كتاب الإيمان بالقدر (من 41 - 50 من 80 مسألة)
المسألة الحادية والأربعون
القدر وما فات (لكيلا تأسوا).
اعلم أن ما قدره الله لن يتخلف وكل ما كتبه الله على عباده فهو كائن.
فيا أيها العبد:
1) إذا أصابتك المصيبة كالمرض وغيره فاعلم أنها مقدرة من الله وقد قال تعالى: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير) قال بعض أهل التفسير: من قبل أن نبرأها أي: من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة, لكن ادرس نفسك أن المصائب بسبب الذنوب فتُب إلى الله وارجع إليه، وقد قال قتادة في قوله تعالى: (ولا في أنفسكم) يقول الأوجاع والأمراض, وقد بلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ولا خلجان عرق إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر.
2) لكن إذا أصابتك المصيبة فلا تحزن الحزن الذي يؤدي بك إلى الجزع والتسخط على قضاء الله وقدره واصبر واحتسب وقد قال تعالى: (لكيلا تأسو على ما فاتكم) وأما مجرد الحزن بلا تسخط فإنه جائز عند المصيبة ولما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم جعلت عيناه تذرفان وقال: إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون) رواه البخاري.
3) إذا فاتك شيء من أمور الدنيا من مال أو جاه أو زوجة أو ربح أو وظيفة أو غير ذلك فلا تتأسف ولا تحزن لأن الله لم يقدره لك واعلم أنه لن يأتيك إلا ما كتب الله لك وفي حديث زيد بن ثابت أنه صلى الله عليه وسلم قال: (حتى تؤمن بالقدر فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك) رواه أحمد "صحيح".
4) كن مهتما بآخرتك وكن مطمئن البال والخاطر ولا تعذب نفسك بالهموم والغموم أسفا على الدنيا وزينتها وأموالها وقصورها ومناصبها وجاهها وما فات من ذلك فقل بينك وبين نفسك: "إن هذا الذي فات ليس لي فيه نصيب ولو كان لي فيه نصيب لجاءني ولما فاتني وقد أخبرني النبي صلى الله عليه وسلم بذلك" سنن الترمذي. عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله وأتته الدنيا وهي راغمة ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عيينه وفرق عليه شمله ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له
5) لا تحزن على ما فاتك من الدنيا الفانية وفي مسند أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا حفظ أمانة وصدق حديث وحسن خليقة وعفة في طعمة
المسألة الثانية والأربعون
(القدر أن رحمة الله تغلب غضبه ولرحمة الله خير لهم من أعمالهم).
اعلم ان كل شيء قد قدره الله وقضاه من أعمال العباد وغيرها ومما كتبه الله جل وعلا أن رحمته سبقت غضبه أو تغلب غضبه.
فيا أيها العبد:
1) لا تتكل على القدر ولكن بادر مسارعا إلى رحمة الله عز وجل بفعل الطاعات واجتناب المعاصي وابشر بالخير فقد قال تعالى: (كتب ربكم على نفسه الرحمة) وقال تعالى: (وكان الله غفورًا رحيمًا) وقال تعالى: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة) وقال تعالى: (ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة) الآيات.
وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لما قضى اللهُ الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي غلبت غضبي) رواه الشيخان.
2) اعلم أن رحمة الله خير لك من عملك مهما عملت من الأعمال الصالحة ولذلك احرص على الانخراط في طاعة ربك عسى أن يرحمك وقد قال تعالى:(عسى ربكم أن يرحمكم) وفي مسند أحمد بن حنبل عن بن الديلمي قال: لقيت أبي بن كعب فقلت يا أبا المنذر انه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر فحدثني بشيء لعله يذهب من قلبي قال لو أن الله عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم ولو أنفقت جبل أحد ذهبا في سبيل الله عز و جل ما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير ذلك لدخلت النار قال فأتيت حذيفة فقال لي مثل ذلك وأتيت بن مسعود فقال لي مثل ذلك وأتيت زيد بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك.
3) أيها العبد تطلب رحمة الله بطاعته والبعد عن معصيته فإن دخول الجنة إنما هو برحمة الله وفضله ولا يدخل أحد الجنة بعمله وإنما الإيمان والأعمال الصالحة هي سبب في دخول الجنة وفي حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لن يدخل أحد الجنة بعمله قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل) "صحيح".
4) كن منكسر القلب أمام ربك و أخلص له في العبادة وكن متذللاً خاضعًا خائفًا راجيًا رحمة الله فذلك هو حال العابد لربه كما قال تعالى: (ويرجون رحمته ويخافون عذابه) وقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولكن إلى قلوبكم وأعمالكم)" الإخلاص في الطاعة ومتابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
5) اسأل الله أن يرحمك وأكثر من هذا السؤال (اللهم ارحمني) اللهم اغفر لي وارحمني واسأل الله أن يرحمك رحمة يغنيك بها عن رحمة من سواه كمافي المعجم الصغير - الطبراني عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل: ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل دينًا لأدى اللهُ عنك قل يا معاذ: "اللهمَّ مالك المُلك تؤتي المُلك مَنْ تشاء وتنزع المُلك ممَّن تشاء وتعز مَنْ تشاء وتذل مَنْ تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير رحمن الدنيا والآخرة تعطيهما مَنْ تشاء وتمنع منهما مَنْ تشاء ارحمني رحمة تغنيني بها عن رحمة مَنْ سواك.
6) إن رحمة الله سبقت غضبه فهو سبحانه يحب أن يرحم عبادة التائبين العائدين إليه المستغفرين المتابعين رسوله صلى الله عليه وسلم فبادر إلى التوبة والاستغفار والإنابة وفي حديث أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله كتب كتاب قبل أن يخلق الخلق أن رحمتي سبقت غضبي ) رواه الشيخان واعزم في طلب المغفرة والرحمة ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت ارحمني إن شئت ارزقني إن شئت وليعزم مسألته إنه يفعل ما يشاء لا مُكْرِهَ له).
المسألة الثالثة والأربعون
ليس للعبد حجة على ربه (وعلى القدر).
اعلم أنه ليس للعبد حجة على الله وقد قال تعالى: (لئلا يكونَ للناسِ على اللهِ حجةٌ بعد الرسل) وقال تعالى: (فلله الحُجَة البَالغة).
فيا أيها العبد:
1) إن الله قد بعث إليك رسولاً هو محمد صلى الله عليه وسلم فبيَّن لك غاية البيان ما خلقت من أجله بما أنزله الله عليه من القران والسنة فاتبع هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذا أردت الهدى والفلاح ولا تحتج بالقدر وقد قال تعالى: (وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين) وقال تعالى: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم...) وقال تعالى: (قل إن كنتم تُحبون الله فاتبعوني يُحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم).
2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنذر مَنْ خالفه بعذاب الله فإن أردت النجاة من ذلك العذاب فاتبع هذا النبي صلى الله عليه وسلم في أمره ونهييه وخذ تحذيره مأخذ الجد ودع عنك المراوغة وفي صحيح البخاري عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين}. صعد النبي صلى الله عليه و سلم على الصفا فجعل ينادي يا بني فهر يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا لينظر ما هو فجاء أبو لهب وقريش فقال (أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي). قالوا نعم ما جربنا عليك إلا صدقا قال: (فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد). فقال أبو لهب تبًا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا فنزلت: {تبت يدا أبي لهب وتب . ما أغنى عنه مالهُ وما كسب}.
3) إنك عاقل أعطاك الله عقلا وبين الله لك سبيل الخير وسبيل الشر وأعطاك مشيئة واختيارا وطلب منك أن تسلك سبيل الخير فيما أمرك به وترك ما نهاك عنه فقال تعالى: (وهديناهُ النَّجدَين) قال أهل التفسير أي طريق الخير والشر بينا له الهدى والضلال والرشد والغي والحق والباطل والنافع والضار فاسلك الطريق الذي يوصلك إلى النجاة.
4) إن الله قد بين ووضح لك الصراط المستقيم الموصل إليه فقال تعالى:(وعلى الله قصد السبيل)واخبر أن هناك الطريق الجائر (ومنها جائر) وهو ما خالف الصراط المستقيم فسار فيه كل من غوى وسلكه كل من انحرف فاسلك الطريق الصحيح الذي فيه كل خير واحذر من سلوك طريق الضلال المؤدي إلى الهلاك إن كنت ذا عقل: (وما يذكر إلا أولو الألباب).
5) إن دين الإسلام أوامر الله ونواهيه وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم واضح جلي (طريق مستقيم)وإن سبل الغواية طرق كثيرة معوجة وعليها شياطين تدعو إليها فاسلك الطريق المستقيم إذا أردت الفوز واحذر من بقية الطرق وفي مسند أحمد بن حنبل عن عبد الله بن مسعود قال: خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطّا ثم قال هذا سبيل الله ثم خط خطوطا عن يمينه وعن شماله ثم قال هذه سبل قال يزيد متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو إليه ثم قرأ: {إن هذا صراطي مستقيمًا فاتبعوه ولا تتبعوا السُبُلَ فتفرق بكم عن سبيله}.
6) فأنت عاقل وقد بين الله لك الخير والشر وجاءك الرسول صلى الله عليه وسلم ودلك على كل خير وحذرك من كل شر وتركك على البيضاء فكيف مع هذا كله تخالف الله ورسوله: (فماذا بعد الحق إلا الضلال).
المسألة الرابعة والأربعون
(القدرية والمشركون).
إن المشركين قد احتجوا بالقدر اتباعًا لإبليس قالوا: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذين من قبلهم حتى ذاقوا بأسنا).
فيا أيها العبد:
1) إن المحتجين بالقدر سائرون على طريقة المشركين الذين قالوا: (لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شيء نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شيء كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلاغ المبين) فقد احتجوا على شركهم وتحريمهم ما أحل الله بالقضاء والقدر وجعلوا مشيئة الله الشاملة لكل شيء من الخير والشر حجة لهم في دفع اللوم عنهم ولم يزل هذا دأبهم حتى أهلكهم الله وأذاقهم بأسه ونقمته, فاحذر أيها المسلم أن تفعل المعصية وتحتج بالقدر عليها فإنك إن فعلت ذلك فقد شابهت المشركين في ذلك.
2) إن المشركين والمحتجين بالقدر على الذنوب جعلوا كل ما شاءه الله وقدره من الخير والشر جعلوه مما يحبه الله ويرضاه, ولم يفرقوا بين ما شاءه كونا ولم يرضه ولا يحبه وهي الكفر والمعاصي كما قال تعالى: (إن تكفروا فإن الله غنيٌ عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم) وبين ما يحبه الله ويرضاه وهو الطاعات, فلم يفرقوا بين الإرادتين الكونية والشرعية فوقعوا في الضلال فانتبه أيها المسلم لنفسك حتى لا تقع في هذا الخلط وقم بما أمرك الله به وانته عما نهاك الله عنه.
3) أن كل ما يقع من الطاعات والمعاصي والكفر فهو مقدر من الله عز وجل ولا يقع ذلك إلا بمشيئة الله سبحانه وكذلك الجزاء عليها فهو مقدر من الله جل وعلا فمن قال إنني أفعل الذنب بقدر الله قلنا له وتعاقب في الدنيا بالحد أو في الآخرة بالعذاب إن عذبك الله فذلك بقدر الله فاترك الذنوب, ولكن اجتهد في عمل الحسنات وذلك بقدر الله لتجازى عليها بالإحسان بقدر الله, وانظر إلى فقه عمرففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج إلى الشأم حتى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه فأخبروه أن الوباء قد وقع بأرض الشأم. قال ابن عباس فقال عمر ادع لي المهاجرين الأولين فدعاهم فاستشارهم وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشأم فاختلفوا فقال بعضهم قد خرجت لأمر ولا نرى أن ترجع عنه وقال بعضهم معك بقية الناس وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا نرى أن تقدمهم على هذا الوباء فقال ارتفعوا عني ثم قال ادع لي الأنصار فدعوتهم فاستشارهم فسلكوا سبيل المهاجرين واختلفوا كاختلافهم فقال ارتفعوا عني ثم قال ادع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح فدعوتهم فلم يختلف منهم عليه رجلان فقالوا نرى أن ترجع بالناس ولا تقدمهم على هذا الوباء فنادى عمر في الناس إني مصبح على ظهر فأصبحوا عليه. قال أبو عبيدة بن الجراح أفرارًا من قدر الله؟ فقال عمر لو غيرك قالها يا أبا عبيدة؟ نعم نفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديًا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟ قال فجاء عبد الرحمن بن عوف وكان متغيبًا في بعض حاجته فقال إن عندي في هذا علمًا سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول: (إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه) قال فحمد الله عمر ثم انصرف.
4) فيا أيها المسلم فِرَّ من قدر الله من الذنوب والمعاصي ليكن فرارك إلى قدر الله بفعل الطاعات إن أردت لنفسك النجاة وقد قال تعالى: (هل جزاءُ الإحسانِ إلا الإحسان) فأحسن ليُحسن إليك ولا تكن سيئًا فتُجازى بالسيئة.
المسألة الخامسة والأربعون
كل شيء أنزلهُ اللهُ بقدر (ولكن يُنَزِّل بقدر ما يشاء).
إن كل شيء بقدر ومن ذلك الرزق كما قال تعالى: (ولو بسط اللهُ الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن يُنَزِّلُ بقدرٍ ما يشاء).
فيا أيها العبد:
1) اعلم أن رزقك سوف يصلك فابذل السبب في طلب الرزق الحلال ودع ما حرَّم الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم: (خذوا ما حل ودعوا ما حرَّم) رواه ابن ماجة.
2) اطلب الرزق بعد أن تؤدي ما أوجب الله عليك ومن ذلك أداء الصلوات المكتوبة ثم انتشر في الأرض لطلب الرزق وقد قال تعالى: (فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله).
3) إن رزقك مكتوب لن يتخلف عنك تقتل نفسك هما ولا تجهد نفسك أكثر من طاقتك وفي صحيح البخاري قال عبد الله: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال: (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع كلمات ويقال له اكتب عمله ورزقه وأجله وشقي أم سعيد ثم ينفخ فيه الروح فإن الرجل منكم ليعمل حتى ما يكون بينه وبين الجنة إلا ذراع فيسبق عليه كتابه فيعمل بعمل أهل النار . ويعمل حتى ما يكون بينه وبين النار إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة).
4) وأن رزقك يطلبك حتى يصلك فلا يذهب منه شيء إلى غيرك وفي المعجم الكبير عن عبد الله بن الحسن بن علي: عن أبيه قال: صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر يوم غزوة تبوك فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إني والله ما آمركم إلا بما أمركم الله به ولا أنهاكم إلا عمَّا نهاكم الله عنه فأجملوا في الطلب فوالذي نفس أبي القاسم بيده إن أحدكم ليطلبه رزقه كما يطلبه أجله فإن تعسر عليكم شيء منه فاطلبوه بطاعة الله عز وجل.
5) لا تطلب الرزق بمعصية الله وإذا أبطأ عنك الرزق فالجأ إلى الله في طلب رزقك منه فإنه الرزاق ذو القوة المتين, وسوف يصلك رزقك ولن تموت حتى تستوعبه فاتق الله في طلبه وفي حديث أبي أمامة أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن روح القدس نفث في روعي أن نفسًا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته. الجامع الصغير وزيادته - (1 / 385).
6) وإذا كان رزقك كفافًا فذلك خير لك فاقنع به وقد قال صلى الله عليه وسلم: (اللهم اجعل رزق آل محمد قوتًا) رواه الشيخان. وقال صلى الله عليه وسلم: (خير الرزق الكفاف) "حسن" وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ».
7) إذا كان رزقك كفافا فاصبر لأنه نصبيك الذي قدره الله لك.
إن رزقك قد فرغ منه وقد كتب وسجل فلا يزاد فيه ولا ينقص منه وما عليك إلا بذل السبب موقنًا بأن ما هو لك سيصلك وفي حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: (فرغ إلى ابن آدم من أربع الخلق والخلق والرزق والأجل) رواه الطبراني "صحيح".
9) هل وعيت ما ذكر فكل ما هو لك لن يذهب عنك وكل ما ليس لك فلن يأتيك فكن مطمئن القلب على رزقك.
المسألة السادسة والأربعون
القدر وما يصيب العبد (لم يكن ليخطئك).
إن كل ما يصيب العبد فهو بقدر مكتوب.
لذا أيها العبد:
1) اعلم أن ما أصابك فهو مقدر عليك كما قال تعالى: (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله) فما قدره الله عليك من المصائب سوف يأتيك فاصبر واحتسب إذا أصابتك المصيبة.
2) أن ما أصابك من المصائب فذلك بسبب ذنوبك فادرس نفسك وقد قال تعالى: (وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير) فمع أن المصائب بسبب ذنوب العبد ولكن الله يعفو عن كثير ولا تؤخذ بالكل وهذا من فضل الله ورحمته.
3) إن المصائب التي تصيبك من حكمتها أن تعود الله تائبًا راجيًا خائفًا كما قال تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) فما أصاب الناس من الأمراض والآفات والغلاء ونقص الثمار وغير ذلك فهو بسبب ما قدمت أيديهم من الأعمال الفاسدة والذنوب لعلهم يرجعون عنها فتصلح أحوالهم ويستقيم أمرهم.
4) وما قدره الله عليك من المصائب وغيرها فإنه سوف ينزل بك وفي الحديث: (فتعلم أن ما أصابك لم يكن ليُخطئك وما أخطأك لم يكن ليُصيبك ) رواه أحمد فوطن نفسك على الصبر والاحتساب عند المصيبة وعلى الشكر عند النعمة.
5) واعلم أن هذا المقدر من المصائب والنعم لك فيه خيرٌ إن صبرت على المصيبة وشكرت عندما تحصل على ما يسرك وفي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ».
6) إذا أصبت بمصيبة عظيمة فاصبر واحتسب وعد إلى الله عز وجل فهي ابتلاء من الله وإن عظم الأجر عندما تكون المصيبة عظيمة وأن من محبة الله للقوم أن يبتليهم وفي حديث أبي أيوب أنه صلى الله عليه وسلم قال: (عِظَم الأجر عند عِظَم المصيبة وإذا أحبَّ اللهُ قومًا ابتلاهم) صحيح الجامع.
المسألة السابعة والأربعون
(واعلم أن الأمة لو اجتمعوا).
اعلم أيها العبد أن هذا العالم لا يستطيع أن يضرك إلا بشيء قد قدَّره الله عليك ولا يستطيع أن ينفعك إلا بشي قدره الله لك.
فيا أيها العبد:
1) اعلم أن الأمر كله لله وأن هذا العالم كله لا يسير في شيء إلا قد قدره الله وعلمه وقد قال تعالى: (قل إن الأمر كله لله) فالعالم كله في السماوات والأرض مملكون مقهورون لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم ضرًا ولا نفعًا إلا ما قدَّره الله فإذا فهمت هذا ووعيته فانتبه لما يلي:
أ. أن الله اذا قدر لك شيئا من المنافع فاطمئن فإنه سوف يأتيك ولا يفوتك ولكن ابذل الأسباب وتوكل على الله وحده معتمدًا بقلبك عليه وقد يهيئ الله لك من يسعى في حصول تلك المنفعة لك فاحمد الله واشكره وقل إن حصول هذا الخير بتوفيق الله وتيسيره وقد قال صلى الله عليه وسلم: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك الابشيءقدكتبه الله لك...) رواه أحمد والترمذي والحاكم صحيح.
ب. أن الله إذا لم يقدر لك تلك المنفعة وسعى من سعى من العالم كله في حصولها لك فإنها لن تحصل مهما بذلوا من جهد وعندئذ أيقن أنها ليست لك فلا تحزن وأنها لم تكتب لك وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ولو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك) أما إذا لم يكتبه الله لك فلا يستطيعون تحصيله لك.
ج. إذا أراد بك احد ضرًا فكن مطمئنًا أنه لن يضرك احد حتى لو اجتمعت الأمة على ذلك إلا بشيء قد كتبه الله عليك فإن كتبه الله عليك حصل وإن لم يكتبه لم يحصل وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك...) الحديث.
2) كن متوكلا على الله عز وجل في أمورك كلها وابذل الأسباب لحصول الخير واترك الكسل واجتهد في ذلك وكن حريصًا عليه فإن فعلت ذلك ولم يتحقق وأصابك شيء فقل: (قدر الله وما شاء فعل) واعمل على ما جاء في حديث أبي هريرة ففي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
3) قف عند هذا الحديث في سنن الترمذي عن ابن عباس قال: كنت خلفت رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فقال يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف. وتفهم معنى هذا الحديث بدقة مطبقًا ما فيه لتعيش مرتاح البال والخاطر. والله الموفق.
المسألة الثامنة والأربعون
(ليس هناك فعال لما يريد إلا الله).
اعلم أنه ليس أحد فعال لما يريد إلا الله كما قال تعالى: (ذو العرش المجيد فعَّال لما يُريد).
فيا أيها العبد:
1) أن الله تعالى فعَّال لما يُريد كما قال تعالى: (فعَّال لما يُريد) مهما أراد شيئا فعله وإذا أراد شيئًا إنما يقول له كن فيكون وليس أحد فعَّال لما يُريد إلا الله عز وجل فسلّم أيها العبد أمرك لربك فيما يُصيبك وسلّم أمرك لربك فيما يأمرك به وينهاك عنه.
2) أن الله تعالى هو الحكيم العليم الذي له القدرة التامة الكاملة وهو جل وعلا يفعل ما يشاء كما قال تعالى: (ويفعل الله ما يشاء) لأنه الحكيم فلا تسأل أيها العبد لماذا قدر الله علينا كذا وكذا ولماذا فعل كذا ولكن كن ممن قال: (سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير) وفي صحيح مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِى أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) قَالَ دَخَلَ قُلُوبَهُمْ مِنْهَا شَىْءٌ لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ مِنْ شَىْءٍ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: «قُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَسَلَّمْنَا ». قَالَ فَأَلْقَى اللَّهُ الإِيمَانَ فِى قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى (لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قَالَ قَدْ فَعَلْتُ: (رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا) قَالَ قَدْ فَعَلْتُ: (وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلاَنَا) قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.
3) أيها العبد يجوز أن تدعوا على من ظلمك فتقول: فعل الله به كذا مما هو في حدود مظلمتك بدون اعتداء لأن الله جل وعلا يفعل وفي سنن أبى داود عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- يَشْكُو جَارَهُ فَقَالَ «اذْهَبْ فَاصْبِرْ». فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِى الطَّرِيقِ». فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِى الطَّرِيقِ فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ وَفَعَلَ وَفَعَلَ فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ ارْجِعْ لاَ تَرَى مِنِّى شَيْئًا تَكْرَهُهُ.
4) أيها العبد إذا دعا لك أخوك المسلم فادع له أو ادع له مطلقًا فقل: وأنت يا فلان يفعل الله بك خيرًا مثل ذلك, وفي حديث البراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى فقيل: يا رسول الله إن أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب يهجوك فقام ابن رواحة فقال: يا رسول الله أئذن لي فيه فقال: أنت الذي تقول ثبت الله قال: نعم قلت: يا رسول الله: (فثبت الله ما أعطاك من حسن تثبيت موسى ونصرًا مثل ما نصروا) قال: وأنت يفعل الله بك خيرًا مثل ذلك. رواه الحاكم.
5) اعلم أن أفعال الله عز وجل كلها على مقتضى حكمته سبحانه ولا ينسب الشر إلى الله تعالى وفي دعاء الاستفتاح (والشر ليس إليك) رواه مسلم. ففعل الله كله خير وأما الشر فهو في المفعولات المنفصلة لا في فعل الله, ولذا فتوجه إلى الله الذي يأمرك بالخير ويدلك عليه ويجب أن تدعوه وتتقرب إليه.
المسألة التاسعة والأربعون
(القدر والسحر).
اعلم أنه لا يضر أحد شيئًا إلا إذا قدَّره الله عليه كما قال تعالى عن السحرة والسحر: (وما هم بضآرين به من أحد إلا بإذن الله).
فيا أيها العبد:
1) لا تخف من السحرة أن يضروك أو يقتلوك أو غير ذلك وكن مطمئن البال أنه لن يصيبك إلا ما كتبه الله عليك وفي حديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) أحمد والترمذي والحاكم "صحيح".
2) أن الأمر كله لله والخلق عبيده من الجن والإنس وغيرهم فهم جميعا مقهورون لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًا إلا بإذن الله فكن ثابت القلب مطمئن السريرة أن السحرة لن يضروك إلا بإذن الله الكوني ابتلاء واختبارا وقد قال الله تعالى: (وما هم بضآرِّين به من أحدٍ إلا بإذن الله).
3) إذا أصبت بالسحر وتضررت فاعلم أن هذا ابتلاء واختبار فاصبر واحتسب أجرك على الله وليكن تداويك بالرقى الشرعية والأدوية المباحة واعلم أن الله هو الذي قدر الداء وقدر الدواء واحذر من الذهاب إلى السحرة والكهان والعرافين, ويحرم علاج السحر بالسحر وفي حديث جابر قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة فقال: (هو من عمل الشيطان) رواه أبو داود "صحيح".
4) احذر كل الحذر من إتيان السحرة والكهان والعرافين للمعالجة واعلم أنهم لا يملكون لك شيئًا من أمرك وان ما قدر عليك لا بد أن يصيبك ويجب عليك العودة إلى الله عز وجل فلا تعصه ولا تكفر به بالذهاب إلى الكهان ونحوهم وفي حديث أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى عرافًا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما انزل على محمد) رواه احمد والحاكم"صحيح".
5) أيها المسلم إن أصابك المرض أو السحر فتضررت فعد إلى ربك واسأله أن يشفيك ولا بأس بالتداوي بالأدوية المباحة والمشروعة ولكن اعلم يقينا راسخا في قلبك أنك لن تشفى مهما تعالجت حتى يأذن الله بشفائك فافهم هذا فهما صحيحا جيدا وتوكل على الله في طلب الشفاء واقبل عليه وتوسل إليه عندما يلحقك الضر وقد قال أيوب مناديًا ربه: (إني مسني الضُّر وأنت أرحمُ الراحمين).
المسألة الخمسون
(كل شيء بقدر حتى العجز والكيس).
اعلم أيها العبد أن كل شيء بقدر كما قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) وحتى العجز والكيس فهو مقدر.
فيا أيها العبد:
1) اعلم يقينًا أن كل أمور العبد حتى عجزه ونشاطه وحذقه فذلك مقدر من الله ولا يخرج عن قدر الله وفي حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل شيء بقدر حتى العجز والكيس أو الكيس والعجز) رواه مسلم.
2) لكن أيها المسلم احرص على الاجتهاد في ما ينفعك ومن ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حث المسافر إذا قدم من سفره أن يبتغي الولد مع زوجته فقال صلى الله عليه وسلم لجابر: (إذا قدمت فالكيس الكيس) رواه مسلم.
الكيس المراد حثه على ابتغاء الولد.
3) اجتهد أن تكون من الأكياس المهتمين بآخرتهم المستعدين للموت وفي حديث ابن عمر أنه قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه رجل... أولئك الأكياس) رواه ابن ماجه "حسن".
4) استعذ بالله من العجز والكسل وفي حديث انس أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أعوذ بك من العجز والكسل...) رواه الشيخان.
5) لا تعجز عن الطاعات وعما ينفعك وكن حريصا على كل ما فيه نفع لك في الدنيا والآخرة وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجِزْ وَإِنْ أَصَابَكَ شَىْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّى فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا. وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ».
6) أنت عبد مكلف بالعمل في طاعة ربك فقم بأداء الواجبات كما أمرك الله وكما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحذر من العجز والكسل عنها واحرص على القيام بالنوافل التي نهاك النبي صلى الله عليه وسلم عن العجز عنها ومن ذلك:
أ. لا تعجز عن أربع ركعات في أول النهار في حديث نعيم أنه صلى الله عليه وسلم قال قال الله تعالى: (يا بن آدم لا تعجز عن أربع ركعات في أول النهار أكفك آخره) رواه احمد وأبو داود "صحيح".
ب. تصدق بالفاضل ولا تعجز عن ذلك وفي سنن أبى داود عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ مَالِكِ بْنِ نَضْلَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «الأَيْدِى ثَلاَثَةٌ فَيَدُ اللَّهِ الْعُلْيَا وَيَدُ الْمُعْطِى الَّتِى تَلِيهَا وَيَدُ السَّائِلِ السُّفْلَى فَأَعْطِ الْفَضْلَ وَلاَ تَعْجِزْ عَنْ نَفْسِكَ».