المبحث الثاني: العلاقات الخارجية للحزب
استطاعت إسرائيل أن تحشد الرأي العام الأمريكي والأوروبي ضد حزب الله، الذي لم يكلفها الكثير من الجهد كي تضعه الولايات المتحدة الأمريكية في لائحة (المنظمات الإرهابية)، ليس لما قام به من أعمال ضد إسرائيل وحدها، بل لما أشارت إليه أصابع الاتهام في عملية تفجير مقر قيادة القوات الأمريكية وفرقة المظليين الفرنسية في لبنان (في بيروت)، في شهر أكتوبر 1983، والتي أسفرت عن مقتل 300 جندي أمريكي وفرنسي.
كما سبق اتهامه أيضاً بالمسؤولية عن خطف الرهائن الغربيين أثناء حرب لبنان، عام 1982.
وبالرغم من ذلك كله، فإنها لم تستطع حرمانه أو تقييد حريته في إقامة علاقات طيبة مع عدد من الدول المحيطة به، في المحيط الإقليمي، وأيضا خارجه.
أولاً: العلاقات العربية للحزب:
حافظ الحزب على علاقات قوية مع عدد من الدول العربية، وإن اختلفت في تماسكها ومضمونها، وتمايزت بين التأييد المطلق والتأييد المحسوب، كالآتي:
1. العلاقات السورية:
تمتاز هذه العلاقة بالخصوصية الواضحة بين حزب الله والنظام السوري، الذي لم يتوقف عن تقديم الدعم السياسي والمادي لحركات المقاومة اللبنانية عامة، وحركة المقاومة الإسلامية (حزب الله) خاصة، ضد الاحتلال الإسرائيلي.
وقد زادت هذه الخصوصية بعد عقد اتفاق الطائف برعاية سعودية/ سورية، والذي نزع بموجبه سلاح جميع الفصائل اللبنانية المتصارعة، وحلت جميع الميلشيات العسكرية، مع الإبقاء على جميع الأسلحة التي في حوزة حزب الله، الذي لم يكن طرفاً في الحرب الأهلية، بل كان مجال عمله مركزاً في منطقة الحزام الأمني الذي أقامته إسرائيل في الجنوب اللبناني.
ولم ينفِ حزب الله تلقيه مساعدات مختلفة من سورية، بل أنه يهدى انتصاراته إليها بالدرجة الثانية (بعد لبنان)، لكونها الداعم الأول له.
وجدير بالذكر أنه باندلاع الصراع السوري، قام حزب الله بتقديم الدعم للحكومة السورية، في صورة تدريبات واستشارات ودعم لوجستي واسع.
كما قام الحزب أيضاً بتقديم المساعدة لحكومة الرئيس "بشار الأسد" في إبعاد الثوار من بعض المناطق السورية، وذلك بالتزامن مع الدور الكبير لقوات الحرس الثوري الإيراني في تدريب القوات السورية.
2. العلاقات السعودية:
يوجد اتصال دائم بين قيادة حزب الله والمملكة العربية السعودية، التي لم تتخل عن مسؤوليتها التاريخية في دعم ومساندة حركات المقاومة ضد المحتل الإسرائيلي.
وقد أبرز ذلك استقبال العاهل السعودي "الملك عبد الله بن عبد العزيز" لنائب الأمين العام لحزب الله "نعيم قاسم"، في نهاية عام 2006، وذلك مع بدء الأزمة اللبنانية بشأن الحكومة.
3. العلاقات القطرية:
قامت قطر، العضو في مجلس التعاون الخليجي، بوساطة ناجحة بين الأطراف اللبنانية، وكان لها دور فعال في إنهاء الأزمة الخطيرة التي تعلقت برئاسة الجمهورية، وتشكيل الحكومة اللبنانية، في منتصف عام 2008.
وتحتفظ دولة قطر، كما يحتفظ العرب، بعلاقات طيبة في مجال التعاون السياسي بينهما.
4. العلاقات السودانية:
كان لدور حزب الله في حشد التأييد الرسمي والشعبي للرئيس السوداني "عمر البشير"، في مواجهة الهجمة الشرسة لملاحقته دولياً، استناداً لنفوذه الكبير في الشارع العربي والإسلامي، الأمر الذي زاد من قوة الروابط بينهما، والتأييد المتبادل من كل منهما للآخر.
5. المغرب العربي:
في ليبيا فقد الحزب مؤيداً كبيراً له، بمقتل الرئيس الليبي السابق "معمر القذافي"، الذي سبق وأعلن تأييده للحزب في مقاومته لإسرائيل، وذلك في خطابه، في أبريل 2007، بمناسبة ذكرى الغارة الأمريكية على ليبيا، عام 1986.
وفى انتظار رؤية الثوار الذين لا يستبعد مواصلة تأييدهم للحزب في مواجهة المحتل الإسرائيلي.
6. حركات المقاومة الفلسطينية:
تلتقي جميعها مع حزب الله في هدف واحد، وهو التخلص من المحتل الإسرائيلي، ولها معه علاقات طيبة تتجاوز التأييد والتعاطف، لتصل في بعض الأحيان إلى الدعم اللوجستي.
ثانياً: علاقات الحزب بإيران:
أيا كانت الآراء والاختلافات حول العلاقة بين حزب الله وإيران، فإن أحداً لا ينكر ما قدمته إيران وتقدمه للحزب من دعم سياسي وعسكري ولوجستي بلا حدود.
والسؤال هو:
هل يمكن لطرف ما أن يقدم دعمًا لطرف آخر من دون وجود مصلحة واضحة له في مقابل هذا الدعم لدى ذلك الطرف؟
والإجابة بالطبع لا.
ولولا أن كل طرف منهما وجد ضالته أو حاجته لدى الطرف الآخر، لما نشأت هذه العلاقة، ولو نشأت لما دامت.
وسواء نشأت هذه العلاقة، بسبب ما قاله "نعيم قاسم" نائب الأمين العام للحزب: "نشأت العلاقة بين حزب الله وإيران بسعي الحزب للاستفادة من هذه التجربة الجديدة في المنطقة"، (يقصد قيام الخوميني بتأسيس دولة ولاية الفقيه في إيران)، ولتأمين النصير في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، أو لغير ذلك فقد تمت هذه العلاقة بسرعة وثقة، وتراكمت إيجابياتها من اللحظة الأولى...
وذلك لأسباب عدة منها:
1. إيمان كل من الحزب وإيران بنظرية ولاية الفقيه.
2. اختيار إيران لنظام الجمهورية الإسلامية في الحكم، وهو ما يلتقي مع مبادئ حزب الله.
3. الانسجام السياسي مع رفض إيران لهيمنة الاستكبار، والحرص على الاستقلال، ودعم حركات التحرر، وخاصة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
أحرز الحزب إعجاب إيران الدولة والشعب بتجربته الرائدة في المقاومة، وسواء كان إنشاء هذا الحزب بالاتفاق مع إيران أو كان ميلاده من رحم المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني، فان هذا لا يعني أن الحزب إيراني على أرض لبنانية، فهو كما قال "حسن نصر الله" أمين عام الحزب: "إن أمين عام الحزب لبناني، وكل كوادر الحزب لبنانية، ويدافع ويقدم شهداء في سبيل تحرير الأرض اللبنانية".
وسواء كان الدور الإيراني سابقاً أو لاحقاً لتأسيس الحزب، فإن الحزب لا يستطيع مواصلة دور المقاومة وما يلزمها من دور اجتماعي وعقدي وتكافلي، بدون الدعم الإيراني، على الأقل في المرحلة المنظورة.
أما كون الحزب من أوضاعه ومكانه يؤدى دوراً إستراتيجياً لإيران في المنطقة، يحقق لها مصلحة ما على المستوى المحلي والإقليمي، فهو استثمار طبيعي وضروري لكلا الطرفين.
ثانياً: علاقات أخرى:
بعد نجاح الثورة الإسلامية (الشيعية) في إيران، نشط أصحاب الفكر الشيعي في بعض دول الجزيرة العربية (البحرين ـ السعودية ـ الكويت ـ اليمن)، ووجدوا في إيران ضالتهم المنشودة في تقديم العون المادي والمعنوي، لتحقيق أهدافهم في التخلص من الأنظمة الحاكمة في بلدانهم وإقامة نظام إسلامي شيعي، أسوة بما حدث في إيران، التي لم تضع الوقت في ربط هذه الجماعات بها فكرياً ومادياً، والتصاعد في تقوية هذه الروابط للدرجة التي لا تنفي التبعية التامة لها، والتنسيق الكامل بينها وبين هذه الجماعات التي تحولت صراحةً إلى أحزاب بنفس المسمى (حزب الله) في هذه البلدان، أسوةً بحزب الله اللبناني، الذي ملأ صيته البلدان العربية والإسلامية، وخاصةً بعد النجاحات التي حققها على أرضه في مواجهة العدو الإسرائيلي، وكما تحرص إيران على تدريب الجماعات المسلحة والكوادر الحزبية لهذه الأحزاب على أرضها في إيران، فإنها تنسق أيضاً في الجنوب اللبناني للاستفادة بخبرات (حزب الله اللبناني).
نبذة عن الأحزاب الشيعية (حزب الله) في بعض بلدان الجزيرة العربية:
1. حزب الله البحريني:
بدأ تكوينه تحت اسم "الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين" ومقرها طهران.
وكانت الجبهة تصدر من إيران عِدة مجلات، مثل "الشعب الثائر"، و"الثورة الرسالة"، وغيرها.
وفي ديسمبر 1981، قامت بمحاولة الانقلاب على الحكم في البحرين وفشلت، وتم القبض على 73 متهماً من أعضائها.
وفي منتصف الثمانينيات، بالتنسيق مع المخابرات الإيرانية اتفقت الجبهة على إنشاء الجناح العسكري لها تحت اسم "حزب الله ـ البحرين".
وجندت ثلاثة آلاف شيعي بحريني لحزب الله البحريني، وتدريبهم في إيران ولبنان.
أخد الحزب في التخطيط والترتيب لإحداث الفتنة والثورات في البحرين، والسيطرة على بعض المناطق والمرافق المهمة، مثل أحداث عام 1994، وكان يسمى بأسماء مختلفة، مثل "منظمة العمل المباشر"، و"حركة أحرار البحرين"، و"منظمة الوطن السليب".
ثم انصهرت كلها في اسم "جمعية الوفاق الوطني الإسلامية"، التي تهتم بالعمل السياسي والإعلامي، وترك العمل العسكري التنظيمي بيد الجناح العسكري للحزب، والمسمى "حزب الله ـ البحرين".
و تشير بعض التقارير والمعلومات أن الحزب تلقى بعض الأسلحة التي هربها له "حزب الله ـ الكويتي"، من تلك التي خلفها جيش العراق في الكويت.
في الأحداث التي قام بها الحزب في البحرين، عام 1996، لمحاولة قلب نظام الحكم، صرح وزير شؤون مجلس الوزراء والإعلامي البحريني آنذاك، أن حزب الله في البحرين قد قام بمجموعة تدريبات في معسكرات الحرس الثوري في إيران، وبعدها تم نقل هذه المجموعات إلى معسكرات حزب الله في لبنان.
كما كشفت بعض التقارير الأمنية البحرينية عن تعهد "حسن نصر الله" بدعم القوة الشيعية في البحرين لمواصلة المشروع الذي يبغون تحقيقه.
2. حزب الله الحجاز:
بعد نجاح الثورة الخُمينية في إيران، أنشئ ما عٌرف بمنظمة الثورة الإسلامية لتحرير الجزيرة العربية، برعاية إيرانية، وكان مركز المنظمة في إيران، واستمرت فترة في دمشق، ثم استقرت أخيراً في لندن.
وفي عام 1990 – 1991، تم تغيير اسمها ليكون "الحركة الإصلاحية الشيعية في الجزيرة العربية".
أٌنشئت الحركة "اللجنة الدولية لحقوق الإنسان في الخليج والجزيرة العربية"، وارتبطت ارتباطاً كبيراً بالنظام الأمريكي.
وسُوِّي الأمر فيما بعد بين الحكومة السعودية والحركة، بالاتفاق على إغلاق جميع مكاتبها الخارجية، وقطع علاقتها بالمنظمات اليهودية والأجنبية.
ولكن الحركة كانت تفعل ذلك من باب التقية، ولم تلتزم عملياً بما اتفق عليه.
وفي عام 1987، أنشئ الجناح العسكري لمنظمة الثورة الإسلامية في الجزيرة العربية، وأُتفق على تسميته "حزب الله ـ الحجاز"، الذي تولى العمليات الإرهابية في السعودية بالتنسيق مع إيران.
وتُفيد المعلومات عن تلقي أفراد هذا الحزب تدريباتهم في إيران ولبنان، من أجل العمل على تنفيذ مخططاتهم ضد الأنظمة غير الشيعية.
3. حزب الله الكويتي:
نشأ حزب الله الكويتي في بداية الثمانينيات، بعد نشأة حزب الله اللبناني، واتخذ هذا الحزب أسماء ومنظمات وهمية، مثل "طلائع تغيير النظام للجمهورية الكويتية"، و"صوت الشعب الكويتي الحر"، و"منظمة الجهاد الإسلامي"، و"قوات المنظمة الثورية في الكويت"، وكلها ترجع للحزب المسمى "حزب الله ـ الكويتي".
تأسس هذا الحزب بمجموعة من شيعة الكويت كانت تدرس في مدينة قٌم بإيران، ويرتبط معظم أعضائها بـ"الحرس الثوري الجمهوري الإيراني"، حيث كانوا يتلقون تدريباتهم عن طريقه.
وفي إبريل 1988، قامت مجموعة بقيادة "عماد مغنية" القيادي البارز في جيش حزب الله اللبناني وقتها، باختطاف طائرة كويتية، وطالبت الحكومة الكويتية بالإفراج عن عدد من المسجونين في السجون الكويتية تابعين لمنظمة تدعى "الجهاد الإسلامي" قامت بعدة تفجيرات في عدد من الأهداف الحيوية الكويتية.
4. حزب الله اليمني:
نشأ تحت اسم "حزب الله"، ثم استُبعد هذا الاسم واستُبدل باسم "الشباب المؤمن".
كان على رأس هذا الحزب "حسين بدر الدين الحوثي"، وأبوه "بدر الدين الحوثي".
وتقوم إيران بدعم الحوثي مالياً وفكرياً وعسكرياً، نظير تصدير الثورة الخمينية لليمن.
وقد سبق للحوثي الذهاب إلى لبنان لزيارة حزب الله.
ويُظهر الحوثي ولاءه لـ"حزب الله اللبناني"، ووصل الأمر به إلى أنه يرفع أعلام "حزب الله اللبناني" على بعض المراكز التابعة له، ورفعها أيضاً في المظاهرات.