منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الخامس: الصهيونية التوطينية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الخامس: الصهيونية التوطينية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الخامس: الصهيونية التوطينية    الباب الخامس: الصهيونية التوطينية  Emptyالإثنين 24 فبراير 2014, 7:08 am

الباب الخامس: الصهيونية التوطينية 
الصهيونية التوطينية: تعريف Settlement Zionism: Definition
»الصهيونية التوطينية« هي صهيونية اليهودي الذي يرفض الهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها، ومع هذا يستمر في الادعاء بأنه صهيوني وتأخذ "صهيونيته" المزعومة شكل دَعْم الدولة الصهيونية مالياً وسياسياً والمساهمة في توطين اليهود الآخرين. ونحن نضع «الصهيونية التوطينية» مقابل «الصهيونية الاستيطانية». وتاريخ الصهيونية التوطينية منفصل إلى حدٍّ كبير عن تاريخ الصهيونية الاستيطانية، كما أن جماهير الأولى مختلفون بشكل جوهري عن جماهير الثانية. وترجمة كلمة «توطينية» باللغة الإنجليزية صعبة بعض الشيء ويمكن أن تكون «ستلنج Settling» بمعنى «من يقوم بتوطين آخر»، ولكننا ترجمناها بكلمة «ستلمنت Settlement» نظراً لسلاستها، ونظراً لأنها استُخدمت بهذا المعنى في أسماء المنظمات الصهيونية التوطينية على أن نترجم كلمة «صهيونية استيطانية» بـ «ستلركولونيال زايونيزم Settler Colonial Zionism». 
الصهيونية التوطينية: تاريخ Settlement Zionism: History 
»الصهيونية التوطينية« مصطلح قمنا بسكه لنشير إلى الصهيوني الذي يؤمن بأن الصيغة الصهيونية الأساسية (َقْل بعض أو كل يهود أوربا خارجها) تنطبق على يهودي أو صهيوني آخر ولا تنطبق عليه هو شخصياً. وتقف صهيونية مثل هذا الصهيوني عند حد الدعم المالي والسياسي للمشروع الاستيطاني دون الهجرة بنفسه، أي أنه يتخلى عن التطبيق الفعلي لأحد أهم جوانب الصهيونية (الاستيطانية) دون التخلي عن تأييده ودعمه. ولذا، فإن الصهيونية التوطينية هي أهم أشكال التملص اليهودي من الصهيونية. والواقع أن تاريخ الصهيونية التوطينية مواز تماماً لتاريخ الصهيونية الاستيطانية وينقسـم إلى مرحلتين أيضـاً: مرحــلة ما قبل هرتزل وبلفور وما بعدها. 
المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل هرتزل وبلفور. 
1 ـ صهيونية غير اليهود: وهي صهيونية توطينية بطبيعتها، إذ أن المادة البشرية المُستهدَفة هي اليهود وهم جماعة لا ينتمي إليها الصهيوني غير اليهودي. 
2 ـ صهيونية الأثرياء اليهود المندمجين وتُسمَّى أيضاً الصهيونية الخيرية: تبنَّى بعض أثرياء الغرب الصيغة التوطينية بهدف إبعاد يهود اليديشية المهاجرين إلى بلدهم. وقد أُسِّست مؤسسات توطينية لهذا الهدف. 
ثم ظهر هرتزل وطوَّر الخطاب الصهيوني المراوغ وطرح صيغته الصهيونية والعقد الصهيوني الصامت الذي يسمح للصهاينة التوطينيين من الغرب والاستيطانيين من يهود اليديشية من الشرق بالانخراط في حركة سياسـية واحـدة (رغم تباين الأهداف) تحت مظلة الإمبريالية الغربية. ويتبنَّى الجميع (الصهاينة اليهود والصهاينة غير اليهود التوطينيون والاستيطانيون) الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة، ويُسقط عليها اليهود منهم الخطاب الحلولي الكموني العضوي. وقد أخذ وعد بلفور في الاعتبار هذا الانقسام حين أسقط كلمة «الجنس اليهودي» وحين أكد أن الوعد لم يخل بالحقوق والأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أية دولة أخرى. 
المرحلة الثانية: مرحلة ما بعد هرتزل وبلفور. 
أصبحت الصهيونية التوطينية هي صهيونية الشتات أو الدياسبورا إذ تحوَّلت الصهيونية التوطينية من صهيونية الأثرياء إلى صهيونية كل صهاينة العالم الغربي، وأصبحت مهمتهم العمل من أجل دعم المُستوطَن الصهيوني (مالياً وسياسياً). وقد كانت هناك توترات بين الاستيطانيين والتوطينيين في هذه المرحلة ولكنها ظلت تحت السطح بسبب حاجة المستوطنين للتوطينيين، وبسبب انشغالهم في قضية الاستيطان وطَرْد العرب وبسبب عجزهم عن الحركة بسهولة بين أعضاء الجماعات اليهودية في العالم وفي أروقة الحكومات الغربية. وبعد عام 1913 (المؤتمر الصهيوني الحادي عشر)، تتغير الصورة بعض الشيء، إذ يصبح الاستيطانيون (من شرق أوربا) قادة الحركة الصهيونية بلا منازع وتكتسب صهيونية الدياسبورا مضموناً جديداً وهو قضية الهوية إذ يصبح تقسيم العمل كما يلي: يدعم الصهاينة التوطينيون المُستوطَن الصهيوني ويصبح هو مركزاً للهوية اليهودية وركيزة أساسية لها. وفي هذه الموسـوعة، حينـما تكون الإشـارة للصهيونية التوطينية، فإن الإشارة تكون عادةً للمرحلة الثانية التي تتضمن الدعم المالي والضغط السياسي من أجل المُستوطَن الصهيوني وتدعيم هوية يهود الخارج. وينقسم الصهاينة التوطينيون إلى اثنيين دينيين وإثنيين علمانيين. 
الصهيوني اليهودي غير اليهودي Non-Jewish Jewish Zionist 
«الصهيوني اليهودي غير اليهودي» مصطلح قمنا بصياغته لوصف بعض زعماء الحركة الصهيونية في مرحلة تأسيسها، كما يمكن استخدامه لوصف كثير من جماهير الصهيونية في الوقت الحالي. و«اليهودي غير اليهودي» هو يهودي فقد الإيمان الديني، ومن ثم فإنه لا يمارس شعائر دينه، كما أنه اندمج تماماً في مجتمعه بحيث لم يَعُد يتسم بأية سمات إثنية يمكن أن يُطلَق عليها «يهودية» إذ لم يبق من هذه الهوية إلا قشرة رقيقة لا أهمية لها، ولكنه رغم ذلك يُصنَّف باعتباره يهودياً إما لأن الآخرين يقومون بتصنيفه كذلك رغماً عنه أو لأنه يدَّعي ذلك. 
ونحن نذهب إلى أن مؤسسي الحركة الصهيونية من ذوي الخلفية الألمانية (هرتزل ونوردو ونوسيج) هم يهود غير يهود فقدوا كل ما يربطهم باليهودية، ولكنهم وجدوا أنفسهم، بسبب هجرة يهود اليديشية، قد أُعيد تصنيفهم كيهود. وبدأ الهمس بشأن تهديد «اليهود» للأمن القومي، ولذا فقد بدأ هؤلاء في البحث عن حل لمسألتهم اليهودية التي فُرضت عليهم فرضاً. وقد كانت الصيغـة الصهيونية الأساسـية مطروحة في أوربا، فقام هرتزل باكتشافها واكتشاف الإمبريالية كآلية لتنفيذها وطوّر صياغته الهرتزلية المراوغة التي جعلت بإمكان يهود شرق أوربا قبول الصيغة الأساسية الشاملة وتهويدها. وكان بإمكان هرتزل اليهودي غير اليهودي أن يلعب هذا الدور لأنه كان يُعَد يهودياً في نظر عالم غير اليهود (بسبب القشرة اليهودية المتبقية)، كما كان يُعَد غربياً من قِبل يهود شرق أوربا إذ لم يروا فيه شيئاً يهودياً. ولذا، أمكن هرتزل أن يقوم بدور الجسر الموصل بين هذين العالمين. 
ورغم الاختلاف بين هرتزل وأثرياء الغرب المندمجين، فإن هؤلاء أيضاً كانوا صهاينة يهوداً غير يهود وجدوا أنفسهم مشغولين بحل المسألة اليهودية رغم أنفهم ومتورطين في الحلول الصهيونية. ويُلاحَظ أن القيادة الصهيونية اليهودية غير اليهودية كانت دائماً مشغولة بإفراغ أوربا من اليهود وفي أسرع وقت وكانت لا تكترث إلا قليلاً بطبيعة الدولة الوظيفية المزمع إنشاؤها بتوجهها الإثني أو الديني أو العقائدي. ويمكن القول بأن صهيونية هؤلاء اليهود غير اليهود لا تختلف كثيراً عن صهيونية غير اليهود، فكلاهما ينظر للمادة البشرية المُستهدَفة من الخارج، وكلاهما يحاول تخليص أوربا منها وتوظيفها لصالحها ولا يرى لها أية قيمة في حد ذاتها. وحينما تم تهويد الصيغة الصهيونية الأساسية واستبطنتها المادة البشرية، استولت القيادات من يهود شرق أوربا على المنظمة الصهيونية وتخلَّى الصهاينة اليهود غير اليهود عن القيادة بالاستمرار في الدعم المالي والمعنوي، شأنهم في هذا شأن دول العالم الغربي. 
وبعد تأسيس الدولة، وبعد استيلاء الصهيونية على مقاليد الأمور بالنسبة للجماعات اليهودية والغرب، حَدَث تطوُّر من نوع آخر إذ ظهر في الغرب اليهودي غير اليهودي مدَّعي اليهودية. وقد انضمت أعداد كبيرة من هؤلاء للحركة الصهيونية للحفاظ على بقايا هويتهم. وقد قبلتهم الحركة الصهيونية حتى يمكنها الاستمرار في ابتزازهم مالياً وتوظيفهم في دعم المُستوطَن الصهيوني وفي الضغط السياسي من أجله. ومثل هؤلاء الصهاينة اليهود غير اليهود على استعداد تام للقيام بهذه المهمة ما دامت لا تؤدي إلى وضع ولائهم لأوطانهم موضع الشك وما دامت لا تضطرهم إلى الهجرة، وهو ما يعني أن نشاطهم الصهيوني يدور في نطاق المصالح الغربية والعقد الاجتماعي الغربي. ولذا، يمكن القول بأن صهيونية اليهود غير اليهود (رغم اختلاف جذور اليهودية المزعومة من القسر الخارجي إلى الادعاء الذاتي) لم تتغيَّر، وهي امتداد غربي داخل اليهود واليهودية وليست امتداداً يهودياً داخل الحضارة الغربية. 
صهيونية الصالونات Salon Zionism 
«صهيونية الصالونات» اصطلاح سكه المفكر الصهيوني العمالي بوروخوف، ويشير إلى صهيونية أعضاء الطبقة الوسطى اليهود الذين لا يوجد لديهم حافز قوي لتأسيس الدولة الصهيونية، ولذا فهم يتحدثون عنها ولكنهم، بسبب موقعهم الطبقي، لن يبحثوا بشكل جذري عن طريقة عملية لتأسيسها. ولم يجد المصطلح رواجاً ولم يستخدمه أحد في الأدبيات الصهيونية رغم أهميته، وهو يكاد يرادف مصطلح «الصهيونية التوطينية». 
صهيونية أثرياء الغرب اليهود المندمجين (لتوطينية) 
Settlement Zionism of the Assimilated Wealthy Jews of Western Europe 
«صهيونية أثرياء الغرب» شكل من أشكال الصهيونية التوطينية (بين اليهود في مرحلة ما قبل هرتزل وبلفور) ظهرت بين أثرياء الغرب اليهود المندمجين. وقد كان هؤلاء الأثرياء بمنزلة قيادة ليهود العالم بسبب نفوذهم المستمد من ثروتهم وتواجدهم في مواقع مهمة داخل التشكيل الحضاري الغربي، فهم كانوا لا يزالون يلعبون دور الوسيط (شتدلان) التقليدي، ويتشفعون لأعضاء الجماعات اليهودية عند الحكام والسلطات الرسمية. ولعل حادثة دمشق وتدخُّل موسى مونتفيوري من أهم الأمثلة على ذلك. 
ومع النصف الأخير من القرن التاسع عشر، تدفَّق يهود اليديشية من شرق أوربا على غربها وتحوَّلت القضية بالتدريج من مجرد تشفُّع لهذا اليهودي أو تلك الجماعة إلى قضية توطين اليهود في أماكن متفرقة من العالم، أي أنها أصبحت قضية الصهيونية التوطينية. والواقع أن تبنِّي أثرياء الغرب المندمجين أحد أشكال الصهيونية ينم عن تناقض عميق، إذ أن طبيعة وضعهم في مجتمعاتهم كان يستند إلى تصوُّر أنهم أعضاء أقلية دينية وحسب لا يربطهم بأعضاء الجماعات اليهودية الأخرى سوى رباط واه، وأن ولاءهم يتجه لأوطانهم بالدرجة الأولى والأخيرة، وأن هويتهم القومية (الإنجليزية أو الفرنسية مثلاً) لا علاقة لها بانتمائهم الديني ولا تتأثر به. وهم في اندماجهم هذا يُعدُّون مثلاً حياً لانتصار المُثُل الليبرالية وعلى مدى عظمة الحضارة الغربية. ولكنهم بتورُّطهم في مشروع صهيوني (حتى لو كان توطينياً)، يقرون ضمناً بوحشية الحضارة الغربية التي تقتلع أعضاء الأقليات التي تعيش بين ظهرانيها وبفشل المُثُل الليبرالية ومُثُل الاندماج والتحديث. 
ولكن أثرياء الغرب المندمجـون وقعـوا في هـذا المأزق لأسباب خارجة عن إرادتهم، فرغم عدم تَماثُل تجربة أثرياء الغرب مع التجربة اليديشية الحضارية والسياسية، ورغم أن مصير أعضاء كل جماعة كان مرتبطاً تماماً بالحركيات التاريخية لمجتمعهم، ومع تعثُّر التحديث في شرق أوربا (وهو تعثُّر صاحَبه انفجار سكاني حاد بين أعضاء الجماعات اليهودية) خرج مئات الألوف بل الملايين من اليهود الفائضين من شـرق أوربا ووصـلت جحـافلهم إلى النمـسا وفرنسا وشواطئ بريطانيا. وقد هدَّد هؤلاء اليهود المواقع الطبقـية والمكـانة المتميِّزة الجديدة التي كان يشغلها يهود الغرب المندمجون. بل يُقال إنهم كانوا يهددون الأمن الاجتماعي للدول التي يهاجرون إليها. وهنا حدث التشابك بين «مصير» يهود شرق أوروبا وأثرياء يهود الغرب (و«تشابك المصير» يختلف عن وحدة المصير التي يتحدث عنها الصهاينة)، فيهود الغرب نظروا إلى القادمين على أنهم (على أسوأ تقدير) خطر يتهددهم أو على أنهم (على أحسن تقدير) إخوة في الدين سيئو الحظ يستحقون الإحسان. وقد عبَّر ذلك عن نفسه من خلال مشاريع صهيونية توطينية يمولها يهود الغرب لإغاثة يهود الشرق وللتخلص منهم في الوقت نفسه. 
وقد كان أثرياء اليهود في الغرب، مثل روتشيلد وهيرش ومونتفيوري، على استعداد لتمويل مشروعات لتوطين يهود شرق أوربا في أية بقعة خالية (أو يُتصوَّر أنها خالية) خارج أوربا (مثل الأرجنتين) وظهرت المؤسسات التوطينية اليهودية المختلفة التي كان يدعمها هؤلاء الأثرياء (مثل الأليانس وجمعية الإغاثة التي كانت تهدف إلى توطين اليهود في مختلف أنحاء العالم وإلى تحسين أحوال أعضاء الجماعات اليهودية، وخصوصاً في شـرق أوربا في أوطـانهم بما يكفُل عدم هجرتهم). وكانت هذه المؤسسات تقوم بتدريب أعضاء الجماعات اليهودية حتى يمكنهم إما التكيف مع الأوضاع الاقتصادية الجديدة في أوطانهم الأصلية أو العمل في مهنة جديدة تحتاج إليها الأوطان الجديدة التي وُطِّنوا فيها. 
ويجب تأكيد أن هذه المشاريع والمساعدات التي يمكن أن نطلق عليها «الصهيونية الخيرية» أو «صهيونية الإغاثة والإنقاذ» كانت تتسم بما يلي: 
1 ـ قلّصت الصهيونية التوطينية نطاق اهتمامها، فهي لا تهتم باليهود ككل، وإنما بيهود شرق أوربا وحسب، وخصوصاً الفقراء الذين يتم توجيه عملية الإنقاذ والإغاثة إليهم وحدهم (أما يهود الغرب أنفسهم فيتم إنقاذهم من يهود اليديشية. وقد لاحَظ هرتزل أن الصهيونية التوطينية تتضمن نزعة معادية لليهود).
2 ـ تتم عملية الإنقاذ بشكل عملي برجماتي خارج أي مشروع قومي أو سياسي يهودي مستقل، فالصهيونية التوطينية معادية لما يُسمَّى «القومية اليهودية»، ولذا فإن مشاريعها لم تكن مرتبطة بفلسطين أو أرض الميعـاد ولا بالأفكـار الدينية اليهـودية التقـليدية ولا باللغة العبرية، وكانت الأليانس (على سبيل المثال) تدافع عن استخدام الفرنسية.
3 ـ يُلاحَظ أن كل شخصية، وكل جمعية صهيونية خيرية، كانت تتبع في نشاطها الدولة الأوربية التي تنتمي إليها، فالأليانس كانت تتبع فرنسا وتحاول الدفاع عن المصالح والثقافة الفرنسية، على عكس جمعية الإغاثة التي كانت تحاول الدفاع عن المصالح والثقافة الألمانية، وبهذا يؤكد الصهاينة التوطينيون انتماءهم الكامل لأوطانهم. 
4 ـ لا يمكن إنكار أن روتشيلد، أو غيره من أثرياء الغرب، استفادوا كأفراد من نفوذهم في العالم الغربي ومن علاقتهم مع الحكومات الاستعمارية المختلفة في عملية شراء الأرض لتوطين الفائض اليهودي من شرق أوربا. ولكن هذا لا يُغيِّر بتاتاً التوجُّه الكلي ذا الطابع الخيري الإغاثي الذي ينفر من الإطار العقائدي الصهيوني. 
5 ـ لما كانت عملية التوطين عملية إنقاذ وإغاثة بدون ديباجة قومية، فإنها ستتم في أية بقعة من العالم )لأرجنتين أو شرق أفريقيا أو فلسطين)، وبشكل قانوني عن طريق شراء الأرض. ولم يول صهاينة الغرب المندمجون مشكلة السكان الأصليين أي اهتمام لأن الأمر لم يكن يعنيهم كثيراً، ولأن اهتمامهم كان ينصب بالدرجة الأولى على تخليص أوربا من فائضها اليهودي وتوطينه في أي مكان وبأية شرط (تجدُر الإشارة هنا إلى أنه، على مستوى الممارسة، كان مندوبو روتشيلد وجماعة أحباء صهيون يشترون الأرض في فلسطين ويطردون سكانها منها ويوطنون فيها اليهود) ويمكننا أن نقول إن أولى الاتجاهات الصهيونية بين اليهود هي صهيونية الأثرياء المندمجين في غرب أوربا. وقد توجَّه إليهم صهاينة شرق أوربا التسلليون. ويمكن أن نضع داخل هذا الإطار محاولات السير موسى مونتفيوري، والبارون موريس دي هيرش المليونير اليهودي الذي ساهم بتبرعات سخية للأليانس وموَّل مشروعات توطين اليهود في الأرجنتين وغيرها من البلدان وأسَّس جمعية الاستيطان اليهودي (إيكا) لهذا الغرض، وإدموند جيمس دي روتشيلد، وجمعية الإغاثة اليهودية في ألمانيا، وجمعية الأليانس، والمحاولات المختلفة الرامية إلى توطين اليهود في الأرجنتين والبرازيل. وقد ظهرت عدة مؤسسات توطينية استمرت في نشاطها حتى الحرب العالمية الثانية. بل لا يزال بعضها يمارس نشاطه في الوقت الحالي رغم اعتراض المنظمة الصهيونية العالمية. 
ورغم أن يهود الغرب وأثرياءهم هم الذين مولوا عمليات التوطين الأولى، فإنهم لم يكونوا قط مرشحين لقيادة الحركة الصهيونية لعدة أسباب: 
1 ـ لم يوافق هؤلاء اليهود قط على المضمون القومي للتوطين الذي كان يهود الشرق يحاولون فرضه. 
2 ـ بعد أن أصبح المشروع الصهيوني جزءاً لا يتجزأ من المشروع الاستعماري الغربي، رضخ يهود الغرب للأمر الواقع. ولكنهم آثروا، مع هذا، الاحتفاظ بمسافة بينهم وبينه، فهم في نهاية الأمر مستفيدون من المُثُل الليبرالية السائدة في مجتمعاتهم، وهي مُثُل تتناقض مع المُثُل التي ينطلق منها المشروع الصهيوني. 
3 ـ لم يكترث يهود الغرب بيهودية المشروع الصهيوني، فما كان يعنيهم أساساً هو إبعاد يهود شرق أوربا عنهم. وهم، في هذا، كانوا أقرب للصهاينة غير اليهود منهم للصهاينة من اليهود، ولذا فهم صهاينة يهود غير يهود. 
4 ـ لم تكن هذه القيادات تعرف شيئاً عن المادة البشرية اليهودية المستهدفة التي كان يُراد نَقْلها إلى فلسطين، كما لم تكن تدرك لغتها ولا طموحاتها أو آلامها، ولذا فقد كانت تنظر إليها من الخارج شأنها في هذا شأن صهيونية غير اليهود. 
5 ـ كانت قوة أثرياء الغرب في نهاية الأمر محدودة، فقد كانوا يملكون أن يتوسطوا لدى السلطان العثماني ليُحسِّن أحوال اليهود أو ليمنحهم قطعة أرض، ولكن لم يكن بوسعهم أن يطلبوا لليهود أرضاً ينشئون عليها دولة، كما أنهم لم يكن عندهم أي إدراك لحتمية الاستعانة بالإمبريالية في أية عملية توطينية. 
وحينما ظهرت الصهيونية التسللية، حاول الصهاينة التسلل إلى فلسـطين لإنشـاء دولة يهودية دون مظلة إمبريالية (أي أن التسلليين ـ رغم اختلاف مقاصدهم عن مقاصد أثرياء اليهود في الغرب ـ وقعوا في الخطأ نفسه، فقد نظروا إلى قضية الاستيطان دون إدراك حتمية الاستعانة بالإمبريالية). ولذا، فقد توجَّهت الصهيونية التسللية إلى روتشيلد وغيره طالبة منهم العون. ولعل عدم إدراك حتمية الاستعانة بالإمبريالية في عملية الاستيطان والتوطين هي الرقعة المشتركة بين التسلليين وأثرياء الغرب المندمجين، وذلك رغم أن التسلليين استيطانيون والأثرياء توطينيون. ثم ظهر هرتزل الذي أدرك حتمية الاستعانة بالإمبريالية الغربية لإنشاء الدولة اليهودية، فتخطى يهود الغرب وأثرياءهم وتسلليي الشرق، وتوجَّه إلى الدول الاستعمارية مباشرةً فسقطت القيادة في يده منذ البداية. ويتفق هرتزل مع أثرياء الغرب التوطينيين في عدم اكتراثه بمشاكل الهوية والوعي، فهو ينظر إلى يهود اليديشية من الخارج تماماً كما ينظر إليهم أثرياء الغرب. ولكنه، مع هذا، طوَّر الصيغة المراوغة التي تركت الباب مفتوحاً أمامهم ليلقوا بالصدقات على الاستيطانيين دون أن تطأ أقدامهم أرض الميعاد نظير ألا يهاجمـهم أحد أو يتهمـهم بالتنكر ليهوديتهم. والواقع أن هذا جزء من العقد الصهيوني الصامت. 
ومع صدور وعد بلفور، دخلت الصهيونية التوطينية مرحلة جديدة تماماً، فقد سقطت تهمة ازدواج الولاء إذ تحولت الصهيونية نفسها إلى مشروع تابع للحضارة الإمبريالية الغربية، وتأييد مثل هذا المشروع يمكن أن ينبع من الولاء للوطن الأم ولا يتناقض مع وطنية المرء، وهذا ما كان يعنيه برانديز حين قال: "كي أصبح مواطناً أمريكياً صالحاً، يجب أن أصبح يهودياً أفضل، وكي أصبح يهودياً أفضل يجب أن أصبح صهيونياً"، ذلك أن الصهيونية واليهودية والوطنية الأمريكية أمور مترادفة بالنسبة له ولصهاينة الغرب التوطينيين، ومن ثم أصبح بالإمكان اندماج الصهيونية الدبلوماسية الاستعمارية وصهيونية الأثرياء المندمجين لتظهر صهيونية الشتات التوطينية.
موسى مونتفيوري (1784-1885) Moses Montefiore 
ثري ومالي بريطـاني يهـودي، زعيم الجماعة اليهودية في إنجلترا، ومن كبار المدافعين عن الحقوق المدنية لليهود في إنجلترا والعالم. وُلد في بريطانيا لأسرة إنجليزية ذات أصول إيطالية سفاردية استقرت في إنجلترا في القرن الثامن عشر. وبدأ عمله كسمسار في بورصة لندن حيث حقق ثراءً سريعاً. وقد ارتبط بعائلة روتشيلد المالية الثرية من خلال المصاهرة، الأمر الذي ساعده في مجال أعماله. وقد كان مونتفيوري من أوائل المشاركين في تأسيس البنوك الصناعية بالتعاون مع المؤسسة الإنجليزية ـ الأمريكية العاملة في مجال الماس والمال والتي اشترك في تأسيسها إرنست أوبنهايمر اليهودي الثري رجل الصناعة والمال في جنوب أفريقيا. وقد حقق مونتفيوري ثروة طائلة من خلال أعماله، وهو ما مكَّنه من اعتزال العمل عام 1824. وقد كان مونتفيوري ثاني يهودي يتولى منصب عمدة لندن وأول يهودي يحصل على لقب «سير». 
وقد كرَّس مونتفيوري جهوده بعد ذلك للقضايا المرتبطة بأوضاع الجماعات اليهودية في شرق أوربا والعالم الإسلامي، وزار فلسطين سبع مرات، وقدم لمحمد علي باشا عام 1838 خطة لتوطين اليهود في فلسطين تتضمن توفير وضع متميِّز لليهود وقدر كبير من الاستقلال الذاتي وتنمية المشاريع الزراعية والصناعية في فلسطين حتى يحقق اليهود الاعتماد على الذات. وفي المقابل، اقترح مونتفيوري تأسيس البنوك في المدن الرئيسية في المنطقة لتقدِّم التسهيلات الائتمانية للمنطقة بأكملها. وقد ساهم مونتفيوري في تأسيس بعض المستوطنات الزراعية في الجليل ويافا، وأسَّس أول حي يهودي خارج أسوار مدينة القدس القديمة، كما أسس بعض المشاريع الصناعية. وقد التقى بمحمد علي مرة أخرى في القاهرة عام 1840 لبحث قضية دمشق، إلا أن مشاريعه في فلسطين تعثرت بعد خروج محمد علي من فلسطين تحت ضغط القوى العظمى في تلك الفترة. ومع ذلك، نجح في إقناع السلطان العثماني بمنح الامتيازات التي كان يتمتع بها الأجانب لليهود في جميع أرجاء الإمبراطورية العثمانية، وهو ما ساهم بدون شك في تحويلهم إلى عنصر أجنبي منبتّ الصلة بالمنطقة وذي قابلية خاصة للتحول إلى جماعة وظيفية استيطانية . وقد اهتم مونتفيوري أيضاً بأوضاع الجماعات اليهودية في شرق أوربا، فزار روسيا عامي 1846 و1872 لبحث حالتهم مع الحكومة القيصرية، كما زار المـغرب عـام 1863 ورومانيا عام 1867 للغرض نفسه. 
وقد اكسبته جهوده لصالح الجماعات اليهودية، ومهاراته وحنكته الدبلوماسية، وقدرته على الوصول إلى الحكام المناسبين، مكانة واحتراماً كبيراً، خصوصاً لدى الحكومة البريطانية حيث كان كثير من نشاطاته متفقة مع السياسات الاستعمارية البريطانية. وكان تأييده للاستيطان اليهودي في فلسطين، شأنه شأن معظم الأثرياء اليهود المندمجين في الغرب، يهدف إلى تحويل تيار الهجرة المتدفق من شرق أوربا على غربها بعيداً عنها، لأن هذا التيار كان يهدد وضعه الطبقي والحضاري في إنجلترا. ولذلك، كان من أهم اهتماماته تحويل اليهود إلى قطاع اقتصادي منتج، عن طريق رَبْطهم بالأرض ومهنة الزراعة وإنشاء المستوطنات الزراعية وإدخال العلوم العصرية في المدارس اليهودية في شرق أوربا. وقد واصل ابن أخته يوسف سيباج مونتفيوري (1822 ـ 1903) نشـاط خاله في فلسـطين، وتولَّى منصب نائب رئيـس حركة أحباء صهيون. وقد أُعيد دفن جثمان مونتفيوري وزوجته في إسرائيل عام 1973. 
موريس دي هيرش (1831-1896) Maurice de Hirsch 
ثري ألماني يهودي، ومؤسس جمعية الاستيطان اليهودي، وأول من فكر في إعادة توطين اليهود على نطاق واسع. وقد وُلد هيرش لعائلة يهودية ثرية ومرموقة وكان والده من يهود البلاط. وقد تلقى في صباه دراسة دينية وتعلَّم العبرية. وفي بروكسل، اشتغل في مؤسسة مصرفية كبيرة مملوكة لعائلة يهودية مالية ذات مكانة مرموقة في بلجيكا، هي عائلة بيسخوفشايم. وقد ارتبط هيرش بهذه العائلة من خلال الزواج، وهو ما سهَّل له البدء في مشاريع تمويل بناء السكك الحديدية في تركيا والنمسا ودول البلقان. وقد كان للمموِّلين اليهود بصفة عامة (في القرن التاسع عشر) دور مهم في تمويل بناء السكك الحديدية في أوربا وهو مجال كان لا يزال في بداياته، وبالتالي كان ينطوي على كثير من المجازفة. إلا أن تراث اليهود كجماعة وظيفية، وتَشعُّب خبراتهم وعلاقاتهم المالية، أهَّلهم لدخول هذه المجالات الجديدة وتحقيق قدر كبير من النجاح. وقد حقق هيرش من خلال نشاطه في هذا المجال، وأيضاً من خلال نشاطه في المضاربات على سلعتي السكر والنحاس، ثروة طائلة في عام 1890، وإن كانت الشبهات تحيط بمصادر الجانب الأعظم من هذه الثروة. وليس أدل على ذلك من الفضيحة المالية التي تفجرت عقب نجاح هيرش عام 1869 في إبرام صفقة مع الدولة العثمانية للحصـول على امتيـاز إنشـاء وتشـغيل شــبكة خطوط حديدية في البلقان، حيث كُشف النقاب آنذاك عن الأساليب الملتوية التي لجأ إليها هيرش للحصول على الصفقة، ثم أشكال التلاعب في تنفيذ المشروع نفسه. 
وقد كان هيرش واعياً بالمسألة اليهودية في شرق أوربا، فاهتم بنشاط الأليانس إسرائيليت يونيفرسل التعليمي، وتبرع لها بمبلغ مليون فرنك، ثم خصص لها صندوقاً يوفر لها عائداً سنوياً كبيراً. كما قدم للحكومة الروسية مبلغ مليونين من الجنيهات لإنشاء نظام تعليمي حديث، إلا أن تبرعـه رُفض نظراً لإصراره على فرض الوصاية على هـذا المشروع. فقام بتأسيس جمعية الاستيطان اليهودي (إيكا) برأسمال قدره مليونين من الجنيهات دفعها كلها تقريباً. وكانت الجمعية تهدف إلى تهجير وتوطين اليهود في كندا والولايات المتحدة والأرجنتين والبرازيل وتحويلهم إلى قطاع اقتصادي منتج عن طريق تعليمهم الزراعة والحرف المختلفة. ويمكن فَهْم اهتمام هيرش سواء بتعليم يهود شرق أوربا أو بإعادة توطينهم في ضوء حقيقتين: أن الهجرة من الشرق كانت تهدد وَضْع يهود الغرب المندمجين، وهو ما دفع هؤلاء إلى محاولة إبعاد هذه الهجرة من أوربا إما عن طريق إعادة توطين اليهود في دول أخرى، ومن ناحية أخرى عن طريق إعادة تعليمهم حتى يكتسبوا خبرات صناعية وزراعية تؤهلهم للانضمام للمجتمع الأم الذي لم يَعُد بحاجة إلى اليهودي بخبراته القديمة. كما أن حركة توطين اليهود كانت تتم في إطار اهتمام أوربا بإنشاء مجتمعات استيطانية في الدول المختلفة في آسـيا وأفريقيا وأمريكـا الجنـوبية كجـزء من سياسة التوسع الاستعماري.
وقد حاول أحباء صهيون وهرتزل أن يطلبوا من هيرش العون لمشاريعهم ولكنه اعتبر محاولة إنشاء دولة صهيونية في فلسطين مجرد وهم كبير. ومع ذلك، فقد ظل على إيمانه بإمكانية تحويل يهود أحياء الجيتو في شرق أوربا إلى شعب زراعي. وقد استمرت جمعية الاستيطان اليهودي في نشاطها بعد وفاته، لكن صندوقها تحوَّل لخدمة الاستيطان في فلسطين. وفي عام 1923، تم دَمْج مؤسستي روتشيلد وهيرش تحت اسم بيكا (هيئة الاستيطان اليهودي في فلسطين) وبلغ مجموع ما امتلكته هذه المؤسسة الموحَّدة خلال ربع قرن (1922 ـ 1948) ما مساحته 45 ألف دونم، أو ثلث ما كان بحوزة اليهود من أراض عند إعلان قيام إسرائيل. 
بنيامين بيشوتو (1834-1890) Benjaminn Peixotto 
محام ودبلوماسي أمريكي يهودي. وُلد في نيويورك لعائلة يهودية سفاردية هاجرت إلى الولايات المتحدة في أوائل القرن التاسع عشر قادمة من أمستردام. عاش في كليفلاند، واشتغل في تجارة الملابس، كما درس القانون ونشط في السياسة وساهم بالافتتاحيات السياسية في إحدى صحف كليفلاند المحلية. كما نشط في مجال شئون الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة، فانضم إلى منظمة أبناء العهد (بناي بريت) عام 1863 وانتُخب رئيساً للمحفل الأعلى في العام نفسه واحتفظ بهذا المنصب لمدة أربع دورات. وكان بيشوتو وراء جهـود المحـفل لإقامة ملجأ للأيتام اليهود في كليفلاند عام 1869. كما كان من مؤسسي اتحاد الطوائف الأمريكية العبرية وجريدة منوراه منثلي. وتعود أهمية بيشوتو إلى أنه اختير أول قنصل عام أمريكي لدى رومانيا بعد أن رشحه الرئيس الأمريكي يوليسس جرانت لهذا المنصب عام 1870 وذلك بإيعاز من بعض أثرياء اليهود الأمريكيين، وخصوصاً عائلة سليجمان المالية الثرية. وقد جاء ذلك بعد تدهور أوضاع الجماعة اليهودية في رومانيا وتزايد حدة الاضطهاد ضدهم، فكان الغرض من إرسال بيشوتو الضغط على الحكومة الرومانية لإعتاق اليهود وتحسين أوضاعهم. ونظراً لأن الحكومة الأمريكية لم توفر التكاليف المادية لهذا المنصب، فقد تكفَّلت بها مجموعة من الأثرياء اليهود الأمريكيين ومنظماتهم الإسرائيلية وعدد من الشخصيات اليهودية الفرنسية والإنجليزية البارزة وعلى رأسهم سير فرانسيس جولد سميد. وفي رومانيا، نجح بيشوتو في إقامة علاقة طيبة مع الأمير شارل حاكم البلاد. وبادر بتأسيس مدارس يهودية وجمعيات ثقافية. كما حاول بيشوتو توحيد يهود رومانيا داخل إطار واحد، فأسَّس منظمة «جماعة صهيون» التي ارتبطت فيما بعد بمنظمة أبناء العهد (بناي بريت). وخلال السنوات الخمس التي أمضاها بيشوتو في رومانيا، تقلَّص عدد الهجمات ضد اليهود وكذلك القوانين المناهضة لهم. كما لعب بيشوتو دوراً مهماً بالتعاون مع بعض الشخصيات اليهودية الأوربية البارزة في الدعوة إلى انعقاد مؤتمر بروكسل عام 1872 الذي بحث أوضاع الجماعات اليهودية في دول البلقان. 
والواقع أن إرسال بيشوتو إلى رومانيا وجهوده فيها، والدعم المادي والسياسي الذي توافر له من قبَل كبار الشخصيات اليهودية الأمريكية والأوربية، لم يكن بدافع إنساني محض أو بدافع إنقاذ بني جلدتهم من يهود رومانيا ودول البلقان، فقد كان الدافع الأساسي والأهم تحسين أوضاع الجماعات اليهودية في رومانيا وفي شرق أوربا بشكل عام في ظل التدهور الاقتصادي والاجتماعي الذي كانت تشهده هذه المنطقة حتى لا تتدفق هجرتهم إلى غرب أوربا والولايات المتحدة بما قد يسفر عنه ذلك من تهديد للأوضاع الطبقية والمراكز الاجتماعية لأثرياء اليهود المندمجين. وتأكيداً لذلك، عندما اقترح بيشوتو فَتْح باب الهجرة أمام يهود رومانيا إلى الولايات المتحدة قوبل بهجوم شديد من المجموعات اليهودية الغربية التي كانت تدعمه ثم أعلنت رفضها التام والقاطع لهذه السياسة. كما أن يهود رومانيا أنفسهم عارضوا مثل هذا القرار الصهيوني لأنه يضع حقـوقهم السـياسية في وطـنهم موضع التـساؤل. وبطبيعة الحال، كانت القوة الوحيدة التي أيَّدت جهود بيشوتو هي الحكومة الرومانية المعادية لليهود. 
إدموند دي روتشيلد (1845-1934) Edmond de Rothschild 
أحد زعماء الفرع الفرنسي لعائلة روتشيلد المالية اليهودية، وهو أحد الأبناء الخمسة لجيمس ماير دي روتشيلد (1792 ـ 1868) مؤسس فرع العائلة في فرنسا. ترجع أهميته لمساهمته الكبيرة في المشاريع الاستيطانية اليهودية في فلسطين في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. بدأ اهتمام إدموند جيمس روتشيلد بقضية يهود اليديشية وبعملية توطين اليهود في فلسطين في الثمانينيات من القرن التاسع عشر، وهي الفترة التي شهدت هجرة أعداد كبيرة من يهود شرق أوربا إلى غـربها وإلى الولايات المتحـدة وغـيرها من الدول الاستيطانية، عقب تعثُّر عملية التحديث في شرق أوربا ثم توقُّفها. وقد تحمَّس روتشيلد وغيره من أثرياء اليهود المندمجين في أوربا للمشروع الصهيوني نظراً لتخوفهم مما قد يخلقه تدفُّق هذه الأعداد الكبيرة من يهود شرق أوربا ذوي الثقافة اليديشية الشرق أوربية المتميِّزة (والمتخلفة في نظرهم) والتقاليد الدينية المحافظة ذات الطابع اليهودي الواضح على غرب ووسط أوربا. فوصول مثل هذه الجماعات من يهود اليديشية كان يمثل تهديداً لمكانتهم الاجتماعية ومواقعهم الطبقية، وبالتالي فقد تبنوا ما نسميه «الصهيونية التوطينية»، أي محاولة يهود العالم الغربي المندمجين توطين يهود آخرين (عادةً من شرق أوربا) في فلسطين. وقد عبَّر روتشيلد نفسه عن هذه المفارقة في ملاحظة طريفة ذكية، إذ سُئل مرة عن الوظيفة التي يود أن يشغلها عند تأسيس الدولة الصهيونية فقال: "سفيرها في باريس بالطبع". 
ولم يكـن روتشـيلد مؤيـداً أول الأمر لصــهيونية هرتزل السياسية، وقد اتسمت أول مقابلة بينهما في باريس عام 1896 بالفتور الشديد، بل كان يرى أن هرتزل ليس إلا شنورر، أي متسول مثل آلاف المتسولين من شرق أوربا الذين كانوا يتدفقون على وسطها وغربها. كما أن روتشـيلد كان يذهـب إلى أن المشـروع الصهيوني برمتـه مشروع غير عملي، وأن فلسطين لن تستطيع استيعاب هجرة جماعية ضخمة. وكان يرى أنه بالرغم من حاجة السلطان العثماني إلى النقود إلا أنه لن يمنح فلسطين للصهاينة لتأسيس دولة فيها، وأنه سيكتفي بإعطاء بعض الوعود الغامضة التي لا قيمة لها. كما كان يخشى من أن تثير إقامة دولة يهودية مشاعر معادية لليهود وتؤدي إلى المطالبة بطـرد اليهــود من البـلاد التي يعيـشون فيها. لكـل هذا، كان روتشيلد يفضل أن تتم عملية الاستيطان في فلسطين بشكل هـادئ وتدريجـي. إلا أنـه مع توسُّع الاستيطان اليهودي في فلسطين، والذي تم تحت رعايته، ونجاح المشاريع المختلفة التي أسسها هناك، توطدت علاقته بالمنظمة الصهيونية، وخصوصاً بعد الحرب العالمية الأولى، حيث استخدم نفوذه للحصول على موافقة فرنسا على وعد بلفور وعلى إدخال فلسطين تحت الانتداب البريطاني. 
كما أن عملية توطين اليهود في فلسطين كان لها بعدها السياسي، فروتشيلد كان مرتبطاً بالمصالح الرأسمالية الإمبريالية الفرنسية التي كانت تريد توسيع رقعة نفوذها في الشرق وكانت تفكر بحماس شديد في التركة التي سيتركها رجل أوربا المريض (الدولة العثمانية). والمشروع الصهيوني هو في نهاية الأمر جزء من المخطط الإمبريالي لاقتسام الإمبراطورية العثمانية. 
وقد بدأ روتشيلد اهتمامه بأعمال الاستيطان اليهودي في فلسطين بعد أن توجهت إليه حركة أحباء صهيون التي كانت تتولى أعمال الاستيطان في فلسطين في تلك الفترة، كما توجَّه إليه زعماء مستوطنة ريشون لتسيون التي كانت تعاني أزمة مالية حادة مطالبين إياه بتقديم دعمه المالي لنشاطهم في فلسطين. وبالفعل، ما كان بوسع المستوطنات الأولى التي أقيمت في فلسطين الاستمرار لولا معونات روتشيلد. وقد وصل إنفاقه على المستوطنين خلال الفترة بين 1883 و 1899 نحو 1.600.000 جنيه إسترليني في حين كان إسهام حركة أحباء صهيون 87.000 جنيه إسترليني فقط. وقد اشترى روتشيلد أرضاً في فلسطين أواخر عام 1883 لإقامة مستوطنة زراعية نموذجية لحسابه الخاص أطلق عليها اسم والدته. كما أسس عدة صناعات للمستوطنين الصهاينة مثل صناعة الزجاج وزيت الزيتون، وعدداً من المطاحن في حيفا، وملاحات في عتليت، كما ساهم في تأسيس هيئة كهرباء فلسطين عام 1921. إلا أن أهم الصناعات التي أقامها وأوسعها نطاقاً كانت صناعة النبيذ التي كان يسعى روتشيلد إلى ربطها بصناعة النبيذ المملوكة لعائلة روتشيلد في فرنسا. 
وقد وصل حجم رعاية روتشيلد ودعمه للمستوطنات إلى الحد الذي أكسبه لقب «أبو اليشوف» أي أبو المُستوطَن الصهيوني. وحينما اختلف المستوطنون الصهاينة، حذَّرهم ليو بنسكر، أحد زعماء ومفكري حركة أحباء صهيون، قائلاً "إن مفاتيح المُستوطَن الصهيوني توجد في باريس". وكان روتشيلد يحكم المستوطنات من خلال جهاز بيروقراطي يشغله موظفون فرنسيون من اليهود وغير اليهود يراقب عمليات إنفاق أموال روتشيلد واستثمارها ويقدم الخبرات للمستوطنين في المجال الزراعي. وقد كانت هذه الرعاية البيروقراطية للمستوطنات مصدر مشاكل كثيرة ومثاراً للانتقادات الحادة نظراً لما كانت تثيره من خلافات بين المستوطنين من ناحية والموظفين الفرنسيين من ناحية أخرى. وقد دفع ذلك زعماء أحباء صهيون وزعماء المستوطنات إلى مطالبة روتشيلد بإنهاء هذا النظام عام 1901. وكان روتشيلد قد حوَّل إدارة مشاريعه في فلسطين عام 1899 إلى جمعية الاسـتيطان اليهودي وقدَّم لها منحة قدرها 4000.000 فرنك من أجـل أن تموِّل نفســها ذاتياً. وفي عام 1924، أسس جمعية الاستيطان اليهودي في فلسطين والتي ترأسها ابنه جيمس أرماند (1878 ـ 1957). وقد أسَّس روتشيلد من خلال هذه الهيئة أكثر من 30 مستوطنة في جميع أنحاء فلسطين، ووصل حجم إنفاقه على هـذه المشـاريع بعد عام 1900 نحو 7.000.000فرنك ذهبي. 
وإلى جانب المشاريع الاقتصادية، امتد نشاط روتشيلد إلى مجال التعليم حيث قدَّم دعماً مالياً عام 1923 للمدارس الصهيونية في المُستوطَن الصهيوني والتي كانت تواجه أزمة مالية، كما أمد حاييم وايزمان بالمعونة اللازمة لإنشاء الجامعة العبرية في القدس. وفي عام 1929، عُيِّن روتشيلد رئيساً فخرياً للوكالة اليهودية التي كانت قد أُنشئت قبل ذلك بسنوات قليلة. ولا شك في أن دعم روتشيلد وغيره من الأثرياء اليهود للحركة الصهيونية، بصرف النظر عن النوايا أو المصالح الذاتية، كانت مسألة أساسية، لولاها ما قامت للحركة قائمة ولما اسـتطاعت أن تضـرب بجـذورها في أرض فلســطين. 
ويُعتبر روتشيلد نمطاً متكرراً له دلالة عميقة: 
1 ـ فهو من يهود العالم الغربي الذين حققوا حراكاً اجتماعياً ووصلوا إلى قمة المجتمع، ثم جاءت أفواج يهود اليديشية من شرق أوربا فهددوا مواقعهم الطبقية، ومن ثم تحوَّل يهود العالم الغربي إلى صهاينة توطينيين. 
2 ـ تأييد روتشيلد للمشروع الصهيوني لم يكن تعبيراً عن هويته اليهودية أو جوهره اليهودي وإنما هو تعبير عن انتمائه الكامل للحضارة الغربية وللتشكيل الاستعماري الغربي. كما أن صهيونيته هي تعبير عن انتمائه الغربي وعن اندماجه في الحضارة الغربية، فالمشروع الصهيوني لا يمثل أيَّ تحدٍّ للمشروع الاستعماري الغربي، فالأول هو الجزء الأصغر أما الثاني فهو الكل الأكبر. ويُلاحَظ أن روتشيلد كان يعارض المشروع الصهيوني في بادئ الأمر ثم أيده بعد ذلك. والواقع أنه، في معارضته ثم في تأييده، ينطلق من انتمائه للتشكيل الحضاري الغربي ومن محاولة خدمة المصالح الغربية. 
3 ـ قام روتشيلد بدعم المشروع الصهيوني، ولكنه دعم لم يكن يهدف إلى تأكيد استقلالية هذا المشروع إذ ظلت المفاتيح في باريس ولندن، بل يُلاحَظ تزايد اعتماد المشروع على الغرب ثم انتقال مفاتيحه إلى واشنطن. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الخامس: الصهيونية التوطينية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الخامس: الصهيونية التوطينية  Empty
مُساهمةموضوع: صهيونية الشتات Diaspora Zionism    الباب الخامس: الصهيونية التوطينية  Emptyالإثنين 24 فبراير 2014, 7:21 am

صهيونية الشتات Diaspora Zionism 
«صهيونية الشتات» أو «صهيونية الدياسبورا» هي الصهيونية التوطينية في مرحلة ما بعد هرتزل وبلفور. 
الصهيونية التوطينية بعد بلفور Settlement Zionism after Balfour 
«الصهيونية التوطينية» مصطلح نستخدمه للإشارة لإيمان بعض الصهاينة أن الجانب الاستيطاني في الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة ينطبق على يهودي أو صهيوني آخر غيره وهي تشير إلى كلٍّ من صهيونية أثرياء الغرب المندمجين (ما قبل هرتزل) ودعاة الصهيونية الدبلوماسية الذين لا ينوون الاستيطان في فلسطين. كما تشير إلى ما يسمَّى «صهيونية الشتات» أو «صهيونية الدياسبورا»، في مرحلة ما بعد هرتزل وبلفور. وحينما نستخدم المصطلح دون تخصيص، فإننا عادةً ما نشير إلى «الصهيونية التوطينية في مرحلة ما بعد بلفور». 
ونحن نضع «الصـهيونية التوطيـنية» مقابل «الصهيـونية الاستيطانية». ولم تكن هناك فلسفة واضحة وراء صهيونية أثرياء الغرب المندمجين، فقد تبنوا الحل الصهيوني لأسباب نفعية عملية واضحة (تحويل سيل الهجرة عن بلادهم لأية بقعة أخرى في العالم) وكان انتماؤهم لأوطانهم أمراً واضحاً تماماً، ولذا فإنهم لم يكونوا في حاجة إلى أية اعتذاريات أو أنساق فلسفية أو فكرية لتبرير التناقض الكامن في موقفـهم كصهاينة توطـينيين يعيشـون في أوطانهم ويسـعدون بحياتهم فيها. وينطبق الموقف نفسه على دعاة الصهيونية الدبلوماسية. 
ولكن الوضع مختلف تماماً بالنسبة إلى الصهاينة التوطينيين بعد هرتزل وبلفور، وازداد الأمر حدة بعد إعلان الدولة الصهيونية إذ كيف يتأتى لأحد أن يُسمِّي نفسه صهيونياً (متشدداً في بعض الأحيان) ثم يضرب خيامه في باريس ولندن ونيويورك. ولذا، فقد حاول بعض مفكري الصهيونية التوطينية تطوير رؤية متكاملة لوضعهم كصهاينة يرفضون الهجرة، فحاولوا المزاوجة بين المُثُل الصهيونية التي ترى اليهود شعباً عضوياً منبوذاً معرضاً لكراهية الأغيار الأزلية من جهة، وبين مُثُل حركة الاستنارة التي ترى أن كل الناس متشابهون ومتساوون من جهة أخرى. وهذه المحاولة هي محاولة لاكتشاف رقعة واسعة مشتركة بين المثل الأعلى الصهيوني الذي يؤمن به التوطينيون والمُثل العليا الليبرالية التي تسيطر على المجتمعات التي يعيشون فيها. ولذا، نجد أن المحاولة تتلخص في رفض الرؤية الحلولية الكمونية العضوية أو تقليص مجالها لتحل محلها أو تكملها رؤية نسبية تعددية ترى أن كل الأمور متساوية. 
ينطلق مفكرو الصهيونية التوطينية من أن الصهيونية لا تعادي حركة التنوير اليهودية وإنما هي امتداد لها، فالصهيونية تهدف إلى بعث الحياة اليهودية على أسس علمانية، أي على الأسس نفسها التي تُبنَى عليها المجتمعات الغربية. إن الصهيونية تؤيد الانعتاق الذي نادت به حركة التنوير الأوربية وتُطبِّقه على اليهود، والقومية اليهودية إن هي إلا قومية واحدة بين عديد من القوميات التي لها برنامج معيَّن يهدف إلى البعث القومي، واليهود إن هم إلا شعب تاريخي مثل بقية الشعوب، ليس أسوأ وليس أفضل منها. 
ويذهـب هـوارس ماير كالن، أحد أهـم مفـكري الصهيونية التوطينية، إلى أن مكان اليهودية ووظيفتها في الحياة اليهودية يشبهان مكان ووظيفة أي دين آخر في أية حياة قومية أخرى. ويطالب كالن بضرورة تحرير اليهودية من الحلولية الوثنية وضرورة اكتشاف الدوافع الأخـلاقية والروحـية الدائمة والكــامنة وراء الطقوس اليهودية المختلفة، أي أنه يحاول اكتشـاف الإنسـاني والعـالمي وراء الطقوس الدينية الحلولية. وينظر كالن إلى التراث اليهودي نظرة تاريخية، كما يرى أن جوهر النمو هو في استمرار التغير، وذلك على عكس الصهاينة الذين يؤكدون الاستمرار أو حتى التكرار. ولذا، يجب أن يظل اليهود واعين بالتغيرات التي حدثت في معرفة العالم الطبيعي، وفي فكرة الإله، وفي القيم الأخلاقية التي تميِّز عالم الإنسان العصري عن عالم الإنسان القديم. 
والواقع أن تأكيد كالن العنصر التاريخي يتبدَّى في إصراره على أن البعث اليهودي يتطلب بحثاً في الخلفية التاريخية، وفي جميع جوانب العالم الفكري الذي وُجدت إسرائيل القديمة ضمنه، وفي ضرورة إعادة التركيب الاجتماعي للشعب اليهودي حتى يتسنى لليهود أن يحتلوا مكاناً (وليس مكانة خاصة) داخل إطار المجتمع العصري، أي أنه يُعلمن الشعب اليهودي ليصبح شعباً مثل كل الشعوب الأخرى. ويحاول الحاخام سيلفر أن يُعلمن أو يقلل من حرارة فكرة الماشيَّح والعودة في نهاية التاريخ التي تستند إليها الصهيونية الاستيطانية، فيصف اليهود بأنهم شعب يواجه المستقبل دون مركبات وهمية مشيحانية، ولكن ليس بدون أمل أبداً، أي أن توقعاتهم ستكون توقعات إنسانية محدَّدة. ويستطرد الحاخام سيلفر قائلاً: "إن اليهود سوف يستمرون في مقاومة قوى الظلام... ولكننا سنفكر في ذلك بأمل يشبه فكرة الماشيَّح بين شعبنا الذي هو مزيج من الأمل والشك. سنتصرف كشعب نضج نهائياً ولا يحاول أن يهرب إلى الوهم أو الغرور الذاتي". 
وموقف الصـهاينة التوطـينيين من معاداة اليهـودية يتسم بالعملية، وتحليلهم لهذه الظاهرة يبتعد عن المغالاة الصهيونية التي تضفي صفة الإطلاق عليها. فينقد الحـاخام كابلان المفكرين التربويين اليهود الذين يتصورون أن معاداة اليهود ليست مجرد جنون عابر وإنما مرض مزمن. أما الحاخام هليل سيلفر فيميِّز بين نوعين من معاداة اليهود (وهذه ظاهرة جديدة أيضاً لأن المطلق لا يتحمل التصنيف)، فهناك المعاداة الاستثنائية لليهود التي مارسها النازيون كما أن هناك معاداة اليهود العادية التي تُسمَّى «تَحامُل» (وهذه هرطقة من وجهة نظر صهيونية تقليدية). ويرى الحاخام سيلفر، أن مثل هذا التحامل سيبقى عاملاً ثابتاً في الحياة اليهودية في أمريكا. ويمكن أن نضيف أن الحاخام سيلفر ساوى بين الضغوط التي يتعرض لها اليهود كأقلية في أمريكا والضغوط التي تتعرض لها أية أقلية عرْقية أو دينية أخرى في العالم، فيطالب اليهود بأن يعتادوا مواجهة مشاكلهم كأقلية بشكل واقعي، ومعنى هذا أن التقسيم الثنائي الصلب للعالم كيهود وأغيار قد خفتت حدته. 
ويرى مفكرو الصهيونية التوطينية أن حركة الاستنارة في الولايات المتحدة حققت نجاحاً كاملاً، وحقق اليهود اندماجاً واضحاً، وليس لديهم ما يدفعهم للعودة إلى أرض الميعاد. فظروفهم طيبة جداً، كما أنهم ليسوا ضحية للاضطهاد العنصري، وكذلك فإن أمريكا ليس لها تاريخ مسيحي طويل يلعب فيه اليهود دور الشرير وقاتل الرب (بل إن التجار اليهود أسهموا في حرب الاستقلال الأمريكية نفسها). ويبحث الحاخام سيلفر تواريخ الجماعات اليهودية، ليجد بعض السوابق التاريخية التي يمكنه عن طريقها أن يُعدِّل ويهذِّب الأسطورة الصهيونية المطلقـة وقراءتها المتحيزة للتـاريخ. وهو يجد هذه الحقائق والوقائع بالفعل، فيبين أن اليهود منذ قديم الأزل عاشوا داخل وخارج فلسطين. ففي القرن الأول قبل المـيلاد، وذلك قبل تحـطيم الهيـكل الثاني على يــد الرومان، كانت أغلبية اليهود تعيش خارج فلسطين: خمسة ملايين ونصف يعيشون خارجها بينما كان تعداد يهود الدولة يبلغ مليونين ونصف فقط. ومع هذا، ظل اليهود الذين يعيشون خارج فلسطين يهوداً.
والوضع نفسه يسري على يهود العالم الذين سيتخذون الموقف نفسه من دولة إسرائيل، فيهود إسرائيل سيظلون إسرائيليين، أما يهود الولايات المتحدة فسيظلون أمريكيين. وعلى كلٍّ، لا تستطيع إسرائيل أن تضم كل يهود العالم. بل إن الحاخام سيلفر يحاول أن يضفي طابعاً صوفياً على ظاهرة بقاء اليهود في الشتات (أنحاء العالم) بعد ظهور إسرائيل، وذلك بتأكيده أن المنفى ليس مصدر بلاء خالص بل هو حقيقة ينبغي الترحيب بها. 
ويهاجم كابلان الصهاينة الذين يحاولون فَرْض نظرية تربوية تهدف إلى تنمية الحنين لدى الطفل اليهودي للهجرة وإلى غَرْس الإحساس في وجدانه بأنه لا يمكنه أن يحيا حياة سوية في الدياسبورا ولا يمكنه الاحتفاظ بهوية مستقلة. والواقع أن هذه المفاهيم لها نتائج هدامة على سعادة الطفل وعلى شخصيته (كما يقول كابلان)، فهي تطلب منه أن يحيا حياة غير عادية دون أن تفسر له الأسباب. ويشير كابلان إلى أن الافتراض الصهيوني بأن اليهودي من المستحيل أن يشعر وكأنه في وطنه ضمن بيئة غير يهودية هو افتراض مبني على اليأس أو على الاستسلام والقدرية. ولذا، فإن على اليهودي التوطيني أن يشعر (حينما يذهب لزيارة أرض إسرائيل لخدمة شعبها) تماماً مثل أي أمريكي يقوم بعمل تبشيري أو ثقافي خدمة لمختلف الشعوب في الشرق الأقصى. 
تدور الصهيونية التوطينية حتى الآن في إطار فكر حركة الاستنارة الليبرالي التعاقدي (وفي إطار صورة مجازية ذرية آلية). ولكن الصورة المجازية العضوية تبدأ في الظهور، فالانعتاق ليس انعتاق أفراد وحسب وإنما ينبغي أن يتم بشكل جماعي قومي. فالانعتاق هو منح الحرية للفرد والجماعة في آن واحد، حتى يتسنَّى للفـرد أن يعبِّر عن نفســه من خلال حياته المشتركة مع مجموعته القومية. والصهيونية ليست ضد الاندماج وإنما هي ضد الاندماج الذي يؤدي إلى فقدان الذات والانصهار الكلي للأقليات. ولذا، فإن الرؤية النهائية هي رؤية مبنية على التنوع تؤيد انسجام وتنظيم الجماعات العضوية المختلفة بشكل تعاوني لإيجاد حياة مشتركة، ولكنها لا تؤيد دَمْج الفوارق لتزول وتصبح ذاتاً واحدة. والتأرجح هنا، بين الرؤية التعاقدية الآلية والرؤية العضوية، هو محاولة للتوصل إلى عقد اجتماعي بين أقليات أو قوميات عضوية تود كل واحدة منها الاحتفاظ بإثنيتها مع انتمائها إلى المجتمع الأمريكي، فكأن الإثنية جزء من كل، وهي الرؤية التي يستند إليها العقد الاجتماعي الأمريكي. 
وتسـتمد كل أقليـة في المجتمـع الأمريكي إثنيتها من الوطـن الأصلي، كما أن العقد الاجتماعي الأمريكي يسمح بالحفاظ بهذه الإثنية وتنميتها ما دامت لا تتعارض مع مصلحة الدولة (ولعل هذا هو ما يُفسِّر إصرار الزعماء الصهاينة على أن تكون المصالح الأمريكية والإسرائيلية متماثلة حتى يتسنى لهم استغلال الأغلبية العظمى من يهـود العـالم الموجـودين في الولايات المتحــدة). وقـد صرح برانديز، عام 1912، بأن تعددية الولاء مرفوضة إذا كانت الولاءات متعارضة، ولكنه أكد أن هذا الوضع لا ينطبق على الصهيونية. ثم ذهب إلى حد التصريح بأن الولاء لأمريكا يتطـلب أن يعـتنق كل يهـودي أمريكي العقيدة الصهيونية، مع أنه يعلم تماماً أنه لا هو، ولا حتى نسله، يمكن أن يعيشوا في فلسطين، وهذا أمر مفهوم طبعاً في إطار تماثل المصـالح بين الدولــة الصهيونيــة والدولــة الأمريكية، وهو في هذا لا يختلف عن أي مواطن أمريكي آخر. 
وقد نجح الصهاينة التوطينيون في أن يعيدوا صياغة رؤيتهم لإسرائيل وعلاقتهم بها، فقد أصبحوا أقلية يهودية عضوية تنتمي إلى أمريكا وتنظر إلى إسرائيل باعتبارها الوطن الأصلي وباعتبارها مركزاً روحياً وركيزة للهوية. ومعنى هذا أنه تم تبنِّي الصيغة الصهيونية الإثنية (العلمانية)، ومن ثم فإن الصهاينة التوطينيين لهم مركزان: أحدهما سياسي في الولايات المتحدة، والآخر إثني في إسرائيل. ولهذا، فإنهم يطالبون بفصل الدين عن الدولة في الولايات المتحدة ولكن بعضهم يحتج على انتشار العلمنة في الدولة اليهودية. ولكن مشكلة مثل هذا الصيغة أن الوطن الأصلي هو الوطن الذي يهاجر الإنسان منه لا إليه، ولذا فالتوطينيون قد أعطوا أساساً فلسفياً تاريخياً لتوطينيتهم ولتملصهم من الصهيونية. 
وقد أدرك الصهاينة الاستيطانيون منذ البداية ضرورة تَقبُّل هذا النوع من الصهيونية حتى يستفيدوا من دعم يهود الغرب الأثرياء، وأصبح هذا القبول جزءاً من العقد الصامت بين الحضارة الغربية والمنظمة الصهيونية بخصوص يهود العالم. ولذا، نجد أن الفيدرالية الصهيونية في نيويورك تعلن (عام 1899) عن ولائها للولايات المتحدة وأن هدفها هو دَعْم الصهيونية، من قبيل التعاطف وحسب. وقد ساعدت الصياغة الهرتزلية المراوغة على إنجاز هذا. 
وبعد وعد بلفور، أصبح مجال نشاط الصهيونية التوطينية العالم كله (خارج فلسطين)، مهمتها الأساسية دعم النشاط الاستيطاني سياسياً ومالياً، وضمان استمرار الدعم الإمبريالي عن طريق الترغيب والترهيب. وتقوم الصهيونية التوطينية بتجنيد يهود الغرب لهذا الغرض، كما تقوم بتحقيق المفهوم الصهيوني الخاص بغزو الجماعات والقضاء على أية معارضة قد تنشأ في صفوفها. وحيث إن الغرب لم يعد يواجه مشكلة فائض يهودي ينبغي التخلص منه (وخصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية)، وحيث إن المُستوطَن الصهيوني يواجه أزمة طاقة بشرية، فقد أصبحت إحدى مهام الصهيونية التوطينية البحث عن مهاجرين. 
وقد تحاول الصهيونية التوطينية قدر استطاعتها ألا تتدخل في الأمور السياسية والاقتصادية والدينية الخاصة بالمُستوطَن الصهيوني، وإن كانت تتدخل في الأمور التي تخصها مثل قضية الهوية اليهودية. كما يُلاحَظ أن الولايات المتحدة (الدولة الراعية والتي تضم أكبر جماعة يهودية في العالم وأكثرها نفوذاً) تستخدم الصهاينة التوطينيين في الضغط والتأثير على الدولة الصهيونية. وبوسع هذه الصهيونية التوطينية أن تستوعب أية ديباجات سياسية (اشتراكية ـ ليبرالية ـ فاشية). وقد كانت الصهيونية العمومية الاتجاه الذي يقوم بتنظيم الصهاينة التوطينيين. ولا يزال هناك اتحاد الصهاينة العموميين، ولكن منظـمات صهــيونية أخرى تشاركه هذه المهمة في الوقت الحالي، من أهمها منظمة الهاداساه في الولايات المتحدة. كما أن فروع المنظمة الصهيونية في أنحاء العالم تسهم بشكل أساسي في نشاط الصهيونية الخارجية. وقد جعلت الصهيونية الإثنية الدينية والعلمانية كل يهود العالم داخل وخارج إسرائيل مجالاً لها، ولذا نجد أن الصهاينة التوطينيين ينقسمون إلى دينيين وعلمانيين، شأنهم في هذا شأن المستوطنين الصـهاينة (وإن كانت الأغـلبية الساحـقة للصـهاينة التوطينيين علمانية) 
وبطبيعة الحال، ورغم العقد الصامت، هناك لحظات من الصراع بسبب اختلاف أهداف كلٍّ من الصهيونية التوطينية والصهيونية الاستيطانية. ولعل أشرس هذه اللحظات هي التي شهدت الصراع بشأن معاهدة الهعفراه (النقل)، حيث وجد الاستيطانيون أن من صالحهم توقيع معاهدة مع ألمانيا النازية لضمان تدفُّق رأس المال والمهاجرين، وهو ما كان يعني ضَرْب المقاطعة اليهودية للبضائع النازية، بينما رأى التوطينيون ضرورة الاستمرار في المقاطعة. وبعد إنشاء الدولة، ظن الصهاينة التوطينيون أنهم سيستمرون في إدارة دفة المنظمة الصهيونية العالمية وفي الإشراف على الدولة كما كانوا يفعلون حتى عام 1948.ولكن الصهاينة الاستيطانيين كانوا قد فرغوا من عملية الاستيلاء على الأرض وطَرْد سكانها، ولذا فقد دخلوا صراعاً مع الصهاينة التوطينيين واستولوا على المنظمة تماماً. وقد استمرت عملية التهميش حتى أصبحوا يقنعون بدور ثانوي لأقصى حد.
والصهيونية الاستيطانية لا تهدف إلى إنقاذ اليهود وإنما تهدف إلى توظيفهم في خدمة الصهيونية، ولذا فكثيراً ما يحاول الصهاينة الاستيطانيون إفشال محاولات يهود العالم إنقاذ أنفسهم بالهجرة إلى أي مكـان، وإغـلاق الأبواب دونـهم حتى يضطروا للهجرة إلى فلسطين. ولذا، يُلاحَظ أن الصهيونية التوطينية ظهرت مرة أخرى أثناء الاضطهاد النازي كقوة مستقلة إذ أن الصهيونية الاستيطانية ركزت على تهجير العناصر البشرية القادرة على المساهمة في بناء المُستوطَن الصهيوني إلى فلسطين وأهملت الآخرين.
كما أن موقف الدولة الصهيونية من المهاجرين السوفييت وإغلاقها أبواب الولايات المتحدة دونهم هو تعبير عن التناقض نفسه. وتحاول الدولة الصهيونية أحياناً إحراج التوطينيين والتقليل من شأنهم، ولذا قُدِّم اقتراح في المؤتمر الصهيوني الثامن والعشرين في القدس (1972) بأن الزعيم الصهيوني الذي لا يهاجر إلى إسرائيل خلال أربع سنوات من انتخابه لا يُنتخَب مرة أخرى. وقد أثار هذا الاقتراح ما يشبه الثورة، وهـددت منظمة الهاداساه بالانسـحاب إذا تمـت الموافقـة علــىه. 
ويمكن إيجاز السمـات الأســاسية للصــهيونية التوطينية فيما يلي: 
1 ـ يتبنَّى اليهودي الشعارات الصهيونية كافة ويدافع عنها (قولاً) بحماس شديد. 
2 ـ على مستوى الممارسة، لا يُتوقَّع من هذا اليهودي أن يهاجر بنفسه ويستوطن في فلسطين. ويُطلَب منه أمران اثنان: 
أ) دَفْع بعض الأموال (المعفاة من الضرائب) لدعم الاستيطان الصهيوني وللمسـاعدة في توطين اليهود (يهود شرق أوربا بالأساس): مثل شراء سندات إسرائيل ودفع التبرعات للجامعة العبرية. وكثيراً ما يرفض الصهاينة التوطينيون الدفع، وهنا تلجأ الصهيونية الاستيطانية إلى ابتزازهم عن طريق تصعيد إحساسهم بالذنب وتوليد الإحساس عندهم بالحاجة النفسية إلى الصهيونية. ومن المعروف أن الولايات المتحدة لا تمانع في تدفُّق هذه المعونات اليهودية على إسرائيل، قاعدتها الإستراتيجية الأساسية في الشرق العربي، دون أن تتكبد هي أي عناء أو تكاليف. 
ب) أن يقوم الصهيوني التوطيني بالضغط على حكومته من أجل إقرار مصالح الدولة الصهيونية، ولا يمنع الأمر من حضور بعض التظاهرات أو إرسال خطابات لممثله في الكونجرس تطالبه بالتصويت لصالح مشاريع القرارات التي تخدم مصلحة إسرائيل. ولكن كل هذا يتم في إطار التعبير عن الإثنية اليهودية الأمريكية التي لا تتعارض مع المصالح القومية الأمريكية، أي أنها لا تتم في إطار المصالح القومية اليهودية. وعلى كلٍّ هذه مسألة محسومة تماماً، فالدولة الصهيونية جزء أساسي من المشروع الإمبريالي الغربي. وإن حدث تَعارُض في المصالح، كما حدث في واقعة بولارد، فإن يهود الولايات المتحدة يحددون ولاءهم وبشكل واضح مع دولتهم. 
3 ـ يستـمد اليهـودي هـــويته المتعينة من مجتمعه العلماني الاستهلاكي، فهو أمريكي يهودي. ولكن هذه الهوية لا تستبعد بعض عناصر إثنية غير أمريكية، والواقع أن العقد الاجتماعي في العالم الغربي لا يرفض مثل هذا التنوع السطحي. وتتحقق هذه الهوية اليهودية من خلال دَفْع التبرعات (ولهذا، فإنها تُسمَّى «يهودية دفتر الشيكات»)، وكذلك من خلال الاحتفاظ ببعض الزخارف اليهودية التي لا تسبِّب الحرج لليهودي المندمج ولا تفرض عليه أية التزامات. وهذه الهوية اليهودية ستتدعم من خلال النظر لإسرائيل باعتبارها مركز الثقافة اليهودية وركيزتها الأساسية. والصهاينة التوطينيون يحتاجون إلى مثل هذا المركز في مجتمعاتهم العلمانية حيث يجابه الإنسان تآكل هويته وافتقاد المعنى بسرعة. 
4 ـ تتحول إسرائيل من صهيون (التي يدور حولها الحلم المشيحاني بالعودة) إلى مسقط رأس اليهود، تماماً مثل أيرلندا بالنسبة إلى الأمريكيين الأيرلنديين وإيطاليا بالنسبة إلى الأمريكيين الإيطاليين والعالم العربي بالنسبة إلى الأمريكيين العرب. فكأن إسرائيل أصبحت الدولة التي يهاجر اليهودي منها لا إليها، وهو ما يعني أن الأسطورة الكامنة في الصهيونية التوطينية تقف على النقيض من الصهيونية الاستيطانية. 
5 ـ يستطيع الصهيوني التوطيني أن يتبنَّى أية عقيدة سياسية تروق له وأن يؤيد أي حزب داخل إسرائيل. ويمكننا أن نقول إن معظم الرأسماليين اليهود في العالم الغربي من أتباع الصهيونية التوطينية. ولعل أقصى تعبير عن هذا الاتجاه هو ظهور كتاب هوارد ساخار الدياسبورا الذي لا يتضمن أي فصل عن الولايات المتحدة وكندا، فهما وطنان قوميان لليهود أما إسرائيل فهي الوطن الأم. 
والصهيونية التوطينية شكل من أشكال التملص من الصهيونية الاستيطانية. ولعل أكبر أشكال التملص أن أقلية (فقط) من الشعب اليهودي هي التي تعيش في إسرائيل. فعدد سكانها لا يزيد على أربعة ملايين من مجموع يهود العالم البالغ عددهم 12 مليوناً. وإذا كانت نسبة يهود المُستوطَن تتزايد بالنسبة إلى يهود العالم، فإن هذا ليس بسبب الهجرة وإنما بسبب تناقص عدد يهود العالم، وكذلك بسبب تزايد نسبة التكاثر بين المستوطنين بالقياس إلى نسبتها بين أعضاء الجماعات. وكما قال أحد المثقفين الفرنسيين، فإن أقلية (فقط) من اليهود هي التي تختار، أو اختارت إسرائيل، وهو ما يكشف عن حقيقة مهمة، وهي أن الأغلبية قد اختارت الشتات. ولعل هذا يفسر سبب بقاء إسرائيل بدون الأعداد الكبيرة من المنفيين من أبنائها الذين من أجلهم أُنشئت الدولة. 
وقد تذمَّر أحد الزعماء الصهاينة البارزين من أن اليهود الأمريكيين ينظرون إلى إسرائيل كما لو كانت «ديزني لاند»، أي كمدينة ملاه يهـودية أو متحـف يـهودي، وســماه آخر «فندق صهيون»، أي مجرد مكان يؤمه الجمهور من أجل الاستمتاع والإثارة والثرثرة. وكما قال المثقف الفرنسي (المشار إليه)، مستخدماً صورة مجازية تشبه صورة ديزني لاند المجازية، فإن معظم اليهود لا يُظهرون حماساً كبيراً للذهاب إلى إسرائيل إلا لمجرد قضاء إجازة هناك. وتدل الإحصاءات على أن اليهود لا يجدون أن صهيون مكان مسلٍّ بالقدر الكافي. ولذا، فنسبة السياح اليهود التي تذهب إلى بلاد أخرى غير أرض الميعاد تفوق كثيراً نسبة الذين يذهبون إلى إسرائيل. وقد وصف أحدهم هذا الضرب من الصهيونية بأنه مثل فرَق الأنشاد العسكرية التي تقف على المسرح (أو في أي مكان) وتغني بأعلى صوتها "إلى الأمام، إلى الأمام"، دون أن تبرح مكانها. 
وهنـاك بعـض النـوادر التي تعبِّر عن مــوقف الصهاينة التوطينيين. فيقال، على سبيل المثال، يقال إن البارون إدموند دي روتشيلد، وهو كبير أثرياء اليهود التوطينيين، الذي كان وعد بلفور خطاباً موجهاً إليه، سُـئل عن المنـصب الذي يريد أن يتـبوأه في الدولة اليهـودية فقال: منصب سفير الدولة في باريس أو لندن. وقد عرَّف أحدهم الصهيوني التوطيني (مقابل الاستيطاني) بأنه يهودي يأخذ تبرعات من يهودي آخر ويرسل بيهودي ثالث إلى أرض الميعاد. واليهوديان الأول والثاني من يهود العالم الغربي، أما الثالث فهو من يهود اليديشية. ولا يزال هذا هو النمط السائد في العالم، فيهود الاتحاد السوفيتي هم الذين يهاجرون إلى إسرائيل، أما يهود العالم الغربي فيكتفون بالتصفيق والدعم المالي والسياسي ويلزمون بيوتهم مكيفة الهواء. 
وقد لاحَظ بن جوريون أن كثيراً من المفاهيم والمصطلحات يتم الحفاظ عليها واستخدامها حتى بعد أن تفقد دلالتها، كما أن مصطلح «صهيوني» لا يمثل أي استثناء من القاعدة. وقد وصف الزعيم الصهيوني سلوك بعض اليهود الذين يصرون على تسمية أنفسهم «صهاينة» في الوقت الذي يتجاهلون فيه المقولة الصهيونية الأساسية، أي الهجرة، بأنه نوع من أنواع التزييف. وأصدق مثل على ذلك (في تصوُّره) يهود الولايات المتحدة (أي الأغلبية العظمى من يهود العالم) الذين لا يبدون أي استعداد للهجرة. ومع ذلك، فإنهم يصرون على تسمية أنفسـهم صهاينة. ولكن مثـل هـذا الموقف ـ على حد قوله ـ شيء سخيف. وقد وصف ليفي أشكول الصهيونية التوطينية الوصف الذي تستحقه، باعتبارها قولاً معادياً للقومية (أي الصهيونية) ترتدي ثوباً لفظياً قومياً (أي صهيونياً). بل قد اكتشف بن جوريون أن هذه الصهيونية إن هي إلا غطاء كثيف يغطي به الصهاينة التوطينيون الاندماج المتزايد الذي يتم على مستوى الفعل، فكأن الصهاينة التوطينيين يطلقون الديباجات اللفظية الجهورية التي تخبئ النكوص الحقيقي المعادي للصهيونية الاستيطانية. 
وقد اقترح بن جوريون تسمية هؤلاء الصهاينة الذين لا ينوون، لا هم ولا نسلهم، الاستيطان في إسرائيل «أصدقاء إسرائيل» أو «أصدقاء صهيون». ويبدو أن حركة الصهيونية التوطينية قد بدأت تجتاح المُستوطَن الصهيوني نفسه، إذ نزحت أعداد ضخمة منه مهاجرة إلى الولايات المتحدة وتشكل دياسبورا إسرائيلية تنخرط في النشاط الصهيوني! وسوف نجد أن معظم المفكرين والمؤلفين والكُتَّاب اليهود، الذين يعيشون في العالم الغربي،يُظهرون تعاطفاً مع الصهيونية التوطينية. ومن أهم مفكري الصهيونية التوطينية كالن وسيلفر وكابلان. ويمكن أن نعتبر ناحوم جولدمان واحداً منهم. ويُعتبر برانديز من أهم القيادات السياسية التوطينية.
لويس برانديز (1856-1941) Louis Brandeis 
أحد زعماء الصهيونية التوطينية في الولايات المتحدة. وُلد في الولايات المتحدة لأبويـن مهاجرين من تشيكوسلوفاكيا من أصل ألماني ومن أتباع اليهودية الإصلاحية (وكانت أمه من أسرة من أتباع يعقوب فرانك). لم يتلق برانديز أي تعليم ديني تقليدي إذ دخل مدرسة ألمانية في الولايات المتحدة ثم التحق بجامعة هارفارد. وقد حقق برانديز، شأنه شأن معظم الأسر الأمريكية اليهودية من أصل ألماني، معدلات عالية من الاندماج. ورُشِّح للوزارة عام 1914، ولكن ترشيحه رُفض لا بسبب يهوديته وإنما لأن بعض القوى المالية التي كانت لا توافق على آرائه المعادية للاحتكار كانت تخشى تعيينه. ألف برانديز كتاباً بيَّن فيه كيـف أن المصـالح المالية تتحـكم في الســياسة، وفي عام 1916، رشحه الرئيس ويلسون لعضوية المحكمة العليا الأمريكية (وكانت هذه أول مرة يُرشَّح فيها يهودي لهذا المنصب). وقد أثار ترشيحه عاصفة، لا لأنه يهودي وإنما بسبب أفكاره الراديكالية. وقد تم تعيينه في نهاية الأمر ليظل في منصبه حتى تقاعد عام 1939. 
ويُعَدُّ برانديز من المصلحين الاجتماعيين في الولايات المتحدة، فقد شن حرباً ضد الاحتكارات، وعمل من أجل تحديد ساعات عمل المرأة. وكان يرى ضرورة أن يكون النظام الرأسمالي مُكوَّناً من وحدات صغيرة متنافسة. وكان برانديز يؤمن بأن القانون يجب ألا يكون أمراً ثابتاً أو نهائياً، وإنما يجب أن يُعاد تفسيره دائماً حسب الملابسات التاريخية، ولا يختلف فكره في الواقع كثيراً عن الفلسفة التي استند إليها برنامج نيو ديل New Deal الذي تم تطبيقه بعد عام 1933. 
ويرجع اهتمام برانديز بالصهيونية إلى خبرته في نيويورك حيث شهد بعض آثار الاستغلال الموجه ضد عمال النسيج من يهود اليديشية، وهو استغلال تتعرض له عادةً جماعات المهاجرين الذي يتحولون إلى عمالة رخيصة. ولكن يبدو أن برانديز تصوَّر أن معاداة اليهود لعبت دوراً في عملية الاستغلال هذه. كما التقى برانديز بجيكوب دي هاس، سكرتير هرتزل الذي عرَّفه بالفكر الصهيوني. وقد كان برانديز من المؤمنين بأن هناك تماثلاً كاملاً بين المثل العليا الأمريكية والصهيونية وأن كلاً منهما يغذي الآخر، ولذا فلا يوجد مجـال لازدواج الولاء بالنسبة ليهود أمريكا إن تبنَّوا العقيدة الصهيونية. فمُثُل أمريكا (على حد قوله) هي نفسها مُثُل اليهود عبر تاريخهم. وكي يصبح الأمريكي اليهودي أكثر يهودية عليه أن يصبح صهيونياً. ومن ثم فعلى كل يهودي أمريكي أن يساعد المُستوطَن الصهيوني رغم أنه يعرف أنه لا هو ولا نسله سيعيشون هناك قط. وقد طالب برانديز بإعادة صياغة فلسطين («أرض الأجداد» على حد قوله) لا باعتبارها مكاناً للاستيطان وإنما باعتبارها مركزاً تُشعُّ منه الروح اليهودية وتعطي اليهود المبعثرين في كل أنحاء العالم هذا الوحي الذي ينبع من ذكريات ماض عظيم وأمل مستقبل عظيم. وببساطة شديدة، فإن كل هذه العبارات الرنانة تعني أن يهود أمريكا أمريكيون حققوا الاندماج في مجتمعهم في وطنهم القومي أما فلسطين فهي الوطن الأم الذي يساعدهم على الحفاظ على هويتهم ولكنهم لن يهاجروا إليه قط، فهذا أمر مقصور على اليهود الآخرين، عادةً يهود اليديشية. 
انضم برانديز للمنظمة الصهيونية عام 1912 في لحظة حرجة، إذ أن الحرب العالمية كانت قد همَّشت المنظمة في أوربا تماماً فاضطلع صهاينة أمريكا بمهمة دعم المُستوطَن الصهيوني، وخصوصاً أن الولايات المتحدة بدأت تتبوأ مكان القيادة. فتم تنظيم لجنة تنفيذية مؤقتة لشئون الصهيونية العامة في الولايات المتحدة (1914 ـ 1918) وعُيِّن برانديز رئيساً لها، غير أنه رفض رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية واكتفى بأن يكون رئيساً فخرياً لها في الفترة 1920 ـ 1921. وقد ساهم برانديز في تحديد اتجاه عملية دعم وغوث المُستوطَن الصهيوني، كما ساهم في توسيع المنظمة الصهيونية وزار فلسطين بين عامي 1917 و 1919. وترأس برانديز الوفد الأمريكي في مؤتمر لندن الصهيوني عام 1920، وهو أول اجتماع للمنظمة الصهيونية بعد الحرب العالمية الأولى. 
ساهمت اللجنة التنفيذية المؤقتة في إدارة المُستوطَن الصهيوني وفي إرسال العون للمستوطنين، وقامت البحرية الأمريكية أيضاً بالمساعدة في ذلك. وكان السفير الأمريكي في القسطنطينية على اتصال دائم بالمُستوطَن الصهيوني بإيعاز من برانديز. ويمكن القول بأنه حتى دخول الولايات المتحدة الحرب عام 1917 كانت اللجنة التنفيذية المؤقتة هي الدعامة الأساسية للمُستوطَن. وقد نجح برانديز في الاحتفاظ بحياد المنظمة الصهيونية أثناء الحرب متبعاً في ذلك السياسة الأمريكية. وكانت قيادة الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة آنذاك من أصل ألماني، ولذا كانت عواطفهم تتجه نحو ألمانيا وحاولوا دَفْع المنظمة نحو اتخاذ خط ممالئ للوطن الأصلي، ولكن برانديز نجح في وقف هذا الاتجاه. ولكن، مع انتصار الحلفاء، قرر برانديز تعديل السياسة الصهيـونية واتصل بالرئيـس ويلسـون الذي عبَّر عن تعاطفه مع الصهيونية، ثم اتصل بالسفيرين الفرنسي والإنجليزي في واشنطن وعرض عليهما المشروع الصهيوني. وقد رتب الرئيس ويلسون لاجتماع بين بلفور وبرانديز. وفي هذه الآونة أيد برانديز إنشاء الفيلق اليهودي. ولعب دوراً في حث الحكومة الأمريكية على قبول وعد بلفور. 
قام برانديز بعد ذلك بإعداد ما يُسمَّى «برنامج بتسبرج» (1918) الذي دعا إلى الملكية العامة للأرض في فلسطين (لمنع السمسرة والمضاربة) وإلى الموارد الطبيعية والمرافق وإلى تشجيع الخطوات التعاونية في تطوير الزراعة والصناعة. وفي عام 1920، عشية مؤتمر سان ريمو الذي أعلن الوصاية البريطانية على فلسطين، نجح برانديز في التأثير على ويلسون لتعديل حدود فلسطين الشمالية بحيث اختلفت عن تلك التي نص عليها اتفاق سايكس بيكو.
وبعد مؤتمر سان ريمو، ظهرت التناقضات بين برانديز بنزعته التوطينية واتجاهاته الاندماجية من جهة، ومن جهة أخرى ممثلي الصهيونية الاستيطانية التي تحاول أن تستفيد من كل يهود العالم ولا تتركهم وشأنهم، وكذلك ممثلي الصهيونية الإثنية (الدينية والعلمانية)التي تحاول أن تفرض على يهود العالم هوية يهودية محددة تتناقض مع طموحاتهم الأمريكية نحو الاندماج الكامل (وهو التناقض الذي سماه أحد الصهاينة «الصراع بين واشنطن ومنسك») وقد قدَّم برانديز عدة اقتراحات جوهرها فك الاشتباك تماماً بين صهاينة الخارج التوطينيين وصهاينة الداخل المستوطنين بحيث يصبح كل فريق فيهم حراً تماماً عن الآخر، على أن يتم التواصل بينهم من خلال حكومة الانتداب (الممثل الرسمي للاستعمار الغربي). ويظهر مدى إلحاح رغبة برانديز في فك الاشتباك بين التوطينيين والاستيطانيين في تأييده مشروع نوردو الخاص بنقل عدد ضخم من اليهود إلى فلسطين لخلق أغلبية سكانية فورية تتمتع بعد قليل بالسيادة الكاملة على أن تتم العملية برمتها تحت إشراف حكومة الانتداب وداخل إطار المصالح الغربية. 
ويتلخص اقتراح برانديز في محاولة تحديد مهمة الصهاينة التوطينيين ونطاق عملهم على المستويين الدولي الخارجي والفلسطيني الداخلي: 
1 ـ في المجال الدولي، كان برانديز يرى أن مهمة الصهيونية السياسية أو الدولية قد انتهت تماماً مع صدور وعد بلفور إذ أن حكومة الانتداب ستستوعب كل مهام الصهيونية السياسية الدولية. ولذا، يستطيع الصهاينة التوطينيون إسقاط هذا الجانب من نشاطهم. ويجب على كل قيادات الحركة الصهيونية (باستثناء سوكولوف ووايزمان) تَرْك النشاط الاستيطاني والدولي وأن يركزوا على محاولة تأسيس منظمة صهيونية قوية ليس لها طابع سياسي تضم اليهود غير الصهاينة الذين ينضمون إليها في إطار حكومة الانتداب بهدف جَمْع رأسمال يموِّل المشاريع التي ليس لها عائد. 
2 ـ أما على الصعيد الفلسطيني، فقد اقترح برانديز أن تمثل المنظمة الصهـيونية في فلسـطين مجـموعة تكنوقراطية بعـيدة تماماً عن السياسة، متخصصة في المشاريع التي ليس لها عائد مثل الصحة العامة والزراعة (إصلاح الأراضي) والصناعة، وتتخذ قراراتها خارج أي إطار عقائدي ولا تلتزم إلا بالعمل داخل نطاق حكومة الانتداب. ويقوم المستوطنون من الناحية السياسية بتمثيل أنفسهم من خلال مجالس تمثيلية تشرف عليها حكومة الانتداب، وبذا تنتفي العلاقة المباشرة مع يهود وصهاينة العالم. ولا يختلف الأمر كثيراً من الناحية الاقتصادية إذ طالب برانديز بأن يصبح المستوطنون مستقلين تماماً يديرون شئونهم على أسس رأسمالية سليمة بهدف أن يصبحوا معتمدين على أنفسهم ومكتفين بذاتهم ويشجعوا الاستثمارات الفردية الرأسمالية. إن جوهر اقتراح برانديز هو إسقاط الخصوصية الصهيونية من المشروع الاستعماري الصهيوني وتحويله إلى مشروع استعماري غربي لا يختلف من قريب أو بعيد عن المشاريع الأخرى. ومن ثم لا يتحرك التوطينيون إلا في نطاق حكومة الانتداب ولا يتحرك الاستيطانيون إلا في النطاق نفسه ولا يلتقي الطرفان إلا داخله. 
ولم يوافق وايزمان وقيادات يهود اليديشية وممثلي الصهيونية الاستيطانية على اقتراحات برانديز للأسباب التالية: 
1 ـ ذهب وايزمان إلى أن برانديز لا يعرف طبيعة الاستيطان الذي يتطلب الدعم الدائم، ومن ثم فإن إدارة المشروع الصهيوني الاستيطاني على أسس رأسمالية سيطيح به. 
2 ـ ما بين مؤتمر سان ريمو وإعلان الدولة كان الاستيطانيون يعرفون أنهم يحتاجون إلى دعم الصهاينة التوطينيين سياسياً ومالياً، وهو ما يحاول برانديز وضع نهاية له. 
3 ـ إسقاط الديباجات القومية اليهودية كان يُعَدُّ ضربة في الصميم لمحاولة تأكيد الصلة بين المستوطنين ويهود العالم، وهي صلة كان يحرص عليها المستوطنون لتوظيفها لصالحهم. ولذا أصر الاستيطانيون على أن تظل المنظمة الصهيونية العالمية منظمة للشعب اليهودي بأسره تعبِّر عن إرادة هذا الشعب ومن ثم يمكنها أن تبتز أمواله. 
وقد وُصف مشروع برانديز بأنه «صهيون بدون صهيونية» أي أنه مشروع استيطاني في فلسطين ليست له خصوصية يهودية (وهو خلاف «الصهيونية بدون صهيون» وهي الصهيونية الإقليمية). ويمكن القول بأن الاستيطانيين أدركوا أن طبيعة المرحلة تتطلب استمرار التشابك بينهم وبين التوطينيين ويهود العالم. ولذا، فقد سمحوا بدخول العناصر غير الصهيونية إلى الوكالة اليهودية لكن داخل الإطار الصهيوني، وتم تأسيس الصندوق التأسيسي (كيرين هايسود) وأُنفقت بعض أمواله المخصصة للأعمال الخيرية والمشاريع التي لا عائد لها على مشاريع استثمارية، فاعترض برانديز فيما يُسمَّى «مذكرة زبلاند» التي قدِّمت للمنظمة الصهيونية في أمريكا (1921). وقد رُفضت اقتـراحات برانديز وأُخــذ بوجهة نظر وايزمان، فاستقال برانديز (هو وبعض الصهاينة) وقطع علاقته بالمنظمة الصهيونية، ولكنه ظل يمارس ما سماه «النشاط التعاوني» وأسس شركة فلسطين الاقتصادية لتصب فيها الهبات والمنح (ومعنى ذلك أنه استمر في نشاطه الخيري التوطيني). وقد أدلى برانديز ببعض التصريحات التي يُفهَم منها رفضه الرؤية الصهيونية بقضها وقضيضها. وقد سُمِّيت جامعة برانديز باسمه. 
ويمكن القول بأن برانديز أدرك طبيعة المشروع الصهيوني من البداية وأنه جزء من المشروع الاستعماري الغربي، كما أدرك طبيعة العلاقة بين الاستيطانيين والتوطينيين، وكل ما في الأمر أنه طرح رؤيته في مرحلة مبكرة للغاية. ولكن التطورات اللاحقة سواء في المُستوطَن الصهيوني أو بين الصهاينة التوطينيين أثبتت صدق رؤيته، إذ أن الدولة الصهيونية أصبحت جزءاً أساسياً من المشروع الاستعماري الغربي، مدينة له بوجودها واستمرارها، وهي لا تعتمد على مساعدات يهود العالم التي لا تشكل سوى نسبة مئوية ضئيلة من المساعدات التي تصلها من الولايات المتحدة. والعلاقة بين الصهاينة المستوطنين والصهاينة التوطينيين تتم في إطار المصالح والأولويات الإستراتيجية الغربية.
يتبع إن شاء الله...


الباب الخامس: الصهيونية التوطينية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الخامس: الصهيونية التوطينية  Empty
مُساهمةموضوع: فرانز أوبنهايمر (1864-1943) Franz Oppenheimer    الباب الخامس: الصهيونية التوطينية  Emptyالإثنين 24 فبراير 2014, 7:36 am

فرانز أوبنهايمر (1864-1943) Franz Oppenheimer 
عالم اجتماع واقتصاد ألماني وصهيوني توطيني، ورائد فكرة إقامة مستوطنات زراعية تعاونية للمستوطنين اليهود في فلسطين. وُلد في برلين لأب كان يعمل حاخاماً إصلاحياً، ودرس الطب ومارسه حتى عام 1896 ثم تحوَّل اهتمامه إلى دراسة العلوم الاجتماعية فحصل عام 1908 على درجة الدكتوراه فيها وعمل محاضراً في جامعة برلين (1909 ـ 1917) ثم أستاذاً لعلم الاجتماع والنظرية الاقتصادية في جامعة فرانكفورت (1919 ـ 1929). وقد استقر في الولايات المتحدة منذ عام 1938 وحتى وفاته. 
وقد عارض أوبنهايمر نظرية مالتوس السكانية، وكذلك مفاهيم ماركس الاقتصادية، وسعى إلى تقديم بديل يجمع بين الأفكار الاشتراكية الإصلاحية والأفكار الليبرالية الاجتماعية وهو ما أسماه «الاشتراكية الليبرالية». ويرى أوبنهايمر أن السبيل إلى تلافي الصراع الاجتماعي الناجم عن التفاوتات الجائرة بين الناس يتمثل في القضاء على الملكية الاحتكارية للأرض الزراعية التي تؤدي إلى تَسارُع هجرة الريفيين إلى المناطق الحضرية ومن ثم إلى خَلْق جيش من العمال. ويقترح أوبنهايمر أن يُستبدَل بالملكية الاحتكارية نظام تعاوني يقوم على إعادة توزيع الأرض على عدد أكبر من الفلاحين المستقلين، وهو ما يؤدي إلى اسـتعادة التنافـس الحر وبالتالي تحقـيق "الاشـتراكية الليبرالية". 
أما اهتمام أوبنهايمر بالصهيونية وشئون اليهود، فيرجع إلى عام 1902 عندما التقى بهرتزل الذي طلب منه صياغة الجوانب الاقتصادية والزراعية في البرنامج الصهيوني. وقد نفَّذ أوبنهايمر تلك المهمة وتقدَّم باقتراحاته إلى المؤتمر الصهيوني السادس (1903) الذي أقرها. وفي عام 1911، قام مكتب فلسطين التابع للجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية بإنشاء مستوطنة تعاونية في يافا استناداً إلى أفكار أوبنهايمر. ورغم فشل المشروع، فإن مكتب فلسطين كان الأساس الذي قامت عليه المستوطنات الزراعية التعاونية التي أقامها المستوطنون اليهود في فلسطين والتي تُعرَف باسم «الموشاف». إلا أن أوبنهايمر لم يكن متحمساً للدعاوى القومية للحركة الصهيونية فهو صهيوني توطيني يرى المشروع الصهيوني باعتباره وسيلة للتخلص من الفائض البشري اليهودي وحسب. وقد أدَّى هذا إلى ابتعاده عن أية مشاركة رسمية في الأنشطة الصهيونية منذ عام 1913. وقد وضع عدة مؤلفات تعرض أفكاره الاقتصادية والإصلاحية وأبرزها الدولة (1907)، و منهج علم الاجتماع (1922 ـ 1935) 
ليو موتزكين (1867-1933) Leo Motzkin 
قائد صهيوني روسي وُلد في قرية كييف ونشِّيء تنشئة يهودية تقليدية في أسرة ثرية. أرسلته أسرته ليدرس في برلين في سن الخامسة عشرة. وفي برلين، أسَّس عام 1889، مع فيكتور جيكوبسون وشماريا ليفين وغيرهما، الجمعية الأكاديمية اليهودية الروسية التي انضم إليها وايزمان فيما بعد. ساعد هرتزل في تنظيم المؤتمر الصهيوني الأول (1897)، وساهم في صياغة برنامج بازل، وقد كلفه المؤتمر الأول بعمل بَحْث عن المستوطنات اليهودية في فلسطين قدمه للمؤتمر الثاني (1898). غادر برلين مع اندلاع الحرب العالمية الأولى (لأنه كان يعتقد أن الحلفاء سينتصرون)، وترأس مكتب كوبنهـاجن. وقد اســتقر في باريس بعد الحرب إلى آخر أيامه. كان من أشد المتحمسين للغة العبرية ومن أوائل من تحدثوا بها في المؤتمرات الصهيونية وكان أيضاً ممن يعتقدون أن الكفاح من أجل حقوق اليهود في بلاد الشـتات أو الدياسـبورا من أهم واجبات الحركة الصهيونية. ولذا، فقد ساهم موتزكين مع كلٍّ من ستيفن وايز وناحوم جولدمان في تأسيس المؤتمر اليهودي العالمي. 
برنارد لازار (1870-1903) Bernard Lazare  
كاتب وصحفي فرنسي بدأ حياته مدافعاً عن الحركات الاشتراكية والفوضوية. وقد كتب عدة مقالات في مجلات دورية كانت فيما بعد أساساً لكتابه معاداة اليهود: تاريخها وأسبابها الذي صدر عام 1894. وقد تضمَّن هذا الكتاب فقرات من النقد الشديد لبعض القطاعات اليهودية واعتبر أن اليهود هم أنفسهم سبب العداء الذي يتعرضون له. وكان لازار يرى أن معاداة اليهود يمكنها أن تلعب دوراً بنَّاءً في الفكر الاشتراكي وأن كُره الناس للرأسمالية اليهودية سيؤدي إلى النفور من الرأسمالية في جميع أشكالها. 
لكن موقف لازار تغيَّر تماماً بالنسبة للمسألة اليهودية بعد قضية دريفوس. فهبَّ لنصرة الضابط الفرنسي وحارب من أجل رد اعتباره، ونشر عدة كتب محاولاً إظهار براءته. وقد انتُخب لازار نتيجة موقفه الجديد في لجنة العمل في المؤتمر الصهيوني الثاني، ولكن لم يكن لديه اقتراح بمكان معيَّن تُنشأ فيه الدولة الصهيونية المُقترَحة. كما أنه، من ناحية ثانية، هاجم بشدة الداعين للاندماج كنوع من الحل. 
وقد اختلف لازار بعد ذلك مع هرتزل بشأن إقامة الصندوق القومي اليهودي لتمويل الاستيطان اليهودي في فلسطين، معارضاً أن تتحول حركة البعث اليهودي إلى ما أسماه «العملية الرأسمالية»، وأنهى علاقته بالحركة الصهيونية. وقد مات لازار شبه منسي، وكتب مرثيته الكاتب الكاثوليكي شارل بيجي. 
جيكوب دي هاس (1872-1937) Jacob de Haas 
كاتب وقائد صهيوني وُلد في لندن من أصل هولندي. انخرط في شبابه في الحركة الصهيونية. ومع صدور كتاب هرتزل دولة اليهود، بدأ في مراسلته، وكان واضحاً له منذ البداية أن هدف الحركة الصهيونية هو توطين اليهود في فلسطين من أجل إقامة دولة يهودية هناك. عمل أميناً للمؤتمر الصهيوني الأول (1897) ثم سافر عام 1902 إلى الولايات المتحدة بناء على طلب هرتزل حيث استقر هناك، وصار أميناً لاتحاد الصهاينة الأمريكيين حيث اسـتمر في ذلك المنصـب من 1902 إلـى 1905.
 استقال بعدئذ لاختلافه مع القيادة الصهيونية في الولايات المتحدة وانتقل إلى بوسطن ليحرر مجلة جويش أدفوكيت. قابل برانديز ونجح في ضمه للحركة الصهيونية وإقناعه بتولي قيادة الاتحاد، وكانت علاقتهما بعد ذلك قوية جداً. ومع انتخاب برانديز عام 1916 كعضو في المحكمة الدستورية العليا بالولايات المتحدة، أصبح دي هاس المنفذ الرئيسي لأفكاره في الحركة الصهيونية في أمريكا، ومع تأسيس المنظمة الصهيونية الأمريكية عمل قائداً لها من عام 1918 وحتى عام 1921، ولكنه ترك قيادتها مع هزيمة الكتلة البرانديزية وتزعَّم حركة «العودة إلى هرتزل»، وكان من مناصري الصهيونية العامة ومعجباً بفلاديمير جابوتنسكي، فانضم عام 1935 إلى المنظمة الصهيونية الجديدة. وتُوفي دي هاس في نيويورك عام 1937. 
ستيفن وايز (1874-1949) Stephen Wise 
حاخام أمريكي إصلاحي وقائد صهيوني توطيني. وُلد في بودابست وارتحل مع أسرته إلى الولايات المتحدة وعمره 17 شهراً. أصبح حاخاماً عام 1900، وحصل على الدكتوراه من جامعة كولومبيا عام 1902. وعُرض عليه عام 1906 منصب حاخام معبد عمانويل في نيويورك الذي كان يُعتبَر أهم الأبرشيات، ولكن ظهر نزاع بينه وبين لويس مارشال رئيس الأبرشية حول مدى حرية التعبير إذ أصر مارشال أن حاخام الجماعة لابد أن يخضع لقرارات مجلس أمنائها في الأمور الحيوية المهمة. وقد رفض وايز هذا الرأي وأسَّس المعبد الحر في نيويورك وظل يعمل حاخاماً لهذا المعبد حتى وفاته. 
والأساس الذي انبنى عليه هذا المعبد هو أن يعبر الحاخام عن آرائه بحريته الكاملة، وأن يكون نظام الجلوس في مقاعد المعبد حراً تماماً أيضاً غير مقيد بمقدار تبرع المصلي. فمن المعروف أن مقاعد المعابد كانت تُباع للمصلين وكانت قيمة المقاعد تزداد بمقدار مدى القرب أو البُعْد عن لفائف التوراة، وكلما ازداد المقعد قرباً من هذه النقطة ازدادت قيمته. وقد نجم عن ذلك أن المقاعد الأمامية كانت دائماً مخصَّصة للأثرياء وكانت المقاعد الخلفية مخصَّصة للمُعدَمين ومقاعد الوسط لمتوسطي الحال، أي أن طريقة الجلوس في المعبد كانت تعكس البناء الطبقي للجماعة اليهودية. 
وقد بدأ النشاط الصهيوني لوايز في تسعينيات القرن التاسع عشر. كان وثيق الصلة بتيودور هرتزل حيث التقيا في بازل في المؤتمر الصهيوني الثاني (1898). وقد كان من قبل يشغل منصب أمين الحركة الصهيونية في أمريكا. وفي مؤتمر السلام في فرساي، تحدَّث وايز بلسان الحركة الصهيونية. وأسس، مع آخرين، المؤتمر اليهودي الأمريكي عام 1916، وكان نائباً لرئيسه في الفترة 1922 ـ 1925، ثم ترأسه بين عامي 1936 و1949. وفي هذه الفترة، عمل على إفشال المؤتمر اليهودي العالمي الثالث والمؤتمر الذي دعا إليه المموِّل الأمريكي اليهودي أُنترماير، وقد كانا يحاولان تنظيم حركة المقاطعة اليهودية للنازية في وقت كانت الحركة فيه آخذة في التنامي. وقد قام بذلك حتى تستطيع الحركة الصهيونية الاستمرار في التعاون مع النظام النازي من خلال اتفاقية الهعفراه. ورغم حربه الشرسة ضد يهود العالم لصالح المستوطنين، كان وايز صهيونياً توطينياً من الدرجة الأولى. فبعد إعلان الدولة لم يهاجر إليها، ولعله لو طال به العمر لاصطدم ببن جوريون ولتم القضاء على نفوذه كما حدث مع بقية القيادات الصهيونية التوطينية التي كانت تتصوَّر أن بوسعها التحكم في المُستوطَن الصهيوني من خلال المنظمة. 
إدموند فليج (1874-1963) Edmond Fleg 
شاعر وكاتب مسرحي وقاص فرنسي، لعب دوراً مهماً في الفكر الصهيوني، وقد وُلد في جينيف، وكان في سنوات تكوينه الأولى متباعداً عن اليهودية نفسياً وفكرياً إذ نشأ في أسرة مندمجة، وتعلَّم في مدارس وجامعات غير يهودية في أوربا ومن بينها السوربون. وفي عام 1914، انضم إلى الكتيبة العسكرية الفرنسية للأجانب، واشترك في الحرب العالمية الأولى، وحصل بعد عامين على الجنسية الفرنسية، ثم عاد إلى باريس والتحق بالخدمة المدنية وواصل دراسته. وكان فليج ـ بالاشتراك مع المؤرخ جول إسحق ـ من مؤسسي إحدى الحركات من أجل الإخاء المسيحي ـ اليهودي، وكتب في مستهل حياته عدة مسرحيات ناجحة شعبياً، لا علاقة لها باليهودية، مثل فاوست (1937). ثم حدث التحول في حياته نتيجة هزة نفسية تعرَّض لها عقب قضية دريفوس، إذ شعر فجأة بيهوديته (على حد قوله)، فانكب على دراسة جادة لما يُسمَّى «التاريخ اليهودي»، وقدَّم للقارئ الفرنسي على مدى أربعين سنة أعمالاً تدور حول موضوعات يهودية. 
بدأ اهتمام فليج بالصهيونية وشارك في بلورة فكرها والدعاية لها بعد حضوره المؤتمر الصهيوني الثالث (1899). ومن أهم أعماله الأدبية لماذا أنا يهودي (1928)، وهو تحليل لعودته إلى اليهودية وصف فيه التجربة التي مر بها، وإن كان التحليل في نهاية الأمر لا يجيب على أي تساؤل ولا يحل أي تناقض.وفي كتاب فلسطين أرض الميعاد يعبِّر فليج عن أمله في إحياء الروح اليهودية وإنشاء الدولة الجديدة وإن كان يتساءل عن جدوى إقامة وطن لليهود في فلسطين ما دام مصيرهم سيكون مهدداً فيها كما هو الحال في كل مكان، وهل يستطيع هذا الجيتو الجديد أن يحل مشكلة اليهود؟ أما المجموعة الشعرية اسمعي يا إسرائيل فهي ملحمة شعرية تقص تاريخ الشعب اليهودي حتى إعلان إسرائيل، بدأها عام 1906 واستمر في كتابتها والإضافة لها عبر حياته ولم تُنشر إلا عام 1954 وهي تُعتبَر صورة يهودية مطابقة لعمل فيكتور هيجو الأدبي أسطورة الأجيال. وقد كان لفليج تأثير في الأدب الفرنسي ذي الطابع اليهودي، كما حاول جاهداً في كتاباته إظهار التوافق بين الثقافة الغربية والقيم اليهودية. ورغم اهتمام فليج باليهودية والصهيونية، فإنه كان أساساً من الصهاينة التوطينيين الذين يدافعون عن الصهيونية كمثل أخلاقي أعلى وحركة لحل مشاكل اليهود الآخرين. 
فيلكس فرانكفورتر (1882-1965) Felix Frankurter 
صهيوني توطيني كان يعمل قاضياً بالمحكمة الدستورية العليا الأمريكية. وُلد في فيينا عام 1882، ثم هاجر مع أبويه إلى الولايات المتحدة عام 1894. تخرَّج في كلية الحقوق في جامعة هارفارد عام 1906 وأصبح مساعد المدعي العام الأمريكي في نيويورك. وأصبح مساعداً لوزير الحرب الأمريكي عام 1911. وكان أستاذاً للقانون الإداري بهارفارد حتى تم اختياره قاضياً بالمحكمة الدستورية العليا عام 1939. وأخيراً، كان المستشار القانوني للوفد الصهيوني الأمريكي لمؤتمر السلام في باريس، وشارك مشاركة فعالة في مفاوضات فيصل/ وايزمان. وقد ابتعد فرانكفورتر عن المشاركة في النشاطات الصهيونية بعد استقالة برانديز ولكنه استمر في النشاط الصهيوني التوطيني والإثني من خلال عضويته في مجلس مديري أصدقاء الجامعة العبرية في القدس. وكان فرانكفورتر صديقاً شخصياً لروزفلت. وتُوفي في نيويورك عام 1965. 
أبراهام جولدبرج (1883-1942) Abraham Goldberg 
قائد صهيوني وكاتب. وُلد في روسيا عام 1883 وشارك في النشاط الصهيوني منذ شبابه. هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1918 واستقر هناك. وفي عام 1903، أسَّس مع آخرين أول جماعة لعمال صهيون في الولايات المتحدة. كان من مؤيدي خطة التوطين في شرق أفريقيا ومن الإقليميين الاشتراكيين. شارك في تأسيس عدة جرائد يديشية صهيونية واشترك في تنظيم المؤتمر اليهودي الأمريكي. وأصبح بعد الحرب عضواً في المكتب السياسي للمنظمة الصهيونية الأمريكية وحارب ضد مجموعة برانديز أثناء معركتهم مع حاييم وايزمان عام 1921. وعمل مراسلاً ومبعوثاً لحاييم وايزمان مرتحلاً بين عدة جماعات يهودية لشرح فكرة توسيع الوكالة اليهودية، وصار منذ عام 1937 عضواً في المكتب التنفيذي للوكالة. 
فريدريك كيش (1888-1943) Frederick Kisch 
مهندس عسكري بريطاني وقيادي صهيوني. وُلد في الهند حيث كان أبوه يعمل في الإدارة المدنية الهندية، وأتم دراسته في الأكاديمية العسكرية الملكية والتحق بالجيش الهندي. وقد خاض الحرب العالمية الأولى، وبعد إصابته عُيِّن في إدارة الاستخبارات العسكرية في مكتب شئون الحرب وكان مسئولاً عن الفرع المختص بروسيا وإيران والصين واليابان. وبعد انتهاء الحرب، اختير ضمن الوفد البريطاني إلى مؤتمر باريس للسلام (1919 ـ 1921).
وقد استقال كيش من الخدمة العسكرية عام 1923 وقَبل دعوة حاييم وايزمان -زعيم المنظمة الصهيونية العالمية آنذاك- للانضمام إلى عضوية اللجنة التنفيذية الصهيونية في القدس وهي هيئة قيادية فرعية للمنظمة الصهيونية العالمية. ومن خلال موقعه هذا، قام كيش بدور بارز في دعم التعاون والتنسيق بين القادة الصهاينة وسلطات الانتداب البريطاني في فلسطين. كما تولَّى كيش الإشراف على المكتب السياسي التابع للجنة، وهو أداة جنينية لأنشطة الاستخبارات، حيث عمل على تنظيم شبكة تجسُّس من المستوطنين اليهود كانت تتستر وراء الهيئات العامة كالنوادي والجمعيات الخيرية. وفي عام 1931، ترك كيش منصبه القـيادي في الحركة الصهـيونية وتفرَّغ لإدارة مشروعات تجـارية في حيفا، ولكنه واصل إمداد المستوطنين الصهاينة بنصائحه في شئون الأمن. 
وعند اندلاع الحرب العالمية الثانية، عاد كيش إلى الخدمة العسكرية في صفوف القوات البريطانية فتولى مسئولية مد خطوط الإمدادات المائية إلى المنشآت العسكرية في منطقة شمال أفريقيا، وقد لقي مصرعه في إحدى العمليات العسكرية. وقد سجل كيش تفاصيل علاقته بالحركة الصهيونية وأنشطته على أرض فلسطين في كتاب يوميات فلسطين (1938) ومن الواضح أن كيش صهيوني توطيني يرى المشروع الصهيوني باعتباره مشـروعاً اسـتعمارياً غربياً، ولا يكترث بسـماته اليهودية الخاصة. 
أبا هليل سيلفر (1893-1963) Abba Hillel Silver 
حاخام أمريكي وزعيم صهيوني وُلد في ليتوانيا وهاجر إلى أمريكا عام 1901 وانخرط في سلك الصهيونية منذ صباه حيث أسس نادياً لأحباء صهيون الصغار. وعلى هذا الأساس، شارك في الاتحاد الصهيوني الأمريكي. ويُعَدُّ من أوائل الحاخامات الإصلاحيين الذين انضموا للحركة الصهيونية وحاربوا الاتجاهات المعادية لها في صفوف أتباع اليهودية الإصلاحية. وقد انحاز إلى القاضي برانديز أثناء الخلاف بينه وبين وايزمان (1920 ـ 1921)، لكنه ما لبث أن عاد إلى أحضان المنظمة الصهيونية ومثَّل الصهاينة الأمريكيين في عديد من المؤتمرات الصهيونية وساهم في تأسيس النداء اليهودي الموحَّد والنداء الفلسطيني الموحَّد. وقد كثَّف جهوده أثناء المناورات الصهيونية لإنشاء الدولة الصهيونية مستخدماً الوسائل الدبلوماسية والتقليدية والضغط عن طريق الرأي العام، وقد لجأ سيلفر للضغط المكشوف دون أي خوف من أن يُتهم بازدواج الولاء، وشارك منذ عام 1943 فيما عُرف بعدئذ باللوبي الصهيوني. وقد ترأس المنظمة الصهيونية الأمريكية بين عامي 1945 و1947 وظل رئيساً فخرياً لها حتى موته. 
ومما يُذكر أنه بعد قيام الدولة، اصطدم سيلفر وبن جوريون الذي كان يفضل دائماً أن ينظر إلى أعضاء الجماعات اليهودية في العالم على أنهم مجرد وسيلة لتحقيق أنبل غاية يهودية، أي الدولة الصهيونية: وهذا تعريف يرفضه سيلفر وزعماء صهيونية الدياسبورا التوطينيون الذين يصرون على ازدواجية ولاء اليهودي الأمريكي بحيث يكـون ولاؤه السيـاسي لبلده وولاؤه العاطفي الثقافي لإسرائيل. ويمكننا أن نرى علاقته مع بن جوريون في إطار العلاقة العامة بين التوطينيين الذين يرسلون الدعم المالي والاستيطانيين الذين يؤدون المهمة الأساسية للاحتلال (أي الاستيطان)، وهي علاقة تجمع بين الحب والكراهية في آن واحد. ومما صعد التناقض بينهما أن كليهما كان يطمع في الزعامة. لكن الاستيطانيين رفضوا بشدة أن يعطوا أي دور للتوطينيين. 
وقد كان سيلفر من دعاة تدعيم القطاع الخاص في الاقتصاد الإسرائيلي الأمر الذي كان يمثل تهديداً كبيراً للبيروقراطية العمالية الصهيونية الحاكمة. والحاخام سيلفر مشيحاني الاتجاه يجمع بين الفكر الإصلاحي الاندماجي والرؤية المشيحانية، وقد أعرب عن رأيه في أن الصهيونية ليست مجرد حل لمشكلة لاجئين وإنما هي قضية روحية لخلاص الشعب اليهودي. ومن أهم مؤلفاته تأملات حول الماشيَّح المنتظر في يسرائيل القديمة، و مواطن اختلاف اليهودية عن الديانات الأخرى. 
ناحوم جولدمان (1894-1982) Nahum Goldman 
زعيم صهيوني توطيني مؤسِّس المؤتمر اليهودي العالمي. وُلد في ليتوانيا ونشأ وتعلَّم في ألمانيا حيث حصل على الدكتوراه في القانون، وانخرط في سلك النشاط الصهيوني وهو بعد في سن الخامسة عشرة. وقد حاول أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها أن يثير اهتمام الحكومة الألمانية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين تحت رعاية ألمانيا (وقد كان مثل هرتزل من كبار المعجبين بالروح العسكرية البروسية). وأسس مع كلاتزكين في برلين دار إشكول لنشر الكتب العبرية، وكان من أعضاء جماعة العامل الفتي، ولكنه تركها وانضم إلى جماعة الصهاينة الراديكاليين وحضر جميع المؤتمرات الصهيونية منذ عام 1921، وساهم في تأسيس المؤتمر اليهودي العالمي عام 1936 (وهي فكرة باركها الزعيم الفاشيستي موسوليني في اجتماع بينه وبين جولدمان ساده الفهم المُتبادَل، وقد أبدى الدوتشي استعداده لدعم هذا المؤتمر). 
وتولَّى جولدمان رئاسة المؤتمر اليهودي العالمي في الفترة بين عامي 1953 و1977، كما تولَّى رئاسة المنظمة الصهيونية العالمية منذ عام 1956 حتى عام 1968 وقد أصبح مواطناً إسرائيلياً عام 1964، ولكنه لم يلعب دوراً ذا بال في الحياة السياسية هناك. 
ومن أهم مساهمات جولدمان في دعم التجميع الاستيطاني في إسرائيل، إتمام اتفاقية التعويضات الألمانية التي دفعت الحكومة الألمانية بمقتضاها تعويضات لأسر اليهود الذين قُتل ذووهم في معسكرات الاعتقال. وقد ذهبت معظم التعويضات التي بلغت 822 مليون دولار إلى إسرائيل، هذا غير المبالغ التي دُفعت للأفراد (وقد اعترف جولدمان نفسه بأن مجموع التعويضات الفعلي قد بلغ 40 ألف مليون مارك، أي حوالي أربعة بلايين دولار). 
وبعد عام 1967، تزايدت الانتقادات التي وجهها جولدمان إلى الحكومة الإسرائيلية بشأن قضية السلام، ولم يُعَد انتخابه رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية عام 1968 وأصبح بعد ذلك مواطناً في سويسرا. وحاول زيارة مصر عام 1969 ولكن جولدا مائير، رئيسة الوزراء آنذاك، رفضت المبادرة. وقد طلب جولدمان من كارتر أن يحطم اللوبي الموالي لإسرائيل في الولايات المتحدة. 
ويُلاحَظ أنه، على المستوى الفلسفي والفكري، يوجد تياران متصارعان في تفكير جولدمان، التيار الأول حلولي كموني صهيوني معـاد للتـاريخ من الناحية السـياسـية. فالتاريخ اليهودي، حسب جولدمان، يعبِّر عن تفرُّد الشعب اليهودي الذي بقى عبر التاريخ بسبب مقدراته الروحية ووحدتها، وهي مقدرات تخلع على تاريخ البشرية بأسره جلاله ومغزاه، فكأن الشعب اليهودي هو المطلق الكامن في مركز التاريخ وركيزته الأساسية. بل إن الشعب اليهودي في علاقته مع الأغيار يشبه علاقة المسيح مع من صلبوه. فالبشرية التي يعيش اليهود بينها هي المسئولة عن عذابهم. هذه الأمة ذات علاقة حلولية عضوية بالأرض الفلسطينية، ومن ثم تصبح الدولة الصهيونية حتمية وتصبح حقوق اليهود في الأرض مطلقة. وحتى لو سلمنا بأن العرب أصحاب حق في فلسطين فيجب إدراك أن هذه الحقوق لا تُقارَن بالحقوق اليهودية المطلقة فيها. 
ولكن جولدمان كصهيوني توطيني يكمل هذه الرؤية الحلولية بأخرى أقل حلولية وأكثر تفتحاً، فهو يؤمن بأن الإله لا يتجسد في كل تعرجات ونتوءات التاريخ اليهودي ولا يتدخل دائماً فيه، الأمر الذي يترك مساحة واسعة للحرية الإنسانية، ولا يوجد قَدَر محدَّد مرسوم لليهود خططه الإله خصيصاً لليهود منذ بدأ الكون، فإذا كان الإله مسئولاً عن انتصار عام 1967 فهو بلا شك مسئول عن أوشفيتس أيضاً، أي أن جولدمان يرى أن الإله منزَّه عن الطبيعة والتاريخ وأن الخالق لا يحلّ في المخلوق ولا يذوب فيه، ومن ثم فإن الإنسان مخيَّر وليس مسيَّراً. 
ولأن جولدمان قادر على رؤية التاريخ اليهودي بهذه الطريقة، فإنه قادر على تقــييمه وعلى التهـكم على الرؤية المشيحانية الميلودرامية، فهو يعقد مقارنة بين الإنجليز واليهود فيقول: "في القرن الماضي فَقَد الإنجليز إمبراطوريتهم ولكنهم تخطوا أحزانهم، أما اليهود فقد فَقَدوا الهيكل منذ ألفي عام ولم يَكفُّوا عن النواح عليه منذ ذلك الوقت بل خصصوا يوماً للنواح، لو فَقَد اليهود إمبراطوريتهم لصاموا يوماً من كل أسبوع"، أي أنه يرى أن المركزية التي يخلعها اليهود على أنفسهم أو تخلعها الحلولية اليهودية عليهم ترهقهم تماماً وتُفقدهم إنسانيتهم وتضع على كاهلهم عبئاً ثقيلاً. 
وإذا كان التاريخ ليس موضع الحلول الإلهي وإنما مجال حرية الإنسان، فلا حتميات إذن: لا حتمية في الصراع العربي الإسرائيلي، والأرض الفلسطينية ليست أرضاً بلا شعب كما ادعى الصهاينة. ومعاداة اليهود ليست خالدة ولا أزلية، كما أن يهود العالم لا يتمتعون بأية وحدة حلولية عضوية فيما بينهم أو بينهم وبين إسرائيل. 
هاتان الرؤيتان (الحلولية والإنسانية) تتبدَّيان في رؤيتين متناقضتين (كما هو الحال مع الصهاينة التوطينيين). فمن حق اليهودي أن يحس بالولاء تجاه البلد الذي ينتمي إليه، ولكن من حقه أيضاً أن يشعر بالولاء تجاه إسرائيل، دون أن يشعر بأي تناقض، لأن جولدمان كان قد حرَّر يهود العالم من عبء الرؤية الحلولية فإنه قد ترك إسرائيل أسيرة دائرة القداسة، فهي تقبع داخلها.
ومن ثم، فإن ولاء اليهودي ولاء سياسي تاريخي، أما ولاؤه لإسرائيل فهو ولاء ديني حلولي (ويحس جولدمان شخصياً بالولاء لجنيف العلمانية والقدس الحلولية). لكل هذا، فإن العودة لصهيون ليست مسألة حتمية أو مرغوباً فيها، فبإمكان اليهود البقاء في أوطانهم والاحتفاظ بهويتهم والدفاع عن حقوقهم. ولذا، يجب ألا يتدخل المُستوطَن الصهيوني في شئونهم. وبدلاً من الدعاية من أجل هجرة اليهود السوفييت وإحراجهم، يجب النضال من أجل تحسين أحوالهم وضمان تمتُّعهم بحقوقهم كاملة. وبالطريقة نفسها، يجب ألا يتدخل يهود العالم في شئون إسرائيل. بل إن جولدمان يطالب بأن تكون مهمة المنظمة الصهيونية حماية اليهود في كل بلد وتأتي العلاقة مع إسرائيل في المرتبة الثانية. 
ما وظيفة إسرائيل إذن في حياة يهود العالم؟ هنا يظهر موضوع المركز الروحي (فكرة آحاد هعام). فجولدمان يرى أن انفصال يهود العالم انفصالاً كاملاً عن اليهود واليهودية هو نوع من أنواع الموت من خلال القلب (مثل منفيي الروح عند بن جوريون). وحتى يتمكن القلب والروح اليهوديان من أن ينعما بالحرية، يجب تخصيص دولة تكون مركزاً روحياً تُولَد فيها أفكار جديدة وتصبح مصدر إلهام للشعب اليهودي المشتت. ويُشكِّل تَضامُن يهود العالم مع إسرائيل، أو المركز الروحي، جزءاً أساسياً في حياة كل منهما، فإذا كان وجود يهود العالم مستحيلاً بدون الدولة (فهم مهددون بالاندماج والانصهار) فوجود الدولة الصغيرة مستحيل بدون الدياسبورا (يهود العالم)، أي أن هناك مركزين لليهودية. 
ورغم أن جولدمان يُلقي عبء المطلقية على الدولة الصهيونية في علاقتها باليهود، فإنه ينظر لها بطريقة أكثر تركيباً في علاقتها بالدول العربية. فقد لاحظ جولدمان أن إسرائيل تعتمد اعتماداً شبه كامل على الدول الغربية، مع أنه يرى أن على إسرائيل أن تتعامل مع الواقع العربي المحيط بها، وخصوصاً أن الزمن لا يعمل لصالحها، فكل الانتصـارات الإسـرائيلية لم تنجـح حتى الآن في حسـم المسـألة. 
وفي العصر الحديث، نجد أن كل الشعوب، حتى أصغرها عدداً، تتمتع بحق تقرير المصير الذي يجب أن يشمل الفلسطينيين. ولذا، فقد طالب جولدمان بالاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية (بشروط صهيونية). وعلى إسرائيل أن تقبل سلاماً رسمياً في إطار ضمانات دولية، وأن تتصرف كدولة في الشرق الأوسط، إذ لا يوجد أي مستقبل للدولة اليهودية دون تفاهُم كامل مع العرب. بل إنه طالب بأن تصـبح إسـرائيل (المركز الروحي لليهود) سويسرا الشرق: دولة محايدة تماماً وتتحرك خارج نطاق الصراعات والسياسات الدولية. 
ويبرر جولدمان حياد إسرائيل على أساسين: 
واحد حلولي مغلق والآخر إنساني منفتح. فدولة إسرائيل المحايدة تتويج لمعاناة اليهود التي استمرت ألف عام، وحيادها سيؤدي إلى تعاون هائل بين العرب وإسرائيل الأمر الذي يجعل المنطقة تقترب من شيء يشبه المرحلة المشيحانية. 
أما التبرير التاريخي السياسي فهو يَصدُر عن إدراك جولدمان لعنصرين أساسيين في إسرائيل: 
1 ـ لا يسكن إسرائيل أكثر من عشرين بالمائة من يهود العالم، ومن غير الواقعي تصوُّر أن أكثرية اليهود ستتجمع في إسرائيل خلال العقود المقبلة. وعلى أية حال، فبدون تضامن يهود العالم ما كان ليتم تأسيس الدولة الصهيونية، وما كان بمقدورها الاستمرار في الوجود حتى الآن. والواقع أن حياد إسرائيل المقترح يمكن أن يوفر لجميع يهود العالم مركزاً ثقافياً أخلاقياً ودولة غير متورطة في مشكلات السياسة الدولية. وبذا، يتمكن يهود العالم من الخلاص من تهمة الولاء المزدوج. 
2 ـ دولة إسرائيل تشبه الشوكة في حلق العالم العربي فهي دولة (وظيفية) تدور في إطار المصالح الغربية يمكنها عرْقلة السياسة المشتركة لهذا العالم، ولو كانت إسرائيل محايدة وغير ضالعة في مسائل السياسة الدولية الأساسية لاستطاع العالم العربي قبول الأمر الواقع (أي وجود إسرائيل) على نحو أسهل. 
وقبل موته بثلاثة أعوام، صرح جولدمان لمجلة ألمانية بأن إسرائيل تمثل فشل تجربة، وأنها كارثة أضخم من أوشفيتس. وقبل موته بشهر واحد، نشر إعلاناً في جريدة ليموند يدعو إلى مبادرة إسرائيلية فلسطينية للاعتراف المتبادل. 
نسيم جعون (-1922) Nessim Gaon 
رجل أعمال وُلد في السودان لعائلة يهودية سفاردية ذات أصول تركية هاجرت إلى مصر ثم انتقلت إلى السودان حيث عمل والده في الحكومة السودانية في الخرطوم في ظل وجود الاستعمار البريطاني في المنطقة. وتخرَّج جعون في مدرسة كومبوني في الخرطوم وانضم خلال الحرب العالمية الثانية إلى الجيش البريطاني حيث اشترك في القتال في سوريا والعراق وإيران وإيطاليا وشمال أفريقيا. وبعد تسريحه من الجيش، عاد إلى السـودان حيث التحق بتجارة الأسرة. وفي عام 1957، بعد أن نالت السودان استقلالها، وبعد رحيل الاستعمار البريطاني عن المنطقة، انتقل جعون إلى جنيف حيث شيَّد مؤسسة تجارية عالمية متخصِّصة في مجالات الاستيراد والتصدير والاستثمارات والعقارات. 
ونشط جعون بشكل بارز في مجال الشئون اليهودية. ففي الخرطوم عمل سكرتيراً ونائباً لرئيس الجماعة اليهودية في السودان، وفي جنيف نجح في توحيد الجماعة الإشكنازية والجماعة السفاردية وأصبح رئيساً للجماعة المتحد ة التي أصبحت تمثل الجماعتين منذ عام 1966. واهتم جعون بالجماعة السفاردية بشكل خاص وعمل رئيساً للاتحاد السفاردي العالمي منذ عام 1971. كما احتل منصب نائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمي منذ عام 1973. وقدَّم جعون تبرعات ومساهمات عديدة لإسرائيل، وأصبح عام 1971 عضواً في مجلس إدارة جامعة بارابلان الإسرائيلية. وفي عام 1973، أصبح رئيس مجلس إدارة جامعة بن جوريون في بئر سبع. 
ويأتي دعم جعون السخي لإسرائيل، مثل غيره من أثرياء يهود الغرب، في إطار ما يمكن تسميته «الصهيونية التوطينية» حيث يقوم هؤلاء بدعم وتأييد إسرائيل مادياً وسياسياً وبتمويل النشاط الاستيطاني بها دون أن يهاجروا هم بأنفسهم إليها. ولذلك، يتخذ هذا الدعم شكلاً حماسياً واستعراضياً ويتسم بنبرته العالية. إلا أن هذا الدعم يأتي في المقام الأول كتعبير عن مصالح الرأسمالية العالمية ومصالحها الإمبريالية التي يخضع أثرياء الغرب من اليهود لآلياتها، شأنهم شأن غير اليهود، ويشكلون جزءاً لا يتجزأ من نسيجها. ولكن هناك بُعداً آخر لدعم جعون للمُستوطَن الصهيوني، إذ يبدو أنه يقوم بدعم الأحزاب السفاردية في المُستوطَن الصهيوني (تامي مثلاً) بهدف أن تقوم هذه الأحزاب بتمثيل مصالحه والقيام بتسهيل أعماله والدفاع عنها.


الباب الخامس: الصهيونية التوطينية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الخامس: الصهيونية التوطينية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الخامس: الصهيونية والعلمانية الشاملة
» الجزء الخامس.. الباب الأول: أزمة الصهيونية
» الباب العاشر: الصهيونية العامة (أو الصهيونية العمومية)
» الباب السادس: المؤسسات التوطينية
» الباب الرابع: الجـباية الصهيونية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: