منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالسبت 07 مايو 2022, 9:56 pm

الباب الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.


وفيه ستة فصول:
•    الفصل الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الطهارة.
•    الفصل الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الصلاة.
•    الفصل الثالث: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الزكاة.
•    الفصل الرابع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الصيام.
•    الفصل الخامس: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الحج.
•    الفصل السادس: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الجهاد.

الفصل الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الطهارة

وفيه أربعة مباحث:
•    المبحث الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في طهارة الثياب.
•    المبحث الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الطهارة على المتعاطي.
•    المبحث الثالث: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة طهارة المتعاطي.
•    المبحث الرابع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في نقض الطهارة.

المبحث الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في طهارة الثياب.
وهذه المسألة فرع عن القول بنجاسة المواد المُخدِّرة، والمراد منها: هل لتعاطي المواد المُخدِّرة أثر في حكم ثياب المتعاطي من حيث الطهارة والنجاسة أم لا؟.

يتخرج الكلام فيها على ما ذكروه في أثر معاقرة الخمر على ثياب شاربها.

إلا أنه يحسن قبل البدء في بحث أثر ذلك أن يُشار إلى هل المواد المُخدِّرة نجسة العين أم لا؟.

اختلفوا في نجاسة المواد المُخدِّرة على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أنها طاهرة مطلقاً.
وهذا قول الجمهور وقول عند الحنابلة، وحكي الإجماع عليه.
قالوا: لأنها ليست مائعة، والنجاسة مختصة بالمائع دون الجامد. حتى لو أميعت لأن النجاسة مختصة بالمائع المنعقد في الأصل دون المذاب.

القول الثاني: أنها نجسة مطلقاً.
وهذا قول عند الشافعية غلطه صاحب نهاية المحتاج، وهو قول عند الحنابلة اختاره ابن تيمية.
قالوا: قياساً على نجاسة الخمر، وهي إن أميعت فكالبول، وإن كانت جامدة فكالعذرة.

القول الثالث: إن أميعت فنجسة وإلا فطاهرة.
وهذا قول عند الحنابلة.
قالوا: لأن النجاسة مختصة بالمائع المسكر، فإذا أميعت صدق عليها أنها مائع مسكر.

والراجح -والله أعلم- هو قول من قال بطهارتها مطلقاً؛ إذ لا دليل على نجاسة الخمر والأصل في الأشياء الطهارة، وتنجيس المواد المُخدِّرة فرع عن القول بنجاسة الخمر، وأمَّا قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) (المائدة)، فلا دليل فيه على نجاسة الخمر، لأن الرجس في الآية قيد بقوله: (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ).

فهو رجس عملي وليس رجساً عينياً، ويؤيد هذا أن الميسر والأنصاب والأزلام وصفت أيضاً في الآية بأنها رجس ومع ذلك لم يقل أحد بنجاستها.

ولأن المواد المُخدِّرة نباتية في أصلها أو مخلقة من أعيان، والأصل في النباتات والأعيان الطهارة.

قال في سبل السلام: (والحق أن الأصل في الأعيان الطهارة وأن التحريم لا يلازم النجاسة, فإن الحشيشة محرمة طاهرة, وكذا المخدرات والسموم القاتلة, لا دليل على نجاستها ؛ وأما النجاسة فيلازمها التحريم, فكل نجس محرم ولا عكس, وذلك لأن الحكم في النجاسة هو المنع عن ملابستها على كل حال, فالحكم بنجاسة العين حكم بتحريمها بخلاف الحكم بالتحريم, فإنه يحرم لبس الحرير والذهب وهما طاهران ضرورة شرعية وإجماعاً.          

فإذا عرفت هذا فتحريم الخمر والحُمُر الذي دلت عليه النصوص لا يلزم منه نجاستهما, بل لا بد من دليل آخر عليه وإلا بقيتا على الأصل المتفق عليه من الطهارة, فمن ادعى خلافه فالدليل عليه).

ومبنى الخلاف في نجاسة المواد المُخدِّرة راجع إلى خلافهم في ثلاث مسائل:
الأولى: هل الخمر نجسة أم لا؟.
الثانية: هل نجاسة المسكر مختصة بالمائع، أم في المائع والجامد؟.
الثالثة: هل المواد المُخدِّرة مسكرة أم مفترة؟.

وعلى القول المرجح هنا، لا أثر لاستخدام المواد المُخدِّرة في طهارة الثياب، ويظهر أثرها عند من يقول بنجاستها مطلقاً أو إن أميعت.
والله أعلم.

وبعد ذكر حكم المواد المُخدِّرة من حيث النجاسة والطهارة، أعود إلى مسألة الباب.

فأقول وبالله التوفيق:
أمَّا أثر معاقرة الخمر على ثياب مدمنيها، فقد اختلفوا في أثرها على أقوال ثلاثة:
القول الأول: أن ثياب مدمني الخمر طاهرة لا تكره الصلاة فيها.
وهذا قول الحنفية في الأصح، والشافعية على القول الراجح المختار، والحنابلة.

القول الثاني: أن ثياب مدمني الخمر طاهرة لكن تكره الصلاة فيها.
وهذا قول بعض الحنفية.

القول الثالث: أن ثياب مدمني الخمر نجسة.
وهذا ما يُفهم من كلام المالكية، وهو قول لبعض الشافعية.

الأدلــــة.
أدلة القول الأول:
1.    أن الأصل في الثياب الطهارة، ولا يزول الأصل بالشك.
2.    قياس الأولى على إباحة ثياب أهل الذمة وجواز الصلاة فيها مع استحلالهم للخمر.

يمكن أن يُناقشا:
بأن ثياب الكفار إنما تباح إذا لم يغلب على الظن نجاستها، استصحاباً للأصل، أما إذا غلب على الظن نجاستها فإنها لا تحل؛ ولذا كره جماعة من العلماء ما ولي عوراتهم من السراويل ونحوها، لاحتمال النجاسة، حتى قال الإمام أحمد فيمن صلى بسراويلهم: أحب إليَّ أنْ يعيد إذا صلى فيه.          

يؤيد هذا حديث أبي ثعلبة الخشني -رضي الله عنه- أنه سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إنا نجاور أهل الكتاب، وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا، وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا واشربوا".

أدلة القول الثاني:
يمكن أن يستدل لقولهم بطهارة ثيابهم: لأن الأصل في الثياب الطهارة.

وأمَّا كراهة الصلاة فيها: فقالوا: لأنَّ مدمنيها لا يتوقون إصابة الخمر لثيابهم حال الشرب ؛ ولذا فاحتياطاً للعبادة يكره الصلاة فيها.

نوقش:
بالدليل الثاني من أدلة القول الأول، وهو: أن أهل الذمة مع استحلالهم للخمر تجوز الصلاة في ثيابهم؛ لأن الأصل الطهارة وهي اليقين، ولا يزول اليقين بالشك، فلأن تجوز الصلاة في ثياب مسلم يشرب الخمر أولى.

دليل القول الثالث:
قالوا: لأنه تعارض في حكم ثيابهم أصل وظاهر، وإذا تعارضا قدم الظاهر.     
     
فالأصل في ثياب مدمني الخمر الطهارة؛ لكنه تعارض مع الظاهر من حالهم، وهو مخالطتهم للنجاسة مع عدم تصونهم منها.

نوقش:
بأن الأصل إذا تعارض مع الظاهر لا يخلو من أحوال:
الأول: أن يقدم الأصل على الظاهر جزماً، وضابطه: إذا كان الظاهر احتمالاً مجرداً، كما لو ظن حدثاً أو طلاقاً.

الثاني: أن يقدم الظاهر على الأصل جزماً، وضابطه: إذا كان الظاهر مستنداً إلى سبب منصوب شرعاً، كتقديم شهادة الشهود على أصل براءة الذمة.

الثالث: أن يقدم الأصل على الظاهر على الأصح، وضابطه: إذا كان الظاهر مستنداً إلى سبب ضعيف، ومنها مسألتنا وثياب القصابين ونحوهم ممن الغالب عليه مخالطة النجاسة.

الرابع: أن يقدم الظاهر على الأصل على الأصح، وضابطه: إذا كان الظاهر مستنداً إلى سبب قوي، كمن شك بعد الفراغ من العبادة فإنه لا يلتفت إلى الأصل عملاً بالظاهر.

ويمكن أن يُرد:
بأن جعل الظاهر في مسألتنا داخلاً في القسم الثالث، استدلال بمحل الخلاف، وقد ذكر ابن رجب أن من أقسام تعارض الظاهر مع الأصل: ما يُخرج فيه خلاف في ترجيح الظاهر على الأصل وبالعكس، قال: ويكون ذلك غالباً عند تقاوم الظاهر والأصل وتساويهما.


وذكر من أمثلته: ثياب الصبيان ومن لا يتحرز من النجاسة، وذكر أن فيه ثلاثة أوجه: الكراهة، وعدمها، والمنع حتى تغسل.

الترجيح:
الذي يظهر والله أعلم، أنه لا يخلو الحال إما أن يوجد ما يُقوي الظاهر أو لا، فإن وجد ما يقوي الظاهر وهو النجاسة، كما لو وجد رائحة الخمر أو لونه، أو أن هذا الشارب بعينه معروف عنه عدم توقيه النجاسة ونحو ذلك، عمل بالظاهر، وإلا بقينا على الأصل واستصحبناه وهو الطهارة.

وعلى كل فمبنى المسألة كما سبق هو القول بنجاسة المواد المُخدِّرة، والراجح في هذه المسألة حسب اجتهادي القاصر هو قول من قال بطهارتها.
*    *    *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالسبت 07 مايو 2022, 9:59 pm

المبحث الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الطهارة على المتعاطي.

من نافلة القول أن يقال:

إن الطهارة لا تجب إلا إذا وجد سببها وموجبها، كالصلوات الخمس، أو الجمعة أو الطواف، ونحو ذلك.

فإذا وجد السبب الموجب للوضوء، وكان المرء زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة، فهل هو مخاطب بالوضوء أم لا؟.

يقال:
إن مخاطبته بالوضوء فرع عن مخاطبته بما يجب له الوضوء.      
    
فالصلاة مثلاً هو مخاطب بها وإن زال عقله بالإجماع -كما سيأتي إن شاء الله تعالى-، وعلى هذا فالوضوء واجب عليه، لأنه من شروط الصلاة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ولقائل أن يقول:
ما الفائدة من بحث هذه المسألة وما ثمرتها مع أن المرجح أن المتعاطي لو توضأ وهو زائل العقل بسبب تعاطي المواد المُخدِّرة ما صح وضوؤه؟.

والجواب:
ثمرتها التأثيم، بمعنى: هل يأثم المتعاطي بتركه هذا الواجب وتأخيره لكونه مخاطباً به أو لا.
*    *    *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالسبت 07 مايو 2022, 10:52 pm

المطلب الثاني:

أثر المواد المُخدِّرة في صحة طهارة المتعاطي بالتراب (التيمم).

ذهب جمهور أهل العلم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى اشتراط النية في التيمم، بل حكى صاحب الإفصاح إجماع الأئمة الأربعة على اشتراطها، فقال: (وأجمعوا أن النية شرط في صحة التيمم).


إلا أن بعض الأحناف وبعض فقهاء الأمصار ذهبوا إلى عدم اشتراط النية في التيمم؛ قالوا: لأن التيمم بدل عن طهارة الماء -وهم لا يرونها شرطاً في طهارة الماء-، والبدل له حكم المبدل منه.


والقائلون بهذا مذهبهم مطرد فهم لم يشترطوها لا في طهارة الماء ولا في غيرها، بخلاف جمهور الأحناف الذين تناقضوا، فقالوا بعدم اشتراط النية في طهارة الماء دون التيمم.


وقد حاول بعض الأحناف أن يرد هذا التناقض قائلاً: إن التيمم يدل على القصد، والقصد هو النية، وقد أمرنا بالتيمم في قوله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْ‌ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٞ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآئِطِ أَوۡ لَٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءٗ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدٗا طَيِّبٗا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا ٤٣) (النساء)، والأمر للوجوب؛ لذا اشترطت فيه النية بخلاف طهارة الماء فإن الأمر ورد بالغسل والمسح ولا دلالة لهما على النية.


لكن هذا الاستدلال فيه نظر كما يقول صاحب العناية؛ لأن القصد المأمور به في آية التيمم هو قصد استعمال التراب، والمقصود بالنية في التيمم هو أن ينوي الطهارة أو رفع الحدث أو الجنابة أو استباحة الصلاة، وهذا تفسير ذلك لا محالة، فلا يلزم من كون أحدهما مأموراً به أن يكون الآخر شرطاً.


وعلى كلٍ فالراجح اشتراطها أيضاً في التيمم لما سبق ذكره في أدلة القول الثاني، القائلين باشتراط النية في طهارة الماء؛ ولأن التيمم بدل عن الماء، والبدل له حكم المبدل منه.


وعلى هذا فلو تيمم المتعاطي وعقله زائل بسبب تأثير المواد المُخدِّرة لم يصح تيممه؛ لأنه لا نية له.         


والله أعلم.

*    *    *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالسبت 07 مايو 2022, 10:55 pm

المبحث الرابع:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في نقض الطهارة.

صورة المسألة: إذا تعاطى المكلف المواد المُخدِّرة وزال عقله بسببها فهل ينتقض وضوءه؟.
الكلام في هذه المسألة يتخرج على ما ذكروه في نواقض الوضوء، وأن من نواقضه زوال العقل بالسكر.
وقد اختلف أهل العلم في انتقاض وضوء من زال عقله بسكر على قولين:
القول الأول: ينتقض وضوء من زال عقله بسكر.          
وهذا قول الجمهور من الحنفية، والمالكية، وأكثر الشافعية، والحنابلة.
القول الثاني: لا ينتقض وضوء من زال عقله بسكر.          
وهذا وجه عند الشافعية، وغلطه النووي.

الأدلـــة:
أدلة القول الأول:
1.    الإجماع، وممن حكى إجماع العلماء النووي، حيث يقول: (واتفقوا على أن زوال العقل بالجنون، والإغماء، والسكر بالخمر أو النبيذ أو البنج أو الدواء، ينقض الوضوء سواء قل أو كثر).

كما حكاه ابن قدامة فقال: (زوال العقل على ضربين: نوم وغيره؛ فأما غير النوم وهو الجنون والإغماء والسكر وما أشبهه من الأدوية المزيلة للعقل، فينقض الوضوء يسيره وكثيره إجماعاً،..).

يمكن أن يُناقش:
بأن الإجماع غير مسلم فقد وجد من خالف.
2.    قياس الأولى على نقض الوضوء بالنوم، وبيانه: أن النوم يزول العقل فيه بسبب مباح، وأما ما نحن فيه فزواله بسبب غير مباح، ولأن النوم يزول بالانتباه وقليل الإيقاظ، بخلاف السكر؛ ولذا كان انتقاض الوضوء بالسكر أولى من انتقاضه بالنوم.

3.    قياس الأولى على الإغماء، وبيانه: أن الإغماء يزول العقل فيه من دون أن يتسبب الشخص في زواله ومع ذلك ينقض الوضوء؛ فلأن ينتقض الوضوء بزوال العقل الذي يتسبب فيه المرء أولى.

4.    ولأن زوال العقل مظنة للحدث، وإذا تعذرت الحقيقة أقيمت المظنة مقامها قال ابن تيمية: (ومن أصول الشريعة أن الحكمة إذا كانت خفية أو غير منتشرة علق الحكم بمظنتها) (كما أن النائم الذي تخرج منه الريح ولا يدري يؤمر بالوضوء).

دليل القول الثاني:
قالوا: تخريجاً على قول من قال: إن السكران له حكم الصاحي في أقواله وأفعاله.

ناقش النووي هذا فقال:
(وهذا غلط صريح؛ فإن انتقاض الوضوء منوط بزوال العقل، فلا فرق فيه بين العاصي والمطيع).

الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأول؛ لقوة أدلته ولما ورد على دليل القول الثاني من مناقشة.

وعلى هذا فإذا زال عقل شخص بسبب تعاطيه المواد المُخدِّرة انتقض وضوؤه ووجب عليه أن يعيد وضوءه مرة أخرى.
*    *    *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالسبت 07 مايو 2022, 11:00 pm

الفصل الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الصلاة.
وفيه تسعة مباحث:
•    المبحث الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم أذان المتعاطي.
•    المبحث الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الصلاة.
•    المبحث الثالث: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة الصلاة.
•    المبحث الرابع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في قضاء الصلاة الفائتة.
•    المبحث الخامس: أثر حمل المواد المُخدِّرة في الصلاة في صحتها.
•    المبحث السادس: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في دخول المتعاطي المسجد.
•    المبحث السابع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة الائتمام بالمتعاطي في الصلاة.
•    المبحث الثامن: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صلاة الجمعة.
•    المبحث التاسع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صلاة الجنازة.

المبحث الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم أذان المتعاطي

وفيه مطلبان:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم أذان المتعاطي وهو زائل العقل.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم أذان المتعاطي وهو غير زائل العقل.

المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم أذان المتعاطي وهو زائل العقل.
يتخرج الكلام فيها على ما ذكروه في أذان السكران، وقد اختلفوا في أذانه على قولين:
القول الأول: يكره أذان السكران ويستحب إعادته.          
وهذا قول الحنفية، وبعض الشافعية.
القول الثاني: لا يصح أذان السكران.
اختار هذا القول بعض الحنفية، وهو قول الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة.

الأدلـــــة.
دليل القول الأول:
قالوا: يصح أذانه؛ لأن المقصود من الأذان إقامة الشعار، وهذا يحصل بأذان السكران.

لكن يكره:
لأن الأذان ذكر معظم، وتأذينه ترك لتعظيمه، ولأن السكران فاسق، أو لكونه لا يعرف دخول الوقت.

يمكن أن يُناقش:
بأنه وإن كان من مقاصد الأذان إقامة الشعار، إلا أن هناك مقاصد أخرى في الأذان قد لا يتحقق بأذان السكران ومنها الإعلام بدخول الوقت، والسكران ليس له تمييز ليلاحظ علامات دخول أوقات الصلوات.

ثم إن الأذان عبادة، والعبادات لا تصح إلا بنية، والسكران ليس من أهل النية.

أدلة القول الثاني:
1.    أن السكران ليس من أهل العبادات؛ لأن النية لا تتأتى منه، والأذان عبادة، وكل عبادة لا تصح إلا بنية؛ لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الإعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى".          

قال النووي في شرحه للحديث: (فيه دليل على أن الطهارة وهي الوضوء والغسل والتيمم لا تصح إلا بالنية وكذلك الصلوات والزكوات والصوم والحج والاعتكاف وسائر العبادات).

2.    القياس على عدم صحة أذان المجنون، بجامع غياب عقلهما.

الترجيح.
الراجح والله أعلم هو القول الثاني القاضي بعدم صحة أذان السكران؛ لقوة أدلته، ولما ورد على دليل القول الأول من مناقشة.

وعلى هذا فلو أذن المتعاطي وهو زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة، لم يصح أذانه، والله أعلم.
*    *    *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالسبت 07 مايو 2022, 11:06 pm

المطلب الثاني
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم أذان المتعاطي وهو غير زائل العقل.

وصورتها:
لو أذن شخص يتعاطى المواد المُخدِّرة لكنه حال أذانه كان حاضر العقل، لكونه تعاطاها لكنها بعد لم تؤثر على عقله، أو كانت من المواد التي لا تغطي العقل أصلاً.          

فما حكم أذانه والحال ما ذكر؟.
يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكروه في حكم أذان الفاسق.

وقد اتفقوا على أنه يستحب في المؤذن أن يكون عدلاً، وأنه أولى؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ليؤذن لكـم خياركم"؛ ولما جاء أن المؤذن مؤتمن، فأمر الصائم من الإفطار والأكل والشرب والمباشرة منوط بأذانه، كما أن المصلي يتعلق به وبإعلامه بدخول وقت الصلاة، والأمانة لا يؤديها غير التقي.

كما اتفقوا على صحة أذان مستور الحال.

واختلفوا في أذان الفاسق ظاهر الفسق على قولين:
القول الأول: يصح أذان الفاسق مع الكراهة.
وهذا قول الجمهور من الحنفية والشافعية، ووجه عند الحنابلة.

القول الثاني: لا يصح أذان الفاسق.
وهذا اختيار بعض الحنفية، وهو قول المالكية، ووجه عند الحنابلة قوَّاه ابن تيمية.

الأدلــــة.
أدلة القول الأول:
1.    عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ليؤذن لكـم أحدكم"، و(الفاسق أحدنا بلا شك؛ لأنه مسلم).

2.    القياس على صحة أذان العدل، بجامع أنه ذَكَرٌ تصح صلاته.

3.    ولأن الفاسق من أهل العبادات، وتصح منه نية الأذان.

أدلة القول الثاني:

1.    لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "الإمـام ضامن والمؤذن مؤتمن"، فوصف النبي -صلى الله عليه وسلم- المؤذن بالأمانة، فهو أمين على مواقيت الصلوات والصيام، وأمين على حُرم الناس؛ لأنه يرتقي الأماكن العالية فيشرف على بيوتهم، والفاسق غير أمين.

يمكن أن يُناقش:
بأن الحديث إنما وصف المؤذن بأنه مؤتمن، ولم يتعرض لحكم أذان غير الأمين لا بمنطوقه ولا بمفهومه، فلا يستقيم الاستدلال بهذا الحديث على عدم إجزاء أذان الفاسق.

كما أن اطلاع الفاسق على عورات الناس أثناء أذانه وإن كان محرماً؛ إلا أنه ليس ثمة دليل يدل على بطلان أذانه لارتكابه هذا المحظور.

2.    ولقوله -صلى الله عليه وسلم-:"ليؤذن لكم خياركم"، والفاسق ليس من خيارنا.

نوقش:
بأن الحديث ضعيف، فقد ضعفه النووي في المجموع.

3.    ولأن الأذان إخبار بدخول الوقت، والفاسق لا يقبل خبره ولا روايته.

يمكن أن يُناقش:
بأنّ الأذان قبل أن يكون إخباراً بدخول الوقت، هو عبادة خوطب بها كل مسلم، والفاسق مسلم مخاطب بهذه العبادة كغيرها من العبادات؛ ولذا لو كان منفرداً لشرع له الأذان ولو كان وحده  لعموم حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- وفيه أنه قال لرجل: إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك وباديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

وأيضاً فإن من مقاصد الأذان علاوة على الإخبار بدخول الوقت، إقامة الشعار النافية للإثم عن أهل البلدة وهذا موجود في أذان الفاسق.

الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأول، لقوة أدلته، ولما ورد على أدلة القول الثاني من مناقشة، ولأن الفاسق تصح صلاته لنفسه ولغيره، والأذان ليس بأولى من الصلاة أو فوقها.

لكن ينبغي أن يُقال:
بأن الأولى ألا يكون الفاسق مؤذناً راتباً، احتياطاً لعبادات الناس، قال ابن تيمية: (وأما ترتيب الفاسق مؤذناً، فلا ينبغي قولاً واحداً).

وعلى القول الثاني:
يعاد أذان الفاسق، وعند بعض الحنفية أن إعادة أذانه مستحبة، وقالوا أيضاً: إنما يعاد أذان المؤذن الفاسق إذا كان مؤذناً راتباً، أما لو حضر جماعة عالمون بدخول الوقت وأذن لهم فاسق، فلا يكره ولا يعاد أصلاً لحصول المقصود.

وخرج بعض الأحناف على القول الثاني: أنه لا يجوز الاعتماد على المبلغ الفاسق خلف الإمام؛ لأنه إعلام بتنقلات الصلاة من غير عدل.

وعلى هذا فلو أذن المتعاطي وهو حاضر العقل فإن أذانه صحيح؛ لكن الأولى ألا يُرتب مثله مؤذناً راتباً.
*    *    *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالأحد 08 مايو 2022, 10:19 pm

المبحث الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الصلاة.
وصورتها:
هل المتعاطي إذا كان زائل العقل مخاطب بالصلاة فتجب عليه أم لا؟.
يتخرج الكلام فيها على ما ذكروه في وجوب الصلاة على السكران.
وقد حكى ابن قدامة الإجماع على وجوبها عليه فقال: (وأما السكر, ومن شرب محرماً يزيل عقله وقتا دون وقت, فلا يؤثر في إسقاط التكليف، وعليه قضاء ما فاته في حال زوال عقله.          
لا نعلم فيه خلافاً؛ ولأنه إذا وجب عليه القضاء بالنوم المباح, فبالسكر المحرم أولى).
جاء في تبيين الحقائق: (ولو زال عقله بالخمر يلزمه القضاء وإن طال؛ لأنه حصل بما هو معصية فلا يوجب التخفيف), وإيجاب القضاء عليه يدل على أنه مخاطب بالصلاة حال سكره عندهم.
وجاء في الكافي في فقه أهل المدينة: (وكل صلاة تركها السكران أو صلاها أو بعضها في حالة سكره وتمكن الخمر من رأسه فعليه قضاؤها).
وجاء في المجموع: (أما إذا زال عقله بمحرم بأن شرب المسكر عمداً عالماً به مختاراً, أو شرب دواء لغير حاجة, وهو مما يزول به العقل, فزال عقله لم تصح صلاته في ذلك الحال, فإذا عاد عقله لزمه القضاء).
وجاء في المقنع: (وتجب - أي الصلاة - على النائم، ومن زال عقله بسكر أو إغماء أو شرب دواء).
ويرد هنا ما ورد في مبحث أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الطهارة على المتعاطي، وهو: ما الفائدة من بحث هذه المسألة وما ثمرتها مع أن الإجماع منعقد على أن المتعاطي لو صلى وهو زائل العقل بسبب تعاطي المواد المُخدِّرة ما صحت صلاته؟.
والجواب: أن ثمرتها هو التأثيم، بمعنى: هل يأثم المتعاطي بتركه هذا الواجب وتأخيره لكونه مخاطباً به أو لا.
بل إن بعض المالكية نصَّ على أن من زال عقله بسكر، ولم يفق إلا في وقت الصلاة الضروري وصلى فيه، أثم بتأخيرها إلى الوقت الضروري، إثماً خاصاً للتأخير زائداً على إثم تعاطي المسكر، وقالوا: سواء كان سكره قبل دخول الوقت أو بعده.
كما أن من ثمرتها حكم قضاء الصلاة الفائتة بسبب تعاطي المواد المُخدِّرة.
*    *    *
المبحث الثالث:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة الصلاة.
وصورتها:
لو صلى المتعاطي وهو زائل العقل بسبب تعاطي المواد المُخدِّرة، فهل تصح صلاته؟.
يتخرج الكلام في صحة صلاته على ما ذكروه في صحة صلاة السكران.
وقد أجمع العلماء على أن من صلى وهو زائل العقل أن صلاته غير صحيحة.
جاء في الأشباه والنظائر لابن نجيم : (وينتقض وضوء السكران لعدم تمييزه وتبطل صلاته بالسكر).
وجاء في الكافي في فقه أهل المدينة: (وكل صلاة تركها السكران أو صلاها أو بعضها في حالة سكره وتمكن الخمر من رأسه، فعليه قضاؤها).
وجاء في الأم للشافعي: (فمن صلى سكران لم تجز صلاته؛ لنهي الله عز وجل إياه عن الصلاة حتى يعلم ما يقول).
وسئل ابن تيمية عن الرجل إذا شرب الخمر وصلى وهو سكران, هل تجوز صلاته أم لا؟.
فأجاب بقوله: (صلاة السكران الذي لا يعلم ما يقول لا تجوز باتفاق)، وقال في موطن آخر: (فمن لم يعلم ما يقول لم تحل له الصلاة وإن كان عقله قد زال بسبب غير محرم؛ ولهذا اتفق العلماء على أنه لا تصح صلاة من زال عقله بأي سبب زال).

وعلى هذا فلو صلى المتعاطي وهو زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة لم تصح صلاته؛ لما سبق؛ ولأن المتعاطي زائل العقل لا تتأتى منه النية، والنية شرط لصحة الصلاة بالإجماع.
*    *    *
المبحث الرابع:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في قضاء الصلاة الفائتة.
وصورتها:
إذا غاب عقل المتعاطي بسبب المواد المُخدِّرة فترك الصلاة حتى انقضى وقتها، فهل يجب عليه أن يقضي ما فاته زمن غياب عقله أو لا؟.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في حكم قضاء الفوائت على السكران.
وقد اتفق الفقهاء على وجوب قضاء السكران ما فاته زمن غياب عقله بسبب سكر محرم.          
حكى الإجماع فيه ابن قدامة فقال: (وأما السكر, ومن شرب محرماً يزيل عقله وقتاً دون وقت, فلا يؤثر في إسقاط التكليف، وعليه قضاء ما فاته في حال زوال عقله. لا نعلم فيه خلافاً).
وجاء في تبيين الحقائق: (ولو زال عقله بالخمر يلزمه القضاء وإن طال؛ لأنه حصل بما هو معصية فلا يوجب التخفيف).
وأما من زال عقله بسبب البنج والدواء، فقد وقع فيه خلاف عند الأحناف على قولين ذكرهما في تبيين الحقائق، فقال: (وكذا - يعني: يلزمه القضاء - إذا ذهب عقله بالبنج أو الدواء عند أبي حنيفة؛ لأن سقوط القضاء عرف بالأثر إذا حصل بآفة سماوية فلا يقاس عليه ما حصل بفعله.          
وعند محمد يسقط؛ لأنه مباح فصار كالمرض)، إلا أن ابن عابدين  يرى أنه لا خلاف في ذلك، إذ مقصود من قال لا يجب عليه القضاء هو من شرب البنج لأجل الدواء، ومقصود من أوجب القضاء من شربه لأجل السكر.
وهذا نص كلامه: (وعند محمد يسقط القضاء بالبنج والدواء؛ لأنه مباح فصار كالمريض كما في البحر وغيره.          
والظاهر أن عطف الدواء على البنج عطف تفسير، وأن المراد شرب البنج لأجل الدواء, أمَّا لو شربه للسكر فيكون معصية بصنعه كالخمر).
وجاء في حاشية الدسوقي (إذا كان السكران لا يعرف الأرض من السماء ولا الرجل من المرأة فلا خلاف أنه كالمجنون في جميع أحواله وأقواله إلا فيما ذهب وقته من الصلوات, فإنه لا يسقط عنه بخلاف المجنون).
وجاء في المهذب (وإن زال عقله بمحرم كمن شرب المسكر أو تناول دواء من غير حاجة فزال عقله وجب عليه القضاء إذا أفاق؛ لأنه زال عقله بمحرم فلم يسقط عنه الفرض).
وجاء في كشاف القناع: ((أو) تغطى عقله (بمحرم كمسكر فيقضي) لأن سكره معصية فلا يناسب إسقاط الواجب عنه ولأنه إذا وجب بالنوم المباح فبالمحرم بطريق الأولى).
وجاء في المحلى: (وأما من سكر حتى خرج وقت الصلاة أو نام عنها حتى خرج وقتها أو نسيها حتى خرج وقتها: ففرض على هؤلاء خاصة أن يصلوها أبداً).
وقد نصَّ النووي رحمه الله على أن الحشيشة والبنج حكمهما حكم الخمر في وجوب قضاء الصلوات الفائته، فقال: (وأما ما يزيل العقل من غير الأشربة والأدوية كالبنج وهذه الحشيشة المعروفة فحكمه حكم الخمر في التحريم ووجوب قضاء الصلوات).
وعلى هذا فكل صلاة تركها المتعاطي فترة غياب عقله بسبب المواد المُخدِّرة وجب عليه قضاؤها - والله أعلم -.
*    *    *
المبحث الخامس:
أثر حمل المواد المُخدِّرة في الصلاة على صحتها.
وصورتها:
لو صلى متعاط أو غيره وهو حامل مواد مخدرة، فهل تصح صلاته أم لا؟.
وهذه المسألة كما لا يخفى فرع عن القول بنجاسة المواد المُخدِّرة، ولازم من يقول بنجاستها بطلان صلاة من صلى وهو حامل لها؛ لأنه حامل للنجاسة في الصلاة وهم متفقون في الجملة على بطلان صلاة من صلى وهو حامل للنجاسة.
وقد أغرب القرافي حين قال: (من صلى بالبنج معه أو الأفيون لم تبطل صلاته إجماعاً)، ووجه الغرابة هو حكاية الإجماع، مع العلم أن القرافي يرى أن المواد المُخدِّرة -أو ما عبر عنه: بالمرقدات والمفسدات- يختص المسكر دونها بثلاثة أمور، هي:
الحد، والتنجيس، وتحريم اليسير، ولعل القرافي ظنَّ أنه لا قائل بنجاسة المواد المُخدِّرة.
وعلى كل فإن الراجح في نظري القاصر هو قول من قال بطهارة المواد المُخدِّرة، وأنه لا تلازم بين حرمتها ونجاستها، وعلى هذا فلا أثر لحملها في الصلاة على صحتها.
ولازم من يقول بنجاستها: بطلان صلاة من كان حاملاً لها أثناء الصلاة والله أعلم.
*    *    *
المبحث السادس:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في دخول المتعاطي المسجد.
وصورتها:
لو أرد متعاطٍ زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة دخول المسجد، فهل يمكن من دخول المسجد أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في حكم دخول السكران المسجد.
ولم ينصَّ على منع السكران من دخول المسجد غير الحنابلة -فيما وقفت عليه-.
جاء في مطالب أولي النهى: (ويجب منع مجنون وسكران من مسجد) لقوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْ‌ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٌ۬ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآٮِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً۬ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدً۬ا طَيِّبً۬ا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣) (النساء).
وأما بقية المذاهب فلم ينصوا على منع السكران من دخول المسجد، إلا أنهم نصوا على منع المجانين؛ وعللوا للمنع: بأنه لا يؤمن تلويثه للمسجد؛ لأنه لا تمييز له.
وهل يحرم دخول المجنون المسجد أو يكره؟.
الأحناف فرقوا بين ما إذا غلب على الظن تنجيسهم المسجد وبين غيره، فإذا غلب على الظن حرم، وإلا كره.
أمَّا الشافعية: فنصوا على الكراهة.
ويمكن أن يخرج للجمهور قول بمنع السكران من دخول المسجد قياساً على المجنون بجامع غياب العقل، وأنه لا يؤمن تلويثه المسجد.
والذي يترجَّح -والله أعلم- أنه يحرم تمكين السكران من دخول المسجد، والأصل في النهي المطلق التحريم حتى يرد الصارف ولا صارف -حسب اطلاعي-.
وسواء قيل: إن النهي في الآية عن الصلاة أو عن قربان المساجد؛ إذ لازم النهي عن قربان الصلاة حال السكر، النهي عن قربان مواضعها وهي المساجد.
قال ابن تيمية: (صلاة السكران الذي لا يعلم ما يقول لا تجوز باتفاق؛ بل ولا يجوز أن يمكن من دخول المسجد لهذه الآية وغيرها، فإن النهى عن قربان الصلاة وقربان مواضع الصلاة).

وعلى هذا فزائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة لا يجوز له دخول المسجد حال غياب عقله، ولا يجوز أن يمكن من ذلك.          
والله أعلم.
 *       *       *
المبحث السابع:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة الإتمام بالمتعاطي في الصلاة
وفيه مطلبان:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة الإتمام بالمتعاطي وهو زائل العقل.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة الإتمام بالمتعاطي وهو غير زائل العقل.
المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة الإتمام بالمتعاطي وهو زائل العقل.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في الاقتداء بالسكران.
وقد اتفق الفقهاء على أنه لا يصح الإتمام بالسكران، وأن من صلى خلفه أعاد.
جاء في الفتاوى الهندية: (ولا يصح الاقتداء بالمجنون المطبق ولا بالسكران).
وجاء في المدونة: (لا يؤم السكران ومن صلى خلفه أعاد).
وجاء في المجموع: (لا تصح الصلاة وراء السكران).
وجاء في كشاف القناع ((ولا) تصح الصلاة خلف (سكران)).

وعلى هذا فلو صلى شخص خلف متعاطٍ زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة، لم تصح صلاته؛ لأنه لا تصح صلاته لنفسه فلا تصح لغيره.
وهنا مسألة وهي إذا تعاطى شخص المواد المُخدِّرة ثم صلى بالناس؛ لكن لمَّا يصل بعد إلى تغطية العقل، فهل تصح صلاة من خلفه؟.
الجواب: نعم تصح صلاة من خلفه؛ لأن العبرة بالعقل.          
جاء في المجموع: (فإن شرب الخمر وغسل فاه وما أصابه وصلى قبل أن يسكر صحت صلاته والاقتداء به)، لكن لو حصل السكر في أثناء الصلاة بطلت صلاته؛ لبطلان طهارته؛ ولأن من شرط صحة الصلاة العقل ولا عقل له في هذه الحال.          
وعلى هذا يلزم المقتدي به مفارقته ويبني على صلاته, ولو حصل أنه لم يفارقه بطلت صلاته.
ولعل هذه الصورة - أعني لو شرب المسكر ثم صلى بالناس قبل غياب عقله - هي مقصود من صحح الصلاة خلفه، جاء في المصنف: (عن الحسن أنه قال:  في السكران يؤم القوم، قال: إذا أتم بهم الركوع والسجود فقد أجزأ عنه وعنهم).
*    *    *
المطلب الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة الإتمام  بالمتعاطي وهو غير زائل العقل.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في حكم الإتمام  بالفاسق فسقاً عملياً.
وقد اتفق الفقهاء على كراهة إمامة الفاسق، قال ابن تيمية: (الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق, لكن اختلفوا في صحتها).
ووجه الكراهة: ما في تقديم الفاسق من تقليل للجماعة، لأن الناس قلما ترغب في الاقتداء بمثله؛ ولأن الفاسق لا يهتم بأمر دينه؛ ولأن في تقديمه تعظيماً له وقد وجب علينا إهانته شرعاً.

واختلفوا في صحة الصلاة خلفه على قولين:
القول الأول: تصح الصلاة خلفه.          
وهذا قول الحنفية، ورواية عند المالكية، وهو قول الشافعية، والحنابلة في رواية.
القول الثاني: لا تصح الصلاة خلفه.          
وهذا قول المالكية في رواية، وهو رواية عن أحمد عليها أكثر أصحابه وهي المذهب.

الأدلــــــة.
أدلة القول الأول:
1.    حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، أو يميتون الصلاة عن وقتها؟".         
2.    قال: قلت: فما تأمرني؟.         
3.    قال: "صل الصلاة لوقتها فإن أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة".
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر أبا ذر -رضي الله عنه- أن يصلي خلف الأمراء الذين يؤخرون الصلاة مع أن تأخيرها فعل يقتضي فسقهم، ولو كانت لا تصح خلف فاسق لما أمره النبي -صلى الله عليه وسلم- بفعلها خلفهم.
2.    ما روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "الصلاة المكتوبة واجبة خلف كل مسلم براً كان أو فاجراً وإن عمل الكبائر".
ففي الحديث وجوب الصلاة خلف الفاجر، والفاجر هو الفاسق.
3.    ولأن جماعة من الصحابة صلوا خلف فساق، ومن ذلك:
‌أ-    أن ابن عمر رضي الله عنهما صلى خلف الحجاج.
‌ب-    والحسن والحسين رضي الله عنهما صليا خلف مروان.
‌ج-    وجماعة من الصحابة صلوا خلف الوليد بن عقبة وكان قد شرب الخمر.
4.    ولأن من صحَّت صلاته بنفسه صحَّت صلاته بغيره، والفاسق تصح صلاته بنفسه.
5.    ولأن في ترك الصلاة خلف الفاسق تركاً لسنة الجماعة، والجماعة من شعائر الدين المطلوبة، والعدالة مكملة لذلك المطلوب، ولا يبطل الأصل بالتكملة.

أدلة القول الثاني:
1.    قوله تعالى: (أَفَمَن كَانَ مُؤۡمِنً۬ا كَمَن كَانَ فَاسِقً۬ا‌ۚ لَّا يَسۡتَوُۥنَ) (السجدة)، ولو كان الإتمام  بالفاسق صحيحاً، لكان مساوياً للائتمام بالمؤمن العدل، وظاهر الآية أنهما ليسا سواء.
نوقش:
بأن المراد بالفاسق في الآية الكافر المكذب لرسل الله تعالى، بدليل ما جاء بعدها من بيان مأوى كل من المؤمن والفاسق فقال تعالى: (أَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمۡ جَنَّـٰتُ ٱلۡمَأۡوَىٰ نُزُلاَۢ بِمَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ (١٩) وأمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأۡوَٮٰهُمُ ٱلنَّارُ‌ۖ كُلَّمَآ أَرَادُوٓاْ أَن يَخۡرُجُواْ مِنۡہَآ أُعِيدُواْ فِيہَا وَقِيلَ لَهُمۡ ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِى كُنتُم بِهِۦ تُكَذِّبُونَ (٢٠) (السجدة)، ويؤيده أيضاً ما جاء في سبب نزولها.
2.    ولما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا لا تؤمنَّ امرأةً رجلاً، ولا يؤم أعرابي مُهاجراً.

ولا يؤم فاجرٌ مؤمناً إلا أن يقهره بسلطان يخاف سيفه وسوطه".
3.    ولما روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اجعلوا أئمتكم خياركم؛ فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم".
نوقشا: بأنهما ضعيفان.
4.    ولأن الإمامة تتضمن حمل القراءة، ولا يؤمن من الفاسق تركها، كما أنه لا يؤمن تركه لبعض شرائط الصلاة كالطهارة، وليس ثم أمارة ولا غلبة ظنَّ يؤمنان ذلك.

يمكن أن يُناقش:
بأن هذا ظنَّ يعارض الأصل واليقين وهو إتيانه بالصلاة على وجهها والأصل العمل باليقين حتى يثبت خلافه، ثم إن واقع الفسقة أنهم يتحفظون في أمور صلواتهم ويحرصون على عدم الإخلال بها.
5.    لأن الفاسق لا يقبل خبره لمعنى في دينه، أشبه الكافر.

يمكن أن يناقش:
بأنه قياس مع الفارق، ولازمه ألا تصح صلاة الفاسق لنفسه كالكافر، ولا قائل به.

الترجيح:
الراجح والله أعلم هو القول الأول القاضي بصحة الصلاة خلف الفاسق؛ لقوة أدلتهم ولما ورد على أدلة القول الثاني من مناقشة.          
قال الشوكاني: (ثبت إجماع العصر الأول من بقية الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعاً فعلياً ولا يبعد أن يكون قولياً على الصلاة خلف الجائرين؛ لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير، وكانت الدولة إذ ذاك لبني أمية وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى).
وقد ذكر بعضهم أن سبب الخلاف يرجع إلى تعارض الأقيسة في الباب، وبعضهم يرى أن سبب الخلاف هو: هل صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام، فيقدح فسقه في صحة هذا الارتباط أم لا؟.
وعلى هذا فمن صلى خلف متعاط غير زائل العقل فصلاته صحيحه، لكن ينبغي ألا يولى مثله إمامة الناس، وقد سئل ابن تيمية عن رجل استفاض عنه أنه يأكل الحشيشة, وهو إمام فقال رجل: لا تجوز الصلاة خلفه, فأنكر عليه رجل وقال: تجوز, واحتج بقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: " تجوز الصلاة خلف البر والفاجر "، فهذا الذي أنكر مصيب أم مخطئ؟ وهل يجوز لآكل الحشيشة أن يؤم بالناس؟ وإذا كان المنكر مصيباً, فما يجب على الذي قام عليه؟ وهل يجوز للناظر في المكان أن يعزله أم لا؟.
فأجاب رحمه الله تعالى: (لا يجوز أن يولى في الإمامة بالناس من يأكل الحشيشة, أو يفعل من المنكرات المحرمة, مع إمكان تولية من هو خير منه...، - ثم ساق رحمه الله جملة من الأحاديث الدالة على تولية الخيار ثم قال بعد ذلك: - وأمَّا احتجاج المعارض بقوله: " تجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر " فهذا غلط منه لوجوه: أحدها: أن هذا الحديث لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.          
الثاني: أنه يجوز للمأموم أن يصلي خلف من ولي, وإن كان تولية ذلك المولى لا تجوز, فليس للناس أن يولوا عليهم الفاسق, وإن كان قد ينفذ حكمه, أو تصح الصلاة خلفه.          
الثالث: أن الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق, لكن اختلفوا في صحتها...) أهـ..
*    *    *
المبحث الثامن:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صلاة الجمعة.
وفيه مطلبان:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة الإتمام  بالمتعاطي في صلاة الجمعة.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في دخول المتعاطي في العدد الذي تنعقد به الجمعة.

المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صحة الإتمام بالمتعاطي في صلاة الجمعة.
وصورتها:
لو تولى الصلاة بالناس مَنْ يتعاطى المواد المُخدِّرة فهل تصح الصلاة خلفه أم لا؟.
إن صلى بالناس وهو زائل العقل، فلا تصح الصلاة خلفه؛ لما سبق إيراده في المطلب الأول من المبحث السابع.
أما لو صلى بالناس وهو غير زائل العقل فيتخرج الكلام فيها على صحة الصلاة خلف الفاسق في الجمعة ونحوها كالعيدين.
وقد انعقد الإجماع على إقامة الجمعة خلف كل إمام براً كان أو فاسقاً.
قال الإمام أحمد في الصلاة خلف الإمام الفاسق: (وصلاة الجمعة خلفه، وخلف من ولّى جائزة تامة ركعتان، ومن أعادها فهو مبتدع تارك للآثار مخالف للسنة، ليس له من فضل جمعته شيء إذا لم ير الصلاة خلف الأئمة من كانوا برهم وفاجرهم، فالسنة أن يصلي معهم ركعتين، ويدين بأنها تامة، لا يكن في صدرك من ذلك شك).
وقال ابن حزم: (وذهب طائفة الصحابة كلهم دون خلاف من أحد منهم، وجميع فقهاء التابعين كلهم دون خلاف من أحد منهم، وأكثر من بعدهم، وجمهور أصحاب الحديث، وهو قول أحمد والشافعي وأبي حنيفة وداود وغيرهم، إلى جواز الصلاة خلف الفاسق الجمعة وغيرها، وبهذا نقول، وخلاف هذا القول بدعة محدثة.        
فما تأخر قط أحد من الصحابة الذين أدركوا المختار بن عبيد والحجاج...، وغيرهم عن الصلاة خلفهم وهؤلاء أفسق الفساق، وأمَّا المختار فكان متهماً في دينه مظنوناً به الكفر).
وقال ابن قدامة: (وتجب الجمعة والسعي إليها، سواء كان مَنْ يقيمها سنياً أو مبتدعاً أو عدلاً أو فاسقاً.. ولا أعلم في هذا بين أهل العلم خلافاً).
وقال ابن تيمية: (ولهذا قالوا في العقائد إنه يصلى الجمعة والعيد خلف كل إمام براً كان أو فاجراً، وكذلك إذا لم يكن في القرية إلا إمام واحد فإنها تصلى خلفه الجماعات؛ فإن الصلاة في جماعة خير من صلاة الرجل وحده وإن كان الإمام فاسقاً، هذا مذهب جماهير العلماء أحمد بن حنبل والشافعي وغيرهما... ومن ترك الجمعة والجماعة خلف الإمام الفاجر فهو مبتدع عند الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة).
وعلى هذا فلو صلى الجمعة خلف حاضر العقل ممن يتعاطى المواد المُخدِّرة، فصلاته صحيحة والله أعلم.

المطلب الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في دخول المتعاطي في العدد الذي تنعقد به الجمعة.
وصورتها:
 لو حضر زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة الجمعة فهل يحسب ضمن العدد - أياً كان العدد المشترط - الذي تصح به الجمعة، أم هو غير داخل فيهم؟.
إن من حضر الجمعة وهو زائل العقل لا يحسب ضمن العدد الذي تصح به الجمعة؛ لأنه ليس من أهلها، لكونه غير عاقل حال حضوره الجمعة، جاء في الغرر البهية: ((ضابط الناس في الجمعة ستة أقسام:... ومن لا تلزمه ولا تنعقد به ولا تصح منه: وهو من به جنون, أو إغماء, أو كفر أصلي, أو سكر, وإن لزم الأخير القضاء,...) أهـ.
ولأن صلاة زائل العقل لا تصح بالإجماع.
*      *    *
المبحث التاسع:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في صلاة الجنازة
وفيه مطلبان:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم صلاة ذوي الفضل على جنازة المتعاطي.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم صلاة عامة المسلمين على جنازة المتعاطي.

المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم صلاة ذوي الفضل على جنازة المتعاطي.
وصورتها:
 لو مات المتعاطي للمواد المُخدِّرة فهل يشرع لذوي الفضل ونحوهم من الأئمة وولاة أمور المسلمين الصلاة على جنازته، أو ينبغي لهم ألا يُصلوا عليه زجراً للناس من الوقوع في أوحال التعاطي، وحرماناً لهم من دعوات الصالحين.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في حكم صلاة ذوي الفضل على أهل الكبائر، وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: يصلي ذوو الفضل ونحوهم على أهل الكبائر.          
وهذا قول الحنفية، والشافعية، ورواية عن أحمد، وبعض التابعين.
القول الثاني:  لا يصلى ذوو الفضل ونحوهم على أهل الكبائر.          
وهذا قول المالكية، وهو رواية عن أحمد  اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية.

الأدلـــــة.
أدلة القول الأول:
1.    ما جاء في قصة الغامـدية، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بها فرُجمت ثم صلّى عليها.
فمع أن الزنى من الموبقات، إلا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلّى عليها.

يمكن أن يناقش:
بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما صلى على الغامدية إلا لأنها تابت، يدل لهذا: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لمَّا استشكل صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها فقال: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟!.          
أجابه النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟".

يمكن أن يُجاب:
بأن ماعزاً أيضاً تاب، ومع ذلك لم يُصَلِّ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-.

يمكن أن يُرَدُّ بما يلي:
أنه جاء في رواية البخاري أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلّى عليه، وبعضهم رجَّح إحدى الروايتين على الأخرى، ومنهم مَنْ جمع: فقال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يصل عليه حين رُجم، وصلّى عليه في اليوم الثاني، واستدل لذلك بما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قيل له: يا رسول الله تصلّي عليه؟.          فقال: "لا"، فلمَّا كان الغد صلّى الظهر فطوَّل الركعتين الأوليين كما طوَّلهما بالأمس أو أدنى شيئاً فلمَّا انصرف، قال: "فصلُّوا على صاحبكم"، فصلّى عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- والناس.

ويُقال على فرض عدم الصلاة عليه:
بأن ماعزاً -رضي الله عنه- اجتمع فيه جُرمان: جُرْمُ الزنا، وجُرْمُ كونه خلّف المجاهدين في أهلهم فخانهم، ولذا جاء في حديث جابر بن سمرة -رضي الله عنه- قال: رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلاً قصيراً أعضل ليس عليه رداء، فشهد على نفسه أربع مرات أنه زنى، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فلعلك؟"، قال: لا والله إنه قد زنى الأخر.          
قال: فرجمه، ثم خطب فقال: "ألا كلما نفرنا غازين في سبيل الله خلف أحدهم له نبيب كنبيب التيس يمنح أحدهم الكثبة أما والله إن يُمَكِّنِّي من أحدهم لأنكلنه عنه".
2.    عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "صلوا على من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وأصحاب الكبائر ممن يقولون ذلك.

نوقش بما يلي:
أ‌-    الحديث ضعيف
ب‌-    وعلى فرض صحته، فإنه لا تعارض بين أدلة القول الثاني المانعة من صلاة أهل الفضل ونحوهم على مرتكبي الكبائر وبينه، فيقال: بأن الذي يترك الصلاة على أهل الكبائر هم أهل الفضل ونحوهم دون بقية عوام المسلمين، بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الغال: "صلوا على صاحبكم".
وعلى فرض التعارض بينهما، يقال: بأن الحديث عام وأدلة القول الثاني خاصة، وإذا تعارض العام مع الخاص قدم الخاص.
3.    ما جاء عن إبراهيـم النخعي أنه قال: (لم يكونوا يحجبون الصلاة عن أحد من أهل القبلة)، قال ابن حزم: (فلم يخص إماماً من غيره).

يمكن أن يناقش:
بما جاء في أدلة القول الثاني، وأيضاً يمكن حمله على أن المقصود به صلاة عموم المسلمين لا صلاة ذوي الفضل ونحوهم، وهذا مسلم.

أدلة القول الثاني:
1.    قوله تعالى: (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰٓ أَحَدٍ۬ مِّنۡہُم مَّاتَ أَبَدً۬ا وَلَا تَقُمۡ عَلَىٰ قَبۡرِهِۦۤ‌ۖ إِنَّہُمۡ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَمَاتُواْ وَهُمۡ فَـٰسِقُونَ (٨٤) (التوبة).
فنهى الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة على المنافقين تأديباً لهم وردعاً، فكان ذلك أصلاً في كل من كان على غير الطريق المستقيم من فساد الاعتقاد، فإن الإمام وأهل الفضل يجب ألا يصلوا عليه، ويصلي عليه سائر الناس.
2.    أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الصلاة على عدد من مرتكبي الكبائر، فمن ذلك:
أ‌-    ما جاء أنه -صلى الله عليه وسلم- أتي برجل قتل نفسه بمشاقص، فلم يصل عليه.
ب‌-    ما جاء أن رجلاً من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: "صلوا على صاحبكم"، فتغيرت وجوه الناس لذلك.         
فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن صاحبكم غل في سبيل الله"، ففتشوا متاعه فوجدوا خرزاً من خرز يهود لا يساوي درهمين.
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- ترك الصلاة على قاتل نفسه، والغال، وغيرهما من الكبائر مقيس عليهما.

نوقش:
بأنا لا نقول فرض على الإمام أن يصلي على من غل أو رجم أو ارتكب كبيرة، وإنما له أن يُصلي عليه كسائر الموتى، وله أن يترك كسائر الموتى بلا فرق، وقد أمرهم -صلى الله عليه وسلم- أن يصلوا عليهم، ولم يخص بذلك من لم يرجمه ممن رجمه، أو من ارتكب كبيرة ممن لم يرتكب كبيرة.

يمكن أن يُجاب:
بأن ترك النبي -صلى الله عليه وسلم- ما وقع اتفاقاً، وإنما كان لقصد الردع والزجر، ولو كان تركه بلا قصد لما ترك الإحسان إلى أقارب من غل لما تغيرت وجوههم، ويؤيد هذا ما جاء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج ذات يوم، فرأى قبراً جديداً، فقال: "ما هذا؟".          
قالوا: هذه فلانة مولاة بني فلان، فعرفها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ماتت ظهراً وأنت نائم قائل فلم نحب أن نوقظك بها، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصَفَّ الناس خلفه، وكبَّر عليها أربعاً، ثم قال: "لا يموت فيكم ميتٌ ما دُمْتُ بين أظهركم إلا آذنتمُوني به فإن صلاتي له رحمةٌ".
3.    قياس الأولى على تركه -صلى الله عليه وسلم- الصلاة على المدين الذي لا قضاء له، قال ابن تيمية: (فإذا كان قد ترك الصلاة على المدين الذي لا قضاء له، فعلى فاعل الكبائر أولى).
4.    ولأن أهل الفضل ونحوهم إذا تركوا الصلاة على مرتكبي الكبائر، كان في ذلك ردع وزجر للناس عن إتيان هذه الكبائر، التي أوجبت ترك الصلاة عليهم.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني القاضي بترك ذوي الفضل ونحوهم الصلاة على مرتكبي الكبائر؛ لقوة أدلتهم ولما ورد على أدلة القول الأول من مناقشة، ويؤيده أيضاً: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما استشكل صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- عليها فقال: تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت؟!.          
أجابه النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: "لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟"، وهذا يدل على مسألتنا من وجهين:
الأول: أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- استشكل صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على من زنى، مما يدل على أنه كان متقرراً عندهم أن أمثال هؤلاء لا يُصلي عليهم الإمام ونحوه من ذوي الفضل.
الثاني: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما أنكر على عمر -رضي الله عنه- استشكاله، فقال: بل نصلي على كل مسلم ولو كان عاصياً بكبيرة، وإنما بَيَّنَ أن الغامدية خرجت من القاعدة -وهي ترك الصلاة على مرتكب الكبيرة- لكونها تابت.
قال ابن تيمية: (..، من كان مظهراً للفسق مع ما فيه من الإيمان كأهل الكبائر، فهؤلاء لابد أن يصلي عليهم بعض المسلمين، ومن امتنع من الصلاة على أحدهم زجراً لأمثاله عن مثل ما فعله...، كان عمله بهذه السنة حسناً...، وهذا من جنس هجر المظهرين للكبائر حتى يتوبوا، فإذا كان في ذلك مثل هذه المصلحة الراجحة، كان ذلك حسناً، ومن صلى على أحدهم يرجو له رحمة الله ولم يكن في امتناعه مصلحة راجحة، كان ذلك حسناً، ولو امتنع في الظاهر ودعا له في الباطن؛ ليجمع بين المصلحتين، كان تحصيل المصلحتين أولى من تفويت أحداهما).
وعلى هذا فينبغي لذوي الفضل ونحوهم ترك الصلاة على جنازة متعاطي المواد المُخدِّرة إذا كان في امتناعهم مصلحة؛ زجراً للناس عن الوقوع في أوحالها وشِراكها.
   *       *        *
المطلب الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم صلاة عامة المسلمين على جنازة المتعاطي.
وصورتها:
لو مات المتعاطي للمواد المُخدِّرة فهل يشرع لعموم المسلمين الصلاة على جنازته، أو ينبغي ألا يُصلى عليه زجراً للناس من الوقوع في أوحال التعاطي.
يتخرج الكلام فيها على ما ذكروه في الصلاة على الفاسق فسقاً عملياً.
وقد حكى جماعة من أهل العلم الاتفاق على أنه يُصلى على كل من مات مسلماً، حتى ولو كان مرتكباً للكبائر.
جاء في الاستذكار لابن عبد البر: (وأجمع المسلمون على أنه لا يجوز ترك الصلاة على المسلمين المذنبين من أجل ذنوبهم وإن كانوا أصحاب كبائر، وقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "صلوا على كل من قال لا إله إلا الله محمد رسول الله"، وإن كان في إسناده ضعف، فما ذكرنا من الإجماع يشهد له ويصححه).
وقال أيضاً: (ويصلى على كل مسلم مجرم وغير مجرم، والقاتل نفسه وغيره في ذلك سواء، لا تترك الصلاة على أحد من أهل القبلة، فهي السنة في موتى المسلمين، وليس قتل المسلم لنفسه ولا ما ارتكبه من الكبائر بمانع من إقامة إحياء السنة في الموتى؛ لأنها سنة واجبة على الكافة، وقيام من قام بها يسقطها عن غيره).
وجاء في المحلى: (وأما الصلاة على أهل المعاصي فما نعلم لمن منع من ذلك سلفاً من صاحب, أو تابع في هذا القول).
وجاء في إكمال المعلم: (ولم يختلف العلماء في الصلاة على أهل الفسوق والمعاصي المقتولين في الحدود، وإن كره بعضهم ذلك لأهل الفضل).
وإنما اختلف أهل العلم في الصلاة -أعني صلاة عموم المسلمين- على مرتكبي أنواعٍ خاصة من الفسق العملي، وهي: القاتل نفسه، والمرجوم في زنى، والغال من غنيمة، وليس شرب المسكر منها، والمواد المُخدِّرة مقيسة عليها، فيبقى حكم متعاطيها داخلاً في عموم كلامهم المنقول سابقاً.
وعلى هذا فإن متعاطي المواد المُخدِّرة يُصلى عليه كما يصلى على غيره من المسلمين، ولا أثر لتعاطي المواد المُخدِّرة على حكم صلاة عامة المسلمين على جنازته.          
والله أعلم.
*    *    *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالإثنين 09 مايو 2022, 12:20 am

الفصل الثالث:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الزكاة
وفيه أربعة مباحث:

•    المبحث الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الزكاة.

•    المبحث الثاني: اثر استخدام المواد المُخدِّرة في إجزاء الزكاة.

•    المبحث الثالث: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم دفع الصدقة إلى المتعاطي.

•    المبحث الرابع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم دفع الصدقة إلى من يعوله المتعاطي.


المبحث الأول:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الزكاة.
جاءت النصوص المتكاثر بوجوب الزكاة والمبادرة بإخراجها فمن ذلك: ما جاء أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت له، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله أمَّا إلى الجنة وأمَّا إلى النار".         

قيل: يا رسول الله فالإبل؟.

قال: "ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها..." الحديث، وقد حكى الإجماع على وجوبها غير واحد.

لكن صورة مسألتنا هي: هل لتعاطي المواد المُخدِّرة أثر في إسقاط وجوب الزكاة؟.


والجواب: أنه لا أثر لتعاطي المواد المُخدِّرة في إسقاط وجوب الزكاة؛ لما يلي:

1.    لأنه مسلم مخاطب بها قبل تعاطيه المواد المُخدِّرة فكذا بعدها، وهذا استدلال بالاستصحاب.

2.    ولأن الزكاة إذا كانت واجبة في مال المجنون على الصحيح، مع أن عقله زائل من غير أن يكون له فيه يد، فلأن تجب الزكاة في مال من زال عقله بسبب ما جنت يده أولى.         

وهذا استدلال بقياس الأولى.

3.    ولأن الزكاة حق يتعلق بالمال أشبه نفقة الأقارب والزوجات وأروش الجنايات وقيم المتلفات، وهذه لا أثر لزاول العقل فيها.

والله أعلم.

*    *    *

المبحث الثاني:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في إجزاء الزكاة.

وصورتها:

لو أخرج متعاطٍ زكاته، وهو حال إخراجها زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة، فهل تصح زكاته وتجزئ أم لا؟.

يتخرج الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في حكم النية عند أداء الزكاة.

وقد اتفقت المذاهب الأربعة على اشتراط النية عند أداء الزكاة.

جاء في بدائع الصنائع: (وأما شرائط الركن فأنواع، بعضها يرجع إلى المؤدي، وبعضها يرجع إلى المؤدى، وبعضها يرجع إلى المؤدى إليه، أمَّا الذي يرجع إلى المؤدي: فنية الزكاة،..).

وجاء في الشرح الكبير: ((ووجب) على المزكي (نيتها) أي نية الزكاة عند عزلها أو دفعها لمستحقها).

وجاء في المجموع: (لا يصح أداء الزكاة إلا بالنية في الجملة, وهذا لا خلاف فيه عندنا وإنما الخلاف في صفة النية وتفريعها وبوجوبها قال مالك وأبو حنيفة... وجماهير العلماء).

وجاء في المغني: (مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة).

ودليل اشتراط النية عند أداء الزكاة، ما يلي:

1.    عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: " إنما الأعمال بالنيات ".

2.    ولأن الزكاة عبادة تتنوع إلى فرض ونفل، فافتقرت إلى النية لتمييزها، وتَفرقةً بين فرضها -وهو الزكاة الواجبة-، وبين نفلها -وهو صدقة التطوع-.

3.    ولأن الزكاة عبادة يتكرر وجوبها، فافتقرت إلى تعيين النية كالصلاة.
وعلى هذا فلو أخرج المتعاطي زكاته وهو زائل العقل حال إخراجها، لم تصح منه؛ لأن النية لا تتأتى منه، وهي - أعني النية - شرط لصحة إخراج الزكاة.

والله أعلم.

*    *    *

المبحث الثالث:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم دفع الصدقة إلى المتعاطي.

صورتها:

هل لتعاطي المواد المُخدِّرة أثر في حرمان المتعاطي من دفع الصدقة إليه؟.

الأصل أن الصدقة تدفع إلى كل من انطبق عليه وصف من الأوصاف الثمانية المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّمَا ٱلصَّدَقَـٰتُ لِلۡفُقَرَآءِ وَٱلۡمَسَـٰكِينِ وَٱلۡعَـٰمِلِينَ عَلَيۡہَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُہُمۡ وَفِى ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَـٰرِمِينَ وَفِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ‌ۖ فَرِيضَةً۬ مِّنَ ٱللَّهِ‌ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَڪِيمٌ۬ (٦٠) (التوبة)، فتدفع لعموم فقراء المسلمين لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم".

إلا أن المتعاطي فاسق بتعاطيه المواد المُخدِّرة، وقد نصَّ جمع من الفقهاء على أن الفاسق لا يُعطى من الصدقة إذا علم المُعطي أو ظنَّ أنه يصرفها في معصية.

جاء في الحاشية على تبيين الحقائق: (الفقير الذي يسأل إلحافاً، ويأكل إسرافاً، يؤجر على الصدقة عليه، ما لم يعلم أنه يصرفها في معصية).

وجاء في مواهب الجليل: (ودفع الزكاة إلى الأصلح حالاً أولى من دفعها إلى سيئ الحال، إلا أن يخشى عليه الموت فيعطى, وإذا غلب على الظن أن المعطى ينفقها في المعصية فلا يعطى).

وجاء في نهاية المحتاج في أثناء حديثه عن حكم الصدقة: (وقد تحرم إن علم، أي: ولو بغلبة ظنه أنه يصرفها في معصية).

وقال ابن تيمية: (وأما الزكاة فينبغي للإنسان أن يتحرى بها المستحقين من الفقراء والمساكين والغارمين، وغيرهم من أهل الدين المتبعين للشريعة، فمن أظهر بدعة أو فجوراً، فإنه يستحق العقوبة بالهجر وغيره والاستتابة، فكيف يعان على ذلك !).

وقال في موطن آخر: (ولا ينبغي أن تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله، فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج إليها من المؤمنين، كالفقراء والغارمين، أو لمن يُعاون المؤمنين،..).

وقد نصَّ جماعة من المالكية على أن دفعها إليهم والحال ما ذكر - أعني: علم أو غلب على الظن أنه يصرفها في المعصية -، لا يجزئ عن الصدقة الواجبة، وقالوا أيضاً: يجوز دفع الصدقة إلى أهل المجون والمعاصي، في حالة ما إذا كانوا يصرفونها في محلها من ضرورياتهم.

واستنبط جماعة من شراح الحديث من قوله -صلى الله عليه وسلم-: " قال رجل: لأتصدقنَّ الليلة بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون تصدق الليلة على زانية، قال: اللهم لك الحمد على زانية لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون تصدق على غني، قال: اللهم لك الحمد على غني لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون تصدق على سارق، فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى غني وعلى سارق، فأتي فقيل: له أمَّا صدقتك فقد قبلت، أمَّا الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها، ولعل الغنى يعتبر فينفق مما أعطاه الله، ولعل السارق يستعف بها عن سرقته "، استنبطوا منه: أن الصدقة كانت عندهم مختصة بأهل الحاجة من أهل الخير، ولهذا تعجبوا من الصدقة على الأصناف الثلاثة، واستدلوا به على أنه لا ينبغي التصدق على أهل الفجور والمعاصي، وأن الواجب أن يُتحرى لها أهل الخير والستر.

ومما سبق يقال: بأن الأولى ألا يُتصدق على متعاطي المواد المُخدِّرة، ويجوز أن يتصدق عليه إذا كان سيصرفها في ضرورياته من طعام مباح أو علاج، ونحو ذلك.

أما إذا علم أو ظن أنه سيستعين بها على معصية الله، سواء بشراء المواد المُخدِّرة أو غيرها، فلا يجوز والحال ما ذكر دفع الصدقة إليه بحال؛ لأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والواجب في هذه الحال كف المتعاطي عن الحرام، ولا يتم ذلك إلا بقطع الوسائل المؤدية إليه عنه، ووسيلته إلى الحرام المال، فوجب قطع المال عنه بمنع صرف الزكاة إليه.

والله أعلم.

*      *       *

المبحث الرابع:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في حكم دفع الصدقة إلى من يعوله المتعاطي.

وصورتها:

إذا حصل أن فرداً أو أسرة  يعولها متعاطٍ، لكنه مقصر في حقهم، فهل يجوز دفع الصدقة إلى من يعولهم المتعاطي؟.

على أن المتعاطي قد يستفيد مما يُدفع لهم، وهو كما مرَّ -في المبحث الثالث- لا ينبغي أن يُعطى من الصدقة؟.

والجواب: أن الذي يظهر -والله أعلم- هو جواز دفع الصدقة إليهم، وأن تعاطي عائلهم المواد المُخدِّرة لا أثر له في حكم دفع الصدقة إليهم؛ لما يلي:

1.    عموم قوله تعالى: (أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ۬ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ (٣٨) (النجم)، فلا تحمل آثمة إثم أخرى غيرها، ولا يؤاخذ من يعولهم المتعاطي بجريرة عائلهم.

2.    ما جاء عن أبي رمثة -رضي الله عنه- قال: انطلقت مع أبي نحو النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لأبي: " ابنك هذا؟ "، قال: إي ورب الكعبة، قال: " حقاً؟ "، قال: أشهد به، قال: فتبسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضاحكاً من ثبت شبهي في أبي، ومن حلف أبي عليَّ، ثم قال: " أمَّا إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه "، وقرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قُلۡ أَغَيۡرَ ٱللَّهِ أَبۡغِى رَبًّ۬ا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَىۡءٍ۬‌ۚ وَلَا تَكۡسِبُ ڪُلُّ نَفۡسٍ إِلَّا عَلَيۡہَا‌ۚ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ۬ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ‌ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُم مَّرۡجِعُكُمۡ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمۡ فِيهِ تَخۡتَلِفُونَ (١٦٤) (الأنعام).         

قال في النهاية: (المعنى: أنه لا يطالب بجناية غيره من أقاربه وأباعده، فإذا جنى أحدهما جناية لا يعاقب بها الآخر)، وكذلك لا يعاقب من يعوله المتعاطي فيحرم من دفع حاجته ومسغبته بالصدقة؛ لجناية عائله بتعاطي المواد المُخدِّرة.

3.    وقياساً على جواز أخذ الزكاة إذا تعذرت النفقة من زوج أو قريب، بغيبة أو امتناع، بجامع الحاجة.

4.    وقياساً على جواز إعطاء الزكاة للمسلم إذا كان عائله كافراً، مع أن الكفر مانع من موانع الزكاة.

وأما أن المتعاطي قد يستفيد إذا دُفعت الصدقة إلى من يعوله، فيقال: وإن استفاد، فما الذي يمنع؟؛ لأن وصولها إليها بطريق آخر غير طريق الصدقة، فتبدلت الجهة، ونظيرها قوله -صلى الله عليه وسلم- لما أُتي بلحم تُصدق به على مولاة: " هو لها صدقة ولنا هدية ".

سئل بعض المالكية عن: (أيتام تحل لهم زكاة لهم خادم غير مصل ولا منفق فيحرمون من أجله؟. فأجاب يعطون من الزكاة ويأكل خادمهم منها بالإجارة, وقد بلغت محلها يتصرفون فيها كيف شاءوا). فغير المصلى لا يجوز إعطائه من الزكاة عند بعض المالكية؛ لأنه كافر، والزكاة لا تدفع لكافر؛ إلا إن وصلت لغير المصلي في هذه المسألة على أنها إجارة لا زكاة.

وكذلك فيما لو وصلت الصدقة إلى المتعاطي عن طريق من يعولهم.

وليس معنى هذا أنه يجوز لمن يعولهم المتعاطي، أن يدفعوا له مالاً - سواء كان صدقة أو لا - ليشتري بها ما حرم الله؛ إذ يحرم عليهم أن يعينوه على ذلك من أموالهم فضلاً عن زكاة مال غيرهم.

وخلاصة ما سبق:

أنه لا أثر لاستخدام المواد المُخدِّرة في حكم دفع الصدقة إلى من يعوله المتعاطي.

والله أعلم.

*    *    *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالإثنين 09 مايو 2022, 12:23 am

الفصل الرابع:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الصيام

وفيه سبعة مباحث:

•    المبحث الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الصيام.

•    المبحث الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في تبييت نية الصيام.

•    المبحث الثالث: أثر استخدام المواد المُخدِّرة قبل طلوع الصبح في صحة الصيام

•    المبحث الرابع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في النهار في صحة الصيام.

•    المبحث الخامس: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في نهار رمضان في حـكم الكفارة.

•    المبحث السادس: حكم السفر في رمضان لأجل الترخص باستخدام المـواد المُخدِّرة.

•    المبحث السابع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الاعتكاف.


المبحث الأول:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الصيام.

وصورتها:

هل المتعاطي إذا كان زائل العقل مخاطب بالصيام فيجب عليه أم لا؟.

يتخرج الكلام فيه على ما ذكروه في من غاب عقله بسبب محرم هل يجب عليه الصيام أم لا؟.

لم أجد من نصّ على هذا سوى الشافعية، جاء في الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع: ((و) الثالث (العقل) فلا يجب على مجنون إلا إذا أثم بمزيل عقله من شراب أو غيره، فيجب ويلزمه قضاؤه بعد الإفاقة).

أما الحنفية فقد نصوا على أن العقل ليس من شرائط الوجوب فأوجبوا الصيام على المجنون والمغمى عليه، جاء في بدائع الصنائع: (أما العقل فهل هو من شرائط الوجوب وكذا الإفاقة, واليقظة؟ قال عامة مشايخنا: إنها ليست من شرائط الوجوب, ويجب صوم رمضان على المجنون والمغمى عليه والنائم؛ لكن أصل الوجوب لا وجوب الأداء،...).

وأما المالكية فقد نصوا على أن صيام السكران حكمه حكم صيام المغمى عليه، جاء في بلغة السالك: (حاصله أنه متى أغمي عليه كل اليوم من الفجر للغروب, أو أغمي عليه جله, سواء سلم أوله أم لا, أو أغمي عليه نصفه أو أقله ولم يسلم أوله فيهما؛ فالقضاء في هذه الخمس.

فإذا أغمي عليه قبل الفجر ولو بلحظة, واستمر بعدها ولو بلحظة, وجب عليه قضاء ذلك اليوم, فإن أغمي عليه نصف اليوم أو أقله, وسلم أوله فلا قضاء فيهما؛ فالصور سبع يجب القضاء في خمس, وعدمه في اثنتين.

وما قيل في الإغماء يقال في الجنون, ومثلهما السكر كان بحلال أو حرام،...).

وإيجابهم القضاء عليه في بعض الصور يدل على أنهم يرون وجوب الصيام عليه، لأن وجوب القضاء مبني على وجوب الأداء.

وأما الحنابلة فقد نصوا على أن المغمى يقضي ما فاته زمن إغمائه، جاء في كشاف القناع: ((ويلزم) القضاء (المغمى عليه)؛ لأنه مرض, وهو مغط على العقل غير رافع للتكليف, ولا تطول مدته ولا تثبت الولاية على صاحبه).

وما قالوه في المغمى عليه، ليس بأولى من السكران؛ لأن غياب عقله بسبب منه؛ ولأنه أيضاً لا تطول مدة سكره، ولا تثبت عليه الولاية.

أما ابن حزم رحمه الله تعالى فانطلق من ظاهريته، ولم ير وجوب الصيام على السكران فضلاً عن قضائه، حيث يقول: (وبقي حكم من جن, أو أغمي عليه أو سكر, أو نام قبل غروب الشمس فلم يفق ولا صحا ولا انتبه ليلته كلها والغد كله إلى بعد غروب الشمس-: أيقضيه أم لا؟.

فوجدنا القضاء إيجاب شرع؛ والشرع لا يجب إلا بنص, فلا نجد إيجاب القضاء في النص إلا على أربعة: المسافر, والمريض -بالقرآن- والحائض, والنفساء, والمتعمد للقيء -بالسنة- ولا مزيد. ووجدنا النائم, والسكران, والمجنون المطبق عليه ليسوا مسافرين ولا متعمدين للقيء, ولا حيضاً, ولا من ذوات النفاس, ولا مرضى؛ فلم يجب عليهم القضاء أصلاً, ولا خوطبوا بوجوب الصوم عليهم في تلك الأحوال؛ بل القلم مرفوع عنهم - بالسنة).
وعلى هذا فليس استخدام المواد المُخدِّرة مانع من وجوب الصيام، أو وجوب قضاء ما تُرك أو فسد منه بسببها، جاء في المجموع: (أما من زال عقله بمحرم كخمر أو غيره... فيلزمه القضاء -يعني: قضاء الصوم- ويكون آثما بالترك).

*    *    *

المبحث الثاني:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في تبييت نية الصيام.

صورتها:

لو غاب عقل متعاطٍ الليل كله بسبب المواد المُخدِّرة، ولم يفق إلا مع طلوع الفجر الثاني، فهل يصح منه الصيام الواجب مع كونه لم يبيت نية الصيام من الليل أم لا؟.

يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكروه في مسألتين:

الأولى: حكم النية، وهل يجب تبييتها من الليل أو تصح من النهار؟.

الثانية: حكم تجديد النية لكل يوم، هل هو واجب أو تكفي نية واحدة لجميع الشهر؟.


أما المسألة الأولى، وهي حكم تبييت النية، فقد اختلفوا فيها على قولين:

القول الأول: لا يجب تبييت النية، فتصح في النهار.

وهذا مذهب الحنفية.

القول الثاني: يجب تبييت النية.

وهذا قول الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة واختاره ابن تيمية.


الأدلـــــة.

أدلة القول الأول:

1.    لما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسل غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار: " من أصبح مفطراً فليتم بقية يومه ومن أصبح صائما فليصم ".

قالوا: وصوم عاشوراء كان واجباً، (وفي أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- إياهم بصومه, بعدما أصبحوا دليل على أن من كان في يوم عليه صومه بعينه؛ ولم يكن نوى صومه من الليل؛ أنه يجزيه أن ينوي صومه بعدما أصبح).


نوقش من ثلاثة أوجه:

أ‌-    لا يسلم أن صيام عاشوراء كان واجباً، بدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-: "هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم فمن شاء فليصم ومن شاء فليفطر".

ب‌-    وعلى فرض التسليم بأن صيام يوم عاشوراء كان واجباً، يقال: إنما سمي الإمساك - أعني: في قوله -صلى الله عليه وسلم-: " من كان أكل فليصم بقية يومه "  - صياماً تجوزاً، إذ الإمساك بقية اليوم بعد الأكل ليس بصيام شرعي.

ت‌-    ولو ثبت أنه صيام حتى بعد الأكل أول النهار، يقال: إن الفرق بين عاشوراء وبين رمضان، أن وجوب الصيام في عاشوراء تجدد في أثناء النهار فأجزأته النية حين تجدد الوجوب، كمن كان صائماً تطوعاً، فنذر في أثناء النهار صوم بقية يومه، فإنه تجزئه نيته عن نذره بخلاف ما إذا كان النذر متقدماً.

2.    القياس على صحة صيام النفل بنية من النهار.


نوقش:

بأنه قياس مع الفارق، وبيانه من وجهين:

أ‌-    أن التطوع يمكن الإتيان به في بعض النهار بشرط عدم إتيانه بالمفطر في أوله، ثم إذا نوم صوم التطوع من النهار، كان صائماً بقية النهار دون أوله، والصوم الواجب لا يصح إلا بصومه كله.

ب‌-    أن التطوع عموماً مبناه على التخفيف بخلاف الفرض، ولذا سُومح في نيته من الليل تكثيراً له، فإنه قد يبدوا للمرء الصوم في النهار، فاشتراط النية في الليل يمنع ذلك، فسامح الشرع فيها، كمسامحته في ترك القيام في صلاة التطوع.


أدلة القول الثاني:

1.    قوله -صلى الله عليه وسلم-: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له "، والحديث نص في المسألة يستقيم به الاستدلال، فإن قلنا: إنه مرفوع للنبي -صلى الله عليه وسلم- فلا إشكال، وإن قلنا: إنه موقوف على الصحابي -رضي الله عنه- فيصح به الاستدلال؛ لأن مثله لا يقال بالاجتهاد أو الرأي.


نوقش:

بأن النفي في قوله -صلى الله عليه وسلم-: " لا صيام له "، محمول على نفي الفضيلة والكمال.

أجيب: بأن الأصل حمل النفي على نفي الحقيقة، إلا لدليل يقتضي حمله على نفي الكمال، ولا دليل.

2.    ولأن الصوم عمل، والأعمال بالنيات، وأجزاء النهار غير منفصلة من الليل بفاصل يتحقق، فلا يتحقق إلا إذا كانت النية واقعة في جزء من الليل.

3.    وقياساً على إيجاب الحنفية النية من الليل لما هو واجب في الذمة كالقضاء والنذر والمطلق، بجامع أنه صيام واجب.         


الترجيح.

الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، القاضي باشتراط تبييت النية من الليل؛ لما سبق ذكره من أدلة، ولما ورد على أدلة القول الأول من مناقشة، ولأن اشتراط تبييت النية هو قول جمع من الصحابة لا يعرف لهم مخالف.

الثانية: حكم تجديد النية لكل يوم، هل هو واجب أو تكفي نية واحدة لجميع الشهر؟.

اختلف في اشتراط تجديد النية لصوم كل يوم واجب على قولين:

القول الأول: يشترط تجديد النية لصوم كل يوم واجب.

وهذا قول الجمهور، واختاره بعض المالكية.

القول الثاني: تكفي نية واحدة لكل صوم يجب تتابعه.

اختاره بعض الحنفية، وهو مذهب المالكية، ورواية عن أحمد.


الأدلــــة:

دليل القول الأول:

قالوا: لأن صوم كل يوم عبادة منفردة فاحتاج إلى نية مستقلة.

ويدل على أن كل يوم عبادة مستقلة: أنه لا يفسد صوم يوم بفساد صوم يوم آخر، كما أنه يتخلل بين الأيام زمان لا يقبل الصوم وهو الليل، وأيضاً فإن انعدام الأهلية في بعض الأيام لا يمنع تقرر الأهلية فيما بقي فكانت بمنزلة صلوات مختلفة، فيستدعي كل واحد من الصلاة والصيام نية على حدة.


دليل القول الثاني:

قالوا: لأنها عبادة مرتبط بعضها ببعض لا يجوز تفريقها، فإن سببها واحد, وهو شهود جزء من الشهر، والشروع فيها في وقت واحد، والخروج منها كذلك فكانت بمنزلة ركعات صلاة واحدة، فكفت فيها النية الواحدة؛ كالعبادة الواحدة.


نوقش:

لا يسلم ما ذكر، فإن بين كل يومين ليل يفصل بين صيامهما، أشبه السلام بين الصلاتين.

ولا قائل: إن الصلاتين التي يفصل بينهما سلام تكفيهما نية واحدة.


الترجيح:

الراجح والله أعلم هو القول الأول القاضي باشتراط تجديد النية لكل يوم لما سبق ذكره من دليلهم، ولما ورد على دليل القول الثاني من مناقشة، ولعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: " من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له "، فهو لم يفرق بين الصيام الواجب المتتابع وبين غيره.

وسبب الخلاف هو:

هل صوم رمضان وكل صيام واجب التتابع عبادة واحدة، أو كل يوم عبادة مستقلة؟.

فمن رأى أن كل يوم عبادة مستقلة -وهم الجمهور-، أوجب لكل يوم نية مستقلة.

ومن رأى أنها عبادة واحدة - وهم أصحاب القول الثاني - قالوا: يكفي نية واحدة.

ومما ذكر في هاتين المسألتين والراجح فيهما يقال: لو غاب عقل المتعاطي بسبب المواد المُخدِّرة الليل كله فلا صيام له، وعليه قضاء ذلك اليوم؛ لأنه لا يخلو: أمَّا أنه لم يبيت النية من الليل، أو لم يجددها، والله أعلم.

*    *    *

المبحث الثالث:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة قبل طلوع الصبح على صحة الصيام.

وفيه مطلبان:

•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة قبل طلوع الصبح على صحة الصيام إذا زال عقله جميع النهار.

•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة قبل طلوع الصبح على صحة الصيام إذا زال عقله بعض النهار.

المطلب الأول:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة قبل طلوع الصبح على صحة الصيام إذا زال عقله جميع النهار.

صورتها:

لو استخدم شخص المواد المُخدِّرة قبل طلوع الفجر وبعد تبييته نية الصيام، ثم غاب عقله جميع النهار بسببها، فهل يصح صومه أم لا؟.

يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكروه في حكم من نوى الصيام من الليل، ثم غاب عقله - في غير نوم - النهار كله إلى غروب الشمس.


وقد اختلف الفقهاء فيها على قولين:

القول الأول: يصح صيامه.

وهذا مذهب الحنفية، وقول لبعض الشافعية، وخرجه بعض الحنابلة وجهاً.

القول الثاني: لا يصح صيامه.

وهذا مذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة.


الأدلـــــة.

دليل القول الأول:

قالوا: لأن نية الصيام صحت منه؛ لأنها وجدت في الليل، كما أن ركن الصيام وهو الإمساك في النهار موجود منه؛ فأشبه النائم.


نوقش:

بأنه وإن وجدت منه نية الصيام في الليل، إلا أن من شرط الصيام أيضاً أن يكون إمساكه عن المفطرات نهاراً بنية، وهذا غير موجود فيه؛ لأنه زائل العقل.

وأما قياسه على النائم فقياس مع الفارق، وبيانه: أن النوم عادة، لا تزيل الإحساس بالكلية، بدليل أنه متى نبه انتبه، أمَّا من زال عقله بغير نوم كسكر أو إغماء فلا يتنبه بالتنبيه لكونه زائل الإحساس بالكلية.


أدلة القول الثاني:

1.    أن الصيام هو الإمساك عن المفطرات مع النية، يدل لهذا قول الله تعالى في الحديث القدسي: " كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة عشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف، إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وطعامه من أجلي"، فأضاف ترك الطعام والشهوة لأجله سبحانه، وزائل العقل لا يُتصور منه قصد الإمساك لأجله سبحانه وتعالى.

2.    ولأن النية أحد ركني الصوم فلم تجزئ وحدها؛ كالإمساك وحده.


الترجيح:

الراجح والله أعلم هو القول الثاني، القاضي بعدم صحة صيام من زال عقله جميع النهار، لقوة أدلته؛ ولما ورد على دليل القول الأول من مناقشة.

وعلى هذا فمن نوى الصيام من الليل وزال عقله جميع النهار بسبب تعاطي المواد المُخدِّرة، فلا يصح صومه، ويجب عليه قضاء ذلك اليوم، والله أعلم.

*    *    *

المطلب الثاني:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة قبل طلوع الصبح على صحة الصيام إذا زال عقله بعض النهار.

صورتها:

لو استخدم شخص المواد المُخدِّرة قبل طلوع الفجر بعد تبييته نية الصيام، ثم غاب عقله بعض النهار بسببها، فهل يصح صومه أم لا؟.

يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكروه في حكم من نوى الصيام من الليل، ثم غاب عقله - بغير نوم - بعض النهار.


وقد اختلفوا في حكم صيامه على ثلاثة أقوال:

القول الأول: إن أفاق قبل الزوال وجدد نية الصيام أجزأه وإلا فلا.

وهذا مذهب الحنفية.

القول الثاني: إن زال عقله نصف النهار أو أقله وكان عقله حاضراً أول النهار فلا قضاء عليه وإلا فعليه القضاء.

هذا مذهب المالكية.

القول الثالث: صومه صحيح مطلقاً.

اختاره بعض المالكية، وهو مذهب الشافعية، والحنابلة.


الأدلـــــة.

دليل القول الأول:

لم يذكروا دليلاً.

والذي يظهر أن هذا القول مبني على أصلهم في وقت نية الصوم، وأنها تجوز في النهار قبل الزوال.


يمكن أن يُناقش:

بأنه لا يسلم الأصل وما بُني عليه، فلا يصح الصوم الواجب إلا بنية من الليل  - كما سبق بيانه في المبحث الثاني من هذا الفصل -.


دليل القول الثاني:

قالوا: يصح صومه إن زال عقله نصف النهار أو أقله وكان عقله حاضراً أول النهار، ولا يصح في غيرهما: لأن زوال العقل بغير النوم في آخر لحظة من الليل وأول لحظة من النهار مبطل للنية، ولا يصح الصوم بغير نية.


نوقش من وجهين:

أ‌-    لا يسلم ذلك، فإن النية قد حصلت من الليل، فيستغنى عن ذكرها في النهار، كما لو نام أو غفل عن الصوم، ولو كانت النية إنما تحصل بالإفاقة في أول النهار، لما صح منها صوم الفرض بالإفاقة؛ لأنه لا يجزئ بنية من النهار.

ب‌-    ولأن الإفاقة حصلت في جزء من النهار فأجزأ كما لو وجدت في أول النهار.


أدلة القول الثالث:

1.    قالوا: الصيام هو الإمساك عن المفطرات مع النية، وهما موجودان فيمن نوى الصوم من الليل ثم غاب عقله وأفاق في جزء من النهار، نعم لو غاب عقله جميع النهار لما تُصور منه قصد الإمساك؛ لكن لما أفاق في جزء منه ووجدت منه النية في هذا الجزء، تبع الباقي الذي لا نية فيه حكم ما فيه النية.

2.    ولأن زوال العقل بالسكر فوق النوم ودون الجنون، فلو قيل: إنه لا يضر كالنوم لألحق الأقوى بالأضعف، ولو قيل: إن اللحظة منه تضر كالجنون لألحق الأضعف بالأقوى، فتوسطنا وقلنا إن الإفاقة في اللحظة كافية.


الترجيح:

الراجح والله أعلم هو القول الثالث، القاضي بصحة صيام من زال عقله بعض النهار وأفاق في أي جزء منه مطلقاً، لقوة أدلته ولما ورد على أدلة الأقوال الأخرى من مناقشة، ولأن نية الصيام وجدت منه في الليل وجزء من النهار، كما لو نام بعد نية الصيام

ولأنه حصل منه تبييت للنية مع كونه أمسك جزءً من النهار بقصد التعبد الله تعالى، فدخل في قوله عز وجل " يدع شهوته وطعامه من أجلي ".

والله أعلم.
وعلى هذا فمن تعاطى المواد المُخدِّرة قبل طلوع الصبح بعد نية الصيام، ثم إذا زال عقله بعض النهار، وأفاق في أي جزء منه فصومه صحيح والله أعلم.

*      *      *

المبحث الرابع:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في النهار في صحة الصيام.

وفيه ثلاثة مطالب:

•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة الفم في النهار في صحة الصيام.

•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة الأنف في النهار في صحة الصيام.

•    المطلب الثالث: أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة الإبر في النهار في صحة الصيام.

المطلب الأول:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة الفم في النهار في صحة الصيام.

وفيه ثلاثة فروع.

•    الفرع الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة التدخين في النهار في صحة الصيام

•    الفرع الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة الأكل في النهار في صحة الصيام.

•    الفرع الثالث: أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة التخزين في النهار في صحة الصيام.


الفرع الأول:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة التدخين في النهار في صحة الصيام

وصورتها:

لو تعاطى متعاطٍ المواد المُخدِّرة في نهار رمضان، وكان تعاطيه للمادة المُخدِّرة بواسطة تدخينها - كالحشيش والتبغ - فهل يبطل صيامه أم لا؟.

حكى بعض المتأخرين الإجماع على أن من فعل ذلك أفطر.

وجاء في حاشية ابن عابدين أن بعض الحنفية نظم في حكم شربه فقال: (ويمنع من بيع الدخان وشربه وشاربه في الصوم لا شك يفطر).

وجاء في الشرح الكبير: ((و) بترك إيصال (بخور) بفتح الباء أي الدخان المتصاعد من حرق نحو العود ومثله بخار القدر فمتى وصل للحلق أوجب القضاء ومنه الدخان الذي يشرب أي يمص بالقصب ونحوه).

وجاء في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج: ((قوله أي عين كانت إلخ) ومن العين الدخان المشهور، وهو المسمى بالتتن، ومثله التنباك فيفطر به الصائم).

وجاء في كشاف القناع: ((وإن دخل حلقه ذباب أو غبار طريق أو) غبار (دقيق أو دخان من غير قصد) لم يفطر لعدم القصد كالنائم، وعلم منه أن من ابتلع الدخان قصداً فسد صومه)، ومتعاطي المواد المُخدِّرة بواسطة التدخين قاصد لبلع الدخان.

وعلى هذا فتدخين المواد المُخدِّرة في نهار رمضان مفسد للصيام؛ لأنه دخان واصل إلى الجوف يمكن التحرز عنه؛ ولأنه يحصل لمتعاطيها بسبب دخانها كيفية وقوة، ومن اعتاد تعاطيها يتكيف بها دماغه تكيفاً شديداً يستغني بها عن الأكل والشرب - استغناء مؤقتاً -، ويفضلها عليهما، ويتضرر لتركها تضرراً شديداً، قد يشرف به على الهلاك، حتى قال بعض المالكية: إن الفطر بالدخان معروف للعوام، وإذا سمعوا قول من قال: بأنه لا يفطر أو توقفه في ذلك استغربوه، ونسبوه للجهل وقلة المعرفة.

ولأنها تحتوي على مواد لها جرم يظهر أثرها في فلتر التدخين، وعلى الرئتين، وتصطبغ الطبقة المخاطية التي تغطي جدار البلعوم بلون داكن ناتج عن تدخينها.

ولأنها وإن لم تكن طعاماً أو شراباً فهي شهوة، وفي الحديث: " يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ".

*      *       *

الفرع الثاني:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة الأكل في النهار في صحة الصيام.

وصورتها:

لو تعاطى متعاطٍ المواد المُخدِّرة في نهار رمضان، وكان تعاطيه للمادة المُخدِّرة بواسطة الفم - سواء كان أكلاً أو شرباً - فهل يبطل صيامه أم لا؟.

يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكروه في أثر الأكل والشرب في نهار رمضان على الصيام.

وقد أجمعوا على أن أكل أو شرب ما يُتغذى به مفطر مبطل للصيام؛ لقوله تعالى: (ُحِلَّ لَڪُمۡ لَيۡلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآٮِٕكُمۡ‌ۚ هُنَّ لِبَاسٌ۬ لَّكُمۡ وَأَنتُمۡ لِبَاسٌ۬ لَّهُنَّ‌ۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّڪُمۡ كُنتُمۡ تَخۡتَانُونَ أَنفُسَڪُمۡ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡ وَعَفَا عَنكُمۡ‌ۖ فَٱلۡـَٔـٰنَ بَـٰشِرُوهُنَّ وَٱبۡتَغُواْ مَا ڪَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ‌ۚ وَكُلُواْ وَٱشۡرَبُواْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلۡخَيۡطُ ٱلۡأَبۡيَضُ مِنَ ٱلۡخَيۡطِ ٱلۡأَسۡوَدِ مِنَ ٱلۡفَجۡرِ‌ۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيۡلِ‌ۚ وَلَا تُبَـٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمۡ عَـٰكِفُونَ فِى ٱلۡمَسَـٰجِدِ‌ۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقۡرَبُوهَا‌ۗ كَذَٲلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَـٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ (١٨٧) (البقرة) فأمر بالصيام عن الأكل والشرب بعد تبين الفجر.

ولما جاء في الحديث القدسي: "يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي".

وأما ما لا يُتغذى به كالحصى والتراب فعامة أهل العلم على أنها مفطرة مفسدة للصيام، وفيه خلاف ضعيف نُقل عن بعض الحنفية.

والصحيح قول الأكثر؛ لعموم النهي عن الأكل والشرب من غير تفرقة بين ما يُتغذى به وبين غيره.

ولأن الصوم هو الإمساك عن كل ما يصل إلى الجوف، ومن أكل ما لا يُتغذى به لا يسمى ممسكاً.

ولأنه يُشغل المعدة إشغالاً ما، فكان له حكم الطعام المعتاد.

وعلى هذا فتناول المواد المُخدِّرة في نهار رمضان بواسطة الفم سواء كان أكلاً أو شرباً، يفسد صيام فاعله. والله أعلم.

*    *    *

الفرع الثالث:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة التخزين في النهار في صحة الصيام.

وصورتها:

لو تعاطى متعاطٍ المواد المُخدِّرة في نهار رمضان، وكان تعاطيه للمادة المُخدِّرة بطريقة الاستحلاب، وذلك أمَّا بوضعها في الفم أو في أحد طرفيه ومضغها وامتصاص عصارتها، وأمَّا بوضعها تحت اللسان واستحلابها وامتصاص ما بها من مادة مخدرة.

فإذا تعاطاها بهذه الطريقة هل يبطل صيامه أم لا؟.

لم أقف على كلام لأحد من أهل العلم عن هذه الصورة بعينها، إلا لصاحب فتح العلي المالك، فقد سئل عن حكم وضع الدخان في الفم بين الشفة السفلى والأسنان ومج الريق المتغير به، هل يفطر الصائم ويوجب الكفارة في أداء رمضان إن كان عمداً بلا تأويل قريب أفيدوا الجواب؟

فأجاب رحمه الله تعالى بقوله: (الحمد لله, والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وضع الدخان في الفم على الوجه المذكور مضاد لحقيقة الصيام، التي هي الإمساك عن شهوتي البطن والفرج، من طلوع الفجر الصادق إلى تمام غروب الشمس بنية...، فلا شك في إفطاره الصائم وإيجابه الكفارة الكبرى إن كان في أداء رمضان عمداً بلا تأويل قريب).


واستدل لذلك بأدلة:

1.    أنه نوع من التكيف تسميه العامة مضغاً، ويتكيف به الدماغ مثل تكيفه بالدخان الذي يمص بالعود أو يتنشق به من الأنف أو أشد.

2.    ولأن طعمه يصل إلى الحلق.

3.    أن القول بأنه مفطر أولى من التفطير بدهن الرأس إذا وصل طعمه للحلق من المسام.

4.    أن القول بأنه مفطر أولى من التفطير باستنشاق بخار القدر.

ولاحظ أن كلامه رحمه الله فيمن استحلب المادة ثم مج الريق المتغير بالمادة خارج فمه، ومع ذلك رأى أنه مفطر، فمن ابتلعه كما في استحلاب القات ونحوه أولى.


ويمكن أن يستدل لذلك أيضاً بما يلي:

1.    أن القول بأنه مفطر أولى من القول بفطر من جمع ريقه في فمه عمداً ثم بلعه.

2.    أن القول بأنه مفطر أولى من القول بفطر من ابتلع بقايا الطعام التي بين أسنانه إذا كانت هذه البقايا يمكن التحرز منها.

3.    أن القول بأنه مفطر أولى من القول بفطر من دميت لثته ووصل الدم إلى جوفه.

وعلى هذا فتعاطي المواد المُخدِّرة في نهار رمضان بواسطة استحلابها مفسد للصيام، لما سبق ذكره؛ ولأن تعاطيها بطريقة الاستحلاب شبيه بما لو وضع قصب سكر في فمه واستحلب العصارة الموجودة فيه، أو بما لو وضع ملحاً واستحلبه، فهو داخل في عموم مسمى الأكل أو الشرب.

والله أعلم.

*    *    *
المطلب الثاني:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة الأنف في النهار في صحة الصيام.
وفيه فرعان:

•    الفرع الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة على هيئة سعوط في النهار في صحة الصيام.

•    الفرع الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة الشــــم (التشفيط) في النهار في صحة الصيام.


الفرع الأول:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة على هيئة سعوط في النهار في صحة الصيام.

وصورتها:

لو تعاطى متعاطٍ المواد المُخدِّرة في نهار رمضان، وكان تعاطيه للمادة المُخدِّرة بواسطة شمها بحيث يجتذب المادة المدقوقة أو المطحونة عن طريق أنفه، فهل يبطل صيامه أم لا؟.

يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكره الفقهاء في أثر السعوط على الصيام.

وقد اتفقت المذاهب الأربعة على أن السعوط إذا تجاوز الأنف مفطر.

جاء في بدائع الصنائع: (وما وصل إلى الجوف أو إلى الدماغ عن المخارق الأصلية كالأنف والأذن والدبر، بأن استعط أو احتقن أو أقطر في أذنه فوصل إلى الجوف أو إلى الدماغ فسد صومه).

وجاء في التاج والإكليل: ((وإن من أنف) من المدونة قال ابن القاسم: كره مالك السعوط للصائم...، ورأى عليه القضاء إذ لا يكاد يسلم أن يصل إلى حلقه).

وجاء في المجموع: (أما السعوط فإن وصل إلى الدماغ أفطر بلا خلاف, قال أصحابنا: وما جاوز الخيشوم في الاستعاط فقد حصل في حد البطن وحصل به الفطر).

وجاء في مطالب أولي النهى في أثناء تعداده للمفطرات: ((أو استعط) في أنفه بدهن أو غيره, فوصل إلى حلقه أو دماغه).

فالمذاهب الأربعة متفقة على الفطر بالسعوط إذا تجاوز الأنف، ودليل ما ذهبت إليه المذاهب الأربعة ما جاء في السنن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً "، واستثناء الصائم من المبالغة في الاستنشاق للاحتراز عن فساد الصوم، وإلا لم يكن للاستثناء معنى.

وعلى هذا يقال: إن تعاطي المواد المُخدِّرة في نهار رمضان بواسطة شمها، بحيث يجتذب المادة المدقوقة أو المطحونة عن طريق أنفه، مفسد لصيامه -والله أعلم-.

*       *       *

الفرع الثاني:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة الشــــم (التشفيط) في النهار في صحة الصيام.

وصورتها:

لو تعاطى متعاطٍ المواد المُخدِّرة في نهار رمضان، وكان تعاطيه للمادة المُخدِّرة بواسطة شمِّ رائحتها النفاذة - كما في الغراء والبنزين -، من غير أن يجتذب مادة مدقوقة أو مطحونة، فهل يبطل صيامه أم لا؟.

الذي يظهر -والله أعلم- أن حكم هذه الصورة يأخذ حكم غازات التخدير (البنج) التي تستخدم في العمليات الجراحية، بحيث يشم مادة غازية تؤثر على أعصابه فيحدث غياب للعقل أو تخدير.

وقد قرر مجموعة من الباحثين أن غازات التخدير غير مفطرة؛ لأنها لا علاقة لها بالجهاز الهضمي للإنسان؛ ولأنها مواد ليس لها جرم ولا تحمل مواد غذائية.

ومن الباحثين من يرى: أن شمَّ المواد المُخدِّرة كالغراء والبنزين مفسد للصيام؛ ولم يذكر لقوله تعليلاً. ولعله التفت إلى كونه معصية، أو بناه على أن غياب العقل بعض النهار مفسد للصيام.

والذي يترجح -والله أعلم- أنها غير مفطرة، كغازات التخدير، فلا فرق بينهما إلا أن تلك تستخدم استخداماً مشروعاً - وسيلة إلى التداوي - يلتفت الشارع إلى مثله، وهنا تستخدم استخداماً محرماً.

وليس كل معصية ترتكب في نهار رمضان تؤثر على الصيام فتوجب فساده؛ كما لو اغتاب الصائم، أو استمع حراماً، أو نظر إلى حرام.

كما أن غياب العقل على المرجح ليس مما يفطر به الصائم إلا إذا غاب عقله جميع النهار -كما مرَّ في المبحث الثالث من هذا الفصل -.

وهذه المواد المُخدِّرة وإن كانت لها رائحة؛ إلا أنها شبيهة بكل ما له رائحة نفاذة كالجيف المنتنة، وزبل البهائم وحظائرها ونحو ذلك.

فهل يقال: إن شمَّ هذا الروائح النفاذة التي توجب تغير المزاج وفساده إلا أنها لا تصل إلى تغييب العقل مفسدة للصيام؟!.

اللهم لا.


وعلى هذا يُقال:

إن تعاطي المواد المُخدِّرة في نهار رمضان بواسطة شمِّ رائحتها النفاذة فقط، من غير أن يجتذب مادة مدقوقة أو مطحونة؛ غير مفسد للصيام إلا إذا غاب عقله جميع النهار.

والله أعلم.

*    *    *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالإثنين 09 مايو 2022, 12:23 am

المطلب الثالث:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة بواسطة الإبر في النهار في صحة الصيام.

وصورتها:

لو تعاطى متعاطٍ المواد المُخدِّرة في نهار رمضان، وكان تعاطيه للمادة المُخدِّرة بواسطة وخز الإبرة، فهل يبطل صيامه أم لا؟.

يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكروه في أثر الحقن على الصيام، وقد اختلف فيها على أقوال:

القول الأول: الحقن مفطرة مطلقاً.

وهذا اختيار الشيخ محمـد بن إبراهيـم.

القول الثاني: الحقن غير مفطرة إلا إذا كانت مغذية.

وهذا ما عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي  واللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية، واختاره جمع من المعاصرين.

القول الثالث: الحقن غير مفطرة مطلقاً.

القول الرابع: الحقن مفطرة إذا كانت في الوريد.


الأدلــــــة.

دليل القول الأول:

لأنها تنتهي إلى كل شيء من البدن، والمعنى والقوة التي فيها أبلغ مما يصل إلى الجوف، فإن ما يصل إلى الجوف يوزع على الأعضاء، وهذه تصل إلى جميع البدن وينتفع به، وهي في إبر الوريد أظهر.


يمكن أن يناقش:

بأن هذه الإبر وإن كانت تصل إلى البدن إلا أنها ليست على صفة واحدة، فمنها ما هي بمنزلة الأكل والشرب وهي إبر التغذية، ومنها ما ليست كذلك.

وما قيل يسلم في إبر التغذية، ويقال فيما عداها: ليس كل ما انتفع به البدن أفطر به الصائم، فإن البدن ينتفع بالإدِّهان وينشط به ومع ذلك لا يفطر به، وكذلك ينتفع بالاغتسال ويحصل بسببه قوة ونشاط وانتعاش ومع ذلك لا يفطر به الصائم.


أدلة القول الثاني:

استدلوا على أن الإبر غير المغذية لا تفطر بما يلي:

1.    أن الأصل صحة الصوم حتى يقوم دليل على فساده، والإبر الجلدية أو العضلية، ليست أكلاً ولا شرباً ولا بمعناهما، وعلى هذا فينتفي عنها أن تكون في حكم الأكل والشرب.

2.    وقياساً على الادهان والاغتسال بالماء البارد، فإنه في كل منهما يصل شيء إلى البدن عن طريق مسام الجلد، ومع ذلك لا يفطر الصائم به.

قال ابن تيمية: (و الادهان لا يفطر بلا ريب).


واستدلوا على أنها مفطرة إذا كانت مغذية بما يلي:

1.    أنها إذا كانت تحتوي على مواد مغذية فهي في معنى الأكل والشرب؛ بدليل أن المتناول لها يستغني بها عن الأكل والشرب في بعض الحالات.

2.    ولأنها مائع دخل إلى البدن من مكان صار منفذاً عرفاً.


دليل القول الثالث:

لأنها وإن وصلت إلى الجوف، إلا أنها وصلت إليه من غير المنفذ المعتاد.


نوقش:

بأن الإبر التي تحتوي على مواد غذائية، في معنى الأكل والشرب وإن دخلت من منفذ غير معتاد، وينتفع بها الجسم كما ينتفع بالأكل والشرب الداخلين من المنفذ المعتاد، فجعل الإبر كلها على درجة واحدة غير مسلم.

فالمعنى الذي لأجله يفطر الصائم بالأكل والشرب موجود فيها وإن كانت من منفذ غير معتاد.


دليل القول الرابع.

لم أقف على دليل له.

ويمكن أن يستدل له:

بأن الإبر الوريدية تصل المادة المحقونة بواسطتها إلى الدم مباشرة، والدم هو قوام البدن وهو الواسطة في نقل المواد الغذائية إلى بقية أجزاء الجسم؛ ولذا كانت الحقن الوريدية مفطرة دون غيرها.

يمكن أن يُناقش بأدلة القول الثاني.


الترجيح.

الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، القاضي بأن الإبر غير مفطرة إلا إذا كانت مغذية؛ وذلك لقوة أدلته؛ ولما ورد على أدلة الأقوال الأخر من مناقشة.


وعلى هذا يُقال:

إن تعاطي المواد المُخدِّرة في نهار رمضان بواسطة الحقن الوريدية لا يخلو من إحدى حالتين:

أ‌-    إما أن تكون الحقنة المُخدِّرة تحتوي على مواد غذائية، فهذه مفطرة تفسد صيام المتعاطي.

ب‌-    وإما أن تكون الحقنة المُخدِّرة لا تحتوي على مواد غذائية، فهذه غير مفطرة لا أثر لها على صيام المتعاطي.

وهذا التفصيل في حال ما إذا لم يغب عقله جميع النهار.

والله أعلم.

*    *    *

المبحث الخامس:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في نهار رمضان في حكم الكفارة.

صورتها:

من أفطر لاستخدامه المواد المُخدِّرة في نهار رمضان، هل يجب عليه مع القضاء الكفارة، أو لا يجب عليه إلا القضاء فقط؟.

يتخرج الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في حكم الكفارة على من أفطر بغير الجماع.


وقد اختلفوا في حكمها على قولين:

القول الأول: تجب الكفارة على من أفطر بغير الجماع.

وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، وقول لبعض الشافعية.

القول الثاني: لا تجب الكفارة إلا بالجماع.

وهذا مذهب الشافعية، والحنابلة.


الأدلــــــة.

أدلة القول الأول:

1.    ما جاء عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي  -صلى الله عليه وسلم-  إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت.         

قال: " مالك ".

قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم.

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " هل تجد رقبة تعتقها؟ ".

قال: لا.

قال: " فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ".

قال: لا.

فقال: " فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ".

قال: لا... الحديث.

قالوا: وإنما وجبت الكفارة على المجامع؛ لانتهاكه حرمة الشهر بالفطر.

وهذه العلة موجودة في الأكل والشرب.


نوقش:

بأن هذه العلة تنتقض إذا علم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمر المحتجم ولا المستقىء أن يكفروا، مع أنهم انتهكوا حرمة الشهر بالفطر، مما يدل على أن طرد هذه العلة غير صحيح.

2.    قياس الأولى على وجوبها على من جامع، وبيانه: أن الكفارة أوجبت زاجرة، ودعاء الطبع في وقت الصوم إلى الأكل أكثر منه إلى الجماع، والصبر عن الأكل أشد على النفس من الصبر على الجماع.


نوقش:

بأن هذا غير مسلم، بل إن النفس عند هيجان الشهوة تصبر عن الطعام ولا تصبر عن الجماع، ولذا فإنها لا تنزجر عند هيجان الشهوة لمجرد الوازع الديني، فاحتيج إلى زيادة في الوازع، وهي الكفارة بخلاف الأكل والشرب.


أدلة القول الثاني:

1.    استدلوا بالحديث السابق، فقالوا: إن النص ورد بإيجاب الكفارة في الجماع، وما سواه من الأكل وغيره ليس في معناه.

يؤيد هذا أنه ليس شيء من محظورات الإحرام تجب فيها الكفارة غير الجماع، وهذا يدل على أن الكفارة للجماع سواء في الصوم أو الإحرام، إنما وجبت لمعنى خاص لا يوجد إلا فيه.

2.    قالوا: ولأن الفطر بالجماع أغلظ من الفطر بغيره، ولهذا يجب به الحد فيما لو وطئ أجنبية في نهار رمضان علاوة على الكفارة، ولا يجب في الأكل من مال الغير في نهار رمضان حد وإنما تعزير.


الترجيح:

الراجح والله أعلم هو القول الثاني، القاضي بأن الكفارة خاصة في الجماع لا تجب في غيره من المفطرات؛ لقوة أدلته؛ ولما ورد على أدلة القول الأول من مناقشة.


وسبب الخلاف هو:

اختلافهم في جواز قياس المفطر بالأكل والشرب على المفطر بالجماع، فمن رأى أن شبههما فيه واحد وهو انتهاك حرمة الصوم، جعل حكمهما واحداً، ومن لم ير ذلك ورأى أن في الجماع معنى زائداً على غيره من المفطرات، لم يجعل حكمهما واحداً.

وعلى هذا فمن أفطر في رمضان بتعاطيه المواد المُخدِّرة، لا يجب عليه إلا القضاء فقط.

*    *    *

المبحث السادس:

حكم السفر في رمضان لأجل الترخص باستخدام المـواد المُخدِّرة.

وصورتها:

لو سافر مبتلى بتعاطي المواد المُخدِّرة في رمضان، وقصده من إنشاء السفر هو الفطر؛ ليتعاطى المواد المُخدِّرة.

فهل له أن يترخص برخص السفر والتي منها الفطر مع أن إنشاء السفر كان لقصد محرم؟.

يتخرج الكلام في هذه المسألة على ما ذكروه في حكم الفطر في رمضان للمسافر سفر معصية.

وقد اختلفوا فيها على قولين:

القول الأول: يجوز الفطر للمسافر سفر معصية.

وهذا قول الحنفية والظاهرية، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية.

القول الثاني: لا يجوز الفطر للمسافر سفر معصية.

وهذا قول الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة.


الأدلــــــة.

أدلة القول الأول:

1.    عموم قوله تعالى: (شَہۡرُ رَمَضَانَ ٱلَّذِىٓ أُنزِلَ فِيهِ ٱلۡقُرۡءَانُ هُدً۬ى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَـٰتٍ۬ مِّنَ ٱلۡهُدَىٰ وَٱلۡفُرۡقَانِ‌ۚ فَمَن شَہِدَ مِنكُمُ ٱلشَّہۡرَ فَلۡيَصُمۡهُ‌ۖ وَمَن ڪَانَ مَرِيضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ۬ فَعِدَّةٌ۬ مِّنۡ أَيَّامٍ أُخَرَ‌ۗ يُرِيدُ ٱللَّهُ بِڪُمُ ٱلۡيُسۡرَ وَلَا يُرِيدُ بِڪُمُ ٱلۡعُسۡرَ وَلِتُڪۡمِلُواْ ٱلۡعِدَّةَ وَلِتُڪَبِّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَٮٰكُمۡ وَلَعَلَّڪُمۡ تَشۡكُرُونَ (١٨٥) (البقرة)، (فعمَّ الأسفار كلها، ولم يخص سفراً من سفر).

وقال ابن تيمية: (ولم ينقل قط أحدٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه خص سفراً من سفر، مع علمه بأن السفر يكون حراماً ومباحاً، ولو كان هذا مما يختص بنوع من السفر، لكان بيان هذا من الواجبات، ولو بين ذلك لنقلته الأمَّة، وما علمت عن الصحابة في ذلك شيئاً).


نوقش:

بأن هذه العمومات يخصصها أدلة القول الثاني، ثم إن النصوص وردت في حق الصحابة -رضي الله عنهم-، وكانت أسفارهم مباحة، فلا تثبت الرخصة فيمن كان سفره مخالفاً لسفرهم.

2.    ولأن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعد السفر أو يجاوره، فصلح السفر من حيث ذاته متعلق الرخصة؛ لإمكان الانفكاك عما يجاوره.


يمكن أن يناقش:

بأن السفر في هذه الحال وسيلة إلى المعصية، والوسائل لها أحكام الغايات، وما لا يتم فعل المحرم إلا به فهو حرام.


أدلة القول الثاني:

1.    قوله تعالى: (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيۡڪُمُ ٱلۡمَيۡتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحۡمَ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ‌ۖ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٍ۬ وَلَا عَادٍ۬ فَلَآ إِثۡمَ عَلَيۡهِ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ (١٧٣) (البقرة) قالوا: والباغي: هو الباغي على الإمام الذي يجوز قتاله، والعادي: هو العادي على المسلمين بقطع الطريق والحرابة.

قالوا: فإذا ثبت أن الميتة لا تحل لهم فسائر الرخص - ومنها الفطر للمسافر - أولى.


نوقش:

الصحيح أن المراد بالباغي: الذي يبغي المحرم من الطعام مع قدرته على الحلال، والعادي: الذي يتعدى القدر الذي يحتاج إليه، يؤيد هذا: أنه لم يكن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إمام يخرج عليه، ولا من شرط الخارج أن يكون مسافراً، والبغاة الذين أمر الله بقتالهم في القرآن لا يشترط فيهم أن يكونوا مسافرين؛ بل كانوا من أهل العوالي مقيمين واقتتلوا بالنعال والجريد، فكيف يجوز أن تفسّر الآية بما لا يختص بالسفر، وليس فيها كل سفر محرم، فالمذكور في الآية لو كان كما قيل لم يكن مطابقاً للسفر المحرم، فإنه قد يكون بلا سفر، وقد يكون السفر المحرم بدونه.

2.    ولأن الفطر في السفر رخصة، والرخص لا تناط بالمعاصي.


يمكن أن يناقش:

بأن الفطر علقت إباحته بالسفر، من غير تفرقة بين السفر المحرم وبين غيره، فعلة إباحة الفطر هي السفر وهي موجودة في سفر المعصية.

ثم إن هذه القاعدة غير مطردة: ويتضح ذلك بما لو شربت المرأة دواء بقصد إنزال الحيض؛ لتفطر في رمضان؛ أو لتترك الصلاة، فلا يجب عليها قضاء الصلاة، ولا قائل بأنها تصوم مع الحيض معاملة لها بنقيض قصدها.

3.    ولأن الفطر في السفر رخصة شرعت للإعانة على تحصيل المقصد المباح، توصلاً إلى المصلحة، فلو شرعت في سفر المعصية لشرعت إعانة على المحرم، تحصيلاً للمفسدة، والشرع منزه عن هذا.

ناقش ابن تيمية هذا الدليل فقال: (وأما قولهم: إن هذا إعانة على المعصية فغلط؛ لأن المسافر مأمور بأن يصلي ركعتين، كما هو مأمور أن يصلي بالتيمم، وإذا عدم الماء في السفر المحرم كان عليه أن يتيمم ويصلى،...

وكذلك صومه في السفر ليس براً ولا مأموراً به، فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثبت عنه أنه قال: " ليس من البر الصيام في السفر "، وصومه إذا كان مقيماً أحب إلى الله من صيامه في سفر محرم، ولو أراد أن يتطوع على الراحلة في السفر المحرم لم يمنع من ذلك، وإذا اشتبهت عليه القبلة أمَّا كان يتحرى ويصلي، ولو أخذت ثيابه أمَّا كان يصلي عرياناً.

فإن قيل: هذا لا يمكنه إلا هذا.

قيل: والمسافر لم يؤمر إلا بركعتين، والمشروع في حقه أن لا يصوم).


الترجيح.

الراجح -والله أعلم- هو القول الأول القاضي بإباحة الفطر في السفر مطلقاً سواء كان عاصياً بسفره أو لا، لما سبق ذكره من الأدلة، ولأن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يكونوا على درجة واحدة من الإيمان والصلاح، فكان فيهم من يشرب الخمر، ومنهم من لا يحضر صلاة الجماعة، ومنهم من وجدت منه بعض الكبائر، ثم إن بعض المنافقين كانوا يخرجون مع الصحابة في أسفارهم وغزواتهم، وكانت مقاصد بعضهم محرمة: (لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالاً۬ وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَـٰلَكُمۡ يَبۡغُونَڪُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡ‌ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ (٤٧) (التوبة)، ومع وجود أمثال ذلك إلا أن النصوص لم تفرق بين حكم هؤلاء وبين غيرهم.


وسبب الخلاف هو:

أ‌-    اختلافهم في تفسير الباغي والعادي، فمن رأى أن المقصود بالباغي: الباغي بأكل الحرام مع قدرته على الحلال، وأن العادي: المتجاوز قدر الحاجة، قال: بجواز الفطر للعاصي بسفره.

ومن فسر الباغي: بأنه الباغي على الإمام، والعادي: بأنه المحارب قاطع طريق المسلمين، قال: لا يجوز الفطر للعاصي بسفره.

ب‌-    معارضة المعنى المعقول لدليل الفعل، وذلك أن من اعتبر المشقة أو ظاهر لفظ السفر لم يفرق بين سفر وسفر.

أما من اعتبر دليل الفعل قال: إنه لا يجوز إلا في السفر المتقرب به؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقصر قط أو يفطر إلا في سفر متقرب به.

وعلى هذا يجوز لمن سافر في رمضان من متعاطي المواد المُخدِّرة، أن يترخص بالفطر -والله أعلم-.

*    *    *

المبحث السابع:

أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الاعتكاف.

وصورتها:

لو تعاطى شخص المواد المُخدِّرة في اعتكافه فزال عقله بسببها، فهل لذلك أثر في حكم اعتكافه؟.

يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكروه في أثر السكر على الاعتكاف، وقد اختلفوا فيه على قولين:

القول الأول: يبطل الاعتكاف بالسكر إذا كان نهاراً، ولا يبطل إن كان ليلاً.

وهذا قول الحنفية.

القول الثاني: يبطل الاعتكاف بالسكر مطلقاً.

وهذا قول المالكية والشافعية والحنابلة.

القول الثالث: لا يبطل الاعتكاف بالسكر مطلقاً.

وهذا وجه عند الشافعية.


الأدلــــة.

أدلة القول الأول:

أما أنه يبطل الاعتكاف بالسكر نهاراً؛ فلأن من شرط صحة الاعتكاف عند الأحناف الصوم، فإذا سكر نهاراً بطل صومه، فيبطل اعتكافه تبعاً لبطلان صيامه.


وأما أنه لا يبطل الاعتكاف بالسكر ليلاً، فقالوا:

1.    إن السكر ليس إلا معنى له أثر في العقل مدة يسيرة، فلا يفسد الاعتكاف ولا يقطع التتابع كالإغماء.

نوقش: بأنه قياس مع الفارق، وبيانه: أن الإغماء يكون بغير اختيار من العبد ولا يأثم به، بخلاف السكر.

2.    إن السكر ليلاً من المعتكف تناول لمحظور في الدين، لا محظور في الاعتكاف، كما لو أكل مال الغير.


نوقش:

لا يسلم أن السكر ليس من محظورات الاعتكاف؛ لما سيأتي في أدلة القول الثاني.


أدلة القول الثاني:

1.    أن السكران خرج بسكره عن أن يكون من أهل المقام في المسجد؛ لقوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْ‌ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٌ۬ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآٮِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً۬ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدً۬ا طَيِّبً۬ا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣) (النساء)، ولازم النهي عن قربان الصلاة حال السكر، النهي عن قربان مواضعها وهي المساجد.

2.    ولأن الاعتكاف عبادة، ومن شرط صحة العبادة أهلية فاعلها، والسكران ليس من أهل العبادة؛ لكونه غائب العقل.

3.    ولأن إبطال الاعتكاف بالسكر أولى من إبطال الاعتكاف بالخروج من المسجد.


دليل القول الثالث:

قالوا: لأن السكران لم يخرج من المسجد.


نوقش:

بأن بطلان الاعتكاف ليس محصوراً بالخروج من المسجد؛ ولذا يبطل بالجماع وإن كان في المسجد.


الترجيح:

الراجح والله أعلم هو القول الثاني، القاضي ببطلان الاعتكاف بالسكر؛ لقوة أدلته؛ ولما ورد على أدلة الأقوال الأخرى من مناقشة.

وعلى هذا فلو تعاطى شخص المواد المُخدِّرة في اعتكافه، وغاب عقله بسببها بطل اعتكافه، وقد صرَّح بهذا بعض المالكية، جاء في بلغة السالك في أثناء بيانه أن السكر من مبطلات الاعتكاف: (ومثله كل مغيب كالحشيشة، حيث غيبت عقله).

*      *       *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالثلاثاء 10 مايو 2022, 5:28 pm

الفصل الخامس:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الحج

وفيه أربعة مباحث:
•    المبحث الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الحج.
•    المبحث الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الإحرام على حكم الإحرام.
•    المبحث الثالث: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أركان الحج
•    المبحث الرابع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في واجبات الحج.

المبحث الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الحج.

وصورتها:
هل المتعاطي إذا كان زائل العقل مخاطب بالحج، فيجب عليه أم لا؟.
بمراجعة ما ذكره أصحاب المذاهب في شروط وجوب الحج، لم أقف على من نصَّ على أنَّ للسكر أثراً في ذلك؛ والذي يُفهم من اشتراطهم العقل لوجوب الحج: أن المقصود به استثناء المجنون فقط، دون غيره من الأسباب المزيلة للعقل كالنوم والإغماء والسكر.
والذي يظهر أن السكر لا أثر له في إسقاط وجوب الحج؛ لأنه لا يدوم كالجنون.
وقد حكى ابن قدامة رحمه الله - في أثناء بيانه حكم قضاء الصلوات الفائتة على من زال عقله بمحرم - الإجماع على أن غياب العقل بمحرم يزيل عقله وقتاً دون وقت لا يؤثر في إسقاط التكليف، وهذا نص كلامه: (وأما السكر, ومن شرب محرماً يزيل عقله وقتاً دون وقت, فلا يؤثر في إسقاط التكليف).

وعلى هذا يقال:
إن تعاطي المواد المُخدِّرة لا أثر له في إسقاط وجوب الحج.
ويظهر أثر هذه المسألة في تأثيم المتعاطي إذا أخر الحج مع توفر شروط وجوبه عليه، وقيل: إن الحج على الفور كما هو قول الجمهور.
والله أعلم.

المبحث الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الإحرام على حكم الإحرام.

وصورتها:
لو تعاطى محرم المواد المُخدِّرة حال إحرامه بنسك، فهل لتعاطيه والحال ما ذكر أثر في حكم الإحرام؟.
أجمع العلماء على أنه يجب على المحرم أن يجتنب المعاصي كلها سواء كانت من محظورات الإحرام أو لا؛ لقوله تعالى: (ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٌ۬ مَّعۡلُومَـٰتٌ۬‌ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى ٱلۡحَجِّ‌ۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٍ۬ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُ‌ۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰ‌ۚ وَٱتَّقُونِ يَـٰٓأُوْلِى ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (١٩٧) (البقرة)، ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه".
والراجح أن الفسوق في الآية والحديث يشمل كل معصية.
قال الشوكاني: (والظاهر أنه لا يختص بمعصية معينة، وإنما خصصه من خصصه بما ذكر، باعتبار أنه قد أطلق على ذلك الفرد اسم الفسوق، كما قال سبحانه في الذبح للأصنام: (قُل لَّآ أَجِدُ فِى مَآ أُوحِىَ إِلَىَّ مُحَرَّمًا عَلَىٰ طَاعِمٍ۬ يَطۡعَمُهُ ۥۤ إِلَّآ أَن يَكُونَ مَيۡتَةً أَوۡ دَمً۬ا مَّسۡفُوحًا أَوۡ لَحۡمَ خِنزِيرٍ۬ فَإِنَّهُ ۥ رِجۡسٌ أَوۡ فِسۡقًا أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ‌ۚ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ غَيۡرَ بَاغٍ۬ وَلَا عَادٍ۬ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (١٤٥) (الأنعام)، وقال في التنابز: (يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٌ۬ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرً۬ا مِّنۡہُمۡ وَلَا نِسَآءٌ۬ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرً۬ا مِّنۡہُنَّ‌ۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِٱلۡأَلۡقَـٰبِ‌ۖ بِئۡسَ ٱلِٱسۡمُ ٱلۡفُسُوقُ بَعۡدَ ٱلۡإِيمَـٰنِ‌ۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓٮِٕكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ (١١) (الحجرات)، وقال -صلى الله عليه وسلم- في السباب: "سباب المسلم فسوق"، ولا يخفى على عارف أن إطلاق اسم الفسوق على فرد من أفراد المعاصي لا يوجب اختصاصه به).
والمعاصي والفسوق وإن كانت محظورة قبل الإحرام، فإن الله تعالى نصَّ على حظرها في الإحرام تعظيماً لحرمة الإحرام؛ ولأن المعاصي في حال الإحرام أعظم وأكبر عقاباً منها في غيرها.
إذا تقرر هذا فهل يفسد الإحرام بكل معصية؟.
•    الإجماع منعقد على فساد النسك بالجماع.
•    وحكي الإجماع على أنه لا يفسد بغيره.
وأغرب ابن حزم فأفسده بكل متعمد معصية وهو ذاكر لحجه، فقال: (كل من تعمد معصية، أي معصية كانت - وهو ذاكر لحجه مذ يحرم إلى أن يتم طوافه بالبيت للإفاضة ويرمي الجمرة - فقد بطل حجه؛ فإن أتاها ناسياً لها, أو ناسياً لإحرامه ودخوله في الحج أو العمرة: فلا شيء عليه في نسيانها, وحجه وعمرته تامان في نسيانه كونه فيهما, وذلك لقول الله تعالى: (ٱلۡحَجُّ أَشۡهُرٌ۬ مَّعۡلُومَـٰتٌ۬‌ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ ٱلۡحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِى ٱلۡحَجِّ‌ۗ وَمَا تَفۡعَلُواْ مِنۡ خَيۡرٍ۬ يَعۡلَمۡهُ ٱللَّهُ‌ۗ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰ‌ۚ وَٱتَّقُونِ يَـٰٓأُوْلِى ٱلۡأَلۡبَـٰبِ (١٩٧) (البقرة).
فكان من شرط الله تعالى في الحج براءته من الرفث والفسوق, فمن لم يتبرأ منهما فلم يحج كما أمر, ومن لم يحج كما أمر فلا حج له).
وقوله مردود بفتوى الصحابة -رضي الله عنهم- فيمن جامع أهله متعمداً بعد التحلل الأول وقبل التحلل الثاني.
وعلى هذا فلا أثر لتعاطي المواد المُخدِّرة حال الإحرام على حكم الإحرام من حيث البطلان، مع كونه معصية حراماً.
والله أعلم.
*    *    *
المبحث الثالث
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أركان الحج

وفيه أربعة مطالب:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الإحرام.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الوقوف بعرفة.
•    المطلب الثالث: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في طواف الزيارة.
•    المطلب الرابع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في السعي.

المبحث الثالث:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أركان الحج.
وصورتها: لو أدى متعاطي المواد المُخدِّرة أحد أركان الحج - كالإحرام أو الوقوف بعرفة..إلخ - وهو زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة فهل يصح منه أم لا؟.
ينبني الكلام في أغلب مسائل هذا المبحث والمبحث الرابع على خلافهم في الحج هل تكفي له نية واحدة، أم لا بد لكل عمل من أعماله من نية مستقلة؟.

فيه خلاف على أربعة أقوال:
القول الأول: يفرق في أعمال الحج بين ما عهد التطوع به كالطواف فتشترط فيه النية، وبين ما لم يعهد التطوع به كالوقوف بعرفة فلا تشترط فيه النية.
وهذا قول الحنفية.، وبعض الشافعية.
القول الثاني: يكفي في جميع أعمال الحج نية واحدة.
وهذا قول المالكية، وجعله بعض الشافعية المذهب عندهم، واختاره صاحب أضواء البيان ونسبه إلى الجمهور.
القول الثالث: ما كان مختصاً منها بفعل كالطواف والسعي والرمي فيفتقر إلى نية خاصة، وما كان منها غير مختص بفعل بل هو لبث مجرد كالوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة فلا يفتقر إلى نية خاصة.
اختاره بعض الشافعية.
القول الرابع: لا بد في كل عمل من أعمال الحج من نية مستقلة.
وهذا وجه عند الشافعية، واختاره بعض الحنابلة، وهو قول الظاهرية.

الأدلــــــة.
أدلة القول الأول:
1.    استُدل على استثناء الطواف، بدليلين:
أ‌-    لأنه عبادة مقصودة؛ ولهذا يتنفل به دون غيره من أعمال الحج.
ولأجل ذلك قيل باشتراط النية له دون غيره.

نوقش:
بأن غير الطواف من أعمال الحج أيضاً عبادات مقصودة؛ ولهذا لو وقف بعرفة من لم ينو الحج لم يثب على وقوفه، وكذا لو رمى الجمار أو بات بمزدلفة.
ب‌-    أن الطواف يقع خارج العبادة - فهو يقع بعد التحلل - فلا تشتمل عليه نية الإحرام فافتقر إلى نية خاصة، أمَّا غيره من أعمال الحج - كالوقوف والمبيت - فتقع في نفس الإحرام فلا تحتاج إلى نية مستقلة كأجزاء الصلاة من الركوع والسجود؛ ولأن نية الحج تشتمل عليه.

نوقش:
لا يسلم هذا الفرق؛ فإن الطواف وغيره من أعمال الحج كلها جزء من أجزاء العبادة، فكيف يفرق في اشتراط النية بين جزء وآخر، ثم إن طواف العمرة يقع في الإحرام وطواف الإفاضة يقع في بقية الإحرام؛ فإنه عندما حل من إحرامه قبله تحللاً أولاً ناقصاً، والتحلل الكامل موقوف على الطواف.
2.    واستدل من استثنى السعي والرمي: بأن هذين عهد التطوع فيهما، فالسعي يتطوع فيه كما لو سعى إلى مسجد، والرمي كذلك، كما لو رمى عدواً بالأحجار.
ولذا قيل: بأنه لا بد فيهما من نية مستقلة، كالطواف؛ بجامع أنهن عبادات عهد التطوع فيهن.

يمكن أن يناقش:
بما نوقش به الدليل الأول للقول الأول.

أدلة القول الثاني:
1.    أن نية العبادة تشمل جميع أجزائها، فكما لا يحتاج كل ركوع وسجود من الصلاة إلى نية خاصة لشمول نية الصلاة جيمع ذلك، فكذلك لا يحتاج كل فعل من أفعال الحج إلى نية تخصه؛ لشمول نية الحج لجميعها.
2.    وقياساً على أنه لا يشترط في كل فرض من فروض الوضوء إلى نية مستقلة.

يمكن أن يُناقشا:
بأن هذا قياس مع الفارق، وبيانه: أن الوضوء والصلاة يبطلان بقطع النية في أثنائهما ولو نوى الإكمال بعد نية القطع لأُمر بالاستئناف، بخلاف النسك، فإنه لو قطعه لا ينقطع ولو أراد العود أمر بأن يبني على ما فعل.
ويقال أيضاً: بأن الصلاة والوضوء وإن كان لا يشترط فيهما نية لكل فعل من أفعالهما؛ إلا أنه يشترط فيهما استصحاب النية في جميع أجزائهما، بدليل أنه لو انحنى في الصلاة انحناء ركوع ليتناول شيئاً من الأرض فهل يقال إنه ركوع ولو لم ينوه؟!.
3.    وللإجماع على أنه لو وقف بعرفة ناسياً أجزئه، فإذا صح وقوف الناسي من غير نية مستقلة فكذا جميع أعمال الحج.

يمكن أن يناقش:
لا يسلم حكاية الإجماع فقد خالف فيه ابن حزم.

دليل القول الثالث:
لم أقف له على دليل، ويظهر من تفريقه بين ما فيه فعل وبين مالا فعل فيه وإنما لبث: أنه رأى أن اللبث ليس بعمل ليحتاج إلى نية والفعل عمل يحتاج إلى نية.
لكن هذا التفريق تفريق بلا فرق، فإن اللبث في مكان معين فعل أيضاً يحتاج إلى نية، كما لو لبث في مسجد فإنه لا يفرق بين اللبث فيه للعبادة كالاعتكاف وبين اللبث فيه لغيرها إلا النية.

أدلة القول الرابع:
1.    عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: " إنما الإعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى "، والنسك مركب من أفراد مستقلة، فاحتاج كل عمل منها إلى نية مستقلة.
2.    ولأن النسك يتكون من أعمال كثيرة متغايرة يحول بينها ما ليس منها كالتلبية فلا بد لكل عمل من نية مفردة.
3.    ولأن أفعال النسك ينفصل بعضها عن بعض، فيكون كل عمل من أعماله كعبادة منفردة، فيشترط له نية مستقلة.

يمكن أن تناقش:
بأن الصلاة أيضاً مركبة من مجموعة أفراد: قيام. ركوع. سجود... إلخ.
كما أن الصلاة مركبة من مجموعة أعمال كثيرة متغايرة فالركوع ليس كالسجود، وهما ليسا كالقيام، والجميع ليس كالتشهد.
كما أن هذه أركان يفصل بينها ما ليس بركن، وهو تكبيرات التنقل والدعاء بعد الرفع من الركوع وبين السجدتين، كما أنه يفصل بين أركانها وواجباتها أمور مسنونة كدعاء الاستفتاح والدعاء بعد التشهد الأخير؛ إلا أن جميع ذلك داخل فيما يشرع في الصلاة ومع ذلك لا يحتاج كل عمل منها إلى نية مفردة.
وهذا هو الجواب على ما قيل في أن التلبية تفصل بين أعمال النسك؛ فإن التلبية وإن كانت من أعمال النسك إلا أنها مسنونة.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم-أنه لا يشترط لكل عمل من أعمال الحج نية مستقلة فيكفي قصد النسك؛ لكن لا بد من استصحاب نية النسك في جميع أعماله، بأن لا تنقطع نيته من قبله - فينوي قطعها - أو بسبب عارض كإغماء أو سكر.
فإذا انقطعت النية بسببه أو بسبب عارض فلا بد من تجديدها؛ (لأن العبادة من شرط بقاء صحتها: دوام شرطها استصحاباً في سائر الأوقات) والنية من شرائط الحج ومن زال عقله بسببه ليس من أهلها فلا استصحاب في حقه، فيبطل ما أتى به من مناسك الحج وهو زائل العقل.
ويلاحظ أنه لا يشترط في كل عمل من أعمال النسك استصحاب النية في جميعه، فلو وقف بعرفة ولو طرفة عين مستصحباً نية النسك ثم أغمي عليه أو سكر صح حجه لوجود النية في بعض أجزاء الفعل، ونظيره ما رُجح فيمن نوى الصيام من الليل وزال عقله أغلب النهار.

وعلى هذا يقال:
من زال عقله بسبب المواد المُخدِّرة في أي فرد من أفراد أعمال النسك، فإن كان نوى أو استصحب حكم النية في أي جزء من أجزائها قبل أن يزول عقله صح منه هذا العمل، وإلا فلا؛ لأنه لا نية له.
والله أعلم.

إذا تقرر هذا، فيقال:
إن في مبحث أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أركان الحج أربعة مطالب:
المطلب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الإحرام.
المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الوقوف بعرفة.
المطلب الثالث: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في طواف الزيارة.
المطلب الرابع: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في السعي.

المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الإحرام.

وصورتها:
لو تعاطى شخص المواد المُخدِّرة قبل إهلاله بالنسك ثم غاب عقله وأهل به وعقله زائل؛ فهل يصح إحرامه؟.
يتخرج الكلام فيها على حكم إهلال السكران.
ولم أقف على من نصَّ على حكم إهلاله لغير الحنابلة، فإنهم نصوا على أن الإحرام لا ينعقد مع غياب العقل بسبب السكر؛ وعللوا ذلك: بأن الإحرام هو نية الدخول في النسك، والسكران ليس من أهل العبادة فتتأتى منه النية.
وأما بقية المذاهب الأخرى فيمكن أن تخرج هذه المسألة على ما ذكروه في حكم إهلال المغمى عليه، بجامع غياب العقل مدة لا تطول غالباً.

وقد اختلفوا في حكم إهلاله على قولين:
القول الأول: يصح إحرام المغمى عليه إذا أهل به عنه رفيقه.
وهذا قول أبي حنيفة.
القول الثاني: لا يصح إحرام المغمى عليه مطلقاً، أهل به رفيقه عنه أو لا.
وهذا قول الجمهور.

الأدلـــــة.
أدلة القول الأول:
1.    أن معاقدة المغمى عليه رفاقه عقد الرفقة، حقيقته استعانة بهم في كل ما يعجز عن مباشرته بنفسه, والإذن دلالة بمنزلة الإذن إفصاحاً كما في شرب ماء السقاية لوجود الإذن دلالة, وإذا ثبت الإذن قامت نية رفاقه مقام نيته، كما لو كان أمرهم بذلك نصاً.

نوقش:
لا يسلم ما ذكر؛ لأنه ليس لرفقته عليه ولاية فلا يصير محرماً بإحرامهم عنه؛ لأن عقد الإحرام عقد لازم وإلزام العقد على الغير لا يكون إلا بولاية.
2.    ولأن الأركان - كالوقوف - والواجبات - كرمي الجمار - تجوز بفعل غيره إذا عجز؛ فلأن يجوز الإحرام بفعل غيره أولى.
يمكن أن يُناقش: لا يسلم أن كل ركن أو واجب تجوز فيه النيابة، فلا قائل بأنه يجوز لمهل بالحج أن ينيب غيره عنه في الوقوف بعرفة أو في المبيت بمزدلفة.

أدلة القول الثاني:
1.    بأن الإحرام هو نية الدخول في النسك، والمغمى عليه ليس من أهل العبادة فتتأتى منه النية.
2.    ولأنه بالغ فلا يصير محرماً بإحرام غيره كالنائم.
3.    ولأن زوال العقل بالإغماء مرض يرجى زواله بالقرب غالباً.

الترجيح.
الراجح والله أعلم هو القول الثاني؛ لقوة أدلته ولما ورد على أدلة القول الأول من مناقشة؛ ولعموم الأدلة الدالة على اشتراط النية.
وقياساً على أنه لا يصح في العبادات الأخرى كالصيام والصلاة والوضوء أن ينوي أحد عن أحد.

وعلى هذا يقال:
زوال العقل بسبب المواد المُخدِّرة مانع من صحة الإهلال بالنسك حتى يفيق، فإن أحرم به وهو زائل العقل لم يصح إحرامه ولا ما بني عليه.
والله أعلم.
*    *    *
المطلب الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الوقوف بعرفة.

وصورتها:
لو وقف بعرفة وهو زائل العقل جميع وقت الوقوف بسبب تعاطي المواد المُخدِّرة، فهل يصح وقوفه.
يتخرج الكلام فيه على ما ذكروه في حكم وقوف السكران.

وقد اختلفوا في حكم وقوفه على قولين:
القول الأول: يجزئه الوقوف.
وهذا قول الحنفية، ووجه للشافعية، وقول عند الحنابلة.
القول الثاني: لا يجزئه الوقوف.
وهذا قول المالكية، والشافعية، وأكثر الحنابلة، وهو قول الظاهرية.

الأدلـــــة:
أدلة القول الأول:
1.    أن شرط الوقوف بعرفة هو الكينونة فيها فقط، وهذا الشرط موجود في السكران الواقف بعرفة.
2.    ولأن السكران يعامل معاملة الصاحي في الأحكام.

يمكن أن يناقشا:
بأنهما استدلال بمحل الخلاف وهو أن النية ليست شرطاً للوقوف بعرفة، وأن السكران يعامل معاملة الصاحي، ولا يسلم هذان الأمران.

أدلة القول الثاني:
1.    لأن السكران ليس أهلاً للعبادة، ومن شرط صحة العبادات أهلية المتعبد؛ لتتأتى النية منه.
2.    وتغليظاً عليه، لشربه ما يزيل عقله حراماً.
وكما يظهر فإن خلافهم هنا مبني على ما أشرت إليه في أول هذا المبحث، وهو هل يكفي لجميع الحج - والعمرة - نية واحدة، أم لا بد لكل عمل من أعماله من نية مستقلة.
فلتراجع وما ذكر فيها من الترجيح.

المطلب الثالث:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في طواف الزيارة.

وصورتها:
 لو طاف المتعاطي طواف الزيارة وهو زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة، فهل يصح طوافه أم لا؟.
يقال: وإن كان الخلاف كما أشرت في أول المبحث مبناه على النية في أعمال المناسك هل يكفي لجميعها نية واحدة أم لا بد لكل عمل من نية مستقلة؛ إلا أن بعض من قال بأنه يكفي نية واحدة، اشترط في طواف الإفاضة خاصة أصل النية بأن ينوي أصل الطواف، بحيث لا يصرفه إلى غيره كطلب غريم ونحو ذلك؛ قالوا: لأن طواف الحج باعتبار ركنيته يندرج في نية الحج فلا يشترط تعيينه، وباعتبار استقلاله اشترط فيه أصل نية الطواف ولذلك خرج من الحج من وجه دون وجه.

أما الحنابلة وبعض الشافعية:
فاشترطوا تعيين النية بأن ينوي أن هذا الطواف طواف فرض؛ لعموم الأدلة الدالة على اشتراط النية في كل عبادة؛ وقياساً على ما لو صلى خلف المقام بعد طواف وهو لا ينوي بها ركعتي الطواف.
وسواء قلنا يشترط أصل النية أو تعيينها؛ فكلاهما غير متأتٍ من زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة.

والراجح كما قلت سابقاً:
بأنه يفرق بين وجود النية في بعض العبادة وبين انعدامها نهائياً فلا يستصحب ذكرها، وعلى هذا لو كان المتعاطي زائل العقل في جميع طواف الإفاضة لم يصح؛ أمَّا لو كان حاضر العقل في أوله وزال بعد ذلك فطوافه صحيح.
هذا إذا قيل: بأنه ليس من شرط صحة الطواف الطهارة، أمَّا على القول بأنها شرط لصحة الطواف، فإن طوافه مع زوال عقله غير صحيح؛ لأنه بزوال عقله بالمواد المُخدِّرة انتقضت طهارته بالإجماع.
والله أعلم.
*    *    *
المطلب الرابع:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في السعي.

وصورتها:
لو سعى شخص وهو زائل العقل بسبب تعاطي المواد المُخدِّرة، فهل يصح سعيه أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما سبق ذكره في أول المبحث من النسك هل تكفي له نية واحدة أم لا بد لكل عمل من نية مفردة؟.
والجمهور على أن النية للسعي مستحبة وليست واجبة؛ خلافاً لبعض الشافعية ومشهور الحنابلة والظاهرية، الذين قالوا: بأن النية شرط لصحة السعي.
وقد سبق بحث مبنى المسألة في أول هذا المبحث.
*    *    *
المبحث الرابع:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في واجبات الحج.
الذي مشى عليه صاحب زاد المستقنع هو أن واجبات الحج هي:
1-    الإحرام من الميقات المعتبر.
2-    الوقوف بعرفة إلى الغروب.
3-    المبيت بمنى لغير أهل السقاية والرعاية.
4-    المبيت بمزدلفة لغير أهل السقاية والرعاية إلى بعد نصف الليل.
5-    الرمي.
6-    الحلق.
7-    طواف الوداع.
والحديث عن أثر المواد المُخدِّرة في هذه الواجبات راجع إلى ما سبق بحثه في أول المبحث السابق من خلافهم في الحج: هل تكفي له نية واحدة لجميع مناسكه وأعماله، أم لا بد لكل عمل من نية مفردة مستقلة.
والله أعلم.
*    *    *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.   الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. Emptyالثلاثاء 10 مايو 2022, 6:03 pm

الفصل السادس:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أحكام الجهاد

وفيه أربعة مباحث:
•    المبحث الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في مشاركة المتعاطي في الجيش الإسلامي ووجوبه عليه.
•    المبحث الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أمان المتعاطي للكافر.
•    المبحث الثالث: حكم إقرار أهل الكتاب على استخدام المواد المُخدِّرة.
•    المبحث الرابع: حكم نشر المواد المُخدِّرة بين الحربيين.

المبحث الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في مشاركة المتعاطي في الجيش الإسلامي ووجوبه عليه

وفيه مطلبان:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الجهاد.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في مشاركة المتعاطي في الجيش الإسلامي.

المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في وجوب الجهاد.

وصورتها:
هل لاستخدام المواد المُخدِّرة أثر في حكم الجهاد، بحيث لا يكون المتعاطي مخاطباً به إذا تعين؟.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على حكم الجهاد على السكران، والذي يظهر -والله أعلم- أن السكران كغيره في وجوب الجهاد إذا تعين، وغياب عقله غير مسقط للوجوب في حقه.

 يدل على هذا ما يلي:
‌أ-    الإجماع على أن السكر لا يؤثر في إسقاط التكاليف، حكاه ابن قدامة رحمه الله في أثناء بيانه حكم قضاء الصلوات الفائتة على من زال عقله بمحرم، وهذا نص كلامه: (وأما السكر, ومن شرب محرماً يزيل عقله وقتاً دون وقت, فلا يؤثر في إسقاط التكليف).
‌ب-    عموم الأدلة الدالة على وجوب الجهاد من غير استثناء للسكران، مع أن الخمر كان موجوداً في عهد التشريع، ووجد من شربه من الصحابة -رضي الله عنهم- بعد تحريمه وأقيم عليه حد شرب المسكر.
‌ج-    أن الفقهاء رحمهم الله تعالى تكلموا عن أمان السكران، وهل يصح أمانه أم لا؟.
كما أن الشافعي رحمه الله تعالى تكلم عن حكم توليّ السكران وهل يأثم أو لا؟.، جاء في كتاب الأم: (ولو شهد القتال مغلوب على عقله بلا سكر لم يأثم بأن يولي, ولو شهده مغلوب على عقله بسكر من خمر فولى كان كتولية الصحيح المطيق للقتال).
مما يدل على أن المتقرر عندهم أن السكران كغيره في حكم الجهاد.

وعلى هذا يقال:
إن تعاطي المواد المُخدِّرة لا أثر لها في إسقاط الجهاد إذا تعين، والله أعلم.
*    *    *
المطلب الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في مشاركة المتعاطي في الجيش الإسلامي.

وصورتها:
هل يمكن المتعاطي من مشاركة الجيش الإسلامي في جهاده، أم يمنع لتعاطيه المواد المُخدِّرة؟.
يتخرج الكلام في هذه الصورة على حكم مشاركة الفاسق في الجيش الإسلامي.
والذي يظهر -والله أعلم- أن الفاسق كغيره، لعموم آي الجهاد من غير تفريق بين العدل وغيره.
جاء في أحكام القرآن: (إن الفساق إذا جاهدوا فهم مطيعون في ذلك، كما هم مطيعون لله في الصلاة والصيام وغير ذلك من شرائع الإسلام, وأيضاً فإن الجهاد ضرب من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولو رأينا فاسقاً يأمر بمعروف وينهى عن منكر كان علينا معاونته على ذلك, فكذلك الجهاد, فالله تعالى لم يخص بفرض الجهاد العدول دون الفساق, فإذا كان الفرض عليهم واحداً لم يختلف حكم الجهاد مع العدول ومع الفساق).

وجاء في المحلى:
(الفاسق مفترض عليه من الجهاد, ومن دفع أهل البغي, كالذي افترض على المؤمن الفاضل, فلا يحل منعهم من ذلك, بل الفرض أن يُدْعَوا إلى ذلك).

وقال الشوكاني:
(أما الاستعانة بالفساق فلا مانع منها؛ لأنهم من جملة المسلمين، ولم يرد ما يدل على أنه لا يستعان إلا بمن كان مؤمناً صحيح الإيمان غير ملابس للمعاصي، وقد استعان النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمنافقين في كثير من حروبه، وهم في الظاهر أشر من فساق المسلمين وفي الباطن أضر من المعلنين بالشرك؛ ولهذا كانوا في الدرك الأسفل من النار).
وشرط بعض أهل العلم في جواز الاستعانة بالفاسق أن يكون مع الإمام جماعة من المسلمين يستقل بهم في إمضاء الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم؛ ليكونوا مغلوبين لا غالبين، كما كان المنافقون يخرجون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- للقتال وهم كذلك.

وعلى هذا يقال:
إنه يجوز تمكين متعاطي المواد المُخدِّرة من المشاركة في الجيش الإسلامي، وقصة مشاركة أبي محجن الثقفي -رضي الله عنه- في غزوة القادسية مع إدمانه شرب الخمر مشهورة معلومة.
على أن المواد المُخدِّرة ليست على درجة واحدة، فمتعاطي الهروين مثلاً إخاله لا يصلح لكر ولا لفرَّ.
وليس معنى تجويز مشاركته أنه يحرم على قائد الجيش منعه من المشاركة، إذا رأى أن ضرره أكثر من نفعه، قال ابن قدامة: (ولا يستصحب الأمير معه مخذلاً, وهو الذي يثبط الناس عن الغزو, ويزهدهم في الخروج إليه والقتال والجهاد, مثل أن يقول: الحر أو البرد شديد, والمشقة شديدة, ولا تؤمن هزيمة هذا الجيش. وأشباه هذا.
ولا مرجفاً, وهو الذي يقول: هلكت سرية المسلمين, ومالهم مدد, ولا طاقة لهم بالكفار, والكفار لهم قوة ومدد وصبر ولا يثبت لهم أحد، ونحو هذا, ولا من يعين على المسلمين بالتجسس للكفار, وإطلاعهم على عورات المسلمين ومكاتبتهم بأخبارهم, ودلالتهم على عوراتهم, أو إيواء جواسيسهم.
ولا من يوقع العداوة بين المسلمين, ويسعى بالفساد؛ لقول الله تعالى: (وَلَوۡ أَرَادُواْ ٱلۡخُرُوجَ لَأَعَدُّواْ لَهُ ۥ عُدَّةً۬ وَلَـٰكِن ڪَرِهَ ٱللَّهُ ٱنۢبِعَاثَهُمۡ فَثَبَّطَهُمۡ وَقِيلَ ٱقۡعُدُواْ مَعَ ٱلۡقَـٰعِدِينَ (٤٦) لَوۡ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمۡ إِلَّا خَبَالاً۬ وَلَأَوۡضَعُواْ خِلَـٰلَكُمۡ يَبۡغُونَڪُمُ ٱلۡفِتۡنَةَ وَفِيكُمۡ سَمَّـٰعُونَ لَهُمۡ‌ۗ وَٱللَّهُ عَلِيمُۢ بِٱلظَّـٰلِمِينَ (٤٧)التوبة (46-47)؛ ولأن هؤلاء مضرة على المسلمين).
وكذلك يقال في متعاطي المواد المُخدِّرة، فمتى رأى الإمام أو قائد الجيش أن ضرره أكثر من نفعه كان له منعه من المشاركة.
وإن مما يؤسى له انتشار المواد المُخدِّرة بين جملة من ضباط وأفراد الجيوش الإسلامية النظامية، أصلح الله الحال ووفق القائمين عليها لمعالجة الوضع.
*      *       *
المبحث الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أمان المتعاطي للكافر

وفيه مطلبان:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أمان المتعاطي وهو زائل العقل للكافر.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أمان المتعاطي وهو غير زائل العقل للكافر.

المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أمان المتعاطي وهو زائل العقل للكافر.

وصورتها:
لو أمن المتعاطي كافراً وهو حال تأمينه زائل العقل بسبب المواد المُخدِّرة، فهل يصح أمانه أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على صحة أمان السكران، وقد اختلف في أمانه على قولين:
القول الأول: لا يصح أمانه.
وهذا قول الجمهور وهو الصحيح من مذهب الحنابلة.
القول الثاني: يصح أمانه.
وهذا قول الشافعية، وقول مخرج عند الحنابلة.

الأدلــــة.
أدلة القول الأول:
1.    لأن السكران لا عقل له يدرك به هل في أمانه مصلحة للمسلمين أم لا؟.
2.    ولأنه لا يعقل معنى الأمان حال سكره، فقد يؤمن كافراً ثم يقتله - أعني أن السكران يقتل الكافر -.
3.    وقياساً على عدم صحة أمان المجنون والصبي الذي لا يعقل، بجامع عدم العقل.

دليل القول الثاني:
حديث علي -رضي الله عنه- وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم، فمن أخفر مسلماً فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل"، فالحديث عام لم يخص به مسلم دون مسلم، والسكران من أدنى المسلمين فيدخل في عموم الحديث.

يمكن أن يناقش:
بأن الحديث ليس على عمومه في كل مسلم باتفاق، فمن ذلك المجنون لم يقل أحد بصحة أمانه، مع أنه مسلم يدخل في ظاهر عموم الحديث؛ ولذا أخرج السكران من عمومه لأدلة القول الأول.
أو يقال: عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: " وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم " خصص بقوله -صلى الله عليه وسلم-: " رفع القلم عن ثلاثة عن المجنون المغلوب على عقله حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم " وقيس على المجنون السكران حتى يفيق، بجامع عدم العقل.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم- هو القول الأول القاضي بعدم صحة أمان السكران؛ لقوة أدلته؛ ولما ورد على دليل القول الثاني من مناقشة.

وعلى هذا يقال:
لو أمن المتعاطي كافراً حال زوال عقله بسبب المواد المُخدِّرة، لم يصح أمانه.
*    *    *
المطلب الثاني:
أثر استخدام المواد المُخدِّرة في أمان المتعاطي وهو غير زائل العقل للكافر.

وصورتها:
لو أمن المتعاطي كافراً وهو حال تأمينه غير زائل العقل، فهل يصح أمانه أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على صحة أمان غير العدل.
والأئمة الأربعة كلهم على أن الأمان يصح من المسلم عدلاً كان أو فاسقاً إلا في وجه ضعيف عند الشافعية؛ لكون الأمان نوع ولاية ولا ولاية لفاسق.
والصحيح ما عليه الجمهور؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: " وذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم "، ويدخل في أدناهم: الفاسق.
جاء في شرح السير الكبير: (إن كان اللفظ - يعنى قوله -صلى الله عليه وسلم-:" أدناهم " - مشتقاً من الأدنى الذي هو الأقل كما: (أَلَمۡ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ مَا فِى ٱلسَّمَـٰوَٲتِ وَمَا فِى ٱلۡأَرۡضِ‌ۖ مَا يَڪُونُ مِن نَّجۡوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمۡ وَلَا خَمۡسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُہُمۡ وَلَآ أَدۡنَىٰ مِن ذَٲلِكَ وَلَآ أَڪۡثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمۡ أَيۡنَ مَا كَانُواْ‌ۖ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْ يَوۡمَ ٱلۡقِيَـٰمَةِ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمٌ (٧) المجادلة آية (7) ، فهو تنصيص على صحة أمان الواحد.
وإن كان مشتقاً من الدنو وهو القرب كما: (ذُو مِرَّةٍ۬ فَٱسۡتَوَىٰ (٦) النجم آية (6)، فهو دليل على صحة أمان المسلم الذي يسكن الثغور، فيكون قريباً من العدو.
وإن كان مشتقا من الدناءة، فهو تنصيص على صحة أمان الفاسق).
وأما الاحتجاج بأنَّ الأمان نوع ولاية فلا يصح أمان غير العدل، فيجاب بأن من معتقد أهل السنة الجهاد خلف كل بر وفاجر، ولازم القول بأنه لا يصح أمان غير العدل، ألا يصح أمان قائد الجيش إذا كان فاسقاً.

وعلى هذا يقال:
لو أمن المتعاطي كافراً، وهو غير زائل العقل حال تأمينه الكافر، صح أمانه -والله أعلم-.
*    *    *
المبحث الثالث:
حكم إقرار أهل الكتاب على استخدام المواد المُخدِّرة.

أهل الكتاب الذميون، يضمن لهم عقد الذمة أحكاماً، منها:

 أنهم يقرون على شرب الخمر، بشرط ألا يعلنوا بشربه فيظهروه، أو يخرجوا سكارى في أمصار المسلمين، أو يبيعوه لمسلم.
جاء في المغني: (قال أحمد في الرجل له المرأة النصرانية: لا يأذن لها أن تخرج إلى عيد أو تذهب إلى بيعة وله أن يمنعها ذلك.
وكذلك في الأمَّة.
قيل له: أله أن يمنعها شرب الخمر؟.
قال: يأمرها، فإن لم تقبل فليس له منعها.
قيل له: فإن طلبت منه أن يشتري لها زناراً؟.
قال: لا يشتري لها زناراً، تخرج هي تشتري لنفسها.
وسئل عن الذمي يعامل بالربا ويبيع الخمر والخنزير ثم يسلم، وذلك المال في يده؟.
فقال: لا يلزمه أن يخرج منه شيئاً؛ لأن ذلك مضى في حال كفره فأشبه نكاحهم في الكفر إذا أسلم).
لكن هل يقال: إنهم يقرون أيضاً على استخدام المواد المُخدِّرة، قياساً على إقرارهم على شرب الخمر؟. أو أن هذا الإقرار خاص بالخمر؟.
الذي يظهر لي والله أعلم، أن ما كان من المواد المُخدِّرة مسكراً كالحشيش، فحكمه حكم الخمر من كل وجه، ومن ذلك إقرار أهل الكتاب، يدل لذلك عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: " كل مسكر خمر ".
فدل (على أن علة التحريم الإسكار، فاقتضى ذلك أن كل شراب وجد فيه الإسكار)  يأخذ أحكام الخمر.
قال ابن تيمية: (وقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " يتناول ما يسكر. ولا فرق بين أن يكون المسكر مأكولاً أو مشروباً أو جامداً أو مائعاً، فلو اصطبغ بالخمر كان حراماً ولو أماع  الحشيشة وشربها كان حراماً.
ونبينا -صلى الله عليه وسلم- بعث بجوامع الكلم فإذا قال كلمة جامعة كانت عامة في كل ما يدخل في لفظها ومعناها، سواء كانت الأعيان موجودة في زمانه أو مكانه أو لم تكن.
فلما قال: " كل مسكر حرام " تناول ذلك ما كان بالمدينة من خمر التمر وغيرها، وكان يتناول ما كان بأرض اليمن من خمر الحنطة والشعير والعسل وغير ذلك، ودخل في ذلك ما حدث بعده من خمر لبن الخيل الذي يتخذه الترك ونحوهم.
فلم يفرق أحد من العلماء بين المسكر من لبن الخيل والمسكر من الحنطة والشعير، وإن كان أحدهما موجوداً في زمنه كان يعرفه، والآخر لم يكن يعرفه؛ إذ لم يكن بأرض العرب من يتخذ خمراً من لبن الخيل).
و قال الشوكاني بعد كلام له: (إذا تقرر لك هذا، وعرفت قيام الدليل على تحريم كل مسكر من غير تقييد، فاعلم أن كل نوع ثبتت له خاصية الإسكار فهو محرم، من غير فرق بين المائع والجامد، وما كان بعلاج وما كان بأصل الخلقة).
وأما غير المسكر من المواد المُخدِّرة كالمفتر - مثل التبغ -، أو المنشط - مثل الكبتاجون -، فيقال: إنها تأخذ حكم الخمر من باب أولى.
ويحتمل أن يفرق بين المفتر وبين المنشط، فيقال: يقرون على المفتر من باب قياس الأولى على الخمر، دون المنشط؛ لأن منزعه في التحريم الضرر وليس تغييب العقل، فلا يصح قياسه عليه.
والله أعلم.
*    *    *
المبحث الرابع:
حكم نشر المواد المُخدِّرة بين الحربيين.
إن نشر المواد المُخدِّرة بين الأعداء، كانت ومازالت إحدى الوسائل التي يستخدمها الغزاة لتحطيم قوى الدولة المغزية.
فيُحكى أن جيش الحبشة الذي قدم جزيرة العرب لهدم الكعبة قبل النبوة، هو من حمل معه نبتة القات، وهدفه في نقلها إلى أرض الجزيرة كهدف أي مستعمر في إغراق مستعمراته فيما يلهي الناس عن قضاياهم المصيرية، وقد استفاد البريطانيون من هذا الأسلوب عندما استعمروا الشطر الجنوبي من اليمن عام 1839 فأحضروا معهم شجرة القات مرة أخرى لهذه المنطقة، حتى إن البريطانيين كانوا يستوردون يومياً بالطائرة من أثيوبيا كميات من القات كافية لاستهلاك الأسواق في عدن، وكانت تعرف تلك العملية بـ(طائرة الساعة الواحدة).
ويُعزى سبب انتشار تعاطي الهيروين في العالم إلى الجيوش اليابانية التي كانت تشجع صناعة وتجارة الهيروين في الأقاليم التي تحتلها قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية.
واليهود في العصر الحاضر هم من يهرب المواد المُخدِّرة داخل فلسطين، حتى إن عمليات تهريب المواد المُخدِّرة تتم بواسطة الآليات العسكرية اليهودية، ويستخدمها اليهود في الداخل الفلسطيني كوسيلة تعذيب للأسرى العرب الموقفين في سجونهم فيدفعونهم إلى الإدمان، بل إن دور اليهود تعدى هذا إلى تهريب كميات كبيرة من المواد المُخدِّرة من لبنان إلى مصر وبعض الدول الإفريقية وذلك بالتعاون مع المليشيات اللبنانية عبر الموانئ غير الشرعية الخاضعة لهذه المليشيات أو براً عبر قوافل تقطع صحراء سيناء، كما أن هناك شركة يهودية تصدر القات إلى البلدان التي توجد فها تجمعات يمنية، ومع هذا فإن أمريكا لا تحرك ساكناً حيال هذه الأمر، ولا توجه أدنى لوم للكيان اليهودي، مما يدل على مدى تورط الولايات المتحدة الأمريكية في استعمال المخدرات كوسائل لتحقيق أهداف سياسية أو عسكرية أو اللجوء إليها بهدف إفساد المجتمعات المناوأة لها.
وما قصة إعادة زراعة الأفيون بعد الهجمة الصليبية الأخيرة على بلاد الأفغان بخافية على أحد.
ومن الغريب أن أمريكا تطالب دول أمريكا اللاتينية وغيرها بأن تسمح لها باستخدام المبيدات الكيميائية للقضاء على محاصيل المواد المُخدِّرة في بلادهم، بينما تمنع المحاكم الأمريكية -لاعتبارات بيئية- من استخدام هذه المبيدات لرش محاصيل شجرة الكوكا داخل دويلتهم!!.
وبعد هذا العرض الموجز لاستخدام الجيوش والدول المواد المُخدِّرة أداة أو وسيلة من وسائل الحرب تجاه الأعداء، أعود إلى عنوان هذا المبحث، وهو: حكم نشر المواد المُخدِّرة بين الحربين هل يجوز أو لا؟.
الذي يظهر لي والله أعلم أن غزو الحربيين بالمواد المُخدِّرة أمر جائز شرعاً، وهو إحدى وسائل الجهاد المشروعة؛ لما يلي:
1.    عموم قوله تعالى: (مَا ڪَانَ لِأَهۡلِ ٱلۡمَدِينَةِ وَمَنۡ حَوۡلَهُم مِّنَ ٱلۡأَعۡرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ ٱللَّهِ وَلَا يَرۡغَبُواْ بِأَنفُسِہِمۡ عَن نَّفۡسِهِۦ‌ۚ ذَٲلِكَ بِأَنَّهُمۡ لَا يُصِيبُهُمۡ ظَمَأٌ۬ وَلَا نَصَبٌ۬ وَلَا مَخۡمَصَةٌ۬ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ وَلَا يَطَـُٔونَ مَوۡطِئً۬ا يَغِيظُ ٱلۡڪُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنۡ عَدُوٍّ۬ نَّيۡلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُم بِهِۦ عَمَلٌ۬ صَـٰلِحٌ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجۡرَ ٱلۡمُحۡسِنِينَ (١٢٠) التوبة آية (120).
فقوله: (نيلاً) نكرة في سياق النفي فتعم أي نيل، وتسليط المواد المُخدِّرة بينهم وتسهيل نشرها نوع من النيل.
2.    قوله تعالى: (وَقَـٰتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَـٰتِلُونَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ (١٩٠) البقرة آية (190)، وقوله: (وَٱقۡتُلُوهُمۡ حَيۡثُ ثَقِفۡتُمُوهُمۡ وَأَخۡرِجُوهُم مِّنۡ حَيۡثُ أَخۡرَجُوكُمۡ‌ۚ وَٱلۡفِتۡنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلۡقَتۡلِ‌ۚ وَلَا تُقَـٰتِلُوهُمۡ عِندَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَـٰتِلُوكُمۡ فِيهِ‌ۖ فَإِن قَـٰتَلُوكُمۡ فَٱقۡتُلُوهُمۡ‌ۗ كَذَٲلِكَ جَزَآءُ ٱلۡكَـٰفِرِينَ (١٩١) البقرة آية (191) فالله جل وعلا أمر بقتالهم ولم يحدد آلة أو وسيلة معينة لقتالهم، ومقتضى الإطلاق في القتل والقتال أن يدل على مشروعية كل الأسلحة والوسائل الحربية المؤدية إليهما ما لم يرد دليل خاص بتحريم وسيلة معينة منها.
والمواد المُخدِّرة داخلة في ذلك وهي وإن لم يكن فيها إزهاق للروح، إلا أنها وسيلة إلى إزهاقها، وذلك بإضعاف روح القتال عنده وإشغاله بنفسه مما يكون وسيلة غير مباشرة إلى قتله.
3.    وقياس الأولى على جواز قتل الحربي.
فإن إيقاع الحربي في إدمان المواد المُخدِّرة دون قتله، فهو أولى بالجواز.
4.    وقياساً على ما ذكره الفقهاء من جواز تسليط الحيوانات السامة عليهم؛ كالحيات والعقارب بجامع السمية في كل منهما.
جاء في مغني المحتاج: (ويجوز.. هدم بيوتهم، وقطع الماء عنهم، وإلقاء حيات أوعقارب عليهم).
وجاء في الإقناع: (يجوز رميهم بالنار والحيات والعقارب في كفات المجانيق).
*      *      *



الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات. 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الأول: أثر استخدام المواد المُخدِّرة في الأحكام الشرعية في العبادات.
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة
» الباب الثالث: أثر استخدام المواد المخدرة في أحكام القضاء والعقوبات ومسائل متفرقة.
» الباب السادس الأحكام العامة والانتقالية.. الفصل الأول: الأحكام العامة
» من الأحكام الشرعية للجراحة
» الباب الحادى عشر: العبادات الجديدة

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــه الــدنــيــــا والديـــــن :: رســــــالة دكـتــــــوراه-
انتقل الى: