الفصل الخامس:
أتباع المسيح الدجال

الفصل الخامس: أتباع المسيح الدجال 2199
أتباع الدجال:
يكون أكثر الناس اتباعاً للدجال هم اليهود والنساء، كما أخبرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فالمسيح الدجال هو الملك الذي ينتظر اليهود خروجه، ليحكموا العالم في عهده.
فعن عثمان بن أبي العاص -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "أكثر أتباع الدجال اليهود والنساء"(1).  
اسم المسيح الدجال عند اليهود هو المسيح بن داود، وهم يزعمون أنه يخرج آخر الزمان، فيبلغ سلطانه البر والبحر، وتسير معه الأنهار، وهم يزعمون أنه آية من آيات الله، يرد إليهم الملك.(2)
قال الدكتور عمر الأشقر: وقد كذبوا في زعمهم، بل هو مسيح الضلالة الكذاب، وأما مسيح الهدى عيسى ابن مريم  فإنه يقتل الدجال مسيح الضلالة كما يقتل أتباعه من اليهود.(3)  

قبيل الدجال ثلاث سنوات شداد
يصيب الناس قبيل خروج الدجال بلاء شديد، فتمنع السماء القطر، وتحبس الأرض النبات، فيكون ذلك من أسباب فتنة الناس بالمسيح الدجال لما معه من خبز وماء، فمن أجل ذلك يتبعونه.
ففي حديث أبي أمامة: "... وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء في السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله، فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله، فلا تنبت خضراء، فلا يبقى ذات ظلف إلا هلكت إلا ما شاء الله، قيل: فما يُعيش الناس في ذلك الزمان؟ فقال: التهليل، والتكبير، والتحميد، ويجزئ ذلك عليهم مجزأة الطعام"(4).
ويدعي الدجال الألوهية، ويُعطى من الإمكانات أموراً مذهلة تفتن الناس فتنة عظيمة (5)، ومن ذلك.

سرعة انتقاله في الأرض:
ففي حديث النواس بن سمعان في صحيح مسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عن إسراع الدجال، فقال: "كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون".(6)
فأخبر الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث أن الناس يؤمنون بالدجال ويتبعونه، وذلك بسبب جهلهم، وتأثرهم به.
وفتنة الدجال هي فتنة شبهات وشهوات، فيكون معه جبالاً من خبز، وأنهار الماء، ويأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت، فيفتن الناس والعياذ بالله.

اتباع الدجال من اليهود
ويكون أكثر أتباع الدجال والعياذ بالله من الدهماء (7)، ومن اليهود، والعجم (8)، والترك، وأخلاط من الناس.
فعن أنس -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة".(9)
وعند أحمد مرفوعا: "سبعون ألفاً من اليهود عليهم التيجان".(10)
الطيالسة: جمع طيلسان أعجمي معرب، ضرب من الألبسة، وهو ثوب يلبس على الكتف، محيط بالبدن، ينسج ليلبس، خال من التفصيل والخياطة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فالنصارى الذين كفرهم الله ورسوله واتفق المسلمون على كفرهم بالله ورسوله كان من أعظم دعواهم الحلول والاتحاد بالمسيح بن مريم، فمن قال بالحلول والاتحاد في غير المسيح  كما  تقوله  الغالية في علي، وكما تقوله الحلاجية في الحلاج، والحاكمية في الحاكم وأمثال هؤلاء، فقولهم شر من قول النصارى لأن المسيح بن مريم أفضل من هؤلاء كلهم، وهؤلاء من جنس أتباع  الدجال الذي يدعى الإلهية ليتبع مع أن  الدجال يقول للسماء أمطري فتمطر، وللأرض أنبتي فتنبت، وللخربة أخرجي كنوزك فتخرج معه كنوز الذهب والفضة، ويقتل رجلاً مؤمناً ثم يأمر به فيقوم، ومع هذا فهو الأعور الكذاب الدجال، فمن ادَّعى الإلهية بدون هذه الخوارق كان دون هذا  الدجال. اهـ.(11)  
وفي حديث أبي بكر -رضي الله عنه-: "إن الدجال يخرج من قبل المشرق من مدينة يقال لها: خراسان، يتبعه أقوام كأن وجوههم المجان المطرقة".(12)
قال ابن كثير: والظاهر -والله أعلم- أن المراد هؤلاء الترك أنصار الدجال. اهـ.(13)
وقال الأخ يوسف الوابل في كتابه "أشراط الساعة" (ص312): قلت: وكذلك بعض الأعاجم، كما جاء وصفهم في حديث أبي هريرة "لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزاً وكرمان من الأعاجم، حمر الوجوه، فطس الأنوف، صغار الأعين، كأن وجوههم المجان المطرقة، نعالهم الشعر".(14)
قال ابن قيم الجوزية: يخرج الدجال بعد بلاء شديد يصيب الناس، وشبهات عظيمة مع رغبة عظيمة ورهبة عظيمة، ويتبعه أكثر الناس حتى اليهود مع دعواهم الكتاب هم أكثر الناس تبعا له، كما جاء في الصحيح عن أنس بن مالك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "يتبع  الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة". اهـ.(15)

أتباع الدجال من النساء والأعراب
ويكون كذلك أتباع الدجال من الناس غالبهم الأعراب والنساء، والسبب في ذلك هو الجهل الغالب على الأعراب، وسبب اتباع  النساء هو شدة تأثرهن.
ففي حديث أبي أمامة الطويل، قوله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك، فيقول نعم، فيتمثل له شيطانان في صورة أبيه وأمه فيقولان: يا بني! اتبعه فإنه ربك".(16)
وعنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "ينـزل الدجال في هذه السبخة فيكون أكثر من يخرج إليه النساء حتى إن الرجل ليرجع إلى حميمه والى أمه وابنته وأخته وعمته فيوثقها رباطاً مخافة أن تخرج إليه".(17)  
فالسبب في اتباع الدجال هو الجهل والضلال والعياذ بالله، فعليك أخي المسلم بالتقوى واليقين بالله تعالى لأنه هو المنجي من هذه الفتن كلها، وعليك بسلاح التقوى والإيمان بالله تعالى، لأنه كالسراج يضيء لك الطريق، وتنجلي فيه الأمور، وتوزن فيه الأعمال.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وإذا كان القلب معموراً بالتقوى انجلت له الأمور وانكشفت، بخلاف القلب الخراب المظلم، قال حذيفة بن اليمان: "إن في قلب المؤمن سراجا يزهر"، وفى الحديث الصحيح: "إن الدجال مكتوب بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن قارىء وغير قارىء"، فدل على أن المؤمن يتبين له مالا يتبين لغيره، ولا سيما في الفتن، وينكشف له حال الكذاب الوضاع على الله ورسوله، فإن الدجال أكذب خلق الله مع أن الله يجري على يديه أمورا هائلة ومخاريق مزلزلة حتى إن من رآه افتتن به فيكشفها الله للمؤمن حتى يعتقد كذبها وبطلانها، وكلما قوي الإيمان في القلب قوي انكشاف الأمور له، وعرف حقائقها من بواطلها، وكلما ضعف الإيمان ضعف الكشف، وذلك مثل السراج القوي والسراج الضعيف في البيت المظلم، ولهذا قال بعض السلف في قوله نور على نور قال: هو المؤمن ينطق بالحكمة المطابقة للحق وإن لم يسمع فيها بالأثر فإذا سمع فيها بالأثر كان نورا على نور، فالإيمان الذي في قلب المؤمن يطابق نور القرآن، فالإلهام القلبي تارة يكون من جنس القول والعمل، والظن أن هذا القول كذب وأن هذا العمل باطل، وهذا أرجح من هذا أو هذا أصوب. مجموع الفتاوى (20/45).
* * * * *
الهوامش:
1.    أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/216-217).
2.    لوامع الأنوار البهية (2/112).
3.    (القيامة الصغرى (244).
4.    صحيح الجامع حديث رقم (7875).
5.    من كتاب القيامة الصغرى للدكتور الفاضل عمر سليمان الأشقر (ص237).
6.    من حديث النواس بن سمعان، أخرجه مسلم في الفتن برقم (2937).
7.    الدهماء: الجماعة، وهم العدد الكثير من الناس، ودهماء الناس أي: جماعتهم.
8.    العَجَمُ ضد العرب الواحد عَجَمِيٌّ، والعُجْمُ بالضم ضد العرب وفي لسانه عُجْمَةٌ، وكل من لا يقدر على الكلام أصلا فهو أعْجَمُ ومُسْتَعْجِمٌ، والأَعْجَمُ أيضا الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وإن كان من العرب مختار الصحاح (1/175).
9.    رواه مسلم في كتاب الفتن برقم (2944).
10.    مسند أحمد برقم (12865).
11.    مجموع الفتاوى (2/481).
12.    السلسلة الصحيحة برقم (1591)، وصحيح الجامع حديث رقم (1607).
13.    النهاية في الفتن والملاحم (1/117) .
14.    صحيح البخاري، كتاب المناقب 06/604- فتح).
15.    بغية المرتاد (1/518).
16.    صحيح الجامع برقم (7752).
17.    أخرجه أحمد في مسند برقم (5099)، وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه للمسند (7/190) .