أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الزمر الآيات من 11-15 الثلاثاء 16 فبراير 2021, 8:54 pm | |
| قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (١١) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (١٢) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
نلحظ في هذه الآية تكرارَ الفعل أمرت، وهذا يدل على أننا أمام أمرين، كل منهما مستقل عن الآخر، فالأمر الأول (قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ * وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ) (الزمر: 11-12) وهذا أمر ليقين الإيمان وليقين العبادة، بحيث نتوجه بها خالصة لله.
والخلوص لله على مراحل، فواحد يعبد الله لانتظار جزائه وطمعاً في جنته، وآخر يعبده خوفاً من ناره، وآخر يعبده لذاته سبحانه، ولأنه يستحق أنْ يُعبد، وأنْ يُحبَّ لذاته.
لذلك قال سبحانه في آخر سورة الكهف: (فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ) (الكهف: 110) لا جنة ربه ولا جزاء ربه، إنما يريد اللقاء، ويريد الأُنْس بالله، فلا تشغله النعمة، إنما تشغله معية المنعم سبحانه: (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً) (الكهف: 110) والجنة أحد.
إذن: الأمر الأول خاصٌّ بالعقائد، أما الأمر الآخر: (وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ) (الزمر: 12) فهو للتكاليف الإسلامية بافعل ولا تفعل، لكن كيف يقول رسول الله (وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ ٱلْمُسْلِمِينَ) (الزمر: 12) أليس هو أولهم بالفعل؟
لأن أول تكليف كان له هو ساعةَ نزل عليه الوحي، وقبل أنْ يُبلِّغه إلى أصحابه، إذن: مرت عليه فترة كان هو -صلى الله عليه وسلم- أول مَنْ أسلم لله، أول مَنْ أسلم منهجه لله، قبل أنْ يبلغ هذا المنهج، هذا إنْ أردناها حقيقة أولية.
وأيضاً له أولية في تنفيذ الأحكام أمام الناس بعد أنْ يبلغهم المنهج، حتى يعلموا أن الرسالة لم تكُنْ لتدليل الرسل، إنما كانت لإقامة الأُسْوة فيهم، فإذا عمل الرسلُ أنفسهم على منهج الله علّموا الناس جميعاً أن هذا المنهج خير، بدليل أنهم ألزموا أنفسهم به تطبيقاً قبل أنْ يلزموا الناس، كالذي قال: لم آمركم أمراً أنا عنه بنَجْوة.
شيء آخر: أن الله تعالى سلب الرسول، وسلب أهل بيته ما أعطاه لعامة المسلمين، فالميت يرثه أهله، ورسول الله لا يرثه أحَدٌ من أهله، ولعامة فقراء المسلمين أن يأخذوا من أموال الزَّكاة والصَّدقة، أمَّا آل البيت فقد حُرِّمَ عليهم الأخذ منها.
إذن: تَحَمُّلَ رسولُ اللهِ المشاق في سبيل الرسالة، ولم تكُنْ بالنسبة له رفاهية ولا تدليلاً، كذلك تحمَّل معه أهل بيته، ونالهم جزء من هذه المشاق، ولولا أن إشراق الجزاء في نفوسهم يعطيهم الأمل والثقة في الجنة، هذه الثقة التي جعلتهم وكأنهم ينظرون إلى أهل الجنة في الجنة ينعَّمون وإلى أهل النار في النار يعذبون، لولا هذا ما صبروا على هذه المتاعب والمشاق.
لذلك يقول سبحانه حينما يخاطب نساء النبي: (يٰنِسَآءَ ٱلنَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ) (الأحزاب: 32) فلأنكُنَّ نساء النبي فلابُدَّ أنْ تكُنَّ أول مَنْ ينفذ منهج الرسول لتتحقق بكُنَّ القدوة، وليعلم الناس أن الرسول ما جاء جباراً يأمرهم بما لا يأتمر به، أو ينهاهم عما لا ينتهي عنه، بل هو في التنفيذ سابقهم وإمامهم وقدوتهم هو وأهل بيته، إذن: كان -صلى الله عليه وسلم- أول المسلمين بالفعل.
وللعلماء كلام طويل في مسألة أوَّل المسلمين؛ لأنها وردتْ أيضاً على لسان سيدنا موسى عليه السلام، قال: (وَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْمُسْلِمِينَ) (الأنعام: 163) أي: مسلمي زمانه، أما رسول الله فأول المسلمين في زمنه وفي زمن غيره، نقول لتقريب هذه المسألة: إن الأولية هنا أولية تفوق، والتفوق قد يكون تفوقاً إضافياً كما نقول: فلان الأول على كلية الحقوق هذا العام، فالتفوق هنا خاص بالعام الذي نتحدث عنه، وربما جاء في أعوام أخرى مَنْ تفوق عليه، وحصل على درجات أعلى منه، وقد يكون التفوق عاماً كما لو قلنا: فلان الأول على كلية الحقوق منذ أنشئت.
إذن: قد تكون الأولية في الزمن، وقد تكون الأولية في مقارنة الأزمان بعضها ببعض، فإذا قال رسول من الرسل: أنا أول المسلمين، فالمراد أول المسلمين في زمانه، وإذا قيل لمحمد -صلى الله عليه وسلم-: أنا أول المسلمين فالمراد أول المسلمين من لدن آدم إلى قيام الساعة، يعني: أنا وإنْ تأخر زمني إلا أنني الأول إذا أخذنا الرتبة ساعة التكليف، ثم إن غيري من الرسل بُعِثَ إلى زمن بعينه في مكان بعينه، وأنا بُعثْتُ للناسِ كافة في كل زمان ومكان، ثم إنني خاتم الرسل، فلا رسالة بعدي ولا معقبَ من الرسل على رسالتي، هذه كلها حيثيات الأولية عند رسول الله، وهي حيثيات ظاهرة لا تُنكَر.
لذلك نجد الأولية دائماً على لسان رسول الله كما في قوله تعالى: (قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَـٰنِ وَلَدٌ فَأَنَاْ أَوَّلُ ٱلْعَابِدِينَ) (الزخرف: 81) يعني: أول مَنْ يُصدِّق هذه المسألة. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 11-15 الثلاثاء 16 فبراير 2021, 8:54 pm | |
| قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (١٤) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (١٥) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
سبحان الله، أيقول رسول الله (إِنِّيۤ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) (الزمر: 13) فكأنه يقول: أنا لم آخذ هذه المنزلة حكماً مطلقاً أنني نبي مُكرَّم، بل أنا كعامة الناس إنْ عصيتُ ربي تعرضتُ للعقاب، يعني تقديم الله لي أولاً واصطفاؤه لي لا يشفع لي إنْ حدثتْ مني معصية.
ثم يقول سبحانه على لسان رسوله (قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَّهُ دِينِي) (الزمر: 14) وهذه أيضاً للعقائد وليقين الإيمان، وقد سبق قوله تعالى: (قُلْ إِنِّيۤ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ ٱلدِّينَ) (الزمر: 11) وهنا (قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ) (الزمر: 14) فما الفرق بين (الله أعبد) و (أعبد الله)؟
قوله تعالى: (أَنْ أَعْبُدَ ٱللَّهَ) (الزمر: 11) جاء على الترتيب الطبيعي للجملة: الفعل، ثم الفاعل، ثم المفعول.
والجملة بهذا الترتيب لا تمنع من العطف على المفعول كما تقول: أطع فلاناً، فإنها لا تمنع أن نقول وفلاناً، أما إن قدَّمنا المفعول به على الفعل، كما في قوله سبحانه: (قُلِ ٱللَّهَ أَعْبُدُ) (الزمر: 14) فإنَّ تقديم المفعول أفاد القصر يعني: قصر العبادة على الله وحده، كما لو قلت: إلى الله أشكو يعني: لا إلى غيره.
فالآية الأولى جاءتْ بالترتيب الطبيعي للجملة، والأخرى جاءت بصيغة القصر، كأنه قال: أنا لا أعبد غير الله، وأنتم اعبدوا ما شئتم (فَٱعْبُدُواْ مَا شِئْتُمْ مِّن دُونِهِ) (الزمر: 15).
ثم يبيِّن سبحانه عاقبة الشرك فيقول: (قُلْ إِنَّ ٱلْخَاسِرِينَ ٱلَّذِينَ خَسِرُوۤاْ أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ) (الزمر: 15).
نفهم أن هؤلاء المشركين خسروا أنفسهم يوم القيامة، لأنهم ظلموا أنفسهم بالكفر وبالشرك، لكن كيف يخسرون أهليهم أيضاً؟
قالوا: لأن أهليهم هم أولادهم وذريتهم؛ وهؤلاء إما أنْ يؤمنوا، وإما أنْ يظلوا على كفرهم مع الآباء، فإنْ ظلُّوا على كفرهم فهم خاسرون كآبائهم، وإنْ آمنوا فلن يكونوا مع الآباء، وسيحرمون رؤيتهم، لأن هؤلاء في الجنة وهؤلاء في النار.
إذن: الخسارة ملازمة لهم في كلتا الحالتين.
وكلمة الخسارة هنا أكَّدها الحق سبحانه بالمفعول المطلق (ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ) (الزمر: 15) ثم وصف الخسران بأنه مبين أي: بيِّن واضح ومحيط؛ لأن التاجر متى يكون خاسراً؟
إما أنْ يعود إليه رأس ماله دون زيادة، وفي هذه الحالة يكون قد خسر جهده وتعبه في تجارته، وإما أنْ تتعدى الخسارة إلى رأس المال فيخسر تعبه وجهده، ويخسر جزءاً من رأس المال، وهذا هو الخسران المبين، أي: المحيط بكل شيء فقوله تعالى: (أَلاَ ذَلِكَ هُوَ ٱلْخُسْرَانُ ٱلْمُبِينُ) (الزمر: 15) يعني المحيط الذي أحاط بأهله وماله وتعبه وسَعْيه. |
|