منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة الزمر الآيات من 21-26

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 21-26 Empty
مُساهمةموضوع: سورة الزمر الآيات من 21-26   سورة الزمر الآيات من 21-26 Emptyالسبت 20 مارس 2021, 8:19 am

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (٢١)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق سبحانه و تعالى حينما يُخبر عن خيره سواء أكان هذا الخير يتعلق بمقوِّمات الحياة في الدنيا أو بمُعدَّات النعيم في الآخرة، يتكلم عنه على أنه إنزال، وكلمة أنزل تدل على جهة العلو، وأن هذا العطاء من أعلى، وإنْ خرج من باطن الأرض كما في قوله سبحانه: (وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) (الحديد: 25).

فالنعمة من الأعلى وليست من مُسَاوٍ، وأنت في تصريف حياتك عندما تكون لديك مسألة لا تَقْوى إمكانياتك عليها، ولا يَقْوى عقلك على التفكير فيها تذهب لمَنْ هو أعلى منك في هذا المجال ولمَنْ تثق فيه وفي فكره، ليساعدك على حَلِّها، تفعل ذلك وأنت راضٍ، لأنك أسلمتَ الأمر لمن تثق في قدراته.

فالحق سبحانه حينما يقول: أنزلنا.

يعني: خدوا أحكامي على أنها من أعلى، وعلى أنها الأفضل لكم، لأنها من خالقكم الذي يعلم ما يصلحكم.

يقول تعالى هنا: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ..) (الزمر: 21) معنى (من السماء) أي: من جهة السماء، وإلا فمخازن الماء في الأرض، في البحار، وهي مُعدَّة إعداداً كيمياوياً بحيث تحفظ الماء فلا يتغير ولا يأسن، ولا تعيش به الطفيليات.

لذلك نجد الماء المالح في البحار تصونه نسبةُ الملوحة في الماء، ويُلقي فيه بالقاذورات والجيف، فينفيها الموج ويبقى الماء على صلاحه، ومن ماء البحار تتم عملية البخر التي تكوِّن السحاب والمطر الذي يسقي الإنسان والحيوان والنبات.

وماء المطر هو أنقى ما يمكن الحصول عليه من الماء، فعملية البخر مثل عملية تقطير الماء التي نجريها في المعامل للحصول على الماء النقي، وتأمل كم تكلفة تقطير زجاجة ماء واحدة، فما بالك بماء المطر الذي ينهمر من السماء؟

لذلك، من حكمة الخالق سبحانه أنْ جعل الماء ثلاثة أرباع الكرة الأرضية، وجعل اليابسة الربع، ذلك لتتسع مساحة البخر ويكفي المطر حاجة الأرض من الماء العذب، وسبق أن بينّا الفرق بيم الماء الذي له عمق، والماء الذي له سطح مُتسع، فالبخر يعتمد على اتساع سطح الماء، فكلما اتسع السطح زاد البخر، ومثّلنا لذلك بكوب الماء تتركه شهراً وتعود فتجده كما هو لم ينقص منه إلا القليل، لكن إنْ سكبْتَه في أرض الغرفة، فإنه يجفّ قبل أن تغادرها.

والحق سبحانه يريد للماء المالح أنْ يتبخر ليتخلّص من ملوحته، ثم ينزل ماءً عَذْباً سائغاً للشاربين، وعملية البخر هذه تتم ولا ندري عنها شيئاً، إنها آية من آيات الله ونعمة من أعظم نعمه علينا.

والماء حين ينزل من السماء لا ينزل على كل مكان، إنما ينزل على الأماكن الباردة، فبخار الماء المتجمِّع في السحاب حينما يمر بمنطقة باردة يتكثف من جديد كما نكثّف الماء المقطر، فالماء الذي يأتينا في نهر النيل أين يسقط؟

يسقط على هضبة الحبشة وتحمله إلينا الأنهار، ويتسرب منه جزء في باطن الأرض، ويجعل الله له في الأرض مسالك.

هذا معنى (فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي ٱلأَرْضِ) (الزمر: 21) يعني: جعل له مَجاريّ خاصة ومسالك، بحيث لا يختلط بالماء المالح، وقد تُوجد مثلاً عَيْنٌ للماء العذب تنبع وسط الماء المالح، ومع ذلك لا تختلط به، وكأن الماء العَذْب يسير في أنابيب مخصوصة أشبه ما تكون بالشرايين في جسم الإنسان.

وقوله تعالى هنا (أَلَمْ تَرَ..) (الزمر: 21) ما دام شيء يمتنُّ الله فيه بالرؤية، فإن كنتَ تراه فاعلم أنه كلام حقيقي، وأنا أرى المطر ينزل من السماء، وإنْ كنت لا تراه فصدِّق ما أخبرك الله به كما تصدق عينك في الرؤية، لأن إخبار الله لك أصدَقُ من رؤية عينيك.

ومن ذلك قوله تعالى مخاطباً نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ ٱلْفِيلِ) (الفيل: 1) ومعلوم أن سيدنا رسول الله وُلد في عام الفيل يعني: لم يرَ هذه الحادثة، فالمعنى ألم تَرَ يعني: ألم تعلم عَلْماً مني، يفوق علم رؤياك بالعين.

ثم يقول سبحانه: (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهُ) (الزمر: 21) فالزرع يُزرع في تربة واحدة، ويُسقى بماء واحد، ومع ذلك تأتي الثمار مختلفة في الألوان وفي الطَّعْم وفي عناصر التكوين.

لما تكلَّم العلماء في هذه المسألة قالوا: في النبات خاصية تُسمَّى خاصية الانتخاب يعني: أن النبات يمتصّ بواسطة الجذور العناصر اللازمة له من الأرض، لكن لو جئنا مثلاً بإناء فيه ماء، ووضعنا فيه عدة ألوان، ثم وضعنا فيه الأنابيب الشّعرية الضيقة التي يصعد فيها الماء إلى أعلى بهذه الخاصية، نجد هذه الأنابيب تمتص من الماء على عمومه لا تفرق بين لون ولون.

وليس كذلك امتصاص النبات للعناصر اللازمة له من التربة، النبات لا يمتص إلا المواد اللازمة والمناسبة لطبيعته، فالخاصية الشعرية في الجذور تمتصّ على هدى، فتأخذ من التربة وتدَع، فالتربة واحدة، والماء واحد، ومع ذلك تختلف الطعوم والأشكال والألوان والرائحة.

إذن: ليس هو الانتخاب الذي يعنيه العلماء، إنما هو انتخاب إلهي يقوم على الطبيعة التي أودعها الله في الحبة والبذرة الأولى للنبات، فأنت تزرع مثلاً الفلفل الحاء بجوار قصب السكر بجوار الرمان، فتجد هذا حاراً، وهذا حلواً، وهذا مُزاً.

ثم ينتقل النبات إلى مرحلة أخرى، يصفها الحق سبحانه بقوله: (ثُمَّ يَهِـيجُ فَـتَرَاهُ مُصْفَـرّاً ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَاماً) (الزمر: 21) معنى يهيج يعني: يجف ويتحطم، ويصير فتاتاً.

يعني: لا يستمر على خضرته ونضارته، وكأن الحق سبحانه جعل النبات عبرةً للإنسان، فالنبات كائنٌ حَيّ كالإنسان، وسيمر الإنسان بهذه المرحلة فيجفّ ويتفتت كالنبات.

فالله سبحانه يضرب لنا مثلاً، حتى لا نغترّ بذواتنا حين نجد لها قوة أو نجد لها عقلاً وتفكيراً أو سُلْطة وجاهاً أو مالاً، يقول لك ربك: انظر إلى أمك الأرض، وإلى الزرع يخرج منها، إلامَ يصير؟

فأنت كذلك، فلا تغترّ ما دُمْتَ من أهل الأغيار.

لذلك يقولون: لا تغضب ولا تحزن إنْ تغيرتْ بك الأمور، لأنك من أهل الأغيار، وما دُمْتَ من أهل الأغيار ووصلتَ إلى قمة الجبل، فماذا تنتظر؟

تنتظر أنْ تستقرّ عليه؟

كيف وأنت من أهل الأغيار؟

إذن: لا بدَّ أنْ تنزل؛ لذلك إن تمتْ النعمة ترقَّبْ زوالها.

كما قال الشاعر:
إذَا تَمَّ شيء بدا نقْصُهُ ترقَّبْ زَوَالاً إذَا قِيلَ تَمّ

فإنْ رأيت نفسك (مزهزهة) بالعلم أو بالقوة أو بأيِّ مظهر من مظاهر النعيم، فاعلم أنك غداً ستصير إلى كبر وإلى ضعف، ستصير مثل الطفل يحبو وتحتاج إلى مَنْ يسندك ويعاونك، كما قال سبحانه: (وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) (الحج: 5) فافهم هذا المعنى جيداً في أمك الأرض وفي ذاتك.

(إِنَّ فِي ذَلِكَ..) (الزمر: 21) أي: ما تشهده أنت من هذا الذي ذكرنا (لَذِكْرَىٰ..) (الزمر: 21) يعني: تذكرةً وعبرةً (لأُوْلِي ٱلأَلْبَابِ) (الزمر: 21) لأصحاب العقول الواعية والمتدبرة.




سورة الزمر الآيات من 21-26 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الأحد 25 أبريل 2021, 4:25 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 21-26 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 21-26   سورة الزمر الآيات من 21-26 Emptyالسبت 20 مارس 2021, 8:20 am

أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (٢٢)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

التقدير هنا (أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ..) (الزمر: 22) كمن ضاق صدره عن الإسلام، إذن: لابُدَّ أنْ نذكر هذا المقابل لأنهما لا يستويان (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ..) (الزمر: 22) تدل على أننا أخذنا الضيق من القسوة، فالذي ضاق صدره عن الإسلام ضاق صدره لقسوة قلبه.

وهذه مثل قوله تعالى: (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَآءَ ٱلَّيلِ سَاجِداً وَقَآئِماً يَحْذَرُ ٱلآخِرَةَ وَيَرْجُواْ رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي ٱلَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَٱلَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 9) والمعنى: أهذا كمَنْ لم يقنت؟

وعليك أنت أنْ تجيب: أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه، كمَنْ قسا قلبُه وضاق صدره عن دين الله وهداية الله؟

ومعنى (شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ..) (الزمر: 22) أي: جعل الضيق واسعاً، وتقول لصاحبك: وسّع صدرك يعني: اجعله مُتسعاً لمناقشة كل القضايا، ومن معاني سعة الصدر ألاَّ تشغله بالخزعبلات، وألاَّ تزحمه بالباطل، حتى يكون لك أُنْس به، وعندها يطرد الباطل الحق كما قلنا في مسألة الحيز.

فالحيز الواحد لا يتسع إلى لشيء واحد، فالماء مثلاً يطرد الهواء حين تملأ زجاجة بالماء.

ومن شَرْح الصدر أن يكون لديك عدالة اختيار حين تختار بين البدائل، عليك أن تصفي قلبك، وأن تُخرج منه كل ما يشغله، ثم تبحث القضايا المعروضة عليك، فما وجدته مناسباً تُدخِله قلبك ليستقر فيه حتى يصير عقيدةً راسخة لا تقبل المناقشة مرة أخرى، لأن الله تعالى خلق لنا حواسَّ تدرك: عينٌ ترى، وأذنٌ تسمع، ولسان ينطق.

وبهذا الحواس نأخذ المعلومات.

ثم نعرضها على العقل ليختار منها ويبحث فيها، فما وجده صالحاً أسقطه في القلب، وهذه هي العقيدة التي تستقر في القلب، ولا تطفو لتُبحث من جديد.

لذلك احذر الران الذي يترسب على القلب حتى يغلقه، فلا يكون فيه مكان للحق، والنبي -صلى الله عليه وسلم- يشير إلى هذه المسألة في حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تُعرَض الفتن على القلوب كالحصير عُوداً عُوداً -وفي رواية: عَوْذاً عَوْذاً- فأيما قلب أُشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأيما قلب أنكرها نُكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تكون على قلبين: على أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرباداً -وهذا الذي يقول الله فيه: (كَلاَّ بَلْ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ مَّا كَانُواْ يَكْسِبُونَ) المطففين: 14)- كالكوز مُجخياً -منكوساً- لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً".

والفتن هنا هي الشُّبَه التي تعرض للناس في الدين، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يشبهها بالحصير الذي يُنسج عوداً بجوار عود، حتى يكون كالحصيرة التي نجلس عليها، أو عَوْذاً يعني: نستعيذ بالله من هذه الفتن، أو عوْداً أي مرة بعد مرة.

إذن: إنْ أردتَ بحث قضية الإيمان فاشرح صدرك أولاً، ووسِّعه بأنْ تُخرج ما فيه من اعتقادات، لذلك يقول سبحانه: (أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ..) (الزمر: 22) والنور له مصادر، إما نور مادي كالشمس والقمر والنجوم، وهذه الأنوار التي اكتشفها الإنسان حديثاً، أو نور معنوي وهو المقصود هنا، نور القيم والمنهج (فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ..) أي: نور الهداية الذي عناه القرآن الكريم في قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِٱلْغُدُوِّ وَٱلآصَالِ * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ..) (النور: 36-37).

ففي هذه البيوت التي يُذكر فيها الله، ويُسبِّح فيها الله، مكان تلقِّي فيض النور من الله، وتنزل الخيرات والرحمات؛ لأن الآيات كانت تتكلم قبل ذلك عن نور الله، ومثَل تنويره سبحانه للسماوات والأرض: (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ٱلْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ٱلزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ..) (النور: 35).

الحق سبحانه لا يضرب لنا مثلاً لنوره، إنما مثلاً لتنويره: (ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ..) (النور: 35) أي: مُنوِّرهما بخلقه، والمشكاة هي الطاقة غير النافذة في الحائط، والطاقة تكون محدودة المساحة غير واسعة، ثم هي غير نافذة، لذلك تجمع الضوء ولا تبدده، بحيث لا يبقى في المشكاة مكان مظلم.

ثم إن المصباح ليس عادياً، إنما في زجاجة، لأن من المصابيح ما ليس له زجاجة والذي نسميه نحن (الساروخ) وهو يخرج لهباً أسود، لأن الهواء يداعبه من كل ناحية، أمّا الزجاجة فهي تنقي اللهب وتصفيه، حيث تمنع عنه الهواء إلا بمقدار الاحتراق، فيأتي اللهب صافياً لا دخان له، هذه هي التنقية الأولى.

ثم إن الزجاجة هي أيضاً غير عادية، إنما صافية في ذاتها، كأنها: (كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ..) (النور: 35) تعكس الضوء في كل ناحية.

ثم إن هذا المصباح لا يُوقَد بزيت عادي، إنما: (يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَّ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيۤءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ..) (النور: 35) فهو زيت له مواصفات خاصة على أعدل المزاج.

هكذا ومثل هذا يُنوّر الله السماوات والأرض، فالمثال لتنوير الله لا لنور الله.

وهذا هو النور الحسِّي، وحين تكمل القراءة تجد النور المعني في: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ ٱللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا ٱسْمُهُ..) (النور: 36) وهذا هو النور في قوله: (فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ..) (الزمر: 22).

فالحق سبحانه أعطاكم النور الحسيِّ الذي يعينكم على حركة الحياة، ليرى الإنسانُ مواضع قدمه فلا يحطم الأشياء ولا تحطمه إذا ما اصطدم بها، والنور المعنوي للقيم وللروح.

والحق سبحانه حين يُعطينا هذا المثل، ويُرينا أن المصباح لا يدع في المشكاة ظلمة أبداً، يعطينا بذلك إِشارة إلى أن نوره المعنوي كذلك لا يترك عيباً إلا أصلحه، وأتاك نور يهديك وينجيك.

وقوله سبحانه: (فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِّن ذِكْرِ ٱللَّهِ أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) (الزمر: 22) ويل لهم لأن قسوة قلوبهم حالتْ بينهم وبين الإيمان، فويل لهم ساعةَ يعرفون أن لهم ربّاً كفروا به، وتفاجئهم هذه الحقيقة التي طالما أنكروها.

وقد عبَّر القرآن الكريم عن هذه القضية في قوله سبحانه: (مَّثَلُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ ٱشْتَدَّتْ بِهِ ٱلرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لاَّ يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُواْ عَلَىٰ شَيْءٍ..) (إبراهيم: 18).

والمعنى: أنهم حبطت أعمالهم وخاب سعيهم.

وقال أيضاً: (وَٱلَّذِينَ كَفَرُوۤاْ أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ ٱلظَّمْآنُ مَآءً حَتَّىٰ إِذَا جَآءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ) (النور: 39).

فويل لهم ساعة يعرفون أنهم كفروا بالله وضاق صدرهم عن أن يتسع لنور الإيمان، فالويْل لهم حاضر قبل أنْ يأتيهم العقاب.

وقوله: (أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) (الزمر: 22) أي: بيِّن واضح، والضلال هو عدم الاهتداء في المهيع الذي يسير فيه، كالسائر مثلاً في صحراء وضلَّ فيها الطريق، إن ضلاله يبدأ بانحرافه عن الطريق الصحيح ولو بسنتيمترات، لأنها لا بدّ أنْ تنتهي به إلى مساحات شاسعة في الضلال، أرأيتم (السيمافور) في السكة الحديد، وكيف يُحول القطار مثلاً لبورسعيد أو الإسماعيلية أو طنطا إنه مجرد تحويل سنِّ القضيب عدة ملليمترات ينتج عنها أنْ يتحوَّل القطار في سيره من مكان إلى مكان آخر بعيد، فالمعنى: (أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) (الزمر: 22) أي: لا يهتدون إلى شيء أبداً.



سورة الزمر الآيات من 21-26 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 21-26 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 21-26   سورة الزمر الآيات من 21-26 Emptyالسبت 20 مارس 2021, 8:21 am

اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (٢٣)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

يقول الله تعالى: ما دُمتم ستتبعون الأحسن وتختارونه فأنا مُنزِلٌ عليكم أحسن الحديث، نعم هو أحسن الحديث لأنه كلامُ الله وكلام الله صفته، وهو كامل الكمال المطلق، وقد جعله الله مُعْجزاً، وتولى سبحانه حفظه بنفسه ولم يكل حفظه للخلق.

وفي عُرْف البشر أن الإنسان لا يحفظ إلا ما كان حجة له ولا يحفظ الحجة عليه، أما الحق سبحانه فيحفظ القرآن وهو حجة عليه سبحانه لخَلْقه، فكل ما أتى في القرآن ضمن الحق سبحانه حدوثه، كما أخبرنا الله به لأنه هو منزله وهو حافظه.

والمراد بأحسن الحديث القرآن الكريم، ومعنى (مُّتَشَابِهاً) (الزمر: 23) أي: يشبه بعضُه بعضاً في الحُسْن أو في البلاغة أو في الموضوع، فإياك أن تقول: هذه الآية أبلغ من هذه، لأن كل آية بليغة في موضوعها.

فلو أخذنا مثلاً التشابه في الموضوع نقرأ في قصة سيدنا موسى عليه السلام: (فَٱلْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً..) (القصص: 8).

وفي موضع آخر قال: (أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ) (طه: 39).

فظن البعض هنا تكراراً، لكن المتأمل في معنى الآيتين يجد أن كل أية تؤدي لقطة لا تؤديها الأخرى، فمعنى: (لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً) (القصص: العداوة هنا من موسى لآل فرعون إنما في: (يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ..) (طه: 39) العداوة من جانب فرعون لموسى، والمعركة لا يحمى وطيسها إذا كانت العداوة من جانب واحد، لأن الجانب الآخر ربما يتساهل أو يتنازل لعدوه، فإنْ كانت العداوة من الطرفين حميتْ المعركة.

وسبق أنْ قلنا: إن المستشرقين وقفوا أمام قوله تعالى: (وَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ) (لقمان: 17) وقوله: (إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ) (الشورى: 43).

وقالوا: أيهما أبلغ من الأخرى؟

وإنْ كانت إحداهما بليغة فالأخرى إذن غير بليغة.

ومثل هذه الاستدراكات نتيجة عدم فَهْم أسلوب القرآن، وعدم وجود الملَكة اللغوية عندهم.

ونقول لهم: كل آية بليغة في سياقها مناسبة للمعنى الذي قِيلَتْ فيه، فالآية الأولى وردتْ في الكلام عن المصيبة التي لا غريمَ لكَ فيها، والصبر في هذه الحالة يسيرٌ لذلك لم يُؤكّد.

فمن الطبيعي أنْ تصبر على المرض مثلاً، لأنه لا غريم لك فيه، أما إنْ كانت المصيبة لك فيها غريم، فالغريم يثير غضبك ويؤجج نار الغِلَّ، ويدعو إلى الانتقام، فناسب ذلك التأكيد باللام في الآية الأخرى: (لَمِنْ عَزْمِ ٱلأُمُورِ) (الشورى: 43).

وكذلك وقفوا أمام قوله تعالى: (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ..) (الأنعام: 151) وقوله سبحانه: (نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم..) (الإسراء: 31) وقالوا: ما الفرق بين الآيتين؟

ونقول: لو نظرت إلى صدر الآية لوجدتَ أن كل عجُز يليق بصدره، لأن القتل للأولاد كان له سببان: الأول: الفقر، فالعائل فقير لا يقدر على رزق نفسه، فما بالك برزق أولاده؟

لذلك قال سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ..) (الأنعام: 151) لأن الفقر موجود: (نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ..) (الأنعام: 151) وقدَّم الآباء على الأولاد؛ لانشغال نفوسهم برزقها أولاً.

والسبب الثاني: أن يكون عنده ما يكفيه، إنما يخشى الفقر إن جاءه أولاد، وفي هذه قال سبحانه: (وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم..) (الإسراء: 31) وقدَّم الأولاد على الآباء، فنحن نرزق الأبناء الذين تخافون الفقر بسببهم قبل أنْ نرزقكم، إذن: فكلّ آية مُذيَّلة بما يناسبها.

كذلك قُلْنا في مسألة السمع والبصر في قوله تعالى: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلْلَّيْلَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ) (القصص: 71) وذكر هنا السمع لأنه وسيلة الالتقاء في ظلمة الليل، وبه يستدعي الإنسان إنْ كان نائماً.

أما في آية النهار، فقال سبحانه: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَداً إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ) (القصص: 72) لأن البصر لا يكون إلا في ضوء النهار.

ومعنى (مَّثَانِيَ..) (الزمر: 23) يعني: مَثْنى يُقَال: مرة واثنين وثلاثة، أو: يثنى في الصلاة حيث نقرأ الفاتحة ثم سورة بعدها، وفي الركعة الثانية كذلك.

وقوله: (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ..) (الزمر: 23) وهذه صفة العبد الذي يخشى ربه ويراقبه ويعمل لنظره إليه حساباً، لأنه دائماً يعرض سلوكه على ربه، فإنْ رأى فيه مخالفة عاد إلى كلام الله وتذكَّر وعيده فيحدث عنده قشعريرة في جلده من خشية ربه، وهي أنْ يجفّ الجلد ويقعقع وتحدث رعشة في البدن من خوف العذاب، ومن خوف غضب الله، ثم يعود فيتذكر رحمة ربه التي سبقتْ غضبه، وعفوه الذي سبق عقوبته، فيعود إلى حالته الأولى: (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ) (الزمر: 23).

إذن: المؤمن يجمع بين الخوف والرجاء، وقلبه بين هذين الأمرين، فساعةَ يتذكر العقاب على المخالفة يقشعر جلده خوفاً، وساعة يتذكر رحمة ربه يلين جلده ويهدأ قلبه، ولِمَ لا وربه قد قال: (قُلْ يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ) (الزمر: 53).

(ذلك) وهذا هو الذي يحدث للمؤمن (هُدَى ٱللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَآءُ وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23) وقد وقف كثيرون عند هذه الآية يقولون: ما دام أن الله هو الذي يُضل فَلِمَ يُعذّب الضال؟

ومعنى (وَمَن يُضْلِلِ) (الزمر: 23) يعني: يعلم ضلاله، ويعلم أنه لن يسمع كلامه ولن يتبع منهجه، وقد خلقه الله تعالى مختاراً إنْ شاء آمن وإنْ شاء كفر، إذن: فالكافر ما كفر غَصْباً عن الله، إنما هل رضي الله منه ذلك؟

وقوله: (فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) (الزمر: 23) يعني: إياكم أنْ تستدركوا على الله بأحكام بشرية تُصنِّفها لكم عقول الذين يستنكفون أنْ يأخذوا عن الله، فما دام الله قال فلا يصح أنْ نستدركَ عليه سبحانه؛ لأنه لا يمكن أنْ نأتي بهدي أحسن من هُدَى الله.

ويجب على الأقل أن نفهم أن الذي يشرع شرعاً يريد أنْ يحكم به الناس لابُدَّ أن يكون غير منتفع به ليكون حكمه نزيهاً وموضوعياً؛ لأنه لو كان منتفعاً بالحكم لا بدّ أن يميل قلبه إليه ويسير هواه مع منفعته.

يعني: مثلاً لو شرَّع العمال لاختاروا الاشتراكية، ولو شرع الرأسماليون لاختاروا الرأسمالية، لذلك يشترط فيمَنْ يُشرع ألاّ يكون منتفعاً بما يشرع، وهذا الشرط لا يتحقق إلا في الحق سبحانه لذلك فإن الحق سبحانه و تعالى يترك في كونه قضايا حتى عند الكافرين به، وعند غير المؤمنين بمنهجه، قضايا تدل على أن شرع الله هو الأحسن، فكثيراً ما وقفوا عند قضايا لم يجدوا لها حلاً في قوانينهم، فلجأوا إلى دين الله وإلى شرع الله، لا لأنهم آمنوا به سبحانه، ولكن لأن قضاياهم وأمور حياتهم لا تُحَلّ إلا بهذا المنهج.



سورة الزمر الآيات من 21-26 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 21-26 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 21-26   سورة الزمر الآيات من 21-26 Emptyالسبت 20 مارس 2021, 8:22 am

أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (٢٤)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الاستفهام في (أفمن) مثل سابقه في قوله تعالى: (أَفَمَن شَرَحَ ٱللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ..) (الزمر: 22) لذلك لا بدّ أن نقدر هنا المقابل، فالمعنى: (أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ) (الزمر: 24) أي: كمن لا يعذب، ويمكن أنْ نرقي المسألة فنقول: كمن يُنعّم؟

ولك أنت أن تحكم.

ومعنى (سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ) (الزمر: 24) أي: العذاب الشديد السيئ، وتأمل (يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوۤءَ ٱلْعَذَابِ) (الزمر: 24) معلوم أن الوجه أشرف أعضاء الإنسان، وبه تتميز سمات الخلق؛ لذلك يقول سبحانه: (سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ) (الفتح: 29).

ولولا سمات الوجوه لتساوت الأبدان وتشابهت بعضها ببعض، لذلك يهتم الإنسان بوجهه ويدافع عنه ويحميه أولاً، ومثّلنا لذلك برجل يسير في الطريق، فمرّت بجواره سيارة مثلاً نثرت عليه وعلى ملابسه الطين، بالله ما أول شيء يحرص على نظافته وإزالة الأذى عنه؟

إنه يمسح أول ما يمسح وجهه، ثم يلتفت إلى ملابسه، لأن الوجه هو أشرف الأعضاء وأشهرها وأكرمها، وهو المُحَافَظ عليه قبل كل الجوارح.

إذن: ما بالك بعذاب لا يجد الإنسان ما يتقيه به إلا وجهه؟

نعم يتقي العذاب بوجهه، لأن يديه مغلولة، وقدمه مُكبلة، فلا مهربَ له ولا خلاصَ، فلا يملك إلا أنْ يتقي العذاب ويدفعه عن نفسه بأعزّ ما يملك، وبأشرف أعضائه وهو الوجه.

(وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ) (الزمر: 24) قوله في العذاب (ذُوقُوا) تهكم بهم، واختار الذوق وهو جارحة من الجوارح التي تؤدي مهمة في جسم الإنسان مثل العين والأذن، إنما اختار الذوق خاصة، لأن الذوقَ هو الحاسة الملازمة للإنسان، وبه قوام الحياة، حيث بالتذوق ندخل الطعام والشراب، ونتمتع به ونجد له لذة تفوق الملاذّ الأخرى.أما العين والأذن مثلاً، فقد ترَى أو تسمع ما لا يعجبك، أما في التذوق فإنك تختار ما يعجبك وتجد له لذة، وهنا يريد الحق سبحانه أن يعمم الذوق في الجسم كله، فجميع البدن يذوق العذاب.

وقلنا: إن اللسان هو جارحة التذوق بمراحله وما حوله يذوق ويُميِّز الطعوم، فإذا ما تجاوز الطعامُ هذه المنطقة فلا يشعر الإنسان له بأيِّ مذاق، ولذلك رأينا صناع الدواء يُغلفون الدواء المرّ بمادة مُستساغة مقبولة، تساعد على مرور الدواء من منطقة التذوق دون أنْ نشعر بمرارته.

وإذا نظرتَ إلى الجوارح كلها تجد أنها مُتعلقة بالغير، فأنا أسمع غيري وأرى غيري، وألمس غيري أو بعضي، أما الذوق فخاص بالإنسان نفسه، فلا يذوق إنسانٌ لآخر؛ لذلك اختار الله سبحانه هذه الجارحة في إظهار شدة العذاب وألمه (ذُوقُواْ) (الزمر: 24) وفي موضع آخر (ذُقْ).

لا رؤية ولا سماع ولا شم ولا لمس، إنما بالذوق الذي هو خاص بصاحبه، وكأن لكل واحد منهم مذاقاً يناسب عذابه.

وإذا كان للذوق منطقة خاصة هي اللسان بمراحله وما حوله، فالذوق هنا أراده الله عاماً وشاملاً، ليس في منطقة الذوق، ولكن الجسم كله يذوق العذاب، بدليل قوله سبحانه: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ..) (النساء: 56) فالإذاقة هنا تعدَّت منطقة الذوق إلى الجسم كله.

وإذا ما نظرنا إلى قوله تعالى -بالاعتبار- في القرية التي كانت آمنة مطمئنة فكفرتْ بأنْعُم الله، قال الله فيها: (فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ..) (النحل: 112) فكأن الإذاقة تلبسهم وتحيط بهم من كل ناحية.

والشعراء عادة حينما يبالغون في شيء يُعدّونه من منطقة الحِسِّ له إلى كل المناطق، وقد اعتاد الشعراء على ذكر القلب، وأنه محلُّ الحب.

ومن ذلك قول الشاعر:
وَدَاعٍ دَعَا إذْ نَحْنُ بالخِيف مِنْ مِنَى فَهَيّجَ أحْزَانَ الفُؤادِ ومَا يَدْري
دَعَا باسْم لَيْلَى غيرها فَكَأنَّمَا أَهَاجَ بِلَيْلَى طَائِراً كانَ فِي صَدْري

وقال الآخر:
كأنَّ القلبَ لَيْلَة قِيلَ يُغْدَى بِلَيْلَى العَامِرية أوْ يُرَاحُ
قطاةٌ عزَّها شَرَكٌ فَبَاتتْ تجاذبه وقَدْ عَلَقَ الجنَاحُ

أما الشاعر الذي أراد المبالغة في هذه المسألة فقال:
خَطَراتُ ذِكْرِكَ تَسْتَثِيرُ مَودَّتِي فَأُحِسُّ مِنْها فِي الفُؤَادِ دَبِيبا
لاَ عُضْو لِي إِلاَّ وَفيهِ صَبابةٌ فَكأنَّ أعْضائي خُلِقْنَ قُلُوبَا

فالحب عنده تَعدَّى مَنطقته، حتى صار في كل أعضائه وجوارحه، وهكذا تتعدى الإذاقةُ منطقة الذَّوْق لتشملَ الجسم كله.

لذلك كان قوله تعالى: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ..) (النساء: 56) آيةً من آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، مع أن الإعجاز باللغة والأسلوب والفصاحة خاص بالعرب، أما غير العربي فله إعجاز آخر يناسبه إعجاز بأن يأتي له القرآن بأقضية، لم تكن تخطر على البال ساعةَ نزول القرآن، ولم يعرفها العلم طوال قرون.

والآن وبعد أكثر من أربعة عشر قرناً من نزول القرآن يثبت العلم الحديث أن ما أخبر به الحق سبحانه في قرآنه هو الحق، وأنه سبحانه هو العَالِم بما يكون في كَوْنِ الله باختيار خَلْق الله.

قلنا: إنه لما انتهت الحرب العالمية الأولى وانهزمتْ ألمانيا جاء أحد علماء الاقتصاد بها ويسمى (شاخت)، وأراد أن يرفع من شأن بلاده، وأن ينهض بها بعد الهزيمة، ولما لم يتمكن من الخدمة في الجيش لأنه كان أعرجَ فأعمل عقله في خدمة بلاده، وشجّع البحث العلمي فيها إلى أن توصلوا إلى اختراع أسطوانة تحطيم الجوهر الفرد، أو الجزء الذي لا يتجزأ كما يسميه الفلاسفة والمراد به الذرَّة.

فلما نجحوا في تفتيت الذرة، وأصبح لها أجزاء أصغر منها أخذها أعداء الإسلام فرصةً للطعن في صِدْق القرآن الكريم، فقالوا لقد ضرب الله مثلاً لأصغر شيء بالذرة في قوله تعالى: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ) (الزلزلة: 7-8) وها هو العلم يكتشف ما هو أصغر من الذرة.

لكن سرعان ما فتح الله على أهل العلم فردٌّوا عليهم وقالوا لهم: تمهلوا واقرأوا القرآن كله، ولا تأخذوا منه ما يؤيد تهجمكم عليه، ففي آية أخرى قال الله تعالى: (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (يونس: 61).

إذن: في القرآن احتياطٌ لهذه المسألة، فلم يقل صغير بل أصغر من الصغير، فمهما حدث من تفتيت، ففي القرآن احتياط له.

ومن إعجاز القرآن لغير العرب هذه الآيات العلمية التي يكتشفونها، فإذا بالقرآن يسبقهم إليها، ومن ذلك مثلاً مسألة مراكز الإحساس في الجسم، أولاً قالوا: المخ هو مركز الإحساس، وقال آخرون: بل النخاع الشوكي، بدليل أن الإنسان يُحِس بأشياء مع أنها لم تلمس جسمه، كما لو وضعت أصبعك مثلاً مقابل عيْن إنسان، فإنه يغلق عينه تلقائياً.

ثم لما تأملوا الإبرة أو الحقنة تُعطَى للمريض مثلاً، فإنه لا يشعر بالألم إلا بمقدار نفاذ الإبرة من الجلد، فقالوا: إذن: الجلد هو مركز الإحساس، وهذا هو ما قرره القرآن الكريم في قوله تعالى: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ..) (النساء: 56).

وقوله تعالى: (مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ) (الزمر: 24) مادة (كسب) في القرآن الكريم جاءت كما قلنا على صيغتين: كسب واكتسب، وقد بيَّن الحق سبحانه متعلق كل منهما في قوله تعالى: (لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا ٱكْتَسَبَتْ..) (البقرة: 286) فكسب للخير واكتسب للشر؛ لأن كسب على وزن فعل، والخير يأتي من صاحبه طبيعياً لا تكلُّف فيه ولا افتعال، أما اكتسب فعلى وزن افتعل فيها افتعال، والافتعال لا يكون إلا في الشر، فالخير لا يحتاج منك إلى حيل وافتعال، بل يأتي طبيعياً على خلاف الشر.

وقد أوضحنا هذه المسألة بالرجل يجلس مع زوجته وبناته، وينظر إلى جمالهن نظراً طبيعياً لا يحتاط فيه لشيء ولا يخشى فيه شيئاً، أما إن أراد أن ينظر إلى امرأة جميلة في الشارع مثلاً، فإنه يتلصص لذلك ويحتال، هذا هو الافتعال.

لكن القرآن الكريم خالف هذه القاعدة في مواضع، منها هذه الآية (وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ) (الزمر: 24) ولم يقل تكتسبون، فاستخدم كسب في الشر، وفي موضع آخر أيضاً قال: (بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة: 81).

فلماذا عَدَل القرآن عن اكتسب إلى كسب؟

قالوا: لأن الإنسان والعياذ بالله قد يتعوّد المعصية ويألف المخالفة حتى تصير له عادة يفعلها فِعْلاً طبيعياً ويأنس بها وكأنها طاعة، وهذا الذي نسميه (فاقد) ولأنه ألفها وتعوَّد عليها بل ويفرح بها عبَّر القرآنُ عنها بكسب التي هي للخير، ونقل الاكتساب إلى محل الكسب.

لذلك فرَّق القرآن بين مَنْ يفتعل المعصية ويقصدها ويسعى إليها، ومَنْ تقع عليه المعصية دون إعداد لها، واقرأ قول الله تعالى: (إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـٰئِكَ يَتُوبُ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ وَلاَ ٱلَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـٰئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (النساء: 17-18).

معنى (بِجَهَالَةٍ) أي: من غير قصد لها ولا ترتيب ولا بحث عنها، وإنْ حدث منهم السوء لا يفرحون به، بل يألمون ويندمون، أما النوع الآخر فيرتكب السيئات عن قصد ولا يبالي، وربما فرح بها وجاهر بها.



سورة الزمر الآيات من 21-26 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة الزمر الآيات من 21-26 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة الزمر الآيات من 21-26   سورة الزمر الآيات من 21-26 Emptyالسبت 20 مارس 2021, 8:23 am

كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (٢٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

قوله سبحانه: (كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ..) (الزمر: 25) أي: من الأمم السابقة (فَأَتَاهُمُ ٱلْعَـذَابُ..) (الزمر: 25) أي: عذاب الدنيا بهزيمتهم ونُصْرة الدين الذي كانوا يحاربونه ويصادمونه، وهذه أيضاً هي التي حدثتْ للكافرين، حيث نصر الله الإسلام، وأظهر مبادئه وقضاياه على مبادئ الكفر، وهذا في حَدِّ ذاته لَوْنٌ من العذاب في الدنيا، فإذا ما عادوا إلى الله في الآخرة كان لهم عذاب آخر أشدّ وأنكى.

إذن: فهم يشبهون من سبقهم من المكذِّبين؛ لذلك قال في موضع آخر: (كَدَأْبِ..) (آل عمران: 11).

لذلك قوله تعالى: (كَذَّبَ) هنا وقوله (كَدَأبِ) هناك يتبين لنا قضية نفسية في القرآن الكريم، هي أن حفاظ القرآن يجب ألاّ يكونوا من العلماء، خاصةً علماء اللغة والفصاحة، لأن العالم إذا وقف في القرآن أمام لفظ أمكنه أنْ يتصرَّف فيه ويكمل قراءته، فيقول مثلاً: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِن جَآءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوۤاْ..) (الحجرات: 6) يقول: فتثبتوا أو فتحققوا، ويمكن أنْ يستقيم المعنى، لكن الحق سبحانه يريد لفظاً بعينه لا يجوز أنْ نتعداه إلى غيره، أما الذي تخصص في حفظ القرآن، وليست لديْه ملكَة التصرف هذه، فإذا نسي أو وقف في لفظ وقف (بالأربعة) يعني: لا يمكن له التصرف فيه، وهذا هو المطلوب في حَفَظة كلام الله، وهذه من عظمة القرآن.

لذلك قلنا: إن كمال القرآن لا يتعدَّى، كيف؟

فمثلاً لو أردنا لإنسان أنْ يرقِّق أسلوبه ويُقوِّيه في الأداء الإنشائي ننصحه بأنْ يقرأ كتب الأدب عند المنفلوطي والرافعي وغيرهما، فلما يُكثر من هذه القراءات نلاحظ تحسُّناً في أسلوبه وأدائه.

ثم إن حافظ القرآن المتمكن منه حتى لو حفظه بالعشرة وقِيل له اكتب خطاباً تجده لا يستطيع أن يكتبه فصيحاً أبداً.

لماذا؟

لأن كمال القرآن لا يتعدَّى إلى غيره، إنما بلاغة البشر تتعدى إلى البشر.

وقوله: (مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ) (الزمر: 25) أي: من حيث لا يُقدِّرون ولا يحتسبون، حيث يداهمهم من العذاب ما لم يكُنْ في حسبانهم، ولم يخطر لهم ببال، كما في قوله سبحانه: (وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ) (النور: 39) أي: فوجئ به، فوجئ بحسبان آخر غير ما كان ينتظر، لأنه كذَّب في الدنيا بالبعث وبالحساب، والآن يُفاجئه الحساب الذي كذَّب به.

ثم يقول سبحانه: (فَأَذَاقَهُمُ ٱللَّهُ ٱلْخِزْيَ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا..) (الزمر: 26) هنا نقل الإذاقة الحسية إلى الإذاقات المعنوية، والخزي والذلة نوع من العذاب، ولها إيلام يفوق الإيلام الحِسِّيَّ، فمن الناس مَنْ لا يؤلمه الضرب، إنما تؤلمه كلمة جارحة تخدش عِزَّته وكرامته.

لكن لماذا أذاقهم اللهُ الخزيَ في الدنيا قبل عذاب الآخر؟

أذاقهم الخزي لأنهم تكبَّروا على الحق وتجبَّروا، وجاءوا بقَضِّهم وقضيضهم في بدر لمحاربة الإسلام، وظنوا أنهم (العناتر) والجولة جولتهم، المراد إذن صناديد قريش ورؤوس الكفر أمثال عتبة وشيبة والوليد وغيرهم، جاءوا بالعدد والعُدة، وما خرج المسلمون لقتال إنما خرجوا للعير، ومع ذلك أعزَّ اللهُ جنده وأخزى عدوه، فقتل منهم مَنْ قتل، وأسر مَنْ أسر وذلّوا، وكان الخزي لهؤلاء أنكَى من القتل.

إذن: كان لهم الخزي في الدنيا، أما في الآخرة فلهم عذاب: (وَلَعَذَابُ ٱلآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 26) نعم، عذاب الآخرة أكبر من خزي الدنيا وأشدّ (لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ) (الزمر: 26) لأن الذين علموا هذه الحقيقة انتهوا وآمنوا، أما هؤلاء فعاندوا وكابروا وكذَّبوا.



سورة الزمر الآيات من 21-26 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة الزمر الآيات من 21-26
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة الزمر الآيات من 32-35
» سورة الزمر الآيات من 37-40
» سورة الزمر الآيات من 41-45
» سورة الزمر الآيات من 46-50
» سورة الزمر الآيات من 50-55

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: الزمر-
انتقل الى: