منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة    الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة  Emptyالثلاثاء 24 ديسمبر 2013, 12:10 am

الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة 
روسيا من عام 1855 حتى عام 1881 
Russia, from 1855 to 1881 
تغيَّرت الصورة كثيراً مع اعتلاء ألكسندر الثاني (1855 ـ 1881) العرش إذ تميَّز حكمه بأن حركة التحديث في روسيا خطت خطوات واسعة واتخذت شكلاً ليبرالياً بعد هزيمة روسيا في حرب القرم. فعلى سبيل المثال، تم تحديث النظام القضائي عام 1864 ونظام البلديات عام 1870 وكذلك نظام التجنيد، بل بدأ الحديث عن قيام حكومة دستورية. ولعل أهم القرارات قرار إلغاء نظام الأقنان عام 1861 الذي صدر نزولاً على إرادة النبلاء الإقطاعيين الذين ظهرت بينهم تطلعات نحو الانتقال إلى صفوف البورجوازية الكبيرة سواء من خلال إقامة المزارع الحديثة ورسملة الزراعة أو من خلال التوجه للعمل في المجالات التجارية والصناعية. 
ويشكل هذا القرار أخطر منعطف في تاريخ المجتمع الروسي حيث شهدت هذه الفترة زيادة معدلات التصنيع والتحديث بشكل كبير، فمُدت السكك الحديدية وفُتحت أبواب الحراك الاجتماعي أمام الكثيرين، ولكن بدأت أيضاً معالم أزمة النظام القيصري في الظهور. لقد حرَّرت الدولة الروسية الأقنان ولكنها لم توفر لهم أرضاً، وبدأت القرى تقذف الملايين إلى المدن ليعيشوا تحت ظروف اقتصادية أشد وأقسى مما كانت عليه في عهد الإقطاع. ولم تكن هناك أية مؤسسات وسيطة (الأسرة أو الكنيسة) لتحميها وتوفر لها شيئاً من الطمأنينة النفسية (الحقيقية أو الوهمية). كما أن هؤلاء الملايين كانوا يتقاضون أجوراً منخفضة لم تكن تفي بحاجاتهم بقدر ما كانت تؤدي إلى التراكم الرأسمالي السريع الذي كان يؤدي بدوره إلى تَصاعُد عملية التحديث وازدياد إفقار الجماهير وانتشـار الحركات الثوريـة وزيادة الأوتوقراطية من جـانب النظام السياسي، وهي الحلقة المفرغة التي أدَّت في نهاية الأمر إلى الثورة البلشفية. 
وقد فُتحت أبواب الحراك الاجتماعي والاقتصادي أمام أعضاء الجماعة اليهودية وغيرهم من القطاعات والأقليات في المجتمع. ورُبطت عملية إعتاق اليهود بمدى تحوُّلهم إلى عنصر نافع وعنصر اقتصادي منتج. ولتشجيع أعضاء الجماعة على تَقبُّل التحديث والترويس، قامت الحكومة بتوسيع نطاق حقوق اليهود النافعين، وخصوصاً حق السكنى في روسيا بأكملها، خارج منطقة الاستيطان بالنسبة للتجار الأثرياء الذين يُعتبَرون تجاراً من الدرجة الأولى (عام 1859) ولخريجي الجامعة (عام 1861) والحرفيين (عام 1865) والجنود اليهود المُسرَّحين (عام 1867). ومن الأشياء المؤسفة أن العاهرات كن يُعتبَرن نافعات وهو ما شجع كثيراً من الفتيات اليهوديات، داخل منطقة الاستيطان، على امتهان البغاء كوسيلة للحراك الاجتماعي والجغرافي. وصُرح ليهود منطقة الاستيطان بالسكنى في بولندا عام 1868. وفي عام 1879، أصبح لكل من يعمل بمهنة الطب حق السكنى في أي مكان. ووُسع نطاق منطقة الاستيطان نفسها فأُبطل العمل بالقانون الذي يحظر على أعضاء الجماعة اليهودية السكنى في المنطقة الممتدة خمسين فرسخاً داخل الحدود. 
وفي عام 1856، أُلغيت القوانين الخاصة بتجنيد أعضاء الجماعة اليهودية والعقوبات الخاصة التي كانت تُوقَّع عليهم، وتمت مساواتهم ببقية الشعب الروسي. وفي عام 1874، اعتُمد نظام التجنيد الإجباري العام لمدة أربع سنوات ولم يَعُد مقصوراً على الفقراء، وانضم آلاف الشباب اليهودي إلى الجيش ومُنحوا حقوقاً ومزايا عديدة، كما خُفِّضت مدة خدمة المجندين الذين أنهوا دراستهم من أربع سنوات إلى سنة واحدة. 
وفي حقل التعليم، بعد فشل تجربة أوفاروف، أُغلقت المدارس اليهودية الحكومية عام 1873 ماعدا مائة مدرسة، وفُتحت المدارس الحكومية المعادية أمام أعضاء الجماعة اليهودية واعتبرت هذه الطريقة الأسلوب الأمثل لعملية الترويس. وأخذ عدد اليهود الذين التحقوا بهذه المدارس في التزايد. كما فتحت الجامعات أبوابها لهم، فزاد عدد الطلبة اليهود في الجامعات بين عامي 1853 و1872 من 1.25% من مجموع الطلبة إلى 13.2%. 
وظهر فكر حركة التنوير الذي كان من أقطابه ليفنسون ومابو ويهودا ليب جوردون. وكانوا في البداية معارضين لليديشية على النمط الألماني، لكن بعضهم تبناها كلغة قومية لا كلغة دينية. وظهر أدب يديشي من أعلامه منديل موخير سفاريم وغيره. وظهرت مطبوعات يهودية بالعبرية واليديشية والروسية. وتركت الثقافة اليهودية الروسية العلمانية الجديدة أعمق الأثر في أعضاء الجماعة اليهودية، حتى وصل ذلك الأثر إلى المدارس الدينية نفسها. 
ونشأ إحساس عام لدى يهود روسيا بأن الحكومة تأخذ مسألة الدمج بشكل جدي ومعقول، فاشتركوا في الحياة الروسية العامة، وظهر من بينهم عازفون موسيقيون، كما نشأت طبقة من التجار الأثرياء والمثقفين الداعين إلى الدمج والترويس. وقد أسَّسوا جمعية نشر الثقافة الروسية بين يهود روسيا عام 1863. وقام كبار المموِّلين اليهود ببناء الطرق والقلاع والسكك الحديدية وبتزويد الجيش بالتموين والغذاء، وامتلكوا المناجم وصناعات الطعام والنسيج وتصدير الأخشاب، وساهموا في تأسيس شبكة المصارف الجديدة في روسيا. وكانت هذه الطبقة تتركز في سانت بطرسبرج وموسكو وأوديسا ووارسو. وكان من أقطابها أسرتا جونزبرج وبولياكوف اللتان اعتبرتا نفسيهما قيادة الجماعة اليهودية. وارتبطت هذه الطبقة بالمثقفين اليهود الروس من المشتغلين بالمهن الحرة ومحرري الصحف والعلماء والكتاب. وكانت ثقافة هذه الطبقة والشرائح المحيطة بها روسية تماماً. ويُلاحَظ أن عدداً كبيراً من الشباب اليهودي بدأوا في هذه المرحلة يعملون ضباطاً في الجيش الروسي. 
وساهمت هذه الجيوب الحديثة في عملية تحديث بقية يهود روسيا، إذ كانوا يرفضـون الحديث باليديشـية كما كانوا يتعاونون مع الحكومة في عملية التحديث، ويساهمون في نشر الثقافة الروسية بين اليهود. ولكنهم، مع هذا، ونظراً لوضعهم الطبقي المتميِّز، كانوا منعزلين عن بقية الجماهير اليهودية التي كانت تدفع وحدها ثمن التحديث بينما كانوا يجنون هم ثمراته. 
ومما ساعد على ازدهار أعضاء الجماعة اليهودية داخل منطقة الاستيطان أن هذه المنطقة لم تشهد أية حروب في الفترة 1812 ـ 1914، كما أن وجود يهود روسيا داخل إمبراطورية واحدة سهَّل الحركة بين الجماعات المختلفة وأكد تَماسُك الجماعة اليهودية. وقد تزايد عدد يهود روسيا بسرعة تفوق معدل زيادة السكان، ففي عام 1825 بلغ عددهم 1.600.000 أي 3% من مجموع سكان الإمبراطورية و12% من سكان المناطـق التي تواجـدوا فيها. وفي عام 1850، بلغ عددهم 2.350.000. وبلغ عددهم عام 1880 أربعة ملايين، أي أن عددهم زاد بنحو 150% خلال 50 عاماً تقريباً. ومع هذا تعثَّر التحديث في روسيا وبدلاً من دمج أعضاء الجماعة اليهودية تحوَّلت روسيا القيصرية إلى قوة طاردة لهم في الوقت الذي كانت أعدادهم آخذة في التزايد. 
وكانت استجابة يهود روسيا لتعثُّر التحديث هي الهجرة التي كانت حتى عام 1870 هجرة داخلية من ليتوانيا وروسيا البيضاء إلى جنوب روسيا (روسيا الجديدة ). فحتى عام 1847، كان 2.5% من يهود روسيا يعيشون في هذه المنطقة. ومع حلول عام 1897، كانت نسبتهم تصل إلى 13.5%. ولكن نمط الهجرة اختلف بعد عام 1880 إذ اتجهت كليةً إلى خارج شرق أوربا. فهاجر 2.750.000 يهودي تركوا شرق أوربا خلال 1881 ـ 1914 (نحو مليونين من روسيا وحدها) بينما كان عدد يهود العالم عشرة ملايين، وهو ما يعني أن ربع يهود العالم كانوا في حالة هجرة. وظهرت حركة حزب البوند الثورية الذي كان يُعَد أكبر تنظيم ثوري اشتراكي في أوربا، كما ظهرت الحركة الصهيونية، وهما تعبيران مختلفان عن تعثُّر التحديث. 
ولعل أكبر دليل على تعثُّر محاولات الدمج والتحديث أن الهرم الوظيفي لأعضاء الجماعة، رغم تصاعد معدلات التحديث الاقتصادي، كان لا يزال بلا تغيير كبير إذ كان 38% من أعضاء الجماعة يعملون بالتجارة و35% يعملون بالحرف اليهودية والصناعات المرتبطة بها و3% فقط يعملون بالزراعة. ولذلك، كانت عملية اغتيال القيصر (ألكسندر الثاني) عام 1881 على يد مجموعة من الشباب الروسي الثوري، من بينهم فتاة يهودية ملحدة، تعبيراً عن المشاكل البنيوية العميقة التي يواجهها المجتمع الروسي، وخصوصاً مشكلة التناقض بين البنية الاقتصادية المتطورة والأشكال السياسية والاجتماعية المتكلسة. فشُكِّلت لجنة لإعادة النظر في المسألة اليهودية أعلنت فشل سياسة التسامح، أي فشل عملية التحديث القيصرية، وأصدرت قوانين مايو التي طُرد اليهود بموجبها من موسكو عام 1891 وحُدِّدت نسبتهم في المدارس الثانوية. وأدَّت هذه القوانين إلى طرح المسألة اليهودية على العالم الغربي بأسره إذ بدا أن روسيا بدأت تُصدِّر فائضها اليهودي إلى الجميع. 
تـعـــثر التحديــــث في روســـيا القيصـريــة 
Setbacks of Modernization in Tsarist Russia 
لم يُقدَّر لمحاولات دمج أعضاء الجماعات اليهودية في روسيا النجاح لأسباب عدة، من أهمها ما يلي: 
1 ـ خلق الانفجار السكاني بين أعضاء الجماعات اليهودية فائضاً بشرياً ضخماً لم يكن من الممكن توفير الفرص الكافية للعمل والتعليم له. كما أن الانفجار السكاني كان يخلق تجمعات يهودية مركزة يتعامل من خلالها أعضاء الجماعة مع بعضهم البعض دون حاجة إلى العالم الخارجي، الأمر الذي كان يُبطئ عملية الاندماج ويعوقها. 
2 ـ كما يُلاحَظ أن عملية التحديث نفسها كانت لها جوانب سلبية عديدة. فحظر الاتجار في الخمور على أعضاء الجماعة اليهودية كان يهدف إلى تقليل الاحتكاك بين اليهود والفلاحين، ولكن مع هذا حُرم آلاف اليهود من مصادر الدخل الوحيدة المتاحة لهم، فكان منهم مقطرو الخمور وموزعوها وتجارها. كما أن إنشاء السكك الحديدية التي مولها كبار الرأسماليين اليهود كما تَقدَّم، قضى على مصادر الدخل الأساسية لآلاف اليهود الذين كانوا يعملون في صناعة وتجارة العربات التي تجرها الخيول. 
3 ـ ومما عقَّد الأمور أن عملية إعتاق أعضاء الجماعة اليهودية تزامنت مع إعتاق الأقنان، الأمر الذي جعل رقعة الأرض المتاحة للزراعة ضيقة جداً، وخصوصاً أن التاجر أو المرابي اليهودي لم يكن من السهل تحويله إلى مزارع. وأدَّى إعتاق الأقنان أيضاً إلى وجود عمالة رخيصة في السوق، الأمر الذي أدَّى بالتالي إلى طرد اليهود من كثير من وظائفهم التقليدية وإلى انحدارهم إلى مستوى الطبقة العاملة وتحوُّلهم إلى عمال، هذا مع ملاحظة أن المستوى المعيشي لغالبية أعضاء الجماعة اليهودية، حتى في أكثر أيامهم فاقة وفقراً، كان أعلى بكثير من مستوى القن الروسي أو القن البولندي. 
4 ـ وكلما ازدادت معدلات التحديث، ازدادت صعوبة التكيف مع الاقتصاد الجديد، الأمر الذي كان يزيد عدد ضحايا التقدم، ففي مرحلة ما قبل 1880 خفَّف آلام الانتقال إلى النمط الرأسمالي في الإنتاج أن هذا النمط احتفظ في مراحله الأولى بأشكال إنتاج بسيطة وهو ما أتاح لعدد من أعضاء الجمـاعة اليهـودية أن يجدوا مجالاً رحباً للعمل (في المدن الصناعية) في التجارة الجديدة وللعمل في الحرف. 
غير أن النمو الرأسمالي لم يتوقف عند هذه المرحلة، فقد اتسعت رقعة الصناعة لتشمل الصناعة الخفيفة أيضاً، فكان ذلك بمنزلة ضربات قاضية دمرت الاقتصاد الإقطاعي ودمرت معه الفروع الرأسمالية الحرفية حيث كان اليهود يتركزون بنسبة مرتفعة. وهكذا تشابكت عملية تحويل التاجر اليهودي لمرحلة ما قبل الرأسمالية إلى عامل حرفي أو تاجر رأسمالي مع عملية أخرى هي القضاء على عمـل اليهــودي الحرفي نفسـه. وحينما كان اليهودي يتحول إلى عامل، فإنه كان يواجه منافسة الفلاحين الروس المُقتلَعين الذين كانوا يقنعون بأجور منخفضة بسبب أسلوب حياتهم البسيط. 
ومما زاد الأمور تشابكاً وتعقداً أن الحرفي اليهودي (كما يبيِّن أبراهام ليون) كان يعمل فيما يمكن تسميته «الحرف اليهودية» التي وُلدت بالشتتل. فالحرفي اليهودي لم يكن يعمل من أجل الفلاحين المنتجين بل كان يعمل من أجل التجار والصيارفة والوسطاء. ولذلك، نجد أن إنتاج السلع الاستهلاكية هو الشاغل الرئيسي للحرفي اليهودي لكون زبائنه يتألفون من رجال متخصصين في تجارة الأموال والبضائع، أي غير المنتجين أساساً. أما الحرفي غير اليهودي، فإن ارتباطه بالاقتصاد الزراعي جعله لا ينتج سلعاً استهلاكية لأن الفلاح كان يكفي نفسه بنفسه. وهكذا، إلى جانب الفلاح، كان هناك الحرفي غير اليهودي (الحداد مثلاً)، وإلى جانب رجل المال اليهودي كان هناك الحرفي اليهودي (الترزي مثلاً). وقد ساعد على تطوُّر الحرفي غير اليهودي ارتباطه بالتاجر المسيحي الذي كان يوظف أمواله في حرف متخصصة غير مرتبطة بالنظام الإقطاعي مثل نسج الأصواف، وهي حرف كان الغرض منها الإنتاج للتصدير لا الاستهلاك المباشر، أي أنها حرف تقع خارج نطاق النظام الإقطاعي وتمثل نواة الاقتصاد الجديد، وبالتالي فإنها لم تسقط مع الاقتصاد القديم. وانعكس هذا الوضع على أعضاء الطبقة العاملة من اليهود، فالحرف الأقل قابلية للتطور إلى صناعة كانت محصورة في أيدي الحرفيين اليهود، بينما انحصرت المهن الأكثر قابلية لهذا التطور في أيدي الحرفيين غير اليهود. 
5 ـ وقويت شوكة الطبقة الوسطى الروسية، وخصوصاً بعد تَدفُّق رؤوس الأموال الأوربية الغربية على روسيا، بحيث فُتحت آفاق جديدة أمامها وأصبحت قوة اقتصادية لها وزنها يمكنها التفاهم مع البيروقراطية الحكومية (الروسية الأرثوذكسية) التي كانت تحابيها وتعطيها الأولوية والأفضلية. وتسبب كل هذا في إضعاف المموّلين اليهود وأعاق عملية تحوُّل كثير من أعضاء الجماعة اليهودية إلى أعضاء في الطبقة الوسطى الروسية. 
6 ـ أدَّى القضاء على ثورة بولندا عام 1863 إلى حرمان آلاف اليهود ممن كانوا يعملون في نظام الأرندا وكلاء للنبلاء البولندين (شلاختا) من وظائفهم. 
7 ـ وفي الحالات القليلة التي كان بعض أعضاء الجماعة يحققون فيها مكانة مرموقة أو حراكاً اجتماعياً، كانوا يصبحون محط الحقد الطبقي في وقت كانت الضائقة الاجتماعية آخذة في التزايد. ومن هنا، كان اتهام اليهود بالسيطرة الاقتصادية واستغلال غير اليهود، ومن هنا أيضاً ارتسمت صورة اليهودي كرأسمالي جشع. 
8 ـ ومن قبيل المفارقات أن عدداً كبيراً من أعضاء الجماعة اليهودية سقط ضحية التقدم وتحولوا إلى أعضاء في الطبقة العاملة الحضرية التي فقدت جذورها الثقافية ونمط حياتها وانتماءها الديني ومصدر حياتها. وقد وصل الفقر إلى درجة أن ثلث يهود روسيا عاشوا على معونات المنظمات اليهودية الغربية. وكل هذا يعني أن الجماهير الفقيرة لم تكن مستفيدة تماماً من عمليات التحديث ولم تكن ترى فيه حلاًّ لمشاكلها الحضارية. ولذا، التفت قطاعات كبيرة منهم، وخصوصاً صغار التجار، حول القيادات الحسيدية التي منحتها شيئاً من الطمأنينة في عالم لم تكن تفهمه البتة. 
9 ـ ولكن، بالنسبة للعمال اليهود الروس والمثقفين العلمانيين، أدَّى تردِّي وضعهم إلى انخراطهم بمعدلات كبيرة في صفوف الحركات الثورية، وخصوصاً أن مستواهم الثقافي كان، كما تَقدَّم، أعلى من مستوى الأقنان. ففي عام 1899، كانت نسبة اليهود في الحركات الثورية تبلغ 24.8% في وقت كانت نسبتهم إلى عدد السكان 4.1%. 
10 ـ ويمكن أن نضيف بعض العناصر الثقافية التي أدَّت إلى فشل عملية التحديث، من بينها أنها كانت تتم رغم أنف اليهود. وقد بدأت هذه العملية بقضها وقضيضها من داخل المجتمع الروسي لا من داخل الجماعة اليهودية التي ظلت رافضة إياها. ولاقت هذه العملية مقاومة شديدة من جانب الجماهير اليهودية المتخلفة التي رفضت إرسال أطفالها إلى المدارس الروسية العلمانية، وخصوصاً أن عملية التحديث كانت كما تَقدَّم تضيرها اقتصادياً في كثير من الأحوال وتحولها إلى طبقة عاملة حضرية مفتقدة للمعنى الذي كانت تجده في وجودها التقليدي.
11 ـ قامت الدولة الروسية الاستبدادية الملتصقة بالكنيسة الأرثوذكسية المتعصبة بالإشراف على عملية التحديث. وقام بتنفيذ هذه العملية بيروقراطية روسية ضيقة الأفق مرتشية تفتقر إلى خبرة كبيرة باليهود وبأمورهم، ذلك أن إمبراطورية القياصرة كانت تحظر على اليهود دخولها. وكانت عملية التحديث تتم داخل إطار فكرة القومية السلافية الروسية التي كانت تَصدُر عن منطلقات عضوية ضيقة تفترض أن ثمة تفاوتاً بين الناس وأن السلافية (أو الروسية) خاصية لا يكتسبها المرء وإنما يولد بها على نقيض فكرة القومية الليبرالية في بلاد غرب أوربا. وكانت عملية التحديث تتم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الذي شهد انتكاسة الفكر الليبرالي في أوربا بشكل عام وظهور الفكر السياسي الرجعي بشكله الرومانسي. ونجم عن ذلك تَصاعُد ظاهرة معاداة اليهود الذين أصبحوا بؤرةً تصب فيها أحقاد ضحايا التحديث: الرأسماليين الروس الذين كانوا يخافون منافسة الرأسماليين اليهود، والطبقة العاملة الروسية التي كان يرى أعضاؤها الرأسمالية اليهودية واقفة ضدهم. أما اليهود من أعضاء الطبقة العاملة، فوجدوا أنفسهم في عزلة. وكان أعضاء النخبة الروسية ينقسمون إلى ثوريين روس يرون الانعزالية اليهودية شكلاً من أشكال الرجعية المعادية للثورة، ومثقفين روس (من بينهم دوستويفسكي) يرون اليهودي رمزاً لاقتحام الغرب والأفكار الغربية لأمهم روسيا السلافية. ووجد يهود روسيا أنفسهم في مواجهة كنيسة أرثوذكسية تخشى العلمانية التي كان اليهود أهم دعاتها كما تخشاهم باعتبارهم أعداء المسيح، وفي مواجهة حكومة روسية رجعية وجدت أن الثوريين الروس يضمون، في كل مكان، أعداداً متزايدة من اليهود. وظهرت كتابات معادية لليهود، من أهمها كتاب جيكوب برفمان (وهو يهودي متنصر) اسمه كتاب القهال عام 1869، كما ظهرت فكرة الحكومة اليهودية العالمية التي تتآمر على الجنس البشري ومنشورات أخرى عن التلمود وتهمة الدم،وهي أفكار ظلت على السطح دون تأثير قوي. ومع هذا،بدأت هذه الأفكار تؤثر في تفكير البيروقراطيين ثم أخذت شكل مذبحة ضد اليهود في أوديسا عام 1871.ووُجهت تهمة دم عام 1878 ولكن المتهم بُرِّئ بعد محاكمته. 
ويجب أن نبين أن الجماعة اليهودية لم تكن وحدها المُستهدَفة وإنما كانت عنصراً واحداً في بانوراما اجتماعية اقتصادية، فقد بدأ المناخ العام في روسيا يتغيَّر. ومع تَصاعُد وتيرة التحديث وتعثُّره، زاد ضحايا التقدم وزادت كذلك الهجمات على الغرباء كافة من أعضاء الأقليات سواء من الأرمن أو المسلمين أو اليهود أو حتى من المسيحيين من غير الأرثوذكس أو الأوكرانيين. لكن التحولات الاقتصادية كانت ذات طابع بنيوي عمـيق ولم يواكبهـا أي تحديث في الأشكال السياسية للمجتمع. ومن الواضح أن المجتمع الروسي كان قد وصل، مع نهاية السبعينيات، إلى طريق مسدود لم يكن من الممكن تجاوزه، كما لم يكن من الممكن استئناف التحديث إلا عن طريق ثورة اجتماعية.
ألكسندر الثاني (1855-1881) 
Alexander II 
قيصر روسيا بدأ حكمه بمحاولة التوصل إلى طرق ليبرالية لدمج اليهود. وبالفعل، شهد عهده ظهور حركة التنوير بين يهود روسيا وتَزايُد معدلات العلمنة والاندماج بينهم. ولكن، بدأت تتضح في نهاية عصره أزمة النظام القيصري، كما ظهرت الاستجابات اليهودية المختلفة لأزمة اليهودية واليهود، وبدأت أعداد متزايدة من الشباب اليهودي تنخرط في الحركات الثورية. وقامت جماعة إرهابية شعبوية، بينها فتاة يهودية ملحدة، باغتياله. 
روســيا من عـام 1881 حتى الثـــورة البلشـفية (1917) 
Russia, from 1881 to the Bolshevik Revolution (1917) 
اتسمت عملية التحديث في روسيا القيصرية بالتنافر الشديد بين الأشكال السياسية الاستبدادية السائدة في المجتمع ومعدلات التنمية الاقتصادية السريعة التي كانت تتزايد وتدفع بالملايين من القرى إلى السوق، تاركين أنماط حياتهم التقليدية حيث يتحولون من أقنان وفلاحين وحرفيين صغار إلى عمال أجراء، مع ما يتبع ذلك من آلام وضياع ثم إحساس بالفردية ورغبة في المشاركة في السلطة. ولم تقدم الحكومة القيصرية أية صيغ عقائدية تساهم في تقليل آلام الانتقال أو في توسيع نطاق المشاركة في تسيير دفة الحكم. بل إنه مع اعتلاء ألكسندر الثالث الحكم (1881 ـ 1894)، ازداد التشدد والأوتوقراطية، وخصوصاً تحت تأثير بُوبيدونستسيف الذي كان يرفض المثل الديموقراطية تماماً. وقد تلقى القيصر نفسه تعليماً دينياً تقليدياً، كما ظهر عديد من المفكرين الرجعيين (مثل كاتكوف وليونتييف) الذين طالبوا بضرورة وضع حدود صارمة على الشعب الروسي وضرورة الحد من حرياته من جديد. فقد نمت روسيا وتطورت ـ في رأيهم ـ مع نمو التفاوت بين الطبقات في المجتمع الروسي، ومع تأسيس نظام الأقنان وتَطوُّر الوظائف التي تُشغَل بالوراثة. وسيطرت تلك الروح الرجعية على جميع مجالات الحياة في روسيا ووصل أثرها إلى حياة الفئات والطبقات والجماعات كافة، فأُعيدت التشريعات التي تحدد التعليم على أساس طبقي، وأصبح من العسير على أبناء الطبقات الفقيرة أن يلتحقوا بالمدارس. وفي منشور صادر من وزارة التربية معروف باسم «منشور أبناء الطباخين»، جاء أن من الواجب عدم قبول « أبناء قائدي العربات والخدم والطباخين وأصحاب الحوانيت الصغيرة والغسالات ومن شابههم ». كما زيدت مصاريف الجامعات حتى تقلل فرص الالتحاق بها أمام الفقراء. وأُلغي الفصل بين السلطتين التنفيذية والقضائية، فعُيِّن في العادة بدلاً من القضاة في الريف رؤسـاء قرويون من طبقـة النبـلاء يقومون بإصـدار الأحكام وتنفيذها. وتم تقييد حرية الصحافة تماماً، وطورد أعضاء الجماعات المسيحية التي لا تدين بالأرثوذكسية. وفي كثير من الأحيان، كانوا يُمنعون تماماً من إقامة شعائرهم بل كان يتم خطف أطفالهم منهم. وتجلت السياسة القومية الرجعية أيضاً في القيود الشديدة التي فُرضت على مختلف الجماعات غير الروسية (السلافية وغير السلافية) الموجودة على الحدود، مثل البولنديين، إذ فُرض عليهم برنامج قاس للترويس. وانتهى عصر القيصر ألكسندر الثالث بمجاعة وقعت عام 1891 زادت بؤس الجماهير. 
ولم يكن أعضاء الجماعة اليهودية سوى أحد القطاعات البشرية المنكوبة التي وقعت ضحية عملية القمع الرجعية هذه. فقد بدأ عهد ألكسندر الثالث بسلسلة من الهجمات على كثير من مراكز اليهود السكانية استمرت نحو ثلاثة أعوام وتأثر بها نحو 60 ألف يهودي. وقد وقعت الهجمات بعد أن قامت بعض الصحف الروسية الرسمية بشحن الجو ضدهم باعتبارهم مستغلي الفلاحين. وتشكلت لجنة للتحقيق في الحوادث توصلت إلى أن نشاط اليهود الاقتصادي هو السبب في هذه الهجمات (ولكن اللجنة، مع هذا، لاحظت أن سلوك الشرطة والجيش لم يكن فوق الشبهات). ثم شُكِّلت لجنة أخرى لإعادة النظر في المسألة اليهودية طرحت اقتراحات لا تختلف كثيراً عن اقتراحات وتوصيات اللجان السابقة. وبناء عليه، أصدر وزير الداخلية الكونت إجناتييف قوانين مايو المؤقتة عام 1882 باعتبارها إجراءات استثنائية تنطبق على منطقة الاستيطان وتهدف إلى حماية المواطنين الروس من اليهود باعتبارهم عنصراً أجنبياً غريباً. ولكن، ظهرت صعوبات كثيرة عند تطبيق هذه القوانين، فشُكِّلت لجنة أخرى عام 1883 لمناقشتها واستمرت اللجنة الجديدة في اجتماعاتها خمسة أعوام وأوصت عام 1888 بضرورة رفع القيود عن اليهود وإعتاقهم. ولكن البيروقراطية تجاهلت تلك التوصيات وقامـت بطرد اليهود من موسـكو عام 1891 وتحـديد عددهـم في المدارس، وهو ما أدَّى إلى سفر أعداد متزايدة من الشباب اليهودي إلى الخارج حيث تم تسييسهم وتثويرهم. ولم يتغيَّر الوضع كثيراً في حكم نيقولا الثاني (1894 ـ 1918) آخر قياصرة آل رومانوف. وقد شهدت المرحلة تصاعداً في تطور الصناعة الرأسمالية والتصنيع لم يواكبها تحديث في النظام، فشهد عام 1893 تصاعداً في تطور الصناعة الرأسـمالية بقدر لم يسـبق له نظير، وتضاعـف عدد أعضاء الطبقة العاملة. وقد زاد إنتاج الفولاذ والبترول ثلاثة أضعاف، وزاد طول السكك الحديدية من 28 ألفاً إلى 49 ألف فرسخ. ورغم السياسة التي اتبعتها الحكومة التي تهدف إلى تقليل فرص التعليم أمام الفقراء، زاد عدد الطلبة في المدارس وقلت نسبة الأمية. ففي بلد كانت الأمية فيه كاملة تقريباً في بداية القرن، وصل عدد الذين يعرفون القراءة والكتابة عام 1897 إلى 27.8%. وزاد حجم الطبقة العاملة، فكانت الألوف تهجر القرى وتنضم إلى الطبقة العاملة الحضرية. 
وكرد فعل لهذه التغيرات، زادت النزعات القومية السلافية الروسية وزاد قمع الأقليات والشعوب التابعة، وخصوصاً غير السلافية، فتم قمع الأوكرانيين والبولنديين والمسلمين في الإمارات الإسلامية، وكذلك تم قمع أعضاء الجماعة اليهودية. ومن أشهر الأحداث التي شهدتها الفترة حادث يوم الأحد الأسود في 9 يناير 1905 حين قام مائتا ألف عامل من الرجال والنساء والأطفال يقودهم الأب جابون بالسير إلى قصر الشتاء ليقدموا شكواهم لأبيهم القيصر. وبدلاً من أن يقابلهم القيصر، انهالت عليهم رصاصات الحرس القيصري فحصدت نحو سبعين منهم وجرحت ما يزيد على الألف. 
واستمر الفوران، فشهد أكتوبر 1905 إضراباً عاماً شل الحياة تماماً. واضطر القيصر إلى أن يمنح الشعب الحريات البرلمانية بعد هزيمة القوات الروسية أمام اليابان، ولكنه ظل يماطل ويُعدِّل القوانين إلى أن تم تعديلها بشكل جعلها تفقد كثيراً من فعاليتها. وظهرت جماعات إرهابية مثل جماعات المائة السود التي اغتالت زعماء المعارضة وهاجمت تجمعات اليهود. 
وبلغ النظام القيصري نهايته مع ظهور راسبوتين(1872 - 1916) وسيطرته على زوجة القيصر ثم على القيصر نفسه بحلول عام 1905. وكان راسبوتين، كما يقول سكرتيره اليهودي آرون سيمانوفيتش، شخصية كاريزمية جاء من صفوف الفلاحين وكان يتلذذ بإذلال أعضاء الطبقة الأرستقراطية، وخصوصاً النساء، ولا يعيِّن منهم إلا من يروقه أو من يدفع له الثمن. وقد اغتيل راسبوتين عام 1916، بعد أن كان قد هزَّ النخبة الحاكمة القيصرية من جذورها وبعد أن كان قد تم تصفية عناصر كثيرة منها. 
وقد كان يهود روسيا جزءاً من هذه العملية الانقلابية، فوقعت مذبحة كيشينيف عام 1903 (ويُقال إنها تمت بتحريض من وزير الداخلية فون بليفيه، وهو أمر غير مستبعد تماماً، فقد كانت الحكومة القيصرية تلجأ إلى مثل هذه الأساليب في قمع معارضيها). وكانت مذبحة كيشينيف هذه جزءاً من سلسلة من الهجمات دُبرت ضد أعضاء الجماعة اليهودية وغيرهم، كما وُجِّهت تهمة الدم الشهيرة إلى بيليس عام 1911، ولكن العناصر الليبرالية دافعت عنه وتمت تبرئته تماماً.
وحينما عُقدت الانتخابات عام 1907، اختير اثنا عشر مندوباً من اليهود في الدوما (البرلمان)، كما كان هناك عدد كبير من النواب الليبراليين الذين دافعوا عن حقوق اليهود، ولكن التشكيل السياسي نفسه كان محافظاً، وكانت أكبر الكتل السياسية داخل الدوما (اتحاد الشعب الروسي) معادية لليهود. ولذا، فحينما طُرح اقتراح بشأن إلغاء منطقة الاستيطان، أُجِّل بحثه ثم حُلَّ الدوما نفسه في العام نفسه، وعُدِّلت القوانين الانتخابية ذاتها بحيث تم القضاء تماماً على العناصر الليبرالية في الدوما. 
وكان التركيب الوظيفي ليهود روسيا في نهاية القرن الماضي (حسب إحصاء 1897) كما يلي: 31.6% يشتغلون بالتجارة، 37.9% يشتغلون بالحرف والصناعات اليدوية نصفهم يعمل بالخياطة، و6.61% يشتغلون كخدم منازل وعمال يومية، و5% في المهن الحرة والإدارة، و3.2% في النقل، الأمر الذي يعني أن عدد أعضاء الجماعة اليهودية العاملين في التجارة كان لا يزال مرتفعاً. وقد سيطر التجار اليهود على تجارة الحبوب داخل منطقة الاستيطان، كما سيطروا على تجارة السكر والفرو والجلود والماشية ومختلف المنتوجات الزراعية. وارتفع بعض التجار من يهود روسيا إلى مصاف كبار الرأسماليين وأصبحوا من أصحاب المصارف والوكالات العامة. وانخرط بعض هؤلاء التجار في المشاريع الصناعية، غير أن هذه المشاريع اتصفت بالطابع الاستهلاكي، كالنسيج والتبغ ودبغ الجلود والصابون والمطاحن وأعمال التقطير، وكلها من بقايا نظام الأرندا البولندي، وكانت هذه المشاريع الصناعية أصغر بشكل عام من حجم مثيلاتها الروسية حيث كان المموِّل اليهودي يميل إلى توزيع رأسماله بين عدة مشاريع مختلفة بدلاً من حصرها في مشروع واحد. وقد امتلك الرأسماليون من يهود روسيا نحو نصف مجموع المشاريع الصناعية داخل منطقة الاستيطان. وكثيراً ما كان العمال اليهود ينظمون الإضرابات ضدهم كما كانوا في كثير من الأحيان يفضلون العمال غير اليهود بسبب رخصهم وبسبب عدم وجود ضغوط اجتماعية عليهم من قبل الجماعة اليهودية. 
ومن الملاحَظ أن تركُّز اليهود في مهن مثل التجارة والصناعة يعني أنهم كانوا متركزين تماماً في المدن. والواقع أن نحو 80% من جملة اليهود كانوا يقطنون المدن، ولم يكن يشتغل منهم سوى 1.07% في الزراعة، وكان هناك نحو 5.49% بدون وظيفة محددة. واستمر تَزايُد أعضاء الجماعة اليهودية فبلغ عددهم 6.946.000 أي 4.07% من مجموع سكان روسيا، وتزايد في هذه الفترة عدد العمال اليهود حتى أصبح 600 ألف. ولكن لم يكن يعمل منهم في المصانع سوى 70 ألفاً، و300 ألف عامل حرفي يدوي، و100 ألف بائع، أما الباقون فكانوا عمال يومية، ومن هنا تَضارُب الإحصاءات إذ تذكر المصادر الأخرى أن عدد العمال لم يكن يزيد على 300 ألف. ومن الواضح أن هذا الإحصاء الأخير استبعد الباعة وعمال اليومية وكثيراً من الحرفيين. 
وقد تركت كل هذه التحولات أعمق الأثر في أعضاء الجماعة اليهودية واستجابوا لها استجابات متباينة بحسب وضعهم الطبقي أو مدى اسـتفادتهم من عمليـة التحديث أو مـدى تركُّزهم في المـدن أو خارجها. وكانت الاستجابة الثورية أولى الاستجابات إذ انخرط الشباب اليهودي في صفوف الحركات الثورية بنسبة تفوق كثيراً نسبتهم إلى عدد السكان. ويُلاحَظ أن الشباب اليهودي في روسيا كان من أكثر العناصر ثورية لأن ثقافته التقليدية (الدينية واليديشية) قُضي عليها إلى حدٍّ كبير. كما أنه اقتُلع من بيئته التقليدية وأُلقي به إلى عالم حديث رموزه القومية مسيحية، الأمر الذي زاد غربته وحداثته، على عكس الشباب الروسي الذي كان يجد شيئاً من الخصوصية ويمارس نوعاً من التجذر من خلال القومية السلافية ذات البعد الأرثوذكسي القوي. ورغم أن الشباب من أعضاء الجماعة اليهودية كان قد فقد جذوره الثقافية، فإنه لم يكن قد استقر بعد في التقاليد الثقافية الروسية. ومما زاد نسبة الثوريين في صفوف اليهود تَزايُد معدلات التحديث الذي حوَّل صغار التجار والحرفيين، الذين كانوا يتمتعون بمستوى ثقافي لا بأس به، إلى بروليتاريا صناعية حضرية تشعر بتدنيها في السلم الاجتماعي وتمارس إحساساً بالاضطهاد الواقع عليها وحولها إلى تربة خصبة للأفكار الثورية. 
يتبع إن شاء الله...


الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52561
العمر : 72

الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة    الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة  Emptyالثلاثاء 24 ديسمبر 2013, 12:17 am

أما الاستجابة الثانية، فهي الهجرة.
وقد شهدت هذه المرحلة هجرةً على نطاق واسع لم يشهد أعضاء الجماعات اليهودية مثلها من قبل في تجاربهم التاريخية المختلفة. وقد ترك روسيا، في الفترة من 1881 إلى 1914، نحو مليوني يهودي (2.750.000 من كل شرق أوربا). ونتج عن ذلك تَحسن نسبي في مستوى المعيشة، لأن المهاجرين كانوا يرسلون إلى أقاربهم وأسرهم معونات مالية، كما أن ذلك حلَّ مشكلة الانفجار السكاني حلاًّ مؤقتاً. وقامت مؤسسات يهودية خيرية في الغرب بالمساهمة في تسهيل عملية الهجرة. فعرض البارون دي هيرش نقل ثلاثة ملايين يهودي إلى الأرجنتين على أن تقوم بذلك جمعية الاستيطان اليهودي (إيكا). ومع هذا، فإن تَزايُد عدد يهود روسيا كان يحيِّد الآثار الإيجابية لهذا العنصر. وبلغ عدد اليهود الناطقين باليديشية (وفق إحصاء 1897) نحو 5.054.300 ، وكان معظم يهود روسيا (4.899.427) مركزاً في منطقة الاستيطان بما يشكل 11.6% من سكانها. ويُلاحَظ كذلك وجود 161.500 من يهود الجبال ويهود جورجيا وغيرهم من يهود القوميات غير الناطقة باليديشية. 
أما الاستجابة الثالثة، فهي ظهور الصهيونية بين اليهود بشقيها الشرقي (الاستيطاني) والغربي (التوطيني). ففي شرق أوربا، أدَّى تَوقُف الحراك الاجتماعي في بعض قطاعات البورجوازية الصغيرة المتعلمة وفي غيرها من القطاعات اليهودية إلى إحساسها بالإحباط وبعبث محاولة تحقيق نفسها إثنياً وطبقياً من داخل التشكيل السياسي الروسي، فبدأت هذ القطاعات في التفكير في أشكال أخرى مثل الهجرة إلى الولايات المتحدة (وهو النمط السائد) أو الاستيطان الصهيوني. وأدَّت الهجرة اليهودية المكثفة إلى غرب أوربا والولايات المتحدة إلى فزع قطاعات كبيرة من يهود الغرب، فتبنوا الحل الصهيوني (التوطيني) كوسيلة لتحويل سُبل الهجرة عن بلادهم. ومن أهم الاستجابات الأخرى، ظهور اتجاه قومية الدياسبورا (أو قوميات الأقليات اليهودية أو القومية اليديشية) التي كان سيمون دبنوف أهم مفكريها. وقد تبنَّى حزب البوند، الذي ظهر في هذه المرحلة، هذا الاتجاه الذي ينظر إلى أعضاء الجماعة في شرق أوربا باعتبارهم قومية لا بمعنى أنهم يمثلون اليهود في كل مكان وزمان وإنما بمعنى أنهم جماعة قومية شرق أوربية تتحدث اليديشية وتتحدد هويتها على هذا الأساس الإثني وليس على أساس ديني. ومثل هذه الاستجابات الواعية، ذات الطابع النظري، كان يتم طرحها في وقت تتم فيه العملية اليومية للدمج على قدم وساق على المستوى البنيوي الكامن، وذلك رغم تعثُّرها على مستوى الشكل الظاهر.
ألكسندر الثالث (1881-1894) 
Alexander III 
قيصر روسيا، اعتلى العرش مع تفاقم أزمة النظام القيصري، وتبنَّى سياسة رجعية انعكست في قوانين مايو عام 1882. 
نيقولا الثاني (1894-1918) 
Nicholas II 
آخر قياصرة آل رومانوف. وصلت أزمة النظام الروسي القيصري في عهده إلى ذروتها، ثم اندلعت الثورة البلشفية التي أعدمته. وقعت عدة مذابح في عهده ضد أعضاء الجماعات اليهودية. وكان راسبوتين من أهم الشخصيات في بلاطه الملكي.
قوانين مايو 
May Laws 
«قوانين مايو» مجموعة من القوانين المؤقتة أصدرتها الحكومة الروسية في مايو عام 1882، وبمقتضاها أصبح من المحظور على أعضاء الجماعات اليهودية في روسيا أن يعيشوا أو يمتلكوا أي عقار إلا في المدن الموجودة داخل منطقة الاستيطان اليهودي. ولقد أصدرت الحكومة الروسية هذه القوانين بعد أن قامت، خلال سنين عديدة، بعدة محـاولات لدمـج الجماعة اليهودية اقتصادياً وحضارياً في المجتمع الروسي. وباءت كل هذه المحاولات بالفشل لأسباب عدة من بينها تخلف يهود روسيا الاقتصادي. ورغم اندماج أعداد لا بأس بها منهم في المجتمع، فإن معدل تَزايُد يهود روسيا كان يفوق كثيراً معدل الهجرة والاندماج. ومما عقَّد الأمور، ظهور الأفكار السلافية القومية الاستبدادية المعروفة بعدائها للغرب (المنحل) ولأفكار الرأسماليين (الماديين). وكان هناك عنصر مسيحي أرثوذكسي قوي في هذه الدعوة السلافية، وهو ما أقام كثيراً من الصعوبات في طريق أعضاء الجماعة اليهودية نحو الاندماج الحضاري.
ولقد كان من أسباب تفاقم المشكلة أيضاً زيادة معدلات تطور الرأسمالية الروسية، الأمر الذي أدَّى إلى سرعة تحطيم الكثير من مخلفات الإقطاع، مثل الجيتو والشتتل، والكثير من الأشكال الاقتصادية الاجتماعية الأخرى التي كان اليهود مرتبطين بها، شأنهم في ذلك شأن بعض الأقليات القومية والدينية الأخرى، وكذلك سكان المناطق الآسيوية. كما أن الوجود اليهودي الملحوظ في الحركات الثورية الاشتراكية، جعلهم هدفاً لهجمات العنصريين الرجعيين، أي أن فشل يهود روسيا في التأقلم مع الاقتصاد الجديد وتخلُّفهم الحضاري وتكاثرهم، وسرعة معدل تطوُّر الرأسمالية الروسية، واستبدادية القومية السلافية، واشتراك اليهود في الحركات الثورية، هذه العناصر جميعاً أدَّت إلى فشل محاولات تحويل اليهود إلى قطاع اقتصادي منتج، وأدَّت بالتالي إلى اتخاذ الحكومة الروسية إجراءات قانونية اقتصادية لمجابهة هذا الوضع. 
وفي 22 أغسطس عام 1881، أصدر القيصر أوامره بالقيام بتحريات عن النشاطات الاقتصادية " الضارة " التي تمارسها الجماعة اليهودية توطئةً للقضاء عليها. وفي أكتوبر 1889، أصدر القيصر أوامره إلى اللجنة المكلفة بإعادة النظر في المسألة اليهودية. وعُرفت هذه اللجنة باسم «لجنة إيجناتييف»، اشترك فيها ممثلون عن مختلف الطبقات والجماعات وترأسها حاكم المقاطعة لتقرير أنواع النشاط الاقتصادي التي تضر بحياة السكان. وعبَّر الفلاحون وسكان المدن عن شكواهم من اليهود، وحاول ممثلو الجماعة اليهودية الدفاع عن أنفسهم. وفي ربيع عام 1882، قدمت هذه اللجنة تقريرها عن المسألة اليهودية. وجاء في هذا التقرير أن سياسة ألكسندر الثاني «المتسامحة » فشلت، وأن قيام المعارضة الشعبية ضد اليهود في روسيا نفسها برهن على أنه من الواجب اتخاذ إجراءات جديدة ضد اليهود الروس. وفي نهاية التقرير، قدمت اللجنة عدة توصيات لعلاج الموقف. وأخذت الحكومة بهذه التوصيات ووضعها موضع التنفيذ في صورة إجراءات مؤقتة. ونظراً لأن هذه الإجراءات المؤقتة صارت نافذة المفعول في يوم 2 مايو عام 1882، فإنها يُشار إليها دائماً بأنها «قوانين مايو». وكانت هذه القوانين أو هذه الإجراءات تَصدُر تباعاً، وعلى فترات، كلما رأت الحكومة الروسية خطراً عليها من النشاط السياسي أو الاقتصادي الذي يمارسه اليهود. 
ويمكن أن نوجز هذه القوانين فيما يلي: 
1 ـ لا يُسـمَح لليهـود بالسكنى خارج المدن أو في المدن الصغيرة في أية منطقة ريفية في روسيا (حتى لو كانت داخل منطقة الاستيطان نفسها). 
2 ـ من حق السكان الروس في القرى طرد اليهود من قراهم، وذلك بقرار خاص يصدره رئيس القرية. 
3 ـ أي يهودي يغادر قريته لا يُسمح له بالعودة إليها مرة ثانية. 
4 ـ لا تُحدَّد عقود الإيجار المبرمة مع اليهود. 
5 ـ لا يُسمح بتشغيل أي يهودي في المناطق الريفية. 
6 ـ لا يُسمح لليهود المقيمين في المناطق الريفية باستجلاب أي قريب لهم إلى هذه المناطق، وإذا حدث ذلك يُطرَد اليهودي من قريته. 
7 ـ عدد الطلاب اليهود في المدارس الإعدادية والثانوية أو في الجامعات يكون بنسب معيَّنة يحددها المجلس التعليمي في روسيا. وحُدِّد النصاب المسموح لليهود عام 1886 بنحو 10% داخل منطقة الاستيطان و3% خارجها. 
8 ـ خُفِّضت نسبة عضوية الأعضاء اليهود في سلك القضاء الروسي من 22% إلى 9% (مُنع اليهود منعاً باتاً من الانضمام إلى سلك القضاء عام 1889). 
9 ـ أي يهودي يعيش خارج منطقة الاستيطان ويقوم بتوسيع مجال نشاطه الاقتصادي يُعاد فوراً إلى منطقة الاستيطان. 
10 ـ أي يهودي يغيِّر وضعه من مهني إلى تاجر، يسقط حقه في الإقامة في روسيا ويُعاد إلى منطقة الاستيطان. 
11 ـ تحريم إقامة اليهود في موسكو (صدر هذا القرار عام 1891). 
12ـ إغلاق معبد موسكو وتحريم استخدامه. كما تم حرمان اليهود من حق الاشتراك في الحكومة المحلية. 
قلَّصت قوانين مايو نطاق منطقة الاستيطان، كما قضت على فرص اندماج بعض القطاعات اليهودية في المجتمع الروسي، وهو ما زاد معدلات هجرتهم إلى الولايات المتحدة، كما خلقت مناخاً اقتصادياً فكرياً قضى على الحركات التنويرية الاندماجية وشجع الأفكار الصهيونية، وخصوصاً أن صدور قوانين مايو صاحبه وقوع بعض الحوادث الدامية ضد الأقليات الدينية والقومية في روسيا. ووجهت اللجان الروسية القيصرية نقدها إلى هذه القوانين وطالبت بإلغائها. بل إن وزير داخلية روسيا، مثل فون بليفيه، وجد أن القوانين مجحفة وتخل بالأمن، ولكن الحكومة استمرت مع ذلك في وضعها موضع التنفيذ. ومع هذا، فقد خُفِّفت ابتداءً من عام 1903 حينما صُرح لأعضاء الجماعة اليهودية بالاستيطان في القرى التي أصبحت مدناً صغيرة وكان عددها يبلغ ثلاثمائة قرية. 
وتؤرخ الكتابات الصهيونية لظهور الحركة الصهيونية بوقوع حوادث عام 1881 الدامية، متجاهلة أن السبب الأساسي الذي أدَّى إلى وقوع المذابح وصدور قوانين مايو هو وضع اليهود كأقلية مثل سائر الأقليات الأخرى داخل بناء اقتصادي حضاري ينتقل من مرحلة تاريخية إلى مرحلة أخرى، ومتجاهلة أيضاً أن الاضطهاد الموجه ضد اليهود ليس سبباً لهجرة اليهود إلى الولايات المتحدة ولا لانتشار الأفكار الصهيونية بين اليهود وإنما تعبير جزئي عن بناء كامل متكامل. وإذا أردنا استخدام الواقعة التاريخية الجزئية (الجزء) للإشارة إلى الحركة التاريخية الكاملة المتكاملة (الكل)، فإننا نجد أن «قوانين مايو» أشد دلالة من المذابح الدامية، ذلك أن المذابح الدامية مسألة متكررة في حياة الأقليات كافة في روسيا وضمن ذلك اليهود. وقد كانت مذابح شميلنكي، ومن قبلها مذابح الصليبيين، أكثر عنفاً وضراوة من أية حوادث وقعت عام 1881. ومع هذا، فإن هذه المذابح لم تؤد إلى ظهور الصهيونية أو أية نزعات مماثلة. أما قوانين مايو، فإنها تصلح كمؤشر على ظهور الحركة الصهيونية بين اليهود لأنها تعبير متكامل عن حركة التاريخ الروسي في أواخر القرن التاسع عشر وعن تعثُّر التحديث في المجتمع الروسي وأزمته العامة. وقد ظلت قوانين مايو أو الإجراءات المؤقتة نافذة المفعول حتى عام 1915 حيث أُلغي العمل بها. ثم أُلغيت رسمياً عام 1917 بقيام الثورة البلشفية حيث حُلَّت المسألة اليهودية (أو أخذت شكلاً جديداً) ضمن عملية حل أزمة المجتمع الروسي ككل.


الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الحادى عشر: روسـيا القيصرية حتى اندلاع الثورة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب العاشر: روسـيا القيصرية حتى عام 1855
» الباب الحادى عشر: الـشعائر
» الباب الحادى عشر: العبادات الجديدة
» الباب الحادى عشر: الصهيونية العمالية
» الباب الحادى عشر: عبادة يسرائيل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: