أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52879 العمر : 72
| موضوع: رد: من الأحكام الشرعية للجراحة السبت 10 سبتمبر 2016, 8:32 am | |
| 11. إن الطبيب من خلال مزاولته لمهنة الطب يقف على أسرار عديدة للمريض يبوح له بها تحت قسوة المرض وشدة وطأة الألم، بينما المريض لا يجعل أقرب الناس إليه يطلعون على تلك الأسرار.
وهذه الأسرار منها ما يتعلق بالعيوب الخَلْقية في المريض، ومنها ما يتعلق بالعورة التي لا يرغب أن يطلع أحد عليها غيره، ولكن لكون الطبيب يباشر جسم المريض فإنه يطلع على أشياء يختص بها المريض، ومن هذه الأسرار ما يتعلق بالذنوب والمعاصي التي يفعلها المريض كتناول المخدرات أو فعل الزنا، ومنها الأسرار العائلية.
وإظهار أسرار الآخرين من الأمور المحرمة شرعاً؛ إذ هو غيبة بذكر معائب الآخرين، وحفظ السر من الأمانة الواجب حفظها، قال تعالى في وصف المؤمنين المفلحين: "وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ" [المؤمنون: 8]، ولو كان ذلك السر من المعاصي لأن الشريعة ترغب في إخفاء ذكر المعاصي وترغب في عدم التحدث بها كما قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ" [النور: 19].
قال الحسن: إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك.
12. من طرق المحافظة على أسرار المريض: عدم سؤاله عما لا علاقة له بالمرض، وكذلك عدم تسجيل ما لا تأثير له في المرض، ويجب أن تكون الملفات الطبية بمعزل عن التناول لكل من أراد الاطلاع عليها، وكذلك عدم ذكر ما لا يرغب المريض في ذكره عند كتابة التقارير الطبية وشهادة الوفاة.
وقد يتسامح بالإخبار عن شيء من ذلك لمصلحة المريض كإخبار أهله إذا كان ذلك مفيداً في علاجه أو لاستشارة طبيب آخر، وقد تُذكر حالة المريض وبعض أسراره لأغراض البحث العلمي بشرط عدم ذكر اسمه أو إبراز أي شيء يعرّف بصاحبه.
13. لابد من استئذان المريض، ويراد بالاستئذان طلب الطبيب من المريض الإذن، سواء بالدخول عليه أو بإجراء العملية المناسبة له.
14. لقد أمر الشـرع بغض البصر قال تعالى: "قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ" [النور: 30]، فيحرم على المرء أن ينظر إلى عورة غيره ما لم يكن هناك ضرورة وفي الحديث: (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة).
ولو وقع النَّظر لفجأة على أمر مُحَرَّم وجب صرف النَّظر، قال جرير: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.
ولما كانت الأعضاء التناسلية تثير الشهوة وتهيج الغريزة اعتبرها الشارع عورات مغلظة، وشدَّد القول بتحريم إظهار شيء منها للأجانب أو النظر إليها إلا لضرورة بقدرها.
ومن هنا فإن على الجرَّاح وأعضاء الفريق الطبي في العمليات أن يتجنبوا كشف العورة إلا بمقدار الضرورة، وأن يقتصر الحضور حينئذ على أقل عدد ممكن من جنس المريض –رجالاً أو نساء-، فيكون تعقيم المريض وإعداد موضع العملية بحسب ذلك قبل استدعاء بقية الفريق الطبي، وهكذا حال الكشف على المريض.
ويلاحظ ستر البدن حال كون الإنسان مخدراً فاقداً للوعي؛ منعاً لما قد يرتكبه بعض ضعاف الإيمان من تجاوزات ومخالفات للشرع من نظر للعورات وتعليق عليها ومس لها أو اعتداء عليها، كما لا تكشف عورة مريض عند مشاهدة مريض آخر له.
15. من منطلق حرص الشارع الحكيم على المرأة المسلمة وصيانتها من كل سوء أو حديث ساقط أو عبث فاسق: أمرها بالحجاب حماية لجمالها ومحافظة على أنوثتها ووقاية لها من التحرش والأذى، وكذلك منع خلوة الرجل الأجنبي بالمرأة وحدها مهما بلغوا من التقوى والورع أو من درجة المعرفة الطبية؛ تحقيقاً لعفة الطرفين، وابتعاداً عن مواطن الشبهة وأحاديث السوء، وفي الحديث (لا يخلون رجل بامرأة).
ولا نزال نطلع على أخبار الكوارث الاجتماعية في عدد من المجتمعات بسبب الخلوة بالأجنبية وعدم التزام الحجاب، وسواء كانت هذه الخلوة في غرف العمليات أو في العيادة، ومن هنا يحسن أن يكون مع الطبيب الرجل ممرض رجل؛ تجنباً للخلوة المحرمة، والأولى معالجة المرضى الرجال من قبل الأطباء الرجال، والمرضى النساء من قبل الطبيبات النساء بحسب الإمكان.
16. وجوب أخذ إذن المريض البالغ -رجلاً كان أو امرأة- في أو إجراء أي عملية جراحية في جسمه؛ لأن البدن من اختصاصات صاحبه فلا يحق لأحد أن يتصرف في جسم إنسان آخر بغير رضاه، فإذا حصل إذن من المريض بذلك فعلى الطبيب أن يحسن استخدام هذا الإذن، وأن يحرص على منفعة المريض وتحقيق مصلحته، وعلى الطبيب قبل الحصول على الإذن من المريض أن يشرح بوضوع كل الإجراءات الطبية التي ستجرى عليه، فيعرف مسبقاً طرق التشخيص وكذا طرق العلاج التي سيخضع لها وما قد ينتج عن ذلك من مخاطر ومضاعفات، كما يعرف طبيعة مرضه والتطورات التي تحصل عليه، ليكون إذنه منطلقاً من اقتناع كامل، تجنباً للمساءلة، واحترازاً من انتقام المريض أو ذويه، وليتمكن المريض من كتابة وصيته إن أراد إذا كان المرض يهدد الحياة.
17. ليعلم بأن إذن المريض إنما يكون مسوغاً للطبيب في إجراء العملية متى ما وقع الظن بأن في ذلك مصلحة للمريض وأن الغالب هو نجاح العملية، أما إذن المريض بما فيه مضرة له فإنه لا يعد مسوغاً للطبيب بإجراء ذلك الأمر الضار.
18. وأما إذا رفض المريض إجراء العملية فعلى الطبيب أن يشرح للمريض الآثار المترتبة على عدم إجرائها، والتطورات المرضية المترتبة على ذلك بصدق وعدم مبالغة، ويؤخذ من المريض إقرار برفضه حتى تسلم ذمة الطبيب، ويستثنى من ذلك الحالات التي تقتضي المصلحة العامة غير ذلك كالأمراض المعدية التي تهدد المجتمع بانتشار الوباء، فإنه يجوز في هذه الحالة أن يرفع الطبيب للجهات المختصة لإلزامه بالعلاج أو استعمال وسائل الوقاية والتحصين المناسبة.
19. أما إذا اضطر المريض لإجراء العملية ولم يمكن أخذ إذنه لكونه فاقد الوعي أو أن حالته النفسية لا تسمح بأخذ إذنه ولم يمكن أخذ إذن وليه، فحينئذ على الطبيب اتباع التعليمات المدونة باجتماع عدد معين على رتب طبية معينة من أجل إعداد تقرير حاجة المريض للعملية الجراحية، وذلك إنقاذاً للمريض ومنعاً للتلف عنه.
وإذا كان المريض ناقص الأهلية كأن يكون مجنوناً أو صغيراً، فإنه يطلب من وليه الإذن بإجراء العمليات الجراحية له، إلا إذا كانت المعالجة سهلة جرى العرف بين الناس على التسامح فيها، أو كانت الحالة تحتاج للمعالجة عاجلاً بحيث يؤدي تأجيل المعالجة إلى ضرر لا يمكن تفاديه.
أما إذا رفض الولي إجراء العملية لمن تحت يده كالصغير أو المجنون، فإنه حيئنذ يكتب للجهات المختصة لإبطال ولايته؛ لأن الولاية مبنية على مصلحة المولّى عليه، فتقوم تلك الجهات بإسقاط ولايته في هذا الأمر وإسناد الولاية لمن بعده من الأولياء أو للطبيب المشرف على علاجه أو لإدارة المستشفى حسبما تقتضيه الحالة.
فإن رفض الولي في هذه الحالة إحضار المريض استئجرت سيارة لنقل المريض للمستشفى على حساب الولي؛ لأنه من باب النفقة الواجبة شرعاً.
20. لا يجوز إعطاء مريض جرعة مخدرة إلا عند اضطراره لذلك بحيث يتضرر المريض إذا لم يعطى هذه الجرعة بزيادة ألم, مع اشترط الاقتصار على أقل جرعة تكفي في ذلك لأن الضرورة تقدر بقدرها, إذ إن الأصل تحريم كل ما يغيب العقل ومنها الجرعة التخديرية والتخدير لا يخلو من إضرار بالجسد فلا يباح إلا عند وجود ضرر أكبر من ضرر التخدير.
21. اختلف علماء الشريعة، هل الأصل في العمليات الجراحية المأمونة هو الجواز بشروط معينة أو المنع بحيث لا تباح إلا وقت الضرورة, ويترتب على ذلك حكم العمليات التجميلية والأظهر عندي هو الجواز متى توفرت فيها الشروط والأحكام السابقة المذكورة في هذا البحث.
22. تحديد الجنس وعمليات التغيير: إن الله عز وجل خلق أفراد الناس من بين ذكر وأنثى قال تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى} (سورة الحجرات: 13) وبَيَّنَ اللهُ عز وجل أنه جعل من بني آدم الذكور والإناث قال تعالى: {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالًا كثيرًا ونساءًا} (سورة النساء: 1)، وقال تعالى: {يهب لمن يشاء الإناث ويهب لمن يشاء الذكور * أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا ويجعل من يشاء عقيمًا} (سورة الشورى: 42).
وفي الغالب يتساوى الرجال والنساء في أحكام الشريعة إلا أنه في مواطن خاصة أعطت الشريعة لكل منهما أحكاماً خاصة لتناسب طبيعة كل منهما.
وللذكورية علامات خاصة كما أن للأنوثة علامات خاصة، من وجدت فيه هذه العلامات حكم عليه من خلالها بأنه ذكر أو أنثى.
فمن العلامات التي تخص الرجل: 1. بوله من الذكر فقط. 2. خروج اللحية. 3. الإمناء بالذكر. 4. كون المرأة تحمل منه. 5. تمكنه من الوصول إلى المرأة في الجماع.
ومن العلامات التي تخص المرأة: 1. البول من الفرج. 2. ظهور الثدي. 3. الحيض. 4. الولادة. 5. نزول اللبن.
وقد قرر الفقهاء أنه لا يوجد نوع إنساني ثالث غير الذكور والإناث, واستدلوا على ذلك بعدد من النصوص الشرعية ومنها قوله تعالى: {فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} (سورة النساء: 195)، وقوله سبحانه: {أيحسب الإنسان أن يترك سدى * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى} (القيامة: 36 - 39).
وقد وردت النصوص الشرعية بتحريم تشبه الرجال بالنساء وتشبه النساء بالرجال فيما هو من خصائص كل نوع وفي الحديث: "لَعَنَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء" أخرجه البخاري (5885)) وسواء كان التشبه في الخلقة كتعاطي الرجال أدوية لبروز الثديين أو تعاطي المرأة لهرمونات لإنبات لحيتها أو كان في اللباس كالحلي والحرير.
إلا أن الفقهاء قرروا أن بعض الناس لا يتبين حاله: هل هو ذكر أم أنثى؟ وهذا ما يسميه الفقهاء خنثى مشكلاً وحكموا عليه بأن يتوقف فيه حتى تتضح حاله ويستعمل معه الاحتياط (حاشية ابن عابدين 5/ 465, الأشباه والنظائر للسيوطي ص262)، ويراد بالخنثى المشكل من لا يعلم هل هو رجل أم امرأة؟
وينقسم إلى قسمين: 1. من له آلتان –آلة الذكر وآلة الأنثى– ولم تترجح إحدى الآلتين على الأخرى من جهة نزول البول منها.
2. من ليس له آلة وإنما له ثقب يبول منه. (انظر: روضة الطالبين 1/ 78, المغني 108 /9).
الخـــــــــاتمــــــــــة ========== من خلال ما سبق يظهر لنا اعتناء الشريعة بموضوع هذا البحث، وما ذكر هنا يعد نموذجاً لاهتمام الإسلام بذلك وليس حاصراً لأحكام الإسلام المتعلقة بالموضوع، على أن تلك التعليمات قواعد عامة يمكن تطبيقها على مسائل عديدة بل تطبق على ما سيحدث في المستقبل من أشياء جديدة، وبذلك تظهر عظمة الإسلام وسمو تشريعاته وغزارة مادتها وشمولها لأحكام النوازل الجديدة، وتضمنها للآداب والسلوكيات التي يحسن بالطبيب التزامها والتخلق بها أثناء ممارسة عمله.
بل إن الشريعة لا تقتصر على مخاطبة الجراح بذلك بل تشمل أحكامه جميع العاملين في الحقل الصحي.
كما أن الشريعة اهتمت ببث الثقافة الصحية في المجتمع ورغبت الأطباء والعاملين في الحقل الطبي في ذلك، مما يعد أساساً ومنطلقاً لحماية المجتمع من الأمراض، والتثقيف الصحي عمل سهل على الجميع المشاركة فيه كل بما يتعلق بتخصصه، مع أفضلية اختيار الأسلوب الملائم مع وضع الكتب والأشرطة والأفلام والنشرات المناسبة في ذلك.
كما ينبغي تحذير المجتمع من المشعوذين والدجالين، والتذكير بالنصوص الواردة في التحذير من الذهاب للكهان والعرافين.
وفي الختام أسأل الله عز وجل أن يعين الأطباء والعاملين في المستشفيات للقيام بالمهمة العظيمة المناطة بهم على أتم وجه، كما أسأله أن يجزي ولاة أمورنا خير الجزاء على اهتمامهم بما فيه نفع للمسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. |
|