منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الرابع عشر: الصهيونية الإقليمية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الرابع عشر: الصهيونية الإقليمية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الرابع عشر: الصهيونية الإقليمية    الباب الرابع عشر: الصهيونية الإقليمية  Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 2:08 am

الباب الرابع عشر: الصهيونية الإقليمية 
محـــاولات تضييـق نطــاق المشروع الصهيـونى 
Attempts at Setting Limits to the Zionise Project 
في باب سابق بيَّنا أن ثمة صراعاً أساسياً بين شرق أوربا (يهود اليديشية والفائض البشري) وغربها (اليهود المندمجون). ومع تدفُّق يهود اليديشية على وسط وغرب أوربا، ظهر المشروع الصهيوني لتحويل سيل الهجرة، ثم ترجم الصراع نفسه إلى الصهيونيتين: الاستيطانية والتوطينية. والصهيونية التوطينية شكل من أشكال التملص من الصهيونية عن طريق تضييق نطاقها بحيث تصبح مجرد دعم الدولة الصهيونية سياسياً واقتصادياً دون الاستيطان في فلسطين. 
والصهيونية التوطينية لم تكن المحاولة الوحيدة لتضييق نطاق الصهيونية، فهناك محاولتان أخريان: كانت الأولى تهدف إلى الإسراع بعملية تخليص أوربا من فائضها اليهودي عن طريق توطينهم في أي أرض، دون أي اعتبار للديباجات الصهيونية. أما الثانية فكانت تهدف إلى تخفيف حدة المواجهة مع السكان الأصليين عن طريق تأسيس دولة ثنائية القومية. ويُلاحَظ أن محاولات تضييق نطاق الصهيونية كان يعني التخلي عن بعض عناصر الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة. 
الصهيونية الإقليمية Territorial Zionism 
»الصهيونية الإقليمية» ضرب من ضروب الصيغة الصهيونية الأساسية قبل أن تتحوَّل إلى الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة وقبل أن تدخلها أية ديباجات إثنية أو دينية أو أيديولوجية، فهي تذهب إلى ضرورة تهجير الفائض البشري اليهودي في أوربا إلى أي مكان في العالم حلاًّ للمسألة اليهودية، فهي إذن شكل من أشكال الصهيونية التوطينية. وكان الصهاينة الإقليميون يرون اليهود عنصراً استيطانياً أبيض يُوطَّن في أي مكان، وكانوا يرون المشروع الصهيوني مشروعاً غربياً تماماً وجزءاً لا يتجزأ من التشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي الذي يرمي إلى خلق مناطق نفوذ غربية في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية يَبسُط من خلالها سيطرته الكاملة على العالم، كما يرمي إلى خلق بقع استيطانية تستوعب الفائض البشري اليهودي. 
وكان العنصر الحاسم في اختيار هذا المكان أو ذاك هو مدى أهميته في سياق المصالح الاستعمارية للدولة الراعية للمشروع التوطيني. ولذا، فإنهم لم يطالبوا بدولة يهودية مستقلة ذات سيادة، وتركوا هذه النقطة لتقررها الدولة الراعية التي ستقوم بعملية نقل الفائض البشري. لكل هذا، كان الصهاينة الإقليميون لا يرون ضرورة تحتم إنشاء هذا الجيب الاستيطاني اليهودي في فلسطين، بل إن بعضهم كان يشير إلى أن فلسطين بالذات غير مناسبة بسبب وجود العرب فيها. 
وقد كان دعاة المشاريع المختلفة لتوطين اليهود خارج أوربا على وعي تام باستحالة تحقيق أيٍّ من هذه المشاريع إلا إذا حظي برعاية قوة استعمارية كبرى تجد فيه فرصتها لتحقيق مصالحها الاستعمارية بشكل أو آخر، ومن ثم كان هؤلاء الدعاة يحرصون على السعي لدى هذه القوة العظمى أو تلك لضمان أن يتم المشروع التوطيني بموافقتها وتحت رعايتها، ولم يكن يعنيهم في كثير أو قليل أن يحظى المشروع بموافقة أعضاء الجماعات اليهودية (المادة البشرية المُستهدَفة) ممن كان يُرجَى توطينهم. 
ودعاة الصهيونية الإقليمية التوطينية، من أمثال دي هيرش وترييتش وزانجويل وأضرابهم، هم في الغالب من اليهود غير اليهود الذين فَقَدوا هويتهم الدينية والإثنية. ولذا، فإنهم لم يعودوا يشعرون بأي ضرورة لمسألة الحفاظ على ما يُسمَّى «الإثنية اليهودية». كما أن يهود الغرب بينهم كانوا يرغبون في تحويل سيل الهجرة اليهودية من بولندا وروسيا بشكل فوري لأي مكان لأنه يهز مواقعهم الطبقية ومكانتهم الاجتماعية الجديدة ويهدد وجودهم كجزء من النخب المتميِّزة اقتصادياً وسياسياً وحضارياً في مجتمعاتهم الأوربية. 
وإصرار هؤلاء الصهاينة على بقعة ما دون غيرها كان دائماً في إطار محاولتهم تأكيد ولائهم لأوطانهم ولمصالحه الاستعمارية. فزانجويل البريطاني (صاحب مشروع شرق أفريقيا)، كان يدافع في واقع الأمر عن المصالح الإمبريالية الإنجليزية التي كانت تبحث عن مواطنين بيض لتوطينهم في جزء من الإمبراطورية. ولقد انصرف اهتمام زانجويل والإقليميين عن فلسطين لأن بريطانيا كانت قد احتلت مصر في مطلع القرن العشرين، ولم تكن تستطيع في ظروف التوازن الدولي الدقيق أن تخطط للاستيلاء على فلسطين، فكان اهتمامها بالمنظمة الصهيونية قائماً على رغبتها في تسخيرها لتنظيم استيطان استعماري في بعض أنحاء الإمبراطورية وحسب. ولكن بتغيُّر الأوضاع في العالم إبان الحرب العالمية الأولى، وسنوح فرصة تقسيم ممتلكات الإمبراطورية العثمانية، وقيام الثورة العربية التي هددت المصالح الإمبريالية البريطانية، بُعث مشروع توطين اليهود في فلسطين ومُنح وايزمان وعد بلفور، وتَحوَّل الإقليميون عن موقفهم وعادوا إلى صفوف المنظمة الصهيونية بعد أن كانوا قد انسحبوا منها في المؤتمر الصهيوني السابع (1905) بعد أن أصبحت مصالحها متفقة مع مصالح الإمبريالية البريطانية. 
ومن الأمور الجديرة بالذكر أن بنسكر في كتابه الانعتاق الذاتي وهرتزل في كتاب دولة اليهود لم يتقيدا ببقعة معينة لإقامة الدولة المقترحة. ويظهر في يوميات هرتزل أنه لم يكن يتحمس كثيراً في أواخر حياته لفكرة الدولة اليهودية في فلسطين، خشية أن يثير هذا المكان، المشحون بالدلالات الدينية والتاريخية، رغبة لدى المستوطنين في العودة إلى صُوَر الحياة اليهودية التقليدية التي كانت موضع ازدراء من جانب هرتزل، وهو الأمر الذي قد يبتعد بهم عن أساليب الحياة العلمانية "الحديثة". 
مشـاريع صهيونيـة اسـتيطانية خـارج فلســطين 
Zionist Settlement Projects outside Palestine 
ظهرت مشروعات عديدة لتوطين اليهود خارج فلسطين، وقد ظهرت هذه المشاريع مع التشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي. وكان أول المشاريع التوطينية هو مشروع نونيزدا فونسيكا عام 1625 لتأسيس مستعمرة يهودية في كوراساو، وقد وافق مجلس هولندا على المشروع. وتم توطين اليهود في سورينام في إطار مماثل، وقد نجحوا في تكوين جيب استيطاني شبه مستقل قضى عليه الثوار من السود والسكان الأصليين. وفي عام 1659، منحت شركة الهند الغربية (الفرنسية) تصريحاً لديفيد ناسي لتأسيس مستعمرة يهودية في كايين. وفي عام 1790، اقترح كاتب بولندي توطين اليهود في أوكرانيا (التابعة لبولندا ـ وكان هذا أحد المطالب الأساسية للحركة الفرانكية). وفي عام 1815، قدَّم القس البولندي شاتوفسكي اقتراحاً بأن يُوطَّن اليهود في جيب يهودي صغير في آسيا الصغرى يكون قاعدة للدولة الروسية ضد الخلافة العثمانية. 
وظهرت مشروعات توطينية أخرى في الولايات المتحدة من أهمها مشروع موردكاي نواه المعروف بمشروع جبل أرارات (1826). وهناك مشروعات صهيونية إقليمية كثيرة مثل مشروع العريش وقبرص ومدين وأنجولا وموزمبيق والكونغو والأحساء والأرجنتين، ولكن أهمها كان مشروع شرق أفريقيا الذي كان يهدف إلى إنشاء محمية إنجليزية يهودية في شرق أفريقيا كان من المفترض أن تكون تابعة تماماً، على مستوى الأيديولوجية والديباجة، اسماً وفعلاً، للإمبراطورية البريطانية. 
وقد ظهرت جماعات صهيونية إقليمية أخرى، منها جماعة قامت في ألمانيا للاستيطان في الجزء البرتغالي من أنجولا عام 1931، ولكن المشروع فشل لأن الحكومة البرتغالية لم توافق عليه. وقد قُدِّم اقتراح في مؤتمر إفيان (1938) لتوطين 100 ألف يهودي في جمهورية الدومينكان، ولكن الصهاينة أجهضوا العملية بعد البدء فيها بالفعل. ويمكن أن نضع مشروع بيرو بيجان السوفييتي في هذا الإطار. وقد كان للنازيين في ألمانيا والفاشيين في إيطاليا مشاريعهم التوطينية خارج فلسطين. كما قامت جمعية أخرى في نيويورك وظلت باقية حتى بعد إنشاء الدولة، وذلك لأنها لم تجرؤ على أن تترك مستقبل "الشعب اليهودي" متوقفاً على إسرائيل وحدها وذلك بسبب صغر مساحتها وموقف جيرانها المعادي منها. ولا توجد بطبيعة الحال أحزاب صهيونية إقليمية في إسرائيل. وقد أصبح مصطلح «تيريتوريال زايونيزم Territorial Zionism» يعني في الوقت الحاضر «صهيونية الأراضي»، وهي صهيونية من يرفض الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة بعد عام 1967، ويرفض مقايضة السلام بالأرض. 
مشروع شرق أفريقيا East Africa Project 
يُعرَف «مشروع شرق أفريقيا» أيضاً باسم «مشروع أوغندا» وهو الاسم الذي يُطلَق عادةً على الاقتراح الذي تقدمت به الحكومة البريطانية عام 1903 لليهود لتنشئ لهم مقاطعة صهيونية في شرق أفريقيا البريطانية (كينيا الآن، وليس أوغندا كما هو شائع) في هضبة وعرة مساحتها 18 ألف ميل مربع ليست صالحة للزراعة. 
ويبدو أن الخطأ في التسمية يعود إلى أن تشامبرلين، أشار أثناء حديثه عن المشروع مع هرتزل إلى سكة حديد أوغندا، فتَصوَّر هرتزل أن أوغندا هي الموقع المقترح للاستيطان. وقد تقدَّمت الحكومة البريطانية بالاقتراح في وقت تزايد فيه النشاط الاستعماري الألماني والإيطالي، وكان الخط الحديدي الذي يربط الساحل الأفريقي وبحيرة فيكتوريا على وشك الانتهاء، وفي وقت تزايدت فيه هجرة يهود اليديشية إلى إنجلترا. ومن ثم، سنحت الفرصة لوضع الصيغة الصهيونية الأساسية موضع التنفيذ بتحويل المهاجرين إلى مادة استيطانية تُوطَّن داخل محمية إنجليزية تقوم بحماية الموقع الإستراتيجي الجديد. وقد عرض البريطانيون شرق أفريقيا لا فلسطين، مكاناً للاستيطان، لأن الدولة العثمانية كانت حليفة لبريطانيا التي قررت الحفاظ على وحدة الدولة العثمانية لتقف ضد الزحف الروسي، أي أن تقسيم الدولة العثمانية لم يكن قد تقرَّر بعد. وقد كان المفترض أن تكون المقاطعة محمية خاضعة للتاج البريطاني يحكمها حاكم يهودي، وكانت ستُسمَّى «فلسطين الجديدة». وقد أعد مكتب لويد جورج براءة الشركة التي ستقوم بتنمية المنطقة. وكان هرتزل من بين الموافقين على المشروع، كما أيده نوردو الذي وصـف المشـروع بأنه "ملجـأ ليلي"، وتزعَّم إسرائيل زانجويل الحركة. 
وقد كتبت مجلة جويش كرونيكل في ذلك الوقت أن المشروع كان يحظى بتأييد اليهود الروس بدرجة تفوق كثيراً تأييد قيادتهم الصهيونية له، كما يُلاحَظ أن المستوطنين الصهاينة في فلسطين كانوا من أشد المتحمسين للمشروع. ولكن المندوبين الروس عارضوا المشروع بشدة حينما عُرض على المؤتمر الصهيوني السادس (1903)، وكان من المعارضين أيضاً وايزمان وأوسيشكين. وقد سُمِّي المعارضون «صهاينة صهيون» لإصرارهم على تشييد الدولة الصهيونية في صهيون نفسها، أي فلسطين. 
وقد أيَّد اليهود الأرثوذكس المشروع لأن العودة إلى فلسطين شكل من أشكال الهرطقة. وعلى عكس ما يرد دائماً في المصادر والمراجع الصهيونية، وافق المؤتمر في نهاية الأمر على الاقتراح بأغلبية 295 مؤيداً مقابل 178 معارضاً، وامتنع 143 عن التصويت، فأحدث ذلك صدعاً في الحركة الصهيونية، وحاول شاب يهودي اغتيال نوردو "الشرق أفريقي" في باريس. 
وقد تشكَّلت لجنة استطلاعية مُكوَّنة من بريطاني مسيحي ومهندس روسي وصحفي سويسري (اعتنق الإسلام فيما بعد). وحينما وصلت اللجنة ضللهم المستوطنون البيض وزودوهم بمعلومات خاطئة، ووجهوهم إلى أراض غير صالحة، ولذا فقد كان تقرير اللجنة غير إيجابي. وقد حُسم الصراع بأن سحبت الحكومة البريطانية اقتراحها في العام نفسه بسبب معارضة المستوطنين البريطانيين في شرق أفريقيا، فقد أرسلوا عدة رسائل إلى الصحف والمجلات البريطانية، من بينها برقية اتحاد المزارعين وملاك البساتين، وأخرى من لجنة المستوطنين في نيروبي، وعريضة من أسقف مومباسا، يحتجون فيها على إدخال اليهود الأجانب "منحطي المنزلة" الذين سيكون لهم أثر سيئ من الناحية الأخلاقية والدينية والسياسية على القبائل الأفريقية! 
وقد قام خبراء الشئون الأفريقية (وعلى رأسهم السير هاري جونسون) بشن حملة ضد المشروع، مبينين أن هذه الأرض ثمينة مُدَّت عليها سكة حديدية. وقد تَطوَّع بعض معارضي المشروع بالإشارة إلى فلسطين كمكان منطقي للاستيطان اليهودي! ومما هو جدير بالذكر أن بعض اليهود الاندماجيين في بريطانيا عارضوا المشروع أيضاً بسبب دلالته السياسية وبسبب تأكيده مقولة ازدواج الولاء. وحينما انعقد المؤتمر الصهيوني السابع (1905)، رفضت كل مشروعات التوطين خارج فلسطين، فانشق زانجويل (ومعه أربعون مندوباً)، وأسَّس الحركة الصهيونية الإقليمية. 
ويُعَدُّ مشروع شرق أفريقيا أول بلورة للمشكلة التي تواجهها الجماعات اليهودية في علاقتها بالصهاينة وهو ما يمكن صياغته في الأسئلة التالية: هل أُسِّست الدولة الصهيونية لخدمة اليهود أم أن اليهود في كل مكان هم الذين يجب وضعهم في خدمة الدولة؟ هل الصهيونية بالفعل حركة إنقاذ ليهود أوربا وغيرهم أم رؤية أيديولوجية لا علاقة لها بإغاثة اليهود أو إنقاذهم؟ فبينما كانت القاعدة الصهيونية نفسها في شرق أوربا، بل المستوطنون الصهاينة أنفسهم في فلسطين، يؤيدون مشروع أفريقيا، كانت أقلية من الصهاينة تُصر على فلسطين دون غيرها لاعتبارات عقائدية إثنية. 
وتشير التواريخ الصهيونية أن مشروع شرق أفريقيا فيه اعتراف ضمني بالهوية المستقلة للشعب اليهودي وأن المشروع كان سيؤدي إلى إنشاء دولة يهودية. ولكن هذه النقطة لم تكن موضع جدال على الإطلاق. وقد جاء في مسودة اتفاقية مشروع الاستعمار اليهودي المقدمة من قبَل الصهاينة صياغات غامضة قد يُفهَم منها أن المقصود إنشاء دولة يهودية، فكتب أحد موظفي وزارة الخارجية البريطانية على هامش المادة المقدمة: "إذا تَملَّك اليهود المنطقة فسيعني ذلك عملياً إعطاءهم حكماً ذاتياً محلياً كاملاً بشرط أن يبقى تحت سيطرة التاج البريطاني تماماً". 
كما أشار وزير الخارجية البريطاني إلى أن انتخاب رئيس بلدية يهودي لكل مدينة هو أقصى ما يمكن إجراؤه. ولم تذكر المذكرة أي شيء عن منح الجنسية البريطانية لسكان هذه المقاطعة إذ يبدو أن وزارة الخارجية كانت قلقة من أن يستغلها اليهود الروس الذين سيستوطنون شرق أفريقيا كنقطة انطلاق وحسب، يقفزون منها وبواسطتها إلى بريطانيا بجوازات سفر بريطانية يحصلون عليها في المستعمرة. وقد حدَّد زانجويل بوضوح شديد الطبيعة الحقيقية لمشروع شرق أفريقيا بقوله: "إن الاستيطان الصهيوني في شرق أفريقيا سيكون وسيلة لمضاعفة عدد السكان البيض التابعين لبريطانيا هناك". 
صهاينة صهيون Zionei Zion 
»صهاينة صهيون» اصطلاح يُستخدَم للإشارة للصهاينة الذين رفضوا مشروع شرق أفريقيا وأصروا على فلسطين (صهيون) باعتبار استحالة وجود صهيونية خارج صهيون. 
جوزيــف تشـامبرلين (1836-1914) Joseph Chamberlain 
رجل سياسة بريطاني، والمُنظِّر الحقيقي لمشروع شرق أفريقيا، ومن ثم فهو صاحب أول وعد بلفوري محدد. والواقع أن جوزيف تشامبرلين هو الذي اختار لنفسه منصب وزير المستعمرات عام 1895 وظـل فيه حتى عام 1903، فكانـت أطول مـدة لأي وزير في هـذا المنصـب. وقد كان جوزيف تشامبرلين يتميَّز بسعة الخيال والقدرة على الابتكار، وقد حاول أن يُخرج إنجلترا من عزلتها الدبلوماسية وأن يُقوِّي الإمبراطورية بحيث تصبح مهيمنة كقوة، وأن يزيد نفوذها تجاه القوى العظمى الأخرى. ولذا، مدَّ السكك الحديدية، وحاول إقامة الزراعة في المستعمرات على أساس علمي، ونظَّم إدارة الإمبراطورية، واتجه نحو زيادة العنصر البشري الغربي بسبب ما تَصوَّره من التفوق العرْقي عند الغربيين. 
وكان تشامبرلين عنصرياً حتى النخاع، يؤمن بالنظرية الداروينية (مثل معظم أعضاء النخبة السياسية في العالم الغربي في أواخر القرن التاسع عشر). فكان مؤمناً بأهمية العرْق، وبأنه يُحدِّد السمات الأساسية للحضارات (أي أنه كان يؤمن بالقومية العضـوية)، ولــذا فقـد كان يــرى ضــرورة وضع السـياسة الخارجية على أُسس عرْقية علمية واضحة، وأن تستند إليها التحالفات. 
كانت رؤية تشامبرلين للعرْق هرمية. وعلى قمة الهرم كان يتربع الأنجلوـ ساكسون (الإنجليز والأمريكان)، يليهم التيوتون، أما اليهود فكانوا بطبيعة الحال في قاع الهرم. ومع هذا، كان تشامبرلين يرى أن بعض الأجنـاس الدنيئـة أقل دناءة من غيرها. فالهنود، على سبيل المثال، من الأجناس الدنيئة، ولكنهم أقل دناءة من السود، ولذا يمكن تطوير الزنوج وإدخال الحضارة بينهم عن طريق عنصر أجنبي وسيط، ومن ثم تستفيد الأطراف كافة، إذ يستفيد الغرب ويستفيد الوسيط الهندي، بل يستفيد المواطن الأصلي الأسود نفسه! كما لاحَظ تشامبرلين أن الجو لم يكن مواتياً في كثير من المستعمرات لاستخدام الإنسان الأبيض في بناء السكك الحديدية، ولذا تم استخدام الهنود كمادة بشرية وظيفية في بنائها. وأخيراً، لاحَظ تشامبرلين أن العنصر الأوربي غير الإنجليزي قد لا يكون مطيعاً بالقدر الكافي ولا يمكن أن ينضوي تحت لواء الإمبراطورية البريطانية كما فعل الأفريكانز (المسـتوطنون البيـض من أصل هولندي في جنوب أفريقيا). وكان الوضع، من منظور العنصر البشري الغربي، سيئاً جداً، ولذا اكتشف تشامبرلين أن اليهود قد يكونون العنصر الذي يحل محل الهنود في عملية الاستيطان كعنصر وسيط، فهم عنصر أوربي ولكنهم لا يسببون القلاقل مثل الأفريكانز. 
وفي عام 1902، دُعي هرتزل ليدلي بشهادته أمام اللجنة البريطانية للغرباء التي أُنشئت للنظر في مشكلة هجرة يهود اليديشية إلى إنجلترا. فاقترح تحويل الهجرة إلى وطن يهودي مُعترَف به قانوناً، وكان الشاهد الوحيد الذي قدَّم حلاًّ صهيونياً للمشكلة، وقد ترك ذلك أثراً عميقاً في السامعين. وبعد عدة أشهر دُعي هرتزل لمقابلة تشامبرلين الذي استمع لوجهة نظره وأدرك إمكانية توظيف الشعب العضوي المنبوذ في المشاريع السياسية والإقليمية الخارجية للحكومة البريطانية، وطرح عليهم كلاًّ من قبرص والعريش. 
ولم يكن اسم هرتزل معروفاً، فقابل لورد لاندسدون الذي كتب تقريراً عن مشروع العريش الذي اقترحه هرتزل باعتبارها البقعة التي يمكن أن "يُلقى فيها" بيهود أوديسا والإيست إند في لندن، ولكن كرومر رفض المشروع. زار تشامبرلين أفريقيا عام 1902، ثم استقبل هرتزل مرة أخرى وعرض عليه إنشاء مُستوطَن يهودي مستقل في شرق أفريقيا، وقد تم ذلك بموافقة بلفور الذي كان رئيساً للوزراء آنذاك والذي سُمِّي وعد بلفور باسمه. 
إسرائيل زانجويل (1864-1926) Israel Zangwill 
روائي إنجليزي وزعيم الصهيونية الإقليمية. وُلد في لندن وكان على رأس النشاط الصهيوني في إنجلترا حينما زارها هرتزل واتصل به ليرتب له اجتماعاً مع قادة الأقلية اليهودية فيها. وكان زانجويل يدرك أن اليهودية ستتحوَّل إذا خرجت من الجيتو، وأن من غير المعقول الاستمرار في الادعاء بأن الأمور ستسير على منوالها القديم. وتعالج كثير من أعماله الأدبية هذه القضية، فكتاب أطفال الجيتو (1892) هو تاريخ أسرة يهودية، وهو في واقع الأمر تاريخ أسرته هو، وهي رواية بانورامية تتناول شخصيات يهودية عديدة كلها تبغي الهروب من الجيتو. ومن أهم الشخصيات الشاعر بنحاس، وهو في الواقع صورة كاريكاتورية ساخرة للشاعر نفتالي إمبر مؤلف نشيد الهاتيكفاه. 
من أهم أعمال زانجويل الأخرى أبناء الجيتو (1892) الذي يُصوِّر بعض الشخصيات التي يمزقها ازدواج الانتماء لعالم الجيتو اليهودي وعالم الأغيار المعاصر. والكتاب دراسات في شخصيات يهودية تترك العقيدة اليهودية، مثل: دزرائيلي وهايني ولاسال وشبتاي تسفي. وتعالج رواية حالمو الجيتو (1898) الموضوع نفسه، فهي تزخر بشخصيات تبحث عن مهرب من الجيتو والقيم الدينية العتيقة التي تهيمن عليه. أما رواية مآس جيتوية (1893) فتحكي قصة يهودي تزوج من امرأة مسيحية ولكنه لا يملك إلا أن يبقى يهودياً في الخفاء. أما روايته ملك الشحاذين (1894) فتتناول اليهود السفارد في لندن قبل صول يهود اليديشية. ومن رواياته الأخرى كوميديات جيتوية (1907). 
ويتميَّز موقف زانجويل تجاه اليهود بازدواجية غريبة، فهو من ناحية معجب إلى حدٍّ ما بالجيتو وبشخصياته، ولكنه من ناحية أخرى يجدها شخصيات ضيقة ومائلة للذوبان في العصر الحديث، وهو فخور ببعض الجوانب اليهودية في حياته ولكنه يشعر بالخجل تجاه البعض الآخر. ويمكن القول بأن رفضه لليهود واليهودية أكثر عمقاً بكثير من إعجابه ببعض جوانب الشخصية اليديشية. ورفضه اليهود واليهودية يتجلى في كتابه الدين المقبل حيث يعبِّر عن أمله في ظهور ديانة جديدة تمزج الديانتين اليهودية والمسيحية والحضارتين العبرية والمسيحية. وله كتاب آخر ألفه في أخريات حياته هو عقيدتي (1925) يطالب فيه بيهودية غير يهودية، حتى يتم التوصل إلى عقيدة عالمية لكل البشر. 
ومن أهم مسرحياته، مسرحية آتون الصهر التي يتصور فيها الولايات المتحدة على أنها آتون إلهي للصهر ستذوب فيه كل أجناس أوربا وتندمج، وتختفي فيه كل الخصوصيات، وضمن ذلك الخصوصية اليهودية. ومن أهم آليات الصهر، الزواج المُختلَط (وقد كان زانجويل نفسه متزوجاً من مسيحية). فكأن الولايات المتحدة هي الترجمة التاريخية النهائية لمثُل عصر الاستنارة التي ستريح الإنسان من عبء التاريخ وتريح اليهود من عبء الهوية. وقد صدرت لزانجويل عدة روايات أخرى ليس لها علاقة كبيرة بالموضوع اليهودي مثل السيد (1895) وهي قصة صبي مهاجر من كندا ينجح في أن يصبح فناناً شهيراً، وله أيضاً عباءة إلياهو (1900) عن أحداث حرب البوير. 
وموقف زانجويل يشبه تماماً موقف هرتزل ونوردو ويهود غرب أوربا عامة، وهو أن اليهود واليهودية يمثلان بالنسبة له مشكلة تتطلب حلاًّ لا انتماءً إيجابياً يرحب به المرء. وقد ترجم هذا الموقف نفسه إلى صهيونية توطينية، فقام زانجويل بتقديم هرتزل لاجتماع المكابيين عام 1896 في لندن، وذهب إلى فلسطين عام 1897 وحضر المؤتمر الصهيوني الأول في العام نفسه. ولكن توطينية زانجويل كانت عميقة جداً، ورغبته في التخلص من الفائض اليهودي كانت متبلورة، ولذا فقد ألقى بكل ثقله خلف مشروع شرق أفريقيا الذي وصفه بأنه سيكون وسيلة لمضاعفة عدد السكان البيض التابعين لبريطانيا. فالاستعمار الاستيطاني بالنسبة إليه يشبه الزواج المُختلَط، وسيلة للتخلص من اليهود ولتذويبهم في التشكيل الحضاري الغربي. 
ولذا، حين رفض المؤتمر السابع (1905) المشروع، انشق زانجويل على المنظمة الصهيونية وأسَّس المنظمة الصهيونية الإقليمية التي كانت تهدف إلى تأسيس إقليم يهودي (ليس بالضرورة في فلسطين) بهدف إنقاذ وإغاثة اليهود خارج أية تصورات قومية يهودية. وقد تحرك زانجويل بحماس في إطار صهيونيته التوطينية، فطلب العون من أثرياء الغرب المندمجين (لورد روتشيلد ويعقوب شيف) وحاول توطين بعض المهاجرين اليهود، ولكنه لم ينجـح إلا في توطـين بضع عائلات في تكسـاس. وحينـما أُعلن وعد بلفور، أصبح زانجويل من كبار المتحمسين له. والواقع أن هذا الوعد جعل المشروع الصهيوني جزءاً من التشكيل الحضاري أو على وجه الدقة التشكيل الإمبريالي الغربي. وطالب زانجويل بتفريغ فلسطين من سكانها في أسرع وقت، فهو مثل نوردو وجابوتنسكي في عجلة من أمره ويتمنى اختفاء اليهود حتى يستأنف حياته في غرب أوربا كمواطن عادي. وقد وجَّه زانجويل النقد اللاذع للحكومة البريطانية لفشلها في تنفيذ ما جاء في الوعد بسرعة. ولكنه، مع هذا، عاد واكتشف حقيقة الموقف في فلسطين، ووجد أن المشروع الصهيوني سيرتطم بالسكان الأصليين. ولهذا، فقد عاد مرة أخرى للحل الإقليمي. من أهم كتبه التي تضم مقالاته صوت القدس (1920)، خُطب ومقالات وخطابات (1937)، لكن هذه الكتابات نُشرت بعد موته. وقد قام زانجويل بترجمة أعمال ابن جبيرول من العبرية إلى الإنجليزية. 
مشـروع قـبرص Cyprus Project 
انطلقت الدعوة الأولى لتوطين اليهود في قبرص في عام 1878، عندما فرضت بريطانيا سيطرتها على الجزيرة رغم إبقائها، من الناحية الاسمية، تابعة للدولة العثمانية. فقد نشرت صحيفة الجويش كرونيكل آنذاك مقالاً أبرزت فيه المزايا التي تتمتع بها قبرص والتي تجعلها مكاناً ملائماً لتوطين اليهود يكون بمنزلة قاعدة تحظى بالحماية البريطانية. 
ومع تزايد حدة النزاع بين بريطانيا والدولة العثمانية حول الجزيرة عام 1895، ارتفعت في بريطانيا أصوات تدعو إلى إنشاء كيان يهودي في قبرص يكون خاضعاً للحماية البريطانية وخادماً للمصالح الاستعمارية البريطانية في البحر الأبيض المتوسط. ولقيت هذه الدعوة قبولاً لدى الداعية الصهيوني ديفيز ترييتش، الذي سعى إلى عرض الفكرة في المؤتمر الصهيوني الأول (1897) ثم في المؤتمر الثاني (1898)، ولكن هرتزل، الذي كان متحمساً للمشروع من حيث المبدأ، نصحه بالتريث حتى تحين فرصة مواتية للبدء في الخطوات العملية، وأشار عليه بعرض الأمر على جمعية الاستعمار اليهودي، التي لم تتحمس هي الأخرى للمشروع. إلا أن ذلك لم يثن ترييتش عن مسعاه، فطرح الفكرة مجدداً في المؤتمر الصهيوني الثالث (1899)، حيث قوبلت بمعارضة شديدة، على أساس أن الانشغال بتوطين اليهود في قبرص قد يعرقل مشاريع الاستيطان في فلسطين. أما هرتزل فلم يجاهر بتأييده للمشروع خوفاً من استفزاز حركة أحباء صهيون، التي كانت تصر على الاستيطان في فلسطين. 
وكان من شأن هذه المعارضة أن تدفع ترييتش إلى الاعتماد على جهوده الشخصية، فألف في برلين عام 1899 لجنة لرعاية المشروع كان من بين أعضائها ديفيد ولفسون وأوتو واربورج، وسافر في العام نفسه إلى قبرص لدراسة الأوضاع هناك، كما قدَّم مذكرة بالمشروع إلى المندوب السامي البريطاني في الجزيرة، ركز فيها على المكاسب التي ستجنيها بريطانيا سياسياً واقتصادياً من وراء دعمها للمشروع والدور الذي سيقوم به المستوطنون اليهود في خدمة المصالح البريطانية في منطقة شرق البحر المتوسط. 
وفي عام 1900، نجح ترييتش، بالتعاون مع جمعية الاستعمار اليهودي، وصندوق الائتمان اليهودي للاستعمار، في تهجير نحو 250 من اليهود الرومانيين والروس إلى قبرص. ولكنهم لم يَطُل بهم المقام هناك، فسرعان ما سرى التذمر في صفوفهم نظراً لغياب التجانس بينهم وإحساسهم بأنهم أصبحوا أشبه ما يكونون بالعبيد في ظل نظام السخرة الذي فرضه عليهم ترييتش دون أدنى اعتبار لآدميتهم أو لتقاليدهم الدينية أو الثقافية، وهو ما جعلهم يفضلون العودة إلى ديارهم والعدول عن الاستيطان في قبرص. وأثار فشل المحاولة عاصفة من الهجوم على ترييتش حيث اتهمه خصومه بالتغرير بالمهاجرين اليهود لتحقيق مآرب شخصية والإقدام على مغامرة غير مدروسة. 
إلا أن هذا الفشـل لم يقـض على المشـروع تماماً. ففي عام 1901، طُرحت مجدداً فكرة توطين بعض اليهود في قبرص، وجاءت المبادرة هذه المرة من جانب هرتزل، الذي كان يرقب باهتمام مساعي ترييتش دون أن يورط نفسه في تأييدها أو معارضتها علناً، ولكنه وجد فرصة سانحة بعد ما سرت شائعات عن أن بريطانيا تنوي التخلي لألمانيا عن قبرص مقابل الحصول على بعض المستعمرات الألمانية في شرق أفريقيا، فسارع بإجراء اتصالات مع الحكومة الألمانية لإقناعها بالمنافع التي ستعود عليها من جراء توطين اليهود في قبرص، حيث إن المستوطنين سيوفرون لألمانيا قاعدة للتوسع الاستعماري في المنطقة العربية، وسيضمنون تأمين الطريق إلى مستعمراتها في آسيا، فضلاً عن استعدادهم للقيام بعمليات عسكرية للدفاع عن المصالح الألمانية إذا دعت الحاجة إلى ذلك. 
ولكن هرتزل لم يلبث أن تراجع عن هذا العرض بعدما تبين أن بريطانيا لن تتخلى عن قبرص، فاتجه بمساعيه مرة أخرى إلى الحكومة البريطانية التي حرص دائماً على إبقاء الأبواب مواربة معها، وأسفرت هذه المساعي عن عقد اجتماع في عام 1902 بينه وبين جوزيف تشامبرلين، وزير المستعمرات البريطاني آنذاك، نوقشت خلاله خطط توطين اليهود في قبرص أو العريش. إلا أن الوزير البريطاني أبدى تَخوُّفه من أن الاستيطان اليهودي في قبرص قد يثير حفيظة سكان الجزيرة، وأغلبهم مسيحيون أرثوذكس ذوو أصول يونانية، وهو الأمر الذي قد يُفجِّر بدوره مشاكل مع كل من اليونان، التي تربطها بسكان الجزيرة وشائج قومية وتاريخية، وروسيا التي تُعَدُّ كنيستها الأرثوذكسية المرجع الروحي لهؤلاء السكان. وقد ألمح تشامبرلين إلى أن حكومته لا تقبل إحلال اليهود محل سكان مسيحيين لهم ارتباطات وثيقة بالعالم الأوربي، واقترح بدلاً من ذلك أن يكون توطين اليهود في "بقعة أخرى من الممتلكات البريطانية لا يوجد بها سكان مسيحيون بيض". ولا تخلو هذه النظرة العنصرية الصريحة من مغزى، فإذا كان فقراء اليهود في أوربا يشكلون فائضاً بشرياً ينبغي التخلص منه بتهجيره، فإن هذه العملية ينبغي ألا تتم على حساب أحد أطراف العالم الأوربي "الحديث"، بل يلزم البحث عن كبش فداء من الشعوب الأخرى "المتخلفة" لكي تُصدَّر إليه أزمات أوربا. 
ورغم أن بريطانيا رفضت عرض هرتزل، إلا أن الاتصالات بين هرتزل وتشامبرلين شجعت ترييتش على إحياء مشروعه، فبادر في مطلع عام 1903 إلى السعي لدى المندوب السامي البريطاني في قبرص للموافقة على توطين بعض اليهود في الجزيرة، ولكن بريطانيا كررت رفضها وأكدت مجدداً أن أقصى ما يمكن قبوله هو السماح لليهود بشراء مساحات محددة من الأراضي في قبرص، على أن يتم ذلك بشكل فردي وبرضا سكان الجزيرة، وهو ما دفع ترييتش، والحركة الصهيونية عموماً، إلى صرف الأنظار عن مشروع توطين اليهود في قبرص. 
ديفـيز ترييتــش (1870ـ1935) avis Trietsch 
صهيوني توطيني إقليمي. وُلد في درسدن بألمانيا، وهاجر إلى نيويورك في الثالثة والعشرين من عمره، وأقام بالولايات المتحدة الأمريكية حتى عام 1899 حيث حصل على الجنسية الأمريكية. ثم انتقل إلى ألمانيا وساهم بحماس في الأنشطة الصهيونية، فشارك منذ عام 1901 في تحرير المجلة الشهيرة الشرق والغرب التي كانت تُعنَى بقضايا اليهودية المعاصرة. وأتاح له مارتن بوبر ـ من خلال رئاسته لصحيفة دي فيلت ـ فرصة التعبير عن آرائه ومشاريعه. كما ساهم مع بوبر وآخرين في تأسيس دار نشر صهيونية في برلين عام 1902. 
اشترك ترييتش في المؤتمر الصهيوني الأول (1897)، وارتبط اسمه بجهوده الكبيرة في هذا المؤتمر وفي المؤتمرات التالية، لحمل الحركة الصهيونية على تبنِّي مشروع قبرص الذي كان قد بدأ الدعوة له منذ عام 1895 حيث رأى فيه مقدمة لتحقيق هدفه الأعظم وهو مشروع فلسطين الكبرى التي تضم قبرص والعريش فضلاً عن فلسطين. كما دعا ترييتش لتعديل برنامج بازل وتوسيعه ليتمشى مع مفهومه الخاص عن هدف الصهيونية، ولكنه قوبل بمعارضة شديدة، وهو ما دعاه إلى مواصلة مساعيه اعتماداً على جهوده الشخصية. 
وعلى الصعيد النظري، كرس ترييتش عدداً كبيراً من المقالات والدراسات لبسط مشروع فلسطين الكبرى. وعلى الصعيد العملي، سعى ترييتش إلى عرض مشروع توطين اليهود في قبرص على الحكومة البريطانية التي لم تُبد حماساً كبيراً في ذلك الوقت، فاتجه إلى طلب المعونة من أثرياء اليهود، أمثال البارون دي هيرش، وجمعية الاستعمار اليهودي وصندوق الائتمان اليهودي للاستعمار، ولكنه لم يلق استجابة تُذكَر. ورغم أنه نجح عام 1900في تهجير حوالي 250 من يهود روسيا ورومانيا إلى قبرص. إلا أن المحاولة لم تلبث أن منيت بفشل ذريع، نظراً لعدم تجانس المهاجرين وإحجام بريطانيا وأثرياء اليهود عن دعم المشروع، وهو ما عرَّض ترييتش لهجوم عنيف حدا به إلى الابتعاد عن الساحة السياسية والانصراف إلى العمل الصحفي بل التنصل من مسئولية المغامرة الفاشلة. 
ولكنه بادر عام 1903، بالتعاون مع فرانز أوبنهايمر، بتأسيس الشركة اليهودية لاستعمار الشرق في برلين. كما أسَّس مع نوسيج مجلة فلسطين لتكون لسان حال الشركة. كما واصل، من جهة أخرى، اتصالاته بالمسئولين البريطانيين لإقناعهم بتبنِّي مشروع استيطان قبرص، إلا أن بريطانيا رفضت المشروع خوفاً من إثارة مشاعر المواطنين في قبرص. 
وفي عام 1905، أسَّس ترييتش مكتب معلومات الهجرة في يافا لجمع المعلومات عن الهجرة اليهودية والمناطق الملائمة للاستيطان، إلا أنه لم يستمر طويلاً في عمله هذا. وفي عام 1906، سافر إلى العريش ضمن بعثة شكَّلها لاكتشاف المنطقة ودراسة إمكانية توطين اليهود فيها تمهيداً للتفاوض من جديد مع الحكومة البريطانية للحصول على دعمها وتأييدها للمشروع، ولكن جهوده هذه آلت هي الأخرى إلى الفشل. 
وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى، عمل ترييتش في قسم الإحصاء في الجيش الألماني. وفي عام 1915، نشر عدة كتيبات تدعو إلى تعزيز التعاون بين ألمانيا والحركة الصهيونية، وكان من شأن دعوة كتلك أن تُصعِّد حملة الهجوم عليه من جانب خصومه في الحركة الصهيونية الذين كانوا يرون بريطانيا الحليف الأساسي للحركة. وقد ظل ترييتش حتى نهاية حياته متمسكاً بآرائه الرامية إلى التعجيل بتهجير أعداد كبيرة من اليهود إلى فلسطين وإقامة مشاريع صناعية هناك بدلاً من المشاريع الزراعية التي كانت تنفذها المنظمة الصهيونية، وذلك لوضع أسس صلبة لقيام فلسطين الكبرى. 
ويُعتبَر ترييتش مثالاً واضحاً للصهيوني التوطيني الذي كان يرغب في حل مشاكل إخوانه اليهود. وعلى حد تعبيره، فإن "على الأغنياء من اليهود أن يبحثوا عن مكان ليستقر فيه إخوانهم الفقراء". وهو ينطلق أساساً من خوفه من موجات هجرة اليهود الفقراء والعمال إلى موطنه الذي اختاره للاندماج، وبالتالي من خوفه من تَفجُّر موجة عداء ضد اليهود قد تؤثر فيه هو شخصياً، فكأن صهيونيته دفاع عن اندماجيته الحقيقية. والواقع أن ترييتش لم يفكر قط في الاستقرار في أي من مشاريعه. كذلك لا يمكن إغفال دافع الربح، فقد كان ترييتش صهيونياً نفعياً يرى مشاريعه الصهيونية وسيلة لكسب المال وزيادة ثروته. ومن ثم، كان تركيزه على أن يكون اليهود والمستوطنون من العمال القادرين.
يتبع إن شاء الله...


الباب الرابع عشر: الصهيونية الإقليمية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الرابع عشر: الصهيونية الإقليمية  Empty
مُساهمةموضوع: مشــروع مـديـن Midian Project    الباب الرابع عشر: الصهيونية الإقليمية  Emptyالإثنين 03 مارس 2014, 2:27 am

مشــروع مـديـن Midian Project 
في سياق تطبيق الصيغة الصهيونية الأساسية المتمثلة في حل ما يُسمَّى «المسألة اليهودية» عن طريق نقل اليهود إلى بقعة خارج أوربا لإقامة دولة يهودية فيها تحت رعاية إحدى القوى الاستعمارية، سعى الرحالة الصهيوني بول فريدمان إلى البحث عن بلاد ضئيلة السكان لتكون مسرحاً لعملية الاستيطان اليهودي، واختار لهذا الغرض ما يُسمَّى «إقليم مدين» الواقع شمال غربي الجزيرة العربية، والمتاخم لمدينة العقبة الأردنية، وعمل على الاتصال بالزعماء اليهود والحاخامات والشخصيات البارزة لتدعيم المشروع. كما تقرَّب إلى جمعية قديما والجمعية الأنجلو يهودية وجمعية الأليانس في باريس وفيينا، وحاول استمالة البارون دي هيرش لتمويل المشروع. ومن ناحية أخرى، سعى فريدمان إلى توفير مظلة دولية لمشروعه فقابل اللورد كرومر في لندن عام 1889 وأكد له الأخير أن الحكومة البريطانية لن تعرقل خطواته. 
وفي عام 1890، قام بزيارة مصر لدراسة أوضاع أرض مدين والحصول على موافقة الحكومة المصرية على المشروع حيث كان الإقليم خاضعاً لإشراف حاكم مصري في السويس. وبعد عودته إلى برلين، نشر عام 1891 كتيباً بعنوان أرض مدين وصف فيه أحوال الإقليم واقتصادياته وطبيعة السكان والمناخ، وعدَّد مزايا الاستيطان اليهودي في تلك الأرض التي زعم أنها كانت في الماضي جزءاً من المملكة اليهودية القديمة. وعمل فريدمان على إرسال الكتيب إلى عدد من السياسيين ورجال الدولة في أوربا لحثهم على ممارسة نفوذهم لإقناع أكبر عدد من اليهود بالهجرة إلى مدين. 
وفي عام 1891 أيضاً، بدأ فريدمان جهوده العملية لتحويل المشروع إلى واقع، فقام بتجنيد عدد من اليهود الروس في فرقة عسكرية لتكون نواة لجيش المستوطنين. وابتاع يختاً بحرياً أطلق عليه اسم «إسرائيل»، وأبحر في نوفمبر من العام نفسه مع المجندين المسلحين الذين بلغ عددهم نحو خمسين شخصاً بالإضافة إلى بحارة اليخت التسعة، وكان معظم هؤلاء من أعضاء حركة أحباء صهيون. 
وما أن وصل فريدمان وجيشه إلى مدين حتى بدأت المشاكل، إذ ظهرت معارضة شـديدة في أوسـاط الحركة الصهيونية. وفي الوقـت نفسه، اندلع التمرد في صفوف المستوطنين من جراء النظام الصارم الذي فرضه فريدمان. وازدادت حدة الغضب بعد العثور على جثة أحد المستوطنين ملقاة في الصحراء، فجرى طرد المتمردين من الفرقة، حيث تاهوا في الصحراء ولقي بعضهم حتفه. وفي آخر الأمر، لم يتبق من الأتباع سوى تسعة أشخاص. ومع ذلك، كان يحلو لفريدمان أن يرتدي الزي العسكري ويضع على رأسه التاج الذهبي ويزين صدره بالأوسمة والنياشين ممثلاً دور ملك اليهود في مدين (!). وتضاعفت المشاكل عندما قرَّرت الحكومة الروسية مقاضاة فريدمان أمام محكمة قنصلية ألمانيا في القاهرة بتهمة التسبب في وفاة أحد رعاياها خلال هذه المغامرة. وقد لجأ فريدمان إزاء ذلك كله إلى محاولة تجنيد بعض اليهود المصريين وإغراء بعض الجنود السودانيين، إلا أن محاولته لم تُحقِّق نجاحاً يُذكَر. وفي نهاية الأمر، تدخلت الحكومة العثمانية لتضع حداً للمغامرة الاستعمارية إذ تحسَّست الخطر من هذا المشروع الذي يتم تحت الحماية البريطانية. وهكذا تحركت قوة عسكرية تركية لطرده من الإقليم. وقد فشلت مساعيه لتحريض السكان على القتال ضد الأتراك، كما فشلت المساعي البريطانية لحمل تركيا على الانسحاب. وطُلب من فريدمان مغادرة البلاد فعاد إلى برلين عام 1895. 
وقد زاد فشل المغامرة من هجوم الحركة الصهيونية على فريدمان. والملاحَظ أن هذه الانتقادات انصبت على شخص فريدمان ولم تتعرض لعملية الاستيطان نفسها أو لفكرة اغتصاب أرض يملكها الغير. وكان هؤلاء المعارضون هم أنفسهم الذين أعطوا هرتزل فيما بعد كل تأييدهم حين بدأ الدعوة لمغامرة مماثلة تهدف لاستعمار فلسطين وإقامة "الوطن القومي اليهودي" على أرضها. 
بـــول فريدمــان (1840-1900) Paul Friedmann 
صهيوني توطيني. وُلد في ألمانيا لعائلة يهودية كان أحد أفرادها زعيـماً للطائفة اليهـودية في برلين. وقد اعتنـق المذهـب البروتستانتي حيناً، ولكنه عاد إلى اعتناق اليهودية مرة أخرى. قام برحلات متعددة إلى العواصم الأوربية، واهتم بأحوال أعضاء الجماعات اليهودية في هذه البلدان ولا سيما اليهود الروس، وتوصَّـل إلى الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة ومؤداها أن حل ما يُسمَّى المسألة اليهودية لن يتم إلا عن طريق نقل اليهود (باعتبارهم شعباً عضوياً منبوذاً) إلى بقعة خارج أوربا لإقامة دولة يهودية فيها تحت رعاية دولة غربية. ثم مضى إلى أبعد من ذلك، فقاد في عام 1891 مغامرة لتوطين عدد من اليهود الروس في «إقليم مدين» الواقع على الشاطئ الغربي لشبه الجزيرة العربية وإقامة دولة يهودية هناك، فيما عرف باسم «مشروع مدين». إلا أن المغامرة مُنيت بالفشل الذريع نظراً لمعارضة الدولة العثمانية للمشروع خوفاً من عواقبه الوخيمة على مصالحها، وإحجام زعماء الحركة الصهيونية والأثرياء اليهود عن دعم المشروع لتشككهم في جديته، فضلاً عن انفراط عقد المستوطنين أنفسهم من جراء النظام الصارم الذي فرضه فريدمان عليهم، وهو ما أدَّى إلى مصرع بعضهم، وكذلك إلى عدم اقتناعهم بشخصية فريدمان نفسه الذي كان يَغلب عليه الإحساس بجنون العظمة. 
والواقع أن بول فريدمان يشبه لورانس أوليفانت في كثير من النواحي، فكلاهما يدور داخل نطاق الفكر الاسترجاعي بعد علمنته تماماً وبعد أن تحوَّل المشروع الاسترجاعي شبه الديني إلى مشروع استيطاني علماني تماماً. وكلاهما صهيوني عملي لا يَقنَع بالتوصُّل للصيغ النظرية وإنما يحاول وضعها موضع التطبيق. وكلاهما يسعى إلى تجنيد المادة البشرية اليهودية (اليديشية) التي كانت لا تزال تفتقد القيادة اليهودية وإدراك حقيقة الإمبريالية الغربية كظاهرة عالمية. 
مشــروع أنجـولا Angola Project 
بعد فشل مشروع الاستيطان اليهودي في ليبيا، إثر وقوعها في قبضة الاستعمار الإيطالي، تطلعت المنظمة الصهيونية الإقليمية إلى مناطق أخرى تَصلُح لتوطين اليهود فيها وسعت للبحث عن قوة استعمارية كبرى تتولَّى توفير الحماية والرعاية لمشاريع الاستيطان. وفي عام 1912، اقترح إسرائيل زانجويل على الحكومة البرتغالية توطين عدد من يهود روسيا وأوربا الشرقية في مستعمرة أنجولا، ووافق البرلمان البرتغالي على الاقتراح بالإجماع، إذ رأى فيه فرصة لتوطيد النفوذ الاستعماري في تلك المنطقة التي كان المستوطنون البرتغاليون يحجمون عن الاستقرار فيها رغم أهميتها الحيوية بحكم موقعها المجاور لمناطق النفوذ الألماني والبريطاني. ولكن البرلمان اشترط أن يتوافد المستوطنون اليهود فرادي وليس جماعات، وأن تظل الحكومة البرتغالية صاحبة اليد العليا في كل ما يتعلق بأمور المنطقة. 
وفي عام 1913، أوفدت المنظمة الصهيونية الإقليمية بعثة من الخبراء إلى أنجولا لدراسة الأوضاع فيها ومدى قدرة المستعمرة على استيعاب مستوطنين يهود. وأعدت البعثة تقريراً لعرضه على المؤتمر العام للمنظمة الذي كان مقرراً عقده في سويسرا في عام 1914، إلا أن اندلاع الحرب العالمية الأولى أدَّى إلى إرجاء المؤتمر، كما أدَّت التطورات اللاحقة على الصعيد العالمي إلى صرف النظر عن المشروع برمته. 
مشـروع ليبيــا Libya Project 
يرجع الاهتمام الصهيوني بتوطين اليهود في ليبيا إلى مطلع القرن العشرين، عندما اكتشف هرتزل ما كانت تبيته إيطاليا من نوايا استعمارية إزاء ليبيا، في إطار مساعيها للحصول على نصيب من تركة الدولة العثمانية في شمال أفريقيا وإيجاد موضع لقدمها هناك، وبخاصة بعد سقوط تونس والجزائر في قبضة الاستعمار الفرنسي عامي 1830 و1881، ثم وقوع مصر تحت الاحتلال البريطاني عام 1882. 
وبادر هرتزل عام 1904 بتقديم اقتراح إلى ملك إيطاليا، يرمي إلى تهجير عدد من يهود شرق أوربا إلى طرابلس الغرب لكي يقيموا فيها حكماً ذاتياً في "ظل القوانين والمؤسسات الليبرالية الإيطالية". وأفاض هرتزل، كدأبه مع زعماء القوى الاستعمارية الكبرى، في ذكر المنافع التي ستعود على إيطاليا من جراء هذا المشروع والخدمات التي يمكن أن تؤديها الحركة الصهيونية لإيطاليا، إلا أن الملك الإيطالي آثر عدم الاستجابة للاقتراح خشية افتضاح أمر الأطماع الإيطالية في ليبيا وما يمكن أن يسببه هذا من مشاكل مع بريطانيا وفرنسا والدولة العثمانية، فرد على هرتزل بما يفيد عدم قدرة إيطاليا على تقديم الدعم للمنظمة الصهيونية العالمية في هذا الصدد، واحتج بأن "طرابلس الغرب وطن للآخرين" ولا سلطان لإيطاليا عليها. 
وفي أعقاب وفاة هرتزل، جددت المنظمة الصيهونية الإقليمية بزعامة إسرائيل زانجويل مشروع توطين اليهود في ليبيا. ففي عام 1906 أوفد زانجويل لجنة من الخبراء الصهاينة إلى طرابلس الغرب لبحث إمكانية توطين اليهود هناك. وعادت اللجنة بانطباعات إيجابية ضمنتها تقريرها إلى زانجويل الذي أشارت فيه إلى استعداد السلطات العثمانية في ليبيا لقبول فكرة إنشاء مستوطنات يهودية في منطقة الجبل الأخضر بولاية برقة. وفي الوقت نفسه، أوعزت الحكومة البريطانية إلى قنصلها العام في مدينة تونس، السير هاري جونستون، بأن يقترح على زانجويل فكرة إنشاء وطن قومي لليهود في منطقة الجبل الأخضر وإرسال بعثة لدراسة أحوال المنطقة، مؤكداً له استعداد والي ليبيا العثماني رجب باشا (1904 ـ 1909) لتقديم سائر التسهيلات لأعضاء البعثة. 
وكانت بريطانيا ترمي من وراء ذلك إلى إيجاد قوة تستطيع مواجهة خطر التدخل الإيطالي المحتمل في ليبيا، بينما وجد الوالي العثماني في الاستيطان اليهودي فرصة لتحسين الأوضاع الاقتصادية السيئة في ليبيا. أما المنظمة الصهيونية الإقليمية، فقد نظرت إلى اقتراح توطين اليهود في برقة بوصفه مشروعاً مربحاً من الوجوه كافة، فهو أولاً مشروع يحظى بتأييد اثنتين من القوى الكبرى، وهما بريطانيا والدولة العثمانية، وهو ما يضمن له الحماية والتمويل اللازمين لنجاحه. كما أن المنطقة المقترحة للاستيطان في برقة تكاد تخلو من السكان الأصليين، وهو ما يجعل غلبة النفوذ اليهودي فيها أمراً يسيراً، وذلك عن طريق جلب أعداد كبيرة من اليهود إلى المنطقة وإجبار السكان الأصليين على الهجرة باتجاه الصحراء، وخصوصاً أن المنطقة تقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وهو ما يُسهِّل عملية جلب اليهود من روسيا ورومانيا. وفضلاً عن هذا، من الممكن على المستوى الدعائي إيجاد ذرائع لجذب اليهود إلى الاستقرار في برقة حيث كانت هذه المنطقة مأوى لعدد كبير من اليهود في عصر الإسكندر المقدوني والبطالمة. ثم إن هذه العناصر مجتمعة تجعل المشروع أمراً ممكناً على عكس مشاريع الاستيطان الأخرى التي كانت مطروحـة آنذاك، مثل مشـروع قبرص ومشـروع أوغندا. 
وقد سعت المنظمة الصهيونية الإقليمية، منذ البداية، إلى تقديم نفسها بوصفها الحارس لمصالح الدولة العثمانية في المنطقة وأبدت استعدادها للقيام "بكل ما فيه خير البلاد العثمانية"، فعرضت أن يَحصُل المستوطنون اليهود على الجنسية العثمانية وأن يقوموا بدفع ما يلزم من ضرائب ورسوم بشكل جماعي، وأن تتولى المنظمة إقامة ميناء على الساحل الليبي وإنشاء سكة حديدية وتأسيس ملاحة، على أن تعمل هذه المؤسسات جميعها تحت سيطرة الدولة العثمانية وفي خدمتها. 
وفي عام 1908، أوفدت المنظمة بعثة من الخبراء الصهاينة إلى طرابلس الغرب حيث التقى أعضاؤها بالوالي العثماني الذي رحب بهم وكلف أحد معاونيه بمصاحبتهم إلى برقة لتذليل أية صعوبات قد تواجههم. وأمضت البعثة ثلاثة أسابيع في برقة أجرت خلالها أبحاثاً مكثفة تركزت على أوضاع المنطقة ومواردها المائية وفرص إقامة مشاريع زراعية بها. وأدرجت البعثة خلاصة بحوثها تلك في تقرير صدر في مطلع عام 1909 وأُطلق عليه اسم الكتاب الأزرق تضمن عدداً من المقترحات العملية التي تهدف إلى توفير احتياجات المنطقة من المياه، وإنشاء شبكة مواصلات حديثة تربط برقة بغيرها من مدن ليبيا، وتنظيم الاستيطان اليهودي هناك. وشدد التقرير على ضرورة تحاشي كل ما من شأنه إحراج السلطات العثمانية الراعية للمشروع أو تعكير صفو العلاقات معها، فاقترح أن يتم جلب اليهود على مراحل وبأعداد صغيرة في أول الأمر، وعدم المطالبة بالحكم الذاتي منذ البداية. بيد أن الأوضـاع العالميـة آنذاك سـارت على غير ما كان يشـتهي واضعو المشروع. فقد شهد عام 1909 وقوع انقلاب في الدولة العثمانية أطاح بالسلطان عبد الحميد الثاني ودفع الدولة إلى دوامة من الصراعات والمشاكل الداخلية الحادة التي شغلتها عن الاهتمام بمشروع الاستيطان اليهودي، فضلاً عن وفاة والي ليبيا العثماني الذي كان من مؤيدي المشروع. وزاد الموقف تعقيداً إقدام إيطاليا عام 1911 على غزو ليبيا واحتلالها، ولم يلبث العالم بأسره أن اندفع في غمار الحرب العالمية الأولى، وكان من شأن هذا كله أن يؤدي إلى القضاء على المشروع في مهده. 
مشـروع الخليـج العـربي (البحـرين والأحسـاء)
Arab Gulf Project) Al-Bahrain and Al-Ahsaa)
طُرح هذا المشروع عام 1917 في سياق رسالة وجهها إلى الحكومة البريطانية طبيب يهودي روسي مقيم في باريس، ويُدعَى م. ل. روثشتاين، حيث اقترح إقامة دولة يهودية في الجزء الشمالي من منطقة الخليج العربي تشمل البحرين والأحساء، وذلك عن طريق تشكيل جيش يهودي قوامه 30 ألف مقاتل يتم اختيارهم من شباب اليهود في شرق أوربا، ويتخذ من البحرين قاعدة له، وتتولَّى بريطانيا بالتعاون مع حليفتيها فرنسا وروسيا تدريب الجيش وإمداده بالعتاد والأموال والمستشارين العسكريين الأكفاء، بالقدر الذي يؤهله للانقضاض على منطقة الإحساء وفرض السيطرة عليها وإقامة نواة الدولة اليهودية فيها. وشدد روثشتاين على ضرورة إعداد الجيش في سرية تامة دون أن يعلم أحد حتى أفراده بحقيقة المهام المنوطة به، وأن ينهض بتسيير أمور الدولة المقترحة مَجْمَع من الحاخامات. 
ولم يدخر روثشتاين وسعاً في إبداء فروض الطاعة والولاء لبريطانيا، فأشار إلى أن الجيش اليهودي المقترح سيتولى حماية منطقة الخليج من أي خطر يتهددها، سواءٌ تمثَّل ذلك في شكل هجمات عسكرية تشنها الدولة العثمانية أو ألمانيا أو تمثَّل في شكل ثورات يقوم بها سكان المنطقة العرب، وعرض روثشتاين استعداد الجيش للمشاركة في القتال خلال الحرب العالمية الأولى إلى جانب بريطانيا وحلفائها والنهوض بأية مهمة توكل إليه. كما أكد أن قيام هذه الدولة يضمن لبريطانيا ولاء يهود العالم أجمع ويهود الدولة العثمانية وألمانيا على وجه الخصوص بحيث يكون هؤلاء عملاء مخلصين يسعون إلى تفتيت جبهة الأعداء من الداخل. وأوضح روثشتاين في الختام أن نفقات إعداد الجيش اليهودي تُعتبَر ديناً تلتزم الدولة اليهودية بسداده فور قيامها وأنه يتعهد شخصياً بذلك. 
ورغم هذه الإغراءات المثيرة، قوبل المشروع بالرفض التام من جانب بريطانيا، حيث ساق إدوين مونتاجو، وزير شئون المستعمرات في الحكومة البريطانية الذي كُلِّف بدراسة الموضوع، عدداً من الاعتبارات التي تدفع بريطانيا إلى عدم تحبيذ الفكرة، من بينها أن توطين اليهود في منطقة الجزيرة العربية لن يكون موضع ترحيب من جانب السكان العرب، وهو ما قد يؤدي إلى إثارة مشاكل معقدة لبريطانيا، فضلاً عن عدم ملاءمة الأماكن المقترحة لإقامة الدولة، حيث كانت البحرين خاضعة للنفوذ البريطاني ومرتبطة بمعاهدة معها منذ عام 1820. كما كانت الأحساء منذ عام 1913 تحت سيطرة عبد العزيز بن سعود أمير نجد الذي بادر عام 1915 بعقد معاهدة تَحالُف مع بريطانيا تعهدت بمقتضاها بحماية بلاده في حالة تعرضها لأي هجوم خارجي. 
إلا أن هذه الاعتبارات التي أفصحت عنها بريطانيا كانت تخفي أسباباً أعمق للرفض. فقد أدَّت تطورات الحرب العالمية الأولى آنذاك إلى تفتيت الدولة العثمانية وإبعاد خطر الغزو الألماني عن المنطقة، ومن ثم فَقَد مشروع الاستيطان اليهودي أحد مبرراته الأساسية، حيث لم تَعُد بريطانيا في حاجة إلى حارس لمصالحها في المنطقة بعد أن أحكمت هي سيطرتها عليها. كما أن بريطانيا كانت تتوجس خيفة من مغبة الاستعانة بفرنسا وروسيا في تدريب الجيش اليهودي المقترح، وهو ما قد يؤدي إلى فتح أبواب المنطقة للمنافسة الاستعمارية من جديد. وفضلاً عن هذا وذاك، فقد كان اهتمام بريطانيا آنذاك منصباً على فلسطين بوصفها مكاناً مقترحاً لإقامة "وطن قومي" لليهود يكون قاعدة استعمارية في تلك المنطقة الحيوية، وهو ما تمثَّل في صدور وعد بلفور في نوفمبر 1917، والذي كان إعلاناً حاسماً صَرَف النظر نهائياً عن مشروع روثشتاين. 
مشـــروع مـوزمبيــق Mozambique Project 
بينما كانت المشاريع الصهيونية الرامية إلى توطين اليهود في العريش أو شرق أفريقيا تواجه صعوبات جمة، كان هرتزل يسعى بدأب للبحث عن مناطق أخرى للاستيطان من خلال عرض خدمات الحركة الصهيونية على القوى الاستعمارية المختلفة لضمان تأييدها للمشروع الصهيوني. ففي عام 1903 أجرى هرتزل اتصالات مع رئيس وزراء النمسا، عن طريق صديقه وليام هشلر، بغية التوسط لدى الحكومة البرتغالية للسماح بتوطين اليهود في موزمبيق، وبالفعل عقد هرتزل اجتماعاً مع السفير البرتغالي في فيينا عرض خلاله اقتراحاً بإنشاء شركة استثمارية يهودية تعمل على مساعدة البرتغال في التغلب على أزمتها الاقتصادية وتلتزم بتقديم معونة سنوية لها مقابل حصولها على حق استثمار أراضي موزمبيق وتوطين أعداد من يهود شرق أوربا فيها. 
ورغم حدة الضائقة المالية التي كانت تعاني منها البرتغال آنذاك، فقد آثرت تجاهل الاقتراح خوفاً من عواقب التورط علناً في مشاريع مشتركة مع المنظمة الصهيونية العالمية التي كانت تربطها علاقة وثيقة ببريطانيا، وهي إحدى القوى الكبرى المنافسة للبرتغال في مجال الاستعمار. ومن الواضح أن هرتزل لم يكن ينظر إلى مشروع موزمبيق إلا بوصفه إحدى الأوراق التي يمكن استخدامها لحث بريطانيا على تقديم مزيد من الدعم لمخططات الاستيطان الأخرى في قبرص والعريش على المـدى القـريب، ولمخطـط إقامة دولة يهودية في فلسـطين على المدى البعيد. فقد ألمح هرتزل في مذكراته، في معرض حديثه عن مشروع موزمبيق، إلى اعتزامه التنازل عنها للحكومة البريطانية نظير "الحصول" على شبه جزيرة سيناء بأكملها مع مياه النيل صيفاً وشتاءً، وربما معها قبرص، "وذلك كله بلا مقابل". 
مشروع الكونغو Congo Project 
في إطار مساعي المنظمة الصهيونية العالمية لتنفيذ مشاريع الاستيطان اليهودي في ظل حماية إحدى القوى الاستعمارية الكبرى، وبعد تعثُّر مشاريع التوطين في العريش وشرق أفريقيا وأنجولا وغيرها، بادر هرتزل في يوليه عام 1903 بإجراء اتصالات مع فرانتز فيليبسون، وهو مستثمر يهودي بلجيكي كان يمتلك احتكارات كبيرة في الكونغو، بغرض استمالته لتأييد فكرة إقامة دولة يهودية في الكونغو والتوسط لدى ملك بلجيكا لكي تتبنَّى بلاده المشروع. وكعادته في المفاوضات مع قادة القوى الاستعمارية الكبرى، عرض هرتزل أن تقوم المنظمة الصهيونية العالمية بدفع "جزية سنوية للحكومة البلجيكية" والمشاركة في تخفيف أعبائها المالية مقابل السماح بتوطين عدد من اليهود في الكونغو واستثمار خيرات المنطقة في إطار حكم ذاتي يخضع لإشراف بلجيكا. ورغم حماس فيليبسون لمشاريع الاستيطان اليهودي عموماً، إلا أنه رفض اقتراح هرتزل وأحجم عن القيام بأي دور في هذ الصدد. ويرجع ذلك، فيما يبدو، إلى تخوفه من أن يؤدي قدوم مستثمرين يهود إلى بروز منافسة تؤثر على مصالحه الواسعة في الكونغو. 
مشـروع الأرجـنتين Argentina Project 
وقع الاختيار على الأرجنتين لتكون البقعة التي تقام عليها أول مستوطنة يهودية في سياق جهود جمعية الاستيطان اليهودي (إيكا) التي أسَّسها المموِّل اليهودي البارون دي هيرش من أجل إعادة توطين يهود أوربا الشرقية في أماكن شتى من القارتين الأمريكيتين، وتحويلهم إلى قطاع اقتصادي منتج من خلال تعليمهم الزراعة والحرف المختلفة. وقد بدأ المشروع عام 1891 بشراء حوالي 750 ألف هكتار من أراضي الأرجنتين، وجلب ما يقرب من 3500 أسرة يهودية للاستيطان هناك، مع إمدادهم بالآلات الزراعية والخبراء اللازمين لتدريبهم. وأوكلت إلى الكولونيل جولد سميد مهمة الإشراف على تلك المستعمرات اليهودية، رغم أنـه لم يكن يُخفي تحفُّظه على مشـاريع توطـين اليهود خارج فلسطين، وكان ينظر إليها بوصفها مجرد خطوات تمهيدية لإقامة الدولة اليهودية على أرض فلسطين. 
وقد مرت هذه المستوطنات بفترات من الازدهار، ولا سيما في عقد الثلاثينيات الذي بلغ فيه الاستيطان اليهودي في الأرجنتين ذروته، حيث كان هناك حوالي 20 ألف مستوطن يزرعون حوالي 500 ألف هكتار من الأراضي الزراعية. إلا أن العقود التالية شهدت تدهور أوضاع المستوطنات نتيجة نقص مساحات الأراضي الصالحة للزراعة وسوء إدارة ممثلي جمعية إيكا وتزايد أعباء الديون على المستوطنين، وهو ما دفع أغلبهم إلى هجرة المستعمرات والاتجاه إلى الاستقرار في المدن الأرجنتينية الكبرى. 
مشــاريع توطينيــة أخـرى Other Settlement Projects 
إلى جانب مشاريع التوطين الرئيسية، مثل تلك التي استهدفت قبرص والعريـش وشرق أفريـقيا والأرجنتين، تعدَّدت المسـاعي الصهيونية، قبيل عقد المؤتمر الصهيوني الأول (1897)، وفي أعقابه، من أجل توطين اليهود في بقاع شتى تحت حماية هذه القوى الاستعمارية أو تلك. ففي عام 1891، وجَّه ماكس بودنهايمر نداء إلى أثرياء اليهود لإنشاء شركة تعمل على توطين يهود شرق أوربا في منطقة سهل البقاع في شمال لبنان. وقد أدرك بودنهايمر مدى اهتمام بريطانيا بهذه المنطقة، فتوجه إليها طالباً توفير الدعم والتأييد لهذا المشروع مقابل قيام المستوطنين اليهود بحماية مصالح بريطانيا الحيوية وتأمين مواصلاتها المؤدية إلى مستعمراتها في الهند. ولكن بريطانيا لم تُلق بالاً للمشروع خشية أن يؤدي إلى مواجهة لا مبرر لها مع الدولة العثمانية. وفي عام 1893، قام هنري دي أفيجدور بمحاولة أخرى لشراء مساحات من الأراضي في منطقة حوران لتكون قاعدة للاستيطان اليهودي، ولكن المحاولة مُنيت بالفشل نتيجة معارضة الدولة العثمانية وعدم تحمُّس الزعماء اليهود بالتالي لمشروع لا يحظى بحماية قوة كبرى. 
وفي العام نفسه، قدَّم أفيجدور التماساً إلى السلطان عبد الحميد نيابة عن جمعية أحباء صهيون، للسماح بتوطين اليهود في منطقة شرق الأردن، وذلك بعد أن قامت السلطات العثمانية بمنع أعضاء الجمعية من شراء الأراضي في فلسطين أو الاستقرار فيها بشكل دائم. وفي الوقت نفسه، قام العلامة بوهلندورف، وهو صهيوني ألماني، بوضع خطة لتجميع أكبر عدد ممكن من اليهود في شرق الأردن للاستقرار فيها وشن غارات منظمة على سكان المنطقة لحملهم على الرحيل تمهيداً لوضع أساس دولة يهودية هناك. إلا أن هذه المحاولات الثلاث لم تحظ بقبول الدولة العثمانية التي كانت تساورها مخاوف عميقة من عواقب توطين اليهود في المحيط العربي وما قد يجره ذلك من صراعات لا طائل من ورائها. 
ومع تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية، تسارعت وتيرة المساعي التوطينية الصهيونية وتعدَّدت وجهاتها. فخلال عامي 1903 و1904، حاول هرتزل إقناع السلطان العثماني، عن طريق مستشاره، بالموافقة على توطين عدد من اليهود في جنوب العراق، مقابل ضع الحركة الصهيونية في خدمة مصالح الدولة العثمانية والمساهمة في حل أزمتها المالية. إلا أن السلطان رفض فكرة الاستيطان الجماعي، لما يمكن أن تجره من عواقب وخيمة على علاقات الدولة ببريطانيا والعرب على حدٍّ سواء، ولكنه أبدى موافقته على الاستيطان اليهودي بشكل فردي وفي مناطق مختلفة داخل العراق أو خارجها بشرط حصول المستوطنين على الجنسية العثمانية، الأمر الذي لم يلق ترحيباً في أوساط الصهاينة الذين كانوا يتطلعون إلى إقامة دولة يهودية وليس مجرد توطين عدة أفراد. 
وفي عام 1905، واصل ديفيز ترييتش محاولاته الاستيطانية، بعد فشل مشروعي قبرص والعريش، فطلب من السلطان العثماني السماح لليهود بالاستيطان في القطاع الساحلي من منطقة أضنه الذي يتاخم الشاطئ السوري. بيد أن السلطان العثماني رفض الفكرة استناداً للمبررات نفسها التي دفعته إلى رفض مشروع جنوب العراق، وهو ما حدا بترييتش إلى التفكير في جزيرة رودس، التي كانت تبدو بقعة ملائمة للمشروع الصهيوني نظراً لموقعها على الطريق البحري بين شرق أوربا وفلسطين، فضلاً عن وجود حوالي خمسة آلاف يهودي في تلك الجزيرة من مجموع سكانها الذي كان يبلغ آنذاك حوالي 30 ألف نسمة. غير أن هذه الفكرة قوبلت مثل سابقتيها بالرفض والتجاهل. 
ولابد من الإشارة إلى مشاريع توطين بعض اليهود في أمريكا الشمالية، وكانت جميعها مشاريع عاطفية، إذ أن الولايات المتحدة كانت التجربة الاستيطانية الكبرى للإنسان الغربي، وكانت في حاجة إلى المهاجرين، ولم يكن هناك أي مبرر لأن تمنح المهاجرين من أعضاء الجماعات اليهودية أرضاً خاصة بهم لإقامة دولة. ومن أهم مشاريع الاستيطان في الولايات المتحدة تجربة موردكاي نواه المسماة «جبل أرارات». وهي تجربة لم يبق منها سوى حجر الأساس الموجود في متحف في مدينة بافالو الأمريكية، في ولاية نيويورك. 
مشـروع جبــل أرارات Ararat Mount Project 
انظر: «موردكاي مائويل نواه». 
موردكــاي نــواه (1785-1851) Mordecai Noah 
دبلوماسي أمريكي يهودي من رواد الفكر الصهيوني من أصل سفاردي، وكان أبوه تاجراً جوالاً مفلساً. وقد تيتم وهو بعد طفل، ولكنه علَّم نفسه بنفسه عن طريق القراءة كما تعلَّم حرفة النحت والتنكيل (أي كسوة المعادن بالنيكل) فعُيِّن في وزارة المالية الأمريكية. وفي عام 1800، بدأ نواه يعمل بالصحافة وأصبح محرراً في جريدة في تشارلستـون كتب فيها سلسـلة مقالات يحض فيها على الحرب مع إنجلترا. 
عُيِّن نواه عام 1812 قنصلاً في تونس، وذلك بهدف محاولة تحرير الجنود الأمريكيين الذين أسرهم القراصنة في البحر الأبيض المتوسط ولتقوية مكانة أمريكا في بلاد الشرق. وأثناء خدمته الدبلوماسية، أرسلت إنجلترا رسالة احتجاج إلى الولايات المتحدة لأنها قامت ببيع بعض الغنائم التي حصلت عليها من إنجلترا في إحدى موانئ الجزائر. وقد بيَّنت الرسالة أن هذا أمر لا يليق بأمة مسيحية، فكان رد نواه أن الولايات المتحدة لا يمكن تصنيفها على أنها أمة مسيحية، وتُعَد هذه سابقة لا مثيل لها. استُدعي إلى الولايات المتحدة بسبب بعض المخالفات المالية. وعند عودته إلى الولايات المتحدة، عمل نواه في الصحافة كما شغل عدة مناصب في ميناء نيويورك، وضابطاً في ميليشيا نيويورك. وكتب عدة مقالات ومسرحيات أحرز بعضها نجاحاً كبيراً. وأيَّد نواه ضم المكسيك إلى الولايات المتحدة، وهاجم الدعوة إلى إلغاء الرقيق. 
يرتبط اسم نواه بمشروع صهيوني سماه «أرارات» يُقام في جراند أيلاند في شلالات نياجارا لتوطين اليهود. وقد قدم التماسه هذا عام 1820 للمجلس التشريعي الخاص بالولاية. وفي عام 1825، أرسل نداءه ليهود العالم بأن يتبعوه إلى جبل أرارات («نواه» هو النطق الإنجليزي لكلمة «نوح»، ومن ثم فإن نواه هو نوح الذي سيقود البقية الصالحة إلى جبل أرارات بعد أن يجتاح الطوفان العالم).
ومما له دلالته أن الالتماس الذي قدَّمه للسلطات الأمريكية يسبق النداء الذي أطلقه ليهود العالم، فنواه كان يعرف الأولويات جيداً. فقد كان يدرك أن المشروع الصهيوني لا يمكن أن تقوم له قائمة بدون معونة المسيحيين، ولكن المسيحيين في معجمه هم القوة الأمريكية الصاعدة. ولذا، فقد كان دائماً يتحدث عن ضرورة أن يدرك الأمريكيون أهمية مشروعه وأن يعرفوا أن النبوءات الإنجيلية لا تشير إلى العودة الروحية لليهود وإنما تشير إلى عودتهم الفعلية والحرفية. وفي عام 1825، قام نواه بوضع حجر الأساس في كنيسة سان بول في بافالو (وليس في أي معبد يهودي)، ولم يضع حجر الأساس في الجزيرة نفسها لأنه لم يتمكن من توفير عدد من القوارب يحمله إلى هناك. ولكن دعوته لم تجد أي صدى بين الجماهير اليهودية، ولم يبق من مشـروعه سـوى حجر الأساس الذي يوجد الآن في جمعية بافالو التاريخية. 
ولم يتوقف نواه عن نشاطه، إذ ألقى محاضرة عام 1844 يطالب فيها بإنشاء دولة يهودية في فلسطين. وقد أرسل الرئيس الأمريكي جون أدامز (1797 ـ 1801) رسالة إلى نواه عبَّر فيها عن أمله في أن يعود اليهود إلى فلسطين. ولكنه أحس أن أمنية صهيونية كهذه قد يُشتمُّ منها أنها معادية لليهود، ولذا فإنه أضاف قائلاً أنه يتمنى أن يرى اليهود مواطنين في كل مكان في العالم (وهذه دعوة معادية للصهيونية).
إسحق ستاينبرج (1888-1957) Isaac Steinberg 
كاتب وسياسي روسي، وأحـد قادة تيار «الصــهيونية الإقليمية». وُلد في لاتفيا لعائلة تجمع بين المحافظة على التقاليد اليهودية والتحمس لأفكار حركة التنوير. تلقَّى في صباه تعليماً دينياً تقليدياً، ثم درس القانون في جامعة موسكو ولكنه فُصل منها لانخراطه في أنشطة اشتراكية ثورية، فتَوجَّه إلى ألمانيا وأكمل دراسته في جامعة هايدلبرج حيث حصل على درجة الدكتوراه في القانون وكان موضوع أطروحته «قانون العقوبات في التلمود». 
وترجع علاقة ستاينبرج بالحركة الاشتراكية الروسية إلى عام 1906 عندما انضم وهو طالب إلى الحزب الاشتراكي الثوري الذي تَركَّز نشاطه في أوساط الفلاحين الروس. وقد تَبنَّى ستاينبرج الدعوة إلى استخدام العنف الفردي لمواجهة القيصرية انطلاقاً من رفض المفاهيم الماركسية التقليدية بشأن الدور القيادي للطبقة العاملة والشروط الموضوعية للثورة. وبسبب أنشطته في صفوف هذا الحزب، تَعرَّض ستاينبرج للسجن والنفي خارج روسيا حتى عام 1910. وبعد عودته، واصل أنشطته السياسية والصحفية فكان يشارك في العديد من الدوريات العامة والقانونية فضلاً عن المطبوعات الاشتراكية. وبعد ثورة أكتوبر 1917، شغل ستاينبرج منصب مفوض القانون (وزير العدل)، إلا أن ذلك لم يَدُم طويلاً حيث أُقصى من منصبه إثر احتدام الصراع بين الاشتراكيين الثوريين والبلاشفة، كما تَعرَّض للسجن عدة مرات، وهو ما دفعه إلى الرحيل عن روسيا عام 1923. وفي الخارج، استمر ستاينبرج في أنشطته متنقلاً بين برلين ولندن حتى استقر به المقام في نيويورك عام 1943. وقد وضع ستاينبرج عدة مؤلفات عن دوره في الحركة الاشتراكية الروسية وتقييمه للثورة، وأبرزها كتاب الجانب الأخلاقي للثورة (باليديشية ـ 1925)، وكتاب ذكريات أحد مفوضي الشعب (بالألمانية، 1929)، وكتاب في ورشة الثورة (بالإنجليزية، 1953 ـ 1955).
أما اهتمام ستاينبرج بحركة «الصهيونية الإقليمية» فيعود إلى الفترة التي شهدت وصول الحزب النازي بزعامة هتلر إلى السلطة في ألمانيا، حيث كان يرى أن حماية يهود أوربا أمر لا يحتمل التأجيل إلى أن تتغيَّر السياسة البريطانية بشأن فلسطين. ولذلك، بادر عام 1933 بتشكيل عصبة الأرض الحرة التي تبنَّت فكرة إقامة وطن قومي لليهود في أي مكان خارج فلسطين. وقد سعى ستاينبرج إلى إقناع الحكومة الأسترالية بإقامة مستعمرة يهودية تتمتع بالحكم الذاتي في شمال غربي أستراليا، إلا أن مساعيه باءت بالفشل فتقدم بخطة مماثلة إلى سلطات سورينام قوبلت هي الأخرى بالرفض التام. وكان من شأن هذه الإخفاقات المتتالية أن ابتعد ستاينبرج تدريجياً عن العمل العام وتَفرَّغ للكتابة. وقد سرد تفاصيل مساعيه هذه في كتابه أستراليا: الأرض غير الموعودة (باليديشية ـ 1945).
والواقع أن سيرة ستاينبرج تقدِّم نموذجاً فريداً لتَجاوُر المتناقضات الصارخة، فهو يهودي أرثوذكسي لم ينج من تأثيرات خلفيته التقليدية المحافظة طوال حياته، وهو في الوقت نفسه اشتراكي ثوري يشارك بحماس لما يقرب من ثلاثة عقود في حركة سياسية ذات منطلقات علمانية جذرية، وهو بعد ذلك من أشد أنصار دعوى ما يُسمَّى «لقومية اليهودية» بما تنطوي عليه من مضامين عنصرية رجعية. وليس هناك ما يشير إلى تَراجُعه عن أيٍّ من تلك الانتماءات المتضاربة.


الباب الرابع عشر: الصهيونية الإقليمية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الرابع عشر: الصهيونية الإقليمية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الرابع: الجـباية الصهيونية
» الجزء الرابع: الباب الأول: موقف الصهيونية وإسرائيل من الجماعات اليهودية في العالم
» الباب العاشر: الصهيونية العامة (أو الصهيونية العمومية)
» الباب الخامس: الصهيونية التوطينية
» الباب التاسع: الصهيونية السـياسية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: