منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
الحــواس فـي القـــرآن الكـــريــم أحكـام صـلاة المـريض وطهـارته إلــــــــى كــــــــــل زوجـيــــــــــن مـــن أقـــــوال شيـــــخ الإســــلام لا عـلـيـك مـا فـاتـك مـن الـدنـيــا رؤية الخاطب مخطوبته قبل العقد شــاعر العـاميــة بيــرم التـونسي أحْلامٌ مِنْ أبِي باراك أوباما كُــــتُـبٌ غَــــــيُّـرَتْ الـعَـالَــــــمْ مــصـــــر التي فـي خــاطـــــري الزعيـم الثــائر أحـمـــد عـــرابي مـحـاسـن العقيـــدة الإسـلامـيـــة الرحـالة: أبي الحسن المسعـودي رضـــي الله عـنـهـــم أجـمـعـــين الأسئلة والأجــوبــة في العقيــدة النـهـضــة اليـابـانـيــة الـحـديثــة الحجاج بـن يــوســف الـثـقـفــي قـصــة حـيـاة ألـبرت أيـنـشـتــاين الأمثـــال لأبـي عبيــد ابن ســلام الإسـلام بيـن الـعـلـم والـمــدنـيــة
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51206
العمر : 72

الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية    الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 8:49 pm

الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية 


الموسيقى اليهودية 
Jewish Music 


« الموسيقى اليهودية» عبارة تفترض وجود أشكال موسيقية خاصة مقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية، ذات سمات وخصائص يهودية معيَّنة تتَّسم بها هذه الموسيقى أينما وُجد أعضاء الجماعات اليهودية وتميِّزها عن غيرها من موسيقى الشعوب. وهذه العبارة ليست لها أية قيمة تفسيرية أو تصنيفية، إذ ليس من المعروف أن أعضاء الجماعات اليهودية كان لهم موسيقى أو آلات موسيقية مستمدة من محيطهم الحضاري. وقد حاول كورت ساخس (أحد أساتذة علم الموسيقى الإثنية البارزين) وَصْف الموسيقى اليهودية خلال المؤتمر الأول للموسيقى اليهودية الذي انعقد في باريس عام 1957، فقال: « إنها الموسيقى التي يلحنها اليهود لليهود باعتبارهم يهوداً »، وهذا الوصف لا يضع معياراً لتحديد مدى «يهودية» أية قطعة موسيقية سوى الأصل أو العقيدة اليهودية دون اعتبار للشكل أو المضمون أو البناء الموسيقي لها، ويحاول إيجاد مظلة فضفاضة تضم تحتها تراث الجماعات اليهودية المختلفة الموسيقي المتنوع والمتباين. فهل يجوز مثلاً تصنيف سيمفونيات الموسيقار الألماني الرومانسي فليكس مندلسن، والطقاطيق الشرقية للموسيقار المصري داود حسني باعتبارها «موسيقى يهودية» لأن كلاًّ من الملحنين يهودي أو من أصل يهودي؟ وهل يجوز اعتبار الموسيقى التي تُرتَّل أو تُنشَد في المعابد اليهودية موسيقى يهودية رغم أن ألحانها قد تكون ألحاناً سلافية أو ألمانية أو عربية؟ وإذا أضفنا إلى هذا صعوبة (بل واستحالة) تعريف من هو اليهودي ـ الركيزة النهائية لتعريف ساخس ـ فإن الحديث عن «موسيقى يهودية» يصبح أمراً مستحيلاً. 


وأكدت الدراسات المختلفة لما يُسمَّى «الموسيقى اليهودية»، سواء أكانت موسيقى دينية أم شعبية أم فناً موسيقياً رفيعاً، أن هذه الموسيقى تعدَّدت وتنوَّعت أشكالها وألحانها ولغتها من جماعة يهودية إلى جماعـة يهوديـة أخرى، ومن مرحلة تاريخيـة إلى مرحلة تاريخية أخرى، وعبَّرت عن التقاليد الموسيقية والقيم الجمالية السائـدة في المجتمـعات التـي عـاش بينــها أعضاء الجماعات اليهودية. 


ويؤكد لنا العَالم والمؤلف الموسيقيّ الأمريكي اليهودي هوجو ويزجال ذلك، فيقول: « لا تُوجَد أية مواصفات أو سمات محدَّدة أو موضوعية تجعل قطعة موسيقية يهودية أو غير يهودية ». ولذلك، فإن عبارة «موسيقى يهودية»، مثلها مثل عبارات «ثقافة يهودية» و«فن يهودي» و«تاريخ يهودي»، تحاول افتراض نوع من الوحدة والاستمرارية، بينما لا تُوجَد مثل هذه الوحدة أو الاستمرارية. ولهذا السبب، فنحن لا نتحدث عن «موسيقى يهودية»، وإنما عن «موسيقى الجماعات اليهودية». 


موســيقى الجماعــــات اليهوديــة 
Music of the Jewish Communities 


يضم العهد القديم إشارات عديدة إلى استخدام الموسيقى في الطقوس والعبادات اليهودية القديمة. وقد اقتبس العبرانيون الكثير من التراث الموسيقي في بابل ومن التراث الكنعاني والمصري والهيليني. واحتلت الموسيقى مكانة مهمة في الطقوس الدينية للهيكل، وكان يضطلع بها اللاويون، وكانت تجمع بين الغناء والعزف على الآلات الموسيقية. أما بعد هدم الهيكل (عام 70 ميلادية)، فقد بدأ ظهور الموسيقى الدينية التي تُرتَّل أو تُنشَد في المعابد اليهودية، وتم تحريم استخدام الآلات الموسيقية فيها إلى أن يأتي الماشيَّح، كما اعتبر صوت المرأة غير محتشم وغير لائق للإنشاد الديني في المعبد. 


وكان يتم ترتيل المزامير على وتيرة واحدة وعلى لحن بسيط، وكانت تُرتَّل عن طريق منشد منفرد، أو من خلال التبادل الصوتي بين المنشد المنفرد ومجموعة المصلين. كما كانت تتم قراءة أو تلاوة العهد القديم بتنغيم بسيط. وفي القرن السادس، تم إدخال الترنيمة الدينية التي عُرفت باسم «بيوط». ومع ظهور هذه الترنيمة، تطوَّر دور المنشد الديني (حازان) الذي كان يقوم بتلحين كلمات الترنيمة إلى جانب إنشادها. وتميَّز أسلوب الإنشاد بالإرتجال والتموجات الصوتية والزخارف اللحنية. وكانت الألحان تُتوارث من خلال النقل الشفوي، ولم تبدأ عملية تدوينها إلا في القرن السـادس عشـر بين بعـض الجماعات الإشكنازية والسفاردية. 


والتراث والرصيد الموسيقي المختلف للجماعات اليهودية (سواء الجماعات الشرقية والسفاردية في العالم العربي الإسلامي أو الجماعات السفاردية التي استقرت في أوربا بعد طردها من إسبانيا في القرن الخامس عشر أو الجماعات الإشكنازية في غرب وشرق أوربا) تَشكَّل من خلال البيئة الثقافية التي وُجدت فيها كل جماعة على حدة. فبعد أن وصلت الفتوحات الإسلامية إلى الأندلس في القرن الثامن، بدأت الأوزان تُستخدَم في الشعر العبري. وبحلول القرن العاشر، كانت الأوزان والمقامات والألحان العربية تُستخدَم في ترتيل وإنشاد الترانيم والمزامير في المعابد اليهودية في العراق وسوريا والمغرب والأندلس. وأصبح العهد القديم يُرتَّل على مقام سيجا، وأصبحت الأناشيد والترانيم المخصصة للأعياد والمناسبات السعيدة تُرتَّل على مقام عجم، كما أصبحت تلك المخصصة للأعياد الحزينة مثل العاشر من آب أو المخصصة للجنازات تُرتَّل على مقام حجاز. وزاد الاقتباس من ألحان المجتمعات العربية الإسلامية المحيطة مع نمو النزعات القبَّالية خلال القرن السادس عشر في فلسطين،والتي أعطت للموسيقى والغناء مكانة مهمة باعتبارهمـا أداتين للتـعبير عن حب الإله وبلـوغ مراحل من الشفافية الروحية. وقد وضع إسحق لوريا وإسرائيل نادجارا أشعارهما الدينية على أنغام وألحان عربية وتركية وأندلسية،وكان نادجارا أول من خصَّص مقاماً لكل قصيدة ونَظَم الترانيم التي كتبها في ديوان من اثنى عشر مقاماً. 


واستخدمت الجماعات اليهودية الشرقية السلم الموسيقي العربي الذي ينقسم إلى أربعة أرباع الدرجة ويضم أربعة وعشرين صوتاً، في حين استخدمت الجماعات الإشكنازية في أوربا السلم الغربي الذي ينقسم إلى أنصاف الدرجة ويضم اثنى عشر صوتاً فقط. كما استخدم اليهود الشرقيون في أغانيهم هيكل الأغنية الشرقية الذي يعتمد على التتراكورد، وهو تَسلسُل أربعة أنغام مجموع أبعادها يساوي مسافة رابعة. أما الجماعات الإشكنازية، فاعتمدت على هيكل الأغنية الغربية الذي يعتمد على ثلاثة أنغام يفصل بين كل منها نغمة كاملة. ومازالت بعض الجماعات السفاردية في إيطاليا وبعض مناطق فرنسا تستخدم التتراكورد. كما استخدمت الجماعات الإشكنازية المقامات الغربية التي تضم نوعين فقط؛ مقام كبير ومقام صغير، في حين تكثُر في الموسيقى الشرقية المقامات والأوزان.كما تميَّز غناء الجماعات الشرقية بالطابع الشرقي الذي تســوده الجمل الموســيقية القصيرة والارتجال والزخارف اللحنية. 


وظهر في العصر الأموي والعباسي (الأول والثاني)، على المستوى الشعبي، الشعراء المغنون المتجولون الذين ضموا في صفوفهم يهوداً اقتبسوا عن الشعراء العرب قواعد ممارسة فن الموسيقى والغناء، وعزفوا موسيقاهم وألقوا أشعارهم في القرى والمدن، وأيضاً في قصور الأمراء والخلفاء المسلمين. وكانوا بذلك، عاملاً مهماً في نقل الألحان والأساليب الموسيقية المحلية إلى الجماعات اليهودية، وفي تشكيل ذوقهم الموسيقي. كما كوَّن الموسيقيون الشعبيون من اليهود، وخصوصاً في المغرب العربي وفي تركيا، فرقاً موسيقية شرقية كان لبعضها صيت واسع. وفي إستنبول، كان الموسيقيون اليهود يُشكِّلون 5,6% من إجمالي الحرفيين المسجلين لدى الجماعة اليهودية في المدينة عام 1856. كما ضمت صفوف الموسيقيين والملحنين الأتراك البارزين يهوداً، خصوصاً في خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر. 


وفي أوربا، لعب الموسيقيون الشعبيون والمتجولون اليهود دوراً مماثلاً في نقل التراث الموسيقي الشعبي الأوربي إلى أعضاء الجماعات اليهودية خلال القرون الوسطى. واقتبست الجماعات اليهودية الإشكنازية كثيراً من ألحان ترانيمها ومزاميرها من الألحان الشعبية الأوربية. فلحن «ماوز تزور» هو الترنيمة الخاصة بعيد التدشين (حانوكاه) والذي أُخذ من لحنين شعبيين ألمانيين من القرن السادس عشر أحدهما لحن ديني لوثري، والآخر لحن أغنية للحرب. وترنيمة عيد الفصح «أدير هو» مأخوذة من لحن ألماني من القرن السابع عشر يُستخدَم أيضاً في الكنيسة المسيحية. كما أن اللحن الذي يصاحب دعاء كل النذور مقتبس من الألحان الدينية المسيحية من مدرسة دير سانت جول الغنائية بسويسرا (والتي تعود إلى القرن الحادي عشر). كما نجد أيضاً أن لحن ترنيمـة «يجـدال» الذي اتخذتـه الحركة الصهيونيـة، ثم إسرائيل من بعدها،كنشيد قومي (نشيد الهاتيكفاه، أي الأمل)، اقتُبس من الألحان الشعبية السلافية والبولندية. 


ورغم أن الجماعات السفاردية احتفظت ببعض الملامح الشرقية في موسـيقاها الدينيـة، إلا أنها سـرعان ما تطبعت بالتراث الموسيقي المحيط. واقتبس السفارد الكثير من الألحان الأوربية من بينها لحن مزمور «شيرا» الذي أُخذ عن لحن شعبي من القرن الخامس عشر يُسمَّى «لوم آراميه». واستُخدم هذا اللحن نفسه في الموسيقى الخاصة بأكثر من 30 قداساً مسيحياً. كما استخدم السفارد شكل الكانتاتا الغنائي للاحتفال ببعض الأعياد والمناسبات السعيدة. 


وخلال عصر النهضة، بدأ ظهور موسيقيين يهود في الغرب، خصوصاً في إيطاليا، حيث جسدت موسيقاهم التراث الموسيقي والأشكال الموسيقية السائدة في ذلك العصر، مثل المادريجال، وهي القصيدة الغزلية القصيرة. وقد دعا الحاخام جودا موسكاتا (المُتوفي عام 1590) حاخام بلدة مانتوا الإيطالية إلى ضرورة دراسة علم الموسيقى كجزء من الدراسات اليهودية. كما زاد الاتجاه نحو تبنِّي عناصر الموسيقى الغربية، مثل تعدُّد الأصوات (البوليفوني) وتآلفها (الهارموني)، في الغناء والإنشاد الديني اليهوديين. وتأسَّست جمعية موسيقية يهودية في مانتوا، وجرت محاولات لإدخال الآلات الموسيقية إلى المعبد، ولكن دون جدوى (بسبب معارضة الحاخامات). وكان سالومون روسي (حوالي 1565 ـ حوالي 1630) من أبرز الموسيقيين اليهود في ذلك العصر، وكان أول من أدخل الغناء الكورالي الذي يعتمد على تعدُّد الأصوات إلى موسيقى المعبد اليهودي. كما كانت له مساهمات مهمة في مجال تطوير موسيقى الحجرة. 


أما الجمـاعات اليهودية الإشـكنازية في شرق أوربا (يهود اليديشية)، فتميَّزت موسيقاهم بطابعها الخاص، ويُقال إن جذورها تعود إلى يهود الخزر ويهود بيزنطة، وإن كان ذلك غير مؤكد. ولكن المؤكَّد أنها قد تأثرت بموسيقى المجتمعات السلافية المحيطة بهؤلاء اليهود سواء من حيث اللحن أو من ناحية الإيقاع. وقد انعكس تأثير الحركة الحسيدية التي بدأت تظهر في منتصف القرن الثامن عشر على الموسيقى الدينية. وقد احتلت الموسيقى لدى الحسيديين مكانة مهمة باعتبارها وسيلة اتصال بين الروح البشرية والإله، حيث لم يترددوا في اقتباس كثير من الألحان الشعبية السلافية لترانيمهم الدينية عملاً بالمقولة الحسيدية القائلة بضرورة «إنقاذ الألحان العلمانية من الشيطان ».


كما ظهرت بين يهود اليديشية في القرن السادس عشر فئة من الموسيقيين المتجولين الذين يعزفون على الآلات الموسيقية، كانوا يطوفون المدن والقرى بآلاتهم الموسيقية لإحياء الأعياد والأفراح اليهودية وغير اليهودية. وقد أخذت ألحانهم الكثير من الألحان البولندية والمجرية والروسية والأوكرانية والرومانية والغجرية. وكانت لهم نقابات خاصة بهم. وحقَّق بعضهم شهرة واسعة بين اليهود وغير اليهود بفضل مهارتهم في العزف، كما نالوا إعجاب بعض كبار موسيقيي القرن التاسع عشر. 


ومع انعتاق الجماعات اليهودية في أوربا، خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وتزايد اندماجهم في مجتمعاتهم الأوربية، أصبح من الطبيعي احتكاك قطاعات أوسع من أعضاء الجماعات بالقيادات الموسيقية السائدة في عصرهم واكتسابهم واستيعابهم لغتها وأشكالها وأساليبها. وفي ظل هذا التطور، كان حدوث تغيُّرات في شكل وتقاليد الموسيقى الدينية للمعابد اليهودية حتمياً حتى بين الطوائف الأرثوذكسية التي كانت ترفض أي تغييرفي الطقوس الدينية، الأمر الذي أثار كثيراً من الجدل في حينها. فدخلت آلة الأرغن الموسيقية إلى المعبد اليهودي، وكانت المعابد الإصلاحية في ألمانيا أول من بادر بذلك، كما اتجهت إلى ترتيل الترانيم باللغة الألمانية واقتباس ألحان بعض الترانيم البروتستانتية الشهيرة. كما تم إدخال فرق الكورال التي تضم رجالاً ونساءً بشكل دائم في بعض المعابد. وقد استخدم كثير من المنشدين أسلوب الغناء الأوبرالي في الإنشاد، ولم يكن غريباً أن يجمع كثير منهم بين الإنشاد الديني في المعبد والغناء الأوبرالي خارجه. وكان ذلك يثير أحياناً اعتراض رجال الدين اليهودي، حيث تعرَّض أحد منشدي معبد لندن الكبير، وهو مايير ليوني (1740 ـ 1798)، للطرد بعد أن أصر على الاشتراك في «أوبرا المسيح» لهاندل. وتَرَك كثير من المنشدين المعابد، وانخرطوا في الحياة الموسيقية العامة. 


وكانت فيينا، مهد كبار الموسيقيين أمثال هايدن وبيتهوفن وموزار وشوبرت، مركزاً مهماً من المراكز التي شهدت هذه التحولات. وكان من أبرز المجددين اليهود في ذلك العصر (1804 ـ 1890) الملحن الموسيقي وكبير منشدي الجماعة اليهودية في فيينا سولومون سولزر، الذي أدخل تعديلات مهمة على الأداء الموسيقي في المعبد اليهودي، خصوصاً موسيقى وفرق الكورال، واستعان بالخبرات الموسيقية لشوبرت وغيره من الملحنين غير اليهود في تلحين عمله الكبير «أغنية صهيون». وقد تتلمذ على يدي سولزر كثير من منشدي الجماعات اليهودية في شرق أوربا الذين أثروا بدورهم في التقاليد الموسيقية للمعابد اليديشية. 


وشهد القرنان التاسع عشر والعشرون صعود عدد غير قليل من الملحنين الموسيقيين اليهود احتل بعضهم مكانة متميِّزة في التاريخ الموسيقي الغربي. ونظراً لأن التلحين الموسيقي ظل خاضعاً لفترات طويلة لرعاية الكنيسة المسيحية والنبلاء، لم يجد أعضاء الجماعات اليهودية في أوربا مجال التلحين الموسيقي متاحاً أمامهم. ومع انعتاق اليهود، وتزايُد معدلات العلمنة والليبرالية في القرن الثامن عشر، وصعود الطبقات الوسطى، وانتشار الحفلات الموسيقية العامة، اتسعت فرص ومجالات التلحين الموسيقي أمام الموسيقيين اليهود. 


ويُعَدُّ فيلكس مندلسن (1809 - 1847) أول ملحن موسيقيّ بارز من أصل يهودي منذ عصر النهضة في الغرب، وجسَّدت مؤلفاته التراث الرومانسي السائد في عصره. وكان مندلسن، وهو حفيد موسى مندلسن مؤسِّس حركة التنوير اليهودية، يمثل طبقة أثرياء اليهود الذين اندمجوا تماماً في محيطهم الثقافي الألماني. وتُعتبَر أعمال الموسيقار الألماني جوستاف ماهلر (1860 ـ 1911) من تراث المرحلة الرومانسية المتأخرة. أما الموسيقار النمساوي المولد الأمريكي الجنسية أرنولد شونبرج (1874 ـ 1951)، فهو أحد الموسيقيين والملحنين البارزين في القرن العشرين، وهو الذي طوَّر نظاماً جديداً للتأليف الموسيقي (نظام الاثنتي عشرة نغمة). وتُعتبَر مؤلفاته السريالية جزءاً من تراث مرحلة ما بعد الرومانسية. وقد اعتنق كلٌّ من مندلسون وجوستاف ماهلر وأرنولد شـونبرج الدين المسيحي، لكن شونبرج عاد إلى اليهودية في أواخر حياته. 


وفي الولايات المتحدة، احتل الموسيقيون اليهود مكانة متميِّزة في مجال الموسيقى الشعبية الأمريكية، خصوصاً موسيقى المسرح الاستعراضي الغنائي (برودواي) والموسيقى التصويرية للأفلام، والموسيقى الخفيفة، وكانوا من العناصر الرائدة فيها. أما الموسيقيون اليهود الذين جاءوا إلى الولايات المتحدة قادمين من شرق أوربا حاملين معهم تراث الموسيقيين الشعبيين في هذه البلاد، فوجدوا فرصاً أوسع للعمل في المجال الموسيقي، خصوصاً في المجالات التي لا تزال تُعتبَر حديثة مثل المسرح الاستعراضي وموسيقى الأفلام والموسيقى الخفيفة. ومن أهم الموسيقيين الأمريكيين في هذا المجال، جورج جيرشوين (1898 ـ 1937)، الذي لحن الكثير من موسيقى المسرح الاستعراضي الغنائي. ويُعَدُّ أهم أعماله «بورجي وبس» محاولة للجمع بين موسيقى الجاز والموسيقى الشعبية للزنوج في إطار أوبرالي. 


وتفوَّق أعضاء الجماعات اليهودية أكثر في مجال العزف، سواء من حيث عدد العازفين أو مستوى أدائهم. أما في مجال التأليف الموسيقيّ، فلم يكن الأمر كذلك رغم وجود عدد من الملحنين اليهود في القرن التاسع عشر والقرن العشرين. ويرجع السبب في ذلك إلى أن فرصة اقتحام مجال التلحين لم تُتَح لأعضاء الجماعات اليهودية بشكل واسع إلا منذ مائتي عام، في حين كان هناك رصيد من العازفين الشعبيين المهرة، وخصوصاً في شرق أوربا، والذين تميَّزوا في العزف على آلة الكمان. وبالفعل، حقَّق عازفو الكمان من اليهود، من أمثال يوسف يواقيم (1831 ـ 1907)، درجة رفيعة في العزف والأداء الموسيقيّ. وبعد أن اكتسبت آلة البيانو شعبية بين الطبقات المتوسطة الأوربية، انضم الموسيقيون اليهود إلى قائمة العازفين المتميِّزين على البيانو، ويعد أنطون روبنشتاين (1829 ـ 1894) من أعظم عازفي البيانو في القرن التاسع عشر. ومن أشهر عازفي الكمان في الوقت الحاضر يهودي مينوهين. 


وقد جرت محاولات، من جانب أعضاء الجماعات اليهودية ومن جانب المعادين لليهود، لتحديد ما يتصورونه سمات مميَّزة لمؤلفات وأعمال الموسيقيين اليهود. وقد كان الموسيقار ريتشارد فاجنر من أشهر من اتجهوا إلى مثل هذا الاتجاه، فكان ينسب إلى الموسقيين اليهود بعض السمات والخصائص الفنية السلبية والمدمرة. وفي مقاله «اليهود في الموسيقى» (عام 1850) هاجم فاجنر بكل شدة فيلكس مندلسن وغيره من الموسيقيين اليهود بشكل عام. وتبنَّى النازيون آراء فاجنر الذي نال شعبية في عهدهم. وقد ذكر النازي ريتشار إيخيناو في الموسيقى والجنس أن الملحنين والموسيقيين اليهود يُشكِّلون عنصراً مدمراً لأنهم يمثلون الاتجاهات الراديكالية في الموسيقى. ومما يُذكَر أن أعمال فاجنر الموسيقية ممنوعة في إسرائيل. ومن جهة أخرى، حاول البعض وصف الأعمال الموسيقية للملحنين اليهود بأنها تمثل جمال « الفن العبري » وتتميَّز بالانفعالات العاطفية المتطرفة والمبالغة، كما تعبِّر عن أعماق الروح. 


وهذا الاتجاه، سواء الذي يبحث عن سمات مدمرة أو ذلك الذي يبحث عن سمات متميِّزة لأعمال الموسيقيين اليهود ليس ذا قيمة تفسيرية عالية. فإذا أمكننا وصف أعمال شونبرج بالراديكالية، فهذا لا ينطبق على غيره من الموسيقيين اليهود مثل ماهلر وغيره. وإذا كانت بعض الصفات السابق ذكرها يمكن أن تنطبق أيضاً على موسيقيين من غير اليهود مثل تشايكوفسكي وموسورسكي وفاجنر وبرامز، فإن معنى ذلك أنه ليست هناك أية سمات خاصة، تُميِّز أعمال الموسيقيين اليهود وتعزلها عن أعمال غيرهم من الموسيقيين. وكما تعدَّدت وتنوعت موسيقى أعضاء الجماعات اليهودية من تشكيل حضاري إلى آخر، تعدَّدت وتنوعت داخل كل تشكيل حضاري على حدة من مرحلة تاريخية إلى أخرى، ومن مدرسة موسيقية إلى أخرى. ولذا، فإننا نجد بين الموسيقيين اليهود (الكلاسيكيين والرومانسيين والراديكاليين والمحافظين) العاطفيين أو العقلانيين.


هيرمان ليفـي (1839-1900) 
Herman Levy 


موسيقيّ ألماني يهودي وُلد في ألمانيا حيث كان والده حاخاماً. تلقَّى تعليمه الموسيقي في ليبزج، كما درس على أيدي بعض الموسيقيين الألمان الكبار. لم يبرز في التأليف الموسيقيّ، ولكنه أصبح قائد أوركسترا مرموقاً واستقر منذ عام 1872 وحتى وفاته في ميونخ التي كانت تُعَدُّ آنذاك العاصمة الثقافية لألمانيا. وتميَّز ليفي بتشجيعه الموسيقيين المغمورين والجدد وبإقدامه على تقديم مؤلفاتهم الموسيقية والتي فتحت لبعضهم أبواب الشهرة. 


ويُعَدُّ ليفي نموذجاً لليهودي الكاره لنفسه، فقد كان مندمجاً تماماً في المجتمع الألماني وعضواً في النخبة الثقافية الألمانية، راودته مسألة اعتناق المسيحية ولكنه لم يُقدم على ذلك أبداً، كما كان شديد الاعتزاز بألمانيته. وفي عام 1864، رفض السفر للعمل في باريس قائلاً إنه كموسيقي متوحِّد قلباً وقالباً مع وطنه الألماني لا يمكنه أن يعمل في فرنسا. وكان ليفـي يذهـب إلى أن الفنان اليهودي، مثل غيره من الفنانين، قادر على الوصول إلى مستويات رفيعة من الأداء الفني ولكنه غير قادر على إبداع أو على إنتاج عمل يُكتَب له الخلود. كما كان ليفي من أشد المعجبين بالموسيقار ريتشارد فاجنر ومن المقربين إليه، وامتدح بحثه الذي نُشر تحت عنوان «اليهود في الموسيقى» والذي تضمن هجوماً لاذعاً على اليهود، وكان من أهم قادة الأوركسترا الذين قدموا مؤلفاته. وحاول فاجنر، دون جدوى، دفع ليفي إلى اعتناق المسيحية عندما اختاره ليكون أول من يقود عمله الموسيقي الكبير «بارسيفال». لكن العلاقة بينهما توترت عندما تلقَّى فاجنر خطاباً من مجهول يدين قيام يهودي بقيادة عمل موسيقي ذي مضمون مسيحي واضح ويتهم ليفي بالتورط في علاقة آثمة مع زوجة فاجنر. واضطر ليفي للاستقالة من منصبه في مسرح البلاط الملكي في ميونخ. ولكن كان لتدخُّل ملك بافاريا (لودفيج الثاني) في الأمر دور في إعادة الوفاق بين الرجلين، وقام ليفي بقيادة «بارسيفال» عام 1882. 


داود حســـني (1870-1937) 
Dawod Husni 


ملحِّن وموسيقيّ مصري يهودي. وُلد في القاهرة، وكان والده يشتغل بصياغة الحليّ وكانت والدته أعرابية الأصل. في صباه، كان داود حسني من أبرز أعضاء فرقة الأناشيد الدينية بمدرسته. وانتقل داود حسني في سن مبكرة إلى المنصورة حيث درس الموسيقى الشرقية والـعزف على العـود، وعاد إلى القـاهرة ليعمل مطرباً. وفي سن العشرين، بدأت تتضح موهبته في مجال التلحين حيث قام بتلحين بعض الأدوار والطقاطيق والقصائد للمطربين. ويُعَدُّ داود حسني من أهم الموسيقيين المصريين، يُقرَن اسمه بموسيقيين من أمثال سيد درويش وكامل الخلعي حيث لعب دوراً بارزاً في نهضة الموسيقى في مصر وفي إثرائها في العقود الأولى من القرن العشرين. وتميَّز دور داود حسني بشكل خاص في المسرح الغنائي المصري حيث لحَّن كثيراً من المسرحيات الغنائية، وكان أول من قام بتلحين أوبرا مصرية هي «شمشون ودليلة»، كما لحن أوبرا أخرى هي «ليلة كليوباترا» التي ألفها حسين فوزي. وتعلَّم على يديه كثير من المطربين والمطربات الذين حققوا شهرة واسعة فيما بعد مثل أم كلثوم وأسمهان. 


وتقوم الإذاعة الإسرائيلية بالإشارة إلى داود حسني باعتباره موسيقاراً يهودياً، وهو أمر يستحق التأمل دون شك إذ أننا لو حاولنا البحث عن أي بُعد يهودي في موسيقاه لأعيتنا الحيلة. ولذا، يُدهش كثير من المصريين الذين يعرفون أغانيه وأدواره، كما يُدهش كثير من المتخصصين الذين درسوا موسيقاه، حينما يعرفون أنه «يهودي». ومن ناحية أخرى، فإنه رغم تميُّزه داخل الحضارة العربية الحديثة، ورغم ذيوع صيته، فإن كثيراً من الموسوعات والدراسات التي تتناول ما يُسمَّى «الثقافة اليهودية» لا تذكر اسمه، فالثقافة اليهودية عادةً ما تعني عندهم الثقافة اليديشية أو ثقافة يهود العالم الغربي. 


الرقص والرقصـات اليهودية 
Jewish Dance and Dances 


عبارة «الرقص اليهودي» أو حتى «الرقصات اليهودية» تفترض وجود أساليب في الرقص ورقصات بعينها مقصورة على أعضاء الجماعات اليهودية، وهو الأمر الذي لم ينجح أحد في إثباته، ولذا فنحن نُسقط مثل هذه العبارات لأن مقدرتها التفسيرية والتصنيفية ضعيفة بل ومنعدمة، ونفضل أن نستخدم بدلاً من ذلك عبارة «رقصات الجماعات اليهودية». 
يتبع إن شاء الله...


الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 51206
العمر : 72

الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية  Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية    الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية  Emptyالإثنين 09 ديسمبر 2013, 8:52 pm

رقصـــات الجماعــــات اليهوديــــة 
Dances of the Jewish Communities 


يُعتبَر الرقص واحداً من أقدم الفنون على الإطلاق. عرفته جميع الأقوام والشعوب على مر العصور كجزء من طقوسها الدينية أو احتفالاتها الاجتماعية. ويوضح لنا كلٌّ من العهد القديم والتلمود ارتباط كثير من الرقصات باحتفالات وطقوس العبرانيين في التاريخ القديم، وهي رقصات لم تختلف كثيراً في شكلها أو حركاتها أو أسلوب أدائها عن الرقصات السائدة بين الشعوب المحيطة بهم في تلك العصور. وبالنسبة إلى الجماعات اليهودية، فإننا نجد أن هناك أهمية خاصة للرقص في حياتها سواء من الناحية الدينية أو من الناحية الاجتماعية، كما نجد أن أشكال الرقصات التي انتشرت بينهم وأسلوب أدائها تختلف من جماعة إلى أخرى ومن عصر إلى آخر وأنها اعتمدت بالدرجة الأولى على تقاليد المجتمعات التي عاش أعضاء الجماعات اليهودية بينها وعلى التراث الفني الثقافي لهذه المجتمعات. 


وعرف اليهود القدامى الرقص كجزء من طقوسهم وشعائرهم الدينية وللاحتفال بالمناسبات العديدة، مثل الانتصارات العسكرية والزواج ومواسم الحصاد. ويضم العهد القديم أحد عشر جذراً من جذور الأفعال التي تُستخدَم لوصف الرقصات والحركات الخاصة بها وأسلوب أدائها مثل الوثب والركض والدوران وغيرها. وقد استُخدمت الأفعال المأخوذة من هذه الجذور في وصف المواكب والرقصات التي كانت تتم أمام تابوت العهد. كما كانت هناك رقصات تتم في شكل حلقات، ويُرجَّح أنها كانت خاصة بالنساء. وكما أن كلمة «الرقص» كانت تحمل عند الآشوريين معنى الابتهاج، كذلك ارتبطت كلمة «حاج» العبرية التي تعني أيضاً «الابتهاج أو الاحتفال» بثلاثة أعياد يشكل الرقص فيها جزءاً أساسياً من مراسم الاحتفال، وهي: عيد الفصح وعيد الأسابيع وعيد الحصاد. 


والرقص، مثل الغناء، كان يُستخدَم لتمجيد الرب أو الإله، فكان داود يدعو شعبه لتمجيد الرب « بالدفوف والرقص ». كما أن كثيراً من أنبياء جماعة يسرائيل كانوا يقومون بالدعوة إلى الإله وهم يضربون الدفوف ويرقصون رقصات تتميَّز بالحركات الدائرية التي تزداد سرعة واندفاعاً إلى أن يصل الراقصون إلى حالة من النشوة والابتهاج الغامر. وكان الأنبياء يعتقدون أن هذا الرقص يعمل على إنعاش الروح الربانية التي تتحدث نيابةً عنهم، وهم في هذا يشبهون الدراويش. 


وبالإضافة إلى ذلك، كانت هناك الرقصات الخاصة بالانتصارات العسكرية التي كانت تقوم بأدائها النساء على أنغام الدفوف والآلات الموسيقية. ومثل سائر الشعوب البدائية، كانت تُقام رقصات احتفالاً بمواسم الحصاد، فكانت تُقام في عيد المظال مواكب يومية حول المذبح (داخل المعبد) بعد تقديم القرابين، وفي ثاني أيام العيد كانت تُقام رقصة بالمشاعل يصاحبها مواكب من النساء يحملن أغصان النخيل والصفصاف. كما كانت جميع حقول الكروم تضم أماكن للرقص مخصصة للنساء فقط، ويبدو أن كثيراً من هذه الرقصات كانت من أصل كنعاني (ومن احتفالات بالإله بعل). 


ولابد أن العبرانيين قد تأثروا بالمحيط الحضاري البابلي والآشوري حينما دخلوا في نطاق هذه الحضارة، كما تأثروا بالمحيط الفارسي من بعد ذلك (ولكننا لا نملك الدليل التاريخي على ذلك). أما في العصر الهيليني، فنحن نعرف أنه رغم معارضة الحاخامات للرقص، فإن كثيراً من أعضاء الجماعات اليهودية داخل وخارج فلسطين كانوا يتبنون كثيراً من رقصات اليونانيين والرومانيين ذات الطابع الوثني، والتي كان يقوم بأدائها رجال ونساء دُربوا خصيصاً لهذا الغرض، وهذا يدل على تجذُّر العادات الهيلينية بين يهود حوض البحر الأبيض المتوسط في تلك الفترة. وقد ظهرت بين أعضاء الجماعات اليهودية رقصة ذات طابع وثني واضح كانت تُؤدَّى أمام كبار الشخصيات (ولعلها كانت تشمل حركات تعبِّر عن السجود وتدل على انعدام الذات أمام الشخصية المتألهة). 


وتشير المشناه إلى وجود مراسم واحتفالات خاصة بانتقاء العرائس كانت تتم في أيام الخامس عشر من آب، وفي يوم الغفران عندما تخرج الفتيات للرقص في حقول الكروم. أما بالنسبة لاحتفالات الزفاف نفسها، فإن العهد القديم يضم إشارة واحدة فقط لإحدى الرقصات المصاحبة لهذه الاحتفالات، ويُعتَقد أن هذه الرقصة كانت تقوم بها العروس وهي تحمل في يدها سيفاً (رمزاً لرفضها أي رجل سوى عريسها الذي اختارته). أما التلمود، فيضم وصفاً أكثر تفصيلاً لمراسم ومواكب الزواج. 


وكان الرقص على شرف العروس يُعَدُّ عملاً من أعمال التقوى الدينية يتنافس عليه الحاخامات، كما كان يتم أحياناً إحضار الراقصين المحترفين للمشاركة في احتفلات الزواج، فكانوا يقدمون رقصات تجمع بين حركات الأيدي والأرجل والوسط. واندثرت أغلب هذه الرقصات واختفت تماماً مع انتهاء الوجود العبراني في فلسطين كتجمُّع بشري ديني حضاري، لكن بعض هذه الرقصات بقيت لتؤدَّى بشكل شديد الاختصار داخل المعابد أو البيوت اليهودية. واتخذت الجماعات اليهودية التي استقرت ونشأت في مختلف أنحاء العالم أشكالاً جديدة من فنون الرقص نبعت من التراث الثقافي والفني السائد في التشكيلات الحضارية التي انتموا إليها والتي تشكلت تقاليدهم الحضارية في إطارها. 


وقبل أن نستمر في العرض التاريخي، يمكننا أن ننظر إلى الرقص من منظور التحريم. لقد كانت العقيدة اليهودية تمنع الرقص المُختلَط بين الرجال والنساء، ووضع الحاخامات خلال العصور الوسطى في أوربا قواعد صارمة بالنسبة للرقص المُختلَط بحيث أصبح يُسمَح به فقط بين الرجل وزوجته وبين الأخ وأخته وبين الأب وابنته، وأدَّى ذلك إلى تصميم رقصات مُعقَّدة يتم فيها الاختلاط بين الجنسين ولكن مع مراعاة القاعدة التي وضعها الحاخامات. وفي أحيان أخرى، كان يتم تجاهُل هذه القواعد كليةً. ومع تصاعُد معدلات العلمنة داخل المجتمعات الغربية، ومن ثم بين أعضاء الجماعات اليهودية، بدأ التراخي في تطبيق التحريمات الدينية يتزايد بما في ذلك التحريمات المتصلة بالرقص المُختلَط. وحاول الحاخامات الحد من ذلك بفرض الغرامات على المخالفين ولكن دون جدوى، خصوصاً أن الرقص المُختلَط بدأ يكتسب قبولاً وشعبية كبيرة بين الجماهير اليهودية، وذلك (دون شك) تحت تأثير البيئة المحيطة بهم. 


وفي العصور الوسطى اكتسب الرقص في أوربا شعبية بين أعضاء الجماعات اليهودية كنشاط اجتماعي وترفيهي شأنها في هذا شأن أعضاء مجتمع الأغلبية. وأُقيمت في كثير من الجيتوات اليهودية في فرنسا وألمانيا وبولندا دور للمناسبات تُقام فيها الحفلات الراقصة والغنائية في أيام الأعياد وأيام السبت وللاحتفال بالزواج. ويبدو أن هذه الدور أقيمت أساساً للاحتفال بالزواج وتحوَّلت تدريجياً إلى أماكن للترفيه. وكانت الرقصات التي اشتُهرت في هذه الدور رقصات شبيهة أو مماثلة للرقصات المنتشرة بين الشعوب الأوربية آنذاك. وإن كان يُرجَّح أن أصولها ترجع إلى رقصات الشعوب الأوربية المحيطة. وقد كان لكل دار من هذه الدور قائد للرقص يتميَّز بتفوُّقه في الرقص والغناء والقدرة على الارتجال، وكان يقوم بإدارة الرقصات كما كان معنياً بإدخال التنويعات الجديدة عليها. أما الجماعات اليهودية في إسبانيا والعالم العربي الإسلامي فلم تنشأ بينهم مثل هذه الدور. وعلى عكس يهود أوربا الذين عاشوا في الجيتوات الضيقة، كانت بيوت يهود الشرق من السعة بحيث تسمح بإقامة جميع الاحتفالات بداخلها. 


وتنوعت واختلفت أشكال وأنواع الرقصات التي تقام احتفالاً بالأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية من جماعة إلى أخرى. فقد ارتبط بعيد النصيب نوع من الرقصات انتشرت بين كثير من الجماعات اليهودية وإن تنوعت تفاصيلها ومظاهرها من جماعة إلى أخرى، وهي رقصة تتضمن حرق تمثال يرمز إلى هامان والقفز فوق النار والغناء. وهذه الأنواع من الرقصات تعود جذورها إلى الطقوس السائدة بين الشعوب البدائية التي كانت ترمز إلى حرق الشيطان في النار. ويشير التلمود إلى أن هذا التقليد كان سائداً بين يهود بابل، كما يبدو أن هذه الرقصات كانت موجودة بين يهود مدينة بيزنطة وكذلك بين يهود إيطاليا خلال القرنين الثاني عشر والرابع عشر، وكذلك بين يهود بولندا خلال القرن الثامن عشر حيث كان عيد النصيب شبيهاً بالكرنفال. ويُقال إن هذا التقليد كان موجوداً أيضاً بين الجماعات اليهودية في القوقاز والجزيرة العربية وشرق الهند.


وكانت هناك رقصات عديدة مخصصة للاحتفال بالزواج، ففي العصور الوسطى في أوربا ظهرت رقصات كانت أقرب إلى الطقوس السرية أو الصوفية، وفي أحيان كثيرة كان الموت يُتَخذ موضوعاً لها، وفي بعض الأحيان يسقط أحد الحاضرين في حفل الزواج على الأرض كأنه ميت ويرقص من حوله الرجال والنساء وهم يغنون، ثم يقوم الرجل (من مماته) وينضم إلى الآخرين في رقصة مرح وابتهاج. وهي رقصة ترمز إلى البعث. وانتشرت مثل هذه الرقصات والأغاني بين شعوب أوربا في تلك الآونة، ومن أهمها أغنية الأطفال « رينج أروند روزيز Ring around rosies» أي «فلتلتفوا» والتي تنتهي بغناء جماعي للأطفال حيث يقولون بالإنجليزية: « آشز آشز، وي أول فول داون ashes, ashes, we all fall down » وتعني « رماد في رماد، كلنا سنَسقُط ». وهناك رقصة أخرى تُسمَّى «رقصة الموت» ظهرت في أعقاب اجتياح الأوبئة لأوربا والتي هلك فيها الملايين حيث كان يتم زواج الأيتام الفقراء في حفل يُقام في المقابر بحضور أعضاء الجماعة اليهودية. 


ومن الرقصات التي ارتبطت بشكل خاص بحفلات الزواج، رقصات الوصايا (متزفاه)، وهي رقصة جماعية يقوم فيها الرجال بالرقص مع العريس والنساء مع العروس، وذلك احتراماً للقواعد الدينية الخاصة بعدم اختلاط الجنسين في الرقص. ولكن، مع تآكل احترام هذه القيود، أصبح الرجال يرقصون مع العروس ولكن مع تغطية أيديهم بشيء رمزاً للانفصال. ومع أوائل القرن التاسع عشر، أصبح التقليد المتبع هو أن يرقص الرجال مع العروس ويفصلهما منديل تمسك العروس بأحد أطرافه والرجل بطرفه الآخر. وفي بعض الأحيان، كان يُدعَى إلى حفلات الزواج المتسولون من اليهود، وكان يُسمَح لهم بالرقص مع العروس وكذلك أداء بعض الرقصات الخاصة بهم التي عُرفَت باسم «رقصة المتسولين». أما في الأفراح الحسيدية، فكان أحد التقاليد المتبعة هو الرقص بملابس الفلاحين أو بارتداء جلد الحيوان أو زي جنود القوزاق. كما كانت الفتيات يرقصن حول العروس، والفتيان يرقصون حول العريس. 


أما بالنسبة للجماعات اليهودية في العالم العربي والإسلامي، فإننا نجد أنهم كانوا يحيون حفلات الزفاف بإحضار راقصات ومغنيات محترفات (عوالم) يرقصن على أنغام الطبول. وفي اليمن، كانت النساء من الضيوف يقمن بالرقص بالمزهرة أو الصحن الذي يحوي صبغة الحنة التي سيتم صبغ أيدي العروس بها. وفي مصر، كان سلوك المدعوين يتنوع بتنوُّع الخطاب الحضاري السائد. فحتى نهاية القرن التاسع عشر، قبل أن يتم تغريب أعضاء الجماعات اليهودية، كانت السيدات يقمن بالرقص مع العروس رقصات شرقية، كما كانت العروس ترقص معهن. ومع تزايُد معدلات التغريب والعلمنة، بدأت أفراح أعضاء الجماعات اليهودية تصبح غربية تماماً، فيختلط الجنسان ويرقصان التانجو أو غيرها من الرقصات الغربية الذائعة. 


وهناك رقصات خاصة أيضاً بيوم السبت. وقد اعتاد الحسيديون الرقـص، مـع انتهاء نهار السـبت، حول مائدة الحاخام. وفي شرق أوربا، اعتاد الشباب اليهودي في المجر ومورافيا ورومانيا على الرقص في أيام السبت خارج المعبد على مرأى من النساء. وكانت رقصاتهم من الرقصات المنتشرة في المجتمع المحيط، مثل رقصة الحوراhora ذات الأصل الروماني (والتي أصبحت فيما بعد الرقصة الشعبية الأولى في إسرائيل)، وكان الحاخامات ينظرون باستياء لمثل هذه الرقصات. أما بين يهود اليمن فإن الراقصين كانوا يقومون بالرقص في يوم السبت على أطراف أصابعهم مع هز الكاحل ومفصل الركبة إلى أن يصل الراقص إلى حالة من النشوة والانجذاب الديني. 


كما كانت تُقام رقصات احتفالاً بعملية الختان، وخصوصاً بين الجماعات اليهودية في العالم العربي والإسلامي. وأحياناً، كانت هذه الرقصات تهدف إلى إبعاد الأرواح الشريرة عن الأم والطفل، ففي صفد كانت الراقصات يرقصن مساء كل يوم عقب الولادة وحتى يوم الختان. وفي المغرب، كانت النساء يرقصن بالسيوف، وكان الرقص يجري (أحياناً) حول فراش الأم طوال الأسبوع الذي يسبق عملية الختان. أما في إيران، فكان الأب يقوم بإحضار راقصات محترفات لإحياء الليلة التي تسبق عملية الختان. وفي المغرب العربي، كان يتم إحضار صينية إلياهو التي تُستخدَم في عملية الختان في موكب من الشموع يتخلله الغناء والرقص. وفي سوريا ولبنان، يقوم سبعة من الضيوف بالرقص بالصينية كلٌّ في دوره. وفي عدن، كان الضيوف يقومون بالرقص مع كرسي إلياهو كأنهم يرقصون مع النبي إلياهو نفسه. وفي جميع الحالات، سيُلاحَظ أن الرقصات وطريقة أدائها ينبع من التقاليد الثقافية للمجتمع الذي يعيش أعضاء الجماعة اليهودية في كنفه. 


وهناك رقصات تذكارية تُقام إحياءً لذكرى أحد الأنبياء أو الحاخامات، فقد جرت العادة على إحياء ذكرى وفاة الحاخام سيمون بن يوحان الذي يُعتبر أبا القبَّالاه، وإليه ينسب كتابة الزوهار، حيث يجتمع الحجاج عند مقبرته في صفد للرقص والغناء. أما الحاخام الحسيدي نحمان البرتسلافي، فأمر أتباعه بإحياء ذكراه عند وفاته عن طريق دراسة المشناه والرقص عند مقبرته. وقام أتباعه لأجيال متعاقبة بتلبية رغبته وإقامة احتفال راقـص إحيـاءً لذكراه في مـقابر أومـان في أوكرانيا. 


أما يهود جبال كروستاف في شمال العراق، فيُقال إنهم يحتفلون بعيد الأسابيع بإحياء ذكرى النبي ناحوم والاجتماع عند مقبرته والطواف حول ضريحه والغناء، في حين تقوم النساء بالرقص. وفي ثاني أيام العيد، يصعد الرجال إلى قمة أحد التلال القريبة لقراءة التوراة ثم ينزلون التل في موكب شبيه بالمواكب العسكرية حاملين السلاح ويقومون بتمثيل المعركة الكبرى التي ستؤذن بقدوم الماشيَّح، أما النساء فيستقبلن الرجال بالرقص والغناء على نغمات الدفوف. وقبل الانتقال إلى الرقص بين أعضاء الجماعات اليهودية في العصر الحديث، قد يكون من المفيد الإشارة إلى أن الحركات الحلولية المشيحانية ساعدت على انتشار الرقص بينهم. وساهمت في هذا الاتجاه حركة شبتاي تسفي بشكل خاص، ثم الحركة الفرانكية، إذ أن النزعة الترخيصية شجعت على إسقاط الحدود، بما في ذلك الحدود الخاصة بالرقص. بل إن الشعائر السرية ذات الطبيعة الجنسية لهذه الجماعات كانت تتضمن دائماً الرقص المحموم. 


واكتسب الرقص، مع ظهور الحركة الحسيدية في القرن الثامن عشر، أهمية كبيرة بالنسبة إلى الجماعات اليهودية في شرق أوربا، وأصبح يشكل جزءاً من حياتهم اليومية. فقد اعتبر بعل شيم طوف، مؤسس الحسيدية، الرقص شكلاً من أشكال الصلاة والعبادة أمام الرب وأداة للوصول إلى حالة من النشوة الدينية والالتصاق بالرب والتوحد به (ديفيقوت). وهذا يتفق تماماً مع النزوع الحلولي نحو التجسد (مقابل النزوع التوحيدي نحو التبليغ) الذي يتضح أيضاً في مفاهيم مثل الخلاص بالجسد (عفودا بجاشيموت). وبالتالي، أصبح الرقص الحسيدي نوعاً من الطقس الديني يصل من خلاله الراقص إلى حالة من النشوة والابتهاج الديني. والرقص الحسيدي كان يتم في شكل دائري، أو في حلقات، رمزاً للفلسفة الحسيدية الحلولية القائلة بأن « الكل متساو والكل عبارة عن حلقات في سلسة، والدائرة ليس لها جهة أمامية أو خلفية وليس لها بداية أو نهاية » (والنسق الحلولي العضوي في رأينا يأخذ دائماً شكل دائرة مغلقة).


والرقص الحسيدي يبدأ بطيئاً ثم يزداد إيقاعه تدريجياً إلى أن يصل إلى حالة النشوة وتصاحبه حركة التمايل وحركات الأيدي والأرجل والقفز في الهواء والتصفيق. وقد عَلَّم الحاخام نحمان البرتسلافي أتباعه أن الرقص مع الصلاة من الفروض المقدَّسة وأن كل جزء من الجسد له إيقاعه الخاص، وقام بتأليف صلاة خاصة يقوم بتلاوتها قبل الرقص مباشرةً كما دعا مع غيره من الحاخامات الحسيديين إلى ضرورة الرقص في جميع المناسبات والأعياد، حتى تلك التي تتَّسم بالوقار إحياءً لذكرى حزينة، مثل: التاسع من آب ورأس السنة ويوم الغفران، وكذلك في احتفال بهجة التوراة (سمحات توراه). فإلى جانب المواكب المعتادة لهذا الاحتفال كان الحاخام الحسيدي يقوم بالرقص في نشوة روحية مع التوراة مرتدياً شال الصلاة (طاليت) ومحاطاً بدائرة من الحسيديين الذين يقومون بالغناء والتصفيق. وثمة نظريات مختلفة تحاول الوصول إلى أصول رقصات الحسيديين، فتذهب بعضها إلى أن أصل هذه الرقصات يعود إلى الرقصات الكنعانية البعلية التي تعلَّمها العبرانيون القدامى بعد تسلُّلهم في كنعان (وفي رأينا أن هذا الرأي بعيد عن الصواب، وينبع من رؤية اليهود ككيان حضاري مستقل له أصوله الحضارية المستقلة). وهناك رأي يذهب إلى أن الرقصات الحسيدية تعود إلى أصل تركي، ومن ثم فهي تشبه رقصات الدراويش العثمانيين (في قونيه) حيث يدورون حول أنفسهم. ويشير أصحاب هذا الرأي إلى أن الحسيدية انتشرت في مقاطعات كانت تحت السيطرة العثمانية أو قريبة من الأثر العثماني، وأن الحركة الحسيدية تأثرت بالحركة الفرانكية التي تأثر صاحبها بالثقافة العثمانية، وأن الحسيديين ككل متأثرون بتراث المارانو السفاردي الذي كان قد دخله عنصر عثماني. كما أن أطروحة كوستلر الخاصة بأصول يهود بولندا الخزرية (التركية) يدعمها هذا الرأي. ولكن ثمة رأياً ثالثاً يرى أن رقصات الحسيديين تأثرت برقصات جماعات المنشقين المسيحيين الأرثوذكس (مثل الدوخوبور والسكوبتسي والخليستي) الذين تركوا أثراً عميقاً في فكر الحسيديين. 


ومما سبق، نرى أن فنون الرقص تنوعت وتعدَّدت من جماعة يهودية إلى أخرى ومن عصر إلى آخر وارتبطت في المقام الأول بالتشكيل الحضاري الذي انتمت إليه كل جماعة على حدة. ومن ثم، فإن من الصعب الحديث عن «الرقص اليهودي» باعتباره فناً له سماته وشكله وحركاته وأسـلوب أدائه الخـاص. والواقـع أن رقصات الجماعات اليهودية، سواء بين الإشكناز أو السفارد أو الشرقيين، تجد جذورها إما في المجتمعات الأوربية (سواء في شرق أو وسط أو جنوب أوربا) أو في المجتمعات العربية والشرق أوسطية. وخير دليل على ذلك هو تعدُّد وتنوُّع الرقصات التي جاء بها المستوطنون اليهود إلى إسرائيل وهي الدولة الصهيونية التي تدَّعي «وحدة الشعب والتراث والثقافة اليهودية »، فكانت هناك الرقصات البولندية والروسية والرومانية والرقصات العربية اليمنية. بل إن الرقصة الشعبية الأولى في إسرائيل، وهي الحورا، ما هي إلا رقصة رومانية الأصل. وليس هذا فحسب بل إن إسرائيل اتجهت، في محاولة لخلق « رقص شعبي إسرائيلي » للأخذ من تراث الرقص العربي الفلسطيني، خصوصاً رقصة الدبكة الشهيرة. ومعنى ذلك أن عملية السلب لم تقتصر على الأرض بل امتدت أيضاً إلى تراث أصحاب الأرض وفنونهم ورقصاتهم. 


وشهدت العصور الوسطى، وعصر النهضة في أوربا، ظهور العديد من الراقصين ومعلمي الرقص اليهود المحترفين، وكان أغلبهم من اليهود الإيطاليين أو من يهود المارانو. واكتسب الرقص في تلك الفترة أهمية كبيرة بالنسبة إلى طبقة الأمراء والنبلاء الأوربيين وأصبح يُشكّل جزءاً مهماً من تقاليدهم الاجتماعية وظهرت العديد من الرقصات الخاصة ببلاط الأرستقراطية التي أصبحت تتميَّز عن الرقصات الشائعة بين عامة الشعب. وساعد على هذا التطور ظهور معلمي الرقص، خصوصاً في إيطاليا. ويبدو أن اليهود لعبوا دوراً ريادياً في هذا المجال (ربما نتيجة ميراثهم كجماعات وظيفية) فيعود أول ذكر لمعلم رقص إلى الحاخام هاسن بن سالومو Hacen ben Salomo الذي قام عام 1313 بتعليم المسيحيين رقصة كورالية تؤدَّى أمام المذبح في الكنيسة. ويبدو أن كثيراً من اليهود اشـتغلوا بهذه المهنة في إيطاليا خلال القرن الخامس عشر، الأمر الذي يدل على الأهمية التي أعطاها اليهود للرقص آنذاك أن مدرس العبري الذي كان يعلِّم أبناء الأسر اليهــودية في إيطــاليا العهـد القديم والتلمود كان يعلمهم الموسيــقى والرقص أيضــاً. ومن أشهــر معلمي الرقص في ذلك العصر على الإطلاق، اليهودي جوليلمو إبريو الذي كتب عام 1463 واحداً من أهم الكتب المخصصة لأصول وقواعد الرقص والذي ظل لفترة طويلة دليلاً مهماً للأرستقراطية الأوربية في هذا الشأن. وفي القرن السادس عشر، اكتسب اليهودي جاكينيو مارسانو شهرة واسعة كمعلم رقص في روما. وفي عام 1775،منـح البــابا حق تدريس الرقص والغناء لاثنين من يهود أنكونا،كما وُجد كثير من مدرسي الرقص اليهود في إنجلترا وفرنسا. 


كما انتـشر في ألمانيا، خلال القرنين السـادس عشر والسابع عشر، المغنون والمهرجون المتجولون من اليهود الذين كانوا يُقدِّمون الرقصات والتمثيليات الإيمائية والحركات البهلوانية في الأفراح وفي غيرها من المناسـبات،وكانــوا يشتـهرون برقصتي المشاعل والسيوف. ولم يختلف الوضع كثيراً في الشرق، فكان سلاطين آل عثمان يستخدمون الموسيقيين والراقصين اليهود في بلاطهم لإحياء احتفالاتهم. ويُلاحَظ ظهور كثير من الراقصات من أصل يهودي في العالم العربي (حتى منتصف القرن العشرين) لأداء ما يُسمَّى «الرقص الشرقي». 


أما في العصر الحديث، ومع تزايُد اندماج أعضاء الجماعات اليهودية في المجتمعات المحيطة بهم وانخراطهم في حياتها الثقافية والفنية، فقد ظهر بينهم مصممو الرقصات والمرموقون من الراقصين والراقصات. ففي القرن التاسـع عـشر، قام آرثر ميشـيل سـان ليون (1815 ـ 1870)، وهو راقص ومصمِّم رقصات فرنسي، بتصميم باليه كوبيليا الشهير بالإضافة إلى العديد من الباليهات الرومانسية الأخرى والتي عُرضت في مختلف دول أوربا. كما وضع كتاب ستينو كوريوجرافي أي ( التدوين المختزل للرقص ) عام 1852، وهي طريقة سريعة لكتابة وتسجيل الرقص، وتُعدُّ من أوائل النظم التي وُضعت في هذا المجال. ويُعَدُّ سان ليون من أهم أساتذة الباليه ومصممي الرقصات في عصره، وقد اعتنق الكاثوليكية عندما تزوج من إحدى راقصات الباليه. 


أما في القرن العشرين، وعندما زاد الاهتمام في الغرب بفن الباليه، فقد ظهر كثير من راقصي وراقصات الباليه بين أعضاء الجماعات اليهودية الذين حققوا شهرة واسعة بل وساهموا في نشر هذا الفن في إنجلترا والولايات المتحدة. فقدَّمت فرقة الباليه الروسي دياجليف عدداً من الراقصات والراقصين اليهود اللامعين أمثال إيدا روبنشتاين وإليشيا ماركوفا، وكذلك ماري رامبيرت التي أسَّست فيما بعد أول فرقة للرقص الكلاسيكي في إنجلترا وتُعتبَر بالتالي من مؤسسي الباليه الإنجليزي الحديث. كما أن مصمِّم هذه الفرقة التي قدَّمت عروضها بنجاح كبير في أوربا بين عامي 1909و1929 هو ليون باسكت اليهودي الأصل. وبعد قيام الدولة السوفيتية، أُتيحت فرصة أكبر لأعضاء الجماعة اليهودية للعمل في المجال الفني وظهر عدد من الراقصات والراقصين البارزين مثل مايا بليستسكايا التي أصبحت الباليرينا الأولى في فرقة باليه البولشوي واختيرت فنانة الشعب للاتحاد السوفيتي، وهي من أعظم راقصات هذا الجيل. 


أما في الولايات المتحدة، فلم يتميَّز أعضاء الجماعات اليهودية بالإبداع في مجال الرقص، ولكن كانت لهم إسهامات مهمة كراقصين أو مصممي رقصات أو مؤسسي فرق باليه. بل كان لهم دور ريادي في نشر هذا الفن في الولايات المتحدة، فقد أسس ليفكون كيرستاين فرقة مدرسة الباليه الأمريكية (1934) وفرقة مدينة نيويورك، ويُعتبَر ذلك بداية ميلاد الباليه الأمريكي. كما قام معلمو الرقص الأمريكيون اليهود بتدريب كثير من راقصي الفرق الجديدة للباليه الكلاسيكي والتي تكونت في الثلاثينيات والأربعينيات. ومن مصممي الرقص المتميِّزين جيروم روبينز الذي اكتسب شهرة عالمية من خلال تصميمه رقصات «قصة الحي الغربي». ومن بين الراقصات المتميِّزات ميلسيا هايدن ونورا كاي. وقد قامت هذه الأخيرة بتصميم رقصات باليه «الديبوك» المأخوذة عن مسرحية الكاتب اليديشي آن سكي. ومما يُذكَر أن كثيراً من اليهود وغير اليهود وضعوا باليهات من الرقص الحديث تتناول مواضيع أو قضايا تخص الجماعات اليهودية أو تستمد بعض رقصاتها من الرقصات الحسيدية مثل باليه «القرية التي عرفته» التي وضعته صوني مازلو، ويتناول حياة اليهود في روسيا القيصرية، وباليه «ذكريات» لهيلين تاميريس والذي يتناول حياة أسرة يهودية، وباليه «أحلام» الذي صممته آنا سوكولون وفيه إدانة لألمانيا النازية. 


كما صممت مارثا جراهام، وهي مصممة رقص غير يهودية وصاحبة واحدة من أهم فرق الرقص في الولايات المتحدة، عملين يتناولان مواضيع يهودية هما: «بعل شيـم» و«نيجون» وذلك عام 1928. ولكن تناول مواضيع يهودية لا يعطي هذه الأعمال صفة اليهودية، فالشكل الفني لهذه الرقصات وأسلوب أدائها وحركاتها تنتمي كلها إلى مدرســة الفن الحـديث، وهي مدرسة تميل أكثر ناحية التعبير واستعمال الحركات الطبيعيــة وتعتبر جزءاً من تراث فن الرقص في الغرب. وقد ظهرت في بداية القرن الحالي في العالم العربي راقصات من أعضاء الجماعات اليهودية يقمن بما يُسمَّى «الرقص الشرقي»، ولا يزال يُوجَد عدد كبير منهن في الولايات المتحدة. وتُوجَد مدرسة لتعليم الرقص الشرقي في إسرائيل.


جوليــلـمو إبريـــو (النصف الثاني من القرن الخامس عشر)
Guglielmo Ebreo 


أستاذ رقص إيطالي من القرن الخامس عشر، وربما يكون قد وُلد في إسبانيا قبل عام 1440، لكنه على أية حال ارتبط بمدينة بيسارو الإيطالية. ويشكِّك بعض الباحثين في أصله اليهودي، ولكن الإشارة إليه بلقب «إبريو» أو «العبري» تؤكد هذا الأصل بشكل شبه قاطع. تتلمذ على يد دومينيشينو دا بياسترا مؤسِّس إحدى مدارس الرقص الجديدة في إيطاليا. وكان الرقص يُعتبَر فناً رفيعاً للغاية في عصر النهضة، كما كان جزءاً مهماً من الحياة الاجتماعية للنبلاء والأرستقراطية الأوربية، والدليل على هذا ذلك الكمّ الكبير من الأبحاث والدراسات التي صدرت خلال هذه الفترة حول فن الرقص. وقد كتب جوليلمو بحثاً عن فن الرقص في عصر النهضة شرح فيه أهم قواعده الأساسية إلى جانب شرح مفصَّل لكثير من رقصات عصر النهضة الإيطالية. 


وقام بتدريس الرقص في قصور الأمراء والنبلاء الإيطاليين، كما قام بالإشراف على كثير من الاحتفالات الراقصة في المدن الإيطالية المختلفة، وأشرف عام 1475 على تنظيم الاحتفالات الضخمة بمناسبة زواج أحد نبـلاء بيسـارو وقام أيضاً بتصميم رقصات خاصة لهذه المناسبة. وصمم جوليلمو كثيراً من الرقصات وأعمال الباليه التي كانت تُعَدُّ متطورة للغاية بالنسبة إلى عصره. ويبدو أن جوليلمو اعتنق المسيحية فيما بعد واتخذ اسم جيوفاني أمبروجيو. ولكنه، سواء اعتنق المسيحية أم لا، فقد ظل في وظيفته كأستاذ رقص لا يعبِّر عن أية هوية يهودية بقدر ما يعبِّر عن انتمائه إلى جماعة وظيفية يضطلع أعضاؤها بوظائف هامشية أو متميِّزة أو رائدة مثل الربا أو البغاء، وهي في حالة جوليلمو «الرقص».


الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية  2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الخامس: الموسيقى والرقص والجماعات اليهودية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب السادس: الرأسمالية والجماعات اليهودية
» الباب التاسع: الاشتراكية والجماعات اليهودية
» الباب الثالث: الفنون التشكيلية والجماعات اليهودية
» الباب الخامس: اليهودية الإصلاحية
» الباب الخامس: الاستنارة اليهودية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـثـقــافـــــــــة والإعـــــــــلام :: مـوسـوعة الـيـهـــود-
انتقل الى: