قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب):"لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين)فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُمِصْرَعلى سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض،والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحيفيلسوف العمارة ومهندس الفقراء:هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية،وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول،اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن،ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كوروناغير المتوقعة للبشريةأنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباءفيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض..فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي"رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي(رحمه الله)قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني،وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
موضوع: الفصل الثاني: العنف والرؤية الصهيونية الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 7:53 am
الفصل الثاني العنف والرؤية الصهيونية انتقد الصهاينة ما يسمى (الشخصية اليهودية) لعجزها وطفيليتها وهامشيتها (كما بينا في الفصل السابق). وقد طرحوا مفهوماً جديداً للشخصية اليهودية يستند الى الأساس العرقي والإثني (شأنهم في هذا الشأن منظرو القومية العضوية في الغرب)، وهي شخصية (حديثة) داروينية عنيفة مرنة في ذات الوقت، يفترض فيها المقدرة على أن تأخذ القانون في يدها وأن تلجأ للعنف والارهاب (كما سنبين في هذا الفصل).
النظرية العرقية والإثنية 1 ـ النظرية العرقية: (العرق) هو جملة السمات البيولوجية (مثل حجم الجمجمة ولون الجلد او العيون او الشعر… الخ)، التي يفترض وجودها في جماعة بشرية وتميزها بشكل حتمي (بيولوجي) عن غيرها من الجماعات. وكلمة (عرق) ترادف احياناً كلمة (سلالة) أو (جنس) أو (دم). وهناك تقسيمات عدة للسلالات او الأعراق او الأجناس البشرية المختلفة او الدماء التي تجري في عروقها. وهناك اتجاه صهيوني يؤمن بأن ثمة عرقاً يهودياً مستقلاً، وأن أساس الهوية اليهودية والشخصية اليهودية هو الانتماء العرقي. ولعل المفكر الصهيوني موسى هس (1812 ـ 1875) مؤسس الفكرة الصهيونية (في ديباجتها الاشتراكية) هو أول من طرح تعريفاً لليهود على أساس بيولوجي او عنصري حين ذكر أن العرق اليهودي من الأعراق الرئيسة في الجنس البشري، وأن هذا العرق حافظ على وحدته رغم التأثيرات المناخية فيه، فحافظت اليهودية على نقاوتها عبر العصور. وقد تنبأ هذا المفكر الصهيوني بأن الصراع بين الأجناس سيكون أهم الصراعات، وأسهم في المحاولة الرامية الى التمييز بين العنصرين الآري والسامي، وهو التمييز الذي قُدّر له أن يكون بعد عدة سنوات أحد المفاهيم الأساسية التي تبناها منظرو الفكر العنصري الاوروبي. وقد داعبت تيودور هرتزل فكرة الهوية العرقية، فترة من الزمن على الأقل، فاستخدم عبارات مثل (الجنس اليهودي) او (النهوض بالجنس اليهودي)، كما أنه كان يفكر في تمييز اليهود عن غيرهم على اساس بيولوجي. وعندما قام هرتزل بأول زيارة له الى معبد يهودي في باريس، كان أكثر ما أثار دهشته التشابه العرقي الذي تصور وجوده بين يهود فيينا ويهود باريس: (الأنوف المعقوفة المشوهة، والعيون الماكرة التي تسترق النظر). كما يقول المفكر الالماني اليهودي ماكس نوردو (1849 ـ 1923) الذي يعد واحداً من أهم مفكري العنصرية الغربية (حتى قبل تحوله الى الصهيونية)، في لغة لا تقبل الشك وتخلو تماماً من الإبهام، (أن اليهودية ليست مسألة دين وإنما هي مسألة عرق وحسب). (وماكس نوردو هو زميل تيودور هرتزل في تأسيس المنظمة الصهيونية). ولا يخرج الفيلسوف الالماني اليهودي (الاسرائيلي فيما بعد) مارتن بوبر (1878 ـ 1965م) في تعريفه لليهودي عن هذا الإطار، رغم استخدامه مصطلحه الحلولي الكموني العضوي لنقل فكرته، فقد تحدث عن: (أزلية الأجيال كجماعة يربطها الدم. فالدم قوة متجذرة في الفرد تغذيه، والدم هو الذي يحدد المستويات العميقة لجودنا، ويصبغ صميم وجودنا وإرادتنا بلونه. والعالم من حوله إن هو إلا آثار وانطباعات، بينما الدم هو عالم الجوهر). ونظراً لأن الدم الذي يجري في عروق اليهود يربطهم بالتربة، فقد كان بوبر يشير الى اليهود باعتبارهم آسيويين (لأنهم إذا كانوا قد طردوا من فلسطين، فإن فلسطين لم تطرد منهم). ويبدو أن مسألة الدم هذه لم تكن شائعة في صفوف الفلاسفة والصهاينة المتأثرين بالتراث الألماني وحسب، بل كانت شائعة في صفوف الصهاينة الانجلو ساكسون ايضاً. فقد ادّعى الزعيم الصهيوني نورمان بنتويتش (1883 ـ 1910)، في حديث أدلى به في عام 1909، أن اليهودي لا يمكن أن يكون مواطناً انجليزياً كاملاً مثل هؤلاء الانجليز الذين ولدوا (لأبوين انجليزيين وانحدروا من اسلاف خلطوا دماءهم بالانجليز لاجيال كثيرة). وعرّف القاضي الاميركي لويس برانديز (1856 ـ 1941) اليهودية، في خطاب ألقاه في عام 1915، بأنها (مسألة تتعلق بالدم). وذكر أن هذه الحقيقة لقيت قبولاً من جانب غير اليهود الذين يضطهدون اليهود، ومن جانب اليهود الذين يحسون بالفخر (عندما يبدي اخوانهم من ذوي الدم اليهودي تفوقاً أخلاقياً او ثقافياً او عبرقية او موهبة خاصة، حتى إذا كان هؤلاء النابهون قد تخلوا عن الإيمان بالدين، مثل غسبينوزا او ماركس او دزرائيلي او هايني). ويبدو أن الصهاينة حاولوا، على طريقة المفكرين العنصريين في الغرب، أن يثبتوا أنهم عرق مستقل بطريقة (علمية وليس فقط على طريقة بوبر الفلسفية.ولذا، فإننا نجد في صفوفهم كثيراً من (العلماء) المهتمين بهذه القضية. وقد أشار المفكر وعالم الاجتماع الصهيوني آرثر روبين (1876 ـ 1943) الى (الكتابات المتعلقة بقضية الجنس اليهودي) وأورد في كتابه (اليهود في الوقت الحاضر) أسماء كثير من (المراجع القيمة) في ذلك الموضوع. ومن بين الأسماء التي يذكرها اسم عالم صهيوني هو إغناتز زولتشان (1877 ـ 1948) الذي وصف اليهود بأنهم (أمة من الدم الخالص لا تشوبها أمراض التطرف او الانحلال الخلقي). وقدّم روبين نفسه تعريفاً عرقياً لليهود بيّن فيه أنهم (استوعبوا عناصر عرقية اجنبية بدرجة محدودة، ولكنهم في أغلبيتهم يمثلون جنساً متميزاً، على عكس ما هو سائد في دول وسط أوروبا). وكان اللورد بلفور، الصهيوني غير اليهودي، يفكر في اليهود على اساس عرقي. وربما كان من المهم هنا ان نتذكر أن إحدى المسودات الأولى لوعد بلفور كانت تدعو الى إقامة (وطن قومي للجنس اليهودي)، وهي جملة تحمل في طياتها تعريفاً بيولوجياً واضحاً للهوية اليهودية. ثمة، إذن، اجماع صهيوني على التعريف العرقي لليهودي. وهو أمر متوقع ومفهوم، فقد كانت الصهيونية تبحث عن الشرعية من أوروبا لا من اليهودية، ولذا كان عليها ان تصبح عرقاً مستقلاً لأن العرق المستقل وحده هو الذي من حقه أن تكون له دولة مستقلة (حسب الإطار العرقي السائد في اوروبا العلمانية الشاملة). ولكن من الواضح ان تعريف اليهودي كعضو في عرق مستقل أمر مغرق في الخيال والوهم، إذ يدحض في واقع الاقليات اليهودية بسهولة مثل هذه الأساطير.وكان على الصهاينة بالذات ان يتعاملوا لسوء حظهم مع يهود بيض ويهود سود وبضعة يهود صفر الى جانب الكثير من الظلال اللونية. وكما أشرنا من قبل، فقد كان هرتزل معجباً بالنظرية العرقية، ولكنه كان صديقاً لاسرائيل زانجويل (1864 ـ 1926) الروائي الانجليزي والزعيم الصهيوني اليهودي ذي الأنف الطويل والشبيه بأنوف الزنوج والشعر الكث الحالك السواد، وكانت نظرة واحدة اليه تكفي، على حد قول هرتزل نفسه، لدحض أي تصور عرقي لليهودي. وثمة سبب آخر لاختلاف التعريف العرقي لليهود يرتبط بالمجال الدلالي لكلمة (عرق)، إذ أنه بحلول الثلاثينات كانت الحياة في الغرب قد تحولت عن العنصرية التي فقدت الى حد كبير ما كانت تحظى به من قبول وتأييد في الأوساط العلمية. وكما يقول الزعيم الصهيوني ناحوم سولوكوف: بعد أن عشنا عصراً اصبحت فيه كلمة (عنصر) او (عرق) معادلة للقسوة والبربرية، فإن معظم الناس ينفرون من استخدام هذا المصطلح. ويضاف الى هذا أن علم الأجناس قد اظهر أن هذا المصطلح لا يمكن ان يطبّق حقاً على اليهود، وذلك رغم أنه كان من المعتاد تماماً الاشارة الى اليهود في عصر ما قبل هتلر على أنهم (جنس)، وكان الكثيرون يعتقدون أن يهودية المرء مسألة تتعلق بمولده وسماته. ولذا، كان لابد من العدول عن استخدام كلمة (عرق)، وبدلاً من ذلك، بدأ تعريف اليهودي على أساس إثني، أي على أساس التراث والثقافة والمشتركة، ومن ثم حلت الإثنية محل العرقية كنقطة مرجعية وكأساس للهوية. لكن التعريف الإثني لا يختلف في جوهره عن التعريف العرقي، فكلاهما يفرز نظرية في الحقوق (العرقية أو الإثنية) تعطي صاحب الهوية العرقية أو الإثنية مزايا معينة وقوة مطلقة تنكرها على غيره من البشر.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الفصل الثاني: العنف والرؤية الصهيونية الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 7:54 am
2 ـ النظرية الإثنية: (الجماعة الإثنية) هي الجماعة التي لها تراث تاريخي وحضاري مشترك (تاريخ مشترك ـ لغة ـ طعام ـ ملبس ـ موسيقى … الخ) يتوارثه أعضاء الجماعة جيلاً بعد جيل الى أن يصبح جزءاً عضوياً لا يتجزأ من وجودهم، يميزهم عن الآخرين ويشكل مصدر خصوصيتهم القومية (الإثنية). والكلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية ذات الأصل اليوناني (إثنوس Ethnos) التي تعني (شعب) او (قوم). والجماعة الإثنية جماعة عضوية، إذ أن التراث الإثني يربط اعضاء الجماعة بعضهم ببعض كما يربطهم بأرضهم بطريقة عضوية حتمية لا يمكن الفكاك منها وتجب ارادة الأفراد. وبمعنى من المعاني يمكن القول بأن النظرية الإثنية حلّت محل النظرية العرقية في الخطاب الحضاري الغربي كأساس لتعريف الذات وتعريف الآخر ولتبرير عمليات الغزو والهيمنة وذلك بسبب تماثلهما البنيوي العميق وربما ترادفهما.فكلاهما يرى أن الكل لا يسبق الجزء وحسب بل يجبّه تماماً، كما أن كليهما يدور في إطار من العضوية الحتمية، وكلاهما يجعل من الجماعة الإثنية او العرقية مرجعية ذاتها، مكتفية بذاتها، قادرة على أن تجعل حقوقها مطلقة، فالإثنوس، تماماً مثل العرق، هو موضع الحلول، فكل شيء كامن فيه. ومن أهم تجليات النظرية الإثنية فكرة الشعب العضوي و(الشعب العضوي) هو الشعب الذي يترابط اعضاؤه ترابط الأجزاء في الكائن العضوي الواحد والذي تربطه رابطة عضوية بأرضه وتراثه. ويشار الى الفكر القومي، الذي يصدر عن مفهوم الشعب باعتباره الفولك او الكيان العضوي المتماسك، بعبارة (الفكر القومي العضوي)، ويقال له ايضاً (القومية العضوية). وعادة ما توضع الوحدة العضوية مقابل الترابط الآلي. ولكن يشار لليهود باعتبارهم (شعب عضوي منبوذ) Pariah volk وهو مصطلح يعني أن الجماعات اليهودية تشكل في معظم الأحيان جماعة وظيفية متماسكة عضوياً (مكتفية بذاتها) ولكنها فقدت وظيفتها فتم نبذها، فأصبحت شعباً عضوياً منبوذاً. وهذا المفهوم يشكل حجر الزاوية في التفاهم بين الصهاينة وأعداء اليهود، فهم جميعاً يرون ان اليهود شعب عضوي واحد، لا ينتمي الى الغرب او الى أي وطن، لأنه يرتبط عضوياً بإرتس يسرائيل. والشعب العضوي، سواء كان منبوذاً او غير منبوذ، مكتف بذاته، ومرجعية ذاته، مقدّس مطلق، تنبع قداسته وإطلاقه من داخله، فهو موضع الحلول والكمون. ويذهب الصهاينة الى أن اليهود يتسمون بالنقاء الحضاري والإثني. ومن ثم فهم يتحدثون عن (الخصوصية اليهودية) او (التراث اليهودي) او(الثقافة اليهودية) وعن (التاريخ اليهودي) وكأن هناك بنية تاريخية مستقلة يدور اليهود في إطارها بمعزل عن الأغيار، وذلك برغم انتشارهم في كل انحاء الأرض، بل ويتحدثون عن (النظام السياسي اليهودي) و(الاقتصاد اليهودي)، وهكذا، باعتبارها كلها ناتجة عن هذا النقاء الحضاري اليهودي، وباعتبارها الأطر التي احتفظ اليهود من خلالها بنقائهم. ويلاحظ أن النقاء الثقافي غير منفصل عن النقاء العرقي، فاستناداً الى فكرة الشعب العضوي (فولك)، ترتبط حضارة أي شعب بالدماء التي تجري في عروقه.ومن ثم، فإن هناك وحدة لا تنفصم عراها بين الحضارة والعرق. وقد سادت هذه الفكرة أوروبا في القرن التاسع عشر، وكانت من أكثر الأفكار شيوعاً، وأثّرت في الفكر القومي الغربي وفي الفكر النازي والصهيوني وفي النظرية الامبريالية الغربية. ونحن نذهب الى أن هناك ثقافات يهودية مختلفة باختلاف التشكيلات الحضارية التي يوجد داخلها اليهود ـ ومن هنا عدم نقاء الظواهر الحضارية اليهودية ابتداء باللغة العبرية ذاتها، وانتهاء بالنشيد الوطني الاسرائيلي (الهاتيكفاه) (أي الأمل). والواقع أن الامتزاج مع الحضارات والشعوب الأخرى ليس أمراً معيباً او مشيناً، فهو قانون الوجود الإنساني. ولكن الصهاينة، شأنهم شأن المعادين لليهود، يحاولون خلع صفة النقاء الحضاري وأحياناً العرقي على اليهود، وفي هذا إنكار لإنسانيتهم لأنهم حين ينتزعون اليهود من سياقهم التاريخي المتعيّن إنما ينتزعونهم من سياقهم الإنساني الوحيد.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الفصل الثاني: العنف والرؤية الصهيونية الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 7:55 am
العنف والرؤية الصهيونية للواقع والتاريخ أحد الأشكال الأساسية (للعنف الصهيوني) هو رفض الصهاينة قبول الواقع والتاريخ العربي في فلسطين باعتبار أن الذات الصهيونية واليهودية هي مركز هذا الواقع ومرجعيته الوحيدة. ولذا يستبعد الصهاينة العناصر الأساسية (غير اليهودية) المكونة لواقع فلسطين وتاريخها من وجدانهم ورؤيتهم وخريطتهم الإدراكية. والإرهاب الصهيوني إن هو إلا محاولة تستهدف فرض الرؤية الصهيونية الاختزالية على الواقع المركب، ولذا يمكن القول بأن الإرهاب هو العنف المسلح (مقابل العنف الإدراكي). والعنف النظري والإدراكي سمة عامة في الفكر العلماني الشامل الإمبريالي الذي حوسل العالم (أي حوله الى وسيلة ونظر اليه باعتباره مجرد مادة استعمالية). والصهيونية لاتمثل أي استثناء من القاعدة، فقد نشأت في تربة أوروبا الامبريالية التي سادت فيها الفلسفات النيتشوية والداروينية والرؤية المعرفية الامبريالية التي تتخطى الخير والشر والتي تحوسل العالم والناس بحيث يصبح الآخر مجرد أداة او شيئاً يستخدم.
ومع هذا يظل العنف الصهيوني ذا جذور خاصة تمنحه بعض السمات المميزة: 1ـ لم تكن الصهيونية حركة استعمارية وحسب وإنما هي حركة استيطانية إحلالية (ارض بلا شعب) وهو ما يعني ضرورة ان تُخلي الأرض التي سيُنفذ فيها المشروع الصهيوني من السكان الاصليين، ولا يمكن ان يتم هذا إلا من خلال أقصى درجات العنف النظري والإرهاب الفعلي. 2ـ من السمات الأساسية للأيديولوجيات العلمانية الشاملة، الحلولية العضوية، أنها تحوي مركزهاً او مرجعيتها (او مطلقها) داخلها، ومن ثم فهي تشكل نسقاً مغلقاً ملتفاً حول نفسه يخلع القداسة على الذات ويجعلها موضع الحلول والكمون ويحجبها عن الآخرين (الذين يقعون خارج دائرة القداسة) فيهدر حقوقهم ويبيدهم، فهم ليسوا موضع الحلول. والصهيونية وريثة الطبقة الحلولية اليهودية (داخل التركيب الجيولوجي اليهودي) هي عقيدة علمانية حلولية كمونية تجعل اليهود شعباً عضوياً ذا علاقة عضوية خاصة بالأرض (إرتس يسرائيل) أي فلسطين، وهي علاقة تمنحهم حقوقاً مطلقة فيها، الأمر الذي يعني طرد السكان الأصليين الذين لا تربطهم بأرضهم رابطة عضوية حلولية مماثلة. وقد حوّلت الصهيونية العهد القديم الى فلكلور للشعب اليهودي، وهو كتاب تفيض صفحاته بوصف حروب كثيرة خاضتها جماعة يسرائيل او العبرانيون مع الكنعانيين وغيرهم من الشعوب، فقاموا بطرد بعضهم وإبادة البعض الآخر.وجماعة يسرائيل يحل فيها الإله الذي يوحي لها بما تريد أن تفعل، ويبارك يدها التي تقوم بالقتل والنهب، فكل أفعال الشعب مباركة مقدسة لأن الإله يحل فيه. 3ـ ورثت الصهيونية ميراث الجماعة الوظيفية اليهودية بفصلها الحاد بين الشعب المقدس والأغيار وبما يتسم به ذلك من ازدواجية في المعايير تجعل الآخر مباحاً تماماً وتجعل استخدام العنف تجاهه أمراً مقبولاً. لكل هذا، اصبح العنف إحدى المقولات الأساسية للإدراك الصهيوني للواقع والتاريخ. وقد أعاد الصهاينة كتابة ما يسمونه (التاريخ اليهودي) فبعثوا العناصر الحلولية الوثنية مؤكدين جوانب العنف فيه. فصوروا الأمة اليهودية في نشأتها جماعة محاربة من الرعاة الوثنيين الغزاة. فميخا جوزيف بيردشفسكي (1865 ـ 1921) المفكر الصهيوني، الروسي اليهودي، على سبيل المثال، ينظر الى الوراء الى الأيام التي كانت فيها (رايات اليهود مرتفعة)، وينظر الى الأبطال المحاربين (اليهود الأوائل). كما أنه يكتشف أن ثمة تياراً عسكرياً في التراث اليهودي، فالحاخام اليعازر قد بيّن أن السيف والقوس هما زينة الإنسان، ومن المسموح به أن يظهر اليهودي بهما يوم السبت. هذا الرؤية للتاريخ تتضح في دعوة فلاديمير جابوتنسكي (1880 ـ 1940) زعيم الحركة التصحيحية لليهودي أن يتعلم الذبح من الأغيار. وفي خطاب له الى بعض الطلاب اليهود في فيينا، أوصاهم بالاحتفاظ بالسيف لأن الاقتتال بالسيف ليس ابتكاراً ألمانياً، بل إنه ملك (لأجدادنا الأوائل… إن التوراة والسيف أنزلا علينا من السماء)، أي أن السيف يكاد يكون المطلق، أصل الكون وكل الظواهر. ولهذا لا يتردد جابوتنسكي في رفض التاريخ اليهودي الذي يسيطر عليه الحاخامات والمفكرون اليهود. ويبدو أن هذا السيف المقدس (رمز الذكورة والقوة والعنف) كان محط اعجاب كل الصهاينة الذين كثيراً ما عبّروا عن اعجابهم وانبهارهم بالعسكرية البروسية الرائعة (هذا بالطبع قبل أن يهوى هذا السيف البروسي على الرقاب اليهودية في اوشفتس). وتمتلئ كتابات تيودور هرتزل، بعبارات الإعجاب بهذا السيف، إذ كتب في مذكراته يشيد ببسمارك الذي أجبر الألمان على شن عدة حروب، الواحدة تلو الأخرى، وبذلك فرض عليهم الوحدة وبدأ تاريخهم الحديث كدولة موحدة. فالعنف العسكري هو وحدة محرك التاريخ الحقيقي، (إن شعبنا كان نائماً زمن السلم، رحب بالوحدة في ابتهاج في زمن الحرب). وبينما كان هرتزل ينظر من نافذة أحد المسؤولين الألمان شاهد مجموعات من الضباط الألمان يسيرون بخطى عسكرية، فعبّر عن انبهاره بهم في يومياته وذهب الى أن هؤلاء هم صناع تاريخ المانيا: (ضباط المستقبل لألمانيا التي لا تقهر). بل إنهم قد يكونون أيضاً صناع التاريخ الصهيوني نفسه، إذ يشير هرتزل الى تلك (الدولة التي تريد وضعنا تحت حمايتها). وتغنى الزعيم الصهيوني ناحوم جولدمان (1894 ـ 1980) ايضاً بهذه الروح العسكرية البروسية في شبابه: (ألمانيا تجسد مبدأ التقدم ونجدها واثقة من النصر ألمانيا ستنتصر وستحكم الروح العسكرية العالم. ومن يريد أن يندم على هذه الحقيقة ويعبر عن حزنه فله أن يفعل، ولكن محاولة إعاقة هذه الحقيقة هي شيء من قبيل العناد وجريمة ضد عبقرية التاريخ الذي تحركه السيوف وقعقعة السلاح). وقد تبع مناحيم بيجن (مؤسس جماعة حيروت (الليكود فيما بعد) ورئيس وزراء اسرائيل الاسبق) استاذه جابوتنسكي، وكل الصهاينة من قبله، في تأكيد أهمية السيف باعتباره محركاً للتاريخ إذ يقول: (إن قوة التقدم في تاريخ العالم ليست السلام بل السيف). وغني عن القول أن العنف الصهيوني الإدراكي يصل الى ذروته في إدراك العرب والتاريخ العربي، إذ يحاول الصهاينة، بسبب مشروعهم الإبادي الاحلالي، أن يلتزموا الصمت تماماً تجاهه، فلا يذكرونه من قريب او بعيد. او أن يغمغموا بأصوات ليبرالية تخبئ الحد الأقصى من العنف. فحينما اكتشف أحد الزعماء الصهاينة في المؤتمر الصهيوني الأول (1897) أن فلسطين ليست ارضاً بلا شعب كما كان الادعاء، جرى الى هرتزل وأخبره باكتشافه، فهدأ الأخير من روعه وقال له إن الأمر ستتم تسويته فيما بعد. وكان هرتزل يعرف تماماً كيف كانت تتم تسوية مثل هذه الأمور على الطريقة الامبريالية، ونحن نعرف كيف تمت تسويتها في فلسطين. وعلى كل فإن الحديث الصهيوني المستمر عن السيف كمحرك للتاريخ ليس تعبيراً عن رغبة الصهاينة في ممارسة رياضة محببة لبعض النفوس وإنما هو تعبير عن برنامج محدد لتغيير الواقع. ويعد هذا العنف الإدراكي لبنة أساسية في التصور الصهيوني للذات والواقع والتاريخ والآخر، وقد يعبّر العنف عن نفسه بطريقة مباشرة، كما أنه قد يعبّر عن نفسه بطريقة غير مباشرة عن طريق عشرات القوانين والمؤسسات. وما قانون العودة الاسرائيلي إلا ترجمة لهذا العنف حين يُعطي أي يهودي في العالم حق (العودة) الى اسرائيل في أي وقت شاء وينكر هذا الحق على ملايين الفلسطينيين الذين طردوا من فلسطين على دفعات منذ عام 1948، رغم أن يهود العالم لا يودون الهجرة الى اسرائيل بينما يقرع الفلسطينيون أبوابها. ولكنها الرؤية المعرفية العلمانية الامبريالية التي تحوسل كل البشر (العرب واليهود) والزمان (تواريخ الجماعات اليهودية وتاريخ فلسطين) والمكان (فلسطين). وما الإرهاب الصهيوني الذي لم يهدأ إلا تعبيراً عن رؤية الصهاينة التي تحاول أن تصل الى نهاية التاريخ: نهاية تاريخ الجماعات اليهودية في العالم، ونهاية التاريخ العربي في فلسطين.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الفصل الثاني: العنف والرؤية الصهيونية الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 7:56 am
تحديث الشخصية اليهودية: ثمة عنف أساسي في الإدراك الصهيوني للواقع والتاريخ. ولم يكن هناك مفر من أن يترجم هذا الإدراك نفسه لإجراءات وعنف مسلح لتغيير الواقع ولرفض الرؤية اليهودية الحاخامية. ولتحقيق هذا الهدف كان حتمياً أن تنتج المادة البشرية القتالية القادرة على تحريك التاريخ لا من خلال التوراة وإنما من خلال السيف، وهذا ما سماه الصهاينة (تحديث الشخصية اليهودية)، أي علمنتها وجعلها قادرة على تغيير قيمها حسبما تقتضيه الظروف والملابسات، وتبنّي قيم نيتشوية وداروينية لا علاقة لها بمكارم الأخلاق او بالمطلقات الإنسانية والأخلاقية والدينية. وقد بيّن الصهاينة أن اليهودية الحاخامية طلبت من اليهود الانتظار في صبر وأناة لعودة الماشيّح، وألا يتدخلوا في مشيئة الإله، لأن في هذا كفراً وتجديفاً.ولكن الصهاينة الرافضين للعقيدة اليهودية، تمردوا على هذا الموقف او وصفوه بالسلبية ونادوا بأن يتمرد اليهودي على وضعه وألا ينتظر وصول الماشيّح، إي ينبغي أن يعمل اليهودي بكل ما لديه من وسائل على العودة الى أرض الميعاد. فالمنفى بالنسبة الى ديفيد بن جوريون يعني الاتكال، الاتكال السياسي والمادي والروحي والثقافي والفكري، (وذلك لأننا غرباء وأقلية محرومة من الوطن ومقتلعة ومشردة عن الأرض، وعن العمل وعن الصناعة الأساسية. واجبنا هو أن ننفصل كلياً عن هذا الاتكال، وأن نصبح أسياد قدرنا). ويلخص بن جوريون برنامجه الثوري في أنه لا يرفض الاستسلام للمنفى فحسب، بل يحاول أيضاً انهاءه في التو، وهو يعتقد أن هذا هو حجر الزاوية: (القضية الحقيقية الآن، كما كانت في الماضي، تتركز فيما لو كان علينا ان نعتمد على قوة الآخرين ام على قوتنا. على اليهودي من الآن فصاعداً ألا ينتظر التدخل الإلهي لتحديد مصيره، بل إن عليه أن يلجأ الى الوسائل الطبيعية العادية) (مثل الفانتوم والنابالم مثلاً). وهذا ما يسمى ايضاً في الأدبيات الصهيونية (إشكالية العجز وعدم المشاركة في السلطة). لكل هذا تنطلق الصهيونية من نقد نيتشوي لما يسمى (الشخصية اليهودية في المنفى) فيقول ماكس نوردو إن اليهودي، خلال ثمانية عشر قرناً من النفي، اصبح مترهل العضلات (وهذه هي إحدى الأوصاف السائدة لليهود بين أعداء اليهود). ولذلك (أقترح أن يقلع اليهودي عن قهر جسده، وأن يعمل على تنمية قواه الجسدية وعضلاته، اسوة بذلك البطل بركوخبا، آخر تجسيد لتلك اليهودية في صلابة عودها المقاتل وحبها لقعقعة السلاح). والفكرة نفسها ترد في كتابات جابوتنسكي الذي رفض أخلاقيات العبيد ونادى بتفضيل العقل على الفكر وأخلاق السادة على أخلاق العبيد والسيف على الكتاب حتى يظهر اليهودي الجديد المتحرر من أغلال الدين والقيم. (أنظر كتاب الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ). إن العنف هنا يصبح الأداة التي يتوسل بها الصهاينة لإعادة صياغة الشخصية اليهودية. فاليهودي، في هذا التصور، يحتاج الى ممارسة العنف لتحرير نفسه من نفسه ومن ذاته الطفيلية الهامشية. وكان الكاتب الصهيوني بن هكت يشعر بسعادة في قرارة نفسه في كل مرة قتل فيها جندياً بريطانياً لأنه، على حد قوله، كان يتحرر من مخاوفه ويولد من جديد، تماماً مثل شارلوت كورداي في قصيدة لجابوتنسكي بعنوان (شارلوت المسكينة).فشارلوت تتخلص من رتابة حياتها وسخافتها وتروي تعطّشها للعمل البطولي بأن تقوم بتسديد الضربة الى جان مارا فترديه قتيلاً في الحمام. العنف هنا يصبح مثل الطقوس الدينية التي تستخدمها بعض القبائل البدائية حينما يصل أحد افرادها الى سن الرجولة. فاليهودي حينما يقوم بهذا الفعل الذي كان يخاف منه أجداده (ذبح أحد الأغيار) يتخلص من مخاوفه، ويصبح جديراً بحمل رمز الذكورة. وهذا الجانب من الفكر الصهيوني يتضح بجلاء في كتاب الثورة الذي ألفه مناحيم بيجين، والذي يقلب فيه عبارة ديكارت المعروف (أنا افكر، إذن أنا موجود) لتصبح (أنا أحارب، إذن أنا موجود). ثم يضيف: (من الدم والنار والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال، نموذج غير معروف البتة للعالم في الألف وثماني السنين الماضية: اليهودي المحارب). وحتى الليبرالي الاميركي الهادئ لويس برانديز يشير (باستحسان شديد) الى وظيفة العنف الصهيوني في اعادة صياغة الشخصية اليهودية: (غرست الصهيونية في الشباب اليهودي الشجاعة، فألفوا الجمعيات، وتدربوا على الأعمال الرياضية وعلى اللعب بالسيف، وصارت الإهانة ترد بإهانة مثلها. وفي الوقت الحاضر، يجد أفضل لاعبي السيف الألمان أن الطلبة الصهيونيين يستطيعون ان يُدموا الخدود، كما يفعل التيوتون، ويرون أيضاً أن اليهود سوف يكونون أفل لاعبي السيف في الجامعة) (وفي الشرق الأوسط فيما بعد). لقد كان برانديز يفكر في الطالب الآري (وحش نيتشه الأشقر) حينما كان يتحدث عن بطله اليهودي. والعنف عند بن جوريون يقوم بالوظيفة نفسها في اعادة صياغة الشخصية اليهودية، إذ يصف الرواد الصهاينة بأنهم لم يكن لهم حديث إلا الأسلحة (وعندما جاءتنا الأسلحة لم تسعنا الدنيا لفرط فرحتنا، كنا نلعب بالأسلحة كالأطفال ولم نعد نتركها أبداً. كنا نقرأ ونتكلم عن البنادق في أيدينا او على أكتافنا). إن موقف بن جوريون مبني على تصور جديد للشخصية اليهودية باعتبارها شخصية محاربة منذ الأزل: (إن موسى، أعظم أنبيائنا، هو أول قائد عسكري في تاريخ أمتنا). ومن هنا يكون الربط بين موسى النبي وموشي ديان مسألة منطقية بل حتمية، كما لا يكون من الهرطقة الدينية في شيء أن يؤكد بن جوريون أن خير مفسر للتوراة هو الجيش، فهو الذي يساعد الشعب على الاستيطان على ضفاف نهر الأردن، فيفسر بذلك كلمات أنبياء العهد ويحققها. ولنلاحظ النمط الحلولي الكموني الذي يبدأ بوضع السيف في خدمة التوراة، ثم يصبح السيف موازياً لها، ثم تصبح هذه تابعة له، فالسيف هو الذي يفسر التوراة ويفرض عليها المعنى، وكأنه أحد نقاد ما بعد الحداثة او هارولد بلوم الناقد الاميركي القبّالي الذي يرى أن الناقد هو الذي يفرض المعنى على النص، او كأنه (الشعب المختار) اختاره الإله ثم حل فيه ثم اصبح تابعاً له، او كأنه الشريعة الشفوية (تفاسير البشر) التي جاءت للوجود لتفسر الشريعة المكتوبة ولكنها حلت محلها بالتدريج.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الفصل الثاني: العنف والرؤية الصهيونية الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 7:57 am
الصهيونية العمالية والعنف: الصهيونية العمالية (التي أسست الدولة الصهيونية ورسمت معالمها الأساسية وأدارتها حتى عام 1977 حين تولى بيجين الحكم) هي التيار الصهيوني الذي يتبنى العنف بهذا المعنى النيتشوي الدارويني، على عكس التيارات الأخرى التي تبنت العنف آلية أساسية ولكنها لم تصل الى نفس الدرجة من التبلور والوضوح، ولعل هذا يعود الى أن الصهيونية العمالية هي صهيونية الاستيطان والإحلال. وقد تبدي العنف الصهيوني العمالي في مفهوم الريادة، ومفهوم اقتحام الأرض والعمل والحراسة والانتاج.
1 ـ الريادة: تذهب حركة الصهيونية العمالية الى أن اليهود قد (عادوا) الى فلسطين كرواد يكتشفون ارضاً جديدة و(الرواد) ترجمة للكلمة العبرية (حالوتسم) ومفردها (حالوتس) أي (رائد). ويطلق المصطلح في الكتابات الصهيونية على الصهيوني الذي يهاجر الى فلسطين ويستوطن فيها ثم يكرس نفسه لبناء المستوطن الصهيوني. (أما الفلسطينيون العرب فقد أطلقوا عليهم اسم (المسكوب) أي الوافدون من (مسكوبا) أي (موسكو)). والرواد جماعة من المستعمرين الاستيطانيين الذين يدورون في اطار الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة (انظر الملحق) بعد مزجها بالديباجات الشعبوية الروسية الخاصة بالعودة للشعب العضوي (الفولك) والأرض والتراث ورفض الطموحات المادية والمصلحة الذاتية وإيثار العمل اليدوي، الذي قد يأتي بعائد مادي منخفض، على الأعمال غير اليدوية التي قد تأتي بالنجاح المادي البورجوازي، ولذا فهم يحلمون بمجتمع جماعي اشتراكي مفعم بروح التعاون. ولذا كان الرواد يرفضون حياة اليهود في العالم (الدياسبورا) كما خبروها في شرق أوروبا، كما كانوا يرفضون الاندماج في مجتمعاتهم الأصلية، وقد ذهب هؤلاء الرواد الى أنه لا يمكن حل المسألة اليهودية في شرق أوروبا إلا عن طريق تعلم اللغة العبرية والتمسك بالتراث اليهودي (تراث يهود شرق أوروبا في واقع الأمر). ولكن الى جانب هذا التمسك بالتراث كان هناك الإدراك العميق لضرورة إحلال السكان الجدد، أي المستوطنين الصهاينة، محل السكان الأصليين في العمل وفي الأرض (اقتحام الأرض والعمل والحراسة والإنتاج)، ولعل كلمة (اقتحام) هي مفتاح فهم هذا المفهوم، فهو يعني (اغتصاب). ومع هذا ارتبطت حركة الريادة منذ بدايتها بالتنظيمات العسكرية الصهيونية ومزارع الكيبوتس (التي يعد الانضمام لها ذروة تحقق المثل الأعلى الريادي)، فالريادة هي في نهاية الأمر الزراعة المسلحة التي تهدف الى تحقيق الاستيطان الإحلالي في فلسطين على حساب الفلسطينيين. وبالتالي، فإن الزراعة المسلحة التي يعمل بها الرواد هي في واقع الأمر الطريقة الصهيونية لتجنيد بعض الشباب اليهودي الثوري من شرق أوروبا وتحويلهم الى مستوطنين يحلون محل الفلسطينيين. وصورة الرائد هي الصورة التي شكّلت الوجدان الصهيوني العمالي الاستيطاني. والمجتمع الاسرائيلي كان مجتمع مستوطنين.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الفصل الثاني: العنف والرؤية الصهيونية الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 7:58 am
2ـ اقتحام الأرض والعمل والحراسة والإنتاج: الرائد كما قلنا يعمل من أجل (اقتحام الأرض والعمل والحراسة والإنتاج) وهي مجموعة من المفاهيم الصهيونية العمالية المترابطة التي تشكل عصب الايديولوجية الصهيونية العمالية:
أ ـ اقتحام الأرض كان مفهوم اقتحام الأرض أحد الأسس التي يستند اليها البرنامج الصهيوني الاستيطاني، وهو مفهوم ينادي بالاستيلاء على أرض فلسطين واستغلالها حتى يمكن انقاذها من أيدي الأغيار وبناء المستعمرات اليهودية. وعن طريق غزو الأرض يطهّر اليهودي نفسه من طفيليته التي كانت تسمه كشخصية هامشية تعمل بالتجارة والربا في الدياسبورا (أي في أنحاء العالم)، حيث كان يعيش منفياً محرماً عليه ـ حسب التصور الصهيوني ـ العمل في الزراعة والاحتكاك بالطبيعة ومصادر الحياة. فاقتحام الأرض لم يكن الدافع اليه اقتصادياً فحسب وإنما كان نفسياً أيضاً. ولكن الاقتحام الحقيقي للأرض لم يتم بالطرق السلمية ولا حتى عن طريق التسلل والشراء، فالصندوق القومي اليهودي لم يتمكن خلال 45 عاماً (من تاريخ تأسيسه حتى عام 1947) من الحصول إلا على 3.9% من مساحة فلسطين، بينما نجد أن الهاجاناه (وشتيرن والإرجون) قد استولت في أقل من عام واحد (1948) على مساحة قدرها 76% من مجموع مساحة البلاد.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الفصل الثاني: العنف والرؤية الصهيونية الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 7:59 am
ب ـ اقتحام العمل: لو كان الاستعمار الصهيوني استعماراً استيطانياً وحسب، لاكتفى باقتحام الأرض ولكنه استعمار استيطاني إحلالي، ولذا لم يكن هناك مفر من البحث عن أداة أخرى لتحقيق الإحلال، وقد وجد الصهاينة ضالتهم المنشودة في مفهوم اقتحام العمل. وفي إحدى مؤتمرات العامل الفتي، أكد جوزيف واتكين أن اقتحام الأرض واقتحام العمل صنوان لا يفترقان، يكمل الواحد منهما الآخر. وكلا المفهومين يعود في الأصل الى المفكر الصهيوني العمالي الحلولي يهودا جوردون (1830 ـ 1892) الذي كان يرى أن اليهودي في الدياسبورا يقوم بأعمال كتابية وحسابية ومالية، ولذا فهو يحيا حياة مشوّهة ينقصها الانفعال والإبداع، كما أنه لا يتمتع بأية سيادة ولا مشاركة في صنع القرارات التي تؤثر في حياته.ولذا، يجب على اليهودي أن يعود للأرض لا ليملكها فحسب وإنما ليشتغل فيها بالأعمال اليدوية الشاقة ويقهرها حتى يصبح هو نفسه محتلاً من قبل العمل اليدوي. والعمل اليدوي هو إحدى وسائل الرجوع الى عالم الطهارة والحواس والطبيعة ووسيلة الاتحاد الصوفي بها. ولذا يجب أن يعمل العامل اليهودي من أجل العمل ذاته، وهو بهذا سيطبّع نفسه ويتخلص من هامشيته وطفيليته ويحل إشكالية الهرم الطبقي اليهودي المقلوب إذ يصبح هناك عمال وفلاحون (الى جانب الحرفيين والمثقفين الذين يشكلون غالبية اليهود). ومن ثم يكتمل تكوين الشعب اليهودي، كما أنه سيحل إشكالية العجز وانعدام السيادة وعدم المشاركة في السلطة إذ أن هذا الشعب اليهودي الذي اقتحم العمل وأكمل تكوينه الطبقي يمكنه أن يؤسس دولة ذات سيادة يمارس اليهود من خلالها صنع القرار ويتحكمون في مصيرهم، أي أن الصهيوني الذي يقتحم (العمل) لا يحرر نفسه وحسب من أردان المنفى، وإنما يحرروا الأرض ايضاً من العرب الذي يمتلكونها ويعملون فيها. وقد قام الحاخام الصهيوني ابراهام كوك _1865 ـ 1935)، العارف بأسرار القبّالاه وكبير الحاخامات الإشكناز في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، بالدفاع عن فكرة اقتحام العمل، مستخدماً مصطلحاً حلولياً عضوياً، إذ يقول: (لقد أدرنا ظهورنا للاهتمام بحياتنا الجسدية ولتطوير أحاسيسنا كما أهملنا كل ما له علاقة ملموسة بحقيقة الجسد لأننا اصبحنا فريسة لمخاوفنا، لقد كان ينقصنا الإيمان بقدسية الأرض). ونحن نرى أن ثمة تشابهاً بنيوياً بين مفهوم اقتحام العمل وبين المفهوم الحسيدي للخلاص بالجسد الذي يؤكد أن روح الإنسان تستطيع، من خلال الانتشاء الجسدي والغوص في الأشياء المادية، أن تتسامى لتصل الى درجة عالية من الطهارة والشفافية والسمو الروحي. والحديث عن اقتحام العمل وطهارة العمل العبري لم يكن أمراً مجازياً بل كان حرفياً الى أقصى درجة، فلقد قام بعض العمال العرب الذين استأجرهم المستوطنون الصهاينة بغرس أشجار غابة هرتزل، فقام العمال اليهود باجتثاثها ثم أعادوا غرسها في اليوم التالي من خلال العمل العبري الطاهر. والحديث عن اقتحام العمل والعمل اليدوي بهذا الشكل الرومانتيكي يدل على الجذور الطبقية البورجوازية الصغيرة للصهيونية العمالية التي جاءت جماهيرها من بين قطاعات اجتماعية فشلت في التأقلم مع أوضاعها الطبقية والاقتصادية الجديدة في شرق أوربا، ولم تتمكن من اللحاق بمن هاجر الى الولايات المتحدة أو غرب اوربا، فكان عليها ان تبحث عن بنيان اقتصادي جديد يمكنها ان تتكيف معه، فوجدت ضالتها المنشودة في العودة الى عالم زراعي مقدس ف يأرض الاجداد المقدسة! ولكن الدافع وراء اقتحام العمل لم يكن نفسياً/ طبقياً فحسب، بل كانت هناك ضرورات عملية يحتمها واقع الاستعمار الاستيطاني الاحلالي في فلسطين، فالأرض التي هاجر اليها اليهود لم تكن خالية من السكان، ولذا كان يتحتم اجلاؤهم وشغل اعمالهم. وقد أدرك المستوطنون منذ البداية أهمية العمل العبري كأساس للاستيطان الاحلالي، فاستئجار العمال العرب كان يعني ان المستوطن الصهيوني سيظل معتمداً على العرب غير مستقل عنهم، كما انه في نهاية الامر سيجعل تحقيق أغلبية يهودية أمراً مستحيلاً. ولذا، لم يكن هناك مفر من احلال العامل اليهودي محل العامل العربي، وكان خلق وظائف جديدة للمهاجرين الجدد امراً حتمياً، وهو أمر كان من العسير تحقيقه دون اللجوء الى اقتحام العمل. وقد قاوم بعض المستوطنين هذا المفهوم الصهيوني العمالي لتناقضه مع مصالحهم الاقتصادية، فالرأسمالي اليهودي كان يفضل العامل العربي الكفء قليل التكلفة على العامل العبري غير الكفء مرتفع التكلفة. وقد قام الصهاينة العماليون بتنظيم اضرابات عديدة ضد الرأسماليين اليهود الذين لا يحافظون على نقاء او طهارة المستوطن، الا ان الصهاينة العماليين كانوا مع هذا يؤكدون ان غزو الارض لم يكن يتم لحساب الطبقة العاملة اليهودية وحدها وانما لحساب الشعب اليهودي ككل وان التناقض بينهم وبين الرأسماليين لم يكن ينصب الا على نقطة جزئية خاصة باصرار الفريق الآخر على استئجار العمل العربي. وكمحاولة لحل هذا التناقض، لجأ المستوطنون الى (استيراد) بعض اليهود الشرقيين من اليمن، فالعامل اليمني كان عاملاً عبرياً (مقدّساً) يرضي المطامع الاحلالية لدى الصهاينة العماليين، ولكنه كان في الوقت ذاته عاملاً عربياً رخيصا يرضي شراهة الصهاينة الرأسماليين. ولكن المشكلة زادت تفاقماً لان العمال اليمنيين لم يكونوا سعداء بأحوالهم، الامر الذي اضطر المستوطنين الى وقف استيراد اليهود من اليمن. ولم يحقق شعار اقتحام العمل أي نجاح، فحتى عام 1914 لم يزد عدد العمال اليهود عن 12% من القوة العاملة في فلسطين. ولذلك، اقترح جوزيف واتكين انشاء مزارع الكيبوتس كوسيلة لجعل العامل الزراعي مالكاً زراعياً ايضاً، ذلك ان واتكين كان يعلم ان الجذور البورجوازية للعمال اليهود كانت تجعل تحولهم الى مجرد عمال امراً عسيراً عليهم، كما ان غياب الرباط العاطفي بينهم وبين الارض كان سبباً لهجرة كثير منهم الى الولايات المتحدة. وقد نجحت مزارع الكيبوتس في تحقيق أحلام البورجوازية اليهودية الصغيرة المهاجرة في ان تصبح مالكة، كما انها ثبتتها في الأرض وربطتها بها، أي ان مزارع الكيبوتس اصبحت الوسيلة المزدوجة لاقتحام الارض والعمل معاً، وقد اصبح شعار اقتحام العمل من مبادئ هذه المزارع.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الفصل الثاني: العنف والرؤية الصهيونية الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 7:59 am
ج ـ اقتحام الحراسة اذاً اضفنا الى كل هذا شعار اقتحام الحراسة المرتبطة ايضاً بمزارع الكيبوتس، وهو شعار يطلب من اليهود ان يقوموا بحراسة انفسهم بدلاً من استئجار عرب او شراكسة، اكتشفنا ان الكيبوتس هو التجسيد العملي للاستيطان الصهيوني الاحلالي بكل رومانتيكيته وشراسته الزراعية والعسكرية. وقد اعتنقت فرق العمال مبدأ العمل والدفاع (عفواه وهاجاناه) او جمعت بين شعاري اقتحام العمل بحرمان العمال العرب من حق العمل واقتحام الارض بالاستيلاء على أراضي فلسطين تحت ستار العمل. وقد تكونت قوات الهاجاناه والبالماخ في معظمها من سكان مزارع الكيبوتس والموشاف من العمال غزاة الارض والعمل، ولذا فنحن نتحدث عن (الزراعة المسلحة).
د ـ اقتحام الانتاج وحتى يكتمل انعزال المستوطنين، ظهر شعار (اشتروا الانتاج) واتخذ ذلك طابعاً منظماً لمقاطعة المنتجات العربية ومنع التعامل مع العرب وشراء المنتجات اليهودية وحدها والتعامل مع اليهود وحدهم. وقد قام الهستدروت بفرض العمل العبري والاستهلاك العبري ان صح التعبير. وبذا، تكون الدائرة قد اكتملت: من غزو مسلح للأرض، لغزوا مسلح للعمل، لانغلاق اقتصادي حضاري كامل لا يزال يسم اسرائيل بكل مؤسساتها الاقتصادية والعسكرية، وفي هذا تكمن صهيونية الدولة الصهيونية.
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
موضوع: رد: الفصل الثاني: العنف والرؤية الصهيونية الأربعاء 01 نوفمبر 2023, 8:00 am
ماسادا: اسطورة العنف القومي بينا في الجزء السابق من هذا الفصل رفض الصهاينة ما يسمي (الشخصية اليهودية) بسبب سلبيتها، وطلبهم تحديثها لتصبح شخصية عنيفة. وفي هذا الاطار قاموا ببعث اساطير (وثنية) ترجح كفة العنف، وهي كلها اساطير شمشونية ((عليّ وعلي أعدائي)) وتنتهي بالانتحار والهلاك. وأهم هذه الاساطير اسطورة ماسادا. و(ماسادا) كلمة آرامية تعني (القلعة)، وهي آخر قلة يهودية سقطت في ايدي الرومان اثناء التمرد اليهودي الاول ضد الامبراطورية الرومانية. وتقع ماسادا على مرتفع صخري بارز شرقي الصحراء الفلسطينية بالقرب منا لبحر الميت، والتي تعرف بمصعدة وسبة. وهي ترتفع عن سطح البحر المتوسط بنحو تسعة واربعين متراً، وعن سطح البحر الميت بأربعمائة واربعة وثلاثين متراً. وقد بناها احد ملوك الحشمونيين، ثم بنى هيرود فيها قصراً وزاد تحصينها وادخل بها نظاماً متقدماً نسبياً للري وتخزين المياه خوفاً من خطر كليوباترا ملكة مصر، وجعلها ملاذاً يحتمي به عند الحاجة من الجماهير اليهودية المسحوقة الساخطة. وقد احتل الرومان القلعة. ولكن مجموعة من اليهود الغيورين، بقيادة مناحيم الجيلي ابن او ربما حفيد يهودا الجليلي احد قادة التمرد، استلوا على ماسادا عام 66م وذبحوا كل اعضاء الحامية الرومانية بعد ان وعدوهم بالامان ان استسلموا، وهذا ما يفسر خشية اليهود من الاستسلام فيما بعد. وقد اغتيل مناحم على يد المتمردين في القدس بسبب ادعاءاته الملكية المشيحانية واستبداده. لكن بقية أتباع مناحم فروا الى ماسادا تحت قيادة إليعازر بن يائير وهو احد زعماء عصبة الخناجر ومن نسل يهودا الجليلي ولعله ابن عم مناحم. وقد اختبأ هؤلاء في القلعة حتى نهاية الحرب ولم يقدموا أية مساعدة لليهود المحاصرين في القدس، واقتصر نشاطهم الاساسي على الهجوم على القرى اليهودية في المنطقة المحيطة بماسادا وابتزاز أهلها. وقد انضم اليهم شمعون برجيورا احد زعماء التمرد، هو وأتباعه الذين اشترك معهم بعد ذلك في الاغارة على القرى اليهودية، ولكنه ترك ماسادا بعد ذلك واستسلم للرومان وأعدم في روما. وقد ترك الرومان قلة ماسادا الى ان فرغوا من اخماد التمرد اليودي نظراً لعدم أهميتها قياساً الى مواقع أخرى. ثم قامت قوة رومانية بقيادة فلافيوس سيلفا بحصارها من كل الجهات لمدة ثلاثة وسبعون اسبوعاً وشقت طريقاً ارتفاعه 200 ذراع، وأحدثت ثغرة في جدرانها (يسخر بعض المؤرخين من كل هذه التفاصيل ويؤكدون ان الحصار لم يدم أكثر من ثمانية اسابيع وان الطريق المشار اليه ليس الا امتداداً طبيعياً، ناشئاً عن عمليات نحر وانحسار مياه البحر الميت وانه جزء من التكوين الصخري للارض). وكل هذا دفع القائد اليهودي اليعازر بن يائير (حسب رواية يوسيفوس فلافيوس، المؤرخ والاديب (اليهودي) المتوفي في أواخر القرن الاول الميلادي) الى اقناع رفاقه بممارسة انتحار جماعي بدلاً من الوقوع اسرى في ايدي الرومان.جاء ذلك في خطبة نسب فيها الى اليعازر ان الانتحار هو ما تأمر به الشريعة. وحسب رواية يوسيفوس، نجح اليعازر في اقناع المحاصرين برأيه، وقد ادى هذا الى انتحار تسعمائة وستين من الرجال والنساء والاطفال، وذلك الى جانب انهم اضرموا النيران في منازلهم ومخازن مؤنهم عام 73م. ويدعي يوسيفوس ان امرأتين وخمسة اطفال اختبأوا في احد الكهوف اثناء تنفيذ العملية، وهم الذين قصوا ما حدث (هذا تقليد ادبي يتواتر في كثير من الاعمال الادبية الخيالية). وقد تحولت قلعة ماسادا بعد ذلك الى موقع عسكري روماني ثم الى قلعة صليبية. وتحرم الديانة اليهودية الانتحار (تثنية 30/19)، شأنها في هذا شأن الديانات السماوية الاخرى. ولذا، قال الحاخامات عن الانتحار انه ضرب من (الميثاق مع الموت). وقد أثارت قصة ماسادا هذه شكوكاً كثيرة، حتى عند بعض علماء الآثار اليهود الذين يؤكدون انها قصة خرافية واسطورة ملفقة، اذ لا يمكن البرهنة تاريخياً على سلامة الاكتشافات الاثرية التي تستند اليها هذه القصة. والمصدر الوحيد للقصة هو يوسيفوس فلافيوس، وهو كاتب لا يعتد به كمؤرخ. كما أنه، حينما كان قائداً لحامية الجليل التي استسلمت للرومان، ارغمه جنوده على الفرار والاختباء في كهف بعد ان قرروا جميعاً الانتحار. وقد اضطر هو الى مجاراتهم بل اشرف على القرعة التي اجريت وعلى عملية الانتحار نفسها الى ان جاء دوره، فاقنع الجندي المتبقي بعد جدوى الانتحار وخرجا سالمين. وبعد ذلك، انضم هو الى الرومان واصبح داعية لهم بين اليهود. ولعل القصة التي نسجها يوسيفوس فلافيوس عن ماسادا هي نوع من انواع التعويض يقوم بها كاتب ادبي لم يستطع ان يصبح بطلاً في الواقع، فقام بعملية تعويض عن طريق اسقاط القيم البطولية التي يحلم بها على من حوله وهو ما سميناه (عقدة فلافيوس). ولكن، حتى بافتراض ان واقعة ماسادا واقعة تاريخية حقيقية، فان كتب التاريخ الصهيونية قد اسقطت كثيراً من العناصر التاريخية لتفرض على ماسادا معنى صهيونياً بحيث تصبح ماسادا رمزاً لوحدة الشعب اليهودي ولرفضه التام للاستسلام للاغيار. فمثلاً لا تذكر المصادر الصهيونية شيئاً عن الحرب الطبقية التي دارت رحاها بن فقراء اليهود وأثريائهم، او انه، قبل حادثة ماسادا، تم ذبح ما لا يقل عن اثنى عشر الف يهودي على يد اخوانهم من اليهود الفقراء. كما لا تذكر المصادر الصهيونية شيئاً عن القلاع اليهودية الاخرى، مثل هيروديوم وماكايروس، التي آثرت الاستسلام والبقاء على الانتحار والموت لعلمها ان الرومان لن يبيدوا من فيها لانهم لم يرتكبوا جريمة الابادة ضد الحاميات الرومانية التي استسلمت لهم، هذا على عكس ما كان عليه سكان ماسادا الذين كانوا يعرفون ان مصيرهم هو الموت بسبب ابادتهم الحامية الرومانية التي استسلمت لهم.وكانت قلعة ماكايروس اقوى وهم حصن بعد القدس. واذا كان لابد من اختيار رمز ما، فان هذه القلعة اصلح لذلك من ماسادا.ولا تذكر المراجع الصهيونية ايضاً قادة التمرد الذين استسلموا وسيقوا الى روما حيث أعدموا. وكل هذا يدعونا الى رؤية حادثة ماسادا باعتبار انها الاستثناء وليس القاعدة، وانها ليست ممثلة لما يسمى (التاريخ اليهودي) أو (العبقرية اليهودية)، وان الوحدة القومية التي تتحدث عنها الصهيونية هي وحدة اسطورية وهمية. ومما يجدر ذكره ان يهود العالم لم يكونوا يعرفون شيئاً عن ماسادا حتى القرن التاسع عشر. ولكن، ورغم هذا، فان الحركة الصهيونية والدولة الصهيونية من بعدها قد احاطت قصة ماسادا بهالات صوفية، وحولتها الى اسطورة قومية محورية. ونظمت اسرائيل حملات دعائية ضخمة حول عملية الكشف عن القلعة قادها رئيس اركان الجيش الاسرائيلي الجنرال يادين، وشارك فيها الجيش بامكانيات واسعة في الفترة من سنة 1963م، حتى 1965م. وتقوم اجهزة الاعلام الاسرائيلي بمحاصرة العقلية الاسرائيلية واليهودية باسطورة ماسادا، ففي كل عام تقيم بعض اسلحة الجيش الاسرائيلي احتفالات ترديد يمين الولاء على قمة القلعة ويقسمون في نهايته بان ماسادا لن تسقط ثانية.وتنظم رحلات لافواج من السياح اليهود وطلبة المدارس الاسرائيلية للحج الى القلعة، كما تحرص اسرائيل على ان تدرج زيارة هذه القلعة ضمن برنامج كل زعيم سياسي اجنبي يذهب الى اسرائيل، بل أعادت الدولة الصهيونية عام 1969 دفن المنتحرين. وتمكن الاشارة الى ان الهدف السياسي من كل هذه الضجة حول ماسادا، والآثار اليهودية الاسرائيلية بصفة عامة، هو محاولة صهينة الشباب من جيل الصابرا او غيره ومحاولة ربطهم بالتاريخ اليهودي القديم. لكن الواقع ان قطاعات واسعة من الشباب الاسرائيلي لا تعير هذا التاريخ اهتماماً كبيراً. كما ان التركيز الزائد على الآثار هو محاولة للبرهنة على وجود جذور تاريخية لدولة اسرائيل الحالية تمتد في اغوار الماضي اليهودي في فلسطين للتأكيد على صحة سياسة الحركة الصهيونية في مواجهة اضطهاد اليهود من جانب والاستفادة من تضحياتها المستمرة في مواجهة هذا الاضطهاد من جانب آخر. والحركة الصهيونية، في اشاعتها لهذه الاساطير الانتحارية عن الذات اليهودية، تحاول ان تؤثر في الرأي العام العالمي والعربي وان تكسب كثيراً من المعارك النفسية والفعلية دون خوض أية حرب. ولكن من المعروف ان القوات الاسرائيلية التي حوصرت في خط بارليف عام 1973، استسلمت بطريقة عملية ورشيدة للغاية على مسمع ومرأى الصليب الاحمر الدولي والتلفزيون المصري. وفي احد هذه المواقع، سأل الجنود قيادتهم بتهكم ان كان المطلوب هو القتال حتى الموت لاقامة ماسادا ثانية، فاتاهم الرد بالاستسلام على ان يبتسموا امام عدسات التلفزيون المصري. اما الجنود الاسرائيليون الذين انتحروا اثناء عملية لبنان، فيبدو انهم قاموا بفعلتهم هذه يأساً من الحرب وثمنها الفادح، اذ لم يكونوا داخل موقع محاصر، وبالتالي فان انتحارهم لم يكن من اجل الدولة والمثل الصهيونية وانما احتجاجاً عليها. ومع اندلاع الانتفاضة، لا يتحدث الصهاينة عن النهاية في الاطار الانتحاري للماسادا. فيهوشفاط حركبي، وآرييل شارون، وكلاهما تحدث عن نهاية الكيان الصهيوني، لم يشيروا الى ماسادا وانما الى الطائرة المروحية التي ستأخذ بقية المستوطنين من على سطح السفارة الامريكية، تماماً كما حدث في فيتنام. وقد تزايد بشكل ملحوظ عدد الجنود الاسرائيليين الذين ينتحرون في مواجهة الضغوط النفسية وما تشكله محاولة اخماد الانتفاضة من ارهاق. وقد شكلت اكثر من لجنة تحقيق لدراسة هذا الموضوع. وامتدت الظاهرة لتشمل المهاجرين الفلاشاه والسوفييت، اذ لوحظ مؤخراً تزايد معدل الانتحار بينهم بسبب الاحباط الذي يعانونه في الدولة الصهيونية، وفشلهم في تحقيق أحلامهم وآمالهم.