منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52683
العمر : 72

الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة Empty
مُساهمةموضوع: الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة   الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة Emptyالثلاثاء 10 مايو 2022, 11:29 pm

الباب الثاني:
أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة

وفيه فصلان:
•    الفصل الأول: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات.
•    الفصل الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في أحكام فقه الأسرة.

الفصل الأول:
أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات
وفيه ستة مباحث:
•    المبحث الأول: أثر استخدام المواد المخدرة في حكم تصرفات المتعاطي.
•    المبحث الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في حكم بيع المتعاطي ما يعينه على استعمالها.
•    المبحث الثالث: أثر استخدام المواد المخدرة في فسخ الإجارة.
•    المبحث الرابع: أثر استخدام المواد المخدرة في بطلان الشركة.
•    المبحث الخامس: أثر استخدام المواد المخدرة في بطلان الوكالة ونحوها.
•    المبحث السادس: أثر استخدام المواد المخدرة في إتلاف المتعاطي ما يوجب الضمان.

المبحث الأول:
أثر استخدام المواد المخدرة في حكم تصرفات المتعاطي

وفيه أربعة مطالب:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المخدرة في عقود المعاوضات.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في عقود التوثيقات.
•    المطلب الثالث: أثر استخدام المواد المخدرة في عقود التبرعات.
•    المطلب الرابع: أثر استخدام المواد المخدرة في عقود الإرفاق.

وأعني بتصرفات المتعاطي عقوده، سواء كانت عقود معاوضة أو تبرع أو إرفاق أو توثيق.
ويحسن قبل البدء في مطالب هذا المبحث أن يبين حكم عقود المتعاطي إذا كان زائل العقل حال إجرائه العقد؛ لأن مطالب هذا المبحث الأربعة الكلام فيها واحد.

فيُقال:
إن تصرفات المتعاطي حال زوال عقله تتخرج على ما ذكره أهل العلم في حكم تصرفات السكران.
وقد اختلفوا في حكم تصرفات السكران على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه مؤاخذ بتصرفاته مطلقاً.
وهذا هو المشهور عند الحنفية، وقول عند المالكية، وقول عند الشافعية، ورواية عن أحمد.
القول الثاني: أنه غير مؤاخذ بتصرفاته مطلقاً.
وهذا قول عند الحنفية، وقول عامة المالكية، وقول عند الشافعية، ورواية عن أحمد، وهو مذهب الظاهرية.
القول الثالث: التفريق بين حال وآخر.

وهؤلاء الذين فرقوا اختلفوا على قولين:
الأول: يفرق بين أقوال السكران وأفعاله، فيؤاخذ بالأفعال دون الأقوال.
وهذا قول للشافعية، ورواية عن أحمد.
الثاني: يفرق بين ما له وبين ما عليه، فيؤاخذ بما عليه كبيعه وهبته، ولا يؤاخذ بما له كشرائه واتهابه.
وهذا قول للحنفية وقول للمالكية، وقول للشافعية، وقول للحنابلة.

الأدلـــــة.
أدلة القول الأول:
1.    قوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْ‌ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٌ۬ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآٮِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً۬ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدً۬ا طَيِّبً۬ا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣) النساء آية (43) يدل على أن السكران مخاطب، فإذا صادف تصرفه محله نفذ كتصرف الصاحي.
ووجه كونه مخاطباً: أنه إن كان الخطاب في الآية موجهاً إليه حال سكره فهو نص، وإن كان قبل سكره، فهو دليل على أنه مخاطب في حال سكره؛ لأنه لا يقال: إذا جننت فلا تفعل كذا.
نوقش: بل الآية تدل على أنه غير مخاطب؛ إذ لو كان مخاطباً بالصلاة حال سكره لما نهي عنها حتى يدري ما يقول.
2.    أن الصحابة -رضي الله عنهم- جعلوا السكران بمنزلة الصاحي، يدل لذلك: قول علي -رضي الله عنه- لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما استشاره في الخمر يشربها الرجل: (نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى).

نوقش:
أن الخبر المروي ضعيف.
وعلى فرض صحته فهو محمول على أن الصحابة -رضي الله عنهم- عاقبته بما السكر مظنته -وهو الهذيان والافتراء في القول-، فجعلوا إقدامه على السكر الذي هو مظنة الافتراء ملحقاً بالمقدم على الافتراء، إقامة لمظنة الحكمة مقام الحقيقة؛ لأن الحكمة هنا خفية منتشرة؛ إذ قد لا يُعلم افتراؤه، ولا متى يفتري، ولا على من يفتري كما أن المضطجع يحدث ولا يدري هل أحدث أم لا، فقام النوم مقام الحدث.
3.    ولأن زوال عقله بسببه هو؛ فعقوبة له وزجراً لغيره عن ارتكاب جنس معصيته، أقيم مقام الصاحي في مؤاخذته بتصرفاته.

نوقش:
بأن العقل هو شرط التكليف، ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها؛ بدليل أنه لو وقع سكران فانكسرت ساقه، له من الرخصة في الصلاة قاعداً كالذي أصابه ذلك في سبيل الله تعالى بلا خلاف.
كما أن عقوبة السكران هي الحد في الدنيا والعذاب في الآخرة ما لم يُغفر له، وكونه عاصياً لا يوجب إلزامه حكماً زائداً لم يلزمه الله تعالى إياه، وإلا كان هذا من تغيير حدود الله.

أدلة القول الثاني:
1.    ما جاء في خبر ماعز -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " أبه جنون؟".
فأخبر أنه ليس بمجنون.
فقال: " أشرب خمراً؟ ".
فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر.
فيؤخذ منه أن السكران لا يصح إقراره، ويقاس عليه باقي تصرفاته.
2.    ولما جاء في قصة ناقتي علي -رضي الله عنه- لما اجتب أسنمتهما حمزة -رضي الله عنه- وفيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن معه جاءوا البيت الذي فيه حمزة فاستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذنوا لهم فإذا هم شرب، فطفق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلوم حمزة فيما فعل، فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه، فنظر حمزة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم صعد النظر فنظر إلى ركبته، ثم صعد النظر فنظر إلى سرته، ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه، ثم قال حمزة: (هل أنتم إلا عبيد لأبي)، فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قد ثمل فنكص رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على عقبيه القهقرى وخرجنا معه.
فحمزة -رضي الله عنه- قال (وهو سكران ما لو قاله غير سكران لكفر، وقد أعاذه الله من ذلك)، فدل على أن السكران غير مؤاخذ بتصرفاته حال سكره.
3.    أن العقود وغيرها من التصرفات مشروطة بالقصد، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: " إنما الأعمال بالنيات "  والسكران لا قصد له فلا يؤاخذ بتصرفاته.
والمراد بالقصد هنا: القصد الذي يختص به العقل، فأمَّا القصد الحيواني الذي يكون لكل حيوان، فهذا لا بد منه في وجود الأمور الاختيارية من الألفاظ والأفعال، وهذا وحده غير كاف في صحة العقود والأقوال، فإن المجنون والصبي لهما هذا القصد كما هو للبهائم ومع هذا فتصرفاتهم باطلة مع عدم التمييز.
4.    ولأن العقل هو مناط التكليف، ولا يتوجه التكليف لمن لا يفهم الخطاب، ولا فرق بين زوال العقل بمعصية وغيرها، بدليل: أن من كسر ساقيه جاز له أن يصلي قاعداً, ولو ضربت المرأة بطنها, فنفست, سقطت عنها الصلاة, ولو ضرب رأسه فجن, سقط التكليف.
5.    أنه عبادة السكران لا تصح بالنص والإجماع، وكل من بطلت عبادته لعدم عقله، فبطلان عقوده أولى وأحرى قياساً على النائم والمجنون بجامع غياب العقل.
6.    أن العقود ليست من باب العبادات التي يثاب عليها ولا من باب الجنايات التي يُعاقب عليها؛ بل هي من التصرفات التي يشترك فيها البر والفاجر، والمؤمن والكافر، فهي تتعلق بخطاب الوضع وليس بخطاب التكليف.

أدلة القول الثالث:
أمَّا من فرق بين أقواله وأفعاله فقالوا: لأن الأفعال أقوى من الأقوال، فقيل: إنه مؤاخذ فيها دون غيرها.

يمكن أن يناقش:
بأن الزنا من الأفعال ومع ذلك أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- باستنكاه ماعز، فدل على أن التفريق بينهما تحكم جاء الدليل بخلافه.
وأمَّا من قال: يفرق بين ما له وبين ما عليه، فقالوا: زجراً وتغليظاً له في الحالين، فيؤاخذ بما عليه ضرر، ولا يصح تصرفه فيما يجلب له نفعاً.

يمكن أن يناقش:
بما سبق ذكره في مناقشة الدليل الثالث للقول الأول.

الترجيح.
الذي يترجح في نظري القاصر -والله أعلم- هو القول الثاني: القاضي بعدم تصحيح عقود السكران؛ لقوة أدلته، ولما ورد على أدلة الأقوال الأخرى من مناقشة.
وعلى هذا فإذا عقد المتعاطي عقداً وهو زائل العقل حال عقده لم يصح العقد لما سبق بيانه، والله أعلم.
*    *    *
المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المخدرة في عقود المعاوضات.

وصورتها:
لو باع المتعاطي أو أجر وهو حال ذلك زائل العقل بسبب المواد المخدرة، فهل يصح عقده أم لا؟.
يتخرج الكلام في حكم عقده عقد معاوضه، على ما سبق بحثه، وقد سبق بيان أن المرجح أن عقوده غير صحيحه، وعلى هذا فلا يصح عقده عقد معاوضة وهو زائل العقل.
والله أعلم.
*    *    *
المطلب الثاني:
أثر استخدام المواد المخدرة في عقود التوثيقات.

وصورتها:
لو رهن المتعاطي وهو حال ذلك زائل العقل بسبب المواد المخدرة، فهل يصح رهنه؟.
يتخرج الكلام على ما سبق ذكره في حكم عقود المتعاطي، وقد سبق بيان أن المرجح أن عقوده غير صحيحة، وعلى هذا فلا يصح رهنه كما لا يصح أيضاً ما شابه الرهن من عقود التوثيقات.
والله أعلم.
*    *    *
المطلب الثالث:
أثر استخدام المواد المخدرة في عقود التبرعات.

وصورتها:
لو وهب المتعاطي أو أوقف وهو حال ذلك زائل العقل بسبب المواد المخدرة، فهل تصح هبته ووقفه أم لا؟.
يتخرج الكلام على ما سبق بيانه في حكم عقود المتعاطي، وقد سبق أن المرجح في نظري القاصر أن عقوده غير صحيحة، وعلى هذا فلا تصح هبته ووقفه ونحو ذلك من عقود التبرعات.
والله أعلم.
*    *    *
المطلب الرابع:
أثر استخدام المواد المخدرة في عقود الإرفاق.

وصورتها:
لو أقرض المتعاطي أو أعار عارية، وهو حال ذلك زائل العقل بسبب المواد المخدرة، فهل يصح منه ذلك أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذا المطلب على ما سبق إيراده في حكم عقود المتعاطي، وقد سبق بيان أن المرجح أن عقوده غير صحيحة، وعلى هذا فلا يصح قرضه ولا عاريته وما شابه ذلك من عقود الإرفاق.
والله أعلم.
*    *    *
المبحث الثاني:
أثر استخدام المواد المخدرة في حكم بيع المتعاطي ما يعينه على استعمالها.

وفيه مطلبان:
•    المطلب الأول: حكم بيع المتعاطي ما يعينه على استعمال المواد المخدرة من حيث الحل والحرمة.
•    المطلب الثاني: حكم بيع المتعاطي ما يعينه على استعمال المواد المخدرة من حيث الصحة والبطلان.

المطلب الأول:
حكم بيع المتعاطي ما يعينه على استعمال المواد المخدرة من حيث الحل والحرمة.

وصورتها:
لو تبين للبائع أن مشتري غراء الباتكس أو الإبر -ونحو ذلك- إنما اشتراها ليغيب عقله بها أو يستعين بها على تغييب عقله، فهل يجوز بيعه أم يحرم؟.
يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكروه في حكم بيع ما يُقصد به فعل محرم.

وقد اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: يحرم بيع ما تقوم المعصية بعينه، دون غيره.
وهذا مذهب الحنفية.
وعلى هذا فرق الحنفية بين بيع السلاح لأهل الفتنة وبين بيع الحديد لمن يصنع منه سلاحاً يقاتل به قتالاً محرماً، فحرموا بين السلاح لأن المعصية تقوم بعينة، ولم يحرموا بيع الحديد لمن يتخذ منه سلاحاً يقاتل به قتالاً محرماً؛ لأن المعصية لا تقوم بعينة.
وعلى هذا فما كان من الأشياء التي يقوم استخدام المواد المخدرة بعينها (كغراء الباتكس أو الإبر) فيحرم عند الحنفية، وما كان لا يقوم بعينه كالأوراق التي تلف بها المواد المخدرة لتدخينها فلا يحرم.
القول الثاني: يحرم بيع ما يُقصد به فعل محرم مطلقاً.
وهذا قول الجمهور.
وقد مثل المالكية لذلك: ببيع الجارية لأهل الفساد، أو بيع أرض لتتخذ كنيسة أو خمارة، والخشبة لمن يتخذها صليباً، والعنب لمن يعصره خمراً، والنحاس لمن يتخذه ناقوساً, وكذا يمنع أن يباع للحربيين آلة الحرب من سلاح ونحوه.

ومثل الشافعية لذلك:
ببيع مخدر لمن يظن أنه يستعمله على وجه محرم، وأمرد ممن عرف بالفجور، وأمة ممن يتخذها لغناء محرم، وخشب لمن يتخذه آلة لهو، وثوب حرير لرجل يلبسه بلا نحو ضرورة.

ومثل الحنابلة لذلك:
ببيع العصير لمن يتخذه خمراً، وبيع السلاح في الفتنة، وبيع مأكول أو مشروب أو مشموم وقدح لمن يشرب عليه أو يشرب به مسكراً، وبيع غلام أو أمة لمن عرف بوطء الدبر.
وعلى قول الجمهور يحرم ما يمكن أن يستفاد منه في تناول المواد المخدرة سواء كان يستفاد منه مباشرة، أو بعد إجراء صنعة عليه.

الأدلــــة.
دليل القول الأول:
قالوا: يحرم ما تقوم المعصية بعينه كالسلاح في الفتنة؛ لأن المقصود الأصلي منه هو المحاربة به فكان عينه منكراً إذا بيع لأهل الفتنة.
ولا يحرم ما لا تقوم المعصية بعينه كبيع الحديد لمن يتخذ منه سلاحاً يقاتل به قتالاً محرماً؛ لأنه وإن كان يعمل منه عين المنكر إلا أنه لا بد من عمل صنعة تحدث فيه، فلم تكن المعصية من عينه.

يمكن أن يناقش:
بأنه -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يسب الرجل أبا الرجل؛ لئلا يسب المسبوب والد الساب فيقع في عقوق والديه بسبه.
وهذا السب لا تقوم المعصية بعينه، بل بسببه.
ومع ذلك نهى عنه -صلى الله عليه وسلم- وجعله من أكبر الكبائر، فدل هذا على حرمة ما يعين على معصية سواء كان بعينه أو بسببه.

نعم قد يقال:
بأن إثم ما كان يعين على معصية بعينه أكبر مما يعين على المعصية بغيره؛ إلا أنهما مع ذلك يشتركان في أن كلاً منهما معصية حرام.

أدلة القول الثاني:
1.    قوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْ‌ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٌ۬ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآٮِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً۬ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدً۬ا طَيِّبً۬ا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣) المائدة آية (2)، وبيع ما يقصد به فعل محرم لمن يفعل به المحرم تعاون على الإثم والعدوان، فيدخل في عموم النهي.
2.    استنبط بعض شراح الحديث من قوله -صلى الله عليه وسلم-: " إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه ".
قيل يا رسول الله وكيف يلعن الرجل والديه؟.
قال: " يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه "، استنبطوا منه: منع بيع ثوب الحرير ممن يتحقق أنه يلبسه، والغلام الأمرد ممن يتحقق أنه يفعل به الفاحشة، والعصير ممن يتحقق أنه يتخذه خمراً.
والجامع بين هذا الاستنباط وبين الحديث، هو: سد الذرائع المفضية إلى محرم، أو بعبارة أخرى: أنه -صلى الله عليه وسلم- في الحديث ذكر أن من فعل السبب فكأنه الفاعل لذلك الشيء مباشرة.
3.    ولأن الوسائل لها حكم المقاصد، والمقصد في بيع ما يعين على محرم هو استخدام المُباع في المحرم وهو -أي المقصد هنا- حرام، والوسيلة الموصلة إلى الحرام حرام، وهي هنا: البيع.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، القاضي بحرمة بيع ما يعين أو يقصد به فعل محرم؛ لقوة أدلته؛ ولما ورد على دليل القول الأول من مناقشة.
قال ابن تيمية: (مسألة بيع العصير ممن يتخذه خمراً...
عامة السلف على المنع منها).
وهل يكفي للتحريم الظن بأنه سيستخدم المباع في معصية الله، أم لا بد من اليقين؟.

قولان:
الأول: يكفي الظن.
وهو قول الشافعية، وقول للحنابلة اختاره ابن تيمية وصوبه في الإنصاف.
الثاني: لابد من اليقين.
وهذا قول عند الحنابلة، وهو مذهب الظاهرية.
والراجح والله أعلم هو الأول، فيكفي في التحريم غلبة الظن؛ إذ غلبة الظن أصل من الأصول تبنى عليها جملة من الأحكام الشرعية، والأصل في العمل بغلبة الظن قوله -صلى الله عليه وسلم-: " وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ".

وعلى هذا يحرم بيع المتعاطي ما يعينه على تعاطيه، سواء كان المباع يعين على التعاطي بعينه أو بغيره.
والله أعلم.
*    *    *
المطلب الثاني:
حكم بيع المتعاطي ما يعينه على استعمال المواد المخدرة من حيث الصحة والبطلان.

وصورتها:
لو باع صاحب محل على شخص غراء باتكس أو إبراً، وعلم أنه إنما اشتراها ليغيب عقله بها أو يستعين بها على تغييب عقله، فهل يصح عقد البيع أم لا؟

اختلف في ذلك على قولين:
القول الأول: يصح العقد.
وهذا قول الجمهور، واحتمال عند الحنابلة.
إلا أن المالكية نصوا في مسألة بيع السلاح لمن يستعين به على محرم، على أن المشتري يجبر على إخراجه من ملكه من غير فسخ للبيع.
كما نص بعض الشافعية على أن من باع جارية لمن يكرهها على الزنا، أو دابة لمن يحملها فوق طاقتها، فللحاكم بيع هذين على مالكهما قهراً عليه.
القول الثاني: العقد باطل.
وهذا مذهب الحنابلة، والظاهرية.
قال ابن تيمية في بيع العصير لمن يتخذه خمراً: (وجرى التصريح عن السلف بتحريم هذا البيع وبفساده أيضاً).

الأدلـــــة.
دليل القول الأول:
قالوا: لأنه عقد مستوفي الأركان والشروط في الظاهر، فلا يبطل بالمقصد الخفي، قياساً على ما لو دلس العيب.

نوقش:
بأن قياسه على تدليس العيب قياس مع الفارق، وبيانه: أن البيع إذا صاحبه تدليس فالمحرم هو التدليس وليس البيع، فالجهة منفكة، أمَّا في بيع ما يستخدم في محرم فالجهة واحدة.
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فتحريم تدليس العيب لأجل حق الآدمي، ولذا ثبت له الخيار.
أمَّا في مسألتنا: فالتحريم لحق الله تعالى؛ ولذا قيل ببطلان العقد.

أدلة القول الثاني:
1.    أنه عقد على عين لمعصية الله تعالى بها، فلم يصح؛ قياساً على إجارة الأمة للزنى والغناء.
2.    ولأن التحريم في هذا العقد لحق الله تعالى، فكان باطلاً؛ قياساً على بيع درهم بدرهمين.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، القاضي ببطلان بيع المتعاطي ما يعينه على التعاطي؛ لقوة دليله، ولما ورد على دليل الجمهور من مناقشة.
*    *    *
المبحث الثالث:
أثر استخدام المواد المخدرة في فسخ الإجارة.

وصورتها:
لو أجر شخص آخر عيناً ما، فتبين بعد عقد الإيجار أن المسـتأجر يتخذ من العين المؤجرة وكراً لاجتماع متعاطي المواد المخدرة أو ترويجها، فهل يحق له فسخ الإجارة مع أنها عقد لازم أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذا الصورة على ما ذكروه فيما إذا ظهر فسق المستأجر بعد عقد الإيجار، هل للمؤجر فسخ العقد أم لا؟.
وقبل بحث ما إذا كان له الفسخ أو لا؟.
يحسن أن يشار إلى: أن العلماء متفقون على أنه لا تجوز الإجارة على المنافع المحرمة ولا على المعاصي.
والخلاف فيما إذا ظهر الفسق بعد العقد هل له الفسخ أم لا؟.
نص الحنفية والمالكية على أن فسق المستأجر إذا ظهر بعد العقد لم يكن له الفسخ.
جاء في المبسوط: (ولو كان المستأجر مسلماً، فظهر منه فسق في الدار أو دعارة أو كان يجمع فيها على الشرب، منعه رب الدار من ذلك كله لا لملكه الدار؛ بل على سبيل النهي عن المنكر، فإنه فرض على كل مسلم صاحب الدار وغيره فيه سواء, وليس لرب الدار أن يخرجه من الدار من أجل ذلك مسلماً كان أو ذمياً).
وفي درر الحكام شرح مجلة الأحكام: جعل لولي الأمر خاصة إخراجه إذا توقفت المصلحة على إخراجه.
فهم يرون أن على رب الدار والجيران منعه من فعل المنكر في العين المؤجرة، من باب النهي عن المنكر الواجب عليهم وعلى كل أحد، لا أن وجوب منعه لكونه مؤجراً أو لكونهم جيراناً له.
وجاء في منح الجليل: ((أو) أي ولا تنفسخ الإجارة بظهور (فسق مستأجر) دار مثلاً، فلا تنفسخ الإجارة وينهى عن فسقه, فإن انتهى عنه أقر فيها (و) إلا (آجر الحاكم) الدار مثلاً عليه لغيره بعد إخراجه منها (إن لم يكف)... عن فسقه فيها، إذا ظهرت من مكتري الدار خلاعة وفسق وشرب خمر فلا ينتقض الكراء؛ ولكن يمنعه الإمام من ذلك ويكف أذاه عن الجيران وعن رب الدار, وإن رأى إخراجه أخرجه وأكراها عليه).
فالمالكية يرون: أنه ينهى عن الفسق فإن انتهى وإلا كان على الحاكم منعه وكف آذاه، فإن لم يكف فللحاكم أن يخرجه من الدار ثم يؤجرها لغيره، ولا يقف الأمر على حضور من يكتريها بل يُخرج ويأمر بأن يؤدي الفاسق الأجرة حتى حضور الراغب.
وعللوا لصحة الإجارة: بأن عقد الإجارة لازم لا يفسخ إلا بعذر، والعذر ضرر يزول بفسخ الإجارة، وظهور فسق المستأجر لا يدخل في ذلك، فلا تفسخ الإجارة لأجله، قياساً على ما لو باعه داراً ثم ظهر فسقه ما كان له أن يفسخ البيع.

يمكن أن يناقش:
بأن قياسه على أنه لاحق للبائع في فسخ البيع إذا ظهر فسق المشتري قياس مع الفارق، وبيانه:
أن الإجارة بيع منفعة فقط، أمَّا البيع فبيع منفعة وعين، ولذا لم يكن له الفسخ في البيع؛ لانتهاء علاقة البائع بالعين المبيعة، أمَّا في الإجارة فثم علاقة لم تنقطع بعد، فقد تتضرر عين المؤجر بفسق المستأجر.
أمَّا الشافعية فلم أقف لهم على كلام في هذه المسألة.
أمَّا الحنابلة فنصوا على أنه لا تصح الإجارة على محرم، جاء في دقائق أولي النهى ((أو) أي: ولا تصح إجارة (دار لتعمل كنيسة) أو بيعة أو صومعة راهب (أو بيت نار) لتعبد المجوس (أو لبيع خمر) أو القمار ونحوه.
سواء شرط ذلك في العقد أو علم بقرينة؛ لأنه فعل محرم فلم تجز الإجارة عليه كإجارة عبده للفجور به, وإن استأجر ذمي من مسلم دارا وأراد بيع الخمر بها فله منعه ؛ لأنه محرم).

والذي يظهر لي أنه يفرق بين صورتين:
بين ما إذا اتخذ المستأجر الدار المؤجرة وكر لترويج المواد المخدرة أو لاجتماع المتعاطين فيها ليتعاطوا فيها سمومهم، وبين ما إذا كان ساكناً للدار؛ لكنه يتعاطى فيها المواد المخدرة لوحده بلا ضرر على الجيران أو أذية لأحد.
ففي الصورة الأولى: يحق للمؤجر فسخ العقد؛ لأن المعقود عليه صار محرماً فلم يصح العقد عليه، كما لو أجر أمة ليزنى بها أو عبداً ليفجر به.
كما يحق للجيران المطالبة بإخراجه، لما في ذلك من الضرر اللاحق بهم من تردد المدمنين بين بيوتهم وطرقاتهم، وهم لا يؤمن شرهم، كما لا يؤمن أن يجتذبوا أولادهم فيوقعوهم في أوحالها، كما أن في مداومة نظرهم إليهم استمراء لمنكرهم واستمراء المنكر منكر؛ لذلك كله، ولأن الضرر يزال، حق لهم المطالبة بإخراجه.
وقد نصَّ المالكية على أن مالك الدار إذا أعلن فسوقه وآوى أهل الفسق إليه، وضر جيرانه بفسقه، أنه يزجر ويعاقب، فإن انتهى عن فسقه وإلا أخرج من داره وبيعت عليه أو أجرت لغيره.
فإذا جاز هذا مع مالك الدار، فأولى أن يجوز للجيران مع المستأجر.

ولعل من هذه الصورة:
أ‌-    ما جاء أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وجد في بيت رجل من ثقيف خمراً -وقد كان جلده في الخمر- فحرق بيته، وقال: ما اسمك؟.
قال: رويشد.
قال: بل أنت فويسق.
فعزره عمر -رضي الله عنه- بحرق بيته للخمر الذي وجد عنده، وفسخ العقد لأجل ذلك أولى مما فعله عمر -رضي الله عنه-.
ب‌-    ما جاء أن عائشـة -رضي الله عنها- بلغها أن أهل بيت في دارها كانوا سكاناً فيها، أن عندهم نرداً، فأرسلت إليهم لئن لم تخرجوها لأخرجنكم من داري.
أمَّا الصورة الثانية: فلا يحق للمؤجر فسخ العقد، لأن المعقود عليه في الأصل هو السكنى، ودخلت المعصية تبعاً، ويثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً.
فهذه المعصية كغيرها من المعاصي التي لا يخلو منها مستأجر، كما لو اغتاب في الدار المستأجرة، أو نظر إلى حرام، أو طعم فيها حراماً.
ولو قيل بأن هذه الصورة يحق للمؤجر فيها الفسخ لما سلم عقد إجارة -والله المستعان-.
يؤيد ذلك أيضاً: أنه ما زال المسلمون يؤجرون أهل الذمة والعهد، مع أن الكفر فسق وزيادة.
والله أعلم.
*    *    *
المبحث الرابع:
أثر استخدام المواد المخدرة في بطلان الشركة.

وصورتها:
لو تشارك اثنان أو أكثر، فتبين أن أحد الشركاء متعاطٍ للمواد المخدرة، فهل لذلك أثر في حكم الشركة واستمرارها؟.
لا يخفى أن تصرف كل من الشريكين في مال الآخر تصرف بالوكالة، وعلى هذا فإن تصرفه في مال شريكه يأخذ حكم ما سيأتي بيانه في المبحث الخامس.
*    *    *
المبحث الخامس:
أثر استخدام المواد المخدرة في بطلان الوكالة ونحوها

وفيه مطلبان:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المخدرة في بطلان الوكالة إذا زال عقل المتعاطي بسببها.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في بطلان الوكالة إذا لم يزل عقله.

المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المخدرة في بطلان الوكالة إذا زال عقل المتعاطي بسببها.

وصورتها:
إذا وكل شخص آخر فزال عقل الوكيل بسبب تعاطيه المواد المخدرة، فهل لذلك أثر في استمرار الوكالة؟.
يتخرج الكلام في هذه الصورة على أثر السكر في الوكالة.
وقد نصَّ الشافعية والحنابلة على أن السكر لا أثر له في بطلان الوكالة.
جاء في مغني المحتاج: (ويصح توكيل السكران بمحرم كسائر تصرفاته).
وجاء في المغني: (ولا تبطل الوكالة بالنوم والسكر والإغماء).
ويتخرج هذا أيضاً مذهباً للحنفية والمالكية.
أمَّا الحنفية فنصوا على أنه إنما يبطل الوكالة الجنون المطبق دون غير المطبق، والسكر شبيه بالجنون غير المطبق.
وأمَّا المالكية فذهبوا إلى أن الجنون لا يبطل الوكالة إلا إذا طال، وعلى هذا فالسكر دون الجنون، فأولى ألا تبطل به الوكالة.
وعلى هذا فلا أثر لغياب العقل بسبب تعاطي المواد المخدرة على صحة الوكالة واستمرارها؛ لأن غياب عقله لا يطول فلا يخرجه عن أهلية التصرف، ولا يثبت عليه ولاية.
إلا أن تعاطيه المواد المخدرة على وجه محرم مفسق له، وفسق الوكيل له أثر في الوكالة، وهو ما سأبينه في المطلب الثاني -إن شاء الله تعالى-.
*    *    *
المطلب الثاني:
أثر استخدام المواد المخدرة في بطلان الوكالة إذا لم يزل عقله.

وصورتها:
لو وكل شخص آخر، فتبين أن الوكيل متعاطٍ للمواد المخدرة، فهل لذلك أثر في حكم الوكالة أم لا؟.

من شروط صحة الوكيل:
أن تصح مباشرته التصرف الموكل فيه لنفسه؛ لأنه قائم مقام الموكل في العبارة، فلا بد أن يكون من أهل العبارة ليكون قادراً على التصرف؛ ولأنه إذا لم يملك أن يتصرف لنفسه مع أن تصرفه لنفسه أقوى، فمن باب أولى ألا يملك تصرفه لغيره.
ومعلوم أن الفاسق لا يصح له في مسائل -على الخلاف- أن يباشر التصرف بنفسه.
وبناء على هذا الشرط فكل ما لا يصح للفاسق أن يفعله بنفسه، لا يصح فيه توكله؛ لخروجه عن أهلية التصرف بفسقه.
ومثلوا لذلك بإيجاب النكاح، على القول باشتراط العدالة في الولي.
وعلى هذا يبطل توكيل متعاطي المواد المخدرة فيما يشترط له العدالة.
والله أعلم.
*       *        * 
المبحث السادس:
أثر استخدام المواد المخدرة في إتلاف المتعاطي ما يوجب الضمان.

وصورتها:
لو أن متعاطي المواد المخدرة أتلف دابة آخر، أو سيارته وغير ذلك مما له مالية محترمة، وهو حال إتلافه غائب العقل بسبب تعاطيه المواد المخدرة، فهل يضمن والحال ما ذكر؟ أم أنه معذور لغياب عقله؟.
إن غياب العقل بسبب المواد المخدرة لا أثر له في نفي الضمان عمّا يتلفه في حال غياب عقله.

وذلك لما يلي:
‌أ-    أن المتقرر عند جمهور الفقهاء تضمين الصبي والنائم والمجنون ما يتلفونه، مع أنهم فاقدوا الأهلية.
وكذلك يقال في متعاطي المواد المخدرة.
‌ب-    أن تضمين المتلف ليس من قبيل الأحكام التكليفية حتى ينظر فيه إلى حال المُضمّن، وإنما هو من باب الأحكام الوضعية ربطاً للأحكام بأسبابها؛ ولهذا لا ينظر فيها إلى قصد الإتلاف من عدمه، فيُضَمّن المُتْلِف مطلقاً قصد الإتلاف أو لا، ظن ملكه للمُتلَف أو لا.

ووجه ذلك:
أن المباشرة التي نتج عنها الإتلاف علة، والعلة مقارنة للحكم؛ ولذا فإن كل شخص مسئول عن فعله سواء وقع منه عمداً أو خطأً، وتسوية الشريعة بين العمد والخطأ في ضمان الأموال أمر غير منكر عقلاً؛ لأن العمد والخطأ اشتركا في الإتلاف الذي هو علة الضمان، وإن افترقا في علة الإثم، ولا ريب أن هذا هو مقتضى العدل الذي لا تتم المصلحة إلا به، ومن أجل ذلك لا ينظر إلا أهلية المُتْلِف وتكليفه، فيضمن الصبي والمجنون وغائب العقل بسبب المواد المخدرة ونحوهم ما أتلفوه من الأموال (وهذا من الشرائع العامة التي لا تتم مصالح الأمَّة إلا بها؛ فلو لم يضمنوا جنايات أيديهم لأتلف بعضهم أموال بعض, وادَّعى الخطأ وعدم القصد.
وهذا بخلاف أحكام الإثم والعقوبات؛ فإنها تابعة للمخالفة وكسب العبد ومعصيته؛ ففرقت الشريعة فيها بين العامد والمخطئ, وكذلك البر والحنث في الأيمان فإنه نظير الطاعة والعصيان في الأمر والنهي؛ فيفترق الحال فيه بين العامد والمخطئ).
‌ج-    أن الضمان شرع للجبر لا للعقوبة، دفعاً للضرر الذي يلحق من أُتلف ماله، ولا نزاع أن الضرر موجود فيمن أُتلِف ماله أياً كان المُتلِفُ صبياً أو مجنوناً أو متعاطياً، وهذا الضرر يجب رفعه، ولا سبيل إلى رفعه إلا بضمان مالٍ بدل المال التالف يؤخذ من مال المُتلِف؛ لتقع نتيجة فعله عليه لا على غيره، جاء في قواعد الأحكام في مصالح الأنام: إن (الإتلاف يقع بالظنون والأيدي والأقوال والأفعال, ويجري الضمان في عمدها وخطئها لأنه من الجوابر, ولا تجري العقوبة والقصاص إلا في عمدها لأنهما من الزواجر).

وعلى هذا يُقال:
يضمن متعاطي المواد المخدرة ما أتلفه حال غياب عقله بسبب المواد المخدرة، فلا أثر لغياب عقله -والله أعلم-.
*    *    *



الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52683
العمر : 72

الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة   الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة Emptyالأربعاء 11 مايو 2022, 1:55 am

الفصل الثاني:
أثر استخدام المواد المخدرة
في أحكام فقه الأسرة

وفيه مبحثان:
•    المبحث الأول: أثر استخدام المواد المخدرة في أحكام النكاح.
•    المبحث الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة فيما يرتبط بالنكاح.

المبحث الأول:
أثر استخدام المواد المخدرة في أحكام النكاح.

وفيه مطلبان:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المخدرة في الكفاءة في النكاح.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في فُرق النكاح ونحوها.

المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المخدرة في الكفاءة في النكاح.

وصورتها:
 هل متعاطي المواد المخدرة كفء للمرأة غير المتعاطية فله أن يعقد عليها، أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذا المطلب على ما ذكروه في هل الدين من شروط الكفاءة أم لا؟. بمعنى هل الفاسق كفء لغير الفاسقة أم لا؟.

-ويلاحظ أن المراد بالدين: السلامة من الفسق، فلا تشترط المساواة في الصلاح والحال-.

اختلفوا في ذلك على قولين:
القول الأول: الدين من خصال الكفاءة.
وهذا قول جمهور العلماء.
القول الثاني: ليس الدين من خصال الكفاءة؛ إلا إذا كان فسقه فاحشاً بأن كان ممن يسخر منه، ويضحك عليه ويصفع، أو يخرج سكراناً ويلعب به الصبيان؛ لأنه مُستخف به.
فإن كان ممن يُهاب بأن كان أميراً قتالاً فإنه يكون كفئاً؛ لأن هذا الفسق لا يعد شيئاً في العادة. وهذا قول محمد بن الحسن.
وروي عن أبي يوسف أنه يرى: أن الفاسق إن كان معلناً بفسقه فليس بكفء، وإن كان مستتراً فهو كفء، وكذلك إذا كان ذا مروءة كأعوان السلطان والمباشرين المكسة .

الأدلــــة.
أدلة القول الأول:
1.    قوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّہَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرٍ۬ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبً۬ا وَقَبَآٮِٕلَ لِتَعَارَفُوٓاْ‌ۚ إِنَّ أَڪۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَٮٰكُمۡ‌ۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ۬ (١٣) الحجرات آية (13).
2.    فبيَّن سبحانه أن المساواة شاملة، وأن المفاضلة عند الله تعالى إنما هي بالدين والتقوى، فلزم اعتبار هذا المعيار في كل شيء وفي النكاح خاصة.
2.    قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" وهو نصَّ على اعتبار الدين من خصال الكفاءة؛ لأن الفاسق لا يُرضى دينه.
3.    ولأن التفاخر بالدين أحق من التفاخر بالنسب والحرية والمال، والتعيير بالفسق أشد وجوه التعيير، والمرأة أو الرجل يعير كل منهما بفسق الآخر فوق ما يعير بضعة النسب.

دليل القول الثاني:
قالوا: إن الدين من أمور الآخرة، والكفاءة من أحكام الدنيا فلا يقدح فيها الفسق.

نوقش:
بأن في جعل هذا قاعدة ممهدة نظر؛ إذ لم يظهر وجه الملازمة، والحق أنه قد وقد, والمعتبر في كل موضع مقتضى الدليل فيه من البناء على أحكام الآخرة وعدمه, على أنا لم نبن إلا على أمر دنيوي وهو ما ذكره من أن المرأة تعير بفسق الزوج فوق ما تعير بضعف نسبه، يعني: يعيرها أشكالها إن كانت من بنات الصالحين.

وأيضاً:
فإنهم فرَّقوا بين الفسق الفاحش وبين غيره، وهو تفريق بلا دليل فإذا منع الفاحش من الكفاءة فلماذا لا يمنع ما دونه؟!.

الترجيح.
والراجح -والله أعلم- هو القول الأول القاضي بأن الدين من خصال الكفاءة في النكاح؛ لقوة أدلته؛ ولما ورد على دليل القول الثاني من مناقشة، ويؤيده أيضاً أن الكفاءة روعي فيها جوانب أخرى هي دون الدين كالحرية والمال والنسب -على خلاف- فلأن يُراعى فيها جانب الدين أولى وأحرى، خاصة وأن الرابطة الزوجية لها حقوق وعليها واجبات، ومن لا دين له لا يؤمن أن يفي بتلك الواجبات والحقوق، ولا يؤمن أن يربي أولاده تربية صالحة.

وعلى هذا يُقال:
متعاطي المواد المخدرة ليس بكفء لغير المتعاطية.
والله أعلم.
*    *    *
المطلب الثاني:
أثر استخدام المواد المخدرة في فُرق النكاح ونحوها

وفيه تسعة فروع:
•    الفرع الأول: أثر استخدام المواد المخدرة على الطلاق.
•    الفرع الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة على الخلع.
•    الفرع الثالث: أثر استخدام المواد المخدرة على الظهار.
•    الفرع الرابع: أثر استخدام المواد المخدرة على اللعان.
•    الفرع الخامس: أثر استخدام المواد المخدرة على الإيلاء.
•    الفرع السادس: أثر استخدام المواد المخدرة على الرجعة.
•    الفرع السابع: أثر استخدام الزوجة للمواد المخدرة في حكم طلاقها.
•    الفرع الثامن: أثر استخدام الزوج المواد المخـدرة في حكم طلب المرأة الخلع.
•    الفرع التاسع: أثر استخدام المواد المخدرة في فسخ النكاح.

الفرع الأول:
أثر استخدام المواد المخدرة على الطلاق.

وصورتها:
لو طلق متعاطي المواد المخدرة، وهو حال تطليقه غائب العقل بسبب المواد المخدرة، فهل يقع طلاقه أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكروه في حكم طلاق السكران، وقد اختلفوا في وقوع طلاق السكران على قولين:
القول الأول: يقع طلاق السكران.
وهذا قول الحنفية، والمالكية، وأحد قولي الشافعي، ورواية عن أحمد، و به قال جماعة من فقهاء الأمصار.
وصرح بعض الحنفية: بأن من غاب عقله بسبب الحشيش أو البنج أو الأفيون وقع طلاقه كطلاق من غاب عقله بسبب الخمر.
وبعض الحنابلة صرح بالحشيشة فقط.
القول الثاني: لا يقع طلاق السكران.
اختاره بعض الحنفية، وبعض المالكية وحكي رواية عن مالك، وهو أحد قولي الشافعي، ورواية عن أحمد اختارها ابن تيمية وابن القيم، وبه قال بعض فقهاء الأمصار.

الأدلـــــة.
أدلة القول الأول:
1.    أن الصحابة -رضي الله عنهم- جعلوا السكران بمنزلة الصاحي، يدل لذلك: قول علي -رضي الله عنه- لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما استشاره في الخمر يشربها الرجل: (نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى، وإذا هذى افترى).
2.    فإذا كان بمنزلة الصاحي وقع طلاقه، كما يقع طلاق الصاحي.

نوقش:
بأن الخبر المروي ضعيف، و الصواب أن الصحابة -رضي الله عنهم- لم يؤاخذوه بتصرفاته، كما سيأتي في أدلة القول الثاني.
2.    ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه". قالوا: فالحديث عام يشمل كل مطلق إلا ما استثني وهو المعتوه، فيدخل السكران في عموم "كل الطلاق جائز"، فيقع طلاقه.

نوقش من وجهين:
الأول: أن الحديث ضعيف.
وعلى فرض صحته فيقال ما سيأتي في الوجه الثاني والثالث.
الثاني: أن أصحاب القول الأول لا يقولون بعمومه في كل المسائل، فهم لا يوقعون طلاق الصبي الذي ليس بمعتوه.
الثالث: أن السكران يدخل فيما استثني؛ لأن السكران لا يدري ما يتكلم به فهو لا عقل له، والمعتوه هو من لا عقل له.

يدل لذلك:
أن المعتوه جاء في الحديث بـ(أل) المفيدة لاستغراق الجنس فيدخل فيه كل معتوه أياً كان سبب عتهه، أعنى سواء كان العته من غير سبب منه، أو كان بسبب جنايته كالسكران.
3.    قوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَقۡرَبُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنتُمۡ سُكَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَعۡلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِى سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغۡتَسِلُواْ‌ۚ وَإِن كُنتُم مَّرۡضَىٰٓ أَوۡ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوۡ جَآءَ أَحَدٌ۬ مِّنكُم مِّنَ ٱلۡغَآٮِٕطِ أَوۡ لَـٰمَسۡتُمُ ٱلنِّسَآءَ فَلَمۡ تَجِدُواْ مَآءً۬ فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدً۬ا طَيِّبً۬ا فَٱمۡسَحُواْ بِوُجُوهِكُمۡ وَأَيۡدِيكُمۡ‌ۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا (٤٣) النساء آية (43).
4.    يدل على أن السكران مخاطب، فإذا صادف تصرفه محله نفذ كتصرف الصاحي.
ووجه كونه مخاطباً: أنه إن كان الخطاب في الآية موجهاً إليه حال سكره فهو نص، وإن كان قبل سكره، فهو دليل على أنه مخاطب في حال سكره؛ لأنه لا يقال: إذا جننت فلا تفعل كذا.

نوقش:
بل الآية تدل على أنه غير مخاطب؛ إذ لو كان مخاطباً بالصلاة حال سكره لما نهي عنها حتى يدري ما يقول.
4.    ولأن زوال عقله بسببه هو؛ فعقوبة له وزجراً لغيره عن ارتكاب جنس معصيته، أقيم مقام الصاحي في إيقاع طلاقه.

نوقش:
بأن العقل هو شرط التكليف، ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها؛ بدليل أن من كسر ساقيه جاز له أن يصلي قاعداً, ولو ضربت المرأة بطنها, فنفست, سقطت عنها الصلاة, ولو ضرب رأسه فجن, سقط التكليف.

وأيضاً:
فإن الشريعة لم تعاقب أحداً بهذا الجنس من إيقاع الطلاق أو عدم إيقاعه، كما أن العقوبة بإيقاع طلاقه تتجاوز السكران إلى زوجه، وفي هذا معاقبة لها بذنب غيرها وهذا لا يجوز.
كما أن السكران عقوبته هي ما جاءت به الشريعة من الجلد، وعقوبته بغير ذلك تغيير لحدود الشريعة.

أدلة القول الثاني:
1.    ما جاء عن عثمان -رضي الله عنه- أنه كان يرى أن طلاق السكران والمجنون غير جائز.
ولا يعلم لعثمان -رضي الله عنه- مخالف من الصحابة.
2.    ولما جاء في خبر ماعز -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: " أبه جنون؟ ".
فأخبر أنه ليس بمجنون.
فقال: " أشرب خمراً؟ ".
فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر.
فيؤخذ منه أن السكران لا يصح إقراره، وإذا لم يصح إقراره علم أن أقواله باطلة لا يترتب عليها أي أثر، ومن جملة أقواله طلاقه.
3.    ولما جاء في قصة ناقتي علي -رضي الله عنه- لما اجتب أسنمتهما حمزة -رضي الله عنه- وفيه أن حمزة -رضي الله عنه- قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (هل أنتم إلا عبيد لأبي).
فحمزة -رضي الله عنه- قال (وهو سكران ما لو قاله غير سكران لكفر، وقد أعاذه الله من ذلك)، فدل على أن السكران غير مؤاخذ بأقواله حال سكره، ومن جملة أقواله طلاقه.
4.    ولأن السكران وإن كان عاصياً بشربه المسكر، إلا أنه لا يعلم ما يقول، وإذا لم يعلم ما يقول لم يكن له قصد صحيح، وإنما الأعمال بالنيات.
فشابه من تناول شيئاً محرماً جعله مجنوناً، فإن جنونه وإن حصل بمعصية إلا أنه لا يصح طلاقه ولا غير ذلك من أقواله.
5.    ولأن العقل هو مناط التكليف، ولا يتوجه التكليف لمن لا يفهم الخطاب، ولا فرق بين زوال العقل بمعصية وغيرها، بدليل: أن من كسر ساقيه جاز له أن يصلي قاعداً, ولو ضربت المرأة بطنها فنفست, سقطت عنها الصلاة, ولو ضرب رأسه فجن, سقط التكليف.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، القاضي بعدم وقوع طلاق السكران، لقوة أدلته؛ ولما ورد على أدلة القول الأول من مناقشة.
ولأن المفسدة في القول بعدم وقوع طلاقه أقل من المفسدة الحاصلة في قول من أوقع طلاقه، وبيان ذلك: أن من أوقع طلاقه أتى خصلتين، حرمها على السكران وأحلها لغيره، ومن لم يوقع طلاقه إنما يأتي خصلة واحدة، وهي أنه أحلها للسكران.
ولأن طلاق السكران من باب خطاب الوضع وليس من باب خطاب التكليف، فليس كونه مكلفاً أو غير مكلف يترتب عليه إيقاع طلاقه.
والسبب الوضعي لإيقاع الطلاق هو طلاق العاقل لا مطلق الطلاق، والسكران ليس بعاقل.

وعلى هذا:
فإذا طلق متعاطي المواد المخدرة، وهو حال إيقاعه الطلاق زائل العقل بسبب المواد المخدرة، لا يقع طلاقه.
والله أعلم.
*    *    *
الفرع الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة على الخلع.
وصورتها:
لو خالع متعاطي المواد المخدرة، وهو حال مخالعته غائب العقل بسبب المواد المخدرة، فهل تصح مخالعته أم لا؟.
نص الفقهاء على أن حكم مخالعته يتخرج على حكم طلاقه.
وقد سبق بيان أن الراجح في طلاق زائل العقل بسبب تعاطي المواد المخدرة أنه لا يقع، وكذلك يقال في خلعه أنه لا يصح -والله أعلم-.
 *     *     *
الفرع الثالث:
أثر استخدام المواد المخدرة على الظهار.

وصورتها:
لو ظاهر متعاطي المواد المخدرة، وهو حال مظاهرته غائب العقل بسبب المواد المخدرة، فهل يصح ظهاره أم لا؟.
نص الفقهاء على أن حكم ظهاره يتخرج على حكم طلاقه.
وقد سبق بيان أن المرجح في طلاق زائل العقل بسبب تعاطي المواد المخدرة أنه لا يقع، وكذلك يقال في ظهاره أنه لا يصح -والله أعلم-.
*       *       *
الفرع الرابع:
 أثر استخدام المواد المخدرة على اللعان.

وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أثر استخدام المواد المخدرة على لعان المتعاطي وهو زائل العقل.

وصورتها:
لو لاعن متعاطي المواد المخدرة، وهو حال لعانه غائب العقل بسبب المواد المخدرة، فهل يصح لعانه أم لا؟.
يتخرج الكلام في حكم لعانه على حكم طلاقه.
وقد سبق بيان أن المرجح في طلاق زائل العقل بسبب تعاطي المواد المخدرة أنه لا يقع، وكذلك يقال في لعانه أنه لا يصح.
والله أعلم.
*       *        *
المسألة الثانية:
أثر استخدام المواد المخدرة على لعان المتعاطي وهو غير زائل العقل.

وصورتها:
لو لاعن متعاطي المواد المخدرة، وهو حال لعانه حاضر العقل، فهل يصح لعانه أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على حكم لعان الفاسق.
والجمهور -وحكي إجماعاً- على أن اللعان لا يشترط فيه عدالة الزوجين؛ لعموم قوله تعالى: (وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٲجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُہَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَـٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَہَـٰدَٲتِۭ بِٱللَّهِ‌ۙ إِنَّهُ ۥ لَمِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ (٦) النور آية (6)، فلم يخص صالحاً من فاسق.
والحنفية أيضاً نصوا على أن الفاسق يصح لعانه ما لم يكن محدوداً في قذف.
وسواء قيل إنه يصح لعان المحدود في القذف أو لا؟، فلا أثر لهذا الخلاف في مسألتنا؛ لأن فسق المتعاطي ناشئ عن عصيانه بتعاطيه المواد المخدرة.
وعلى هذا فلا أثر لتعاطي المواد المخدرة في حكم اللعان، إذا لاعن وهو حاضر العقل -والله أعلم.
*      *      * 
الفرع الخامس:
 أثر استخدام المواد المخدرة على الإيلاء.

وصورتها:
لو آلى متعاطي المواد المخدرة، وهو حال إيلائه غائب العقل بسبب المواد المخدرة، فهل يصح إيلاؤه أم لا؟.
نص الفقهاء على أن الإيلاء لا يصح إلا ممن يصح طلاقه، فيتخرج الكلام في هذه المسألة على ما سبق ذكره في طلاق السكران.
وقد سبق بيان أن المرجح في طلاق زائل العقل بسبب تعاطي المواد المخدرة أنه لا يقع، وكذلك يقال في إيلائه أنه لا يصح.
والله أعلم.
*      *      *
الفرع السادس:
أثر استخدام المواد المخدرة على الرجعة.

وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أثر استخدام المواد المخدرة على الرجعة بالقول.

وصورتها:
لو راجع متعاطي المواد المخدرة مطلقته بالقول، وهو حال مراجعته غائب العقل بسبب المواد المخدرة، فهل تصح رجعته أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على حكم رجعة السكران.
وقد ورد في كتب المالكية والشافعية: أن من شروط المرتجع أن يكون أهلاً لإنشاء عقد النكاح، أي أن كل من له الحق في إنشاء عقد الزواج يكون له الحق في ارتجاع مطلقته عند استيفاء شروط الرجعة الأخرى.
وبنى على هذا المالكية أن مراجعة السكران غير صحيحة مطلقاً.
أمَّا الشافعية فاستثنوا من هذا الشرط السكران المتعدي بسكره دون المعذور، فقالوا: تصح رجعة المتعدي بسكره؛ لأنه في الأصل أهل لإبرام عقد النكاح.
أمَّا الحنفية فلم أقف لهم على نص في هذه المسألة، وجاء في الجوهرة النيرة: أن المُطلّق إذا قال لمُطلقته: أنت امرأتي ونوى الرجعة، عُدَّتْ رجعة.
وقد يخرج على هذا أنه لا تصح رجعة السكران بالقول لأنه لا نية له.
إلا أنه يُشغّب على هذا أن الحنفية أجازوا رجعة الهازل والمكره والمخطئ، وهؤلاء لا نية لهم ومع ذلك صحت رجعتهم -عندهم-، وعلى هذا فقد يخرج صحة رجعة السكران، بجامع أنه لا تشترط النية للرجعة.
أمَّا الحنابلة فظاهر كلامهم أن رجعته تتخرج على حكم طلاقه.
والذي يترجح في نظري القاصر: أنه لا تصح رجعة السكران بالقول؛ لأنه لا يعلم ما يقول، وإذا لم يعلم ما يقول لم يكن له قصد صحيح، فلا يُرتب على قوله أثر، لعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّما الأعمالُ بالنِّيَّات".
وعلى هذا يقال: لو راجع متعاطي المواد المخدرة مطلقته بالقول، وهو حال مراجعته غائب العقل بسبب المواد المخدرة لم تصح رجعته.
والله أعلم.
*      *      *
المسألة الثانية:
أثر استخدام المواد المخدرة على الرجعة بالفعل.

وصورتها:
لو راجع متعاطي المواد المخدرة مطلقته بوطئها، وهو حال مراجعته غائب العقل بسبب المواد المخدرة، فهل تصح رجعته أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذه الصورة على حكم المراجعة بالوطء، وهل يشترط لها النية أم لا؟.

اختلف في حكم المراجعة بالوطء، على ثلاثة أقوال:
القول الأول: تصح الرجعة بالوطء مطلقاً.
وهذا قول الحنفية، واختاره بعض المالكية، ورواية عن أحمد، وقال به طائفة من فقهاء الأمصار.
القول الثاني: تصح الرجعة بالوطء إذا نوى.
وهذا قول المالكية، ورواية عن أحمد  اختارها ابن تيمية.
القول الثالث: لا تصح الرجعة بالوطء مطلقاً.
وهذا قول الشافعية، ورواية عن أحمد.

الأدلـــــة.
أدلة القول الأول:
1.    أن الرجعة استدامة للنكاح وليست ابتداء له، ويجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء.
2.    ولأن الطلاق سبب زوال الملك، وقد انعقد الطلاق مع الخيار، فوطء المطلق زمن الخيار يمنع زوال الزوجية، قياساً على وطء البائع الأمة المبيعة في زمان الخيار.

دليل القول الثاني:
استدلوا بعموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى". فيدخل في عمومه أن من نوى بوطئه الرجوع اعتبرت رجعة، ومن لم ينو لم تعد له رجعة؛ لأنه لا نية له.

يمكن أن يناقش:
بأن هذا استدلال بمحل الخلاف، ثم لا يسلم أن كل عمل يشترط له نية، فالنكاح ينعقد حتى مع الهزل، والطلاق كذلك يقع إن تلفظ بصريحه ولو لم ينوه.

دليل القول الثالث:
قالوا: لأن الرجعة استباحة بضع مقصود، أمر بالإشهاد فيه، فلا يحصل من القادر بغير قول، قياساً على النكاح.

يمكن أن يناقش:
بأن النكاح لا يجوز عقده بغير القول لأنه ابتداء، أمَّا الرجعة فهي استدامة للنكاح وإبقاء له، والاستدامة أخف من الابتداء، فيجوز فيها مالا يجوز في الابتداء.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم- هو القول الأول لقوة أدلته، فقد حكى ابن عبد البر الإجماع على دليله الثاني، فقال: (لم يختلفوا فيمن باع جاريته بالخيار له ثم وطئها في أيام الخيار، أنه قد ارتجعها بذلك إلى ملكه واختار نقض البيع بفعله ذلك، وللمطلقة الرجعية حكم من ذلك)؛ ولأن الفعل أبلغ من القول وأقوى.
ومما يرجحه أيضاً ما ورد على أدلة الأقوال الأخرى من مناقشة.

وعلى هذا فإذا وطء متعاطي المواد المخدرة مطلقته الرجعية، وهو حال وطئه زائل العقل بسببها صحت رجعته؛ لأن الرجعة تصح بالوطء من غير نية.
والله أعلم.
*     *     * 
الفرع السابع:
أثر استخدام الزوجة للمواد المخدرة في حكم طلاقها.

صورتها:
لو وقعت الزوجة في شراك المواد المخدرة، فهل لوقوعها في وحل المخدرات الآسن أثر في حكم مفارقة زوجها لها؟.
يتخرج الكلام في هذه الصورة على ما ذكروه في حكم الطلاق إذا كانت الزوجة فاسقة.
فقد ذهب الجمهور إلى أنه يندب للرجل تطليق زوجته إذا كانت فاسقة، سواء كان فسقها بزناها، أو بتفريطها في حقوق الله تعالى الواجبة عليها، كالصلاة ونحوها.
وفي رواية عند الحنابلة: يجب تطليقها إذا كانت غير عفيفة أو مفرطة في حقوق الله تعالى.

ودليل مشروعية طلاق المرأة الفاسقة:
1.    ما جاء في بعض السنن: أن رجلاً قال: يا رسول الله إن تحتي امرأة لا ترد يد لامس؟. قال -صلى الله عليه وسلم-: "طلقها".
قال: إني لا أصبر عنها.
قال: "فأمسكها".
فالنبي -صلى الله عليه وسلم- أمر الرجل بطلاق زوجته لكونها غير عفيفة وأقل درجات الأمر الندب أو الإباحة.
2.    ولأن الفسق نقص في الدين، والمرأة الفاسقة لا يؤمن أن تفسد على زوجها فراشه، أو تلحق به من ليس منه.

وعلى هذا يُقال:
يشرع لمن ابتليت زوجته بالمواد المخدرة أن يفارقها؛ لتقصيرها في حقوق الله تعالى، والتي منها اجتناب ما نهى عنه وزجر، ولأن المرأة التي تقع في شراك المواد المخدرة كثيراً ما تبيع عرضها ثمناً للحصول على جرعة مخدرة تطفئ بها لهيب إدمانها.
 *      *      *
الفرع الثامن:
أثر استخدام الزوج المواد المخـدرة في حكم طلب المرأة الخلع.

وصورتها:
لو وقع زوج المرأة في شراك المواد المخدرة، ولم تستطع إثبات وقوعه فيها لتطالب بفسخ النكاح، فهل لوقوع بعلها في وحل المخدرات الآسن أثر في حكم مخالعة الزوجة زوجها؟.
هذه المسألة هي عكس المسألة السابقة فالحكم فيهما واحد، وقد نص الحنابلة رحمهم الله تعالى على هذه الصورة، فقالوا: إذا كان الرجل مفرطاً في حقوق الله تعالى شُرع للزوجة طلب الخلع منه.

وعلى هذا يقال:
يشرع لمن ابتلي زوجها بالمواد المخدرة أن تطلب الخلع؛ لكونه مقصراً في حقوق الله تعالى، والتي منها اجتناب ما نهى عنه وزجر.
ولأن في بقائها معه ضرراً عليها وعلى أولادها، فهو في حالات يكون عدوانياً ويصاب بهلاوس يتوهم بسببها أن امرأته تقيم علاقات محرمة مع آخرين، فجملة من المدمنين يصابون بسبب الإدمان بغيرة شديدة ناتجة عما يتوهمه، وقد يقدم بعضهم على قتل زوجته بسبب تلك الأوهام.

وأيضاً:
فإن في بقائها معه ضرراً عليها؛ إذ غالب النساء اللائي وقعن في حبائل المواد المخدرة، كان سبب وقوعها زوجها، الذي يسعى لذلك لتكون شريكة له، فلا تعمل على محاربة تعاطيه للمادة المخدرة.
*      *      *
الفرع التاسع:
 أثر استخدام المواد المخدرة في فسخ النكاح.

وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: أثر استخدام المواد المخدرة قبل العقد في فسخ النكاح.

وصورتها:
لو عقد متعاطي المواد المخدرة على امرأة غير متعاطية - أو العكس -، فتبين أنه متعاطٍ للمواد المخدرة قبل عقد النكاح، فهل لها فسخ النكاح، بحيث تفارقه بلا عوض، أو لا؟.
يتخرج الكلام على ما سبق ذكره - في المطلب الأول من هذا المبحث- في أثر استخدام المواد المخدرة في الكفاءة في النكاح.
وعلى ما سبق ترجيحه من أن متعاطي المواد المخدرة ليس بكفء لغير المتعاطية، فإن للمرأة فسخ نكاحها منه إذا تبين لها أنه كان مدمناً للمواد المخدرة قبل عقده عليها.
جاء في حاشية ابن عابدين: (لو زوج بنته الصغيرة ممن ينكر أنه يشرب المسكر, فإذا هو مدمن له، وقالت بعدما كبرت: لا أرضى بالنكاح، إن لم يكن يعرفه الأب بشربه، وكان غلبة أهل بيته صالحين، فالنكاح باطل؛ لأنه إنما زوج على ظن أنه كفء).
وقال بعض المالكية: (من كان معروفاً بالزنى، أو بغيره من الفسوق معلناً به، فتزوج إلى أهل بيت ستر وغرهم من نفسه، فلهم الخيار في البقاء معه أو فراقه وذلك كعيب من العيوب).
وقال ابن تيمية: (والذي يقتضيه كلام أحمد أن الرجل إذا تبين له ليس بكفء فرق بينهما، وأنه ليس للولي أن يزوج المرأة من غير كفء، ولا للزوج أن يتزوج، ولا للمرأة أن تفعل ذلك، وأن الكفاءة ليست بمنزلة الأمور المالية مثل مهر المرأة إن أحبت المرأة والأولياء طلبوه وإلا تركوه؛ ولكنه أمر ينبغي لهم اعتباره وإن كانت منفعته تتعلق بغيرهم، وفقد النسب والدين لا يقر معهما النكاح بغير خلاف عن أحمد).
بل إن بعض المالكية ذهب إلى أن نكاح الفاسق لا يصح ويجب على الزوجة ولمن قام لها من الأولياء فسخه، وأن للحاكم أن يطلقها من الفاسق وإن كرهت إيقاع الطلاق.
قال في مواهب الجليل: (وكان بعض أشياخنا يهرب من الفتوى في هذا، ويرى أنه يؤدي إلى فسخ كثير من الأنكحة).
وهذا الذي ذهب إليه بعض المالكية هو رواية عن أحمد أيضاً؛ بناء على أن الكفاءة شرط صحة.
والجمهور يرون أن الكفاءة شرط لزوم لا صحة، فعلى هذا يسقط حق الكفاءة بالإسقاط، ومتى تراضى الأولياء مع المرأة على إسقاط الكفاءة في الدين صح عقد النكاح مع الكراهة.
والغريب أن الشافعية ومع أنهم يرون اشتراط الكفاءة في الدين للزوم النكاح إلا أنه جاء في مغني المحتاج ما نصه: ((ولو أذنت) لوليها (في تزويجها بمن ظنته كفؤاً) لها (فبان فسقه، أو دناءة نسبه وحرفته فلا خيار لها) ولا لوليها؛ لأن التقصير منها ومنه حيث لم يبحثا ولم يشرطا).
وهذا مردود بما لو ظنته غير عنين فبان عنيناً، أو سليم الجلد فبان أبرص أو مجذوماً ونحو ذلك. ومثله ما لو اشترى سلعة يظنها سليمة من العيوب فبانت معيبة كان له الخيار.
*      *      *
المسألة الثانية:
 أثر استخدام المواد المخدرة بعد العقد في فسخ النكاح.

وصورتها:
لو عقد شخص على امرأة وهو غير متعاطٍ، ثم وقع في شراك المواد المخدرة بعد عقده النكاح، فهل يحق للمرأة فسخ النكاح أم لا؟.
يتخرج الكلام في هذه الصورة على وقت اعتبار الكفاءة، وقد اختلفوا فيه على قولين:
القول الأول: وقت اعتبار الكفاءة عند ابتداء العقد.
وهذا قول الجمهور.
جاء في البحر الرائق: (ولو تزوجها وهو كفء لها، ثم صار فاجراً داعراً لا يُفسخ النكاح).
وجاء في نهاية المحتاج: ((وخصال الكفاءة) أي الصفات المعتبرة فيها ليعتبر مثلها في الزوج خمس والعبرة فيها بحالة العقد).
وجاء في المغني: (إنما يعتبر وجودها حال العقد، فإن عدمت بعده لم يبطل النكاح؛ لأن الشروط إنما تعتبر حال العقد).
القول الثاني: وقت اعتبار الكفاءة عند العقد وبعده.
وهذا قول لبعض الشافعية، وهو رواية عن أحمدإلا أنه جعل حق الفسخ للزوجة دون أوليائها.

الأدلـــــة.
دليل القول الأول:
أن الشروط إنما تعتبر حال العقد، وقد كان حال العقد صالحاً.
فلا عبرة بالفسق الطارئ، لأنه يجوز في الاستدامة ما لا يجوز في الابتداء.

دليل القول الثاني:
أمَّا أنه للمرأة حق الفسخ دون أوليائها: فقالوا: قياساً على عتقها تحت عبد؛ ولأن حق الأولياء في ابتداء العقد لا في استدامته.
وأمَّا أن اعتبار الكفاءة مطلق لكل أحد قبل العقد وبعده، فلم أقف لهم على دليل.

ويمكن أن يستدل لهذا القول بما يلي:
1.    أن من أدلة الجمهور في اشتراط الكفاءة: أن التفاخر بالدين أحق من التفاخر بالنسب والحرية والمال، والتعيير بالفسق أشد وجوه التعيير، والمرأة أو الرجل يعير كل منهما بفسق الآخر فوق ما يعير بضعة النسب.
وهذا التعيير موجود قبل العقد وبعده، فمتى وجد الفسق وجد التعيير.
2.    ولأنه إذا ثبت أن للمرأة حق الفسخ فيما إذا عجز عن النفقة، أو عتقت تحت عبد، فلأن يثبت لها حق الفسخ لأجل فسقه الطارئ أولى وأحرى، فمضرة فقد الدين أو رقته على الرابطة الزوجية من أعظم المضار التي تلحق به.
3.    ولأنه إذا ثبت للمرأة حق الفسخ في العيوب الحادثة بعد العقد من العنة والجنون وأشباهه - على الراجح -، فلأن يثبت لها حق الخيار لفسقه أولى وأحرى؛ إذ في كل منهما ضرر عليها يمنع كمال الاستمتاع.
وهذا الدليل يصلح جواباً عن دليل القول الأول.
4.    ولأن في بقائها مع الفاسق بالمواد المخدرة خاصة ضرراً عليها في ضرورياتها الخمس، فضرر على دينها: بأن يوقعها في الإدمان على المواد المخدرة.
وضرر على نفسها؛ لأنه قد يقتلها أو يعرضها للأذى في إي لحظة بسبب فقده عقله، وبسبب ما يتوهمه من أوهام.
وضرر على عرضها؛ فقد يدفعها إلى الزنا، لكون المدمن قد تتعطل لديه الرغبة الجنسية، أو يجبرها على ممارسة الزنا إذا ساوموه على ذلك مقابل حصوله على المواد المخدرة.
وضرر على عقلها؛ إذا أوقعها معه في وحله الآسن.
وضرر على مالها؛ بحيث ينفقه على شراء المواد المخدرة.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، القاضي بأن وقت الكفاءة معتبر حال العقد وبعده؛ لقوة أدلته ورجحانها؛ ويؤيده أيضاً أن هذا عيب في الزوج من جهته وبسببه والراجح أن كل عيب يمنع كمال استمتاع أحد الزوجين بالآخر موجب للفسخ.
قال ابن القيم: (ذهب بعض أصحاب الشافعي إلى رد المرأة بكل عيب ترد به الجارية في البيع وأكثرهم لا يعرف هذا الوجه ولا مظنته ولا من قاله،.. وهذا القول هو القياس أو قول ابن حزم ومن وافقه، أمَّا الاقتصار على عيبين أو ستة أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها أو مساو لها فلا وجه له، فالعمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين أو الرجلين أو إحداهما أو كون الرجل كذلك، من أعظم المنفرات، والسكوت عنه من أقبح التدليس والغش، وهو مناف للدين والإطلاق إنما ينصرف إلى السلامة، فهو كالمشروط عرفاً...، والقياس: أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة، يوجب الخيار وهو أولى من البيع،...، ومن تدبر مقاصد الشرع في مصادره وموارده وعدله وحكمته وما اشتمل عليه من المصالح، لم يخف عليه رجحان هذا القول وقربه من قواعد الشريعة).

وعلى هذا فللمرأة الحق في فسخ النكاح إذا وقع زوجها في المواد المخدرة بعد العقد.

على أنه قد يجتمع في بعض أنواع المواد المخدرة موجبان للفسخ:
•        فقده الكفاءة بفسقه بتعاطي المواد المخدرة.
•        رائحتها النتنة -كالتبغ ونحوه مما يتعاطى بتدخينه-؛ فيحق لها الفسخ قياساً على ما ذكروه في البخر وأنه من موجبات الفسخ.
*    *    *



الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52683
العمر : 72

الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة Empty
مُساهمةموضوع: رد: الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة   الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة Emptyالأربعاء 11 مايو 2022, 1:55 am

المبحث الثاني:
أثر استخدام المواد المخدرة فيما يرتبط بالنكاح

وفيه خمسة مطالب:
•    المطلب الأول: أثر استخدام المواد المخدرة في حق الولاية.
•    المطلب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في حق الحضانة.
•    المطلب الثالث: أثر استخدام المواد المخدرة في حق النفقة.
•    المطلب الرابع: أثر استخدام المواد المخدرة في حكم الحجر.
•    المطلب الخامس: أثر استخدام الأبوين المواد المخدرة على البر بهما.

المطلب الأول:
أثر استخدام المواد المخدرة في حق الولاية

وفيه فرعان:
•    الفرع الأول: أثر استخدام المواد المخدرة في حق ولاية النكاح.
•    الفرع الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في حق ولاية المال.

الفرع الأول:
أثر استخدام المواد المخدرة في حق ولاية النكاح.

وصورتها:
لو كان وليّ المرأة متعاطياً للمواد المخدرة فهل له أن يجري عقد النكاح لها أو لا؟.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على حكم ولاية الفاسق.

وقد اختلف فيها على قولين:
القول الأول: لا تشترط العدالة في الولاية، فتصح ولاية الفاسق.
وهذا قول الحنفية، والمالكية في المشهور، وقول للشافعية، ورواية عند الحنابلة.
القول الثاني: تشترط العدالة في ولاية النكاح، فلا تصح ولاية الفاسق.
وهذا قول عند المالكية، ومذهب الشافعية، ورواية عند الحنابلة هي المذهب.
ومرادهم بالعدالة هنا عدالة الظاهر فيكفي مستور الحال، قالوا: لأن في اشتراط العدالة ظاهراً وباطناً حرج ومشقة، ويفضي إلى بطلان غالب الأنكحة.

الأدلــــة.
أدلة القول الأول:
1.    قوله تعالى: (وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَـٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآٮِٕڪُمۡ‌ۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦ‌ۗ وَٱللَّهُ وَٲسِعٌ عَلِيمٌ۬ (٣٢) النور، آية (32) فلم يفرق بين الولي العدل والفاسق، فتصح ولاية الفاسق لعموم الخطاب.
نوقش: بأن هذا العموم خرج منه الفاسق بما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا نكاح إلا بولي مرشد".
أجيب: بأن الحديث ضعيف.
2.    إجماع الأمة العملي على صحة ولاية الفاسق وتزويجه، جاء في بدائع الصنائع: (ولنا إجماع الأمة أيضاً؛ فإن الناس عن آخرهم عامهم وخاصهم، من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا يزوجون بناتهم من غير نكير من أحد).
3.    ولأن الفاسق يلي النكاح لنفسه، فتثبت له الولاية على غيره كالعدل.
4.    ولأن سبب الولاية القرابة، وشرطها النظر للمولى عليه، والقريب وإن لم يكن عدلاً إلا أنه ينظر في مصلحة قريبه المولى عليه، فيستحق الولاية عليه لوجود شرطها وهو النظر للمولى عليه، وبيان ذلك: أنه وإن كان فاسقاً في دينه إلا أن غيرته موفرة، فبها يحمي الحريم وقد يبذل المال ويصون الحرمة.

أدلة القول الثاني:
1.    ما روي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: " لا نكاح إلا بولي مرشد وشاهدي عدل "، والفاسق ليس برشيد.

نوقش من وجهين:
الأول: أن الحديث ضعيف.
الثاني: على فرض صحته فإنا نقول بموجبه، فالفاسق (مرشد لأنه يرشد غيره؛ لوجود آلة الإرشاد -وهي العقل- فكان هذا نفي الولاية للمجنون, وبه نقول: إن المجنون لا يصلح ولياً).
2.    أن الولي الفاسق لا يؤمن من أن يحمله فسقه على أن يضع المرأة في أحضان غير كفء، فيلحق العار بأهلها؛ ولذا لم تصح ولايته.
يمكن أن يناقش بالدليل الرابع من أدلة القول الأول.
3.    ولأن الفسق نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية؛ قياساً على الرق.

يمكن أن يناقش:
بأن موجب رد شهادة الفاسق، يغاير الموجب في ولايته، فشهادته مردودة؛ للتهمة في خبره واحتمال كذبه.
أمَّا في الولاية فإن موجبها النظر للمولى عليه بالأصلح، وهذا النظر جبلة في كل أحد حتى في الكافر، فالوازع الطبعي فيها يمنع الفاسق في الغالب من أن يختار لموليته غير الأصلح.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم- هو القول الأول القاضي بأنه لا يشترط في ولي النكاح عدالة؛ لقوة أدلته ولما ورد على أدلة القول الثاني من مناقشة؛ ولأنه لو قيل باشتراط العدالة ولو ظاهراً؛ لم يكد يصح للمسلمين نكاح إلا نادراً لغلبة الفسق الظاهر.
والله المستعان.

وعلى هذا فيصح أن يتولى متعاطي المواد المخدرة عقد النكاح لموليته.
أو يقال: بأنه يفرق بين متعاطي المواد المخدرة بحسب النوع الذي يتعاطاه، فإن كانت المادة التي يتعاطاها تسبب له إدماناً عضوياً - كالهروين -، فليس له أن يتولى النكاح؛ لأنه بسبب شدة إدمانه قد يساوم على موليته، ولا يبحث لها عن الأصلح.
جاء في منح الجليل: (الخلاف في الفاسق المتستر الذي عنده شيء من الأنفة, وأمَّا المنتهك الذي لا يبالي بما تنسب إليه وليته فإنه مسلوب الولاية اتفاقاً).
وقد صرح الأحناف أيضاً: بأن الفاسق المتهتك لا ينفذ تزويجه.
أمَّا إن كانت المادة لا تسبب إدماناً عضوياً بل نفسياً -كالتبغ والقات- فعلى ما مرَّ من الكلام في تزويج الفاسق، وهذا التفصيل أولى من إطلاق القول بصحة تزويج الفاسق -والله أعلم-.
*      *      *
الفرع الثاني:
أثر استخدام المواد المخدرة في حق ولاية المال.

وصورتها:
لو طلب متعاطٍ أن يولى ولاية مالية على يتيم أو قريب له فهل يجاب إلى طلبه أم يمنع من ذلك؟.
ومثله ولايته على مال ولده.
سيأتي إن شاء الله تعالى في المطلب الرابع من هذا المبحث أن متعاطي المواد المخدرة محجور عليه لسفهه وتبذيره ماله فيما حرَّم الله تعالى، فإذا كان المتعاطي لا ولاية له على مال نفسه فمن باب أولى ألا يولى على مال غيره.
والله أعلم.
*    *    *
المطلب الثاني:
أثر استخدام المواد المخدرة في حق الحضانة.

وصورتها:
إذا تعاطى شخص المواد المخدرة، فهل لتعاطيه هذه المواد أثر في إسقاط حقه في الحضانة عند التنازع؟.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على حكم حضانة الفاسق.

وقد اختلف في حكم حضانته على قولين:
القول الأول: الفسق مسقط لحق الحضانة.
وهذا قول جمهور العلماء.
القول الثاني: الفسق غير مسقط لحق الحضانة.
وهذا قول بعض الحنفية، واختاره ابن القيم.

الأدلــــة.
أدلة القول الأول:
1.    قوله تعالى: (حُرِّمَتۡ عَلَيۡكُمُ ٱلۡمَيۡتَةُ وَٱلدَّمُ وَلَحۡمُ ٱلۡخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيۡرِ ٱللَّهِ بِهِۦ وَٱلۡمُنۡخَنِقَةُ وَٱلۡمَوۡقُوذَةُ وَٱلۡمُتَرَدِّيَةُ وَٱلنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ ٱلسَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيۡتُمۡ وَمَا ذُبِحَ عَلَى ٱلنُّصُبِ وَأَن تَسۡتَقۡسِمُواْ بِٱلۡأَزۡلَـٰمِ‌ ذَٲلِكُمۡ فِسۡقٌ‌ ٱلۡيَوۡمَ يَٮِٕسَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمۡ فَلَا تَخۡشَوۡهُمۡ وَٱخۡشَوۡنِ‌ ٱلۡيَوۡمَ أَكۡمَلۡتُ لَكُمۡ دِينَكُمۡ وَأَتۡمَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ نِعۡمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلۡإِسۡلَـٰمَ دِينً۬ا‌ فَمَنِ ٱضۡطُرَّ فِى مَخۡمَصَةٍ غَيۡرَ مُتَجَانِفٍ۬ لِّإِثۡمٍ۬‌ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٣) المائدة آية (3).
ومن ترك المحضون عند الفاسق حيث يدرب على الكفر، وعلى ترك الصلاة والصيام، وعلى شرب الخمر والأنس إليها حتى يسهل عليه شرائع الكفر، أو تركه يصاحب من لا خير فيه حتى ينهمك في البلاء فقد عاون على الإثم والعدوان. 2.    ولأنه لا يؤمن على المحضون عنده، ولا يوثق به في أداء واجب الحضانة.
قال مالك: (رُبَّ رجل شرير سكير يترك ابنته ويذهب يشرب أو يدخل عليها الرجال) وقال أيضاً: (فُربَّ والد سفيه يخرج النهار فيكون في سفهه يضيعها، ويُخاف عليها عنده، ويدخل عليها رجال يشربون، فهذا لا يمكن منها).
3.    ولأن الحضانة ينظر فيها إلى مصلحة المحضون، ولا حظ للمحضون في حضانته عند فاسق؛ إذ قد ينشأ على أحواله من الفسق والمجنون.

أدلة القول الثاني:
استدل ابن القيم رحمه الله تعالى لما ذهب إليه بكلام طويل أنقله بطوله، يقول رحمه الله: (ومن العجب أنهم يقولون: لا حضانة للفاسق ! فأي فسق أكبر من الكفر؟.
وأين الضرر المتوقع من الفاسق بنشوء الطفل على طريقته إلى الضرر المتوقع من الكافر؟.
مع أن الصواب أنه لا تشترط العدالة في الحاضن قطعاً، وإن شرطها أصحاب أحمد والشافعي وغيرهم واشتراطها في غاية البعد.
ولو اشترط في الحاضن العدالة لضاع أطفال العالم، ولعظمت المشقة على الأمة، واشتد العنت، ولم يزل من حين قام الإسلام إلى أن تقوم الساعة أطفال الفساق بينهم لا يتعرض لهم أحد في الدنيا؛ مع كونهم الأكثرين.
ومتى وقع في الإسلام انتزاع الطفل من أبويه أو أحدهما بفسقه؟.
وهذا في الحرج والعسر -واستمرار العمل المتصل في سائر الأمصار والأعصار على خلافه- بمنزلة اشتراط العدالة في ولاية النكاح؛ فإنه دائم الوقوع في الأمصار والأعصار والقرى والبوادي، مع أن أكثر الأولياء الذين يلون ذلك فساق، ولم يزل الفسق في الناس، ولم يمنع النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أحد من الصحابة فاسقاً من تربية ابنه وحضانته له ولا من تزويجه موليته.
والعادة شاهدة بأن الرجل ولو كان من الفساق فإنه يحتاط لابنته ولا يضيعها، ويحرص على الخير لها بجهده، وإن قُدر خلاف ذلك فهو قليل بالنسبة إلى المعتاد، والشارع يكتفي في ذلك بالباعث الطبيعي.
ولو كان الفاسق مسلوب الحضانة وولاية النكاح، لكان بيان هذا للأمة من أهم الأمور واعتناء الأمة بنقله وتوارث العمل به مقدماً على كثير مما نقلوه وتوارثوا العمل به، فكيف يجوز عليهم تضييعه واتصال العمل بخلافه، ولو كان الفسق ينافي الحضانة لكان من زنى أو شرب خمراً أو أتى كبيرة فرق بينه وبين أولاده الصغار والتمس لهم غيره -والله أعلم-).

ويمكن أن يناقش ما ذكره ابن القيم بما يلي:
أ‌-    أمَّا أن أطفال الفساق لم يتعرض لهم أحد، فلأجل أن ذلك في حالة الوفاق بين مستحقي الحضانة، وفرض المسألة إنما هو في حال الشقاق والتنازع.
وبه يُجاب أيضاً على قوله: (لكان من زنى أو شرب خمراً أو أتى كبيرة فرق بينه وبين أولاده الصغار والتمس لهم غيره).

وأيضاً يُقال:
 إن الفسق نوعان: ظاهر وباطن، والمقصود هنا الفسق الظاهر الذي اشُتهر به صاحبه، ولذا فإن مستور الحال لا يمنع من حقه في الحضانة.
ب‌-    وأمَّا أن العادة جرت بأن الفاسق يحتاط لمحضونه، فليس هذا دائماً ولا غالباً، وابن القيم نفسه قرر هذا في كتابه تحفة المودود، فقال: (وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة، بإهماله وترك تأديبه وإعانته له على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه...، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء....
فما أفسد الأبناء مثل تفريط الآباء وإهمالهم واستسهالهم شرر النار بين الثياب، فأكثر الآباء يعتمدون مع أولادهم أعظم ما يعتمد العدو الشديد العداوة مع عدوه وهم لا يشعرون، فكم من والد حَرَمَ ولده خير الدنيا والآخرة، وعرضه لهلاك الدنيا والآخرة، وكل هذا عواقب تفريط الآباء في حقوق الله وإضاعتهم لها، وإعراضهم عما أوجب الله عليهم من العلم النافع والعمل الصالح، حرمهم الانتفاع بأولادهم، وحرم الأولاد خيرهم ونفعهم لهم هو من عقوبة الآباء).
لأجل هذا قيل بأنه لا حضانة للفاسق؛ سداً للذرائع المفضية إلى الشر غالباً -كما قرره ابن القيم نفسه -، وسد الذرائع أصل من أصول الشريعة.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم- هو القول الأول القاضي بألا حضانة لفاسق؛ لقوة أدلته؛ ولما ورد على أدلة القول الثاني من مناقشة.

وعلى هذا يُقال:
بأن تعاطي المرء للمواد المخدرة مانع من حقه في الحضانة.
*    *    *
المطلب الثالث:
أثر استخدام المواد المخدرة في حق النفقة.

صورتها: إذا تعاطى المرء المواد المخدرة، فهل لتعاطيه تلك المواد أثر في حرمانه حق النفقة التي تجب له على عائله؟.
كما لو تعاطاها الابن ونفقته على أبيه، أو الأب ونفقته على ابنه، أو الزوجة ونفقتها على زوجها... إلخ.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على حق الفاسق في النفقة.
ولم أقف بعد طول بحث على من نصَّ على هذه المسألة؛ إلا أن الحنفية قالوا: لو كان ولد الرجل فاسقاً، فصرف الرجل ماله كله إلى وجوه الخير ليحرم ولده الفاسق من الميراث، كان هذا تصرفاً يحمد له؛ لأن في ترك الميراث له إعانة على المعصية.
وقالوا أيضاً: لا يُعطى الولد الفاسق أكثر من قوته، لئلا يعينه على المعصية.
وهذا نص عبارة صاحب البحر الرائق: (ولو كان ولده فاسقاً فأراد أن يصرف ماله إلى وجوه الخير ويحرمه عن الميراث هذا خير من تركه؛ لأن فيه إعانة على المعصية، ولو كان ولده فاسقاً لا يعطي له أكثر من قوته)، فيفهم من هذا أنه لا يمنع من النفقة التي لا بد منها.
أمَّا الحنابلة الذين منعوا تخصيص أحد الأولاد بهبة دون غيره، فإنهم جعلوا من الحالات التي تبيح منع بعض الأولاد من العطية كونه فاسقاً، قال ابن تيمية: (فلو كان أحد الأولاد فاسقاً فقال والده: لا أعطيك نظير إخوتك حتى تتوب، فهذا حسن يتعين استثناؤه، وإذا امتنع من التوبة فهو الظالم، فإن تاب وجب عليه أن يعطيه)، إلا أن الهبة أمر زائد على النفقة الواجبة.

وعلى كل فإن هذه المسألة يتنازعها أمران:
الأول: عموم الأدلة الدالة على وجوب الإنفاق لمن تجب له من غير استثناء.
الثاني: قد يكون في الإنفاق عليه إعانة له على معصية الله تعالى بشراء المواد المخدرة، والإعانة على المعصية معصية؛ لعموم قوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓٮِٕرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّہۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡىَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓٮِٕدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلاً۬ مِّن رَّبِّہِمۡ وَرِضۡوَٲنً۬ا‌ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْ‌ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوڪُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْ‌ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰ‌ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٲنِ‌ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ‌ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ (٢) المائدة آية (2).

والذي يظهر أنه لا يخلو من الأمرين الآتيين:
أ‌-    أمَّا أن يعلم المنفق أو يغلب على ظنه أن المنفق عليه سيستخدم هذا المال في شراء المواد المخدرة: فحينئذٍ لا ينفق عليه؛ لأن مالا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والواجب في هذه الحال كف المتعاطي عن الحرام، ولا يتم ذلك إلا بقطع الوسائل المؤدية إليه عنه، ووسيلته إلى الحرام المال، فوجب قطع المال عنه بمنع حقه في النفقة، ونظير ذلك ما سبق ذكره في أثر استخدام المواد المخدرة في حكم دفع الصدقة إلى المتعاطي، فالزكاة حق لكل فقير مسلم إلا أن متعاطي المواد المخدرة يمنع منها إذا عُلم أو غلب على الظن أنه سيستخدمها في شراء المواد المخدرة، وكذلك يقال في حقه من النفقة.
ب‌-    وأمَّا أن يعلم المنفق أو يغلب على ظنه أن المنفق عليه لن يستخدم هذا المال في شراء المواد المخدرة، بل يستخدمه ويصرفه في محل من ضرورياته كطعامه ولباسه: فحينئذٍ يُنفق عليه؛ لزوال العلة المانعة من الإنفاق.
وكذلك يقال في توفير الحاجيات كالملابس والأغذية وما شابهها، فمتى علم أو غلب على ظنه أن سيبيعها ليشتري بثمنها المواد المخدرة حرم، وإلا وجب عليه توفيرها.
والله أعلم.
*      *       * 
المطلب الرابع:
أثر استخدام المواد المخدرة في حكم الحجر

وفيه فرعان:
•    الفرع الأول: أثر استخدام المواد المخدرة في حكم الحجر على الكبير.
•    الفرع الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في رشد الصبي.

الفرع الأول:
أثر استخدام المواد المخدرة في حكم الحجر على الكبير.

وصورتها:
إذا ابتلي المرء بتعاطي المواد المخدرة، فهل لذلك أثر في الحجر عليه؟.
بمعنى: هل يحق الحجر على المتعاطي لا لشيء إلا لتعاطيه المواد المخدرة؟.
يتخرج الكلام في هذه المسألة على حكم الحجر على السفيه المبذر لماله فيما حرم الله تعالى.

وقد اختلفوا في الحجر عليه على قولين:
القول الأول: لا يحجر عليه.
وهذا قول أبي حنيفة.
القول الثاني: يحجر عليه.
وهذا قول صاحبي أبي حنيفة، وهو قول الجمهور.
جاء في المدونة: (قلت: أرأيت الذي يحجر عليه من الأحرار ممن لا يحجر عليه, من هم؟ صفهم  لي؟ قال: هم الذين لا يحرزون أموالهم, ويبذرونها في الفسق والشراب وغير ذلك من السرف, قد عرف ذلك منهم, فهؤلاء الذين يحجر عليهم.
وأمَّا من كان يحرز وهو خبيث فاسق إلا أنه ليس بسفيه في تدبير ماله فإن هذا لا يحجر عليه).
وجاء في المغني: (الفاسق إن كان ينفق ماله في المعاصي كشراء الخمر، وآلات اللهو، أو يتوصل به إلى الفساد، فهو غير رشيد، لتبذيره لماله، وتضييعه إياه في غير فائدة).

الأدلــــة.
أدلة القول الأول:
1.    أنه عاقل كامل العقل مكلف بالواجبات كالرشيد، فلا يحجر عليه.
والقول بالحجر عليه يلزم منه تشبيهه بالمعتوه والصبي.

يمكن أن يناقش:
بأن المفلس أيضاً مكلف بالواجبات ومع ذلك يحجر عليه، ولم يلزم من الحجر عليه تشبيهه بالمعتوه.
كما أن المبذر فيه شبه من الصبي والمعتوه من جهة أنه لا يحسن التصرف في ماله.
2.    ولأن في الحجر عليه إهدار لآدميته وتشبيهه بالبهائم، وهذا أشد ضرراً من التبذير، ولا يتحمل الأعلى لدفع الأدنى.

يمكن أن يناقش:
بأن هذا التشبيه أيضاً موجود في المفلس إذا حجر عليه، فلماذا لم يكن مانعاً من الحجر عليه؟. و لا فرق بين أن يحجر لحظ غيره أو لحظ نفسه، فالتشبيه موجود في الحالتين.

أدلة القول الثاني:
1.    عموم قوله تعالى: (وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٲلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَـٰمً۬ا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيہَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلاً۬ مَّعۡرُوفً۬ا (٥) النساء آية (5) فيدخل فيه السفيه قبل بلوغه وبعد بلوغه، وأي سفه أعظم من صرف المال في المواد التي تغيب العقل وتضر البدن.

نوقش:
بأن الله تعالى نهى عن إيتاء السفهاء أموالنا، وليس أموالهم.

أجيب:
لا يسلم ما ذكر، والنهي في الآية راجع إلى أموال السفهاء، وليس أموالنا، بدليل أن الله تعالى ذكر بعد ذلك (وَلَا تُؤۡتُواْ ٱلسُّفَهَآءَ أَمۡوَٲلَكُمُ ٱلَّتِى جَعَلَ ٱللَّهُ لَكُمۡ قِيَـٰمً۬ا وَٱرۡزُقُوهُمۡ فِيہَا وَٱكۡسُوهُمۡ وَقُولُواْ لَهُمۡ قَوۡلاً۬ مَّعۡرُوفً۬ا (٥) النساء آية (5)، ورزقهم وكسوتهم إنما تكون من أموالهم، وإنما أضاف الأموال إليهم؛ لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم، ونظير ذلك قوله تعالى: (وَمَن لَّمۡ يَسۡتَطِعۡ مِنكُمۡ طَوۡلاً أَن يَنڪِحَ ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ فَمِن مَّا مَلَكَتۡ أَيۡمَـٰنُكُم مِّن فَتَيَـٰتِكُمُ ٱلۡمُؤۡمِنَـٰتِ‌ۚ وَٱللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَـٰنِكُم‌ۚ بَعۡضُكُم مِّنۢ بَعۡضٍ۬‌ۚ فَٱنكِحُوهُنَّ بِإِذۡنِ أَهۡلِهِنَّ وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِ مُحۡصَنَـٰتٍ غَيۡرَ مُسَـٰفِحَـٰتٍ۬ وَلَا مُتَّخِذَٲتِ أَخۡدَانٍ۬‌ۚ فَإِذَآ أُحۡصِنَّ فَإِنۡ أَتَيۡنَ بِفَـٰحِشَةٍ۬ فَعَلَيۡہِنَّ نِصۡفُ مَا عَلَى ٱلۡمُحۡصَنَـٰتِ مِنَ ٱلۡعَذَابِ‌ۚ ذَٲلِكَ لِمَنۡ خَشِىَ ٱلۡعَنَتَ مِنكُمۡ‌ۚ وَأَن تَصۡبِرُواْ خَيۡرٌ۬ لَّكُمۡ‌ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ۬ رَّحِيمٌ۬ (٢٥) النساء آية (25).
2.    قوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٍ۬ مُّسَمًّ۬ى فَٱڪۡتُبُوهُ‌ۚ وَلۡيَكۡتُب بَّيۡنَكُمۡ ڪَاتِبُۢ بِٱلۡعَدۡلِ‌ۚ وَلَا يَأۡبَ كَاتِبٌ أَن يَكۡتُبَ ڪَمَا عَلَّمَهُ ٱللَّهُ‌ۚ فَلۡيَڪۡتُبۡ وَلۡيُمۡلِلِ ٱلَّذِى عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ وَلۡيَتَّقِ ٱللَّهَ رَبَّهُ ۥ وَلَا يَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَيۡـًٔ۬ا‌ۚ فَإِن كَانَ ٱلَّذِى عَلَيۡهِ ٱلۡحَقُّ سَفِيهًا أَوۡ ضَعِيفًا أَوۡ لَا يَسۡتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلۡيُمۡلِلۡ وَلِيُّهُ ۥ بِٱلۡعَدۡلِ‌ۚ وَٱسۡتَشۡہِدُواْ شَہِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِڪُمۡ‌ۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٌ۬ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّہَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَٮٰهُمَا فَتُذَڪِّرَ إِحۡدَٮٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰ‌ۚ وَلَا يَأۡبَ ٱلشُّہَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْ‌ۚ وَلَا تَسۡـَٔمُوٓاْ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِيرًا أَوۡ ڪَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦ‌ۚ ذَٲلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ ٱللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّہَـٰدَةِ وَأَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَرۡتَابُوٓاْ‌ۖ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَـٰرَةً حَاضِرَةً۬ تُدِيرُونَهَا بَيۡنَڪُمۡ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَا‌ۗ وَأَشۡهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعۡتُمۡ‌ۚ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٌ۬ وَلَا شَهِيدٌ۬‌ۚ وَإِن تَفۡعَلُواْ فَإِنَّهُ ۥ فُسُوقُۢ بِڪُمۡ‌ۗ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ‌ۖ وَيُعَلِّمُڪُمُ ٱللَّهُ‌ۗ وَٱللَّهُ بِڪُلِّ شَىۡءٍ عَلِيمٌ۬ (٢٨٢) البقرة (282).
ففي الآية تنصيص على إثبات الولاية على السفيه, وأنه مولى عليه, ولا يكون ذلك إلا بعد الحجر عليه، ولم تفرق الآية بين أن يكون محجوراً عليه سفيهاً، أو يطرأ ذلك عليه بعد الإطلاق.

الترجيح.
الراجح -والله أعلم- هو القول الثاني، القاضي بالحجر على السفيه المبذر لماله فيما حرم الله تعالى؛ لقوة أدلته، ولما ورد على دليلي القول الأول من مناقشة.
ولأن حفظ الأموال مقصود للشارع، كونها مخلوقة للانتفاع بها بلا تبذير.
وعلى هذا فتعاطي المواد المخدرة سبب من الأسباب الموجبة للحجر؛ لكون المتعاطي ينفق ماله فيما حرم الله تعالى، وفيما يغيّب عقله أو يضر بدنه، فهو مبذر لماله، ومضيع له في غير فائدة. والله أعلم.
*    *    *
الفرع الثاني:
أثر استخدام المواد المخدرة في رشد الصبي

وصورتها:
إذا ابتلي الصبي بتعاطي المواد المخدرة، فهل لذلك أثر في دوام الحجر عليه حتى بعد بلوغه أم لا؟.
اختلف أهل العلم في معنى الرشد الوارد في قوله تعالى: (وَٱبۡتَلُواْ ٱلۡيَتَـٰمَىٰ حَتَّىٰٓ إِذَا بَلَغُواْ ٱلنِّكَاحَ فَإِنۡ ءَانَسۡتُم مِّنۡہُمۡ رُشۡدً۬ا فَٱدۡفَعُوٓاْ إِلَيۡہِمۡ أَمۡوَٲلَهُمۡ‌ۖ وَلَا تَأۡكُلُوهَآ إِسۡرَافً۬ا وَبِدَارًا أَن يَكۡبَرُواْ‌ۚ وَمَن كَانَ غَنِيًّ۬ا فَلۡيَسۡتَعۡفِفۡ‌ۖ وَمَن كَانَ فَقِيرً۬ا فَلۡيَأۡكُلۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ‌ۚ فَإِذَا دَفَعۡتُمۡ إِلَيۡہِمۡ أَمۡوَٲلَهُمۡ فَأَشۡہِدُواْ عَلَيۡہِمۡ‌ۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ حَسِيبً۬ا (٦) النساء آية (6) على قولين:
القول الأول: أن الرشد هو حفظ المال والصلاح فيه.
وهذا ما ذهب إليه الجمهور.
القول الثاني: أن الرشد هو الصلاح في الدين والمال.
قال بهذا بعض المالكية، وهو مذهب الشافعية، وقول لبعض الحنابلة.
ومع أن الراجح في اجتهادي هو قول الجمهور، وأن الفسق غير مانع من رشد الصبي؛ لأن الكافر مع أنه غير رشيد في دينه إلا أنه لا قائل بالحجر عليه في ماله لأجل كفره، والفاسق المسلم ليس دون الكافر.
إلا أن هذا الخلاف - أعني: هل يشترط في الرشد الصلاح في الدين أم يكفي أن يكون صالحاً في المال؟ - لا أثر له في هذه المسألة؛ لأن متعاطي المواد المخدرة غير راشد في حفظ ماله؛ والعادة المطردة أن متعاطي المواد المخدرة مبذر لماله في سبيل الوصول إلى جرعة مخدرة؛ تذهب عقله ودينه.
وكونه غير راشد في ماله كافٍ في الحجر عليه.

وإن قيل:
باشتراط الصلاح في الدين إضافة للصلاح في المال -كما عليه القائلون بالقول الثاني-، قيل بالحجر عليه من جهتين:
أ‌-    من جهة كونه غير راشد في ماله.
ب‌-    ومن جهة كونه غير راشد في دينه؛ إذ تعاطي المواد المخدرة نوع من أنواع الفسق العملي.

وعلى هذا يقال:
إن تعاطي الصبي المواد المخدرة سبب في دوام الحجر عليه عند أصحاب المذاهب الأربعة.
والله أعلم.
*    *    *
المطلب الخامس:
أثر استخدام الأبوين المواد المخدرة على البر بهما

وفيه فرعان:
•    الفرع الأول: حكم البر بالأبوين المتعاطيين.
•    الفرع الثاني: حكم إعانة الأبوين المتعاطيين على تعاطي المواد المخدرة

الفرع الأول:
حكم البر بالأبوين المتعاطيين.

وصورتها:
هل تعاطي الوالدين -أو أحدهما- المواد المخدرة له أثر في ترك برهما - أو بره - لفسقه بتعاطيه تلك المواد أم لا؟.
جاءت النصوص الآمرة ببر الوالدين بلا تفريق لحال الوالد الذي يُراد بره، فمن ذلك قوله تعالى: (وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّآ إِيَّاهُ وَبِٱلۡوَٲلِدَيۡنِ إِحۡسَـٰنًا‌ۚ إِمَّا يَبۡلُغَنَّ عِندَكَ ٱلۡڪِبَرَ أَحَدُهُمَآ أَوۡ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ۬ وَلَا تَنۡہَرۡهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوۡلاً۬ ڪَرِيمً۬ا (٢٣) وَٱخۡفِضۡ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحۡمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرً۬ا (٢٤) الإسراء آية (23-24).
وأمر الله تعالى ببر الوالدين ولو كانا مشركين، فقال سبحانه: (وَوَصَّيۡنَا ٱلۡإِنسَـٰنَ بِوَٲلِدَيۡهِ حَمَلَتۡهُ أُمُّهُ ۥ وَهۡنًا عَلَىٰ وَهۡنٍ۬ وَفِصَـٰلُهُ ۥ فِى عَامَيۡنِ أَنِ ٱشۡڪُرۡ لِى وَلِوَٲلِدَيۡكَ إِلَىَّ ٱلۡمَصِيرُ (١٤) وَإِن جَـٰهَدَاكَ عَلَىٰٓ أَن تُشۡرِكَ بِى مَا لَيۡسَ لَكَ بِهِۦ عِلۡمٌ۬ فَلَا تُطِعۡهُمَا‌ۖ وَصَاحِبۡهُمَا فِى ٱلدُّنۡيَا مَعۡرُوفً۬ا‌ۖ وَٱتَّبِعۡ سَبِيلَ مَنۡ أَنَابَ إِلَىَّ‌ۚ ثُمَّ إِلَىَّ مَرۡجِعُكُمۡ فَأُنَبِّئُڪُم بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ (١٥) لقمان آية (14-15).
ومن ذلك أيضاً بر سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- بأمه وهي مشركة، و بر أبي هريرة -رضي الله عنه- بأمه وهي مشركة.
كما جاءت الأحاديث المحذرة من عقوق الوالدين من غير تفريق بين حال والد وآخر، ومن ذلك جوابه -صلى الله عليه وسلم- لما سئل عن الكبائر، فقال: "الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس وشهادة الزور".
و(الـ) في الوالدين تفيد استغراق الجنس، فيدخل فيها كل والد مسلماً كان أو كافراً، صالحاً أو فاسقاً.
إذا تقرر هذا فقد نصَّ المالكية والحنابلة على بر الوالدين ولو كانا فاسقين، فجاء في الفواكه الدواني: ((ومن الفرائض) العينية على كل مكلف (بر الوالدين) أي الإحسان إليهما (ولو كانا فاسقين) بغير الشرك بل (وإن كانا مشركين) للآيات الدالة على العموم, والحقوق لا تسقط بالفسق ولا بالمخالفة في الدين).
وجاء في الفتاوى الكبرى لابن تيمية: (ويلزم الإنسان طاعة والديه في غير المعصية وإن كانا فاسقين, وهو ظاهر إطلاق أحمد, وهذا فيما فيه منفعة لهما ولا ضرر, فإن شق عليه ولم يضره وجب وإلا فلا).
وعلى هذا فلا أثر لتعاطي الوالدين المواد المخدرة في ترك برهما، فيجب على الولد برهما ولو كانا متعاطيين.
والله أعلم.
*    *    *
الفرع الثاني:
حكم إعانة الأبوين المتعاطيين على تعاطي المواد المخدرة.

وصورتها:
لو ابتلي المرء بأبوين مدمنين -أو بأحدهما- فهل له أن يعينهما على التعاطي بشراء المواد المخدرة، أو بتجهيزها لهم -كأن يقوم بوخزه بها أو تحضيرها لكي يدخنها... إلخ- سواء كانت الإعانة تطوعاً منه بلا أمر منهما، أو كانت الإعانة بناء على طلبهما وأمرهما؟.
إن النصوص جاءت بالنهي عن الإعانة في أي معصية كانت، فمن ذلك عموم قوله تعالى: (يَـٰٓأَيُّہَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحِلُّواْ شَعَـٰٓٮِٕرَ ٱللَّهِ وَلَا ٱلشَّہۡرَ ٱلۡحَرَامَ وَلَا ٱلۡهَدۡىَ وَلَا ٱلۡقَلَـٰٓٮِٕدَ وَلَآ ءَآمِّينَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ يَبۡتَغُونَ فَضۡلاً۬ مِّن رَّبِّہِمۡ وَرِضۡوَٲنً۬ا‌ وَإِذَا حَلَلۡتُمۡ فَٱصۡطَادُواْ‌ وَلَا يَجۡرِمَنَّكُمۡ شَنَـَٔانُ قَوۡمٍ أَن صَدُّوڪُمۡ عَنِ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ أَن تَعۡتَدُواْ‌ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰ‌ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٲنِ‌ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ‌ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ (٢) المائدة آية (2) ومن التعاون على الإثم والعدوان الإعانة على تعاطي المواد المخدرة.

ومن السُّنَّة:
قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبايعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه"، وكذلك يُقال في المواد المخدرة المغيبة للعقل إنها ملعونة ملعون شاربها وساقيها وبايعها ومبتاعها وصانعها ومصطنعها وحاملها والمحمولة إليه.

ومنها أيضاً:
أنه -صلى الله عليه وسلم- لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: "هم سواء". فجعل -صلى الله عليه وسلم- آكل الربا وموكله ومن كتبه ومن شهد عليه في الإثم سواء.

ولهذا يقال:
يحرم على الابن أن يتطوع بإعانة والديه على تعاطيهما المواد المخدرة أياً كان نوع تلك الإعانة.
كما يحرم عليه أن يعينهما على ذلك وإن أمراه؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "السمع والطاعة حق ما لم يؤمر بالمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة"، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف".

ومن نافلة القول أن يقال:
تحريم إعانتهما مقيد بما لم يصل إلى حد الإكراه، فإن كان ثمَّ إكراه جاز له إعانتهما لكونه مكرهاً.
ويحسن الإشارة أيضاً إلى أن المُحَرَّم من الإعانة هو ما كان قصد الوالد فيه التعاطي لتحصيل لهو مُحَرَّم -يتعاطى لذات التعاطي-، أمَّا لو كان تعاطيه لها على وجه جائز شرعاً كما لو كان للتداوي الذي يجوز لمثله فإنه الإعانة حينئذٍ ضرب من ضروب البر بهما.
والله أعلم.



الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
الباب الثاني: أثر استخدام المواد المخدرة في الأحكام الشرعية في المعاملات وفقه الأسرة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: فـقـــــــه الــدنــيــــا والديـــــن :: رســــــالة دكـتــــــوراه-
انتقل الى: