أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: المبحث الثالث الثلاثاء 28 يونيو 2011, 8:24 pm | |
| المبحث الثالث
ثورات الشيشان في القرن التاسع عشر
أولاُ: الحركة المريدية الحركة المريدية هي حركة دينية صوفية، على الطريقة النقشبندية، ولكنها سرعان ما أصبح لها جانب عسكري وسياسي، فانطلقت هذه الحركة في القوقاز، من بلاد داغستان، وكانت تدعو لمقاومة الكفرة الروس، وجمعت تحت لوائها رجال الدعوة المخلصين، وكان من أهدافها جمع كلمة الإسلام، التي تفرقت، هناك، بسبب انقسام المسلمين إلى جماعتين:
جماعة أهل السنة، وجماعة الشيعة، فانتشرت هذه الحركة بسرعة مذهلة في الجبال القوقازية.
ثانياً: ثورة الشيخ منصور الشيشاني ولد الشيخ منصور، أو "أشورماUshurma "، كما لقبه الروس، في مدينة "الدي" ببلاد الشيشان، في موقع قريب من جروزني اليوم، واسمه الحقيقي "محمد".
وحفظ القرآن في داغستان، وكان منتسباً للطريقة النقشبندية.
وتلقى علومه الدينية في بخارى. كان يحفظ القرآن الكريم كله، عن ظهر قلب، ويحفظ آلافاً من الأحاديث النبوية الشريفة.
وصار له نفوذ وتأثير، لا يجارى، بين الشعوب الشركسية القوقازية المسلمة، وكان يحرِّض الناس جهاراً على القيام ضد الروس يداً واحدة، مبيناً لهم أهمية الاتحاد؛ ونجح، أيما نجاح، في إثارة الحقد على الروس.
وكان على اتصال بالعثمانيين، الذين كانوا يحثونه على بذل أقصى ما يمكن من جهد لإثارة النقمة على الروس، فدأب الشيخ منصور على التجوال في مختلف أنحاء القوقاز ليخطب في الناس، ويعظهم بترك أمور الدنيا، والتعلق بأهداب الفضيلة، وكان زاهداً متقشفاً.
وفي عام 1785، نادى بالجهاد ضد الروس، واستثار الحمية الإسلامية في نفوس القوقازيين.
وكان ذلك بداية حرب جديدة، لم يألفها الروس من قبل، وهي حرب الجهاد المقدس.
وسرعان ما تجاوب مع الشيخ منصور شعوب داغستان، والقبارطاي، والنوغاي، بالإضافة إلى الشيشان. وتجمع لديه جيش ضخم، استطاع أن يلحق بالروس هزائم متكررة في شمالي القوقاز.
خاض الشيخ منصور الشيشاني معارك عدة مع الروس، بعد أن تجمع لديه جيش ضخم، من المجاهدين، في شمالي القوقاز، ورغم أن "كاترين" الإمبراطورة الروسية (1729 ـ 1796)، لم تكترث، في بادئ الأمر، بالشيخ منصور، وحركته في بلاد الشيشان، فإن هزيمة الكولونيل بيري، الذي أرسله بوتمكين، للقضاء على الشيخ منصور، جذبت اهتمام كاترينا لهذا الخطر، الذي ظهر، فجأة، في شمال القوقاز.
وتمكن الشيشان وحلفاؤهم الداغستان، من قتل الكولونيل بيري، ومعه سبعة ضباط آخرين، إضافة إلى ستمائة جندي، وغنموا الأسلحة التي كانت بحوزتهم، ومن ضمنها اثنا عشر مدفعاً.
وبعد توالي انتصارات الشيخ منصور في بلاد الشيشان، والداغستان، ازداد تعلق الشراكس بالشيخ، وتدافعوا للانضمام إلى حركته وجهاده.
واستطاع شعب القبارطاي الشركسي الانفصال، مؤقتاً، عن الروس.
ثم حاول الشيخ منصور الاستيلاء على حصن قيزيل يار، وعندها أرسلت كاترين جيشاً ضخماً، بقيادة الكولونيل ناجل، استطاع أن يهزم الشيخ في معركة "تتار توب" بتاريخ 30/10/1785 على نهر التيرك، إلا أنها كانت هزيمة مؤقتة، لأن الشيخ منصور انسحب من المعركة عندما شعر بأنه سيخسرها، نتيجة التفوق العددي الروسي، وعاد إلى بلاده، الشيشان، ولم يحاول الروس اللحاق به، داخل بلاده، واقتصر نشاطه بعدها على غارات مُباغتة وسريعة على القلاع الروسية في القبارطاي.
وعندما بدأت بوادر الحرب تلوح بين روسيا وتركيا عام 1787، استنجد الأتراك بالشيخ منصور فلبى النداء، وظهر فجأة بين الشراكسة في الغرب، الذين التفوا حوله، وقاموا بمهاجمة القوات الروسية من الخلف، وفي الذكرى السنوية لمعركة "تتار توب"، هاجم الشيخ، ومعه الشراكسة، ثلاثة أفواج من فوزاق الدون وأبادوهم.
وفي سبتمبر عام 1787، هاجم الروس قلعة "أنابا" على ساحل البحر الأسود، فقام الشيخ منصور بالهجوم على الروس من الخلف، في منطقة "أوبون"، وقتل ثلاثة آلاف جندي روسي في هذه المعركة. وإثر هذه الهزيمة، عُزل الجنرال توكالي، وحل محله بيبكوف، وأيقن الروس أن احتلال "أنابا" لن يتم إلا بهزيمة الشيخ منصور أولاً.
وكان الأتراك قد أرسلوا حسين باشا "بطال باشا"، للدفاع عن أنابا، على رأس جيش قوامه ثلا ثون ألف رجل، مزودين بالمدافع والذ خيرة والمؤن. وفور وصوله لأنابا قام بطال باشا بمعاملة الشيخ منصور، ومتطوعيه من الشيشان والشراكسة، بجفاء وعجرفة، عندما قدموا للترحيب به.
ونتيجة لهذه المعاملة، غير اللائقة، غادر الشيخ منصور ومتطوعوه أنابا، بعد أن أرسلوا شكوى إلى السلطان العثماني ضد تصرفات بطال باشا. وعندما أرسل السلطان بطال باشا خوفاً من العقوبة، وتوقف قبل سحق الروس، ثم أخذ 800 كيس من الذهب، وهرب إليهم، وانضم لأعداء الدين.
ونتيجة لإلحاح السلطان العثماني والشراكسة، عاد الشيخ منصور لأنابا للدفاع عنها، وفشل الجنرال بيبكوف في احتلال أنابا، وتم استبداله بالجنرال بيلمان.
وبتنسيق مع الأتراك، خرج الشيخ منصور من حصن أنابا، ومعه مقاتلوه، لمهاجمة قوات الجنرال جيرمانيين، أحد مساعدي بيلمان، وجرت معركة "كوبيروسكوي" والتي اضطر الشيخ للانسحاب منها، لأن القوات التركية لم ترسل التعزيزات التي كان قد اتُّفِقَ على إرسالها أثناء المعركة، ولكن الشيخ منصور عاد ثانية إلى أرض المعركة، واضطر الجنرال جيرمانيين للانسحاب.
وبعد مسلسل الفشل الروسي في احتلال أنابا، قامت الإدارة الروسية بتعيين الجنرال غوردوفيتش، لقتال الأتراك والشيخ منصور، وأرسلت له تعزيزات كثيرة، من السلاح والجنود. وبعد وصولها، قام غوردو فيتش بالهجوم على أنابا، في 21/6/1791، وتمكنت القوات الروسية من دخولها في اليوم التالي، بعد أن فاوض الأتراك الروس، وبعد دفاع أسبوعين، قبلوا الاستسلام، بالرغم من احتجاج الشيخ منصور ومتطوعيه، وحثهم القائد التركي على المقاومة لآخر رجل. وخلال المعارك في المدينة سقط الشيخ منصور جريحاً، فأسره الروس، ونقلوه إلى الإمبراطورة كاترينا، التي رغبت في رؤية هذا الشيشاني، الذي كان مصدر إزعاج دائم لها منذ عام 1785.
ثم أودع السجن في شليسبرغ، وهناك قُتل، بعد أن قتل الجندي المسؤول عن حراسته. وبذلك سقط الشيخ منصور الشيشاني شهيداً، في 13 أبريل 1794، بعد تسع سنوات من الجهاد المتواصل. وبسقوط أنابا، واستشهاد الشيخ منصور انتهت المقاومة الإسلامية في شمالي القوقاز، لكن لتعود ثانية، وبشكل أقوى وأعنف وأشمل، في الربع الأول من القرن التاسع عشر.
وبعد أن أجهضت ثورة الشيخ منصور أحلام القياصرة في بسط نفوذهم على القوقاز، لجأوا إلى سياسة الأرض المحروقة، وحرب الإبادة الكاملة، غير أن ذلك لم يمنع من اتساع أعمال المقاومة للوجود الروسي، بل ولم يمنع من تحقيق انتصارات باهرة بالرغم من تعيين الجنرال يرملوف، الذي عُرف برعونته وبطشه، قائداً للقوات الروسية في القوقاز، بعد انتصاره على نابليون.
ونجح هذا القائد بالسيطرة على منطقة القبارطاي، وإخلائها من السكان ليمنحها للقوزاق.
ولكن الشركس تصدوا لسياسة يرملوف، وقاوموه مقاومة عنيفة، بقيادة المريدين، وقد قاد المقاومة في الربع الأول من القرن التاسع عشر الشيخ الغازي مولاي محمد.
ثالثاً: ثورة الشيخ الغازي مولاي محمد(1793-1832) ولد غازي مولاي محمد في "غيمري"، عام 1793، وتعلم في قرية قرناي ودرس العربية بها، ثم درس في "أراكاني"، على يد سعيد أفندي، حتى تفقه في الدين، وصار من زعماء الحركة المريدية.
وكان يقطن باراح جنوب الداغستان. وكان الشركس يقصدونه من كل أنحاء القوقاز للاستماع إلى توجيهاته، والإصغاء إلى خطبه.
وفي سنة 1824 وقف في الناس خطيباً بصورة علنية، حث فيها الناس على مقاومة المستعمر الروسي، صاحب الأمر والنهي في بلادهم.
وأعلن الشيخ الجهاد.
ونجح الغازي محمد في تكوين جيش الخلاص، وانتشرت أفكاره بسرعة هائلة في الداغستان والشيشان.
وبعد أن حشد جموع المجاهدين من كل أنحاء القوقاز، أعلن الجهاد بعد أن بايعه الناس، في بلدة "غيمري"، زعيماً للمجاهدين.
وبعد فترة قصيرة اعترفت بزعامته جميع الشعوب الشركسية، ما عدا خان الأوار التي كانت عاصمته خونزاخ، فقرر الشيخ غازي معاقبة الأوار وشن عليهم هجوماً بمساعدة الشيخ شامل، ولكن الهجوم فشل، وقد اشترك الحاج مُراد في صفوف الأوار لصد حملة الشيخ غازي محمد.
وبعد فشل الحملة، قام الحاج مراد بجمع مخلفات جيش المريدين وأرسلها إلى الروس ليبرهن على تضامنه معهم، أما الغازي محمد فقد لم شتات جيشه ورجع إلى غيمري، وأعلن أن هزيمته تعود إلى ضعف إيمان شعبه، وفساد أحلامه. وفي عام 1830، أرسل الروس جيشاً كبيراً إلى داغستان للقضاء على ثورة المريدين، فتصدى له الثوار بقيادة الشيخ غازي محمد، الذي وضع خطة رائعة لاستدراج الروس إلى الموقع الذي يريده ويناسبه.
وفعلاً نجح الشيخ في استدراجهم إلى الغابات الكثيفة، والوديان الضيقة، وأخذ يشن عليهم الهجمات المباغتة والسريعة. وفي عام 1831، هاجم الشيخ غازي مدينة باراثول ورغم أن المدافع الروسية كانت تمطره بوابل من قذائفها، من قلعة بورنايا، فقد كاد ينجح في احتلالها لولا وصول النجدات الروسية في اللحظة المناسبة.
وبعد شهر واحد، هاجم الشيخ غازي قلعة ونسبانايا، في سهول داغستان الشمالية، وحاصرها فترة طويلة ثم اضطر للتراجع إلى الغابات، حيث اشتبك مع الروس في معارك ضارية، مُني فيها الروس بخسائر فادحة، وأصيب فيها الجنرال الروسي أمانويل بجراح خطيرة. ثم هاجم المدينة المحصنة دربند، الواقعة على ساحل بحر قزوين، ولكنه تراجع بعد وصول النجدات الروسية.
وفي خريف سنة 1831، هاجم الشيخ غازي مدينة قيزليار، الواقعة على الضفة الشمالية لنهر الترك، وتمكن من فتحها، واستولى على كمية كبيرة من الغنائم، وأسر نحو 200 أسير روسي.
وفي ربيع سنة 1832، هاجم الشيخ غازي مدينة فلادي قوقاز، عاصمة القوقاز، وحاصرها مدة من الزمن، وكان هدفه تحريض القبرطاي للانضمام إلى ثورة المريدين لكنه فشل في اقتحام المدينة.
وفي شهر أغسطس 1832، استأنف الروس هجماتهم على الشيشان، ودخلوا بلدة غرماتشوك.
وقد دافع عنها سكانها دفاعاً عظيماً رغم ضعف تسليحهم، واستمر صمود سكان غرماتشوك حتى تمكن الروس من تدمير المدينة بكاملها، وأضرم الروس النيران فيها، ولكن المقاومة استمرت، إلى أن التهمت النيران جثث الشهداء، والأحياء، الذين ثابروا على القتال.
وفي خريف 1832 قام الروس بحملة شرسة على غيمري للإجهاز على الثورة، والقضاء على الشيخ غازي ومساعده الشيخ شامل.
وكان هدف الروس تدمير المدينة نهائياً بما فيها، وبعد معارك ضارية فشل الروس في اقتحام غيمري وقد أبدى الشيخ شامل شجاعة فائقة ونادرة، وبذل المريدون محاولات كثيرة لرفع الحصار الروسي عن المدينة، ولكن الحصار كان مُحكماً، وبعد اقتحام الروس للمدينة وجلائهم عنها، وُجدت جثة رجل، ولما أبصره الناس عرفوا أنها جثة الشيخ غازي محمد.
أما الشيخ شامل فقد تمكن ورغم إصاباته المتعددة من الوصول إلى بلدة انتسكول، وهو بين الحياة والموت. وقد عُولج وتعافى.
وبعد استشهاد الشيخ غازي، وخضوع الشيخ شامل للعلاج، أوكل المريدون أمر قيادة الجهاد إلى الشيخ حمزت بك جانقا (1789ـ 1834).
ولكن الشيخ حمزت لم يكن يتمتع بمقدرات سلفه من حيث الجرأة والإقدام، ومع ذلك تمكن، بمساعدة الشيخ شامل، من تثبيت سلطته، واستطاع أن يكسب شعب الأوار إلى حركة المريدين، لأنه ينتمي إلى هذا الشعب وتمكن الشيخ حمزت من فتح خومواخ؛ عاصمة الأوار. وفي عام 1834 بايع شعب الأوار الحاج مراد أميراً عليهم.
واغتيل الشيخ حمزت على يد أحد زعماء الأوار، ويدعى الحاج مراد عام 1834.
لم يكن هنالك رجل أجدر من الشيخ شامل ليتولى أمر المريدين، ويقود الجهاد ضد الروس.
رابعاً: ثورة الشيخ شامل (1797 ـ 1871) ولد الشيخ شامل في قرية غيمري، في داغستان في 21 أغسطس 1797، ويرى الباحثون في تاريخ القوقاز، أن شاملاً استطاع، بجرأته وصلابته، أن يضرم النار الخبيئة في وجدان الشعب الداغستاني، العريق والأصيل.
انتقل إلى بلاد الشيشان، المجاورة لداغستان، ليستقوي برجالها، الجبليين الأشداء، على روسيا وجيوشها الجرارة. وكانت أول مهمة نهض بها هي القضاء على الفرقة والتمزق الداخلي، ونجح نجاحاً رائعاً في رص الصفوف، ورأب الصدع، وإصلاح ذات البين بين القبائل الشركسية.
وبعد أن اطمأن شامل إلى تماسك الجبهة الداخلية، دعا للجهاد، والتصدي للمحتلين الروس منذ عام 1829، وكان الساعد الأيمن للإمام غازي محمد.
وبعد استشهاد الشيخ غازي محمد، واغتيال الشيخ حمزت، لم تجد القبائل القوقازية شخصية تصلح لقيادة الجهاد أفضل من الشيخ شامل، وبعد أن بويع، رفع راية الجهاد.
ويتفق جميع الباحثين في تاريخ القوقاز، أن حركة المريدين كانت تعاني من الضعف قبل تولي شامل قيادتها، ولكنه استطاع بمساعيه الشخصية، أن يبعث في الحركة المريدية روحاً جديدة، واستطاع أن يجمع حوله الزعماء والشخصيات البارزة في الحركة.
ولما استتب له الأمر، بادر فوراً لإخضاع قبائل الأوار، ولكن الحاج مراد، زعيم، الأوار هزم الشيخ شامل ثم مني الشيخ بهزيمة ثانية أمام الجنرال الروسي كلوجناو.
وعلى أثر الهزيمتين أدرك الشيخ أنه لا بد من القيام بمراجعة عامة لتحديد أسباب الفشل، والتعرف على نقاط الضعف. وتوصل إلى قناعة راسخة أنه لا يمكن تلافي نقاط الضعف إلا بمزيد من تقوية الجيش، وتوحيد القب ائل، وكسب الحاج مراد، زعيم الأوار، إلى صفوف المريدين.
وركز الشيخ جهوده لتحقيق هذه الأمور.
وقد تسنى له كسب الحاج مراد عندما قام الروس بتعيين عدوه، أحمد خان، أميراً على الأوار، فتحول الحاج مراد إلى عدو للروس.
ويلاحظ الباحثون في تاريخ القوقاز أن الشيخ شامل لم يكن قائداً عسكرياً وحسب، بل كان يجيد الدخول في معترك السياسة، ويعرف متى عليه أن يحارب، ومتى يجب أن يفاوض.
فعلى سبيل المثال كان الشيخ مضطراً لخوض المعركة مع الروس عند بلدة "تي تيل" جنوب "خونزاخ، عاصمة الأوار، وعندما تمكن الروس من احتلال نصف البلدة قام شامل بعرض الهدنة، وفي المفاوضات كسب الشيخ نصراً مبيناً، إذ أنه ضمن انسحاب الروس دون شروط.
وبعد هذه المعركة عاد الشيخ إلى اشيلتا فوجدها مدمرة، ولم يبق فيها سوى خمس دور دون تدمير، وحتى الجامع، الذي بُويع فيه بالإمامة، دمره الروس، فغضب الشيخ، وقرر الانتقام من الروس.
واتخذ من أخولجو مقراً جديداً له، بعد تدمير اشيلتا، وقام بتحصينها وحوّلها إلى قلعة منيعة. وفي هذه الفترة لجأ الروس إلى المفاوضات واتصل الجنرال كلوجناو بالشيخ شامل ليجتمع به في مدينة تفليس، عاصمة جورجيا، واستجاب الشيخ لهذا الطلب، ووصل إلى المكان المحدد مع مائتين من المريدين المدججين بالسلاح، وبعد مفاوضات طويلة فشل اللقاء، وذلك لأن الشيخ لم يتزحزح عن مواقفه، وطالب بجلاء الروس عن القوقاز كله.
في عام 1837، ازدادت قوة المريدين، مما دفع الروس إلى السعي لإخماد ثورتهم بأي ثمن، فأرسلوا الجنرال غرابة، قائداً جديداً للقوات الروسية في القوقاز.
وقرر غرابة مهاجمة (أخولجو)، مركز الثورة، وقام بقصفها بالمدفعية، ثم حاصرها، ومنع المؤن من الدخول إليها، ودام الحصار شهراً كاملاً.
وفي 16 يونيه 1837 شنّ الروس هجوماً على (أخولجو) وضربوها بالقنابل، دون تمييز، مما اضطر الشيخ إلى المفاوضات، ولكن المفاوضات فشلت لأن الروس اشترطوا استلام الشيخ شامل، وتسليم ابنه، جمال الدين، للروس، ولذلك استؤنف القتال.
ونشبت معارك جديدة، وكسباً للوقت، ولكي يتمكن الشيخ من تحسين موقفه، دخل مع الروس في مفاوضات جديدة، ولكن المفاوضات لم تسفر عن نتيجة.
وفي 16 أغسطس 1837، أرسل الروس إنذاراً نهائياً للشيخ، وأصروا على تسلم ابنه جمال الدين، رهينة.
ولم يقبل الشيخ شامل الإنذار، وعدّه تهديداً، فشن الروس هجوماً واسعاً على أخولجو، وكادوا يدمرون المدينة بكاملها، فاضطر الشيخ لتسليم ابنه رهينة لديهم، ولم يكن قد تجاوز الثالثة عشرة من عمره.
جرت مفاوضات بين الطرفين، وطلب الروس استسلام أخولجو، وتسليمها للروس، ولكن الشيخ شامل رفض، فشن الروس هجوماً جديداً، وتمكنوا من دخول المدينة، بعد مقاومة عنيفة.
ولكن الروس لم يعثروا على الشيخ شامل، على الرغم من أن المدينة كانت محاصرة حصاراً محكماً، واتضح فيما بعد أن الشيخ تمكن من الفرار في ليلة 22 أغسطس 1837، ومعه امرأته وأصغر أولاده، وبعد مواجهة مع دورية روسية، تمكن من الهرب إلى جبال الشيشان.
ولم تمض سنة حتى رتب شامل قواته، وأعاد تدريبها وتسليحها، وظهر ثانية في الشيشان، على رأس جيش مؤلف من عدة آلاف.
وعندما وصل الشيخ إلى بلاده، بايعه أهلها على الجهاد، وتحرك فوراً، ومن جديد، لانتزاع داغستان من الجيش الروسي.
ومما عزز قوة شامل هو انضمام الحاج مراد إليه، الذي تمكن من الهرب من قبضة الروس، بعد أن وشى به أمير الأوار، أحمد خان، العميل الروسي.
ولجأ الحاج مراد إلى شامل الذي عينه فوراً نائباً.
وبانضمام الحاج مراد إلى الشيخ شامل كسب المريدون جميع شعب الأوار. اتخذ شامل من بلدة (دارغو) مقراً جديداً له، وقام بسلسلة من الإجراءات التنظيمية، لتنظيم المناطق التي حررها، والتي شملت الشيشان، وأراضي واسعة من داغستان، وأصبح الطريق م مهداً أمام توحيد شمال وشرق القوقاز، تحت راية المريدية، وكان في مقدمة هذه الإجراءات: 1. تقسيم البلاد المحررة إلى مقاطعات وتعيين نائب لكل منها. 2. فرض الخدمة الإلزامية. 3. إنشاء المحاكم الشرعية. 4. فرض النظام بشكل صارم.
وبرهن شامل أنه رجل إداري من الدرجة الأولى. وفي عام 1842 حاول الروس احتلال المناطق المحررة ولكنهم رُدوا على أعقابهم، فعاودوا الكرة بقيادة الجنرال غرابة وكان هدفهم دارغو، لكن المريدين، بقيادة شامل، تمكنوا من دحرهم وهزيمتهم هزيمة نكراء، وعندما حاول غرابة مهاجمة الداغستان فشل أيضاً.
وفي عام 1843، حاول الشيخ شامل تحرير جميع أجزاء بلاده الداغستان من الروس، وهاجم مع الحاج مراد بلدة أونتسكول عندما طلب سكانها النجدة، واستطاع الشيخ سحق القوات الروسية، وحرر البلدة، ثم حرر خونزاخ، وبذلك أصبح شمال داغستان حراً، وأصبحت لشامل السيادة المطلقة في الشيشان وداغستان.
وهذا ما أوقع القيصر نيقولا الأول في حالة يأس شديد، خاصة أن الشيخ كان ينجو من جميع الأفخاخ التي ينصبها الروس لاصطياده، ويخرج منها ليكيل لهم الضربات القوية والمتلاحقة. لذلك أمر القيصر الجنرال نايدهارت بقيادة حملة من أعماق الجبال والتوغل بين الأدغال والأحراش لمحاربة المريدين، وزوّده بأحدث المعدات. ولكن الجنرال الجديد فشل في تحقيق أهداف النصر، فعزله، وعين الجنرال فورونتسوف، الذي اكتسب خبرات عالية من حروبه ضد نابليون، فتوجه الجنرال الجديد إلى (دارغو) عاصمة المريدين، الواقعة في الجنوب الشرقي للشيشان، والمتاخمة لحدود داغستان. وعندما فكر فوروتسوب بالانسحاب، وجد صعوبة كبيرة، لأنه كان عليه أن يحمل 12000 جريح، فقرر التوقف وطلب النجدات السريعة، ليسهل عليه الانسحاب. وهكذا أيقن القيصر أن الشيخ شامل أصبح أسطورة يجب الخلاص منها، وخاصة بعد أن شن الشيخ شامل هجوماً على القبرطاي، الخاضعة للاحتلال الروسي منذ سنة 1822، وحوّلها الروس إلى قاعدة لأعمالهم الحربية في القوقاز.
وكان هدفه من الهجوم تأمين الاتصال المباشر بين شرقي القوقاز وغربها، وتشكيل جبهة موحدة، تمتد من بحر قزوين إلى البحر الأسود. وقد حاول الشيخ شامل إقناع القبرطاي بالانضمام إلى المريدين، ولكنهم تقاعسوا عن نصرته، ولم ينجح في إقناعهم.
وفي عام 1847، هاجم الشيخ شامل بلاد القبرطاي، من جهة بلاد الشيشان، ولكنه لم يوفق في انتزاعها من الروس.
لذلك وضع الروس تكتيكاً جديداً لمحاصرة الشيخ شامل، فبنوا العديد من القلاع والحصون بين الروس وداغستان، وأمروا بإحراق الغابات الكثيفة في الشيشان، التي كانت تساعد الثوار على التخفي فيها، وأحرقوا جميع القرى التي كانت تعترضهم.
أما شامل، فقد انصرف، خلال فترة الهدوء، إلى تعزيز تحصيناته وتدريب جيشه وترسيخ حكمه في الجبال وتمتين الوحدة الداخلية.
وقد اعتمد شامل على الحاج مراد في شن الهجمات المباغتة والسريعة. إذ تمكن الحاج مراد سنة 1846، وبقوة لا تزيد عن 500 فارس، من دخول بلدة جنكوتاي، عاصمة إقليم مشتولي.
وفي عام 1849 تمكن الحاج مراد من دخول مدينة تيمرخان شورا المحصنة. في سنة 1850، هاجم الحاج مراد بلدة بونياكسك، على بحر قزوين، وقتل (شاخ والي)، وخطف امرأته وأولاده، واحتفظ بهم شامل رهائن، حتى افتداهم الروس بالمال.
ولكن خلافاً دبّ بين الشيخ شامل والحاج مراد، واعتقد شامل أن الحاج مراد ينافسه في مركزه السياسي والديني، فأصدر حكماً يقضي بإعدامه.
ولكن الحاج مراد هرب، ولجأ إلى الروس، في خريف 1851، فاستقبله الروس، واعتقدوا أن شاملاً قد انتهى، بتخليه عن الحاج مراد. واستغل الروس الحاج مراد، وسمحوا له بالإقامة قرب الحدود المجاورة لقوات شامل، لكي يتمكن من الاتصال بأعوانه، الذين تركهم في بلاده، وأطلقوا يده ليفعل ما يشاء، ويتحرك متى شاء.
وكان هدف الحاج مراد، هو اغتيال الشيخ شامل، أو أسره وتسليمه للروس. ولكن الحاج مراد طال انتظاره، ولم يتمكن من الإيقاع بالشيخ شامل، وفي الوقت نفسه، ازداد شوقه إلى عائلته وولده يوسف بالتحديد، الذي أخذه شامل أسيراً، وعندما نفد صبر الحاج مراد، واستبد به اليأس والقنوط، لاذ بالفرار سنة 1852، مع بعض رفاقه، وقرر الالتجاء إلى الجبال ثانية، إلا أنه، قبل أن يتمكن من مغادرة المناطق الخاضعة للروس، أحاطوا به وبرفاقه، ونشبت معركة عنيفة، قتل فيها الحاج مراد، في 18 أبريل 1852. في 4 أكتوبر 1853، نشبت حرب القرم، بين روسيا من جهة، والدولة العثمانية وفرنسا وإنجلترا وسردينيا من جهة ثانية.
وبنشوب هذه الحرب، جاءت فرصة أخرى للدولة العثمانية، لكي تتعاون مع القوقازيين، بقيادة الشيخ شامل. ووضع الحلفاء، "تركيا وفرنسا وإنجلترا"، خطة يقوم بموجبها القوقازيون بالتقدم إلى القرم من ناحية البر.
وعندما تمكن الحلفاء من تحقيق أهدافهم، وانتصروا على روسيا، انسحبوا من المعارك.
وفي 25 فبراير 1856 اجتمعت الأطراف المتنازعة في باريس، وعقد مؤتمر باريس، وكانت المفاجأة أن المؤتمر لم يأت على ذكر القوقازيين.
وعندما طرح مندوب إنجلترا موضوع انسحاب القوات الروسية من القوقاز، استعمل المندوب الروسي حق النقض.
وصرَّح مندوب الدولة العثمانية، بأنه لا توجد أية قضية تتعلق بالقوقاز في هذا المؤتمر.
وعندما عاد مالسبوري، مندوب إنجلترا في مؤتمر لندن، إلى بلاده بحث البرلمان الإنجليزي بنود معاهدة باريس، والأسباب التي دفعت الحلفاء إلى ترك القوقاز لقمة سائغة لروسيا، وكان جواب المندوب الإنجليزي جملة واحدة: "إنه لا يمكن أن نصبح مسلمين أكثر من المسلمين أنفسهم".
وبعد هزيمة روسيا في حرب القرم، حشدت 280 ألف جندي لإخضاع القوقاز.
ولكن القوقازيين تصدوا للحملة الروسية، بقيادة الشيخ شامل، وتابع المريدون عملياتهم العسكرية.
وأرسل الشيخ شامل ابنه، القاضي محمد، ليغزو إحدى الإمارات الجورجية، وقد نجح القاضي محمد، في أسر الأميرة جاوجافادزه، والأميرة أوربلياتي، واحتفظ شامل بهما إلى أن جرى مبادلتهما بابنه جمال الدين، الذي اضطر إلى تسليمه رهينة للروس عام 1839.
وعاد جمال الدين، بعد أن أعده الروس ليكون وسيلة يضغطون بواسطتها على الشيخ شامل، وكان قد تحول من قوقازي إلى روسي، ونسي أصله ودينه.
وحاول الشيخ شامل تخليص ابنه من تربيته الروسية، لكن جمال الدين بدلاً من الاستجابة لرغبات والده، أخذ يثبط همة الشيخ، ويدعوه لإلقاء السلاح، والانحناء للقيصر، فقام الشيخ بنفي ولده إلى قرية نائية.
وبعد ثلاث سنين مات. وهكذا فشلت محاولة القيصر في التأثير على الشيخ بواسطة ولده، وانصرف الشيخ بعد ذلك إلى التصدي للجيش الروسي، الذي يقوده الأمير بارياتنسكي.
وأمام هذا الزحف الروسي، اضطر الشيخ شامل إلى اختيار موقع (جوينب)، في وسط جبال داغستان.
وحاول الصمود أمام القوات الروسية، ولكنها حاصرت موقع جوينب من كل الجهات. وعند سفح جبل جوينب، دارت آخر المعارك بين شامل والروس.
وخلال المعركة حاول بارياتنسكي إقناع شامل بالاستسلام.
وبعد معركة (فيدنو) في بلاد الشيشان، تمكنت قوات روسيا من اقتحام جوينب، فاضطر الشيخ إلى الاستسلام في 6 سبتمبر 1859، إلى الجنرال بارياتنسكي. وبعد احتجازه في بطرسبرج، نُقل الشيخ شامل إلى بلدة قالوجا، جنوبي موسكو.
وفي سنة 1870 طلب الشيخ شامل إذناً بالخروج للذهاب إلى مكة المكرمة، بقصد الحج، فسمح له بذلك.
وفي طريقه إليها، استُقبل في استانبول استقبالاً منقطع النظير، وكلفه السلطان بالسفر إلى القاهرة، ليتوسط في حل الخلافات المصرية ـ العثمانية، ونجح في هذه المهمة.
ثم قصد مكة المكرمة، وقضى أيامه الأخيرة في بيت الله الحرام، وانصرف إلى العبادة. وتوفي سنة 1871، بينما كان في المدينة المنورة ودفن فيها. إن استسلام الشيخ شامل لم ينه الحرب مع الروس، وإن خفّت حدَّتها، فعلى الرغم من إحكام السيطرة الروسية على منطقة القوقاز عام 1860، وهجرة الكثير من سكانها إلى سورية، وتركيا، والأردن وغيرها، فقد قامت حركات جهاد واسعة ومنظمة ضد القوات الروسية في البلاد مثل: حركة الزعيم الشيشاني أومادوييف، ثم حركة طابي أضاييف، ثم حركة زالماييف.
أما أكبر حركات الجهاد القوقازية ضد الروس في تلك الفترة فهي حركة الزعيم الشيشاني علي بك حاجي، الذي قضى الروس على حركته، وأعدموه في جروزني عام 1878. خامساً: الوضع في بلاد القوقاز بعد استيلاء الروس عليها حين توقفت المعارك، بدأ فصل جديد من مأساة الشعوب القوقازية، أشد هولاً وقسوة من المعارك، إذ إن القياصرة مارسوا سياسة الإبادة المنظمة لتلك الشعوب، وارتكبوا العديد من المجازر، أشهرها: مجزرة "أخجب"، في نهاية عام 1864.
ثم قام الروس بمصادرة الأوقاف الإسلامية، وربطوا المساجد، وإعادة ترميمها، بموافقة مسبقة من السلطات الروسية، بل من الكنيسة الأرثوذكسية نفسها. إلا أن مأساة التهجير تُعدُّ من أكبر المآسي في تاريخ القوقاز كله. فقد أعلن الروس أن على السكان أن يرحلوا طوعاً أو كرهاً، وعليهم الهجرة إلى البلاد العثمانية.
وبدأ الزحف باتجاه الغرب، نحو شواطئ البحر الأسود، واكتظت الشواطئ بالمهاجرين.
واستقر بعض المهاجرين في مدن الحدود المتاخمة لروسيا، بينما استقر بعضهم على الشريط الفاصل بين القرى التركية والبلغارية، ونزل بعضهم حول استانبول. وأرسل العثمانيون قسماً من المهاجرين إلى قبرص، ورودس، ولبنان.
ولم تقف الأمور عند هذا الحد، فقد استغلت روسيا حربها مع العثمانيين في البلقان عام 1877، وثورة الزعيم الشيشاني علي بك حاجي، لتتكرر عمليات التدمير الشامل للمنطقة، ولتبدأ موجة من النزوح والتهجير، من جديد، إلى الأناضول وبلاد الشام. وهكذا كان مصير شعوب القوقاز، احتلال أوطانهم، وتهجير ثلثي السكان، الذين نجوا من الحروب إلى الدولة العثمانية.
وهم يعيشون اليوم في 24 دولة، معظمهم في تركيا، والأردن، وسورية، ويوغسلافيا، وأمريكا.
ويقدر عددهم بثلاثة ملايين نسمة، أما من بقي في القوقاز الشمالي، وخاصة القسم الشمالي الغربي منها، والتي أصبحت شبه خالية فقد خضعت للاستعمار الروسي الاستيطاني، حيث حدثت هجرة واسعة من الروس "القوزاق"، والقوميات الأخرى إليها، وأصبح سكانها الأصليون أقلية في بلادهم، بعد أن فقدوا ثلثي عددهم في الحروب والتهجير. سادساً: ملاحظات على حروب القوقاز
1. كانت حرب القوقاز حرب جهاد بطولية، أثبتت للعالم أجمع بأن الإسلام، عندما ترسخ عقائده في النفوس، ويكون القتال في سبيل الله، وبعيداً عن الاتجاهات الدنيوية، والنفاق السياسي، فإنه قوة لا تقهر، حتى عند الهزيمة الميدانية، كما أكد الشيخ الغازي محمد.
2. وبالرغم من أن الشيشان اخضعوا بالقوة للاحتلال الروسي، في فترات مختلفة من تاريخهم، فإنهم لم يقبلوا أبداً بالسيادة الروسية عليهم وتكررت ثوراتهم.
3. لقد صمد الشيخ شامل 30 عاماً من القتال الضاري، وضد أقوى قوة عسكرية في العالم وأوروبا، وكانت هذه القوة مجهزة بأحدث أجهزة العصر، ومتفوقة عددياً، وبكثافة كبيرة. أما قوات الشيخ شامل فلم تكن تملك إلا أسلحة تقليدية قديمة، وفي عدد قليل لا يمكن مقارنته بعدد القوات الروسية.
ومع ذلك جاء نصر القياصرة مكلفاً للغاية، فكما تقول معظم المصادر التاريخية: إن خسائر القوات القيصرية في بلاد الشيشان والداغستان تقدر بنصف مليون جندي.
4. ادعى قياصرة الروس أن حروبهم في القوقاز لها مهمة تاريخية، وهي حماية المملكة المسيحية ضد كل الأعداء، وأن على الدول الغربية مساندتها.
5. لم تحاول دول أوروبا الغربية منع القياصرة من احتلال القوقاز، ولم تستنكر حملات الإبادة المنظمة، التي شنها الروس على المسلمين في القوقاز.
لأنها تشن حملات مماثلة على مناطق أخرى من العالم الإسلامي.
6. لقد تعاطفت جهات عديدة مع ثورة الشيخ شامل ضد القيصر الروسي، فقد كان في صفوف حركته روس وبولونيون هربوا إلى القوقاز بعد انتفاضة عام 1863.
وكان الفلاحون الروس الذين هربوا من نظام الرق، يعدون السلاح لقوات الشيخ شامل، وبعضهم كان يزود الثوار بالمؤن.
7. قال جون بادلي، في كتابه "الغزو الروسي للقوقاز"،: لو تم اتحاد تركيا وإيران ضد روسيا في القوقاز لتم طرد الروس نهائياً إلى حدودهم الأصلية خارج منطقة القوقاز.
ويلاحظ المؤرخ الشركسي، يوسف عزت، أن موقف العثمانيين والصفويين كان غريباً، ويؤكد أنه على الرغم من أن مركز القوقاز الطبيعي ومقاومة سكانه للروس كانا السبب الرئيس في حماية الدولة العثمانية، والصفوية، من هجمات الروس، وفي منعهم من تنفيذ أغراضهم التوسعية على حساب الدولتين المذكورتين، إلا أن هاتين الدولتين الإسلاميتين لم تقدما الدعم الكافي، حينما هاجمتهم الجيوش الروسية لضم بلادهم إلى روسيا، ليخلو لها الطريق للزحف إلى الجنوب وبسط سلطانها على ساحل المتوسط مع أن تنفيذ هذه السياسة الروسية كان يه تهديد لكيان هاتين الدولتين، ويؤكد يوسف عزت أنه لو ساعدت تركيا وإيران الشراكسة في حروبهم التي كانوا يحافظون فيها على استقلالهم، لوجدتا من القوقازيين حصناً منيعاً قادراً على صد هجمات الروس، ولكن الخلافات المذهبية بينهما أضعفتهما، ومنعتهما من خدمة أو نصرة قضايا المسلمين. يتبع إن شاء الله... |
|