|
| الزمرة التاسعة: قصص العاشقين من الصالحين | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الزمرة التاسعة: قصص العاشقين من الصالحين الجمعة 18 أكتوبر 2024, 9:09 pm | |
| الزمرة التاسعة قصص العاشقين من الصالحينتقديم: يهجم العشق في بعض الأحيان على النفوس من غير استئذان, فيحل فيها ويلازمها, وكم من صاحب عقل راجح, وفكر ثاقب, ملكه العشق, وكان يظن أنه أبعد الناس عن أحوال العاشقين. والعشق الفاسد هو الذي تصحبه الفاحشة بالمعشوق, أمّا العاشق العفيف الذي يأبى عليه إيمانه وعفته ومروءته أن يفسد ما بينه وبين الله, فهذا لا حرج عليه. وهذه باقة من قصص العاشقين من الصالحين فيهم قدوة لمن ابتلي بمثل بلائهم, وأصابه ما أصابهم, فهذا النوع من العشق -كما يقول ابن القيم- «عشق الكرام والأئمة الأعلام». ***القصة الثالثة والثمانونعشق الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز لجارية امرأته قال ابن القيم في ]الجواب الكافي: ص309[: «هذا عمر بن عبدالعزيز عشق جارية امرأته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان, وقصته مشهورة. وكانت جارية بارعة الجمال, وكان معجبًا بها, وكان يطلبها من امرأته, ويحرص على أن تهبها له فتأبى, ولم تزل الجارية في نفس عمر, فلمَّا استخلف أمرت فاطمة بالجارية فأصلحت, وكانت مثلًا في حُسنها وجمالها, ثم دخلت على عمر, وقالت: يا أمير المؤمنين إنك كنت معجبًا بجاريتي فلانة, فسألتني أن أهبها لك, فأبيت عليك, والآن فقد طابت نفسي لك بها، فلمَّا قالت له ذلك استبان الفرح في وجهه, قال: عجّلي بها عليَّ, فلمَّا دخلت بها عليه ازداد بها عجبًا. وقال لها: ألقي ثيابك, ففعلت. ثم قال لها: على رسلكِ, أخبريني لِمَنْ كُنتِ؟ ومن أين صرتِ لفاطمة؟ فقالت: أغرم الحجاج عاملًا له بالكوفة مالًا, وكنت في رقيقه ذلك, قالت: فأخذني, وبعث بي إلى عبد الملك, فوهبني لفاطمة, قال: وما فعل ذلك العامل؟ قالت: هلك. قال: وهل ترك ولدًا؟ قالت: نعم. قال: فما حالهم؟ قالت: سيئة. قال: شُدّي عليكِ ثيابكِ, واذهبي إلى مكانكِ. ثم كتب إلى عامله على العراق: أن ابعث إليَّ فلان بن فلان على البريد, فلمَّا قدم قال له: ارفع إليَّ جميع ما أغرمه الحجاج لأبيك, فلم يرفع إليه شيئًا إلا دفعه إليه, ثم أمر بالجارية, فدفعت إليه, ثم قال له: إيَّاك وإيَّاها, فلعل أباك قد وقع بها, فقال الغلام: هي لك يا أمير المؤمنين, قال: لا حاجة لي بها. قال: فابتعها مني, قال: لست إذا ممن نهى نفسه عن الهوى, فلما عزم الفتى على الانصراف قالت: أين وجدُك بي يا أمير المؤمنين؟ قال: على حاله, ولقد زاد بي, ولم تزل الجارية في نفس عمر حتى مات رحمه الله». ***
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة التاسعة: قصص العاشقين من الصالحين الجمعة 18 أكتوبر 2024, 9:11 pm | |
| القصة الرابعة والثمانونعشق الفقيه داود الظاهري أورد ابن القيم رحمه الله في كتابه ]الجواب الكافي: ص310[ قصة أبي بكر محمد بن داود الظاهري العالم المشهور في فنون العلم من الفقه والحديث والتفسير والأدب, وله قول في الفقه, وهو من أكابر العلماء, ليدلّ على أن مَنْ عشق مبتعدًا عن الفاحشة في عشقه, فلا حرج عليه. وذكر ابن القيم رحمه الله في قصة عشق داود أن نفطويه قال: دخلت عليه في مرضه الذي مات فيه, فقلت: كيف تجدك؟ قال: حبّ من تعلم أورثني ما ترى. فقلت: وما يمنعك من الاستمتاع به مع القدرة عليه؟ فقال: الاستمتاع على وجهين: أحدهما: النظر المباح والآخر: اللذة المحظورة, فأمَّا النظر المباح، فهو الذي أورثني ما ترى, وأمَّا اللذة المحظورة, فيمنعني منها ما حدثني أبي, حدثنا سويد بن سعيد, حدثنا علي بن مسهر, عن أبي يحيى القتات, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه: «من عشق وكتم وعف, وصبر غفر الله له وأدخله الجنة» ثم أنشد: انظر إلى السحر يجري من لواحظه وانظر إلى دعجٍ في طرفه الساجي وانظر إلى شعرات فوق عارضه كأنهن نمال دب في عاج
ثم أنشد: ما لهم أنكروا سوادًا بخديه ولا ينكرون ورد الغصون؟ إن يكن عيب خده أن بدا شعر فعيب العيون شعر الجفون
فقالت له: نفيت القياس في الفقه, وأثبته في الشعر؟ فقال: غلبة الوجد وملكة الوجه النفس دعت إليه, ثم مات من ليلته, وبسبب معشوقه صنف كتاب الزهرة. ومن كلامه فيه: «من يئس ممن يهواه ولم يمت من وقته سلاه. وذلك أن أول روعات اليأس تأتي القلب وهو غير مستعد لها, فأما الثانية فإنها تأتي القلب وقد وطأته لها الروعة الأولى». والتقى هو وأبو العباس بن سريج في مجلس أبي الحسن علي بن عيسى الوزير, فتناظرا في مسألة من الإيلاء, فقال له ابن سريج: أنت بأن تقول: من دامت لحظاته كثرت حسراته أحذق منك بالكلام على الفقه. فقال: كان ذاك, أما الآن فإني أقول: أنزه في روض المحاسن مقلتي وأمنع نفسي أن تنال محرما وأحمل من ثقل الهوى ما لو أنه يصب على الصخر الأصم تهدما وينطق طرفي عن مترجم خاطري فلولا اختلاسي وده لتكلما رأيت الهوى دعوى من الناس كلهم فلست أرى ودًّا صحيحا مسلما
فقال له أبو العباس بن سريج: تفخر علي؟ ولو شئت لقلت: ومطاعم كالشهد في نغماته قد بت أمنعه لذيذ سناته بصبابة وبحسنه وحديثه وأنزه اللحظات عن وجناته حتى إذا ما الصبح لاح عموده ولّى بخاتم ربه وبراته
وقال أبو بكر: يحفظ عليه الوزير ما أقرّ به حتى يقيم شاهدين على أنه ولى بخاتم ربه وبراءته, فقال ابن سريح: يلزمني في هذا ما يلزمك في قولك: أنزه في روض المحاسن مقلتي وأمنع نفسي أن تنال محرما
فضحك الوزير, وقال: لقد جمعهما لطفًا وظرفًا, ذكر ذلك أبو بكر الخطيب في تاريخه. *** |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة التاسعة: قصص العاشقين من الصالحين الجمعة 18 أكتوبر 2024, 9:12 pm | |
| القصة الخامسة والثمانونلو ملكت منه ما ملك مني لم أبعه بالأموال الجزيلة ذكر ابن كثير في ]البداية والنهاية: 11/174[ أن أحمد بن محمد المعروف بأبي حامد صاحب بيت المال اتفق في أيامه أن رجلًا من أهل العلم كانت له جارية يحبها حبًّا شديدًا, فركبته ديون اقتضت بيع تلك الجارية في الدَّين, فلما أن قبض ثمنها ندم ندامة شديدة على فراقها, وبقي متحيرا في أمره, ثم باعها الذي اشتراها, فوصلت إلى ابن أبي حامد هذا, وهو صاحب بيت المال, فتشفع صاحبها الأول- الذي باعها في الدَّين- ببعض أصحاب ابن أبي حامد في أن يردها إليه بثمنها, وذكر له أنه يحبها, وأنه من أهل العلم, وإنما باعها في دَيْن ركبه لم يجد له وفاءً. فلما قال له ذلك لم يكن عند ابن أبي حامد شعور بما ذكر له من أمر الجارية, وذلك أن امرأته كانت اشترتها له, ولم تعلمه بعد بأمرها حتى تحل من استبرائها, وكان ذلك اليوم آخر الاستبراء , فألبستها الحلي والمصاغ وصنعتها له وهيأتها ، حتى صارت كأنها فلقة قمر, وكانت حسناء, فحين شفع صاحبه وذكر أمرها بهت لعدم علمه بها. ثم دخل على أهله يستكشف خبرها من امرأته, فإذا بها قد هيئت له, فلما رآها على تلك الصفة فرح فرحًا شديدًا؛ إذ وجدها كذلك من أجل سيدها الأول, الذي تشفع فيه صاحبه, فأخرجها معه, وهو يظهر السرور, وامرأته تظن أنه إنما أخذها ليطأها, فأتى بها إلى ذلك الرجل بحليها وزينتها, فقال له: هذه جاريتك؟ فلما رآها على تلك الصفة في ذلك الحلي والزينة معع الحسن الباهر اضطرب كلامه, واختلط في عقله مما رأى من حسن منظرها وهيئتها. فقال: نعم. فقال: خذها بارك الله لك فيها. ففرح الفتى بها فرحًا شديدًا, وقال سيدي تأمر بمن يحمل ثمنها إليك؟ فقال: لا حاجة لنا بثمنها, وأنت في حلٍّ منه, أنفقه عليك وعليها, فإني أخشى أن تفتقر, فتبيعها لمن لا يردها عليك, فقال: يا سيدي وهذا الحلي والمصاغ الذي عليها؟ فقال: هذا شيء وهبناه لها لا نرجع فيه, ولا يعود إلينا أبدًا, فدعا له واشتد فرحه بها جدًّا, وأخذها وذهب. فلما أراد أن يودع ابن أبي حامد قال ابن أبي حامد للجارية: أيما أحب إليك نحن أو سيدك هذا؟ فقالت: أما أنتم، فقد أحسنتم إليّ وأعنتموني, فجزاكم الله خيرًا, وأما سيدي هذا، فلو أني ملكت منه ما ملك مني لم أبعه بالأموال الجزيلة, ولا فرطت فيه أبدًا, فاستحسن الحاضرون كلامها, وأعجبهم ذلك من قولها, مع صغر سنها. ***
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة التاسعة: قصص العاشقين من الصالحين الجمعة 18 أكتوبر 2024, 9:17 pm | |
| القصة السادسة والثمانونما في البصرة أقبح من أمهما ولا أحب إليَّ منها قال أحمد بن يوسف الكاتب: حدثني أحمد بن أيمن كاتب أحمد بن طولون, قال: «دخلت بالبصرة إلى تاجر ذهب عني اسمه, فرأيت بين يديه ابنين له في نهاية من النظافة, فلما رآني أُقبل بنظري إليهما, قال لي: «أحب أن تعوِّذهما», ففعلت, وقلت له: «استجدت الأم فحسن نسلك!», فقال: «ما بالبصرة أقبح من أمهما, ولا أحب إلي منها, ولها معي خبر عجيب», فسألته أن يحدِّثنيه, فقال: «كنت أنزل الأُبُلَّة وأنا متعيش, فحملت منها تجارة إلى البصرة فربحت, وحملت من البصرة إلى الأُبُلَّة فربحت, ولم أزل أحمل من هذه إلى هذه, فأربح ولا أخسر, حتى كثر مالي, وتعالم الناس إقبالي, وآثرت السكنى بالبصرة, وعلمت أنه لا يحسن بي المقام بها بغير زوجة, ولم يكن بها أجل قدرًا من جدِّ هذين الغلامين. وكانت له بنت قد عضلها, وتعرّض لعداوة خطّابها, فحدثتني نفسي بلقائه فيها, فجئته على خلوة, وقلت له: «يا عم! أنا فلان بن فلان التاجر», فقال: «ما خفي عني محلك ومحل أبيك!». فقلت: «قد جئتك خاطبًا لابنتك», فقال: «والله ما بي عنك رغبة, ولقد خطبها إليَّ جماعة من وجوه البصرة وما أجبتهم, وإني لكاره من إخراجها عن حضني إلى من يقوِّمها تقويم العبيد». فقلت: «قد رفعها الله عن هذا الموضع, وأنا أسألك أن تدخلني في عددك, وتخلطني بشملك», فقال: «ولابد من هذا!», قلت: «لابد, وهو زائد في فضلك عليّ, واصطناعك إياي», فقال: «اغد عليّ برجالك». فانصرفت عنه إلى ملأٍ من التجار ذوي أخطار, فسألتهم الحضور معي في غد, فقالوا: «إنك لتحرّكنا إلى سعي ضائع», قلت: «لابد من ركوبكم معي» فركبوا على ثقة من أنه يردهم, وغدونا عليه, فأحسن الإجابة وزوّجني, وأطعم القوم ونحر لهم, وانصرفوا. ثم قال لي: «إن شئت أن تبيت بأهلك فافعل, فليس لها ما يحتاج إلى التلوم عليه». فقلت: «هذا يا سيدي ما أحبه». فلم يزل يحدثني بكل حسن حتى كانت المغرب, فصلاّها بي, ثم سبَّح وسبّحت, ودعا ودعوت, إلى أن كانت العتمة فصلاّها بي, وأخذ بيدي, فأدخلني إلى دار قد فرشت بأحسن فرشة, بها خدم وجوارٍ في نهاية من النظافة, فما استقر بي الجلوس حتى نهض, وقال: «أستودعك الله, وقدّم الله لكما الخبرة, وأحرز التوفيق». واكتنفني عجائز من شمله, فجلون ابنته عليّ, فما تأملت طائلًا وأرخت الستور علينا, فقالت: «يا سيدي! إني سرٌّ من أسرار والدي, كتمه عن سائر الناس, وأفضى به إليك, ورآك أملًا لستره عليه, فلا تخفر ظنه فيك, ولو كان الذي يُطلب من الزوجة حسن صورتها دون حسن تدبيرها وعفافها, لعظُمت محنتي. وأرجو أن يكون معي منهما أكثر مما قصّر بي في حسن الصورة»، ثم وثبت فجاءت بمال في كيس, فقالت: «يا سيدي! قد أحل الله لك معي ثلاث حرائر, وما آثرته من الإماء, وقد سوّغتك تزوج الثلاث, وابتياع الجواري من مال هذا الكيس, فقد أوقفته على شهواتك, ولست أطلب منك إلا ستري فقط». فقال لي أحمد: فحلف لي التاجر: «إنها ملكت قلبي ملكًا لم تصل إليه حَسَنةٌ بحُسنها, فقلت لها: جزاء ما قدمتيه ما تسمعيه مني: «والله لا أصبت من غيرك أبداً, ولأجعلنك حظي من دنياي فيما يؤثره الرجل من المرأة!», وكانت أشفق النساء, وأضبطهم, وأحسنهم تدبيرًا فيما تتولاه بمنزلي, فتبيّنت وقوع الخيرة في ذلك, ولحقتني السِّن, فصارت حاجتي إلى الصواب أكثر منها إلى الجماع. وشكر الله لي ما تلقيت به جميل قولها, وحُسْن فعلها, فرزقني منها هذين الابنين الرائعين لك, ونحن منقطعون إلى جودِه فينا, وإحسانه إلينا»؛ ]المكافأة وحسن العقبى: ص58[. ***
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة التاسعة: قصص العاشقين من الصالحين الجمعة 18 أكتوبر 2024, 9:18 pm | |
| القصة السابعة والثمانونهذا عندي أعزُّ من قومي ومن جاري جلس «معاوية بن أبي سفيان» بمجلس كان له بدمشق, وكان ذلك الموضع مفتح الجوانب, يدخل منه النسيم, فبينما هو جالس ينظر إلى بعض الجهات, وكان يومًا شديد الحرّ؛ لا نسيم فيه, وكان وسط النهار, إذ نظر إلى رجل يمشي نحوه, وهو يتلظى من حر التراب, ويحجل في مشيه حافيًا, فتأمله معاوية, وقال لجلسائه: هل خلق الله أشقى ممن يحتاج إلى الحركة في مثل هذه الساعة؟ فقال بعضهم: لعله يقصد أمير المؤمنين. فقال: والله, إن كان هو قاصدي لأعطينّه, أو مستجيرًا لأجيرنّه, أو مظلومًا لأنصرنّه, يا غلام, قف بالباب, فإن طلبني هذا الأعرابي, فلا تمنعه الدخول. فخرج الغلام, فوافى الأعرابي, فقال: ما تريد؟ قال: أمير المؤمنين. قال: ادخل، فدخل وسلّم على «معاوية». فقال: ممن الرجل؟ فقال: من «تميم». قال: ما الذي جاء بك في هذا الوقت؟ قال: جئت إليك مشتكيًا, وبك مستجيرًا. قال: ممن؟ قال: من عاملك: «مروان بن الحكم».
وأنشد:معاوي يا ذا الجود والحلم والفضل ويا ذا الندى والعلم والرشد والبذل أتيتك لمّا ضاق في الأرض مذهبي فيا غوث لا تقطع رجائي من العدل وجد لي بإنصاف من الجائر الذي بلاني بشيء كان أيسره قتلي سباني (سُعدى) وانبرى لخصومتي وجارَ ولم يعدل وغاصبني أهلي وهمَّ بقتلي غير أنَّ منيَّتي تأنَّت ولم أستكمل الرزق من أجلي
فلما سمع معاوية إنشاده, والنار تتوقد من فيه. قال: مهلًا يا أخا العرب, اذكر قصتك, وأفصح عن أمرك. فقال: يا أمير المؤمنين, كانت لي زوجة, وهي ابنة عمي, وكنت لها محبًّا, وبها كلفًا, وكنت بها قرير العين, طيّب العيش, وكان لي صرمة من الإبل؛ أستعين بها على قيام حالي, وكفاف أودي, فأصابتني سَنَةٌ ذات حطمة شديدة, أذهبت الخُفّ والظُلف, وبقيت لا أملك شيئًا. فلمَّا قَلَّ ما بيدي, وذهب مالي, وفسد حالي, صِرْتُ مُهاناً ثقيلًا على وجه الأرض, قد أبعدني مَنْ كان يشتهي القرب مني, وازْوَرَّ عني مَنْ كان يرغب في زيارتي, فلمَّا علم أبوها ما بي من سُوء الحال, وشرّ المَآل, أخذها مني وجحدني, وطردني, وأغلظ عليَّ, فأتيتُ إلى عاملك, «مروان بن الحكم» مستصرخًا به, راجيًا نُصرته, فأحضر أباها, وسأله عن حالي. فقلت: أصلح الله الأمير!! إن رأى أن يحضرها ويسألها عن قول أبيها, فليفعل. فبعث إليها مروان, وأحضرها مجلسه, فلمَّا وقفت بين يديه, وقعت منه موقع الإعجاب, فصار لي خصمًا, وعليَّ مُنكرًا, فانتهرني, وأظهر لي الغضب, وبعث بي إلى السجن. فبقيت كأنما خررتُ من السماء إلى مكانٍ سحيقٍ. ثم قال لأبيها: هل لك أن تزوجنيها على ألف دينار لها, وعشرة آلاف درهم لك, وأنا ضامن لك خلاصها من الأعرابي. فرغب أبوها, في البذل وأجابه إلى ذلك, فلمَّا كان من الغد, بعث إليَّ وأخرجني من السجن, وأوقفني بين يديه, ونظر إليَّ كالأسد الغضبان, وقال: يا أعرابي, طلّق «سُعدى». قلت: لا أطلقها. فسلَّط عليَّ جماعة من غلمانه, فأخذوا يعذبونني بأنواع العذاب, فلم أجد بُدًّا من ذلك؛ ففعلتُ, ثم أعادني إلى السجن, فمكثتُ فيه إلى أن انقضت عِدَّتُها, فتزوجها, ودخل بها, وأطلقني بعد ذلك, وقد أتيتُك راجيًا, وبك مستجيرًا.
وأنشد:في القلب مني نار والنار فيها استعار والجسم منّي سقيمٌ فيه الطبيب يحار وفي فؤادي جمرٌ والجمر فيه شرار والعين تهطل دمعاً فدمعها مدرار وليس إلا ربيّ وبالأمير انتصار
فاضطرب وخرّ مغشيًّا عليه, وصار يتلوَّى كالحيّة المقتولة, فلمَّا سمع معاوية كلامه وإنشاده, قال: تعدَّى وظلم «ابن الحكم» في حُدود الدين, واجترأ على حُرم المسلمين, ثم قال: والله, يا أعرابي, لقد أتيتني بحديث لم أسمع بمثله, ثم دعا بدواة وقرطاس وكتب إلى مروان بن الحكم: «قد بلغني أنك اعتديت على رعيتك, وانتهكت حُرمةً مَنْ حُرَمِ المسلمين, وتعدَّيت في حدود الدين, وينبغي لمن يكون واليًا أن يغضّ بصره عن شهواته, ويزجر نفسه عن لذّاته».
ثم كتب إليه بعد كلامًا اختصرته, يقول فيه:ولَّيت ويحك أمرًا لست تدركه فاستغفر الله من فعل امرئ زانِ وقد أتانا الفتى المسكين منتحبًا يشكو إلينا ببَثٍ ثمَّ أحزانِ أعطي الإله يميناً لا أكفرها نعم وأبرأ من ديني وديّاني إن أنت خالفتني فيما كتبت به لأجعلنّك لحما بين عقبانِ طلّق سُعاد وجهزها معجّلة مع «الكميت» ومع «نضر بن ذيبان»
ثم طوى الكتاب وطبعه بخاتمه, واستدعى الكميت, ونضر بن ذيبان وكان يستنهضهما في الحوائج لأمانتهما. قال: فأخذاه, وسارا حتى قدما المدينة, فدخلا على «مروان بن الحكم»، فسلّما إليه الكتاب, وأعلماه بصورة الأمر, فجعل مروان يقرؤه ويبكي, وقام إلى «سعدى»، فطلّقها بحضرة «الكميت»، و«نضر بن ذيبان», وجهزّها إليه مع الرسولين المذكورين, وكتب «مروان» كتابًا اختصرت منه فصلًا, قال فيه: لا تعجلنَّ أمير المؤمنين فقد أوفى بنذرك في رفق وإحسان وما أتيتُ حراماً حين أعجبني فكيف أدعى باسم الخائن الزاني اعذر فإنَّك لو أبصرتها لجرت منك الأماني على تمثال إنسان فسوف تأتيك شمس ليس يعدلها عند الخليفة من إنس ولا جان
وبقية من هذه القصيدة أبيات أعرضت عن ذكرها. وختم الكتاب, ودفعه إلى الرسولين, وسلّمهما الجارية, وسارا حتى وصلا إلى أمير المؤمنين, فسلّما إليه كتاب مروان, فقرأه معاوية, فقال: أحسن في الطاعة، وأطنب في ذكر الجارية، وحُسنها، ثم طلب الجارية، فلمَّا رآها دهش لحُسنها وجمالها، وعجب من هيئتها، وقدّها، واعتدالها فخاطبها، فوجدها أفصح النساء، بعذوبة منطق، فقال: عليَّ بالأعرابي. فأتى إليه، وهو في غاية من سُوء الحال. فقال: يا أعرابي، هل لك عن «سُعدى» من سلوة، وأنا أعوّضك عنها ثلاث جوار أبكار، مع كل واحدة ألف دينار، وأقسم لك من بيت المال ما يكفيك في كل سَنَةٍ، ويُعينك على صحبتهن؟ فلمَّا سمع الأعرابي كلام معاوية، شهق شهقة ظنّ معاوية أنه قد مات. فقال له معاوية: ما بالك؟ قال: شرُّ بال، وأسوأ حال، استجرتُ بعدلك من جُور «ابن الحكم»، فبمَنْ أستجير من جُورك؟
وأنشد:لا تجعلني فداك الله من ملك كالمستجير من الرَّمضاء بالنارِ اردد سعاد على حيران مكتئبٍ يُمسي ويُصبح في همّ وتذكارِ أطلق وثاقي ولا تبخل عليَّ بها فإن فعلت فإني غير كفَّارِ
ثم قال: والله يا أمير المؤمنين، لو أعطيتني ما حوته الخلافة، ما اعتضته دون «سُعدى».
وأنشد:أبى القلب إلا حب «سعدى» وبغضت إليَّ نساءٌ ما لهنَّ ذنوبُ
فقال معاوية: يا أعرابي، أنت مُقِرٌّ أنك طلَّقتها، ومروان أقَرَّ أنه طلَّقها، ونحن نخيرها؛ فإن اختارت سواك زوّجناها منه، وإن اختارتك رجعناها إليك. قال: افعل، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فقال لها معاوية: ما تقولين يا سعدى؟ أيُّنا أحبّ إليك: أمير المؤمنين في عزّه وشرفه وسلطانه وقصوره، وما تصيرين عنده، أو «مروان بن الحكم» في عسفه وجُوره، أو هذا الأعرابي؛ في جُوعه وفقره وسُوء حاله؟
فأنشدت:هذا وإن كان ذا جوع وإضرار أعزّ عندي من قومي ومن جاري وصاحبِ التاج أو مروان عامله وكلِّ ذي درهم عندي ودينارِ
ثم قالت: والله يا أمير المؤمنين، ما أنا بخاذلته من أجل حادثة الزمان، ولا لغدرات الأيام، وإن لي معه صُحبةً قديمة لا تُنسى، ومحبةً لا تُبلى، وأنا أحَقُّ مَنْ صَبَرَ معه على الضرَّاء، كما تنعَّمتُ معه في السَّراء. فتعجب معاوية من عقلها ومروءتها، وأمر لها بعشرة آلاف درهم، وكسوة وللأعرابي بمثل ذلك، وردَّها بعقد صحيح؛ [المختار من نوادر الأخبار: ص95]. ***
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| | | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة التاسعة: قصص العاشقين من الصالحين الجمعة 18 أكتوبر 2024, 9:19 pm | |
| القصة التاسعة والثمانونعشق عتبة بن الحباب ريّا بنت الغطريف ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه [الجواب الكافي: ص314] قصة عشق عتبة هذا، وكيف قام عبد الله بن معمر القيسي وجماعة من أبناء الأنصار في السعي حتى زوّجوه بمن يحب. قال ابن القيم رحمه الله تعالى: «قال عبد الله بن معمر القيسي: حججت سنة، ثم دخلت ذات ليلة مسجد المدينة لزيارة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فبينما أنا جالس ليلة بين القبر والمنبر إذ سمعت أنينًا فأصغيت إليه.
فإذا هو يقول: أشجاك نوح حمائم السدرِ فأهجن منك بلابل الصدرِ أم عزَّ نومك ذكر غانية أهدت إليك وساوس الفكرِ يا ليلةً طالت على دنف يشكو السهاد وقلة الصبرِ أسلمت من تهوى لحرِّ جوى متوقداً كتوقُّد الجمرِ فالبدر يشهد أنني كلفٌ أصلى بحب شبيهة البدرِ ما كنت أحسبني أهيم بها حتى بليت وكنت لا أدري
ثم انقطع الصوت، فلم أدر من أين جاء، وإذا به قد أعاد البكاء والأنين.
ثم أنشد يقول:أشجاك من ريَّا خيالٌ زائرُ والليل مسوَدٌّ الذوائب عاكرُ واغتال مهجتك الهوى برسيسه واهتاج مقلتك الخيال الزائرُ ناديت ريَّا والظلام كأنَّه يَمٌّ تلاطم فيه موج زاخرُ والبدر يسري في السماء كأنَّه ملكٌ ترجَّل والنجوم عساكرُ وترى به الجوزاء ترقص في الدُّجى رقص الحبيب علاه سكرٌ ظاهرُ يا ليل طلت على محبِّ ماله إلا الصباح مساعدٌ ومؤازرُ فأجابني: مت حتف انفك واعلمن أن الهوى لهو الهوان الحاضرُ
قال: وكنت ذهبت عند ابتدائه بالأبيات فلم ينتبه إلا وأنا عنده، فرأيت شابًّا مقتبلًا شبابه، قد خرق الدمع في خدِّه خرقين، فسَلَّمْتُ عليه. فقال: اجلس، مَنْ أنت؟ فقلت: عبد الله بن معمر القيسي. قال: ألك حاجة؟ قلت: نعم، كنت جالسًا في الروضة فما راعني إلا صوتك، فبنفسي أفديك، فما الذي تجده؟ فقال: أنا عتبة بن الحباب بن المنذر بن الجموح الأنصاري، غدوتُ يومًا إلى مسجد الأحزاب، فصَلَّيتُ فيه، ثم اعتزلتُ غير بعيد، فإذا بنسوة قد أقبلن يتهادين مثل القطا، وإذا في وسطهن جارية بديعة الجمال، كاملة الملاحة، فوقفت عليَّ وقالت: يا عتبة، ما تقول في وصل مَنْ يطلب وصلك؟ ثم تركتني وذهبت فلم أسمع لها خبرًا، ولم أقف لها على أثر. فأنا حيران أنتقل من مكان إلى آخر، ثم صرخ وأكب مغشيًّا عليه، ثم أفاق كأنما صبغت وجنتاه بورس. ثم أنشد يقول: أراكم بقلبي من بلاد بعيدة فيا هل تروني بالفؤاد على بعدي؟ فؤادي وطرفي يأسفانِ عليكم وعندكم روحي وذكركم عندي ولست ألذ العيش حتى أراكم ولو كنت في الفردوس من جنة الخلد
فقلت: يا ابن أخي، تُبْ إلى رَبِّكَ، واستغفره من ذنبك، فبين يديك هول المطلع، فقال: ما أنا بسالٍ حتى يؤوب القارظان، فلم أزل معه حتى طلع الصباح. فقلت: قم بنا إلى مسجد الأحزاب، فلعل الله أن يكشف كربتك. فقال: أرجو ذلك إن شاء الله ببركة طلعتك. فذهبنا حتى أتينا مسجد الأحزاب.
فسمعته يقول: يا للرجال ليوم الأربعاء أما ينفك يحدث لي بعد النُّهى طربا ما إن يزال غزالٌ فيك يقلقني يأتي إلى مسجد الأحزاب منتقبا يخبر الناس أن الأجر همَّته وما أتى طالبا للأجر محتسبا لو كان يبغي ثوابا ما أتى صلفا مضمخًا بفتيت المسك مختضبا
ثم جلسنا حتى صلَّينا الظهر، فإذا بالنسوة قد أقبلن، وليست الجارية فيهن. فوقفن عليه، وقلن له: يا عتبة ما ظنك بطالبة وصلك وكاسفة بالك؟ قال: وما بالها؟ قلن: أخذها أبوها وارتحل بها إلى أرض السماوة. فسألتهن عن الجارية؟ فقلن: هي ريا بنت الغطريف السلمي.
فرفع عتبة إليهن رأسه، وقال: خليليَّ ريَّا قد أجد بكورها وسارت إلى أرض السماوة عيرها خليليَّ إني قد عشيت من البكا فهل عند غيري مقلةٌ أستعيرها؟
فقلت له: إني قد وردت بمال جزيل أريد به أهل الستر، ووالله لأبذلنه أمامك حتى تبلغ رضاك وفوق الرضا، فقم بنا إلى مسجد الأنصار، فقمنا وسرنا حتى أشرفنا على ملأ منهم، فسلَّمتُ، فأحسنوا الرَّدَّ. فقلت: أيها الملأ ما تقولون في عتبة وأبيه؟ قالوا: من سادات العرب. قلت: فإنه قد رُمِىَ بداهية من الهوى، وما أريد منكم إلا المساعدة إلى السماوة. فقالوا: سمعًا وطاعة، فركبنا وركب القوم معنا حتى أشرفنا على منازل بني سليم، فأعلم الغطريف بنا، فخرج مبادرًا فاستقبلنا. وقال: حيِّيتم يا كرام. فقلنا: وأنت فحياك الله، إنا لك أضياف. فقال: نزلتم أكرم منزل. فنادى: يا معشر العبيد، أنزلوا القوم. ففرشت الأنطاع والنمارق، وذبحت الذبائح. فقلنا: لسنا بذائقي طعامك حتى تقضي حاجتنا. فقال: وما حاجتكم؟ قلنا: نخطب عقيلتك الكريمة لعتبة بن الحباب بن المنذر. فقال: إن التي تخطبونها أمرها إلى نفسها، وإني أدخل أخبرها، ثم دخل مغضبًا على ابنته. فقالت: يا أبت ما لي أرى الغضب في وجهك؟ فقال: قد ورد الأنصار يخطبونك مني. فقالت: سادات كرام، واسْتَغْفَرَ لهمُ الرَّسُولُ -صلى الله عليه وسلم-، فَلِمَنْ الخطبة منهم؟ قال: لعتبة بن الحباب. قالت: والله لقد سمعت عن عتبة هذا: أنه يفي بما وعد، ويدرك إذا قصد. فقال: أقسمت لا أزوجك إيَّاهُ أبدًا، ولقد نمي إلى بعض حديثك معه. فقالت: ما كان ذلك، ولكن إذ أقسمت فإن الأنصار لا يردون رداً قبيحًا، فأحسن لهم الرد. فقال: بأي شيء؟ قالت: أغلظ عليهم المهر، فإنهم قوم يرجعون ولا يجيبون. فقال: ما أحسن ما قلت. فخرج مبادرًا عليهم، فقال: إن فتاة الحي قد أجابت، ولكني أريد لها مهر مثلها، فمن القائم به؟ فقال عبد الله بن معمر: أنا فقل ما شئت. فقال: ألف مثقال من الذهب، ومائة ثوب من الأبراد، وخمسة أكرشة من عنبر. فقال عبد الله: لك ذلك كله.. فهل أجبت؟ قال: نعم. قال عبد الله: فأنفذتُ نفرًا من الأنصار إلى المدينة، فأتوا بجميع ما طلب، ثم صنعتُ الوليمة، فأقمنا على ذلك أيامًا، ثم قال: خذوا فتاتكم، وانصرفوا مصاحبين، ثم حملها في هودج، وجهّزها بثلاثين راحلة من المتاع والتحف، فودعناه وسرنا حتى إذا بقي بيننا وبين المدينة مرحلة واحدة، خرج علينا خيل تريد الغارة أحسبها من سليم، فحمل عليها عتبة، فقتل منهم رجالًا، وجندل منهم آخرين، ثم رجع وبه طعنة تفور دمًا، فسقط إلى الأرض، وأتانا نجدة، فطردت الخيل عنا وقد قضى عتبة نحبه، فقلنا: واعتبتاه، فسمعتنا الجارية، فألقت نفسها عن البعير، وجعلت تصيح بحرقة.
وأنشدت: تصبَّرت لا أني صبرت وإنما أعلِّل نفسي أنها بك لاحقة فلو أنصفت روحي لكانت إلى الردى أمامك من دون البريَّة سابقة فما أحد بعدي وبعدك منصف خليلًا ولا نفسٌ لنفسٍ موافقة
ثم شهقت، وقضت نحبها، فاحتفرنا لهما قبرًا واحدًا، ودفناهما فيه، ثم رجعت إلى المدينة، فأقمت سبع سنين، ثم ذهبت إلى الحجاز، ووردت المدينة، فقلت: والله لآتين قبر عتبة أزوره، فأتيت القبر، فإذا عليه شجرة عليها عصائب حمر وصفر، فقلت لأرباب المنزل: ما يُقال لهذه الشجرة؟ قالوا: شجرة العروسين». ***
|
| | | | الزمرة التاسعة: قصص العاشقين من الصالحين | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |