الخميس 24 يوليه
بدا وكأن الحياة عادت إلى سيرتها، قبل الحركة، فقد نشرت جريدة البلاغ المسائية تقول: "إن القاهرة يسودها الهدوء، وانصرف الجميع إلى أعمالهم، مستبشرين، بعد أن انجلى الموقف عن نجاح حركة الجيش".
1. القاهرة في 24 يوليه
في الساعة الرابعة صباحاً: دب النشاط في القيادة العامة، بكوبري القبة، وظهر اللواء محمد نجيب في مكتبه.
وكان قد غفا، أقل من ساعة، في غرفة مجاورة، حيث أُعد لنومه سرير صغير، وتوافد الضباط لاستكمال بحث التطورات.
وفي السادسة والنصف صباحاً، خرج اللواء محمد نجيب، في سيارة صفراء مكشوفة، تحت الحراسة، وبصحبته ضابطان هما البكباشي جمال عبد الناصر، واليوزباشي إسماعيل فريد.
واتجه الموكب إلى منزل علي ماهر باشا، في الجيزة، والذي كان مقرراً أن يسافر بالسيارة، في الساعة السابعة، ثم عدل عنها إلى السفر بقطار الساعة الثامنة، وكان في استقباله محمد علي ماهر، الذي انتدبه أبوه من وزارة الخارجية، سكرتيراً خاصاً له، واجتمع اللواء محمد نجيب برئيس الوزراء، في الطابق العلوي، لمدة ربع ساعة، خرجا بعدها إلى محطة باب الحديد، في سيارة رئيس الوزراء، تتبعها سيارة القيادة، وبها الضابطان جمال عبد الناصر، وإسماعيل فريد، وفي المحطة، التي ازدحمت بالمواطنين، دخل الجميع من باب الوزراء، الذي فُتح لهم، وأحاط بهم جمهور كبير.
وارتفع الهتاف بحياة علي ماهر، منقذ البلاد، وبحياة محمد نجيب، بطل اليوم، مطهر الجيش، وارتفع هتاف: "الجيش هو الشعب، والشعب هو الجيش"، واستمرت المحادثات بين علي ماهر وممثلي القيادة، في عربة القطار، حتى تحرك.
في الثامنة صباحاً، عاد اللواء نجيب إلى القيادة، بعد مبارحة المحطة، وفي طريقه، زار الكلية الحربية، وتفقد معتقل كبار الضباط، للاطمئنان على راحتهم، ثم انتقل إلى إدارة التدريب، واجتمع بممثلي أسلحة الجيش، من رتبة صاغ وبكباشي، واشترك، في هذا الاجتماع، البكباشي جمال عبد الناصر والبكباشي زكريا محيي الدين، وقائد الجناح عبد اللطيف بغدادي، والصاغ عبد الحكيم عامر، وناقش معهم الموقف، من جميع نواحيه.
ويذكر اللواء نجيب:
"ذهبت لزيارة كبار الضباط، المقبوض عليهم، في معتقل الكلية الحربية، ووعدتهم بالإفراج عنهم، في أقرب وقت.
وفي اليوم نفسه، قررنا الإفراج عنهم جميعاً، ما عدا 34 شخصاً، من بين 236 سجيناً، كانوا من ذوي الميول الشيوعية".
في التاسعة والنصف صباحاً، استقبل القائد العام النائب العام السابق، محمود عزمي بك، الذي نُحي عن منصبه، بسبب موقفه من محاكمة رجال الحاشية، ممن وردت أسماؤهم في قضية الأسلحة الفاسدة.
وفي العاشرة والنصف صباحاً، وصل مصطفى صادق بك، عم الملكة، إلى القيادة، وتقدم بعروض جديدة، ولكنها رُفضت.
في الثانية ظهراً، عقد اللواء محمد نجيب اجتماعاً، في مكتبه، حضره رجال الصحافة. وأعلن فيه أن الأمن مستتب، في أنحاء البلاد وزمامه في يد قيادة الجيش، وأكد أن الحركة لا علاقة لها بالسياسة ولا الحزبية، وصرح بأنه قرر الإفراج عن عدد آخر من كبار الضباط المعتقلين كما أشار، في ختام حديثه، إلى أنه وزملاءه، لم يذهبوا إلى بيوتهم، منذ أيام، وأنهم ينامون على مقاعد العمل، بملابس العمل.
في الرابعة عصراً، عقد القائد العام مؤتمراً صحفياً، اشترك فيه مندوبو الصحف المصرية والأجنبية، ووكالات الأنباء، وأجاب على أسئلة أكثرها من ممثلي الصحف، والوكالات الأجنبية،
وتضمنت ردوده:
إننا لا نتدخل في السياسة، وحركتنا غير سياسية على الإطلاق، وكل ما قمنا به من عمل إنما هو لصون الأمن العام من أي اضطراب.
أهم واجبات الحركة هو حماية الأجانب.
هدف الجيش تطبيق الدستور، وعدم تدخل الطفيليين، لأن جميع المتاعب، التي أصابت البلاد كانت منهم.
قلناها صريحة إننا نريد تطبيق الدستور، الذي ينص على أن بلادنا ملكية دستورية.
إننا لا نفكر في إشراك رجال القوات المسلحة في الانتخابات، وفي إعطائهم هذا الحق، وهذا رأيي، منذ ست سنوات.
يظل إشراف الجيش على الإذاعة، والأماكن، التي يعسكر فيها، حتى تتبين القيادة أن الأمور تحسنت. وأن الأمن قد استتب وأن الحركة حققت النتائج التي أردناها للوطن والجيش.
إن عدد المعتقلين من الضباط بسيط. والمقصود إبعاد الضباط الكبار عن وحداتهم، حتى لا تتعدد الأوامر.
عن اشتراك مصر في قيادة الشرق الأوسط، رفض القائد العام الإجابة، باعتبار أن موضوعه سياسي.
في الخامسة مساءً، استقبل القائد العام ستة، من ضباط قيادة الإسكندرية، ودامت المقابلة ربع ساعة. وفي 8,45 مساءً، ذهب قائد الحركة إلى دار الإذاعة، بشارع علوي، حيث استقبله وكيلها، علي خليل بك، وكبير المذيعين، حسني الحديدي. وبعد أن أجرى بعض التجارب، أمام الميكروفون، انتقل إلى استديو التمثيليات، وأذاع أول بيان بصوته.
بيـان الثورة
يذكر اللواء محمد نجيب:
وبعد العشاء، أذعت أول بيان بصوتي، قلت فيه:
"إخواني أبناء وادي النيل، لشد ما يسرني أن أتحدث إليكم، مع ما أتحمله، في هذه اللحظات، من مسؤوليات جسام، لا تخفى عليكم، فقد حرصت على أن أحدثكم بنفسي، لأقضي على ما ينشره خصومكم، وخصوم الوطن، من شائعات مغرضة، لهذا أعلنا، منذ البيان الأول، أغراض حركتنا، التي باركتموها، من أول لحظة، ذلك لأنكم لم تجدوا فيها مغنماً لشخص، ولا كسباً لفرد بل أننا ننشد الإصلاح والتطهير في الجيش، وفي جميع مرافق البلاد، ورفع لواء الدستور والمواقع، إن أشد ما أسفت عليه أن بعض ذوي النفوس الضعيفة، لا يزالون ينشرون الشائعات المغرضة عن حركتنا. إن حركتنا نجحت لأنها باسمكم، ومن أجلكم، وبهديكم، وما يملأ قلوبنا من إيمان إنما هو مستمد من قلوبكم.
بني وطني:
"إن كل شيء يسير على ما يرام، وقد أعددنا لكل شيء عدته، فاطمئنوا إلى نجاح حركتنا المباركة، ولا تنصتوا إلى الشائعات، واتجهوا بقلوبكم إلى الله العلي القدير، وسيروا خلفنا، إلى الأمام، إلى رفعة الجيش، وعزة البلاد، والله نسأل أن يسدد خطانا، وأن يطهر نفوسنا. وأنتهز الفرصة، لأؤكد لكم أن كل شيء يسير، على ما يرام، مرة أخرى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".
والملاحظ، في كلمة قائد الحركة، اللواء محمد نجيب، أنه أشار إلى الحركة بأنها" "الحركة المباركة"، ولم يصفها بأنها انقلاب، أو ثورة. وقد شاع لفظ "الحركة المباركة"، في وسائل الإعلام، على أثر ذلك.
دارت هذه البيانات، والبلاغات والتصريحات، والردود الصحفية، التي توالت في يوم واحد، على لسان القائد العام، حول محاولة التأكيد بأن الحركة قد استقرت، بعد أن جاوزت مرحلة المغامرة وذلك بسبب مساندة الشعب لها، لأنها قامت باسمه، وتعمل من أجله، في ظل دستور البلاد، ثم التأكيد بأن الأمن مستقر على الرغم من الشائعات.
ولا جدال في أن هذا التأكيد المتكرر يعني أن القلق، ما زال مستولياً، على قادة الحركة، حتى بعد نجاح مرحلتها الأولى، إذ الموقف مازال غامضاً، بالنسبة لتحركات الملك، وكذلك بالنسبة للحكومة البريطانية على الرغم من البيانات، التي أذاعتها.
في هذا اليوم، أجاب رئيس الوزراء البريطاني، تشرشل، في مجلس العموم على سؤال لزعيم المعارضة، ورئيس حزب العمال "أتلى"، أشار فيه إلى أن فريقاً من ضباط الجيش في مصر، لم يكن راضياً عن الأوضاع القائمة، قد تولى زمام السلطة في القاهرة، وأن الأمن مستتب، والواضح أن البوليس يستجيب لرغبة الجيش، ويتعاون معه في صون النظام، وليس، في هذا كله تهديد لأرواح البريطانيين وممتلكاتهم.
ولكن في الوقت نفسه، استدعت الحكومة البريطانية سفيرها في القاهرة، السير "رالف ستيفنسون"، الذي كان يقضى إجازته بفرنسا، ومن ناحية ثالثة، وصلت إلى ميناء بور سعيد، ناقلة الجنود البريطانية "شارلتون ستار"، قادمة من فاماجوسا في قبرص، تقل 750 عسكرياً. وترددت شائعات بأن الملك اتصل بالمستر جيفرسن كافرى، وطلب منه أن يتوسط لدى حكومته، في تيسير هروبه من مصر، على مدمرة أمريكية، وأن السفير رد بأن هذه طريقة غير لائقة، لخروج ملك من بلاده. ويبدو أن هذه الشائعات كانت متعمدة لتهيئة الرأي العام لخروج الملك.
أعلن الرقيب العسكري، باسم القائد العام، أنه بسبب ما بدر، من بعض الصحف، من محاولة لنشر أنباء مشوهة، على الصحف أن تلتزم بالتعليمات، والضوابط، التي يرسلها إلى إدارات الصحف.
أعلنت القوة، التي توجهت إلى منزل اللواء حسين سري عامر، مدير سلاح الحدود السابق، بضاحية الزيتون، لاعتقاله، بأنها لم تجد له أثراً في المنزل، بعد تفتيشه، وتردد أنه غادر البلاد إلى تركيا، وقيل أنه غادرها إلى ليبيا، وقيل أنه استقل طائرة، مع الطيار حسن عاكف، وهبط بها في منطقة فايد (أي معسكرات الجيش البريطاني). وفي الوقت نفسه، اتصل رئيس مخابرات الجيش، في مرسى مطروح برئاسة الجيش، في الإسكندرية، وأبلغها أن اللواء عامر، عبر الحدود الغربية إلى كابوتزو، في برقة. (ثبت بعد ذلك أنه مازال داخل الحدود المصرية).
ويذكر البكباشي أحمد عاطف نصار قصة القبض على اللواء حسين سري عامر، كالتالي: "توجه اليوزباشي عمر عيد إلى مرسى مطروح، حيث وردت لنا معلومات، تفيد بأن اللواء حسين سري عامر يحاول جمع الأعراب، في الصحراء الغربية، لحساب الملك، وهناك اكتشف تجمعاً داخل أحد المخيمات، ووجد، بداخله، اللواء حسين سري عامر، يعمل على استنفار القبائل، مع بعض قوات الحدود، لنجدة الملك في الإسكندرية، فقبض عليه".
مجلس قيادة الثورة يقرر عزل الملك
في مساء 24 يوليه، أبلغ علي ماهر قيادة الحركة، من الإسكندرية تليفونياً، أن الملك وافق على بعض المطالب ولكنه لم يوافق على طرد أفراد حاشيته، ثم لم يلبث الملك أن أذعن لمطالب الجيش، الخاصة بإبعاد أنطون بوللي، ومحمد حسن، (خادمه) الخاص والياس أندرواس، المستشار الاقتصادي، ويوسف رشاد، كبير أطباء اليخوت الملكية، وحسن عاكف، طيار الملك الخاص، والأميرالاي محمد حلمي حسين، مدير إدارة السيارات الملكية، وكان المطلوب إبعاد كريم ثابت كذلك، وتبين أنه استقال. وكانت لجنة قيادة الحركة، برئاسة اللواء محمد نجيب، قد قررت عزل الملك في اجتماعها، يوم 24 يوليه.
ويذكر اللواء محمد نجيب
"كنا قد قررنا في اجتماع طويل، استمر ليلة 23 ـ 24 يوليه، أن نعزل الملك. وقررنا ألا يعرف علي ماهر هذه الحقيقة. وفي هذا الاجتماع كذلك، قررنا إرسال بعض المدرعات والمدفعية لدعم قواتنا، بالإسكندرية، استعداداً لعملية عزل الملك. وكانت قوات الإسكندرية، في ذلك، الوقت لا تتجاوز لواء مشاة، وبعض وحدات مدفعية السواحل والمدفعية المضادة للطائرات، وقد لا تكون كافية لحصار الملك، وإخراجه في هدوء. وكلفت البكباشي زكريا محيي الدين، بإعداد خطة تحرك القوات إلى الإسكندرية، وحصار الملك، وذلك امتداداً للخطة التي وضعها لتحريك القوات بالقاهرة".
"وبدأ تحرك القوات للإسكندرية، القائمقام أحمد شوقي، قائد الكتيبة الثالثة عشرة مشاة، التي أدت دوراً بارزاً، ليلة الحركة، ليقود المشاة، والبكباشي يوسف صديق، قائداً لمدافع الماكينة، والبكباشي حسين الشافعي، قائداً للمدرعات، والبكباشي عبدالمنعم أمين، قائداً للمدفعية".
حضور رشاد مهنا من العريش
كان رشاد مهنا، الذي أشار بفكرة اشتراك الضباط الأحرار في إنتحابات نادي الضباط، وهو المحرك الأساسي للانتخابات، وهو الذي رشح محمد نجيب ليوضع على رأس قائمة المرشحين، وليكون هو الرئيس، إذا نجحت الثورة. وهو الذي فاتحه في أمر الترشيح، لرئاسة النادي. كان لا يزال بالعريش يوم 23 يوليه، واتصل به، صباح 23 يوليه، الصاغ صلاح سالم، من رفح، وأخبره بقيام الثورة، وأنه سيكون مسؤولاً، عن رفح، ورشاد مهنا يكون مسؤولاً عن العريش. وكان، بحكم مركزه، مالكاً لزمام السيطرة على جميع قوات العريش. ومع ذلك، فإنه استمر في قيادته لهذه القوات، إلى أن تلقى ثلاث إشارات، من البكباشي عبدالمنعم أمين، عضو مجلس قيادة الثورة، من القاهرة، تطلب حضوره إلى القاهرة.
وسافر إلى القاهرة، يوم 25 يوليه، ونظراً لمكانته بين ضباط المدفعية بصفة عامة، وبين ضباط أحرار سلاح المدفعية، بصفة خاصة، فقد استقبله عدد كبير منهم، عند وصوله إلى مطار القاهرة، بالاحترام والحماس، وتوجه معهم إلى مقر القيادة، فقوبل بفتور، من أعضاء مجلس القيادة اعتقاداً منهم أنه حضر، من دون استدعاء، وبشكل مظاهرة من ضباط المدفعية.
يقول عبدالمنعم أمين:
"اتصلت شخصياً برشاد مهنا، لكي يحضر إلى القاهرة. وكان ذلك بوحي من عندي، من دون الرجوع للواء محمد نجيب، والبكباشي جمال عبدالناصر، أو مجلس قيادة الثورة، وكان ذلك، من خلال إحساسي به، كأحد قادة المدفعية، وكضابط من جيل الأساتذة، له قاعدته العريضة، من ضباط السلاح، ووجوده سيصبح عاملاً إيجابياً في تدعيم الثورة.
2 - الإسكندرية في 24 يوليه
وصول علي ماهر للإسكندرية:
في الساعة 10,40 صباحاً، وصل القطار، المقل لرئيس الوزراء، علي ماهر باشا، إلى محطة سيدي جابر (ضاحية الإسكندرية) وكان، في استقباله، محافظ الإسكندرية، كمال الديب بك، والحكمدار لواء يسري قمحة بك، ورابطت، أمام المحطة، ست سيارات جيب، محملة بالجنود المسلحين، واحتشد جمهور راح يهتف باسم علي ماهر، منقذ البلاد، وسار الموكب العسكري إلى فندق سان استيفانو.
وكان قائد حرس الوزارات، قد تلقى أمراً من القيادة العامة، بالقاهرة، بأن حراسة رئيس الوزراء أصبحت موكولة إلى الجيش وحده، ثم تم الاتفاق، بعد ذلك، على أن يشترك حرس الوزارات، مع رجال الجيش، في الحراسة، بحيث يؤدي كل فريق مهمته، في حدود التعليمات الصادرة له[2].
في الساعة 11,50 صباحاً، استقبل رئيس الوزراء، في جناحه بالفندق، وفداً يمثل حزب الوفد، ضم رئيس مجلس الشيوخ، العرابي باشا، والوزيرين السابقين، محمد صلاح الدين باشا، وإبراهيم فرج باشا، وكان علي ماهر قد أعلن، قبيل ذلك، أنه سوف يجتمع مع زعماء الأحزاب، للتشاور في المسائل الكبرى.
في الساعة 11,50 صباحاً، استقبل رئيس الوزراء، في جناحه بالفندق، إبراهيم عبدالهادي باشا، رئيس الوزراء الأسبق، ورئيس حزب الهيئة السعدية. ودامت المقابلة ثلث الساعة.
في الساعة الثانية عشرة، غادر الإسكندرية وفد، يمثل القيادات العسكرية في الإسكندرية، إلى القاهرة للاجتماع بالقائد العام.
علي ماهر يقابل الملك
في الساعة 1,15 ظهراً، قصد الرئيس علي ماهر قصر المنتزه لمقابلة الملك، واستمرت المقابلة نحو أكثر من ثلاث ساعات، وفيها أبلغ رئيس الوزراء الملك بمطالب الجيش، كما أشار، في لباقة، إلى التهم، التي توجهها قيادة الجيش الجديدة إليه، كتأليف الحرس الحديدي للانتقام من خصومه، وقرأ رئيس الوزراء أسماء رجال الحاشية، الذين يطلب الجيش إبعادهم، فوافق عليهم جميعاً باستثناء: بولي "الحلاق"، محمد حلمي حسين "قائد السيارات"، محمد حسن السليماني "الشماشرجي" باعتبار أنهم خدمه الخصوصيين، فرد علي ماهر معترضاً بقوله: كانوا في خدمة جلالتكم فعلاً، ولكنكم منحتم بولي رتبة البيكوية، من الدرجة الأولى، وكلفتموه بمهام، ليست مهام الخدم، ومنحتم محمد حلمي حسين رتبة الأميرالاي، وكلفتموه مقابلة ملوك العرب، وجعلتم خادمكم الخاص يشتغل بالسياسة، ويدير أعمال الدولة". وانتهت المناقشة بالموافقة على أن يستقيل الجميع من مناصبهم، ثم عرض رئيس الوزراء أسماء المرشحين لعضوية الوزارة الجديدة، وبعد المقابلة، أعلن علي ماهر أن الملك وافق على مطالب الجيش، ولم يبق منها سوى مسائل بسيطة لم يتسع الوقت لها.
وزارة علي ماهر تؤدي اليمين الدستورية أمام الملك
في الساعة السابعة والنصف مساء، استقبل الملك في قصر المنتزه، رئيس الوزراء، وأعضاء الوزارة الجديدة لتأدية اليمين الدستورية، بحضور رئيس الديوان، الدكتور حافظ عفيفي باشا، والأمين الأول علي رشيد باشا، وكبير الياوران، بالنيابة عن اللواء عبدالله النجومي باشا. وفي نهاية المقابلة، دعا لهم الملك بالتوفيق إلى ما فيه خير الوطن.
وكان الملك قد وجه كتاب التكليف إلى علي ماهر باشا، وجاء فيه: "عهدناكم صادق الوطنية، عظيم المقدرة، واسع الخبرة، والوطن اليوم، في اللحظات العصيبة، التي يمر بها، في أشد الحاجة لجهود الأمناء الأقوياء، من رجاله، ليؤدوا واجبهم نحوه، بما يحفظ كيانه، ويدعم بنيانه، ويوحد صفوفه إلخ.." وجاء في جواب علي ماهر قوله: "تفضلتم جلالتكم فحملتموني أمانة الحكم، في هذه الظروف الدقيقة، التي يواجه فيها الوطن أخطر الأزمات.. وأنى يا مولاي لمقدرٌ، أعظم التقدير، شرف ما أسبغتم علي من ثقة، فاستلهمت العون من الله، ومن عطف جلالتكم، معتمداً على ثقة الشعب الكريم، وتأييده، لما أنا متوجه إليه، من عمل حاسم منتج سريع، يرد الأمور إلى نصابها".
ويُلاحظ أن رئيس الوزراء، الذي اختارته القيادة، لثقتها فيه، لم يشر أية إشارة، ولو عابرة، إلى الجيش، أو إلى قيادته الجديدة، بل كانت الإشارة إلى "ثقة الشعب الكريم"، وكذلك الإشارة إلى ما يشكو منه المواطنون، من دون تخصيص فئة معينة.
ضمت هذه الوزارة، عند تأليفها عشرة وزراء فقط، (كانت وزارة الهلالي المستقيلة تضم خمسة عشر وزيراً)، وهؤلاء العشرة هم، مع حفظ الرتب: د.إبراهيم شوقي، إبراهيم عبدالوهاب، سعد اللبان، محمد علي رشدي، عبدالجليل العمري، ألفونس جريس، د. محمد زهير جرانة، محمد كامل نبيه، فؤاد شرين، عبدالعزيز عبدالله سالم، واحتفظ رئيس الوزراء بثلاث وزارات، هي الداخلية، والخارجية، والحربية.
وفي الساعة الثامنة وخمس دقائق مساء، ذهب الوزراء، إلى قصر رأس التين، وقيدوا أسماءهم في سجل التشريفات كما جري العرف بذلك.