الفصل الثامن:
مكان خروج الدجال   

الفصل الثامن: مكان خروج الدجال 2199
مكان خروج الدجال:
حَدَّدَتْ لنا السُّنَّة النبوية المطهرة مكان خروج الدجال ومُدَّةَ مُكثه في الأرض يكون خروج الدجال من خراسان
فعن أبي بكر -رضي الله عنه-، أن رسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الدجال يخرج من أرض بالمشرق، يقال لها: (خراسان)، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة"(1).
قال الحافظ ابن حجر: أن الدجال يخرج من قبل المشرق جزماً ثم جاء في رواية انه يخرج من خراسان.اهـ.(2)
خراسان: بلاد واسعة، أول حدودها مما يلي العراق أزاذوار قصبة جوين وبيهق، وآخر حدودها مما يلي الهند طخارستان وغزنة وسجستان وكرمان وليس ذلك منها إنما هو أطراف حدودها، وتشتمل على العالمين من البلاد منها نيسابور، وهراة، ومرو، وهي كانت قصبتها، وبلخ، وطالقان، ونسا، وأبيورد، وسرخس، وما يتخلل ذلك من المدن التي دون نهر جيحون. معجم البلدان (2/350).
وعنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يخرج من يهودية أصبهان معه سبعون ألفاً من اليهود عليهم التيجان".(3)
أصبهان: وكانت مدينة أصبهان بالموضع بالمعروف بجي، وهو الآن يعرف بشهرستان وبالمدينة، فلما سار بخت نصر وأخذ بيت المقدس وسبى أهلها، حمل معه يهودها وأنزلهم أصبهان فبنوا لهم في طرف مدينة جي محلة ونزلوها وسميت اليهودية، ومضت على ذلك الأيام والأعوام فخربت جي وما بقي منها إلا القليل وعمرت اليهودية، فمدينة أصبهان اليوم هي اليهودية. معجم البلدان(1/208).  
الدجال يخرج من أرض يعني بلد (بالمشرق) أي بجهة المشرق، يقال لها خراسان، بلد كبير مشهور قال البسطامي هو موضع الفتن ويكون خروجه إذا غلا السعر ونقص القطر قال ابن حجر أمَّا خروجه من قبل المشرق فجزم ثم جاء في هذه الرواية أنه يخرج من خراسان، وفي أخرى أنه يخرج من أصبهان أخرجه مسلم.
"كأن وجوههم المجان" واحدها مجن وهو الترس سُمِّيَ به لأنه يستر المستجن به أي يغطيه.
"المطرقة" بضم الميم وتشديد الراء المفتوحة أي الأتراس التي ألبست العقب شيئاً فوق شيء ذكره الزمخشري شبه وجوه أتباعه بالمجان في غلظها وعرضها وفظاظتها.

مدة مُكثه في الأرض
الدجال يمكث أربعين يوماً
سأل الصحابة الرسول -صلى الله عليه وسلم- قالوا: يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوما: يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة وسائر أيامه كأيامكم".
قالوا: يا رسول الله فذلك اليوم كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، أقدروا له.
قالوا: قلنا يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث إذا استدبرته الريح".(4)
قال النووي رحمه الله تعالى: وأما قولهم يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم قال لا أقدروا له قدره، فقال القاضي وغيره: هذا حكم مخصوص بذلك اليوم شرعه لنا صاحب الشرع، قالوا ولولا هذا الحديث ووكلنا إلى اجتهادنا لاقتصرنا فيه على الصلوات الخمس ثم الأوقات المعروفة في غيره من الأيام.
ومعنى أقدروا له قدره أنه إذا مضى بعد طلوع الفجر قدر ما يكون بينه وبين الظهر كل يوم فصلوا الظهر ثم إذا مضى بعده قدر ما يكون بينها وبين العصر فصلوا العصر، وإذا مضى بعد هذا قدر ما يكون بينها وبين المغرب فصلوا المغرب وكذا العشاء والصبح ثم الظهر ثم العصر ثم المغرب وهكذا حتى ينقضي ذلك اليوم، وقد وقع فيه صلوات سنة فرائض كلها مؤداة في وقتها، وأما الثاني الذي كشهر، والثالث الذي كجمعة فقياس اليوم الأول أن يقدر لهما كاليوم الأول على ما ذكرناه والله أعلم. اهـ.(5)
وعن الحضرمي بن لاحق، أن ذكوان أبا صالح أخبره أن عائشة أخبرته قالت: "دخل علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي، فقال لي ما يبكيك، قلت يا رسول الله ذكرت الدجال فبكيت، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يخرج الدجال وأنا حي كفيتكموه وأن يخرج الدجال بعدي فان ربكم عز وجل ليس بأعور انه يخرج في يهودية أصبهان حتى يأتي المدينة فينـزل ناحيتها، ولها يومئذ سبعة أبواب على كل نقب منها ملكان فيخرج إليه شرار أهلها حتى الشام مدينة بفلسطين بباب لد".
وقال أبو داود مرة: "حتى يأتي فلسطين باب لد فينـزل عيسى عليه السلام فيقتله، ثم يمكث عيسى عليه السلام في الأرض أربعين سنة إماماً عدلاً وحكماً مقسطاً"(6).
وعن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يخرج الدجال في أمتي فيمكث أربعين لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما، فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود، فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه، قال سمعتها من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال فيبقى شرار الناس في خفة الطير لا يعرفون معروفا ولا ينكرون بنو فيتمثل لهم الشيطان، فيقول ألا تستجيبون، فيقولون فما تأمرنا، فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم حسن عيشهم، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا، قال وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال، فيصعق ويصعق الناس، ثم يرسل الله أو قال ينـزل الله مطرا كأنه الطل أو الظل نعمان الشاك، فتنبت منه أجساد الناس، ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون، ثم يقال يا أيها الناس هلموا إلى ربكم وقفوهم إنهم مسؤلون، قال ثم يقال أخرجوا بعث النار، فيقال من كم، فيقال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، قال فذاك يوم يجعل الولدان شيبا، وذلك يوم يكشف عن ساق"(7).
قوله: "في كبد جبل": أي وسطه وداخله، وكبد كل شيء وسطه.
قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فيبقى شرار الناس في خفة الطير": قال العلماء معناه يكونون في سرعتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات والفساد كطيران الطير وفى العدوان وظلم بعضهم بعضا في العادية.
قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أصغى ليتا ورفع ليتا" الليت بكسر اللام وآخره مثناة فوق، وهى صفحة العنق وهى جانبه، وأصغى أمال.
قوله -صلى الله عليه وسلم-: "وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله": أي يطينه ويصلحه.(8)
وقوله: "وذلك يوم يكشف عن ساق" قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فروى عن ابن عباس وطائفة أن المراد به الشدة ان الله يكشف عن الشدة في الآخرة، وعن أبى سعيد وطائفة أنهم عدوها في الصفات للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين، ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على ان هذه من الصفات، فانه قال يوم يكشف عن ساق نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله ولم يقل عن ساقه، فمع عدم التعريف بالإضافة لا يظهر انه من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل إنما التأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها ومعناها المعروف ولكن كثير من هؤلاء يجعلون اللفظ على ما ليس مدلولا له ثم يريدون صرفه عنه ويجعلون هذا تأويلا وهذا خطأ من وجهين كما قدمناه غير مرة. اهـ.(9)
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في "قصة المسيح الدجال" (ص110): اتفقت جميع الأحاديث على أن أيام الدجال التي يسيح فيها في الأرض إنما هي أربعون.
ولكنها اختلفت في هذه الأيام، هل هي أربعون سنة، أم أربعون يوماً وليلة؟.  
والصحيح الذي يجب القطع به هو الثاني؛ لأنها أصح وأكثر. اهـ.
* * * * *
الهوامش:
1.    رواه الترمذي في كتاب الفتن برقم (1263)، السلسلة الصحيحة حديث رقم (1591)، وصحيح الجامع برقم (1607) ورقم (3404).
2.    فتح الباري (13/91).
3.    رواه أحمد في مسنده برقم (12865).
4.    رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2937).
5.    شرح النووي على صحيح مسلم (18/66).
6.    أخرجه الإمام أحمد في مسنده (6/75) رقم (24511)، وابن حبان برقم (1905)، وصححه الألباني في كتاب "قصة المسيح الدجال" (ص60).
7.    أخرجه مسلم برقم (2940).
8.    شرح النووي (18/76).
9.    محموع الفتاوى (394/6).