أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المبحث الثاني الأحد 14 يوليو 2024, 6:30 pm | |
| 13- تفصيل العقيدة لأحوال الآخرة لم تحظ الدار الآخرة –دار الجزاء– بتفصيل وإيضاح لمراحلها، ونوع الحياة فيها وطبيعتها، مثلما حظيت به في العقيدة الإسلامية، فالآيات القرآنية في هذا الصدد أكثر من أن تحصى، علاوة على ذلك فإن ذكر نعيم الآخرة يبعث على قلة الركون إلى الدنيا، فيجعلها مزرعة للآخرة، يؤدي فيها المرء حق الله تعالى خضوعًا وعبادةً، ويدعوه كذلك إلى التهاون بأحزانها ومصائبها، والصبر عليها، وعلى مضض الشهوات؛ احتسابًا وثقةً بما عند الله من حسن الجزاء والثواب، كما أنه يدعو للتأهب والاستعداد للحساب، ويدعو أيضًا لاجتناب الظلم بكل صوره، ويزيد من شوق المرء إلى الجنة وما فيها.
أ- حتمية البعث بعد الموت: قال تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: 7].
ب- الجمع بين الأولين والآخرين: قال تعالى: {هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ} [المرسلات: 38].
جـ- صنوف النعيم لأهل الجنة: قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف: 42-43]، وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} [محمد: 15].
وعلى النقيض لم تذكر الدار الآخرة في الكتب السابقة التي حُرفت إلا قليلًا(7).
ولأن الإنسان متعلق بما هو دائم وخالد والعقيدة متوافقة مع فطرته، نجدها تفصل له ما يتمنى حصوله له في الآخرة من خلود ونعيم...إلخ، بعدما أعلمته بحقيقة الدنيا وأنها زائلة وفانية(8).
14- القضاء والقدر في المعتقد الإسلامي أولت العقيدة الإسلامية قضية القضاء والقدر اهتمامًا بالغًا بما يضمن للإنسان عزته وكرامته، ويرفعه عن الاستكانة والخضوع والإحباط.
فقد عُد الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره من أصول الإيمان الستة، وجاءت الأدلة على الإيمان بالقدر من القرآن والسنة مفصلة ومبينة لحقيقة القضاء والقدر(9): قال تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49].
وقال عز من قائل: {فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ} [المرسلات: 23].
ومن السنة النبوية قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل»(10).
على أن بيان العقيدة الإسلامية لمسألة القضاء والقدر يوافق مقتضى الفطرة الإنسانية التي رأت منذ عصر الجاهلية وما قبله أن شيئًا في الكون لا يقع إلا بمراد الله تعالى، ومن ثم احتج المشركون على شركهم بالقدر (خطًا)، فقالوا: { لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} [النحل: 35].
ويوافق العقل السليم الذي يدل صاحبه على أن الله تعالى هو خالق الكون، ومدبره، ولا يمكن أن يكون الكون على هذا النظام البديع من التآلف والتناسق إلا بتدبير مدبر -تعالى-، فإذا تقرر هذا لدى العاقل علم أن ليس من الممكن أن يقع في ملك الله إلا ما يريده، وما يقدره، يدلنا على هذا قوله جل شأنه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق: 12].
ولذا جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: «القدر نظام التوحيد، فمَنْ وَحَّدَ الله وكَذَّبَ بالقدر فقد نقض تكذيبه توحيده»(11).
ومتى صَحَّ فهم المسلم لعقيدة القضاء اطمأن قلبه لكل ما يجري في الكون مما لا كسب له فيه، ورضي بمُراد اللهِ مهما كان ذلك الأمر مُحزنًا أو سارًا.
وفيما يأتي نذكر بعضًا من محاسن العقيدة في هذا الجانب: الصبر والثبات عند الشدائد والملمات: فإنه متى آمن المسلم بأن كل شيء بقدر الله، وأنه لن تصيبه مصيبة إلا بإذن الله ومشيئته ولحكمة أرادها، حين يعلم ذلك يثبت قلبه ولا يجزع ولا يضطرب، وهذه من أعظم المحاسن، كما قال تعالى: {مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [الحديد: 22].
يقول الكاتب المعروف (ر. ف. س. بودلي) في مقالة بعنوان (عشت في جنة الله): «وقد تعلمت من عرب الصحراء كيف أتغلب على القلق؛ فهم بوصفهم مسلمين يؤمنون بالقضاء والقدر، وقد ساعدهم هذا الإيمان على العيش في أمان، وأخذ الحياة مأخذًا سهلًا هينًا، فهم لا يتعجلون أمرًا، ولا يُلقون بأنفسهم بين براثن الهَمِّ قلقًا على أمر، إنهم يؤمنون بأن «ما قٌدِّرَ يكون»، وأن الفرد منهم «لن يصيبه إلا ما كتب اللهُ له»، وليس معنى هذا أنهم يتواكلون، أو يقفون في وجه الكارثة مكتوفي الأيدي، كلا... لقد أفلحت هذه الطباع التي اكتسبتها من العرب في تهدئة أعصابي أكثر مما تفلح آلاف المسكنات والعقاقير»(12).
القوة والثبات في الحق: فالذي يؤمن بالقدر، يؤمن أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعت على أن تضره بشيء لن تضره إلا بشيء قد كتبه الله عليه.
وكما جاء في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: «احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز»(13).
كذلك يؤمن بأن نفسًا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها، هذه العقيدة تنزع من قلوب معتنقيها الخوف والجبن والخور والتثاقل، بل تسكب في نفوسهم السكينة، وتغرس فيهم الشجاعة، وبذا يتحرر المرء من العبودية الهابطة للعباد، ويرقى للعبودية السامية لله -تعالى-.
القضاء على الحسد: فإن من ضرورات الإيمان بالقدر أن يعلم المسلم أن الأرزاق مقدرة كما الآجال، وأنه مهما سعى في طلب الرزق –وهو بلا شك مطالب بذلك– فإنه لن ينال إلا ما كُتب له، عندئذ ينقطع تطلعه لما في أيدي الآخرين متذكرًا قوله تعالى: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: 32]. التخلص من العجب والغرور: فطالما أن كل شيء مقدر للإنسان، وأنه قد يبذل الأسباب كلها ولا يتحقق له مراده، فإن ذلك يدعوه إلى عدم الاعتداد بالنفس والعجب والغرور والتعالي(14).
15- الشيطان في ميزان الشريعة الإسلامية لقد بينت العقيدة قدر الشيطان، وأظهرت حقيقة قدرته التي هولتها كتب النصارى المحرفة؛ حيث زعمت أن الشيطان له قدرة هائلة، وقوة كبيرة يستطيع التسلط بها حتى على المؤمنين، كما يعتقدون أنه سبب لكثير من الأمراض بل سبب للموت(15).
بينما صححت عقيدتنا هذا المفهوم، وذكرت أن عداوة الشيطان للإنسان قديمة ومستدامة، ولن يتمكن أن يلتقيا على خير أبدًا، لكنها كشفت النقاب عن حدود الشيطان وقدراته؛ فالشيطان ليس يملك من الإنسان إلا الوسوسة فحسب، وليس له فوق ذلك قيد أنملة من التسلط أو التمكن من الإنسان ما دام مؤمنًا، وإنما هي مجرد وسوسة؛ لأنه لا سلطان له إلا على أوليائه من الإنس، كما قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99].
فكيده ضعيف مهما بلغ: {فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} [النساء: 76].
وعليه فقد أرشدت الآيات إلى سبل الوقاية منه، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].
وقد صورت لنا آيات القرآن مشهد المحاجة بين الشيطان والإنسان يوم القيامة، حين يُرجع الكافر سبب خسارته إلى كيد الشيطان، فيتبرأ حينذاك الشيطان منه ومن غوايته، ويعلن أنه إنما وسوس له ليس إلا. * * * |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: المبحث الثاني الأحد 14 يوليو 2024, 6:30 pm | |
| الهوامش 1. إغاثة اللهفان، لابن القيم: (2/125). 2. شرح العقيدة الطحاوية، لأبي العز الحنفي: (274، 275). 3. زاد المعاد لابن القيم: (1/15). 4. أخرجه البخاري بنحوه (3443)، ومسلم (2365). 5. مجموع الفتاوى، لابن تيمية، تحقيق أنور الباز، وعامر الجزار: (11/522). 6. انظر: عظمة القرآن، للدوسري: (121). 7. انظر: دراسات في الأديان اليهودية والنصرانية، د. سعيد ابن عبد العزيز الخلف: (85). 8. انظر: الحياة الآخرة ما بين البعث إلى دخول الجنة أو النار د. غالب عواجي، وحادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، لابن القيم. 9. القضاء والقدر، د. عبد الرحمن المحمود: (45-54). 10. رواه مسلم (2664). 11. انظر: الإبانة لابن بطة، تحقيق: د. عثمان الأثيوبي: (2/159). 12. دع القلق وابدأ الحياة لديل كارنيجي: (291، 295). 13. رواه مسلم: (2664). 14. انظر: العقيدة الإسلامية الميسرة: (135). 15. انظر: الملائكة والجن، دراسة مقارنة في الديانات السماوية الثلاث (اليهودية – النصرانية – الإسلام)، إعداد: مي بنت حسن محمد المدهون: (272). |
|