إلا بقرينة ولا يدخل في الوقف على قرابته أمه أو قرابته من قبلها، وقيل: يدخل كل من عزف بقرابته من جهة أبيه ومن جهة أمه من غير تقيد بأربعة آباء، وهذا القول هو الذي تميل إليه النفس؛ لأنه صادق عليهم أنهم قرابته فيتناولهم الاسم ويدخلون في عمومه، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وعلى كلا القولين إن كان في اللقيط من الواقف ما يدل على إرادة الدخول كتفضيل جهة قرابة أبيه على قرابته من جهة أمه أو قول الواقف إلا ابن خالتي فلانًا ونحو ذلك فيعمل بمقتضى القرينة أو وجدت قرينة تخرج بعضهم عمل بها والوقف على أهل بيته أو على قومه أو على نسائه أو على آلة أو على أهله ونسبائه كعلى قرابته؛ لأن قوم الرجل قبيلته وهم نسباؤه.

قال الشاعر:
فقلت لها أما رفيقي فقومه ... تميم وأما أسرتي فيماني

فلكل قرابة أما في أهل بيته فلقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا تحل الصدقة لي ولا لأهل بيتي» وفي رواية: «آل محمد لا تحل لنا الصدقة» فجعل سهم ذوي القربى لهم عوضًا عن الصدقة التي حرمت عليهم، فكان ذوي القربى الذين سماهم الله تعالى هم أهل بيته وإن وقف على ذوي أرحامه، فإنه يكون لكل قرابة للواقف من جهة الآباء سواء كانوا عصبة كالآباء والأعمام وبينهم أولاً كالعمات وبنات العم ولكل قرابة من جهة الأمهات كأمه وأبيه وأخواله وأخوالها وخالاته وخالاتها؛ لأن القرابة من جهة الأم أكثر استعمالاً، فإذا لم يجعل ذلك مرجحًا فلا أقل أن لا يكون مانعًا ولكل قرابة له من جهة الأولاد ممن يرث بفرض أو تعصيب أو رحم كابنه وبنته وأولادهم؛ لأن الرحم يشملهم.

من النظم فيما يتعلق بالوقف:
ووقف لأولاد والفتى ووصيه
كذكرانهم خنثى وأنثى ليردد
ويشترط الإطلاق دون قرينة
لدى الخلف والترتيب حتم بأجود
ويختص منهم من لدى الوقف كائن
كالإيصا عنه قبل موت المؤيد
فمن يتجدد بعد لا قبل ما بدي
ثمار وزرع خص بالبائع أصدد
وإن جاو فيها ما يخص بمشتر
يشارك فاطلب يا أخي العلم وأجهد
وليس كهذا من تنزل طاريًا
بمدرسة بل جعل فعل مقيد
ووقف لأولاد وأولاد ولده
فأنزل فالمنصوص دون المزيد
ووقف على زيد وعمر ومعمر
ومن مات من نسل حووا حصة الردى
ومن مات لم يعقب ليعط نصيبه
بشرط لأهل الوقف دون المعدد
فمات عن ابن معمر وأخوه لم
يعقب فللباقي مع ابن أخ جد
وإن قال من لم يعقب امسخ نصيبه
مساوية في الرتبة إن رتب أشهد
بأن نصيب الميت عن غير وارث
يخص ببطن منهم ميت قد
كذا أن يقف بين البطون مشركًا
وقل هنا بل للجميع فجود
ويدخل أولاد البنات بأجود
نحاه أبو بكر مع الشيخ قلد
كذا الحكم في نسل وذرية الفتى
وفي عقب والخلف في كل أبعد
وكالذكر أنثى من قضى بدخولهم
وذا المال منهم كالفقير المقتردي
وفي هؤلاء أولاد سعد وخالد
وجيهان في تعميم من لم يعدد
ويشرع قسم الوقف كالطلق بينهم
وليس بمكروه كوجه مبعد
وإن خص بعضًا عن هوى كرهوا له
وأما لمعنى تقتضيه فجود
ومن صار أهل قبل حصد زراعة
وتأبير نخل يستحق كمبتدي
ويدخل عن كانوا بنيه قبيلة
نساء سوى أولادها من مبعد
ويختص في اسم القرابة ولده
وقربى أبي الإنسان مع علو مصعد
وعنه على قربى أب رابع فقط
وعنه على قربى الثلاثة قيد
لأن رسول الله لم يعد هاشمًا
بسهم ذوي القربى فكن خير مقتد
ولا تعط إلا مسلمًا والغني
والفقير والأنثى سوٌ ما لم يقيد
وعنه إن يكن حال الحياة مواصلاً
قرابته أم أعط وإلا فأبعد
وذو رحم قربى أبيه وأمه
وأولاده أعلم من قريب وأبعد
وبيت الفتى والقوم مثل قرابة
وقيل كذا الأرحام عند التفقد
وقيل نساء مثل رحم له وقد
قيل هم والآل كالأقرباء أعدد
وعترتهم ذرية قيل بل هم
عشيرته الأدنون عرفًا بأجود



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:30 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالإثنين 22 فبراير 2016, 9:23 pm

(48) الوقف على الأيامى والعزاب والأحفاد والأرامل والأسباط والقوم والشيوخ والأبكار والثيبات والعوانس والأخوة والأخوات والعلماء والقراء والزهاد وسبل الخيرات والقرابة والجيران وأهل قريته وما حول ذلك وصفة الوقف، وما يتعلق بذلك من معانٍ وأحكام
س48: تكلم بوضوح عن معاني وأحكام ما يلي: إذا وقف على الأيامى أو العزاب أو الأرامل أو الأحفاد أو الأسباط أو القوم أو الأبكار أو الثيبات أو العوانس أو الأخوة أو العمومة أو الأخوات أو لجماعة أو جمع من الأقارب فمن يدخل ومن لا يدخل، وإذا وقف على العلماء أو القراء أو الزهاد أو على مواليه أو على الفقراء أو على المساكين فمن الذي يتناوله الوقف، وإذا وقف على صنف من أصناف الزكاة أو على أصنافها أو صنفين فأكثر أو وقف على سبل الخيرات فلمن يكون، ووضح من يشمله اللفظ ومن لا يشمله وإذا وقف على أهل قريته أو جيرانه أو وصى لهم بشيء، فهل يدخل المخالف في الدين؟ وهل الوصية كالوقف فيما مر؟ وما الطريقة التي ينبغي للواقف أن يسلكها في قسم وقفه؟ واذكر القيود والأدلة والتعليل والمحترزات والخلاف والترجيح.

ج: الأيامى: جمع أيم، وهي المرأة التي لا زوج لها بكرًا كانت أو ثيبًا، وكل ذكر لا أنثى معه.

قال الشاعر:
فإن تنكحي أنكح وإن تتأيمي ... وإن كنت أفتى منكموا أتأيم

وقال التبريزي في شرح ديوان أبي تمام:

قد كثر استعمال هذه الكلمة في الرجل إذا ماتت امرأته، وفي المرأة إذا مات زوجها، وفي الشعر القديم ما يدل على أن ذلك الموت وبترك الزوج من غير موت.

قال الشماخ:
يقر لعيني أن أحدث أنها ... وإن لم أنها أيم لم تزوج

وقيل:

إنها الثيب، واستدل له بما روي أنه - صلى الله عليه وسلم - ، قال: «الأيم أحق بنفسها من وليها، والبكر تستأذن في نفسها وإذنها صماتها» حيث قابلها بالبكر.

وقال الشاعر:
خلقنا رجالاً للتجلد والعزا ... وتلك الأيامى للبكا والمآثم

وقال الآخر:
ولا تنكحن الدهر ما عشت أيمًا ... مجربة قد مل منها وملت

وأما العزب فجمعه أعزاب، كسبب وأسباب، ويقال:

رجل عزب وامرأة عزب، قال ثعلب: وإنما سمي عزبًا لانفراده وكل شيء انفرد فهو عزب، وفي «صحيح البخاري»: عن ابن عمر: وكنت شابًا أعزب، وأما الأرامل فهي النساء اللاتي فارقهن أزواجهن، وقيل: المساكين من رجال ونساء.

في شعر أبي طالب في النبي -صلى الله عليه وسلم-:
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ثمال اليتامى عصمة للأرامل

وقال الآخر:
ليبك على ملحان ضيف مدفع ... وأرملة تزجى مع الليل أرملا

وقال جرير:
كل الأرامل قد قضيت حاجتها ... فمن لحاجة هذا الأرمل الذكر

وأما اليتامى:
جمع يتيم وهو مَنْ مات أبوه ولم يبلغ.

قال صاحب «اللاميَّة»:
فأيمت نسوانًا وأيتمت إلدة ... وعدت كما أبديت والليل أليل

وسواء كان ذكرًا أو أنثى ولا يشمل الوقف على اليتامى ولد زنى؛ لأن لليتيم إنكسار يدخل على القلب بفقد الأب، والحفيد والسبط ولد ابن وبنت والرهط ما دون العشرة من الرجال خاصة لغة لا واحد له من لفظه، وأما القوم فقيل: الجماعة من الرجال والنساء؛ لأن قوم كل رجل شيعته وعشيرته، وقيل: الرجال دون النساء لا واحد له من لفظه، قال الجوهري: ومنه قوله تعالى: { لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ } ثم قال: ولا نساء من نساء، فلو كانت النساء من القوم لم يقل ولا نساء من نساء.

وقال زهير:
وما أدري وسوف أخال أدري ... أقوم آل حصن أم نساء

ومنه الحديث:
«فليُسبّح القوم ولتُصفّق النّساء»، وسموا الرجال بذلك؛ لأنهم قوامون على النساء بالأمور التي ليس للنساء أن يقمن بها، والبكر يشمل الذكر والأنثى والثيب كذلك وعانس كذلك وهو من بلغ حد التزويج ولم يتزوج.

قال الشاعر:
رأيت فتيان قومي عانسي حدر ... إن الفتوا إذا لم ينكحوا عنسوا

وأما الكهل من الرجال فمن وخطه الشيب، وقيل:

من جاوز الثلاثين، وقيل: من زاد على الثلاثين إلى الأربعين، والعرب تتمدح الكهولة.

قال:
وما ضر من كانت بقاياه مثلنا ... شباب تسامى للعلى وكهول

وقال الأعشى:
كهولاً وشبانًا فقدت وثروة ... فلله هذا الدهر كيف ترددا

وقال الأزهري:
إذا بلغ خمسين؛ قيل له: كهل.

ومنه قوله:
هل كهل خمسين إن شاقته منزلة ... مسفه رأيه فيها ومسبوب

فجعله كهلاً وقد بلغ خمسين، ويجمع على كهول وكهلون وكهال وكهلان بالضم.

قال:
وكيف ترجيها وقد حال دونها ... بنو أسد كهلانها وشبابها

وأما الشيخ فهو من جاوز الخمسين إلى ثمانين وما بعده هرم، وقيل إلى السبعين.

والصبيان والغلمان يختص الذكور قبل البلوغ والشبان من البلوغ حتى الثلاثين، وقيل: إلى خمس وثلاثين، ومثله الفتى وأخوة وعمومة لذكر وأنثى الأخوات للإناث خاصة والثيوبة زوال البكارة بالوطء، والطفل من حين يخرج من بطن أمه إلى أن يحتلم، قال الله تعالى: "ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ".

ويقال:
طفل وطفلة.

وفي حديث الاستسقاء:
أن أعرابيًّا أنشد النبي صلى الله عليه وسلم-:
أتيناك والعذراء يدمي لبانها ... وقد شغلت أم الصبي عن الطفل

وقال الآخر:
وطفلة مثل حسن الشمس إذ طلعت ... كأنما هي ياقوت ومرجان

وإن قال:
هذا وقف لجماعة أو لجمع من الأقرب إليه فثلاثة؛ لأنهم أقل الجمع، فإن لم يف الدرجة الأولى بأن لم يكن فيها ثلاثة كأن يكون له ولدان وأولاد ابن تمم الجمع من الدرجة التي بعدها وهم أولاد الابن فيتم الجمع بواحد منهم يخرج بقرعة.

ويشمل الجمع أهل الدرجة وإن كثروا لعدم المخصص والعلماء حملة الشرع ولو أغنياء، وقيل: من تفسير وحديث وفقه أصوله وفروعه، قاله في «الفروع»: لا ذو أدب ونحو ولغة وصرف وعلم كلام أو طب أو حساب أو عروض أو هندسة وهيئة وتعبير رؤيا وقراءة قرآن وإقرائه وتجويده.

وأهل الحديث من عرفه ولو حفظ أربعين حديثًا لا من سم عه من غير معرفة، والقراء في عرف هذا الزمان حفاظ القرآن، وفي الصدر الأول هم الفقهاء، وأعقل الناس الزهاد؛ لأنهم أعرضوا عن الفاني للباقي.

قال ابن الجوزي:
وليس من الزهد ترك ما يقيم النفس، ويصلح أمرها ويعينها على طريق الآخرن بل هذا زهد الجهال، وإنما الزهد ترك فضول العيش، وهو ما ليس بضرورة في بقاء النفس نفسه وعياله، وعلى هذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه يؤيد قوله -صلى الله عليه وسلم-: «كفى بالمرء أن يُضّيع مَنْ يعول».

وتقدم لابن الجوزي كلام آخر نفيس حول هذا الموضوع في «المجلد الثاني» (ص124 ) في فصل «صدقة التطوع»: وإن وقف على مواليه وله موال من فوق فقط وهم أعتقوه اختص الوقف بهم وإن كان له موال من فوق وموال من أسفل تناول الوقف جميعهم واستووا في الاستحقاق إن لم يفضل بعضهم على بعض؛ لأن الأسهم تتناولهم.

ومتى انقرض مواليه فالوقف لعصبة مواليه ومن لم يكن له موال حين قال: وقفت على موالي فالوقف لموالي عصبته لشمول الاسم لهم مجازًا مع تعذر الحقيقة، فإن كان إذ ذاك موال ثم انقرضوا لم يرجع من الوقف شيء لموالي عصبته؛ لأن الاسم تناول غيرهم فلا يعود إليهم إلا بعقد جديد ولم يوجد وإن وقف على الفقراء تناول المساكين وإن وقف على المساكين تناول الفقراء؛ لأنه إنما يفرق بينهما في المعنى إذا اجتمعا في الذكر.

وإن كان الوقف على صنف من أصناف الزكاة كالفقراء والرقاب والغارمين لم يدفع لواحد فوق حاجته؛ لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المعهود في الشرع فيعطى فقير ومسكين تمام كفايتها مع عائلتهما سنة ومكاتب وغارم ما يقضيان دينهما و ابن سبيل ما يحتاجه لسفره وغازيًا ما يحتاجه لغزوه.

وإن كان الوقف على أصناف فوجد من فيه صفات كابن سبيل غازيًا غارمًا استحق بالصفات كالزكاة على ما تقدم تفصيله في الجزء الثاني، ولو وقف على أصناف الزكاة أو صنفين فأكثر من أصنافها أو على الفقراء أو على المساكين جاز الاقتصار على صنف كزكاة؛ لأن مقصود الواقف عدم مجاوزتهم، وذلك حاصل بالدفع إلى صنف منهم، بل إلى شخص واحد ولا يعطى فقير وغيره من أهل الزكاة أكثر مما يعطاه من زكاة إن كان الوقف على صنف من أصنافها.

وإن وقف على سبيل الخيرات فلمن أخذ من الزكاة لحاجته كفقير ومسكين وابن سبيل ولا يعطى مؤلف وغارم وعامل؛ لأن كلامه لا يشمل.

وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم كبنيه أو بني فلان وليسوا قبيلة أو موالي غيره وجب تعميهم والتسوية بينهم فيه؛ لأن اللفظ يقتضي ذلك وأمكن الوفاء به فوجب العمل بمقتضاه كما لو أقر لهم بمال ولو أمكن حصرهم فيه في ابتداء الوقف ثم تعذر بكثرة أهله كوقف علي -رضي الله عنه- عمم من أمكن منهم بالوقف وسوى بينهم فيه؛ لأن التعميم والتسوية كانا واجبين في الجميع، فإذا تعذر في بعض وجب فيما لم يتعذر فيه كالواجب الذي تعذر بعضه.

وإن لم يمكن حصرهم ابتداء كالمساكين والقبيلة الكبيرة كبني هاشم وقريش وبني تميم جاز التفصيل والاقتصار على واحد، والتفضيل بينهم أولى وكالوقف على المسلمين كلهم أو على إقليم كالشاة ومدينة كمكة فيجوز التفضيل والاقتصار على واحد.

ويشمل جمع مذكر سالم كالمسلمين وضميره وهو الواو الأنثى تغليبًا؛ لقوله تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ"  .

ولا يشمل جمع المؤنث السالم وضميره الذكر إذ لا يغلب غير الأشرف عليه.

وإن وقف على أهل قريته أو على قرابته أو على إخوته أو على جيرانه أو وصى لهم بشيء لم يدخل فيهم مخالف لدين الواقف والموصى؛ لأن الظاهر من حال الواقف أو الموصى لم يرد من يخالف دينه سواء كان مسلمًا أو كافرًا إلا بقربته تدل على دخولهم فيه فيدخلون كما مر.

ومن القرائن كونهم كلهم كفارًا فيدخلون؛ لأن عدم دخولهم لم يؤدي إلى رفع اللفظ بالكلية والمستحب للواقف أن يقسم الوقف على أولاده على حسب قسمة الله في الميراث "لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ".

وقال القاضي: المستحب التسوية بين الذكر والأنثى؛ لأن القصد القربة على الدوام، وقد استووا في القرابة.

والقول الأول هو الذي تطمئن إليه النفس؛ لأنه إيصال للمال إليهم فينبغي أن يكون على حسب الميراث قسمته كالعطية، ولأن الذكر في مظنة الحاجة أكثر من الأنثى؛ لأن كل واحد منهما في العادة يتزوج ويكون له الولد، فالذكر تجب عليه نفقة امرأته وأولاده والمرأة ينفق عليها زوجها ولا يلزمها نفقة أولادها، وقد فضل الله تعالى الذكر على الأنثى في الميراث على وفق هذا المعنى، والله أعلم.

وإن فضل بعضهم على بعض لما به من الحاجة والمسكنة أو عمى أو نحوه أو خص أو فضل المشتغلين بالعلم أو ذا الدين دون الفساق؛ لأن الفساق يستعينون به على المعاصي وأهل العلم والدين يستعينون به على طاعة الله وهذا فرق عظيم أو خص أو فضل المريض أو خص أو فضل من له فضيلة من أجل فضيلته، فلا بأس بذلك؛ لأنه لغرض مقصود شرعًا.

ومن ليس ذا روح غريب وأيم   وقيل الفتى عزب ونال لخرد
وهن الأرامل مع فراق بعولة   وقد قيل أيضًا للرجال به أقصد
ووقف أخيات يخص الإناث والعمومة   للصنفين كالأخوة أشهد
ووقف سبيل الله والخير والجزا   لغاز بلا فرض وقربى ومرمد
ولا تدخلن في رفقة لقرابة   وقربته من خالف الدين تعتد
وقيل ادخل الإسلام في وقف كافر   وما صرح ابتعه وبالحال قيد
ومولى الفتى اسم للعتيق ومعتق   وقيل أخصصن بالوقف أهل التجود
وذو سكة الإنسان هم أهل دربه   وجيرانه من كل قطر ليعدد
ثلاثون دارًا بعدما عشر أدور   وعنه مداد الأربعين بها أحدد
ولاحظ للمولى بوقف لقومه   ولا من طريق أهل سكة مرفد
وفي أقرب القربى أب وابنه سوا   وقيل ابنه أولى بذا البر بعد
ومثل أخ جد وقيل الأخ أخصصن   وذا الأم إن يدن كذا الأب فأعدد
ومن أبوين الأخ أقرب منهما   والإيصا كذا أيضًا وتزويج نهد
ومثل أب أم ومدل بها إذا   كمدل إليه بالأب إن دخلوا قد
وإن قال يعطي منهم لجماعة   فمن أقرب القربى ثلاثة أرفد
وأن يتحد في القرب أكثر عمموا   وإن نقصوا كمل من المتبعد
وللعصبات الوقف يشمل وارثًا   ومحجوبهم من كل دان وابعد
وإن وقف الإنسان للعلماء بل   إلى علماء الشرع بالوقف وأقصد
ووقف لتباع امرئ لا يضر أن   يخالف في نزل وفي مذهب ردي
وإن كان للأيتام فهو لفاقد   أباه ولم يبلغ وأنثى كفوهد
ووقف لصبيان وغلمان أخصصن   ذكورية قبل البلوغ المرشد
ووقف لفتيان وشبان اعتبر   بلوغهم حتى الثلاثين وأرصد
ومنها إلى الخمسين للكهل مدة   وما جاوز الخمسين للشيخ فأحدد
ويدخل في هذي المسائل ذو الغنى   وذو الفقير في الإعطاء ما لم يقيد
ووقف لسبل الخير للحج ثلثه   وللغزو ثلث ثم للفقر أجد
وتعميم جمع ممكن الحصر واجب   وتسوية في قسم غير المقيد
ومع عدم الإمكان تخصيص مفرد   وتفضيل بعض القوم جوز بأوطد
وقد قيل لا يجزيه دون ثلاثة   وكالوقف في ذا الفصل الإيصا أخي طد
وكل فتى يعطى كمثل الزكاة من    وقوف على أصنافها لا تزيد
وإن أمكن استيعابهم ثم لم يطق   فعمم وسوّ ما استطعت تسدد
وهل واجب صرف في الأصناف كلها   أم الصرف في صنف يجوز فردد
وذو الفقر والمسكين صنفان فادر   في الزكاة وصنف في سواها ليعدد



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 03 مايو 2021, 5:31 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

المجلد السادس - صفحة 2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: المجلد السادس   المجلد السادس - صفحة 2 Emptyالإثنين 22 فبراير 2016, 9:30 pm

(49) لزوم الوقف وما لا ينفسخ به وحكم نقله والتصرف فيه وتعميره وما يقاس عليه وحكم ما فضل عن حاجته وبيان من له الأمر في ذلك وبيان الحالات المسوغة لما يترتب على ذلك
س49: متى يلزم الوقف؟ وهل ينفسخ أو يباع أو يوهب أو يورث أو يستبدل، وإذا لم يوجد ما يعمر به أو خرب محلته وضح ذلك وما يترتب عليه، وهل يعمر من ريع وقف آخر أو من بعضه؟ وهل يغير أو ينقص أو ينقل؟ ومن الذي يتولى ما يترتب على ذلك؟ وتكلم عن الوقف على الثغر وعلى القنطرة وعلى حفر البئر في المسجد وغرس الشجر فيه ورفعه وما حول ذلك من المسائل، واذكر الشروط والمحترزات، ومثل لما لا يتضح إلا بالأمثلة، واذكر الدليل والتعليل والخلاف والترجيح.

ج: الوقف عقد لازم بمجرد القول أو ما يدل عليه؛ لأنه تبرع يمنع البيع والهبة فلزم بمجرده كالعتق، قال في «التلخيص» وغيره: وحكمة اللزوم في الحال أخرجه مخرج الوصية أو لم يخرجه حكم به حاكم أولاً؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يباع أصلها ولا توهب ولا تورث» قال الترمذي: العمل على هذا الحديث عند أهل العلم وإجماع الصحابة على ذلك، ولأنه إزالة ملك يلزم بالوصية، فإذا تجرد في الحياة لزم من غير حكم كالعتق.

وقيل:
لا يلزم إلا بالقبض وإخراج الوقف عن يده، اختاره ابن أبي موسى كالهبة، وذهب أبو حنيفة إلى أن الوقف لا يلزم بمجرده للواقف الرجوع فيه إلا أن يوصى به بعد موته فيلزم أو يحكم بلزومه حاكم وحكاه بعضهم عن علي وابن مسعود وابن عباس.

وخالف أبا حنيفة صاحباه، فقال كقول سائر أهل العلم واحتج له بما روي أن عبد الله بن زيد صاحب الأذان جعل حائطه صدقة وجعله إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء أبواه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقالا: يا رسول الله، لم يكن لنا عيش إلا هذا الحائط، فرده رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ماتا فورثهما، رواه المحاملي في أماليه، ولأنه إخراج ماله على وجه القربة من ملكه، فلا يلزم بمجرد القول كالصدقة.

والقول الأول هو الذي تطمئن إليه النفس لما تقدم، وقال الحميدي: تصدق أبو بكر بداره على ولده وعمر بربعه عند المروة على ولده وعثمان برومة، وتصدق علي بأرضه ينبع وتصدق الزبير بداره بمكة وداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده وتصدق سعد بداره بالمدينة، وداره بمصر على ولده وعمرو بن العاص بالوهط وداره بمكة على ولده.

وتصدّق حكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده، فلذلك كله إلى اليوم، وقال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- له مقدرة إلا وقف، هذا إجماع منهم، فإن الذي قدر على الوقف منهم وقف واشتهر ذلك، فلم ينكره أحد، فكان ذلك إجماعًا، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

ولا يفسخ الوقف بإقالة ولا غيرها؛ لأنه عقد يقتضي التأييد فكان من شأنه ولا يوهب ولا يورث ولا يستبدل ولا يناقل به ولو بخير منه؛ للحديث المتقدم، ولا يباع فيحرم بيعه ولا يصح، وكذا المناقلة به إلا أن تتعطل منافعه المقصودة منه بخراب أو غيره مما يأتي التنبيه عليه بحيث لا يرد الوقف شيئًا على أهله أو يرد شيئًا لا يعد نفعًا بالنسبة إليه، وتتعذر عمارته وعود نفعه ولم يوجد في ريع ما يعمر به.

ولو كان الخارب الذي تعطلت منفعته وتعذرت إعادته مسجدًا حتى بضيقه على أهله المصلين به وتعذر توسيعه في محله أو كان المسجد متعذرًا الإنتفاع به لخراب محلته، وهي الناحية التي بها المسجد أو كان مسجدًا وتعذر الانتفاع به لاستقذار موضعه أو كان الوقف حبيسًا لا يصلح لغزوه فيباع وجوبًا.

قال في «الفروع»:
وإنما يجب بيعه؛ لأن الولي يلزمه فعل المصلحة ولو شرط واقفه عدم بيعه وشرطه إذا فاسد ويصرفه ثمنه في مثله إن أمكن؛ لأن في إقامة البدل مقامه تأييدًا له وتحقيقًا للمقصود فتعين وجوبه أو يصرف ثمنه في بعض مثله؛ لأنه أقرب إلى غرض الواقف، وقال الخرقي: لا يشترط أن يشتري من جنس الوقف الذي بيع، بل أي شيء اشترى بثمن مما يرد على الوقف جاز.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله:
وأما المسجد ونحوه فليس ملكًا لمعين باتفاق المسلمين، وإنما هو ملك لله، فإذا جاز إبداله بخير منه للمصلحة فالموقوف على معين أولى بأن يعوض بالبدل وإما أن يباع ويشترى بثمنه البدل، والإبدال بجنسه مما هو أنفع للموقوف عليه.

وقال:
إذا كان يجوز في المسجد الموقوف الذي يوقف للانتفاع بعينه وعينه محترمة شرعًا يجوز أن يبدل به غيره للمصلحة لكون البدل أنفع وأصلح وإن لم تتعطل منفعته بالكلية، ويعود الأول طلقًا مع أنه متعطل نفعه بالكلية، فلأن يجوز الإبدال بالأنفع والأصلح فيما يوقف للاستغلال أولى وأحرى، فإنه عند أحمد يجوز ما يوقف للاستغلال للحاجة قولاً واحدًا.

وفي بيع المسجد روايتان، فإذا جوز على ظاهر مذهبه أن يجعل المسجد طلقًا ويوقف بدله أصلح منه وإن لم تتعطل منفعة أول أحرى، فإن بيع الوقف المستغل أولى من بيع المسجد وإبداله أولى من إبدال المسجد؛ لأن المسجد تحترم عينه شرعًا، ويقصد للانتفاع بعينه فلا تجوز إجارته ولا المعاوضة عن منفعته بخلاف وقف الاستغلال، فإنه تجوز إجارته والمعارضة عن نفعه وليس المقصود أن يستوفي الموقوف عليه منفعته بنفسه كما يقصد ذلك في المسجد الأول ولا له حرمة شرعية لحق الله تعالى كما للمسجد.

وقال:
يجب بيع الوقف مع الحاجة بالمثل وبلا حاجة يجوز بخير منه للمصلحة، ولا يجوز بمثله لفوات التغرير بلا حاجة، وذكره وجهًا في المناقلة.

وأومأ إليه الإمام أحمد، وقال شهاب الدين بن قدامة في كتابه «المناقلة في الأوقات».

واقعة نقل مسجد الكوفة، وجعل بيت المال في قبلته وجعل موضع المسجد سوقًا للتمارين، اشتهرت بالحجاز والعراق والصحابة متوافرون ولم ينقل إنكارها ولا الاعتراض فيها من أحد منهم، بل عمر هو الخليفة الآمر وابن مسعود هو المأمور الناقل، فدل على مساغ القصد والإقرار عليها والرضى بموجبها، وهذه حقيقة الاستبدال والمناقلة.

وهذا كما أنه بدل على مساغ بيع الوقف عند تعطل نفعه، فهو دليل أيضًا على جواز الاستدلال عند رجحان المبادلة، ولأن هذا المسجد لم يكن متعطلاً، وإنما ظهرت المصلحة في نقله لحراسة بيت المال الذي جعل في قبلة المسجد الثاني، انتهى.

وصنف صاحب «الفائق» مصنفًا في جواز المناقلة للمصلحة سماه المناقلة في الأوقاف، وما في ذلك من النزاع والخلاف، قال في «الإنصاف»: وأجاد فيه ووافقه على جوازها الشيخ تقي الدين، وابن القيم، والشيخ عز الدين حمزة ابن شيخ السلامية، وصنف فيه مصنفًا سماه «دفع المناقلة في بيع المناقلة».

وقال مالك والشافعي:
لا يجوز بيع الوقف، ولو تعطلت منافعه؛ لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لا يباع أصلها ولا يبتاع ولا يوهب ولا يورث»، ولأن ما لا يجوز بيعه مع بقاء منافعه لا يجوز بيعه مع تعطلها كالعتق، والقول الأول هو الذي تميل إليه النفس، والله سبحانه وتعالى أعلم.

ويجوز نقل آلة مسجد جاز بيعه ونقل أنقاضه لمسجد آخر إن احتاجها لمثله؛ لما ورد من أن ابن مسعود -رضي الله عنه- قد حول مسجد الجامع من التمارين بالكوفة ولا يعمر بآلة المسجد مدرسة ولا رباط ولا معهدًا ولا جامعة ولا متوسطة ولا كلية ولا مستشفى ولا بئرًا ولا حوضًا ولا خزانًا للماء ولا قنطرة وكذا آلات هذه الأمكنة لا يعمر بها ما عداها؛ لأن جعلها في مثل هذه العين ممكن فتعين لما تقدم ويصير حكم المسجد بعد بيعه للثاني الذي اشترى بدله، وأما إذا نقلت آلته من غير بيع فالبقعة باقية على أنها مسجد ونقل أنقاضه وآلاته إلى مثله أولى من بيعه لبقاء الانتفاع من غير خلل فيه.

ويصح بيع بعضه لإصلاح باقيه؛ لأنه إذا جاز بيع الكل عند الحاجة فبيع البعض مع بقاء البعض أولى إن اتحد الواقف، والجهة الموقوف عليها، فإن اختلفا أو أحدهما لم يجز وإن كان الموقوف عينين على جهة واحدة من واقف واحد كدارين خربتًا فتباع إحداهما لإصلاح الأخرى للإتحاد أو كان الموقوف عينًا واحدة فيجوز بيع بعضها لإصلاح باقيها.

ومحل ذلك إن لم تنقض قيمة العين المبيع بعضها بالتشقيص لانتفاء الضرر ببيع البعض إذًا وإلا بأن كان المبيع عينًا واحدة ونقصت القيمة بالتشقيص بيع الكل.

قال الشيخ تقي الدين:
وجوز جمهور العلماء تغيير صورته لمصلحته كجعل الدار حوانيت والحكورة المشهورة فلا فرق بين بناء ببناء وعرَصة بعرَصة هذا صريح لفظه.

وقال أيضًا فيمَنْ وقف كرومًا على الفقراء يحصل على جيرانها به ضرر يعوض عنه بما لا ضرر فيه على الجيران ويعود الأول ملكًا، والثاني وقفًا، انتهى.

وإن توقفت عمارة المسجد على بيع بعض آلاته جاز؛ لأنه الممكن من المحافظة على الصورة مع بقاء الانتفاع ويجوز اختصار آنية موقوفة كقدور وقرب ونحوها، إذا تعطلت واختصارها بأن يجعلها أصغر من الأولى وإنفاق الفضل على الإصلاح محافظة على بقاء الوقف، فإن تعذر اختصارها بيعت وصرف ثمنها في آنية مثلها رعاية للنفع الذي لأجله وقفت.

قال في «الإنصاف»:
وهو الصواب، ويجوز تجديد بناء المسجد للمصلحة؛ لحديث عائشة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لها: «لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم، فأدخلت فيه ما أخرج منه وألزقته بالأرض، وجعلت له بابين، بابًا شرقيًا، وبابًا غربيًا، فبلغت به أساس إبراهيم» رواه البخاري، ولا يجوز قسم المسجد مسجدين ببابين إلى دربين مختلفين؛ لأنه تغيير لغير مصلحة له، ويجوز نقض منارة المسجد وجعلها في حائطه لتحصينه من نحو كلاب.

وحكم فرس حبيس على الغزو إذا لم يصلح للغزو وكوقف فيباع ويشترى بثمنه فرسًا يصلح للغزو، قلت: وكذا حكم المركوبات والآلات الحديثة إذا وقفت للغزو في سبيل الله، ثم حصل لها ما يبطل نفعها، فإنه يُشترى بثمنها إذا بيعت من جنسها من الآلات المستحدثة النافعة للجهاد في سبيل الله في كل زمان بحسبه.

والذي يتولى بيع الوقف حيث جاز بيعه حاكم، إن كان الوقف على سبل الخيرات كعلى المساجد والقناطر والمدارس والمعاهد والجوامع والكليات والمتوسطات والفقراء والمساكين ونحو ذلك.

وإن لم يكن على سبل الخيرات بأن كان على شخص معين أو جماعة معينين أو من يؤم أو يؤذن في هذا المسجد ونحوه فيبيعه ناظره الخاص إن كان، والأحوط إذن حاكم للناظر ببيعه؛ لأنه يتضمن البيع على من سينتقل إليهم بعد الموجودين الآن أشبه البيع على الغائب، فإن عدم الناظر الخاص فيبيعه حاكم لعموم ولايته.

وبمجرد شراء البدل لجهة الوقف يصير وقفًا كبدل أضحية وبدل رهن أتلف، والأحوط وقفه لئلا ينقضه من لا يرى وقفيته بمجرد شراء البدل وفضلة موقوف على معين استحقاقه مقدر من الوقف يتعين إرصاده.

وقال الشيخ تقي الدين:
إن علم أن ريعه يفضل دائمًا وجب صرفه؛ لأن بقاءه فساد له وإعطاء المستحق فوق ما قدر له الواقف جائز؛ لأن تقديره لا يمنع استحقاقه.

قال:
ولا يجوز لغير ناظر الوقف صرف الفاضل؛ لأنه إفتئات على من له ولايته، قال في «شرح الإقناع»: قلت: والظاهر لا ضمان كتفرقة هدي وأضحية.

وما فضل عن حاجة المسجد من حصره وزيته ومغله وإنقاضه وآلته وثمنها إذا بيعت جاز صرفه إلى مسجد آخر محتاج إليه؛ لأنه صرف في نوع المعين وجازت بالمذكورات على فقراء المسلمين؛ لأنه في معنى المنقطع.

قال الحارثي:
وإنما لم يرصد لما فيه من التعطل فيخالف المقصود ولو توقعت الحاجة في زمن من آخر ولا ريع يسد مسدها لم يصرف في غيرها؛ لأن الأصل الصرف في الجهة المعينة وإنما سومح بغيرها حيث لا حاجة حذرًا من التعطل.

وخص أبو الخطاب والمجد الفقراء بفقراء جيران لاختصاصهم بمزيد ملازمته والعناية بمصلحته.

قال الشيخ:
يجوز صرف الفاضل في مثله، وفي سائر المصالح، وفي بناء مساكن لمستحق ريعه القائم بمصلحته. اهـ.

ويصح بيع شجرة موقوفة يبست وبيع جذع موقوف انكسر أو لي أو خيف أو انهدم، كما بي بيع دواب الحبيس التي لا ينتفع بها تباع ويجعل ثمنها في الحبيس.

قال في «التلخيص»:
إذا أشرف جذع الوقف على الانكسار أو دار الوقف على الانهدام وعلم أنه لو أخر لخرج عن كونه منتفعًا به، فإنه يباع رعاية للمالية أو ينقض تحصيلاً للمصلحة.

قال الحارثي:
وهو كما قال والمدارس والربط والخانات المسبلة ونحوها جائز بيعها عند خرابها على ما تقدم وجهًا واحدًا.

ومَنْ وقف على ثغر فاختل صرف في ثغر مثله أخذًا من مسألة بيع الوقف إذا خرب إذ المقصود الأصلي هنا الصرف إلى المرابط فأعمال شرط الثغر المعين معطل له فوجب الصرف إلى ثغر آخر.

ومَنْ وقف على قنطرة فانحرف الماء أو انقطع يرصد مال الوقف لعل الماء يرجع إلى القنطرة فيصرف إليها ما وقف عليها، فإن أيس من رجوعه صرف إلى قنطرة أخرى.

ويحرم حفر بئر بمسجد ولو لمصلحة العامة؛ لأن منفعة البقعة مستحقة للصلاة فتعطيلها عدوان ويحرم غرس شجرة بالمسجد لغير مصلحة راجحة للمصلين كاستظلالهم بها.

ومقتضاة أن الحفر أو الغرس إذا كان فيه مصلحة راجحة وليست البئر أو الشجرة ببقع المصلين ولم يحصل به ضيق يجوز، فإن حفر أو غرس طمت البئر وقلعت الشجرة، فإن لم تقلع الشجرة فثمرتها لمساكين المسجد ولغيرهم من الفقراء، وإن غرست قبل بناء المسجد ووقفت معه، فإن عين الواقف مصرفها بأن قال: تصرف في حصر أو زيت أو نحو ذلك أو للفقراء ونحوهم عمل بما عينه الواقف، وإن لم يعين مصرفًا فكوقف منقطع تصرف ثمرتها لورثة الواقف، فإن انقرضوا فللمساكين.

ولا يجوز نقل المسجد إلى مكان آخر غير مكانه الأول مع إمكان عمارته ولو دون العمارة الأولى؛ لأن الأصل المنع فجوز للحاجة وهي منتفية هنا.

وسُئل شيخ الإسلام فيمَنْ بنى مسجدًا لله وأراد غيره أن يبني فوقه بيتًا وقفًا له إما لينتفع بأجرته في المسجد أو ليسكنه الإمام ويرون ذلك مصلحة للإمام أو للمسجد، فهل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب بأنه إذا كان ذلك مصلحة للمسجد بحيث يكون ذلك أعون على ما شرعه الله ورسوله من الإمام والجماعة وغير ذلك مما شرع في المساجد، فإنه ينبغي فعله كما نص على ذلك غير واحد من أئمة حتى سُئل الإمام أحمد عن مسجد لاصق بالأرض فأرادوا أن يرفعوه ويبنوا تحته سقاية، وهناك شيوخ فقالوا: نحن لا نستطيع الصعود إليه.

فقال أحمد:
ينظر ما أجمع عليه أكثرهم ولعل ذلك أن تغيير صورة المسجد وغيره من الوقف لمصلحة راجحة جائز إذ ليس في المساجد ما هو معين بذاته إلا المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال إذ هي من بناء الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فكانت كالمنصوص عليه بخلاف المساجد التي بناها غيرهم، فإن الأمر فيها تبع المصلحة، ولكن المصلحة تختلف باختلاف الأعصار والأمصار.

وقال الشيخ تقي الدين:
والأرزاق التي يقدرها الواقفون ثم يتغير النقد فيما بعد نحو أن يشترط مائة درهم ناصرية ثم يحرم التعامل بها وتصير الدراهم ظاهرية، فإنه يعطى المستحق من نقد البلد ما قيمته قيمة المشروط.

قال ابن عقيل: لا بأس بتغيير حجارة الكعبة إن عرض لها مرمة؛ لأن كل عصر احتاجت الكعبة فيه إليه قد فعل ولم يظهر نكير ولو تعينت الآلة لم يجز التغيير كالحجر الأسود، فلا يجوز تغييره ولا نقله من موضعه إلى موضع آخر.

من النظم فيما يتعلق في بيع الوقف أو نقله:
وليس صحيحًا وقف قابل فسخه   بوجه ولا عود لواقفه أشهد
وبالوقف ألزمه وعنه وقبضه   وليس بشرط حكم قبض مقلد
ومتلف وقف إلزمنه بقيمة   وفي مثله أصرفه بعد وإن معتد
وما تركهم تضمين وقف إعارة   نوى دون تفريط بعيد الذي اليد
ويحرم بيع الوقف ما دام نفعه   وبع عطلاً وإعتض به كالمنكد
كمثل حبيس الخيل إن قل نفعه   يباع ويمضي في حبيس مجدد
فإن لم تبع شقصًا كذا دائم الجدا   لذي الوقف حتى غير جنس المفقد
فإن لم يوات إصرف لإصلاح مثله   كفاضل ما يكفي في آلات مسجد
وإن شئت فاصرفها إلى فقرائنا  وبع بعضه واصرفه في دم مفسد
وناظر كذا شرطا يلي عقد بيعه   وقيل إن يعين مالك النفع يعقد
وعن أحمد ما إن تباع مساجد   بل آلاتها انقلها إلى غيره قد
وما فيه نفع ما وإن قل لم يبع   سوى آفة في العرف غير معدد
ولا تلزمن من ذا الوقف تعمير دائر   بغير اعتداء لا بديع مجدد
ولا ينفذ الإعتاق في الوقف مطلقًا   ولو أنه من مالك عن تقصد
ويبدأ من وقف بإصلاح أصله  وثن بموقوف عليه تسدد
وإن كان وقفًا من أناس تعددوا   فلم لا يقيد مثل وقف مفرد
ويحرم إحداث الغراس بمسجد   فإن وقفت مع وقفه المتأكد
فإن كان عن أثمانها ذاغن فكل   وإلا ففي إصلاحه بعه وأردد
وإن في طريق واسع تبن مسجدًا   بإذن إمام لا يضر تسدد
ولا تبنه من غير إذن بأوكد   فقف مع مراسيم الشريعة تهتدي

هذا آخر ما تيسر لي جمعه من كتب الحديث والفقه مبتدئًا بهذا الجزء من كتاب الغصب إلى آخر كتاب الوقف، وكان الفراغ من هذا الكتاب في يوم الأربعاء الساعة 230 الموافق 10 /5 /1392هـ، ويليه إن شاء الله تعالى الجزء السابع وأوله باب الهبة والعطية والله المسؤول أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم وأن ينفع به نفعًا عامًا، إنه قريب مجيب على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
وَقْفٌ للهِ تَعَالَى
تَأْلِيفُ:
عَبدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ السّلمانِ
المدرس في معهد إمام الدعوة بالرياض
غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين.



المجلد السادس - صفحة 2 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
المجلد السادس
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 2 من اصل 2انتقل الى الصفحة : الصفحة السابقة  1, 2
 مواضيع مماثلة
-
» المجلد الأول
» فتاوى دار الإفتاء المصرية: المجلد السادس
» المجلد الثاني
» المجلد الثالث
» المجلد الرابع

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــه الــدنــيــــا والديـــــن :: أسئلة وأجوبة فقهيـة-
انتقل الى: