|
| الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:26 pm | |
| الزمرة الخامسة قصص نوادر الأخبارتقديم: هذه زمرة من القصص النوادر, وهي في القمة فيما يروى من القصص, لكل قصة معنى يخصها, ويجمعها كلها تفردها فيما بينها في رفعة معانيها, وصحة مبانيها, وعندما يسمعها السامع النبيه, أو يقرؤها الذكي اللبيب يجد فيها ما يعجب العقل, ويزكي النفس, وينبه القلب. القصة السابعة والأربعونكيف أكون ابنك وأنا مسلم وأنت نصراني روى ابن دريد, عن أبي حاتم, عن أبي معمّر, عن رجل من أهل الكوفة, قال: كنا مع مسلمة بن عبدالملك, ببلاد الروم, فسبا سبايا كثيرة, وأقام ببعض المنازل, فعرض السبي على السيف, فقتل خلقاً, حتى عرض عليه شيخ كبير ضعيف, فأمر بقتله. فقال له: ما حاجتك إلى قتل شيخ مثلي؟ إن تركتني حيًّا, جئتك بأسيرين من المسلمين شابّين, قال له: ومن لي بذلك؟ قال: إني إذا وعدت وفيت, قال: لست أثق بك. فقال له: دعني حتى أطوف في عسكرك, لعلي أعرف من يتكفل بي إلى أن أمضي, وأعود أجيء بالأسيرين, فوكّل به من يطوف به, وأمره بالاحتفاظ به, فما زال الشيخ يطوف, ويتصفح الوجوه, حتى مر بفتى من بني كلاب, قائمًا يحسّ فرسه. فقال له: يا فتى, اضمنّي للأمير, وقصّ عليه قصّته, فقال: أفعل, وجاء الفتى إلى مسلمة, فضمنه, فأطلقه مسلمة, فلما مضى, قال للفتى: أتعرفه؟ قال: لا, والله. قال: فلم ضمنته؟ قال: رأيته يتصفّح الوجوه, فاختارني من بينهم, فكرهت أن أخلف ظنه فيّ. فلما كان من الغد, عاد الشيخ, ومعه أسيران شابان من المسلمين, فسلّمهما إلى مسلمة, وقال: إن رأى الأمير أن يأذن لهذا الفتى أن يصير معي إلى حصني لأكافئه على فعله, فقال مسلمة للفتى الكلابي: إن شئت فامض معه. فلما صار إلى حصنه, قال له, يا فتى, تعلم -والله- إنك ابني؟ قال له: وكيف أكون ابنك, وأنا رجل من العرب مسلم, وأنت رجل من الروم نصراني. فقال له: أخبرني عن أمك, ما هي؟ قال: رومية. قال: فإني أصفها لك, فبالله إن صدقت, إلا صدقتني. قال: أفعل. فأقبل الرومي, يصف أم الفتى, ما خرم من صفتها شيئًا. فقال له التفى: هي كذلك, فكيف عرفت أني ابنها؟ قال: بالشبه, وتعارف الأرواح, وصدق الفراسة. ثم أخرج إليه امرأة, فلما رآها الفتى لم يشكّ فيها أنها أمّه, لتقارب الشبه, وخرجت معها عجوز كأنها هي, فأقبلتا تقبّلان رأس الفتى, ويديه, وتترشفانه, فقال له: هذه جدتك, وهذه خالتك. ثم اطلع من حصنه, فدعا بشباب في الصحراء, فأقبلوا, فكلمهم بالرومية, فأقبلوا يقبّلون رأس الفتى ويديه, فقال: هؤلاء أخوالك, وبنو خالاتك, وبنو عمّ والدتك. ثم أخرج إليه حلياً كثيرًا, وثيابًا فاخرة, وقال : هذا لوالدتك عندما سُبيت, فخذه معك, وادفعه إليها, فإنها ستعرفه, ثم أعطاه لنفسه مالًا كثيرًا وثيابًا, وحليًّا, وحمله على عدة دواب, وألحقه بعسكر مسلمة, وانصرف. وأقبل الفتى قافلًا حتى دخل إلى منزله, فأقبل يخرج الشيء بعد الشيء مما عرفه الشيخ أنه لأمه, وتراه أمه, فتبكي, فيقول لها: قد وهبته لك. فلما كثر عليها, قالت له: يا بنيّ, أسألك بالله, من أي بلد صارت إليكم هذه الثياب, وهل تصف لي أهل هذا الحصن الذي كان فيه هذا؟ فوصف لها الفتى صفة البلد والحصن, ووصف لها أمّها وأختها, والرجال الذين رآهم, وهي تبكي وتقلق. فقال لها: ما يبكيك؟ فقالت: الشيخ والله والدي, والعجوز أمي, وتلك أختي. فقصّ عليها الخبر, وأخرج بقية ما كان أنفذه معه أبوها إليها, فدفعه إليها؛ [الفرج بعد الضيق: 2/82]. * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:26 pm | |
| القصة الثامنة والأربعونهذه التي عندي أخت ذلك الرجل قال الخليفة المهدي للهيثم بن عدي الطائي - رواية الأخبار -: ويحك يا هيثم, إن الناس يخبرون عن الأعراب سخاءً ولؤمًا وكرمًا وسمحًا, وقد اختلفوا في ذلك, فما عندك؟ قال: فقلت: على الخبير سقطت, خرجت من عند أهلي أريد ديار فرائد لي, ومعي ناقة أركبها, إذ ندّت, فذهبت, فجعلت أتبعها حتى أمسيت, فأدركتها, ونظرت فإذا خيمة أعرابي فأتيتها, فقالت ربّة الخباء: من أنت؟ فقلت: ضيف, فقالت: وما يصنع الضيف عندنا؟ إن الصحراء لواسعة, ثم قامت إلى بُرٍّ وطحنته وخبزته, ثم عجنته, ثم قعدت فأكلت. ولم ألبث أن أقبل زوجها, ومعه لبن, فسلّم, ثم قال: من الرجل؟ فقلت: ضيف, فقال: حيّاك الله, ثم قال: يا فلانة, أطعمت ضيفك شيئًا؟ فقالت: نعم, فدخل الخباء, وملأ قُعباً من لبن, ثم أتاني به, فقال: اشرب فشربت شرابًا هنيًّا, فقال: ما أراك أكلت شيئًا؟ وما أراها أطعمتك, فقلت: لا والله, فدخل عليها مغضباً, فقال: ويلك, أكلتِ وتركتِ ضيفك؟ قالت: ما أصنع به؟ أُطعمه طعامي؟ وأخزاها الكلام حتى شجّها, ثم أخذ شفرة, وخرج إلى ناقتي, فنحرها. فقلت: ما صنعت عافاك الله؟ قال: لا والله ما يبيت ضيفي جائعًا, ثم جمع حطبًا, وأجّج نارًا, وأقبل يكبّب ويُطعمني, ويأكل ويلقي إليها, ويقول: كُلي لا أطعمك الله حتى إذا أصبح, تركني ومضى, فقعدت مغمومًا, فلما تعالى النهار أقبل, ومعه بعير ما يسأم الناظر أن ينظر إليه, فقال: هذا مكان ناقتك, ثم زوّدني من ذلك اللحم, ومما حضره, فخرجت من عنده, فضمّني الليل إلى خباء, فسلّمت, فرردت صاحبة الخباء السلام. وقالت: من الرجل؟ فقلت: ضيف, فقالت: مرحبًا بك, حياك الله, وعافاك الله, فنزلت, ثم عمدت إلى بُرٍّ وطحنته وعجنته, ثم خبزته, ثم قبضت قبضة روتها بالزبد واللبن, ثم وضعتها بين يدي, وقالت: كل ذا عذر, فلم ألبث أن أقبل أعرابي كريه الوجه, فسلّم, فرددت عليه السلام, فقال: من الرجل؟ فقلت: ضيف, فقال: وما يصنع الضيف عندنا؟ ثم دخل إلى أهله فقال: أين طعامي؟ فقالت: أطعمته الضيف, فقال: أتطعمين طعامي الأضياف؟ فتحاربا الكلام, فرفع عصاه, وضرب بها رأسها فشجّها, فجعلت أضحك. فخرج إليّ وقال: ما يُضحكك؟ فقال: خير, فقال: والله لتخبرني, فأخبرته بقصة المرأة والرجل اللذين نزلت عليهما قبله, فأقبل عليّ, وقال: إن هذه التي عندي, أخت ذلك الرجل, وتلك التي عنده أختي, فبت متعجبًا وانصرفت؛ [مرآة الجنان: 2/25]. * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:27 pm | |
| القصة التاسعة والأربعونطلب من بستانيه أن يأتيه برمان حلو فجاءه بحامض يحكى عن الإمام العالم العامل مقر المحاسن والفضائل أبي عبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي مولاهم المروزي الفقيه الحافظ الزاهد العابد ذي المناقب العديدة والسيرة الحميدة, تفقّه بسفيان الثوري ومالك بن أنس, وروى عنه الموطأ, وكان كثير الانقطاع محباً للخلوة شديد التورع, وكذلك كان أبوه ورعًا, وكان يعمل في بستان لمولاه, أقام فيه زمانًا طويلًا, ثم إن مولاه جاءه يومًا, وقال له: أريد رمّانًا حلوًّا, فمضى إلى بعض الشجر, وأحضر منها رمّانًا وكسره, فوجده حامضًا, فحرد عليه, وقال: أكلت الحلو, وأحضرت لي الحامض, هات حلوًّا, فمضى وقطع من شجرة أخرى, فلما كسره وجده حامضًا, فاشتد حرده عليه, ثم كذلك مرة ثالثة. فقال له بعد ذلك: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال: لا, فقال: وكيف ذلك؟ فقال: لأني ما أكلت منه شيئًا حتى أعرفه, فقال: ولم لا تأكل؟ فقال: لأنك ما أذنت لي, فكشف عن ذلك, فوجد قوله حقًّا, فعظم في عينه, وزوجه ابنته, قيل إن عبدالله بن المبارك من تلك الابنة, فظهرت عليه بركة أبيه. قلت: هكذا ذكر بعض أصحاب التواريخ, والذي كنا نعرفه, وذكرته في بعض كتبي, أن سبب زواجه إياها: أن سيده استشاره, وكانت له بنت قد خطبت إليه, ورغب فيها كثير من الناس, فقال له: يا مبارك, من ترى أن تزوجه هذه البنية؟ فقال له: يا سيدي الناس مختلفون في الأغراض, فأما أهل الجاهلية فكانوا يزوجون للحسب, وأما اليهود فيزوجون للمال, وأما النصارى فيزوجون للجمال, وأما هذه الأمة فيزوجون للدين, يعني الأخيار منهم الدينين, قلت: وإلى هذه الأربع الخصال أشار النبي بقوله «تنكح المرأة لأربع» وذكرها ثم قال «فاظفر بذات الدين» الحديث صحيح. فلما سمع منه ذلك أعجبه عقله, فقال لأمها: والله ما لها زوج غيره, فزوجها منه, فجاءت له بهذه الدرة الفاخرة المشتملة على نفائس المحاسن الباطنة والظاهرة, وفي شيء من مناقبه المشتملة على فضائله ومحاسنه في ظاهره وباطنه كتاب مستقل لبعض العلماء, وإلى وصفه الحسن أشار القائل وصدق وأحسن:
إذا سار عبدالله من مرو ليلة فقد سار عنها نورها وجمالها
وقد تتبع أصحابه ما ظهر لهم من مناقبه,فبلغت خمسًا وعشرين من العلوم والصلاح والكرم والشجاعة في سبيل الله وحسن الخلق والعبادة والنجابة والفصاحة وحسن اللفظ في النثر والنظم. ومن شجاعته وصلاح سريرته ما روي عنه: خرج مرةً في بعض الغزوات, فبرز بعض العلوج ودعا المسلمين إلى المبارزة, فخرج إليه جماعة من المسلمين واحد بعد واحد, فقتل الجميع, فبرز إليه إنسان مثلهم, فقتل ذلك العلج, قال الراوي: فدنوت منه وتأملته, فإذا هو ابن المبارك, رضي الله عنه. ومن كرمه وشفقته على إخوانه وحسن صحبته ما اشتهر عنه أنه كان إذا أراد الحج يأتيه إخوانه, ويكلمونه في الصحبة, فينعم لهم, ويقول: هاتوا ما أعددتم لذلك من النفقة, فإذا أتوه بها قبضها, وكتب على كل نفقة اسم صاحبها, وأقفل على الجميع في صندوق, ثم يحج بهم, وينفق عليهم ذهابًا وإيابًا من أطيب الأطعمة, ويشتري لهم الهدية من مكة والمدينة, زادهما الله شرفًا, ثم إذا وصل إلى الموطن صنع لهم طعامًا نفيسًا, ومد سماطًا عظيمًا, قيل: عدّ ما في سماط له من جفان الفالوذج وحده, فبلغت خمسًا وعشرين جفنة, ثم يناديهم من شاء الله من الفقراء والصلحاء, فإذا فرغوا من أكل الطعام جمع إخوانه الذين حجوا معه, فكساهم لباسًا جديدًا, ثم استدعى بالصندوق ففتحه, ورد إلى كل واحد منهم نفقته التي عليها اسمه. [مرآة الجنان: 1/180]. * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:27 pm | |
| القصة المتممة للخمسينهو حرٌّ لوجه الله وله ما يرعاه من شياه قال أحمد بن يوسف الكاتب: حدثني أبو حبيب المقري, قال: «ضاقت أحوالي, فلم يبق لي إلا جارية أحبها, ومنزل أسكنه, فبعت المنزل بألف دينار, وخرجت إلى مكة بالجارية, فقلت لها: «يكون هذا المال في وسطك», فكانت إذا نزلت في منزل حفرت في خيمتها حفيرة, وأودعت المال فيها وطمّتها, فإذ نودي بالرحيل أثارته وشدّته في وسطها. قال: فاتفق أن رحلنا على منهل, ونسيت المال في الحفرة, فأخبرتني الجارية بذلك, قال: فحار فكري, وطاش روعي, ولم أدر ما أعمل, ودخلنا مكة, فحدثتني نفسي ببيعها فلم يُطعني قلبي. فلما رجعنا, ونزلنا المنهل الذي خلّفت فيه الكيس, رأيت صحراء, وغلامًا على رابية يرعى غنيمات له, وأقبلت أدور وأنظر إلى الأرض, فقال لي: «ويحك!ما تطلب؟», قلت: «شيئًا أودعته أرض هذا المنهل», فقال لي: «صفه لي», قلت: «كيس أحمر فيه مال», فقال: «وما لي فيه إن دللتك عليه؟», قلت: «نصفه!», قال: «ها هو ذاك في الرابية». فلما رأى تحيّري فيه, قام حتى أخرجه, ووضعه في يدي, فحمدت الله, وقسمت الكيس قسمين, وخيّرته أحدهما, فقال لي: «إني أرى قسمي منه كثيرًا, وأنا أكتفي بنصف أحد القسمين: فقسمته بقسمين, فقال: «تقسمه أيضًا بقسمين», ففعلت, فقال: «ما أعجب أمرك! أتركه كله حرامًا, ونصفه حلالًا, وآخذ منه شيئًا! هذا ما لا يكون, انصرف بمالك». فقلت له: «يا غلام! أنت حر أو مملوك؟», فقال: «مملوك», فقلت: «لمن؟», فقال: «لشيخ هذا الحي». فدخلت الحيّ, فألفيت الشيخ والناس عنده, فقلت له: «رأيت غلامًا في المنهل يرعى غنيمات, وأسألك أن تبيعنيه», فقال: «اشتريته بعشرة دنانير», فقلت: «أنا آخذه بعشرين», فقال: «إن لم أبعه؟», قلت: «أعطيك به ثلاثين دينارًا», فقال لمن حوله: «أما تسمعون ما يقول؟ وما يحملك على أن تبذل به هذا الثمن؟», فقلت: «جمع عليّ ضالّة, فنذرت أن أعتقه, وأبتاع الغنم يرعاها له, وأملّكه إياها». فقال: «نذرت أن تفعل به هذا لفعلة واحدة من الجميل أولاكها, ولنا في كل يوم منذ ملكناه حسنة تقتضي أكثر مما نأتيه له؟ وأنا أُشهد الجماعة أنه حر لوجه الله, وأن ما يراعاه له». فانصرفت عن الشيخ, وقد بلغ بي ما أمّلته له»، [المكافأة وحسن العقبى: ص39]. * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:28 pm | |
| القصة الحادية والخمسونولو قيل للمعروف: ناد أخا العلا ذكر عن «الفضل بن يحيي بن خالد» أنه ركب في حشمه بموكبه إلى الصيد, حتى علا النهار, ثم أمر فضربت له المضارب, وأمر بالطعام, فقدِّم بين يديه. فبينما هو يأكل, وإذا بأعرابي على ناقة قد أشرف, فلما نظر إلى تلك المضارب, والجيش, والجنائب, والغلمان, ما شكّ أنه هارون الرشيد, فنزل عن ناقته, وعقلها, ثم دنا, وقال: السلام عليكم يا أمير المؤمنين, ورحمه الله وبركاته, فقال له الفضل: صهْ!! فقال: السلام عليكم أيها الوزير, فقال: صه. فقال: السلام عليكم أيها الأمير, فقال: قد قاربت, فادنُ, فدنى, وأكل, فلما فرغ من الأكل, قال له الفضل: من أي العرب أنت؟ قال: من«ربيعة؟». فقال: أين تريد؟ قال: إلى الفضل, فقد شاع في العرب ذكره وكرمه, فقصدته على الاسم والذكر ببيتين من الشعر. فقال: يا أخا العرب, قد مالحناك, ووجب نصحك علينا, وأنا عارف بالفضل, فأنشدنا, فإن كان يصلح له وصلناك إليه, وإن لم يكن أعطيناك نفقةً توصلك إلى أهلك, وأنت على جاهك, فأنشد:
ولو قيل للمعروف: ناد أخا العلا لنادى بأعلى الصوت: يا فضل يا فضل ولو أم طفلٍ قضّها جوع طفلها وغذته باسم الفضل لاستطعم الطفل
فقال الفضل: أحسنت, إنهما لبيتان جيّدان؛ ولكن إذا قال لك الفضل: هذان بيتان لقيتهما من شعر العرب, وجئتنا بهما لتخدعنا عن حاجتك. قال: أقول له يأمر بإحضار كتاب فيه شعر فيفتحه, فأيّ وزن وقافية اشتهى عملت عليها بيتين. فقال: يا غلمان, احضروا كتابًا فيه أشعار. فحضر, ففضه فخرجت قصيدة «ابن الجهم» التي يقول فيها: «عيون المها بين الرُّصافة والجسر» فقال الفضل: هذا وزن سهل, وقافية سهلة, فإن قال لك الفضل: أريد أن تعمل أربعة أبيات يكون في كل بيت منها اسم الفضل, فما تصنع؟ فتفكر قليلاً, وقال:
ولائمة لامتك يا فضل في الندى فقلت لها: هل يقدح اللوم في البحر أرادت لتثني الفضل عن عادة الندى ومن ذا الذي يثني السحاب عن القطر؟ مواقع جود الفضل في كل بلدة مواقع ماء المزن في البلد القفر كأن وفود الفضل حين تحملوا إلى الفضل وافى عنده ليله القدر
فقال: أحسنت يا أخا العرب. أنا الفضل, فنهض الأعرابي: وقبل يده, وقال له الفضل: ما الذي أمّلته مني؟ فقال له: ألف درهم أستعين بها على حالي, فقال: يا غلام, ادفع له ألفًا وألفًا وألفًا, ولم يزل يكررها حتى انقطع نفسه, فحصى ذلك فكان ستة عشر ألفًا, فأخذها وانصرف؛ [المختار من نوادر الأخبار: ص52]. * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:28 pm | |
| القصة الثانية والخمسونلا أقوم من مجلس شرفني به أمير المؤمنين دخل عمارة بن حمزة على المنصور فأجلسه في صدر المجلس, فقام رجل وقال: مظلوم يا أمير المؤمنين! قال: من ظلمك؟ قال: عمارة بن حمزة الذي أجلسته في صدر المجلس, غصب لي ضيعةً. فقال المنصور: قم يا عمارة, واستوِ مع خصمك في المحاكمة, واجلس عنده. فقال عمارة: ما هو خصمي يا أمير المؤمنين. قال: وكيف ذلك؟ قال: إن كانت الضيعة له, فلا أنازعه فيها, وإن كانت لي فقد وهبته إياها, وهي ملكة دون ملكي, ولا أقوم من مجلس شرفني به أمير المؤمنين. قال: فاستحسن المنصور فعله, واسترجح عقله. [المختار من نوادر الأخبار: ص70]. * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:30 pm | |
| القصة الثالثة والخمسونيا ربيع اجمع بينه وبين الرجل الذي اتهمه حدث الأمين أحمد بن موسى, قال: ما رأيت رجلاً محجاجاً, أثبت جناناً من رجل وُقِّع فيه عند المنصور, أن عنده ودائع وأموالًا وسلاحًا لبني أمية, فأمر المنصور حاجبه«الربيع» بإحضاره, فأحضر بين يديه, فقال له المنصور: قد رفع لنا أن عندك ودائع وأموالاً وسلاحاً لبني أمية, فاخرج لنا منها, واحمل الجميع إلى بيت المال, فقال الرجل: يا أمير المؤمنين, أأنت وارث بني أمية؟ قال: لا! قال: فوصيّ أنت؟ قال: لا. قال: فلم تسأل عن ذلك؟ فأطرق المنصور ساعة, ثم قال: إن بني أمية ظلموا الناس, وغصبوا أموال المسلمين, فأنا آخذها وأردها إلى بيت مال المسلمين. فقال الرجل: تحتاج يا أمير المؤمنين, إلى بيّنة يقبلها الحاكم أن المال الذي لبني أمية هو الذي في يدي, وأنه هو الذي اغتصبوه من الناس, وأمير المؤمنين يعلم أن بني أمية كانت معهم أموال لأنفسهم غير أموال الناس التي اغتصبوها, على ما يزعم أمير المؤمنين, فسكت المنصور ساعة ثم قال: يا ربيع, صدق الرجل, ولم يجب لنا عليه شيء. ثم قال للرجل: ألك حاجة؟ قال: نعم! قال: ما هي؟ قال: أريد أن تجمع بيني وبين الرجل الذي سعى فيّ إليك, فوالله يا أمير المؤمنين, لم يكن لبني أمية عندي مال ولا سلاح؛ وإنما حضرت بين يدي أمير المؤمنين ورأيت ما هو فيه من العدل والإنصاف, واتباع الحق, واجتناب الباطل, وأن هذا لا يجوزه, أيقنت أن هذا الكلام الذي صدر مني هو أنجح وأصلح لما سألني عنه, وأقرب إلى الخلاص. فقال المصنور: يا ربيع, اجمع بينه وبين الرجل الذي اتهمه, فلما وقف عليه أمسكه, وقال: هذا الذي أخذ لي خمسئمة دينار وهرب, ولي عليه مسطور بها, فأحضر إلى أمير المؤمنين, فاستنطقه؛ فأقرّ بالمال في ذمته, فقال الرجل: يا أمير المؤمنين قد وهبتها له لأجلك, وله عندي خمسئمة دينار لحضوري مجلسك. فاستحسن المنصور فعله, وكان في كل وقت يقول: يا ربيع, ما رأيت من حجّني مثله. [المختار في نوادر الأخبار: ص70]. * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:31 pm | |
| القصة الرابعة والخمسونهو في حل من صداقي في الدنيا والآخرة ذكر ابن كثير في [البداية والنهاية: 11/81] «أن امرأة تقدمت إلى قاضي الريّ فادعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار, فأنكره, فجاءت ببينة تشهد لها به, فقالوا: نريد أن تسفر لنا عن وجهها, حتى نعلم أنها الزوجة أم لا, فلما صمموا على ذلك قال الزوج: لا تفعلوا, هي صادقة فيما تدعيه, فأقر بما ادعت, ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها, فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه, وأنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر: هو في حل من صداقي عليه في الدنيا والآخرة». * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:31 pm | |
| القصة الخامسة والخمسونبئس ما جازيناك يا جابر عثرات الكرام كان في خلافة سليمان بن عبدالملك بن مروان رجل يقال له«خزيمة بن بشر الأسدي» وكان مقيماً بالرقة, وكانت له مروءة ظاهرة, وبرٌّ كثير بالإخوان, وكرم مشهور, لم يزل على تلك الحالة حتى قعد به دهره, وناخ عليه بكلكله, وألحّ عليه الفقر, فواساه إخوانه قليلاً ثم ملّوه, فلما لاح له تغيّرهم اختار لزوم بيته, وأغلق بابه. فجرى ذكره يوماً بمجلس«عكرمة» الفياض فقال: أو ما كان لخزيمة من يكافئه على مروءته, ويسدّ خلّته, فأمسك عن الحديث, فلما خلا المجلس, ومضى من الليل جانب, قام«عكرمة» إلى كيس, فجعل فيه أربعة آلاف دينار, ثم أمر بدابّته فأُسرجت, وخرج سرّاً من أهله, فركب ومعه غلام من غلمانه يحمل المال, ثم سار حتى أتى قريباً من بيت«خزيمة» فنزل عن الدابة, وأخذ الكيس, ثم بعث الغلام إلى مكان بعيد, وتقدم إلى باب«خزيمة» وقرعه فخرج خزيمة, وفتح الباب, فناوله«عكرمة» الكيس, وهمّ بالانصراف, فمسك«خزيمة» بطوقه, وقال: من أنت؟ فقال: ما جئتك في هذا الوقت وأريد أن يعرفني أحد, قال خزيمة: لابد من ذلك, فعرِّفني بنفسك. فقال: «أنا جابر عثرات الكرام». ثم تركه ومضى. وأخذ «خزيمة» الكيس, ودخل وهو يظنه فلوساً, فلما رجع«عكرمة» إلى منزله, وجد زوجته في أسوأ حال عليه, لأنها ظنّت أنه جرى إلى زوجة غيرها, أو إلى جارية اشتراها. فقال لها: يا هذه, قرِّي عينا, فوالله ما خرجت إلى شيء من ذلك, وإنما أردت أن أفعل شيئاً لا يعلمه إلا الله –تعالى- فلم تزل به حتى أعلمها بصورة الأمر. ثم إن«خزيمة بن بشر» أصلح شأنه, واشترى له ثياباً فاخرة, ومركوباً حسناً, وتجهز, وسار إلى«سليمان بن عبدالملك» وكان يومئذ بفلسطين, وكان به عارفاً, فلما دخل عليه, قال: ما أبطأك عنا يا خزيمة؟ قال: سوء الحال, يا أمير المؤمنين. قال: فما منعك من النهوض إلينا؟ قال: قلة ذات يدي. قال: فما أراك إلا بخير, وفي أحسن حال وأجمل هيئة. قال: إن صورة حالي عجيبة يا أمير المؤمنين, ثم قصّ عليه خبره, من أوله إلى آخره. فاهتز سليمان لذلك, وقال: من هو«جابر عثرات الكرام»؟! وجعل يكّررها, ثم قال: والله اشتقت إلى صاحب هذا الاسم, ولو عرفته لكافأته على مروءته وفعله هذا الجميل معك, فلله درُّه! ما أحسن فعله, وما أوفر عقله!!. ثم دعا«سليمان» بقناة, وعقد لخزيمة الولاية على مدينة«الرقة»و«الحيرة», وهو العمل الذي كان بيد عكرمة, وأمره أن يقبض على ماله, ويحتاط عليه, ويحاسبه. فخرج خزيمة يريد الرقة, فلما قرب إليها خرج إليه عكرمة يتلقاه, ومعه وجوه الناس, فتلقّاه, ودخل«خزيمة» الرقة, وأتى إلى دار الإمارة, فلما أراد عكرمة الانصراف منعه«خزيمة», ووكّل به من يحتفظ به, وأمره بإحضار المال الذي تحت يده بكامله, وعمل الحساب. فلما حوسب فضل عليه شيء كثير, فبعث به إلى السجن, وثقّله بالحديد, فأقام ثلاثة أيام في أسوأ حال. فلما مضّه ذلك أرسل إلى زوجته وهي ابنة عمه, وقال لها: امض إلى«خزيمة», وعرّفيه بأمري. فتوجّهت إليه, وقالت له: بئس ما جازيت به«جابر عثرات الكرام» يا خزيمة!. فلما سمع هذا الكلام منها دهش عقله, وطار لبُّه, وصاح, وجعل يقول: واسوأتاه!!واخجلتاه!!وافضيحتاه!! من الله تعالى, ومن«جابر عثرات الكرام», ومن أمير المؤمنين. ثم قال من وقته ماشيا, ودخل إليه, ورمى بنفسه عليه, وجعل يقبل يديه, ويعتذر له, وأقسم بالله إنه ما عرفه, ثم أخرجه, ودخل به الحمام, وأمر بإحضار جميع ما يحتاج إليه من ثياب وطيب ودواب, فألبسه وأركبه,واستبشر أهل المدينة بذلك, وخرج به من يومه متوجّهاً إلى«سليمان بن عبد الملك», فوصل إليه, فلما استأذن عليه الحجاب, خرج سليمان, وقال: من هذا؟ قال: عاملك الثاني الذي وليته الرقة والحيرة. فقال: يقدم علينا بغير إذننا. ثم أمر بدخوله عليه, فلما رآه قال: ما أقدمك إلينا سريعا من غير إذن؟ قال: يا أمير المؤمنين, ظفرت «بجابر عثرات الكرام». قال: أو عرفته؟ قال: نعم! قال: من هو؟ قال: إنه«عكرمة الفياض» الذي وليتني عليه. فقال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم, بئس ما جازيناه عن فعله ومروءتهّ, ثم أذن له فدخل. فقال: بئس ما جازيناك به عن كرمك وجودك يا عكرمة, وبئس ما فعل خزيمة!, فقال عكرمة: يا أمير المؤمنين, معذور, ونصيحة أمير المؤمنين أحبُّ إليه. فقال له سليمان: إن اصطناع المعروف لا يكاد يخفى ولا يضيع, ثم أمر لعكرمة بمال جزيل, وسامحه بما كان وجب عليه, وعقد لهما الولاية على الرقة والحيرة, وأضاف إليهما من الأعمال إقليما كبيراً. [المختار من نوادر الأخبار: ص36]. * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:32 pm | |
| القصة السادسة والخمسونقاتلك الله ولا حياك ولا سلم عليك عن أبي موسى الفضل عن أبيه قال: سمعت زينت بنت سليمان بن علي ابن عبدالله بن عباس, قالت: كنت عند الخيزران جارية المهدي, وعادتها إذا كنت عندها تجلس في عتبة باب الرواق مقابل الإيوان, وأجلس أنا بإزائها في الصدر في مجلس كان«المهدي» يجلس فيه, وهو يقصدنا في كل وقت يجلس عندنا في بعض الأوقات ساعة ثم ينهض, فبينما نحن كذلك إذ دخلت علينا جارية من جواري الخيزران اللاتي يحجبنها. فقالت: أعز الله السيدة, إن بالباب امرأةً ذات حسن وجمال, وخلقة حسنة, وهي على غاية من سوء الحال, تستأذن عليك, فسألتها عن اسمها فامتنعت من ذلك. قالت زينب: فأشارت الخيزران إليّ, وقالت: ما ترين؟ فقلت: ما يضر من دخولها شيء, فلابد من فائدة أو ثواب, فدخلت امرأة أجمل ما يكون من النساء وأكملهن, فوقفت إلى جانب الباب وسلّمت. وقالت: أنا«مُرَيَّة بنت مروان بن محمد الأموي», قالت زينب: وكنت متكئة, فقمت جالسة, فقلت: مرية, قاتلك الله! ولا حياك, ولا رعاك, ولا سلّم عليك! والحمد لله الذي أزال النعمة عنك, وهتك سترك, وأهانك بين الناس, أتذكرين يا عدوة الله, حين أتاك نساء بني العباس يسألنك أن تكلِّمي أباك في الإذن في دفن «إبراهيم بن محمد» فوثبت عليهنّ, وأسمعتهنّ أخشن الكلام, وأغلظ القول, وخرجن على الحالة التي علمتها. قالت زينب: فلما سمعت كلامي, ضحكت, فوالله, ما أنسى حسن ثغرها, وعلّو صوتها بالقهقهة. ثم قالت: أي بنيّة عمي, أي شيء أعجبك من حسن صنع الله بي حتى أردت أن تسيئي بي؟ والله, لقد فعلت بنساء أهلك ما ذكرت, ولكن كان حقاً على الله أن يسلمني إليك ذليلة جائعة,عريانة, شعثة, خاضعة, فكان هذا جزاءً لشكرك لله- تعالى- على ما أولاك, ثم قالت: سلام عليكنَّ, وولّت خارجة. قالت زينب: فالتفت إلى«الخيزران» فإذا هي تبكي, ونادت الخيزران: يا مرية, دخلت بإذني, فلا تخرجي إلا بإذني, وصاحت بحُجّابها, ردّوها, فرجعت. وقالت: والله ما ساقني إليك إلا الضرورة والجهد وسوء الحال. قال: فنهضت الخيزران فعانقتها, فقالت: ما فيّ لذلك موضع الحال الذي أنا عليه. فقالت الخيزران لجواريها: عليكنّ بالحمام بسرعة, فعبروا بها إلى الحمام من وقتها وأمرتهنّ بخدمتها, ثم وافتها الخلع المذهّبة, والطيب, ثم قامت إليها الخيزران, واعتنقتها, وأجلستها المجلس الذي يجلس فيه أمير المؤمنين«المهدي», وقدّمت إليها الموائد الفاخرة, وجعلت تأكل وتلقمها, حتى اكتفت, وغسلت يديها. فقالت له الخيزران: هل عندك أحد ينتظرك؟ فقالت: ما لي أحد. فقالت الخيزران: قومي إلى إحدى مقاصيري فاختاري أحسنها, واسكني بها عندي, ولا تفترقي إلى الممات, فقامت إلى المقصورات, وأقامت بأحسنها, وحول إليها جميع ما تحتاج إليه من الفرش, والقماش, والآنية, والخدم ثم تركنها, وخرجن من عندها. فقالت الخيزران: هذه امرأة قد مسّها من الضر ما لا مزيد عليه, ولا يغسل صدأ قلبها إلا المال, احملوا إليها خمسمائة ألف درهم, فحُملت إليها لوقتها. ودخل المهدي في عقيب ذلك فقال: ما بالكنّ؟ فقامت إليه زينب وأعلمته بجميع ما وقع, وما قالت لها حين دخلت عليها, فغضب المهدي غضباً شديداً, وقال: ما هذا بجودك لله على ما أنعم عليك, والله لولا لك عليّ حرمة لأحلفنّ أني ما أكلّمك أبداً. قالت: يا أمير المؤمنين, قد طاب قلبها, واعتذرتُ إليها, وفعلت معها الخيزران كذا وكذا, فسرّه ذلك, وقال: احملوا إليها من عندي مئة ألف درهم, وقال لخادم كان على رأسه: بلّغها مني السلام, وقل لها: إني ما سررت بشيء منذ عمري كسروري اليوم بمقامك عندنا, فلا تدعي في نفسك حاجة إلا ذكرتها لنا, ولولا أكبر أن أحشمك لسرت إليك مسلِّماً عليك, وقاضياً لحقك. فمضى الخادم بالرسالة إليها, فجاءت إلى «المهدي» وسلّمت عليه, وقالت: ما عليّ من أمير المؤمنين من حشمة, وإني صرت من بعض جواريه, فقال: لا والله, بل أعزّ عندي من ولدي. ولم تزل عند الخيزران حتى ماتت. [المختار من نوادر الأخبار: ص45]. * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار الإثنين 14 أكتوبر 2024, 5:32 pm | |
| القصة السابعة والخمسوندعوتنا إلى طعام مقتنا الله عليه وعرضت نعمتنا للزوال قال أحمد بن يوسف الكاتب: حدثني أحمد بن أيمن, قال: «كنت أكتب في حداثتي للعباس بن خالد البرمكي, وكان طويل اللسان مخشيّ الغضب,فإني لجالس بين يديه في داره بمدينة السلام, حتى دخل علينا شاب حسن الصورة رث الهيئة, فأكب عليه فقال: «ألست ابن فلان صديقنا», فقال: «نعم, يا سيدي!». فقال: «قد كان حسن الظاهر جميل الهيئة؛ فما بلغ بك إلى ما أرى؟», قال: «كان تجمُّله أوفى من عائدته! وتوفي, فكنت أتبلّغ بما يستعمله الموقِّي على جاهه, إلى أن خان طبعي البارحة, ولم أطق ستر ما بي فقصدتك», فدعا بمائة درهم, وقال: «تمسك بهذه إلى أن أنظر لك في عائدٍ عليك من الشغل». فلما قام من عنده قال لغلام يثق به: «يا سيدي! هذا غلام عيَّار! ابتاع بنيفٍ وثلاثين درهماً سميذاً وسكراً وعسلاً ولحماً كثيراً وحوائج الأعراس, وأخذ طبّاخاً من طباخي الأعراس, وأحسب أن عنده دعوة, وقد عرفت منزله», فقال: «دعه». فلم تمض إلا أيام يسيرة حتى وافى الفتى فأعرض عنه, واستثقل جلوسه بين يديه؛ فقال: «يا عمي وسيدي! ليس يشبه ذا اللقاء ما لقيتني به في الأولى!», قال: «كنت في الأولى راجياً لصلاحك, وأنا اليوم آيس منه», فقال: «وكيف ظننت ذلك؟», قال: «أخبرني غلامي أنك أنفقت إلى أن بلغت منزلك نيّفاً وثلاثين درهماً, وكان حقك أن لا تزيد على ثلاثة دراهم», فقال: «لو عرفت خبري لقدّمت عذري!»قال: «ما خبرك؟». قال: «كنت مع تضايق حالي, أمسك نفسي عن المسألة, وأقتصر وأهلي على البُلغة, وأنا ساكن وأهلي في ظهر دار فلان -ووصف رجلا ظاهر اليسار من التجار- وقال: «له طاقات في مطبخه, تفضي إلى منزلي, فأولم وليمة لا أشك في حضورك إياها, فشرق منزلي بروائح الأطعمة, وكانت الصَّبيَّة من صبياني تخرج فتقول: «رائحة جدي يُشوى!» وأخرى تقول: «رائحة نقانق تُقلى!» وهذه تقول: «يا أبه! أشتهي من هذا الفالوذج الذي قد شاعت رائحته لقمةً!», وقولهم يقرِّح قلبي. وأمّلت أن يدعوني, فأتحمل التزليل لهم, فوالله ما رآني أهلاً لذلك, فقلت: «ولعله إذ نقصت عنده من منزلة من يدعوني أن يبعث إليّ؟ فوالله ما فعل, فبت بليلة لا يبيت بها الملدوغ, فأصبحت في الغداة فكنت أوثق في نفسي من سائر من بمدينة السلام, فلما أعطيتني تلك الدراهم اشتريت بها حوائج أصلح منها ما اشتهوه, فأكلوا أياماً منه, وهم يدعون الله في الإحسان إليك, والخلف عليك». فقال له العباس: «أحسنت! بارك الله عليك!», ثم صاح«يا غلمان! أسرجوا لي», ولبس ثيابه, وركب وركبت معه, ودخل إلى صاحب الصّنيع فقال: «دعوتني وجماعة وجوه بغداد إلى طعام مقتنا الله عليه! وعرّضت نعمتنا للزوال, وأنفسنا إلى اخترام الأعمار!», وقصّ قصة الفتى, وقال«عزمت على أن أصدِّق عن كل من حضر وليمتك, وتكون سبباً لتخلف الناس عنك, والإمساك عن إجابتك أخرى الليالي», فقال: «أنا أفتدي إذاعتك بما غفلت عنه بخمس مائة دينار», قال: «أحضرها», فأحضرها, فقال: «اقبضها», فقبضتها. ثم ركب إلى جماعة فقال: «أعطوني في معونة رجل من أبناء النعم اختلّت حاله», فأخذ منهم خمس مائة دينار أخرى, ورجع إلى منزله, وقد كان أمر الفتى ألّا يبرح منه, فأدخله إليه, وقال: «فيم تهش إليه من التجارة؟», فقال: «في صناعة الأنماط, فإنها صناعة أسلافنا, ومن بها يعرف حقوقنا». فدعا برجل منهم حسن اليسار, فأخرج إليه الألف الدينار التي أخذها, فقال: «هذا المال لهذا الفتى, فليكن في دكانك, واشتر له بها ما يصلحه من المتاع وبصِّره به», ثم قال للفتى: «احذر أن تنفق إلا من ربح», فانصرف الفتى, وقد رُدّ عليه ستره»[المكافأة وحسن العقبى: ص111]. * * *
|
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| | | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| | | | | الزمرة الخامسة: قصص نوادر الأخبار | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |