المسألة السادسة والعشرون
(النذر والقدر).
اعلم أن النذر لا يأتي بخير وان كل شيء مقدر مكتوب.
فيا أيها العبد:
1) اعلم أن النذر (نذر المجازاة) كما يقول البعض إن نجحت ذبحت ناقة أو شاة ونحو ذلك "فهذا النذر لا يقرب منك شيئًا لم يكن الله تعالى قدره ولكن النذر يوافق القدر وتنبه لهذا الموضوع" فلا تنذر هذا النذر وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «إِنَّ النَّذْرَ لاَ يُقَرِّبُ مِنِ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ قَدَّرَهُ لَهُ وَلَكِنِ النَّذْرُ يُوَافِقُ الْقَدَرَ فَيُخْرَجُ بِذَلِكَ مِنَ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنِ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ ».
2) لا تنذر أيها المسلم فإن النذر لا يغني من القدر شيئا ولكن يستخرج به من البخيل وفي صحيح مسلم - عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لاَ تَنْذُرُوا فَإِنَّ النَّذْرَ لاَ يُغْنِى مِنَ الْقَدَرِ شَيْئًا وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ الْبَخِيلِ ».
3) دع النذر فإنه إنما يستخرج به من اللئيم وفي حديث ابن عمر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النذر وقال: (إنما يُستخرج به من اللئيم) رواه ابن ماجة "صحيح".
4) احذر من النذر فإنه لا يقدم ولا يؤخر وانما يستخرج به من البخيل وفي مسند أحمد بن حنبل عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أن النذر لا يقدم شيئا ولا يؤخره وإنما يستخرج بالنذر من البخيل.
5) اعلم أن النذر إنما يخرج من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج فلا يخالف النذر القدر ولكن النذر يوافق القدر فلا تنذر وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن النذر لا يقرب شيئا من ابن آدم لم يكن الله قدره له ولكن النذر يوافق القدر فيخرج ذلك من البخيل) رواه مسلم وفي لفظ: (فيؤتيني عليه ما لم يكن يؤتيني من قبل) رواه البخاري.
6) أقسام النذر:
أ. إن نذرت طاعة الله وجب عليك الوفاء بها لقوله تعالى: (يوفون بالنذر) ولقوله صلى الله عليه وسلم: (من نذر أن يطيع الله فليطعه).
ب. إذا نذرت معصية لله فذلك للشيطان فيحرم الوفاء به ويجب عليك أن تكفر كفارة يمين لقوله صلى الله عليه وسلم: (وما كان من نذر في معصية الله فذلك للشيطان ولا وفاء فيه ويكفره ما يكفر اليمين) رواه الترمذي "صحيح".
ج. إذا نذرت نذرا لم تسمه فيجب أن تكفر كفارة يمين لقوله صلى الله عليه وسلم: (كفارة النذر كفارة يمين) رواه مسلم.
د. إذا نذرت نذرا مباحا كلبس الثوب ونحوه فيشرع لك الوفاء به وقد قالت امرأة يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف فقال: صلى الله عليه وسلم أوفي بنذرك) رواه أبو داود"صحيح".
المسألة السابعة والعشرون
(القدر والعمل).
لا يجوز الاتكال على القدر وترك العمل الذي أمر الله به وشرعه لعباده لقوله صلى الله عليه وسلم: (اعملوا).
فيا أيها العبد:
1) اجتهد في العمل الصالح شكرا لله على ما هداك إلى الإسلام وامتن عليك بنعم لا تعد ولا تحصى وقد قال تعالى لآل داود: (اعملوا آل داود شكرا) وكن من القليل (وقليل من عبادي الشكور) فأكثرهم لم يشكروا الله تعالى على ما أعطاهم من النعم ودفع عنهم من الشرور.
2) احرص على الاستزادة من عمل الطاعات لتحصل على الدرجات العلى عند الله وقد قال تعالى: (ولكل درجات مما عملوا) أي بحسب أعمالهم فليس قليل الشر ككثيره كما أن أهل الثواب في الجنة بينهم من الفرق ما لا يعلمه إلا الله وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أول زمرة تلج الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر لا يبصقون فيها ولا يمتخطون ولا يتغوطون آنيتهم فيها الذهب أمشاطهم من الذهب والفضة ومجامرهم الألوة ورشحهم المسك ولكل واحد منهم زوجتان يرى مخ سوقهما من وراء اللحم من الحسن ولا اختلاف بينهم ولا تباغض قلوبهم قلب رجل واحد يسبحون الله بكرة وعشيًا).
3) أن دين الإسلام يأمر بالعمل ولا يأمر بالاتكال على القدر فكن من أهل العمل الصالح وقد قال تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل الرحمن ودا) وقال: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا) وغيرها من الآيات وقد قال تعالى: (ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) فأنت أيها العبد مخاطب أن تعمل وتجتهد في الأعمال الصالحة ولما قال أصحاب رسول الله: يا رسول الله بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن فيما العمل اليوم قال رسول الله: (اعملوا فكل ميسر لما خلق له).
4) اعلم يقينا أيها العبد أنك إن أقبلت على الله مؤمنا عاملا الصالحات فإن الله قد وعدك الجنة كما قال تعالى: (وبشر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أن لهم جنات...) فهذه بشارة لكل مؤمن عمل الصالحات وقال تعالى: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات) وان وعد الله لا يتخلف كما قال تعالى عن أصحاب الألباب في تضرعهم لربهم: (إنك لا تخلف الميعاد) وكما قال تعالى: (وعد الله لا يخلف الله الميعاد) وقال صلى الله عليه وسلم: (... لا أحد أحب إليه المدحة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة) رواه الشيخان فتمسك بوعد الله الصادق واجتهد في طاعته وانته عن معصيته.
المسألة الثامنة والعشرون
(الاحتجاج بالقدر عند المصائب).
اعلم أنه لا يجوز الاحتجاج بالقدر على الذنوب والمعاصي وإنما الاحتجاج به في ذلك هي طريقة المشركين لما قالوا: (لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا).
فيا أيها العبد:
1) احذر من الاحتجاج بالقدر على الذنوب (يقارف بعضهم المعصية فيقال له: اتق الله ودع هذا العمل المحرم, فيقول: هذا قدره الله علي) ومن كان محتجًا بالقدر على المعاصي فهو سائر على طريقة المشركين متشبه بهم وقد قال صلى الله عليه وسلم: (مَن تشبه بقوم فهو منهم).
2) إذا حصل لك مصيبة كالمرض والفقر وموت القريب ونحو ذلك فلك أن تقول هذا مما قدره الله علي لأن هذه المصائب ليست من عملك بل حصلت لك من غير أن يكون لك يد فيهاوفي صحيح البخاري عن حميد بن عبد الرحمن أن أبا هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (احتج آدم وموسى فقال له موسى أنت آدم الذي أخرجتك خطيئتك من الجنة فقال له آدم أنت موسى الذي اصطفاك برسالاته وبكلامه ثم تلومني على أمر قدر علي قبل أن أخلق) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فحج آدم موسى) مرتين.
3) احرص على ما ينفعك واجتهد في تحصيله واستعن بالله في الحصول عليه ولا تكسل في طلبه بل ابذل الأسباب التي هي أسباب فإن قمت بذلك وأصابك شيء فقل قدر الله وما شاء فعل ولا تقل لو اني فعلت كذا لكان كذا وكذا وفي ا لحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) رواه مسلم.
4) إنك أيها المسلم عبد لله قد أمرك ونهاك فقم بما أمرك الله به وانته عما نهاك عنه وحقق الإيمان بالقدر بأن كل شيء مقدر مكتوب كما قال تعالى: (وخلق كل شيء فقدره تقديرًا) وإذا أردت النجاة والفوز فدع عنك السؤال "لماذا يكلفني ربي بكذا؟ ولماذا يحاسبني؟ او نحو ذلك من الأسئلة" فإن الله جل وعلا له ملك السماوات والأرض "لا يسأل عما يفعل وهم يسألون" فالله لا يسأل وانا وأنت نسأل فأعد للسؤال جوابًا.
5) اعلم ان الله جل وعلا لا يظلم أحدا شيئا وإنما العبد هو الذي يظلم نفسه فكن مطمئنا على ما تفعله من الحسنات بل أنها تضاعف لك وأما الذنوب غير الشرك الأكبر فهي إلى الله إما أن يعفو ويغفر أو يعذب بقدرها وقد قال تعالى: (إن الله لا يظلم الناس شيئًا) وفي صحيح مسلم عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِى إِنِّى حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِى وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلاَّ مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِى أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلاَّ مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِى أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِى كُلُّكُمْ عَارٍ إِلاَّ مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِى أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِى أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِى إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّى فَتَضُرُّونِى وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِى فَتَنْفَعُونِى يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِى مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِى شَيْئًا يَا عِبَادِى لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِى فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِى إِلاَّ كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِى إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ.
المسألة التاسعة والعشرون
("الآجال مقدرة" - "الآجال مضروبة").
اعلم أيها العبد أن الآجال مضروبة ومقدرة كما قال تعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون).
فيا أيها العبد:
1) إن أجلك قد كتب فلا يتقدم ولا يتأخر فسارع قبل الأجل في الاستكثار من العمل الصالح وحقق الإيمان بالله وبكل ما أوجبه الله عليك واستغل هذا العمر في كل ما ينفعك لدنياك وآخرتك فإنك مسؤول عن هذا العمر وفي سنن الترمذي عن ابي برزة الاسلمي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسئل عن عمره فيمَ أفناه وعن علمه فيمَ فعل وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه وعن جسمه فيمَ أبلا.
2) اسأل الله أن يعيذك من عذاب في النار وعذاب في القبر فذلك خير لك من سؤال الاستمتاع بأهلك وزوجك وقرابتك وفي صحيح مسلم عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ زَوْجُ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-: «اللَّهُمَّ أَمْتِعْنِى بِزَوْجِى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَبِأَبِى أَبِى سُفْيَانَ وَبِأَخِى مُعَاوِيَةَ، قَالَ فَقَالَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: «قَدْ سَأَلْتِ اللَّهَ لآجَالٍ مَضْرُوبَةٍ وَأَيَّامٍ مَعْدُودَةٍ وَأَرْزَاقٍ مَقْسُومَةٍ لَنْ يُعَجِّلَ شَيْئًا قَبْلَ حِلِّهِ أَوْ يُؤَخِّرَ شَيْئًا عَنْ حِلِّهِ وَلَوْ كُنْتِ سَأَلْتِ اللَّهَ أَنْ يُعِيذَكِ مِنْ عَذَابٍ فِى النَّارِ أَوْ عَذَابٍ فِى الْقَبْرِ كَانَ خَيْرًا وَأَفْضَلَ.
3) اعلم أن أجلك قد كتب وفرغ منه فلا يزيد ولا ينقص لحظة واحدة وقد قال تعالى: (فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) وفي حديث ابن مسعود أنه قال صلى الله عليه وسلم: (يكتب رزقه وأجله) "صحيح" فكن موقنًا بذلك ساعيا في ابتغاء الدار الآخرة فذلك هو الأنفع لك.
4) احذر من الامتراء (الشك في البعث) وكن متيقنا له مصدقا به مجتهدا في العمل لآخرتك وقد قال تعالى: (هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجلٌ مسمىً عنده ثم أنتم تمترون) فقوله: (قضى أجلاً) جعل لأعماركم مدة تنتهون إليها, و(أجل مسمى عنده) لا يعلمه غيره وهو أجل الآخرة.
5) اهتم بطاعة ربك واستدرك بقية عمرك قبل حلول أجلك استدركه بالتوبة والندم على كل عمل صالح وانظر في نفسك من الآن قبل اقتراب أجلك (الموت) فيفاجئك بغتة وقد قال تعالى: (وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم) واحذر من الغفلة حتى ينزل بك الموت فلا تُمَكن من استدراك ما فات.
6) اعلم أن الأجل يقطع الأمل فلا تكن آمالك للدنيا فقط وإنما اجتهد في الاستعداد لأجلك وقد قال تعالى: (والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابًا وخير أملاً) وفي صحيح البخاري عن عبد الله رضي الله عنه قال: خط النبي صلى الله عليه وسلم خطًا مربعًا وخط خطًا في الوسط خارجًا منه وخط خططًا صغارًا إلى هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط وقال: (هذا الإنسان وهذا أجله محيط به -أو قد أحاط به- وهذا الذي هو خارج أمله وهذه الخطط الصغار الأعراض فإن أخطأه هذا نهشه هذا وإن أخطأه هذا نهشه هذا).
(مربعًا) شكلاً ذا أضلاع أربع متساوي الزوايا. (خارجًا منه) ممتدًا إلى خارجه. (الأعراض) الآفات التي تعرض له من مرض وشغل وآخرها الموت. (أخطأه) لم يصبه. (نهشه) أصابه والنهش أخذ الشيء بمقدم الأسنان).
7) ابذل الأسباب التي تكون منسئة في الأجل وفي المعجم الأوسط عن عمرو بن سهل قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: صلة القرابة مثراة في المال محبة في الأهل منسأة في الأجل.
إذا أحسست بدنو أجلك فأوص إلى أهلك بتقوى الله والصبر وأوص بنيك واهلك بعبادة الله وتوحيده وقد قال تعالى: (أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت) وقال صلى الله عليه وسلم لفاطمة كما في صحيح البخاري: ولا أرى الأجل إلا قد اقترب فاتقي الله واصبري فإني نعم السلف أنا لك).
المسألة الثلاثون
اعلم أيها العبد أن قدر الله نافذ لا يتخلف وأنا وإياك لسنا مكلفين بالبحث في هذا الغيب عني وعنك ولكن علينا أن نجتهد في طاعة الله وترك معاصيه.
فيا أيها العبد:
1) اجتهد في طاعة الله عز وجل وترك معاصيه مؤمنا بقدره واعلم أن عمل العبد لا ينجيه وإنما النجاة بتوفيق الله وفضله وتغمده للمؤمن برحمته والأعمال إنما هي سبب كما قال تعالى: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون) وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لن ينجي أحدًا منكم عمله) قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشئ من الدلجة والقصد القصد تبلغوا).
2) لا تتكل على القدر ولكن اجتهد في طاعة ربك وترك معاصيه وسدد وقارب وأبشر وفي صحيح البخاري عن عائشة: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: (سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لا يدخل أحدا الجنة عمله) قالوا ولا أنت يا رسول الله؟ قال (ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة).
3) احرص على عمل الطاعات التي تقربك إلى الله عز وجل وتجنب الذنوب ولا تترك العمل وفي مسند أحمد بن حنبل عن أبي كبشة السلولي حدثه أنه سمع ثوبان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سددوا وقاربوا واعملوا وخيروا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن.
4) سدد وقارب ويسر على نفسك فلا تنهكها بما لا تستطيعه من العمل وقم في عملك بما يرضي الله مجتنبا ما يسخطه وفي حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (سددوا وقاربوا ويسروا فإنه لن يدخل الجنة أحد بعمله) رواه أحمد صحيح. وقال صلى الله عليه وسلم: (ليكلف أحدكم من العمل ما يطيقه فإن الله تعالى لا يمل حتى تملوا وقاربوا وسددوا) "صحيح".
5) الزم الوسط المعتدل في أمورك من غير إفراط ولا تفريط وقد قال تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) وسدد في أمورك وقارب واغد في أول النهار ورح في نصفه الثاني واسر في الليل واقتصد في أمورك تبلغ مقصدك وما تطلبه بفضل الله وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لن ينجي أحدًا منكم عمله... والقصد القصد تبلغوا) رواه البخاري.