23 يوليه في الإسكندرية
دوائر كثيرة، في الإسكندرية، لم يغمض لها جفن، في هذه الليلة، ومع ذلك، فإن أحداث القاهرة، التي تبلورت في الاستيلاء على القيادة، لم تعرفها المدينة إلا بعد إذاعة البيان الأول، في منتصف الساعة الثامنة، صباحاً، حتى إن الضباط الأحرار، الذين كانوا ينتسبون إلى الخلايا السرية، لم يُخطروا بالتوقيت، في الوقت المناسب.
في الواحدة والنصف، من صباح هذا اليوم، توجه الفريق محمد حيدر باشا، القائد العام، إلى ثكنات مصطفى باشا، مقر القيادة الشمالية، ولم تكن المسافة طويلة بينها، وبين فندق "سان استيفانو"، الذي كان ينزل به، ودعا الضباط إلى اجتماع، وحاول أن يبدو هادئاً، وأنهى كلمته بقوله: "إن حركة الجيش بسيطة وتافهة، وهي أشبه بزوبعة في فنجان، لا تلبث أن تتبدد"، ثم طلب منهم أن يلتزموا الهدوء والسكينة، وأن يطمئنوا إلى أن جميع طلباتهم ستتحقق.
في الثانية صباحاً، صدرت تعليمات، إلى ضباط البحرية الملكية، بالتزام أماكنهم، في منطقتهم، فلبوا الأمر، وظلوا في أماكنهم، في انتظار أوامر أخرى.
وفي الثالثة صباحاً، اتصل وزير الداخلية الجديد، مرتضى المراغي باشا، تليفونياً بحكمدار القاهرة، (مدير الأمن) اللواء أحمد طلعت بك، ثم باللواء إمام إبراهيم بك، مدير القسم المخصوص، (المباحث العامة)، وأمرهما بإخضاع البوليس للحركة الجديدة، واعتبار اللواء محمد نجيب حاكماً شرعياً، كما أبلغ هذا الأمر إلى حكمدار الإسكندرية، اللواء يسري قمحة بك، لتفادي أي احتكاك، بين القوات المسلحة والبوليس.
وفي الساعة نفسها، اتصل الفريق حيدر باشا برئاسة الأركان، في القاهرة، فجاءه الرد بأن الفريق حسين فريد قد خرج من توه، وإنهم ينتظرون عودته.
(والحقيقة أنه اعتقل منذ الساعة الواحدة)، واتصل القائد العام بقيادة المدفعية، فجاءه الرد بصوت، يمثل لهجة اللواء حافظ بكري بك، بأن الحالة هادئة تماماً.
(والحقيقة أن اللواء بكري كان قد اعتقل).
في الساعة السادسة صباحاً، عززت المنطقة البحرية قواتها، على بابي الترسانة، والحوض الجاف، كما عززت الحراسة على مخازن الأسلحة، ومُنع دخول السيارات إلى منطقة الميناء، وشُددت التدابير لتنفيذ الأمر.
في السادسة والنصف صباحاً، اتصل رئيس الوزراء، أحمد نجيب الهلالي باشا، بسكرتير مجلس الوزراء، محمد ثابت بك، وطلب منه دعوة المجلس إلى اجتماع عاجل، وفي الوقت نفسه، استقبل في منزله، بضاحية المندرة، وزير الداخلية المراغي باشا، الذي أوقفه على تطورات الحالة، والاتصالات التي جرت بينه، وبين قائد الحركة اللواء محمد نجيب.
في السابعة صباحاً، جرت مكالمة تليفونية أخيرة، بين المراغي واللواء نجيب، في القاهرة وطلب منه، باسم رئيس الوزراء، تأجيل إذاعة البيان، ثم اتصل الهلالي باشا نفسه باللواء نجيب، معاوداً الطلب.
ولكن جميع المحاولات لم تثن القيادة الجديدة عن تأجيل إذاعة البيان، ثم عاد وزير الداخلية إلى مقر الوزارة، في بولكلي، لمتابعة الأحداث.
في السابعة والنصف، استمعت الإسكندرية إلى البيان الأول، لحركة الجيش، وكان مجلس الوزراء في اجتماع، بصفة مستمرة.
وفي الساعة 7,45 صباحاً، وصل الدكتور حافظ عفيفي باشا، رئيس الديوان الملكي.
واشترك في اجتماع مجلس الوزراء، وفي خلال ذلك، حضر إلى مقر رئاسة الوزراء، في بولكلي، مستر سمسون، السكرتير الأول للسفارة البريطانية.
واجتمع بمرتضى المراغي باشا، على انفراد، لبضع دقائق، ثم أخذ تتابع حضور باقي الوزراء.
ومنذ الصباح الباكر، كانت حالة الطوارئ قائمة، في أنحاء الإسكندرية، وامتدت إلى منطقة الميناء، وجوازات السفر، وحلَّقت أربع طائرات نفاثة، على ارتفاع منخفض، فوق المدينة، وفشل كريم ثابت باشا، الوزير السابق، في اللحاق بالباخرة المسافرة إلى أوروبا.
واجتمع، عدة مرات، في منزله، مع زميله إلياس أندرواس باشا، وكلاهما من بطانة الملك، التي أثارت نقمة رجال الحركة.
في التاسعة صباحاً، قرر مجلس الوزراء أن يسافر المراغي باشا إلى القاهرة، للاجتماع بقائد الحركة، فاستقل طائرة مدنية، وبصحبته وكيل الداخلية، اللواء عبدالمنصف محمود باشا. والتقى السفير الأمريكي، جيفرسن كافرى، قبل هذه الساعة، أو بعدها، بالملك، في قصر المنتزه، (وقيل) إن الملك طلب توسطه لتتدخل القوات البريطانية في الموقف، ولكن سياسة نائب رئيس الوزراء، ووزير الخارجية البريطاني، أنطونى إيدين، كانت ضد أي تدخل. وتبادلت السفارتان النظر في الطلب، (كما قيل)، وجاء الرد البريطاني بالرفض.
في الساعة 9,50 صباحاً، انفض مجلس الوزراء، مؤقتاً، وأعلن الهلالي باشا أنه مستعد لإجابة المطالب المعدلة للقيادة الجديدة.
في العاشرة صباحاً، عقد ضباط المنطقة الشمالية، (عدا القوات البحرية)، اجتماعاً، وأعلنوا تأييدهم للحركة، وانتخبوا البكباشي أحمد عاطف نصار، قائد المدفعية الساحلية، قائداً للمنطقة.
كما انتخب الصاغ عبدالحليم الأعسر، أركان حرب لها، وكان البكباشي نصار، في القاهرة، قبل أيام. والتقى البكباشي جمال عبدالناصر، رئيس اللجنة التأسيسية للضباط الأحرار، الذي أعلمه بأنه سوف يخطره بساعة الصفر، قبل أربع وعشرين ساعة، ولكن حدث ما منع وصول هذه الإشارة.
واتخذت قيادة الإسكندرية الجديدة، رياسة الألاي الثاني للمدفعية المضادة، بمنطقة السلسلة، مقراً لها، فلما استكملت سيطرتها على المدينة، انتقلت إلى مقر رياسة المنطقة الشمالية، بثكنات مصطفى باشا، وشملت التحركات احتلال منطقة الغاطس بالميناء، وإحكام مداخله، كما تم تحريك قوات من المشاة، ومن المدفعية الساحلية والمضادة، إلى مواقع جديدة، لحماية المدينة.
في الساعة 12,40 ظهراً، توجه الهلالي باشا إلى قصر المنتزه، بصحبة وزير الحربية، إسماعيل بك شيرين، صهر الملك.
ودامت المقابلة الملكية أربعين دقيقة، وطلب الملك أن يستمر الهلالي باشا، في منصبه، ولكن الهلالي ألح في تقديم استقالته، وكان الهلالي، في محادثته التليفونية، مع اللواء نجيب، قد أبلغه أنه قبل تأليف الوزارة لتطهير أداة الحكم، من جميع نواحيها، وبصفة خاصة، تطهير الجيش، ورجا اللواء نجيب أن يتمهل، حتى تمضي الوزارة في بحث المطالب، الخاصة بالجيش.
ولكن قائد الحركة اعتذر، إذ استقر الرأي على دعوة علي ماهر لتشكيل وزارة جديدة.
في الساعة الواحدة والنصف ظهراً، عاد حافظ عفيفي باشا، رئيس الديوان، إلى قصر المنتزه، بعد أن حضر جانباً من اجتماع مجلس الوزراء، الذي كان قد عاود انعقاده.
وفي الساعة الثالثة والنصف عصراً، عاد عفيفي باشا، للمرة الثالثة، إلى رئاسة الوزارة.
وتناول طعاماً خفيفاً، مع أعضاء المجلس، وفي هذه الأثناء، اتصل الرئيس بالمراغي باشا، في القاهرة، وطلب منه العودة فوراً، إذ أن الوزارة بصدد تقديم استقالتها.
في الساعة 4,10 عصراً، أعلن رئيس الديوان أن الملك قبل استقالة الهلالي باشا، ووافق على تكليف علي ماهر باشا، بتأليف وزارة جديدة، وسلم خطاب التكليف، من الإسكندرية، إلى علي ماهر بالقاهرة، الدكتور أحمد النقيب باشا.
ثم أعلن علي ماهر:
"إنى وطيد الثقة في أن تسمو الوطنية، في النفوس، على كل اعتبار، وأن الظروف قد تدعو إلى أن أبدأ تشكيل الوزارة.
ويظل الباب مفتوحاً لاستكمال تشكيلها، وبذلك لن يكون تأليفها، دفعة واحدة، وإني لم أحدد الأسماء، حتى الآن، وسأتفرغ الليلة، للبحث في هذا، وسأسافر، في الساعة السابعة صباح غد، إلى الإسكندرية (أي يوم 24)".
في الساعة الخامسة مساءً، غادر الهلالي باشا مقر مجلس الوزراء، إلى داره بالمندرة.
في الساعة السادسة والثلث مساءً، وصل وزير الداخلية السابق، المراغي باشا إلى الإسكندرية، بالطريق الصحراوي، بعد محاولات للاجتماع باللواء نجيب، كان يسودها جو من عدم الثقة بين الجانبين، وفي الساعة الثامنة، توجه إلى دار الهلالي باشا، وعرض عليه تفاصيل مهمته في القاهرة.
وقد اشتمل التقرير اليومي، الذي رفع إلى الملك، بتاريخ 23، وبإمضاء السكرتير الخاص المساعد، أحمد على يوسف بك، على ملخص لما نشرته الصحف، عن أحداث ليلة 23، ويُلاحظ أن كثيراً من الفقرات، التي وردت في صحف اليوم، وبخاصة الأهرام، أوردت التقرير بأمانة، ومن دون مبالغة، أو تقليل من شأنها.
وُجد التقرير، بجوار الوسادة، في غرفة نوم الملك، بقصر المنتزه، قبل انتقاله إلى رأس التين، وبه علامات وخطوط، باللون الأحمر، وضعها الملك، تحت بعض فقرات التقرير.
وقبل نهاية اليوم، قدم حيدر باشا استقالته، من منصب القائد العام، ونصها: "مولاي صاحب الجلالة: أتشرف بأن أرفع، لجلالتكم، أنني سبق أن أبديت، مراراً، رغبتي في التنحي عن العمل، والآن أرى أنني في أشد الحاجة إلى الراحة، من عناء الأعمال، فألتمس من جلالتكم التفضل بصدور أمركم الكريم بإعفائي من منصبي.
وأنني سأكون، على الدوام، الخادم المخلص الأمين. محمد حيدر".
وفي خلال اليوم، عقد أعضاء الوفد بالإسكندرية اجتماعاً لبحث الموقف، اشترك فيه زكي العرابي باشا، رئيس مجلس الشيوخ، والوزراء السابقون، عثمان محرم باشا، وعبدالفتاح حسن باشا، والدكتور محمد صلاح الدين باشا، وإبراهيم فرج باشا.
وفي خلال اليوم، عقدت السفارة البريطانية مؤتمراً صحفياً، للصحفيين الأجانب، وأذاعت بياناً قالت فيه أن بريطانيا لا دخل لها في الحالة، في مصر، وأنها لا تتدخل في شؤونها الداخلية، ما دامت أرواح وأموال البريطانيين لا تمس.
كان الملك، في يوم 23 يوليه، مقيماً بقصر المنتزه، الذي لا يعتبر مقراً رسمياً للحكم، بل منتجعاً صيفياً، أما المقر الرسمي، في عاصمة البلاد الثانية، فهو قصر رأس التين، فبينما كانت هذه الأحداث تتابع، بين القاهرة والإسكندرية، هُرع، إلى قصر رأس التين، عدد من الشخصيات السياسية والعامة وقيدوا أسماءهم في سجل التشريفات، كما جرى العرف في المناسبات المختلفة، ولعل أحداث ليلة يوليه كانت من بينها.
وفيما يلي قائمة الأسماء المدونة في الصفحة الأخيرة، من سجل التشريفات، المحفوظ بقصر رأس التين، مع صفة كل منهم، كما دونها أمام اسمه:
حقي العظم
رئيس وزراء سورية السابق
سامي العظم
وكيل وزارة العدل في سورية سابقاً
أحمد زكي بك
وزير الشؤون الاجتماعية السابق
حسين كامل الغمراوي (بك)
وزير التموين السابق
محمد علي الكيلاني (بك)
وزير الزراعة السابق
مؤيد العظم
قنصل سورية بالإسكندرية
فريق إبراهيم عطا الله (باشا)
رئيس الأركان السابق
علي زكي العرابي باشا
رئيس مجلس الشيوخ
محمد صلاح الدين باشا
عضو مجلس الشيوخ
عبدالقادر مختار بك
مدير سابق
عزالدين عاصم
أمين الشهر العقاري بدمنهور.
موقف أحرار الإسكندرية:
فور سماع الضباط الأحرار، بالإسكندرية، بقيام حركة الجيش، من الإذاعة، صباح يوم 23 يوليه، تحركوا بثبات، ووعي، تحت قيادة قائدهم، البكباشي أحمد عاطف نصار (من المدفعية الساحلية) وسيطروا على المدينة تماماً، حسب الخطة الموضوعة.
ويقول البكباشي أحمد عاطف نصار: "ذهبت إلى القاهرة، قبل الثورة، ببضعة أيام، والتقيت البكباشي جمال عبد الناصر، الذي أخبرني بالاستعداد للثورة، خلال أيام قليلة جداً، وأنه سيخطرني بساعة الصفر، قبلها بأربعة وعشرين ساعة، ثم طلب مني العودة إلى زملائي بالإسكندرية، وأن نكون على استعداد، منذ لحظة وصولي مباشرة إليهم، نفذت كل هذا بدقة شديدة. وقد حدث تقصير في عدم إبلاغنا بساعة الصفر، فقد ذكر لي جمال عبد الناصر، بعد الثورة مباشرة، أن أحمد حمروش، بعد أن تلقى التعليمات، من جمال عبد الناصر، عصر يوم 22 يوليه، بساعة الصفر، سافر إلى بلدته بالبحيرة، ولم يتوجه إلى الإسكندرية.
وبالفعل ظهر حمروش بيننا، يوم 25 يوليه 1952، ولم يقل شيئاً.
ولقد فسر البعض موقف أحمد حمروش بأنه كان ينفذ تعليمات "حركة حدتو الشيوعية"، التي تضمه سراً، وكانت تعليماتها إلى أعضائها، من الضباط الأحرار، هي العمل على إفساد هذا الانقلاب العسكري، وقد التزم بها حمروش فقط، ولذلك لم يقرر له عبد الناصر معاشاً استثنائياً، ولم يهتم به، إلا بعد التحول نحو الشرق والاتحاد السوفييتي، الذي بدأ مع عام 1962، ومن هنا لم يذكروا اسمه في الوثيقة الرسمية، بأسماء الضباط الأحرار، التي أصدرها الرئيس السادات عام 1972".
ويبين البكباشي أحمد عاطف نصار الأسلوب، الذي تحركوا به، صباح 23 يوليه 1952 بقوله: "كانت خطتنا، التي وضعتها مع زملائي أن نسيطر على الوحدات العسكرية، من داخل هذه الوحدات، ونقوم بعزل القادة القدامى، من دون أن تتحرك وحداتنا، خارج المدينة.
وبعد أن استمعنا إلى البيان الأول للثورة، اتخذت رئاسة الألاي الثاني للمدفعية المضادة للطائرات، بمنطقة السلسلة، مقراً مؤقتاً لقيادة الثورة بالإسكندرية، لقربه من المرافق الحيوية، ولتوسطه الوحدات العسكرية.
وسيطرنا على مركز القيادة العامة للقوات المسلحة، بالمدينة، وعلى رئاسة المنطقة الشمالية، بثكنات مصطفى كامل، وأجهزة الأمن العام، بالتعاون مع ضباطها من الشرطة، ومصلحة التليفونات، وشبكاتها، ومطاري الدخيلة والنزهة، وجميع المرافق الحيوية بالمدينة.
"ولما كان للشبكة الحديدية الغاطسة، في مدخل ميناء الإسكندرية، أهمية بالغة، في نجاح الثورة فهذه الشبكة، كما هو معروف، تابعة للقوات البحرية، ومن بينها عناصر قيادية مساندة للملك، فقد احتلت قوات المدفعية الساحلية غرف تشغيل الشبكة الحديدية، لمنع تحرك أي قطعة بحرية، يفكر ضباطها في نجدة الملك.
وأذكر أن الفريق أول سليمان عزت، قائد القوات البحرية، حتى عام 1967، وكان في بداية الثورة، برتبة بكباشي، حاول أن يستقل لنشاً، ولكن ضباطنا منعوه، وأحكموا غلق الميناء، مع تغطيتها بنيران المدفعية الساحلية، لمنع دخول، أو خروج، أي قطع بحرية تهدد المدينة، أو تعمل على تهريب الملك".
"ثم قمنا بتحريك قوات المشاة، من مواقعها إلى المواقع الجديدة، طبقاً للخطة، وكلفت، مع وحدات المدفعية الساحلية، وحدات المدفعية المضادة للطائرات، بحماية مداخل الإسكندرية براً، وجواً وبحراً.
"وجهنا بعد ذلك المدافع الساحلية إلى قصري رأس التين، والمنتزه، لمنع فاروق من القيام بأي تصرف طائش، كما وجهت بعض المدفعيات لمواجهة عدة قطع بحرية، كنا نعتقد أنها ستساند الملك، وفي صباح 24 يوليه، جاء إلينا ضباط القوات البحرية، وأعلنوا تأييدهم للثورة، وتضامنهم معنا، وعملنا على عزل اللواء محمود بدر قائد البحرية، وتعيين العقيد بحري حمدي ناشد، قائداً موقتاً لها.
"كما قامت المدفعية المضادة للطائرات، إلى جانب واجباتها الأرضية، بحماية سماء المدينة، وسمحت لطائرات ضباط الطيران الأحرار بالتحليق فقط، وقبضنا على طيار الملك، حسن عاكف، حين هبط بطائرته، في مطار الدخيلة للتزود بالوقود، واستولينا على طائرته.
وفي الساعة الرابعة من بعد ظهر 23 يوليه، اتصلت تليفونياً بالبكباشي جمال عبد الناصر، في القاهرة.
وأبلغته بتمام السيطرة على الإسكندرية، عسكرياً، ومدنياً، ثم نقلت مقر قيادتنا إلى مبنى القيادة العامة، بثكنات مصطفى كامل، وعلمت من أفراد المراقبة، الموضوعة على قصر المنتزه، أن الملك وأسرته، استقلوا عربات لوري للنقل، بعد منتصف ليلة 24 يوليه، إلى قصر رأس التين، فحاصرنا القصر بالقوات والمدفعيات.
"حاول فاروق استغلال اللواء وحيد شوقي، مدير خفر السواحل، لترتيب مظاهرة من جنوده، تهتف بحياة الملك، وعلمنا أن بعض السياسيين القدامى، ممن كانوا بالإسكندرية، تعاونوا معه، من أجل إعداد هذه المظاهرة، فعملنا على إجهاضها، بأن طفنا بعربات كثيرة، مزودة بالميكروفونات، بين أنحاء الإسكندرية، نشرح للجماهير أهداف الجيش من ثورته، واستمرت هذه السيارات تجوب المدينة عدة أيام، وحولها تجمعات من شباب، وطلبة جامعة الإسكندرية، الذين التحمنا بهم عام 1951، ودربناهم على استخدام السلاح، في منطقة القناة، ضد قوات الاحتلال البريطاني. وكان دور هؤلاء الشباب هو حماية مرافق، ومحال المدينة، من عمليات التخريب، المستترة خلف التجمهر، والهتاف للجيش، واللواء محمد نجيب.
وبالفعل، حاول بعض المخربين، بإشراف ضباط البوليس السياسي، أن يقوموا بمظاهرة ظاهرها الترحيب بقائد الثورة، وباطنها الاعتداء على أرواح وممتلكات الأجانب، حتى يكون ذلك ذريعة لتدخل أجنبي عسكري للإطاحة بالثورة، فطلبت من البكباشي جمال عبد الناصر، أن يذيع اللواء محمد نجيب، في الراديو، كلمة تحية لأهالي الإسكندرية، يرسلها لهم من القاهرة، وكانت أجهزة البوليس السياسي قد أشاعت أن اللواء محمد نجيب جاء الإسكندرية، مساء 23 يوليه. وحين أذاع الراديو كلمة القائد العام الجديد، من العاصمة، انصرفت التجمعات، وفشل مخطط أعداء الثورة.