الدرس الرابع
كنا وصلنا في (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم) للشيخ الألباني حفظه الله تعالي إلى أدوات الاستفتاح.
نقول في دعاء الاستفتاح أنه بعد ما يكبر يستفتح لبعض الأدعية قبل أن يقرأ فاتحة الكتاب .
قال الشيخ حفظه الله: ثم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفتح القراءة بأدعية كثيرة متنوعة يحمد الله تعالي فيها ويمجده ويثني عليه ، وقد أمر بذلك المسيء صلاته ، ونحن كنا قد عرفنا قبل ذلك بالمسيء صلاته ، الرجل الذي أساء الصلاة فعلمه النبي -صلى الله عليه وسلم- كيف يصلي فصار هذا الحديث معروفًا عند العلماء بحديث المسيء صلاته ، وقد أمر بذلك المسيء صلاته فقال له: « لا تتم صلاة لأحدٍ من الناس حتى يكبر ويحمد الله تعالى ويثني عليه ويقرأ بما تيسر من القرءان... » فكان يقرأ تارةً بهذا وتارةً بهذا ، أي أدعية الاستفتاح فيها تنويع.
أي يمكن أن تختار واحدًا من الأدعية الآتية:
1- فكان يقول : « اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد » وهذا أحد أدعية الاستفتاح يشرع قبل أن يصلي فيسأل الله -تبارك وتعالى- أن يطهره من ذنوبه.
ونحن قلنا في الخطبة أن أخطر ما يهدد الإنسان الذنب والعبد الملوث الذي دخل الصلاة ملوثًا إنما أراد أن يغسل نفسه ويخرج بريئًا من ذنبه، فيكون معروف ما الذي تطلبه.
من المفاهيم الخاطئة:
بعض الناس أخطأوا في فهم هذه المسألة وقالوا: لا أنت بذلك تكون أُجَرِي -وأُجَرِي- أي تصلي لهدف ، ولا تقبل الصلاة منك إلا إذا كانت عارية من كل شيء إلا وجه الله ، لكي تجرد الإخلاص ، فنحن نقول له لا تعارض ، لاسيما والنبي -صلى الله عليه وسلم- هو الذي علمنا ذلك ، واحد مرة النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله ماذا تقول في صلاتك ؟ قال: أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ ، أنتم تتكلمون, كلام كثير أنا لا أعرفه ، وأنا لا أحسنه ، لكني أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار ، هذا الذي أعمله, فقال -صلى الله عليه وسلم-: « حولها ندندن » كل كلامنا الذي تسمعه ,خشية النار ورغبةً في الجنة « اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب » ، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حصر الأدعية كلها في طلب الجنة والاستعاذة من النار.
ماينسب لرابعة العدوية وهي بريئة منه: أنها كانت تقول الكلمة الشهيرة التي تعرفونها جميعًا: ( اللهم إن كنت أعبدك طمعًا في جنتك فاحرمني من جنتك ، وإن كنت أعبدك خوفًا من نارك فأحرقني بنارك ، وإن كنت أعبدك طمعًا في وجهك فلا تحرمني من وجهك ) هذا الكلام خطأ ، حتى وإن صح أنه صدر من رابعة العدوية ، لماذا؟ لأنها لن ترى وجه الله إلا إذا دخلت الجنة ، فكيف تقول: ( إن عبدتك لجنتك فاحرمني منه ) .
فلما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: « حولها ندندن » أي كل دعائنا هذا كله,خشية النار ورغبةً في الجنة فلا يأتي واحد أيًا كان القائل يقول: أنا لا أسأله الاستعاذة من النار ولا أسأله الجنة ،هذا رد للرأي الفاسد في نحر النص ، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول أن كل كلامي عن الجنة والنار،فيرمى بكلامه به في الحش, ماله قيمة ، لأن حجتنا هو كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-.
النبيr لما يقول: « حولها ندندن » فأنت لو تأملت كل أدعية النبي -صلى الله عليه وسلم- وجدتها تدور حول الجنة والنار .
العلاقة بين الإستعاذه من الفقر والجنة والنار:
فلما كان يستعيذ بالله من الفقر فما علاقة هذا بالنار والجنة ؟ قال: لأن الإنسان الذي في فقر مدقع لا يعبد الله... دائمًا جائع ودائمًا يفكر في جمع الأموال ويفكر في التوسعة وماذا يأكل؟ وماذا يشرب؟ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « إن العبد ليدخل في الصلاة يأخذ خمسها ، سدسها ، ثمنها عشرها ، نصفها » كل واحد يدخل الصلاة ويخرج بنتيجة ، فهذا لو خرج بخمس صلاته ، فما حال الأربع أخماس المتبقية , سيحاسب عليهم ، أي أن هذا العمل لا يوصله ، ستجد أن أدعية النبي-صلى الله عليه وسلم- بطريق مباشر أو غير مباشر إنما هي تصب إما ناحية الاستعاذة من النار وإما ناحية طلب الجنة من الله .
أدعية الاستفتاح هي أعظم الأركان العملية في الصلاة :
تبدأ الاستفتاح وتقول يا ربي أنا العبد الملوث المذنب لا حول لي ولا قوة وأنت الرب الغفور المتفضل ، هذه هي بدايتك ، فتكون داخلا للصلاة, وأنت خاشع ذليل فالصلاة لا يصلح فيها إلا الذل، لذلك نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- المسلم وهو واقف في الصلاة أن يرفع بصره في السماء ، لماذا ترفع بصرك ؟ لماذا ترفع أنفك ؟ ورفع البصر يحتاج إلى ارتفاع الأنف أيضًا ، فلماذا ترفع, عزيز أم ليس لك ذنب ؟.
لذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « ليوشكن أقوامٌ يرفعون أبصارهم إلى السماء أن تخطف أبصارهم » ، هناك بعض الناس الذين يشغبون على السنة يأتي على الأحاديث التي مثل هذه ويقولون لقد رأينا أناس كثيرة يرفعون أبصارهم إلى السماء ولم يعمى منهم أحد، ونحن نقول هذه إحصائية لا يعلمها إلا رب العالمين .
مما نقله النووي بسند صحيح:
أنه كان هناك رجل, يسير مع أصحاب الحديث وهم يطلبون الحديث ، فذات مرة أحد أصحاب الحديث يرغب أهل الحديث في الطلب وأن يصبروا على طلب العلم وعلى السفر على أرجلهم وهكذا فقال: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضىً بما يطلب» سمع هاتين الكلمتين وأتي بقبقاب وجعله كله مسامير من أسفل، فقالوا له لماذا تفعل ذلك ؟ فقال حتى أخرق أجنحة الملائكة ، ألم تقولوا: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم» قال: فربط أي شل وهو واقف ، وهذه القصة إسنادها صحيح والذين رووا هذه القصة كلهم أئمة ، الذين رووا هذه القصة أئمة ، هذا صحيح .
وروي النووي هذه الحكاية أيضًا:
أن أحد الناس سمع قول النبي -صلى الله عليه وسلم- « إذا استيقظ أحدكم من منامه فلا يغمس يده في وضوءه حتى يغسلها ثلاثًا فإنه لا يدري أين باتت يده » فعندما سمع هذا الحديث, فقال: يدي بجانبي، قال فاستيقظ فإذا يده محشورة في دبره, فانظر إلى الاستهزاء .
النبي -صلى الله عليه وسلم- ذات مرة رأي رجلًا يأكل بشماله فقال له: « كل بيمينك قال: لا أستطيع ، قال له: لا استطعت فشلت يده ، دعا عليه ، قال -صلى الله عليه وسلم- ما منعه إلا الكبر» لذلك شلت يده على الفور ، وهذا الحديث في الصحيحين .
الأصل في الصلاة الذل والخشوع:
عندما تدخل فيها, تدخل ذليل وخاشع وتعرف أن الذنوب تحيط بك, وأنك مأوى كل سوء وأنك ظلوم جهول، وأصل بني آدم هكذا ﴿إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولا﴾ (الأحزاب:72) ، كلماحصلت من علوم النبوة كلما قل ظلمك وجهلك، كلما بعدت عن علوم النبوة كلما بقيت على الأصل فالمطلوب حتى يقل الظلم والجهل أن الإنسان يقترب من علوم النبوة كل ما يحصل يوم من العلم يتخلص من بعض المظالم ومن بعض الجهل .
فتكون داخلا للصلاة وأنت فاقد للحول والقوة وذليل وتتمنى أن يرضى عنك ربك ويتفضل عليك وتدعوا بأقصى ما تستطيع ، ولكي تصل فعليك أن تلتزم بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- .
أهمية الإلتزام بدعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-, لأنه:
أولًا: أوتي جوامع الكلم ، فأنت لا يمكن أن تحصله أبدًا .
ثانيًا: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يدعوا الله إلا بما يحبه الله وعلمه، كل الدعاء الذي دعا به ربنا, مقبول الصيغة، والصيغة مانعة وجامعة وأوتي جوامع الكلم، فأنت لا ترغب عن دعائه وتأتي بدعاء لنفسك، نحن لا نقول أن دعاءك لنفسك , لا يجوز لا ، بل يجوز .
النبي -صلى الله عليه وسلم- لما ذكر الدعاء في السجود قال: « وليتخير من الدعاء أعجبه » وقال -صلى الله عليه وسلم-: « وليدعوا لنفسه بما شاء » ، أحيانًا تحتاج دعاء خاص يارب نجح ولدي يارب نجني من المحكمة اليوم ، يارب مثلًا نجني من الكمين ، فأنت تريد دعاء مخصوص، فلا مانع أنك تدعوا به بجوار دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- .
لكن لا تستقل بنفسك وتكون أنت الذي تؤلف لنفسك ، لا، وأنت ترى أول دعاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- كيف أنه دعاء جامع مانع .
يقول:« اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب »، أنظر في الآخرة لما أصحاب السوء يلتقون مع بعض فيقول النادم ولات حين مندم ، ولات حين مناص، ﴿ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ﴾ (الزخرف: 38) ، فليس هناك أبعد من المشرقين ، فلما يباعد الله- تبارك وتعالى- ما بينك وبين ذنبك بعد المشرق من المغرب فلا يلحقك الذنب أبدًا .
« اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس » ، أي يلقى الله طاهر مطهر، أنظر الثوب الأبيض الذي يظهر فيه أدني دنس، يقول اجعلني كالثوب الأبيض لا تدنسني أدني سيئة ، عوف بن مالك ذات مرة سمع النبي يدعوا بهذا الدعاء على ميت قال: ( يا ليتني ذلك الميت ) لحلاوة الدعاء وأنه جامع .
يقول: «اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد» أليس هذا كله أصله ماء ، فما الفرق بينهم لكي يكررهم هكذا؟، لأنه لو كررهم الثلاثة فيكون كل لفظ يؤدي معنى، «اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد» الثلج مما صنعت يداك، فنحن هكذا نعرف أن من تكفير الذنوب والخطايا أن تصنع يداك للناس، أن تعمل المعروف وتحسن وتتصدق هذا فيما بينك وبين البشر وما بين العباد والماء نازل من السماء, هذا هبه .
ربنا تبارك وتعالى يُكفر الذنب إما تفضلًا وابتداءًا منه كما ينزل الماء من السماء تفضلًا منه ليس بكسب أحد وإما بكسب يديه مثلما الثلج من كسب يديه .
فالعبد إما تنحط خطاياه إما بتفضل,من المولى تبارك وتعالى كما في حديث أبي موسى وحديث بن عمر قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: « إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم كما بين صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس » .
النبي -صلى الله عليه وسلم- يمثل هذه الأمة مع الأمم السابقة بهذا المثال : فنحن واليهود والنصارى لأن هؤلاء هم الأمم السابقة كمثل رجل استأجر أجراء علي عمل معين من الصبح إلى المغرب بمبلغ معين ، فوافقوا، وأحيانًا الواحد يوافق ويفاجيء أن العمل لا يقدر عليه إلا عتل زنيم يحتاج إلى فتوة ويكتشف أنه ورط نفسه وأن الأجر قليل ولابد أن ترفع الأجر قليلًا .
فأوتي أهل التوراة التوراة:
ربنا تبارك وتعالى أنزل التوراة علي اليهود, فعملوا مثل هؤلاء الأجراء حتى نصف النهار ثم وجد قلبه سينقطع وظهره ولا يستطيع أن يكمل فقال: أنا سآخذ المبلغ المتفق عليه, وسأستلف عليها مبلغًا آخر وأحضر بالجميع الدواء مثلا، ثم ترك العمل المتفق عليه, واستغني عن الاجر وهو يعمل من الفجر حتى آذان الظهر.
ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل:
هذا الرجل أتى بجماعة عمال وقال لهم تعملون لي من الظهر حتى المغرب بعشرة جنيه ، فعملوا حتى العصر , ولم يقدروا, فقالوا: لا نقدر ولا نريد شيء منك ولكن اعتقنا لوجه الله ، فذهبوا وتركوا أجورهم ثم ذهب وأتى ببعض العمال الذين هم (وأوتينا القرءان) ، أتى ببعض العمال فقال لهم اعملوا لي من العصر حتى المغرب وسأعطيكم عشرة جنيهات فقالوا: موافقوان ، فعملوا من العصر حتى المغرب وأعطاهم العشرة جنيهات .
يتبع إن شاء الله...