اتحــــاد الأبرشـــيات العــبرية الأمريكيــة
Union of American Hebrew Congregations
أسسه إسحق ماير وايز في مدينة سنسناتي بولاية أوهايو الأمريكية عام 1873، وهو هيئة يهودية إصلاحية. وقد كان هذا الاتحاد يضم عند تأسيسه 28 معبداً يهودياً. وفي عام 1967، كان يضم 650 فرعاً، بعضوية تزيد على المليون عضو، ووصل عددهم في 1980 إلى نحو 730 فرعاً. وقد انتقل المقر الرئيسي إلى نيويورك عام 1951. وتم تأسيس كلية الاتحاد اليهودي عام 1875 تحت إشراف الاتحاد.
والأقسام الأساسية للاتحاد، والتي تم تنظيمها بالاشتراك مع المؤتمر المركزي للحاخامات الأمريكيين، هي: قسم التربية، وقسم الوسائل السمعية والبصرية، وقسم إدارة المعابد اليهودية، وقسم الأبرشيات الجديدة، وقسم الإعلان، وقسم خدمات المعابد، وقسم العلاقات مع الأديان الأخرى. وقد قسم الاتحاد إلى 16 منطقة لكل منها مدير ومجلس إقليمي. ويدير الاتحاد المجلس التمثيلي الذي ينعقد على شكل مؤتمر كل سنتين، وهناك مجلس قومي للأوصياء. والاتحاد جزء من الاتحاد العالمي لليهودية التقدمية، ويُصدر الاتحاد منشورات من بينها مجلة اليهودية الأمريكية ومجلة المعلم اليهودي .
كليــة الاتحــاد العــبري ـ المعهــد اليهــودي للديــن
Hebrew Union College-Jewish Institute of Religion
معهد ديني يهودي أسسه إسحق ماير وايز عام 1875 في سنسناتي بولاية أوهايو الأمريكية لدعم اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة، ودفعها إلى الأمام. وقد أسس ستيفن وايز المعهد اليهودي للدين في نيويورك عام 1922 لتحقيق الأهداف نفسها. واتحدت المدرستان عام 1950 تحت اسم كلية الاتحاد العبري ـ المعهد اليهودي للدين. وكان من بين رؤسائها: ستيفن وايز، وإسحق وايز، وكولر كوفمان. ويتخرج في هذه المدرسة الموحدة نحو 30 حاخاماً في السنة بعد خمس سنوات دراسية.
وقد خرَّجت مدرسة سنسناتي ما يربو على ستمائة حاخام. وقد خرجت مدرسة نيويورك أكثر من مائتين وخمسين حاخاماً. وتغطي مدرسة سنسناتي مساحة تساوي 18 هكتاراً تقريباً، وتحتوي مكتبتها على 140.000 كتاب، و3.000 مخطوط، و3.000 مخطوط للموسيقى. وهي تنشر كتاباً سنوياً ودراسات في الببليوجرافيا وأخبار الكتب. وفي سنة 1947، أسست المدرسة الأرشيف اليهودي الأمريكي، الذي يهدف إلى تطوير دراسة تاريخ اليهود في الولايات المتحدة.
ويتبع المعهد كذلك متحف لبعض المقتنيات المهمة من وجهة النظر اليهودية. وتشمل المدرسة التي مقرها نيويورك مدرسة الاتحاد اليهودي للتربية لإعداد مديري المدارس والمدرسين للعمل بالتعليم الديني اليهودي، كما تضم مدرسة الاتحاد اليهودي للموسيقى الدينية التي تدرِّب المرتلين بعد أربع سنوات من الدراسة. وتضم مكتبتها ما يزيد على 50.000 كتاب. ولكلية الاتحاد اليهودي مركز فرعي في القدس.
الاتحـــاد العــالمي لليهوديــة التقدميــة
World Union for Progressive Judaism
منظمة أُسِّست في لندن عام 1926 للتنسيق بين مجموعات اليهود الإصلاحيين ولتأسيس مراكز جديدة لليهودية الإصلاحية. ويعقد الاتحاد مؤتمراً عالمياً لمناقشة موضوع بعينه. وقد أسس الاتحاد في سنة 1955 مركزاً عالمياً للدراسات الدينية والتدريب في باريس للحاخامات التقدميين الإصلاحيين. وتتبع الاتحاد مؤسسات في 18 بلداً، كما يتبعه نحو مليوني عضو. ولقد تم الاعتراف بالاتحاد كمنظمة استشارية غير حكومية في الأمم المتحدة واليونسكو.
ديفيــد فرايدلانـــدر (1750-1834) David Freidlander
زعيم يهودي إصلاحي، وُلد في ألمانيا حيث أسس مصنعاً للحرير. وهو أحد مؤسسي مدرسة برلين الحرة (عام 1778) التي أصبحت نموذجاً للمدارس العلمانية اليهودية. حارب فرايدلاندر ليحصل أعضاء الجماعات اليهودية على حقوقهم المدنية في بروسيا. وبعد موت صديقه الحميم مندلسون، تولى زعامة حركة التنوير اليهودية، وكان أول يهودي يُنتخَب لمجلس مدينة برلين عام 1809. وقد كان فرايدلاندر يهدف إلى اندماج اليهود بشكل كامل في الأمم التي يعيشون بين ظهرانيها، ولذلك فإنه كان يطالب اليهود بالتخلي عن التلمود وبعض الشعائر اليهودية التي تعـوق هذا الاندمـاج، كما طالبهم باتخاذ الألمانية، لا العبرية ولا اليديشية، لغة لهم.
بل إنه كان أحد المفكرين اليهود القلائل الذين نادوا بالتخلي عن عقيدة الماشيَّح التي تسببت في عزل اليهود عن العالم غير اليهودي. وكان فرايدلاندر يرى أن المسألة اليهودية في شرق أوربا لا يمكن حلها إلا عن طريق الإصلاحات التي تؤدي إلى الاندماج. كما أعرب فرايدلاندر في خطاب له عن استعداد عدد كبير من يهود برلين لأن يتقبلوا المسيحية إذا لم يُطلَب منهم الإيمان بعقائد تتنافى مع العقل (مثل عقيدة الابن).
إسرائيل جيكوبسون (1768-1828) Israel Jacobson
رائد اليهودية الإصلاحية. كان جيكوبسون رئيس المجلس اليهودي في مملكة وستفاليا النابليونية، كما كان من كبار المموِّلين. عمل من أجل إصلاح التعليم اليهودي وطقوس المعبد اليهودي. أسس في زيزن (في مقاطعة برونزويك) مدرسة جيكوبسون للطلبة اليهود والمسيحيين عام 1801. وفي عام 1810، هيأ بيته ليكون معبداً يهودياً إصلاحياً على غرار الكنائس البروتستانتية، فزوده بالأرغن. وكانت تُلقَى فيه العظات بالألمانية. وبنى أول معبد إصلاحي في هامبورج عام 1818، كما نشر كتاباً جديداً للصلوات.
ليــوبولد زونــز (1794-1886) Leopold Zunz
عالم ألماني. مؤسس علْم اليهودية، وأول من استخدم المناهج الأدبية والتاريخية الحديثة في دراسة الكتابات اليهودية. وكان زونز يؤمن بأن إصلاح اليهودية يجب أن يحتفظ بما يُسمَّى «الهوية اليهودية التاريخية الأساسية»، وهي هوية لا تتخذ شكلاً جامداً، وإنما هي قوة حيوية متطورة. وفي كتابه احاديث اليهود الدينية، حاول أن يبرهن على هذه النظرية، فبيَّن أن اليهودية تواءمت دائماً مع متطلبات الزمان والمكان، ولكن التغيير الذي كان يطرأ عليها لم يغيِّر جوهرها نفسه. والواقع أن موقفه لا يختلف في أساسياته عن موقف اليهودية المحافظة. وبالفعل، نجده يقف موقفاً وسطياً معتدلاً في المعركة الدائرة بين اليهودية الإصلاحية واليهودية الأرثوذكسية.
صــمويل هولدهايم (1806-1860) Samuel Holdheim
زعيم اليهودية الإصلاحية. تلقَّى تعليماً تقليدياً، وترأس منذ عام 1847 الجماعة الإصلاحية في برلين. ويُعَدُّ هولدهايم من أشد الإصلاحيين تطرفاً وثورية، فقد كان يؤمن إيماناً عميقاً بفكرة التقدم، ولذا فقد طالب بأن تتكيف اليهودية مع الأوضاع الجديدة في المجتمعات الغربية الحديثة بإدخال تغييرات أساسية تنادي بالاحتفال بيوم السبت في يوم الأحد، كما طالب بالسماح لبعض الفئات بالعمل فيه، وإلغاء اليوم الثاني من الأعياد، وعدم التمسك بالختان، وذلك على اعتبار أن الجوانب الشعائرية انتهت بسقوط الهيكل والكومنولث اليهودي. ولذا، ينبغي التخلي عن كل ما له علاقة بالهيكل أو بالدولة اليهودية القديمة.
سولومون فورمستشر (1808 - 1889) Solomon Formstecher
حاخام ومفكر ديني ألماني يهودي، وأحد قادة حركة اليهودية الإصلاحية. اشترك في المؤتمرات الحاخامية المختلفة التي تناولت قضية اليهودية في العصر الحديث، وكتب عدة دراسات عن فلسفة الدين، ويُعَدُّ مؤلفه ديانة الفكر (1841) أهم مؤلفاته التي يصف فيها اليهودية بأنها ليست ديانة طبيعية (أي متمركزة حول الطبيعة) وإنما ديانة فكر عالمية ترى أن الإله يتجاوز الطبيعة، وأنه الحقيقة المطلقة ومصدر القيم. ويقصد فورمستشر بالفكر التحقق التاريخي الواعي للمطلق.
وإذا كانت الديانة عموماً هي طموح الإنسان لأن يكون له عالمه الخاص من القيم، فإن ديانة الفكر هي طموحه لتجسيد المثال الأخلاقي المطلق. والأمة اليهودية هي التي تقوم بهذه العملية، فهي تجسيد للمطلق في التاريخ. فهي التي بدأت بالتوحيد. بل إنه يرى أن المسيحية والإسلام إن هما إلا أداتان للأمة اليهودية تستخدمهما للقضاء على ديانات الطبيعة الوثنية التي تؤمن بالخالق لا كمبدأ مطلق متجاوز للطبيعة وإنما كمبدأ طبيعيّ.
ويذهب فورمستشر إلى أن التوحيد في الإسلام والمسيحية ليس كاملاً كما هو الحال مع اليهودية، وإنما هو توحيد مختلط تمتزج فيه العناصر الوثنية بالعناصر التوحيدية، وبذا تظل الأمة اليهودية التعبير الوحيد الصافي عن المطلق.
والمصطلح الذي يستخدمه فورمستشر هو الخطاب الألماني الرومانتيكي. وقد وظِّف للتعبير عن بعض الموضوعات الأساسية في التراث القبَّالي الحلولي الذي جعل الأمة اليهودية جزءاً من الإله يوجد في العالم ويتركز فيه الغرض الإلهي. ولذا، فإن حديث فورمستشر عن التوحيد يتنافى تماماً، لا مع التراث الديني اليهودي الذي تسري فيه الحلولية، وإنما مع خطابه الحلولي المتطرف نفسه.
ديفيــد آينهورن (1809-1879) David Einhorn
حاخام يهودي إصلاحي من أصل ألماني. عُرف بآرائه الثورية، فطـالب بإدخـال اللغة الألمانية في الصلاة، وأنكر أية سلطة مقدَّسة للتلمود. هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1855، وهو العام الذي عقد فيه إسحق وايز مؤتمر الحاخامات في كليفلاند، والذي اتخذ قرارات إصلاحية معتدلة تهدف إلى خلق نوع من الوحدة بين الاتجاهات الإصلاحية المختلفة. وقد اعتبر أينهورن هذا خيانة للاتجاه الإصلاحي، فهاجم قرارات المؤتمر، وبذا بدأت العداوة المريرة بينه وبين وايز. وقد شرح أينهورن أفكاره في مجلته التي كانت تَصدُر بالألمانية (1856 ـ 1862)، وفي كتاب الصلوات الذي ألفه (وكان يُعَدُّ كتاباً جديداً تماماً لا علاقة له بكتب الصلوات المعروفة).
هاجم أينهورن مؤسسة العبودية في الولايات المتحدة ودعاة الحفاظ عليها، فاضطر إلى الفرار عام 1861 من بلتيمور، ومنها إلى نيويورك حيث أصبح حاخام معبد بيت إيل الشهير. وقد كان له تأثير واضح على مقررات مؤتمر فيلادلفيا الحاخامي عام 1869، كما أن أفكاره تركت أثراً عميقاً في اليهودية الإصلاحية من خلال زوج ابنته كاوفمان كولر، واضع مقررات مؤتمر بتسبرج. كما أن كتاب الصلوات الذي وضعه ترك أثراً واضحاً في كتاب الصلوات الذي تبنته الحركة الإصلاحية في الولايات المتحدة.
أبراهـام جايجــر (1810-1874) Abraham Geiger
عالم يهودي ألماني، تَزعَّم الحركة اليهودية الإصلاحية في ألمانيا. حاول أن يدخل على اليهودية مفاهيم معاصرة أقل قَبَلية وأكثر عالمية من المفاهيم السائدة في عصره، ودعا إلى عقد أول مؤتمر للحاخامات الإصلاحيين عام 1837، وأسس في برلين مدرسة لدراسة علم اليهودية، واستمر في التدريس فيها حتى وفاته.
وقد ذهب جايجر إلى أن اليهودية دين له رسالة عالمية شاملة وليست مقصورة على شعب من الشعوب. ولذلك، فقد ركز هجومه على فكرة الختان، وقوانين الطعام، وعلى عقيدة الشعب المختار، وعلى تصوُّر أن اليهود يكوِّنون شعباً عالمياً، وعلى استخدام العبرية في المعبد اليهودي. كما هاجم كل المفاهيم ذات النزعة الدينية الخصوصية. ومع هذا، كان جايجر يحاول قدر استطاعته، على عكس هولدهايم، أن تكون التغييرات إصلاحية وليست ثورية، وأن تكون لها سوابق تاريخية، وأن تكون ذات جذور في التراث (ومن هنا كان اهتمامه بالدراسة التاريخية النقدية اليهودية).
وتظهر روحه الإصلاحية في كتاب الصلوات الذي نشره عام 1854 حيث اختفت كل الإشارات إلى العودة لأرض الميعاد وفكرة الاختيار. ومن أهم أعماله، بعض الدراسات التاريخية الخاصة بتطوراليهودية والعهد القديم وترجماته، كما كتب دراسة في أعمال موسى بن ميمون ويهودا اللاوي.
إســحق مايــر وايـز (1819-1900) Isaac Mayer Wise
زعيم اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة، وأهم مؤسسيها. وُلد في بوهيميا بتشيكوسلوفاكيا، وتأثر بأفكار حركة الاستنارة الفرنسية. هاجر إلى الولايات المتحدة عام 1846، وعند وصوله أصبح حاخاماً في مدينة أولباني في ولاية نيويورك حيث أدخل كثيراً من الإصـلاحات على الصـلاة اليهـودية، مثل السـماح بالاختلاط بين الجنسين، كما أدخل أغاني الجوقة. ثم قبل وايز منصب حاخام في سنسناتي في ولاية أوهايو الأمريكية عام 1854 وبقي فيها بقية حياته. وبعد وصوله مباشرة، بدأ في نشر مجلة الإسرائيلي التي عُرفت فيما بعد باسم الإسرائيلي الأمريكي، وكانت تُصدر ملحقاً بالألمانية.
وفي عام 1855، نجح في عقد مؤتمر لزعماء اليهودية الأمريكية، ومن بينهـم الأرثوذكـس، بهدف إقامة سـلطة دينية، أو مجلـس ديني موحَّد. ولكن المحاولة فشلت لأن الأرثوذكس لم يثقوا في نواياه، أما الإصلاحيون فهاجموه بسبب عدم وضوحه. وقد حاول وايز مرة أخرى أن يحتفظ بالوحدة في صفوف يهود أمريكا فنشر عام 1856 كتاب صلاة بعنوان منهاج أمريكي، ولكنه رُفض أيضاً من الطرفين. وأثناء الحرب الأهلية، أخذ وايز موقفاً ممالئاً لدعاة الحفاظ على مؤسسة العبودية. وقد ساهم في إقامة مؤسسات اليهودية الإصلاحية، وخصوصاً كلية الاتحاد العبري (1875) التي عُيِّن رئيساً لها حتى وفاته.
ومع هذا، يبدو أن جذور اليهودية الإصلاحية في أمريكا تعود إلى عدوه أينهورن، فمقررات مؤتمر بتسبرج كانت من صُنع كاوفمان كولر زوج ابنة أينهورن، كما أن كتاب الصلوات الإصلاحي يستند إلى كتاب الصلوات الذي وضعه أينهورن لا إلى كتاب وايز.
صمويل هيرش (1815-1889) Samuel Hirsch
حاخام ومؤلف ألماني يهودي، وأحد أعلام حركة اليهودية الإصلاحية. تَلقَّى تعليمه في ألمانيا حيث عمل فيها حاخاماً عام 1841، ولكنه اضطر إلى الاسـتقالة بعد عامين بســبب أفكاره الإصلاحية المتطرفة. وقد عينه ملك هولندا حاخاماً أكبر لدوقية لوكسمبورج، فاستمر في عمله لمدة عشرين عاماً (وقد انتهز هيرش هذه الفرصة وكتب عدة دراسات علمية واشترك في عديد من المؤتمرات الحاخامية حيث دافع عن الإصلاح الديني).
وفي عام 1886، انتقل هيرش إلى الولايات المتحدة ليعمل حاخاماً لأبرشية اليهود الإصلاحيين في فلادلفيا وترأس المؤتمر الحاخامي الذي عُقد في هذه المدينة عام 1869، والذي وضع مبادئ اليهودية الإصلاحية. كما أسس أول فرع لجماعة الأليانس في الولايات المتحدة. وكتابه فلسفة دين اليهود (حسبما جاء في الموسوعة النقدية للفلسفة اليهودية) يظهر فيه بشكل ظاهر منهج هيجل وغايته من التفلسف حيث يقول إن قوام فلسفة الدين تحويل الوعي الديني إلى حقيقة فلسفية. لكن هيرش يختلف مع هيجل في تقديمه للحقيقة الدينية حيث يجعلها صنواً للحقيقة الفلسفية.
ويرى هـيرش أن الإنسـان لا يعي نفسـه كذات إلا عندما يعي حريته، وتظل هذه الحرية تصوراً لا يتحقق إلا في حالة الإيمان بالإله من خلال ديانة منزلة. فإذا عَقَد لواء السيادة لطبيعته وحواسه على تفكيره وقلبه، فإنه يفقد حريته ويجعلها لاحقة وخاضعة لطبيعته. وهذا ما حدث في الديانات الوثنية التي جعلت الطبيعة المطلقة مبدأ، بعكس الديانات المنزلة التي أضفت كرامة على الإنسان وجعلته مسئولاً ومن ثم حراً، وليس الإله فيها إلا واهب ومريد هذه الحرية، فهو يريد للإنسان أن يكون حراً لأنه يريده أن يكون مسئولاً. وكلما نزَّهت الديانة الإله، جعلت صورته أكثر كمالاً باعتباره واهب هذه الحرية وباعتباره مريداً لها.
ولذلك، كانت المسيحية، حسب رأي هيرش، ديانة متوسطة بين اليهودية والوثنية لأن المسيحية والوثنية لا تجعلان الإله مبدأ للحرية (وإن كانت المسيحية تقول ذلك بدرجة أقل من الوثنية). وقد كانت المسيحية في بداية ظهور المسيح نسخة من اليهودية، أو كانت اليهودية نفسها. ولكن تعاليم بولس الرسول، وما أدخله من أفكار غريبة على هذه الديانة، هي التي باعدت بين الديانتين، ومن ثم فلو استُبعد ما أقحمه بولس الرسول على المسيحية لعادت المسيحية ديانة توحيدية ورافداً من روافد اليهودية.
وليس أَدلُّ على صدق اليهودية من استمرار شعبها في الوجود حتى الآن، فاستمرار هذا الشعب معجزة إلهية. وقد كان الإله يُظهر نفسه لشعبه من خلال أنبيائه ومعجزاته بهم ولهم، وهو الآن يُظهر نفسه من خلال معجزة واحدة هي مشيئته التي تحققت بأن جعل الشعب اليهودي يستمر رغم كل شيء. ورغم أن هيرش أحد دعاة الإصلاح الديني والاندماج، إلا أن مقولاته التحليلية الأساسية (تفوُّق النسق الديني اليهودي - استمرار الشعب اليهودي كمعجزة إلهية) مقولات صهيونية تماماً بل إنها مقولات حلولية أبعد ما تكون عن التوحيد. ولعل هذه المقولات الكامنة هي التي تفسر صهينة اليهودية الإصلاحية نفسها فيما بعد حتى أصبح لها ممثلون في الحركة الصهيونية وإسرائيل.
كوفمــــان كولـــر (1843-1926) Kaufmann Kohler
أحد زعماء اليهودية الإصلاحية. وُلد وتلقَّى دراسته في ألمانيا، ثم استقر في الولايات المتحدة عام 1869. وعمل حاخاماً للجماعة الإصلاحية في شيكاغو ونيويورك إلى أن عُيِّن رئيساً لكلية الاتحاد العبري عام 1903، وظل في هذا المنصب ثمانية عشر عاماً. وكان كولر الشخصية الأساسية في مؤتمر بتسبرج الإصلاحي حيث تم تَبنِّي قراراته الإصلاحية الشهيرة.
كان كولر كاتباً كثير الإنتاج في حقلي الفلسفة واللاهوت، وكان معارضاً قوياً للصهيونية. وقد أسهم في تطور اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة، وكان يُعَد العالم الإصلاحي الأساسي. اشترك في تحرير الترجمة اليهودية الأمريكية للعهد القديم، وفي الموسوعة اليهودية (القديمة التي صدرت في أوائل هذا القرن). وله دراسة منهجية تاريخية للاهوت اليهودي تُعَدُّ من أهم أعماله.
كـــلود مونتفيــوري (1858-19389) Claude Montefiore
عالم دين يهـودي وحفيد السـير مونتفيوري وإسـحق ليون جولد سميد. تلقى تعليمه في أكسفورد (حيث تأثر بتعاليم المفكر الليبرالي المسيحي بنيامين جوديت)، ثم في مدرسة علْم اليهودية في برلين، حتى يصبح حاخاماً إصلاحياً. إلا أنه وجد نفسه غير متعاطف مع اليهودية الإصلاحية، فلم يتقبل المنصب وتعرَّف إلى إسرائيل إبرامز وسولومون شختر وأسس مع الأول جويش كوارترلي ريفيو عام 1888 وقد ألقى مجموعة محاضرات عن عقيدة العبرانيين القدامي، ونُشرت هذه المحاضرات في العام نفسه تحت عنوان محاضرات عن أصل الدين وتطوره كما تتبدَّى في عقيدة إسرائيل القديمة.
ويُعتبَر مونتفيوري مؤسس اليهودية الليبرالية (وهي الصياغة المتطرفة لليهودية الإصلاحية)، وأسَّس مع ليلي مونتاجو الاتحاد الديني اليهودي (1902) الذي تطوَّر ليصبح الاتحاد الليبرالي اليهودي. وكان مونتفيوري رئيس المعبد اليهودي الليبرالي في لندن (1911)، وانتُخب رئيساً للاتحاد الدولي لليهودية التقدمية (1926). وظل في هذا المنصب حتى وفاته. كما أسَّس مونتفيوري مع العَالم الكاثوليكي البارون فون هيوجل جماعة لندن لدراسة الدين، وهي جماعة من العلماء كانوا يجتمعون بشكل دوري لمناقشة أبحاثهم في الدين.
وقد توجَّه مونتفيوري للقضايا التي يثيرها نقد العهد القديم، فذهب إلى أن الدراسات الحديثة أثبتت بما لا يقبل الشك أن أسفار موسى الخمسة لا تعود إلى أيام موسى أي أنها ليست موحى بها، ولكن هذا لا يعني التخلي عن الشريعة وعن فكرة القانون لأن الإنسان يكتشف القانون داخله، والوحي يكشف له ما بداخله، أي أن الفرد يصبح المرجعية والمنطلق. وبالفعل نجد أن اليهودية الليبرالية تحاول تكييف العقيدة اليهودية وتطويعها لتناسب احتياجات اليهودي النفسية والأخلاقية.
ولذا حاول مونتفيوري أن يطوِّر اليهودية حتى تظـهر "يهودية جديدة تتخلـص من عقـائد الماضي، ومع هذا تتمسك بالأخلاق النبيلة". وكان مونتفيوري يرى أن اليهودية الليبرالية تهدف إلى الوصول إلى العالمية وإلى أن تقلل من أهمية العناصر العرْقية والقومية في اليهودية. ويَصدُر مونتفيوري عن إيمان بالإله الواحد، ويرى أن المفهوم اليهودي للإله وعلاقته بالإنسان وعلاقة الدين بالأخلاق قريب للغاية من المفهوم المسيحي، قريب ولكنه ليس مترادفاً معه.
ويتحدد تميُّز اليهودية في أن الإله كامن في الطبيعة والتاريخ ومنزه عنهما في آن واحد. ومع هذا كان مونتفيوري يميل كثيراً إلى العقيدة المسيحية. وكانت دراساته في مجملها تهدف إلى تعميق فهم المسيحيين للتراث اليهودي وتعميق فهم اليهود لتعاليم المسيح. بل يبدو أنه كان يتطلع إلى اليوم الذي تظهر فيه عقيدة جديدة تضم الجوانب الإيجابية في كل من المسيحية واليهودية والديانات الأخرى. بل إن مونتفيوري كان يرى أن ثمة جوانب إيجابية في الأخلاقيات المسيحية غير موجودة في الأخلاقيات اليهودية وأن ثمة عنصراً صوفياً يوجد في الأناجيل لا يوجد في العهد القديم.
وقد كان المسيح معلماً عظيماً ولكنه لم يكن مقدَّساً. ولذا، عارض مونتفيوري أية محاولة لوضع العهد الجديد على قدم المساواة مع العهد القديم أو قراءة أجزاء من العهد الجديد في الصلوات اليهودية. وقد هاجمه آحاد هعام بعنف بسبب أفكاره هذه، لأن الأخلاقيات اليهودية التي تَصدُر عن العدل (في رأي آحاد هعام) تتناقض تماماً مع الأخلاقيات المسيحية المبنية على المحبة، ومن المستحيل أن يعتنق الشخص الواحد الرأيين ويؤمن بالنسقين.
أما فيما يتصل بموقفه من الصهيونية، فإن كلود مونتفيوري يذهب إلى أن اليهودية هي أساساً انتماء ديني وليست انتماءً قومياً سياسياً. فالدين، في تصوَّره، أمر في غاية الخطورة والأهمية، حيث إنه يملأ حياة المشتغلين به فلا يترك لهم أي وقت للاشتغال بأي شيء آخر، سياسياً كان أو قومياً، وبذا أصبح اليهود "مملكة من الكهنة".
وهذا الاصطلاح الأخير له معنى روحي ديني وحسب، فلو لم يكن الأمر كذلك لأصبح الاصطلاح متناقضاً لأقصى حد. وعلاوة على هذا، يرى مونتفيوري أن رؤية اليهودية العالمية الشاملة جعلت من الصعب عليها أن تظل عقيدة قومية يحتكرها عنصرٌ أو جنسٌ لنفسه، ولذا فقدت الأمة التي تؤمن بها هويتها كأمة (بالمعنى السياسي) وتحولت إلى جماعة دينية.
وقد دعَّم هذا الاتجاه إيمان اليهود بأن الإله واحد وأنه رب للعالمين لا يتحيز لشعب على حساب الآخر. لكل هذا، عارض مونتفيوري بشدة كلاًّ من الصهيونية ووعد بلفور. ولمونتفيوري مؤلفات عدة من أهمها الخطوط الأساسية لليهودية الليبرالية (1920)، و العهد القديم وما بعده (1923)، ومختارات حاخامية (1938).
إيـوجـــين بورويتـز (1924- ) Eugene Borowitz
حاخام ومفكر ديني إصلاحي. وُلد في نيويورك، وكان ابناً لموظف في أحـد مصانع الملابـس. درس في جامعـة أوهـايو وكلية الاتحاد العبري، وحصل على الدكتوراه في التربية من جامعة كولومبيا.
عمل بورويتز حاخاماً في عدد من المدن الأمريكية من بينها نيويورك، كما عمل حاخاماً في البحرية الأمريكية. من أهم مؤلفاته لاهوت يهودي جديد يُولَد (1968) حيث يلخص المواقف اللاهوتية اليهودية الأساسية في العصر الحديث. أما كتابه القناع الذي يلبسه اليهود (1973)، فهو يتناول ما يتصور بورويتز أنه الأقنعة التي يرتديها يهود أمريكا. ويتناول الكتاب قضايا، مثل: الاندماج، وكُره اليهودي لنفسه، ومفهوم الشعب اليهودي، وعلاقة يهود الولايات المتحدة بالتقاليد الدينية اليهودية. ويتكون كتابه اليهودية الإصلاحية اليوم (1978) من ثلاثة أجزاء، وهو يتناول الأفكار والممارسات الأساسية لليهودية الإصلاحية، ويؤيد بورويتز في هذا الكتاب الاتجاه المتصاعد في صفوف اليهودية الإصلاحية نحو تَبنِّي الصهيونية والعودة إلى ممارسة بعض الشعائر اليهودية باعتبارها سبيلاً لتقوية الهوية. ويقوم بورويتز بتحرير مجلة شماع التي تعبِّر عن أفكار اليهودية الإصلاحية.
وينزع بورويتز نزوعاً حلولياً متطرفاً (داخل إطار الحلولية بدون إله). فهو يرى أن ثمة توحداً ما بين الإله والدولة الصهيونية. ومن هنا، فقد صرح بأن حرب عام 1967 كانت حرباً لا تتهدد الدولة الصهيونية وحسب وإنما كانت تتهدد الإله نفسه.
ألكســـندر شــندلـــر (1925- ) Alexander Schindler
زعيم اليهودية الإصلاحية في الولايات المتحدة. وُلد في ميونخ، وهاجر من ألمانيا عام 1932 إلى الولايات المتحدة. خدم مع القوات الأمريكية في أوربا أثناء الحرب العالمية الثانية، واستمر في دراسته الجامعية بعدها، ثم درس في كلية الاتحاد العبري ورُسِّم حاخاماً عام 1953. وقد عُيِّن حاخاماً لمعبد إيمانويل في نيويورك، وشغل عدة مناصب قيادية في المؤسسات اليهودية والصهيونية. ويحاول شندلر أن يسترجع لليهودية الإصلاحية بعض الشعائر، وشيئاً من الحس الديني الذي استبعده مؤسسو الحركة بتأثير الفلسفة العقلانية.
اُنتخب شندلر رئيساً لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى عام 1976. وهو بهذا، يُعتبَر أول يهودي إصلاحي يشغل هذا المنصب. وقد بقي شندلر في هذا المنصب حتى عام 1978. وإبان فترة رئاسته، تعاون مع بيجين وقدم له المشورة أثناء مباحثات كامب ديفيد. وموقف شندلر هو موقف الصهاينة الذين يؤيدون إسرائيل التوطينيين، ويضغطون من أجلها، ولا يهاجرون إليها قط. وهو موقف يتسم أيضاً بالتأييد الكامل للدولة الصهيونية، ورفض النقد العلني لها.
ومع هذا، فإن الصهاينة التوطينيين يتوقعون من إسرائيل باستمرار أن تسلُك سلوكاً لا يسبب لهم حرجاً في أوطانهم. ولذا، فحينما اتضح دور إسرائيل في مذابح صابرا وشاتيلا، حاول شندلر أن يعبِّر عن القلق المتزايد بين يهود أمريكا بسبب سلوكها. ولكن بيجين أخبره بأن اليهودي الحق يؤيد إسرائيل دون أي تردُّد أو تساؤل، فيتخذ منها موقف المؤمن.
ولعل هذا ما جعل شندلر يصرح بأن اليهود الأمريكيين « أصبحوا، إلى حدٍّ كبير، جماعة تسيطر عليها قضية واحدة هي إسرائيل، والدولة أصبحت معبدهم، ورئيس وزرائها حاخامهم، وأصبحت القضايا الداخلية والدولية تقاس بمقياس مدى نفعها أو ضررها لإسرائيل ». وقد انضم شندلر إلى حلقة دراسية تضم الحاخام جرشون كوهين (زعيم اليهودية المحافظة) وترى أن يهود أمريكا ككل يمكنهم الاحتفاظ باهتمامهم بإسرائيل، وأن يصوغوا في الوقت نفسه مصيرهم المستقل دون أن يتقبلوا بالضرورة مفهوم مركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا (الجماعات اليهودية خارج إسرائيل). وبعد الانتفاضة، تَشجَّع شندلر وعبَّر عن حرج يهود الولايات المتحدة الشديد إزاء سلوك إسرائيل، وطالبها بالتفاهم مع الفلسطينيين.
اليهودية الإصلاحية والصهيونية Reform Judaism and Zionism
كان من المنطقي أن تعادي اليهودية الإصلاحية (بنزعتها الاندماجية) الحركة الصهيونية (في نزعتها القومية المشيحانية، وفي تمجيدها للجيتو والتلمود، وفي حفاظها على النطاق الضيق للحلولية اليهودية التقليدية). وقد عَقَد الإصلاحيون عدداً من المؤتمرات للتعبير عن رفضهم للصهيونية. كما أنهم رفضوا وعد بلفور وكل المحاولات السياسية التي تنطلق من فكرة الشعب اليهودي أو التي كانت تخاطب اليهود كما لو كانوا كتلة بشرية متجانسة لها مصالح مستقلة عن مصلحة الوطن الذي ينتمون إليه.
وقد ظلت هذه العداوة قائمة زمناً طويلاً في الولايات المتحدة. ولكن اليهود في الغرب جزء لا يتجزأ من المصالح الاقتصادية والسياسية لبلادهم، ومن محيطها التاريخي والحضاري، وهذه البلاد في مجموعها تشجع المشروع الصهيوني. ولذا، لم يكن من الممكن أن تستمر الفكرة أو العقيدة الإصلاحية في مقاومة الواقع الإمبريالي الغربي الممالئ للصهيونية. وعلى كلٍّ، فإن اليهودية الإصلاحية جعلت روح العصر النقطة المرجعية والركيزة النهائية، والإمبريالية جزء أساسي من روح العصر في الغرب.
ولكل هذا، نجد أن اليهودية الإصلاحية تخلت بالتدريج عن رؤيتها الليبرالية، وأخذت في تعديل رؤيتها بشكل يتواءم مع الرؤية الصهيونية. وبالفعل، بدأ الإصلاحيون في العودة إلى فكرة القومية اليهودية الصهيونية، وإلى فكرة الأرض المقدَّسة، فجاء في قرار مؤتمر كولومبوس عام 1937 أن فلسطين « أرض مقدَّسة بذكرياتنا وآمالنا » إلا أن مصدر قداستها ليس العهد بين الشعب والإله، وإنما الشعب اليهودي نفسه (وفي هذا اقتراب كبير من اليهودية المحافظة).
وقد حاول الإصلاحيون تبرير هذا التحول بالعودة إلى التراث اليهودي فبيَّنوا أن الأنبياء كانوا يؤيدون الاتجاه القومي الديني دون أن يتخلوا عن الدفاع عن الأخلاقيات الإنسانية العالمية، ودون أن يجدوا أيَّ تناقض بين الموقفين، أي أن الإصلاحيين تقبَّلوا الموقفين: الانعزالي والعالمي دون تساؤل، وهم في هذا يقتربون من الصهيونية الثقافية، ومن صهيونية الجماعات اليهودية (أي الصهيونية التوطينية) في استخدامها مقياسين مختلفين: أحدهما يجعل اليهودية قومية بالنسبة للمستوطنين الصهاينة والإسرائيليين، والآخر يجعلها ديناً وتراثاً روحياً بالنسبة للمنفيين الذين لا يريدون مغادرة المنفى بسبب سعادتهم البالغة به!
وقد تزايد النفوذ الصهيوني داخل معسكر اليهودية الإصلاحية إلى درجة أن الاتحاد العالمي لليهودية التقدمية (أي الإصلاحية) عقد مؤتمره السنوي الخامس عشر في مدينة القدس للمرة الأولى عام 1968، وذلك عقب عدوان 1967 وفي غمرة الحماس القومي الذي اكتسح يهود العالم نتيجة للانتصار الإسرائيلي. وقد تزايدت أيضاً العناصر القومية في الشعائر الإصلاحية (حيث تُتلى الآن بعض الصلوات بالعبرية)، كما أن الإصلاحيين ينفخون في البوق (شوفار) في المعبد في عيد رأس السنة وأدخلوا بعض العناصر التراثية على الصلوات الأخرى. وبدأت اليهودية الإصلاحية، ابتداءً من منتصف السبعينيات، تساهم بشكل واضح في الحركة الصهيونية، حيث أصبحت ممثلةً فيها من خلال جمعية أراز (جمعية الصهاينة الإصلاحيين في أمريكا).
وقد انضم الاتحاد العالمي لليهودية التقدمية إلى المنظمة الصهيونية العالمية عام 1976. وانضمت أرتسينو (الرابطة الدولية للصهاينة الإصلاحيين) باعتبارها حزباً صهيونياً إلى المنظمة. فأصبح لليهودية الإصلاحية كيبوتسات ومؤسسات تربوية في إسرائيل وتنظيمات لجمع الأموال لها. وفي عام 1976، عُقد آخر المؤتمرات الإصلاحية التي أعادت صياغة العقيدة اليهودية في سان فرانسيسكو، ويُلاحَظ في قراراته أنها تحثُّ على استمرار الاتجاه نحو تعميق البُعد القومي. فالحقيقة الأساسية في حياة اليهود، حسب قرارات المؤتمر، هي الإبادة النازية، الأمر الذي يدل على الاتجاه نحو تَقبُّل لاهوت موت الإله ولاهوت ما بعد أوشفيتس. وقد بدأت اليهودية الإصلاحية تتجه نحو محاولة الالتزام ببعض الشعائر اليهودية بقدر الإمكان.
ومع هذا أُعيد تعريف اليهودي بحيث يصبح "من وُلد لأب يهودي أو أم يهودية"، وأُبيح الزواج المُختلَط شرط أن يكون الأبناء يهوداً. وقد أُدخلت كل هذه التعديلات بسبب الرغبة في البقاء (أي التزاماً بلاهوت البقاء). وقد صدر، في عام 1975، كتاب إصلاحي جديد للصلوات يُسمَّى بوابات الصلاة، وهو كتاب تتبدَّى فيه الاتجاهات الصهيونية السابقة وقد صدر ليحل محل الكتاب الذي صدر في عام 1941.
وفي عام 1988 أصدرت أرتسينو بياناً يحدد موقفها من الصهيونية فأكدت أهمية إسرائيل بالنسبة ليهود العالم ولكنها أكدت أيضاً التعددية في حياة اليهود، وهي تعددية لا تستبعد العلمانية، ولذا فهي تؤيد كلاً من الدياسبورا والهجرة الاستيطانية، وطالب البيان حكومة إسرائيل بأن تبتعد عـن القمع الدينـي والعنف السياسي، ودافـع عن حقوق العرب ودعا إلى حـل سلـمي للصــراع العــربي الإسـرائيلي، مبني على الضمانات والتنازلات المتبادلة.
وقد أُسِّست أولى الأبرشيات الإصلاحية في فلسطين عام 1936 في حيفا وتل أبيب والقدس. وفي عام 1939، أُسِّست مدرسة ليو بابك في حيفا، وهي أول مدرسة دينية غير أرثوذكسية في فلسطين (إسرائيل). ويُعَدُّ معبد ها إيل الذي أُسِّس عام 1958 أقدم المعابد الإصلاحية (التقدمية) في إسرائيل. وفي عام 1963أسست كلية الاتحاد العبري فرعاً لها في القدس. وقد تم توسيعها عام 1987، ثم أصبحت المقر الرئيسي للاتحاد العالمي لليهودية التقدمية، ويوجد قسم بالكلية لإعداد الإسرائيليين ليصبحوا حاخامات إصلاحيين، وقد تم ترسيم أول حاخام إصلاحي متخرج في المدرسة عام 1980، وبلغ عددهم 20 عام 1996.
وكل حاخامات إسرائيل الإصلاحيين (التقدميين) أعضاء في مجلس الحاخامات التقدميين. ولا يقبل حاخامات إسرائيل الإصلاحيون تعريف اليهودي الذي يقبله حاخامات الولايات المتحدة الإصلاحيون. ويوجد فرع لكلية الاتحاد العبرية في إسرائيل، وقد انتقل المقر الرئيسي للاتحاد العالمي لليهودية التقدمية إلى القدس عام 1972. وفي عام 1980، تم تأسيس حركة الشباب الدولية الإصلاحية الصهيونية في القدس وتتبعها عشرة فروع. وتتبع الفرع الإسرائيلي حركة الكشافة الإسرائيلية. ولا يزيد عدد اليهود الإصلاحيين في إسرائيل عن عشرين ألف. ولا تعترف المؤسسة الدينية الأرثوذكسية في إسرائيل باليهودية الإصلاحية، ولا بحاخاماتها، ولا بالزيجات التي يعقدونها، ولا بمراسم التهود التي يقومون بها، فهم يجعلونها سهلة يسيرة على عكس طقوس التهود الأرثوذكسية. وتثار هذه القضية من آونة إلى أخرى، حينما يطرح قانون العودة للنقاش، فهو القانون الذي يتضمن محاولة تعريف الهوية اليهودية إذ تحاول المؤسسة الأرثوذكسية أن تضيف تعديلاً يستبعد اليهود الذين تهودوا على يد الحاخامات الإصلاحيين.
ويدعو زعماء اليهودية الإصلاحية إلى أن تكون المساعدات التي تُخصَّص للمؤسسات الإصلاحية في إسرائيل متناسبة مع حجم تبرعات اليهود الإصلاحيين، إذ أن معظم التبرعات يدفعها يهود غير أرثوذكس، ومع هذا يصب معظمها في المؤسسات الأرثوذكسية. وقد بدأ بعض زعماء اليهودية الإصلاحية، مثل ألكسندر شندلر، في محاولة الاحتفاظ بمسافة بينهم وبين الدولة الصهيونية، وخصوصاً بعد حادثة بولارد وبعد الانتفاضة. وهم يؤكدون مركزية الدياسبورا (الجماعات اليهودية خارج فلسطين) مقابل مركزية إسرائيل، كما يحاولون تغليب الجانب الديني على الجانب القومي.