كتاب الايمان بالقدر
(ثمانون مسألة في القدر)
تأليف الفقير الى ربه
محمد بن شامي مطاعن شيبة
غفر الله له ولوالديه وللمسلمين
---------------------------------
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى اله وصحبه ومن اهتدى بهداه الى يوم الدين اما بعد...
فقد يسر الله لي الكتابة في العقيدة (عقيدة اهل السنة والجماعة) ومن ذلك هذا الكتاب (الايمان بالقدر) وقد قمت بالكتابة بحيث رتبت هذا الموضوع في مسائل بلغت ثمانين مسألة وقمت بوضع دروس على كل مسألة وهذه الدروس بأدلتها من القرآن والسنة الصحيحة أو الحسنة مما صححه أو حسنه بعض أهل العلم المعتبرين وقمت بالتركيز مع الاعتقاد على الحث على العمل وأن هذه الطريقة هي طريقة يحصل بها سهولة الموضوع وقراءته على الناس في المساجد أو الدروس أو المجالس وأسأل الله أن ينفع بهذا الكتاب وأن يكتب الأجر والثواب لكل مَنْ ساهم في نشره بقراءته وتدريسه وطبعه وكتابته وتوزيعه.
هذا وصلى اللهُ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المؤلف:
محمـــد بن شامي مطاعن شيبة
بيش في يوم 28/ 5/ 1432هـ.
-----------------------------
المسألة الأولى
القضاء لغة: الإحكام والإتقان وإتمام الامر.
القضاء والقدرشرعاً:
أن الله علم مقادير الأشياء وأزمانها أزلاً وكتب ذالك وأوجدها بقدرته كما شاء على وفق ماعلمه منها.
القدر لغة: يطلق على الحكم.
وإذا أطلق أحدهما شمل الآخر.
حكم الإيمان بالقدر:
يجب الإيمان بالقدر وهو أحد أصول الإيمان الستة .
ففي حديث جبريل أنه صلى الله عليه وسلم قال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره) رواه مسلم.
فيا أيها العبد:
1) حقق الإيمان وذلك بالتصديق الجازم بأن كل شيء قد قدره الله.
كما قال تعالى: (إنا كل شيء خلقناه بقدر) (وكان أمر الله قدرًا مقدورًا) وقال تعالى: (إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون).
2) إن كل ما يقع في هذا العالم كله علويه وسفليه فهو بإذن الله الكوني.
وقد قال تعالى: (وما أصابكم يوم التقى الجمعان فبإذن الله وليعلم المؤمنين) وقال تعالى: (ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه) فإنك إذا عرفت هذا وعلمت أنك عبدٌ لله وانه يجب عليك عبادة الله وحده لا شريك له كما قال تعالى: (واعبده وتوكل عليه) وعند ذلك تعي أن كل هذه العوالم فهي خاضعة لله وتحت تصرفه ولا تخرج عن ملكه وقد قال تعالى: (يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان) فيتحقق لك من تعظيم الله الشيء الكثير.
3) اعلم أن الله جل وعلا هو مالك الملك وكل هذه العوالم فهي ملكه يصرفها كيف يشاء فلا راد لقضائه ولا مُعقب لحكمه.
وأنه تعالى لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون فكن خاضعًا لله جل وعلا سواءً كنت في عملك أو طريقك أو بيتك أو في السوق أو في المسجد، وفي حديث أبي ذر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن) رواه احمد والترمذي.
4) إذا رأيت الذين يظلمون ويتجبرون ويتكبرون ولا يقومون بأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فاعلم أن وراءهم الملك الحق المبين وانه بالمرصاد لهم.
(إن ربك لبا لمرصاد) فهو جل وعلا الملك الذي له ملك السماوات والأرض وأن نواصي هؤلاء بيد الله وتحت قهره وأنهم مهزومون فاسقون هينون فقد أهانهم الله حتى وإن أكرمهم الناس في الظاهر لجاههم ونحوه وقد قال تعالى : (ومن يهن الله فماله من مكرم).
5) أن الله هو الذي قدر هذه العوالم كلها.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( قدر الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) رواه مسلم.
فهي تسير وفق ما قدره الله ولا يخرج عن ذلك قدر أنملة بل هي في نظام محكم دقيق (كلٌ في فلك يسبحون) (ألا يعلم مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير).
6) وكل ما خلق الله وقدَّره إنما ذلك ليُعبد الله وحده لا شريك له وليُفرد بالعبادة ولم يكن ذلك الخلق باطلاً تعالى الله عن ذلك.
قال الله تعالى: (وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) فإن وعيت هذا فكن متمسكًا بطاعة ربك والتجئ إليه وتوكل عليه فإن فعلت ذلك فأنت تأوي إلى ركن شديد.
المسألة الثانية
(يحرم إنكار القدر ومَنْ أنكر القدر فهو "كافر كفرًا أكبر").
فيا أيها العبد:
1) حقِّق الإيمان بإثبات القدر واحذر من إنكاره.
وفي حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن عبد حتى يؤمن بأربع يشهد ألا إله إلا الله وأني رسول الله بعثني بالحق ويؤمن بالموت يؤمن بالبعث بعد الموت ويؤمن بالقدر خيره وشره) رواه احمد والترمذي وابن ماجة.
2) سلِّم أمرك لربك فيما قدَّره ممَّا أوجب عليك وشرعه لك وذلك بتحكيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل أمورك راضيًا مطمئنًا.
وقد قال تعالى: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شَجَرَ بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا ممَّا قضيت ويُسلموا تسليمًا).
3) احذر من الشك في قدرة الله وإذا حصل عندك بعض الوساوس في ذلك فتُب إلى الله وكن من أهل الخشية من عقوبته مقبلاً عليه.
فعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أن رجلاً كان قبلكم رغسه الله مالاً فقال لبنيه لمَّا حضر: أيُ أبٍ كنتُ لكم؟ قالوا: خيرَ أبٍ، قال: فإني لم أعمل خيرًا قط فإذا مت فأحرقوني ثم اسحقوني ثم ذروني في يوم عاصف ففعلوا فجمعهُ اللهُ عز و جل فقال: ما حملك؟ قال: مخافتك فتلقاه برحمته). رواه الشيخان
4) تعاهد قلبك ليكون جازمًا في تصديقه بالقدر ولا يقع فيه ريبة.
وقد قال تعالى: (إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا).
المسألة الثالثة
القدرية نُفاة القدر وما جاء فيهم كما يلي:
1) أن القدرية نُفاة القدر هم من أتباع المشركين الذين خاصموا في القدر.
(إنا كل شيء خلقناه بقدر).
2) القدرية مجوس هذه الأمة.
ففي حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (القدرية مجوس هذه الأمة) رواه أبو داود.
3) أن مذهب القدرية شر عظيم.
وفي سنن الترمذي عن ابن عمر: عن النبي صلى الله عليه وسلم: يكون في أمتي خسف ومسخ ذلك في المكذبين بالقدر.
فيا أيها المسلم:
أ. احذر من الوقوع في مذهب القدرية فإنهم شرار هذه الأمة واجتهد في الابتعاد عن الكلام في القدر إلا فيما جاء في القرآن والسنة.
وفي حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أُخِّرَ الْكَلامُ فِي الْقَدَرِ لِشِرَارِ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَمِرَاءٌ فِي الْقُرْآنِ كُفْرٌ) رواه الطبراني في الأوسط.
ب. أمسك عن الكلام في القدر فيما لا نص فيه من كتاب الله أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر القدر فأمسكوا) رواه الطبراني.
ج. لا تتكلم في القدر تخرصًا كما يفعل بعض الجهال ممن يفعل الذنوب أو يعترض على القدر واعلم أنك مادمت بعيدًا عن الكلام في القدر فأنت على خير.
وفي حديث ابن مسعود أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إن أمر هذه الأمة لا يزال مقاربًا حتى يتكلموا في الولدان وفي القدر)رواه الطبراني في الكبير.
د. إذا عرفت القدرية أو بعضهم (نُفاة القدر) فأد إليهم النصيحة فإن أبوا فلا تقم بعيادتهم إذا مرضوا إلا على سبيل الدعوة فإن علمت أنهم لا يستجيبون لدعوتك فلا تعدهم ولا تشهد جنائزهم إذا ماتوا.
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم) رواه أبو داود.
هـ. حافظ على دينك (عقيدتك) وكن حذرًا فلا يقع في نفسك شيءٌ من القدر مما وقع فيه نُفاة القدر أو الجبرية.
وفي سنن أبى داود عن ابْنِ الدَّيْلَمِىِّ قَالَ أَتَيْتُ أُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ فَقُلْتُ لَهُ وَقَعَ فِى نَفْسِى شَىْءٌ مِنَ الْقَدَرِ فَحَدِّثْنِى بِشَىْءٍ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُذْهِبَهُ مِنْ قَلْبِى. فَقَالَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ عَذَّبَ أَهْلَ سَمَاوَاتِهِ وَأَهْلَ أَرْضِهِ عَذَّبَهُمْ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ لَهُمْ وَلَوْ رَحِمَهُمْ كَانَتْ رَحْمَتُهُ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَوْ أَنْفَقْتَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا فِى سَبِيلِ اللَّهِ مَا قَبِلَهُ اللَّهُ مِنْكَ حَتَّى تُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ وَتَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَأَنَّ مَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ وَلَوْ مُتَّ عَلَى غَيْرِ هَذَا لَدَخَلْتَ النَّارَ. قَالَ ثُمَّ أَتَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ -قَالَ- ثُمَّ أَتَيْتُ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ -قَالَ- ثُمَّ أَتَيْتُ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَحَدَّثَنِى عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- مِثْلَ ذَلِكَ.
و. ابتعد عن النزاع في القدر.
ففي سنن الترمذي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نتنازع في القدر فغضب حتى أحمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجنتيه الرمان فقال أبهذا أمرتم أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك مَنْ كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر عزمتُ عليكم عزمتُ عليكم ألا تتنازعوا فيه
المسألة الرابعة
اعلم أن من القدر ما هو خيرٌ ومنه ما هو شرٌ.
وفي الحديث: (وأن تؤمن بالقدر خيره وشره).
فيا أيها المسلم:
1) اجتهد في عمل الخير واحرص على فعله مما ينفعك في الدنيا والآخرة.
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز) الحديث.
2) اعلم أن كل ما قدَّرهُ الله عليك أيها المؤمن من السَّراء والضَّراء فهو خيرٌ لك.
وفي صحيح مسلم - (عَنْ صُهَيْبٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلاَّ لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ»، فيجب عليك أن تشكر الله على السَّراء من النِّعم التي انعم بها اللهُ عليك وهي نعم كثيرة لا تُعد ولا تُحصى وقد قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها).
3) كن دائم الشكر لله على نعمه واعلم أن ثمرة شكر الله على نعمه أنه يزيدك منها.
كما قال تعالى: (لئن شكرتم لأزيدنكم).
4) اعلم أن ما قدَّره الله لك من النِّعم إنما هو ابتلاء واختبار فاجتهد أن تنجح في هذا الاختبار.
بحيث تجعلها في طاعة الله لا في معاصيه واجعل هذه الآية نصب عينيك وهي قوله تعالى: (ليبلوني أأشكر أم أكفر).
5) إذا أصابك شيء من العقوبة من الله عز وجل فإن ذلك مما أراد الله بك من الخير فاصبر واحتسب أجرك على الله.
وفي حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا) الحديث رواه الترمذي والحاكم.
6) إذا هممت بالأمر فصل صلاة الاستخارة واسأل الله فيها أن يقدر لك الخير حيث كان وأن يصرف عنك الشر.
وفي حديث جابر -رضي الله عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: (إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: "اللهم إني استخير بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فانك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خيرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري...)الحديث رواه البخاري.
7) لا تتكل على مجرد القدر ولكن اسأل الله الخير.
وفي حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم إني أسألك الخير كله ما علمت منه وما لم أعلم) رواه الطبراني, واعلم أن الخير في يدي الله فهو الذي يملكه فألح على الله في سؤاله.
وفي حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أن الله تعالى يقول: (يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك...) رواه الشيخان.
اجتهد أن تكون مفاتيح الخير على يديك وابذل الأسباب في ذلك.
ففي حديث أنس -رضي الله عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: (فطوبى لمَنْ جعل الله مفاتيح الخير على يديه) رواه ابن ماجة "حسن".
9) كن متحريًا للخير باذلاً الأسباب في الحصول عليه.
وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: (ومَن يتحر الخير يعطه) الحديث أخرجه الدار قطني في الأفراد "حسن".
10) حِبَ لأخيك من الخير ما تُحبُ لنفسك.
وفي حديث انس -رضي الله عنه- أنه صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يُحب لأخيه ما يُحب لنفسه من الخير) "صحيح" اهتم بهذا الحديث.
يتبع إن شاء الله...