الفصل السابع:
الأحداث التي تسبق الدجال وموعد خروجه    
الفصل السابع: الأحداث التي تسبق الدجال وموعد خروجه     2199
الأحداث التي تسبق الدجال وموعد خروجه:
جعل الله سبحانه وتعالى خروج المسيح الدجال علامة على نهاية العالم، وعلامة على قرب نهاية الدنيا وفنائها، وجعل الله تعالى سبباً لخروجه، وفك قيوده في آخر الزمان أموراً تكون سبباً لظهوره وخروجه.

قبيل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد وجوع شديد ويكون طعام الناس التهليل، والتكبير، والتحميد
يسبق خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، ويصيب الناس جوع شديد، ويكون ذلك سبباً لاتباعهم الدجال.
فعن أبي أمامة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "وإن قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد، يصيب الناس فيها جوع شديد.
يأمر الله السماء السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها.
ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها.
ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله.
فلا تنبت خضراء فلا يبقى ذات ظِلف إلا هلكت إلا ما شاء الله.
قيل: فما يعيش الناس في ذلك الزمان؟
قال: التهليل، والتكبير، والتحميد، ويجزئ ذلك عليهم مجزأة الطعام".(1)  

خروج الدجال بعد فتح القسطنطينية
ويكون موعد خروج الدجال بعد قتال الروم، وبعد فتح القسطنطينية من قبل المسلمين، وبعد ظهور المهدي.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-  قال: "لا تقوم الساعة حتى ينـزل الروم بالأعماق أو بدابق، فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ، فإذا تصافوا قالت الروم خلوا بيننا وبين الذين سَبُوا منا نقاتلهم.
فيقول المسلمون لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا، فيقاتلونهم فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء ثم (2) الله ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا فيفتتحون قسطنطينية.
فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان إن المسيح قد خلفكم في أهليكم، فيخرجون وذلك باطل.
فإذا جاؤوا الشام خرج.
فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة فينـزل عيسى بن مريم -صلى الله عليه وسلم- فأمهم.
فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء فلو تركه لانذاب حتى يهلك ولكن يقتله الله بيده فيريهم دمه في حربته"(3).
قوله: "فينـزل الروم بالأعماق أوبدابق": ولعله جاء بلفظ الجمع، والمراد به العمق، وهي كورة قرب دابق  بين حلب وانطاكية.(4)
وهما موضعان قرب الشام.
وفتح القسطنطينية هذا هو الفتح الأخير غير الذي تم على يد محمد الفاتح.

خروج الدجال بعد الملحمة مع الروم وبعد خراب يثرب وعمران بيت المقدس
أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن هناك ملحمة ستقع بين المسلمين والروم، ثم يفتح المسلمون القسطنطينية، وبعدها يخرج الدجال، ويكون خروجه كذلك بعد عمران بيت المقدس، وخراب يثرب.
فعن معاذ -رضي الله عنه-، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "عمران بيت المقدس خراب يثرب، وخراب يثرب خروج الملحمة، وخروج الملحمة فتح القسطنطينية، وفتح القسطنطينية خروج الدجال ثم ضرب بيده على فخذه الذي حدث أو منكبه ثم قال إن هذا لحق كما أنك هاهنا أو كما أنك قاعد يعني معاذ بن جبل".(5)
يثرب: هي المدينة النبوية المنورة.
وفي رواية عن أبي بحرية عن معاذ بن جبل قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الملحمة الكبرى وفتح  القسطنطينية  وخروج الدجال في سبعة أشهر".  
وحديث عبد الله بن بسر رفعه: "بين الملحمة وفتح المدينة ست سنين ويخرج الدجال في السابعة".
قال ابن حجر: وإسناده أصح من إسناد حديث معاذ.(6)
وخراب المدينة يكون في آخر الزمان والله أعلم، قرب قيام الساعة.
فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافي -يريد عوافي الطير والسباع-
وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة،ينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشاً، حتى إذا بلغا ثنية الوداع، خراً على وجوههما".(7)
العوافي: جمع عافية، وهي التي تطلب أقواتها ويقال للذكر عاف.
قوله: ينعقان بكسر المهملة بعدها قاف النعيق زجر الغنم يقال نعق ينعق بكسر العين وفتحها نعيقاً ونعاقاً ونعقاناً إذا صاح بالغنم.
قال الحافظ ابن حجر: وقال النووي: المختار أن هذا الترك يكون في آخر الزمان ثم قيام الساعة ويؤيده قصة الراعيين فقد وقع ثم مسلم بلفظ ثم يحشر راعيان وفي البخاري أنهما آخر من يحشر، قلت ويؤيده ما روى مالك عن بن حماس بمهملتين وتخفيف عن عمه عن أبي هريرة رفعه: "لتتركن المدينة على أحسن ما كانت حتى يدخل الذئب فيعوي على بعض سواري المسجد أو على المنبر، قالوا فلمن تكون ثمارها، قال للعوافي الطير والسباع".
ثم قال الحافظ: روى عمر بن شبة بإسناد صحيح عن عوف بن مالك قال: "دخل رسول الله-صلى الله عليه وسلم-  المسجد ثم نظر إلينا فقال أما والله ليدعنها أهلها مذللة أربعين عاما للعوافي أتدرون ما العوافي الطير والسباع"، قلت وهذا لم يقع قطعا.اهـ. فتح الباري (4/91).
قال الحافظ ابن كثير: والمقصود أن المدينة تكون باقية عامرةً أيام الدجال، ثم تكون كذلك في زمان عيسى بن مريم رسول الله عليه الصلاة والسلام، حتى تكون وفاته بها، ودفنه، ثم تخرب بعد ذلك. اهـ.(8)
فعلى هذا يكون خروج الناس من المدينة بالكلية وخرابها  في آخر الزمان، وبعد خروج الدجال، ونزول عيسى عليه السلام.
ويؤيد هذا القول كما جاء في رواية البخاري السابقة عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: "وآخر من يحشر راعيان من مزينة يريدان المدينة، ينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشا…".
أي خالية من الناس، أو أن الناس تكون قد سكنتها. والله أعلم.

خروج الدجال من غضبة يغضبها
ويكون سبب خروجه من غضبة يغضبها.
فعن أيوب عن نافع قال: لقي بن عمر -رضي الله عنه- بن صائد في بعض طرق المدينة، فقال له قولاً أغضبه فانتفخ حتى ملأ السكة، فدخل بن عمر على حفصة -رضي الله عنها-، وقد بلغها فقالت له: رحمك الله ما أردت من بن صائد أما علمت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قال إنما يخرج الدجال من غضبة يغضبها"(9).
وعن نافع قال: "كان نافع يقول عن بن صياد، قال: قال بن عمر: لقيته مرتين، قال: فلقيته، فقلت لبعضهم هل تحدثون أنه هو، قال لا والله، قال قلت: كذبتني والله لقد أخبرني بعضكم أنه لن يموت حتى يكون أكثركم مالا وولدا فكذلك هو زعموا اليوم، قال فتحدثنا ثم فارقته، قال فلقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه، قال فقلت متى فعلت عينك ما أرى، قال لا أدري، قال قلت لا تدري وهي في رأسك، قال إن شاء الله خلقها في عصاك هذه، قال فنخر كأشد نخير حمار سمعت، قال فزعم بعض أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت وأما أنا فو الله ما شعرت، قال وجاء حتى دخل على أم المؤمنين فحدثها، فقالت: ما تريد إليه، ألم تعلم أنه قد قال إن أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه".(10)
قال المناوي: من غضبة، أي لأجل غضبة يتحلل بها سلاسله.
يغضبها قال الطيبي  قيل يغضبها في محل صفة غضبة والضمير للغضبة وهو في محل نصب على المصدر، أي أنه يغضب غضبة فيخرج بسبب غضبه، والقصد الإشعار بشدة غضبه حيث أوقع خروجه على الغضبة، وهي المرة من الغضب ويحتمل جعله مفعولاً مطلقاً على رأي من يجوز كونه ضميراً. اهـ. فيض القدير.
* * * * *
الهوامش:
1.    صحيح الجامع رقم (7875)، والسلسلة الصحيحة برقم (2457).
2.    أي: عند.
3.    أخرجه مسلم في صحيحه برقم (2897)، باب في فتح قسطنطينية، وخروج الدجال، ونزول عيسى بن مريم.
و ظاهر الأحاديث تدل على أن الروم أكثر الناس في آخر الزمان، فعن المستورد القرشي، أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال: "تقوم الساعة والروم  أكثر الناس". أخرجه مسلم برقم (2898)، باب تقوم الساعة والروم  أكثر الناس.
4.    معجم البلدان (1/222).
5.    أخرجه الإمام أحمد في مسنده برقم (22076)، وأخرجه أبو داود أبي داود في سننه برقم (4294)، باب في تواتر الملاحم ، والترمذي برقم (2237) وفي مصنف ابن أبي شيبة برقم (37201)، وصححه الألباني في  صحيح الجامع حديث رقم (4096)، ومشكاة المصابيح برقم (5424).
6.    فتح الباري ج (6/278).
7.    أخرجه البخاري برقم (1775).
8.    النهاية الفتن والملاحم (1/158).
9.    أخرجه مسلم برقم (2932).
10.    أخرجه مسلم برقم (2932).