الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- يخالف الحمس قبل الرسالة
قال ابن إسحاق: حدثني عبدالله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عمرو بن حزم، عن عثمان بن أبي سليمان بن جبير بن مطعم، عن عمه نافع بن جبير، عن أبيه جبير بن مطعم، قال: لقد رأيت رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، قبل أن ينزل عليه الوحي، وإنه لواقف على بعير له بعرفات مع الناس من بين قومه حتى يدفع معهم منها توفيقاً من الله له، صلى الله عليه وآله وسلم تسليماً كثيراً.
إخبار الكهان من العرب، والأحبار من يهود، والرهبان من النصارى ببعثته -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-
الكهان والأحبار والرهبان يتحدثون بمبعثه
قال ابن إسحاق: وكانت الأحبار من يهود، والرهبان من النصارى، والكهان من العرب، قد تحدثوا بأمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- قبل مبعثه، لما تقارب من زمانه.
أمَّا الأحبار من يهود، والرهبان من النصارى، فعما وجدوا في كتبهم من صفته وصفة زمانه، وما كان من عهد أنبيائهم إليهم فيه.
وأمَّا الكهان من العرب فأتتهم به الشياطين من الجن فيما تسترق من السمع، إذ كانت هي لا تحجب عن ذلك بالقذف بالنجوم.
وكان الكاهن والكاهنة لا يزال يقع منهما ذكر بعض أموره، لا تلقي العرب لذلك فيه بالا، حتى بعثه الله تعالى، ووقعت تلك الأمور التي كانوا يذكرون، فعرفوها.
قذف الجن بالشهب دلالة على مبعثه -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-
فلما تقارب أمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وحضر مبعثه، حجبت الشيطان عن السمع، وحيل بينها وبين المقاعد التي كانت تقعد لاستراق السمع فيها، فرموا بالنجوم، فعرفت الجن أن ذلك لأمر حدث من أمر الله في العباد.
يقول الله تبارك وتعالى لنبيه مُحَمَّد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- حين بعثه، وهو يقص عليه خبر الجن إذ حجبوا عن السمع، فعرفوا ما عرفوا، وما أنكروا من ذلك حين رأوا ما رأوا:
(قل أوحى إلي أنه استمع نفر من الجن، فقالوا إنا سمعنا قرآنًا عجبًا . يهدي إلى الرشد، فآمنا به، ولن نشرك بربنا أحدًا . وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدًا . وأنه كان يقول سفيهُنا على الله شططًا . وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبًا . وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقًا)... إلى قوله:
(وأنَّا كُنَّا نقعد منها مقاعد للسَّمع، فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا . وأنا لا ندري أشرٌ أريد بمَن في الأرض، أم أراد بهم ربهم رشدًا).
فلما سمعت الجن القرآن عرفت أنها إنما مُنعت من السمع قبل ذلك، لئلا يشكل الوحي بشيء من خبر السماء فيلتبس على أهل الأرض ما جاءهم من الله فيه، لوقوع الحجة، وقطع الشبهة. فآمنوا وصدقوا، ثم:
(ولَّوْا إلى قومهم مُنذرين . قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابًا أنزل من بعد موسى مُصَدِّقًا لِمَا بين يديه، يهدي إلى الحق، وإلى طريق مستقيم)... الآيات وكان قول الجن: (وأنه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجال من الجن، فزادوهم رهقًا).
أنه كان الرجل من العرب من قريش وغيرهم إذا سافر فنزل بطن واد من الأرض ليبيت فيه، قال: إني أعوذ بعزيز هذا الوادي من الجن الليلة من شر ما فيه.
قال ابن هشام: الرهق: الطغيان والسفه.
قال رؤبة بن العجاج:
إذ تستبي الهيامة المرهقا
وهذا البيت في أرجوزة له.
والرهق أيضاً: طلبك الشيء حق تدنو منه، أو لا تأخذه.
قال رؤبة بن العجاج يصف حمير وحش:
بصبصن واقشعررن من خوف الرهق
قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيد النحوى: أن بني عامر بن صعصة بن معاوية بن بكر بن هوازن دخلوا معهم في ذلك، وأنشدني لعمرو بن معد يكرب: وهذا البيت في أرجوزة له.
والرهق أيضاً: مصدر لقول الرجل للرجل: رهقت الإثم أو العسر، الذي أرهقتني رهقا شديدا، أي حملت الإثم أو العسر الذي حملتني حملا شديدا، وفي كتاب الله تعالى:
(فخشينا أن يرهقهما طغيانًا وكُفرًا). وقوله: (ولا تُرهقني من أمري عُسْرًا).
ثقيف أول مَنْ فزعت برمى الجن
قال ابن إسحاق: وحدثني يعقوب بن عتبة بن المغيرة بن الأخنس أنه حدث أن أول العرب فزع للرمي بالنجوم حين رمي بها، هذا الحي من ثقيف، وأنهم جاءوا إلى رجل منهم يُقال له عمرو بن أمية، أحد بني علاج -قال: وكان أدهى العرب وأنكرها رأياً- فقالوا له: يا عمرو: ألم تر ما حدث في السماء من القذف بهذه النجوم؟ قال: بلى، فانظروا، فإن كانت معالم النجوم التي يُهتدى بها في البر والبحر، وتُعرف بها الأنواء من الصيف والشتاء، لما يُصلح الناس في معايشهم، هي التي يرمى بها، فهو والله طي الدنيا، وهلاك هذا الخلق الذي فيها؛ وإن كانت نجوماً غيرها، وهي ثابتة على حالها، فهذا لأمر أراد الله به هذا الخلق، فما هو؟.
الرسول يسأل الأنصار عن قولهم في رجم الجن بالشهب وتوضيحه للأمر
قال ابن إسحاق: وذكر مُحَمَّد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن عبدالله بن العباس، عن نفر من الأنصار: أن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، قال لهم: ماذا كنتم تقولون في هذا النجم الذي يرمى به؟ قالوا: يا نبى الله كنا نقول حين رأيناها يرمى بها: مات مَلِك مُلِّك ملك، ولد مولود مات مولود؛ فقال رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، ليس ذلك كذلك ولكن الله تبارك وتعالى كان إذا قضى في خلقه أمراً سمعه حملة العرش، فسبَّحُوا، فسبَّح مَن تحتهم، فسبَّح لتسبيحهم مَن تحت ذلك، فلا يزال التسبيح يهبط حتى ينتهي إلى السماء الدنيا، فيُسَبِّحُوا ثم يقول بعضهم لبعض: مِمَّ سبَّحتُم؟ فيقولون: سَبَّحَ مَن فوقنا فسبَّحنا لتسبيحهم؛ فيقولون: ألا تسألون مَنْ فوقكم مِمَّ سَبَّحُوا؟ فيقولون مثل ذلك، حتى ينتهوا إلى حملة العرش، فيُقال لهم: مِمَّ سبَّحتُم؟ فيقولون: قضى اللهُ في خلقه كذا وكذا، للأمر الذي كان؛ فيهبط به الخبر من سماء إلى سماء حتى ينتهي إلى السماء الدنيا، فيتحدثوا به، فتسترقه الشياطين بالسمع، على توهم واختلاف، ثم يأتوا به الكهان من أهل الأرض فيحدثوهم به فيخطئون ويصيبون فيتحدث به الكهان، فيصيبون بعضاً ويخُطئون بعضاً.
ثم إن الله عز وجل حجب الشياطين بهذه النجوم التي يُقذفون بها، فانقطعت الكهانة اليوم، فلا كهانة.
قال ابن إسحاق: وحدثني عمرو بن أبي جعفر، عن مُحَمَّد بن عبدالرحمن بن أبي لبيبة، عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنه بمثل حديث ابن شهاب عنه.
الغيطلة وصاحبها
قال ابن إسحاق: وحدثني بعض أهل العلم: أن امرأة من بني سهم، يُقال لها الغيطلة، كانت كاهنة في الجاهلية، فلما جاءها صاحبها في ليلة من الليالي، فانقض تحتها، ثم قال: أدر ما أدر، يوم عقر ونحر؛ فقالت قريش حين بلغها ذلك: ما يريد؟ ثم جاءها ليلة أخرى، فانقض تحتها، ثم قال: شعوب ما شعوب، تُصرع فيه كعب لجنوب.
فلما بلغ ذلك قريشاً، قالوا: ماذا يريد، إن هذا لأمر هو كائن، فانظروا ما هو؟ فما عرفوه حتى كانت وقعة بدر واحد بالشعب، فعرفوا أنه الذي كان جاء به إلى صاحبته.
نسب الغيطلة
قال ابن هشام: الغيطلة: من بني مرة بن عبد مناة بن كنانة، إخوة مدلج ابن مرة؛ وهي أم الغياطل الذين ذكر أبو طالب في قوله:
لقد سفهت أحلام قوم تبدلوا بني خلف قيضا بنا والغياطل
فقيل لولدها: الغياطل؛ وهم من بني سهم بن عمرو بن هصيص.
وهذا البيت في قصيدة له سأذكرها في موضعها إن شاء الله تعالى.
كاهن جنب يذكر خبر الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-
قال ابن إسحاق: وحدثني علي بن نافع الجرشي: أن جنبا: بطنا من اليمن، كان لهم كاهن في الجاهلية، فلما ذُكر أمر رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وانتشر في العرب، قالت له جنب: انظر لنا في أمر هذا الرجل، واجتمعوا له في أسفل جبله؛ فنزل عليهم حين طلعت الشمس، فوقف لهم قائماً متكئاً على قوس له، فرفع رأسه إلى السماء طويلاً، ثم جعل ينزو، ثم قال: أيها الناس، إن الله أكرم مُحَمَّداً واصطفاه، وطهَّر قلبه وحشاه، ومكثه فيكم أيها الناس قليل، ثم أسند في جبله راجعاً من حيث جاء.
سواد بن قارب يحدث عمر بن الخطاب عن صاحبه من الجن
قال ابن إسحاق: وحدثني من لا أتهم عن عبدالله بن كعب، مولى عثمان بن عفان، أنه حدث: أن عمر بن الخطاب، بينا هو جالس في مسجد رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، إذ أقبل رجل من العرب داخلا المسجد، يريد عمر بن الخطاب؛ فلما نظر إليه عمر رضي الله عنه، قال: إن هذا الرجل لعلى شركه ما فارقه بعد، ولقد كان كاهنا في الجاهلية.
فسلم عليه الرجل، ثم جلس، فقال له عمر رضي الله عنه: هل أسلمت؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال له: فهل كنت كاهنا في الجاهلية؟ فقال الرجل: سبحان الله يا أمر المؤمنين! لقد خلت فيّ، واستقبلتني بأمر ما أراك قلته لأحد من رعيتك منذ وليت ما وليت؛ فقال عمر: اللهم غفرا، قد كنا في الجاهلية على شر من هذا، نعبد الأصنام، ونعتنق الأوثان، حتى أكرمنا الله برسوله وبالإسلام؛ قال: نعم، والله يا أمير المؤمنين، لقد كنت كاهنا في الجاهلية؛ قال: فأخبرني ما جاءك به صاحبك؛ قال: جاءني قبل الإسلام بشهر أو شيعه، فقال: ألم تر إلى الجن وإبلاسها، وإياسها من دينها، ولحوقها بالقلاص وأحلاسها.
قال ابن هشام: هذا الكلام سجع، وليس بشعر.
قال عبدالله بن كعب: فقال عمر بن الخطاب عند ذلك يحدث الناس: والله إني لعند وثن من أوثان الجاهلية في نفر من قريش، قد ذبح له رجل من العرب عجلا، فنحن ننتظر قسمه ليقسم لنا منه، إذ سمعت من جوف العجل صوتا ما سمعت صوتا قط أنفذ منه، وذلك قبيل الإسلام بشهر أو شيعه، يقول: يا ذريح، أمر نجيح، رجل يصيح، يقول: لا إله إلا الله.
قال ابن هشام: ويُقال: رجل يصيح، بلسان فصيح، يقول: لا إله إلا الله.
وأنشدني بعض أهل العلم بالشعر:
عجبت للجن وإبلاسـهـا وشدها العيس بأحـلاسـهـا
تهوي إلى مكة تبغي الهدى ما مؤمنو الجن كأنجاسـهـا
قال ابن إسحاق: فهذا ما بلغنا من الكهان من العرب.
إنذار يهود برسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-
اليهود لعنهم الله يعرفونه ويكفرون به
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن رجال من قومه، قالوا: إن مما دعانا إلى الإسلام، مع رحمة الله تعالى وهداه لنا، لما كنا نسمع من رجال يهود، وكنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب، عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون، قالوا لنا: إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم فكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم.
فلما بعث الله رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أجبناه، حين دعانا إلى الله تعالى، وعرفنا ما كانوا يتوعدوننا به، فبادرناهم إليه، فآمنا به، وكفروا به، ففينا وفيهم نزل هؤلاء الآيات من البقرة:
((ولمَّا جاءهم كتابٌ من عند الله مُصدِّقٌ لِمَا معهم، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، فلمَّا جاءهم ما عرفوا كفروا به، فلعنة الله على الكافرين)).
قال ابن هشام: يستفتحون: يستنصرون، ويستفتحون أيضاً: يتحاكمون، وفي كتاب الله تعالى:
(ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين).
سلمة يذكر حديث اليهودي الذي أنذر بالرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-
قال ابن إسحاق: وحدثني صالح بن إبراهيم بن عبدالرحمن بن عوف عن محمود بن لبيد أخي بني عبد الأشهل عن سلمة بن سلامة بن وقش، وكان سلمة من أصحاب بدر، قال: كان لنا جار من يهود في بني عبد الأشهل، قال: فخرج علينا يوما من بيته حتى وقف على بني عبد الأشهل -قال سلمة: وأنا يومئذ من أحدث من فيه سنا، علي بردة لي، مضطجع فيها بفناء أهلي- فذكر القيامة والبعث والحساب والميزان والجنة والنار؛ قال: فقال ذلك لقوم أهل شرك أصحاب أوثان، لا يرون أن بعثا كائن بعد الموت؛ فقالوا له: ويحك يا فلان أوترى هذا كائنا، أن الناس يبعثون بعد موتهم إلى دار فيها جنة ونار يجزون فيها بأعمالهم؟ قال: نعم، والذي يحلف به، ولودّ أن له بحظه من تلك النار أعظم تنور في الدار، يحمونه ثم يدخلونه إياه فيطينونه عليه، بأن ينجو من تلك النار غدا؛ فقالوا له: ويحك يا فلان! فما آية ذلك؟ قال: نبى مبعوث من نحو هذه البلاد، وأشار بيده إلى مكة واليمن؛ فقالوا: ومتى تراه؟ قال: فنظر إلي وأنا من أحدثهم سنا، فقال: إن يستنفد هذا الغلام عمره يدركه.
قال سلمة: فو الله ما ذهب الليل والنهار حتى بعث الله مُحَمَّداً رسوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-، وهو حيٌ بين أظهرنا، فآمنَّا به، وكفر به بغياً وحسداً، قال: فقلنا له: ويحك يا فلان ألست الذي قلت لنا فيه ما قلت؟ قال: بلى، ولكن ليس به.
ابن الهيبان اليهودي يتسبب في إسلام ثعلبة وأسيد ابني سعية، وأسد بن عبيد
قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة عن شيخ من بني قريظة قال: قال لي: هل تدري عم كان إسلام ثعلبة بن سعية وأسيد بن سعية وأسد بن عبيد، نفر من بني هدل، إخوة من بني قريظة، كانوا معهم في جاهليتهم ثم كانوا سادتهم في الإسلام.
قال: قلت: لا والله، قال: فإن رجلاً من يهود من أهل الشام، يُقال له: ابن الهيبان، قدم علينا قبيل الإسلام بسنين، فحل بين أظهرنا، لا والله ما رأينا رجلاً قط لا يصلي الخمس أفضل منه، فأقام عندنا فكنا إذا قحط عنا المطر قلنا له: اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا؛ فيقول: لا والله حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة؛ فنقول له: كم؟ فيقول: صاعا من تمر، أو مدين من شعير.
قال: فنخرجها ثم يخرج بنا إلى ظاهر حرتنا فيستسقي الله لنا.
فو الله ما يبرح مجلسه حتى يمر السحاب ونسقى، قد فعل ذلك غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث.
قال: ثم حضرته الوفاة عندنا.
فلما عرف أنه ميت، قال: يا معشر يهود، ما ترونه أخرجني من أرض الخمر والخمير إلى أرض البؤس والجوع؟ قال: قلنا: إنك أعلم؛ قال: فإني إنما قدمت هذه البلدة أتوكف خروج نبى قد أظل زمانه؛ وهذه البلدة مهاجره، فكنت أرجو أن يبعث فأتبعه، وقد أظلكم زمانه، فلا تسبقن إليه يا معشر يهود، فإنه يبعث بسفك الدماء، وسبي الذراري والنساء ممن خالفه، فلا يمنعكم ذلك منه.
فلما بُعث رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- وحاصر بني قريظة، قال هؤلاء الفتية، وكانوا شبابا أحداثا: يا بني قريظة، والله إنه للنبي الذي كان عهد إليكم فيه ابن الهيبان؛ قالوا: ليس به؛ قالوا: بلى والله، إنه لهو بصفته، فنزلوا وأسلموا، وأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهليهم. قال ابن إسحاق: فهذا ما بلغنا عن أخبار يهود.