أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الصافات الآيات من 178-182 الخميس 04 فبراير 2021, 12:39 am | |
| وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ (١٧٨) وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (١٧٩) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
قوله تعالى في الآية السابقة: (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ) (الصافات: 174) يُراد به حين الدنيا، كذلك: (وَأَبْصِرْهُمْ) (الصافات: 175) أي: في الدنيا: (فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) (الصافات: 175) أي: في الدنيا وهذا الحين هو الذي قال الله فيه: (فَـإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ ٱلَّذِي نَعِدُهُمْ) (غافر: 77) أي: من العقاب في الدنيا: (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ) (غافر: 77) في الآخرة.
أما الحين هنا (وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ) (الصافات: 178) يراد به حين الآخرة، فليس تكراراً للحين الأول، كذلك (وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ) (الصافات: 179) في الآخرة حين يُفاجئهم العذاب الذي أنكروه وكذَّبوا به، فيقولون ساعتها: (رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) (السجدة: 12). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الصافات الآيات من 178-182 الخميس 04 فبراير 2021, 12:40 am | |
| سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (١٨١) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٨٢) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
يختم الحق سبحانه السورة بالسُّبحانية التي تُثبت التنزيه لله تعالى في ذات ليست كالذوات، وفي صفات ليست كالصفات، وفي أفعال ليست كالأفعال، فكل شيء له سبحانه ولخَلْقه فيه نسبة نأخذه في إطار: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (الشورى: 11).
فالمعنى: (سُبْحَانَ رَبِّكَ) (الصافات: 180) أي: تنزَّه ربك عن كل نقص وعن كل مُشابهة، فالخَلْق ذواتٌ، لكن ليست كذاته سبحانه، ولهم وجود ليس كوجوده سبحانه، ولهم غِنىً ليس كغِنَاهُ، وحكمة ليست كحكمته.. إلخ.
ومعنى (رَبِّ ٱلْعِزَّةِ) (الصافات: 180) كلمة رب تفيد التربية وهي تأهيل المربي لأنه ينجح في الغاية المنوطة به المطلوبة منه، ولكي تعده لابُدَّ أنْ تعرف أولاً الغاية التي وُجِد من أجلها، بعد ذلك لابُدَّ أنْ تكون لديك حكمة تحدد له المنهج الذي يوصله إلى هذه الغاية.
إذن: مَنْ يحدد الغاية من وجود الإنسان؟
قلنا: إن الصانع من البشر هو الذي يحدد الغاية من صنعته أولاً، وقبل أنْ يشرع فيها فهل مخترع التليفزيون مثلاً صنعه ثم قال لنا: انظروا في أي شيء يمكن أنْ يُستعمل هذا الجهاز؟
لا بل حدَّد الهدف وحدَّد الغاية أولاً، كذلك غايتك أيها الإنسان لا يحددها لك إلا مَنْ خلقك.
فصيانة الصنعة يقوم بها الصانع، كذلك صيانة الخَلْق لا تكون إلا بمنهج الحق.
لذلك نقول: ما فسدت الدنيا إلا حين خرج الإنسان عن هذا الإطار، فحدَّد لنفسه الغاية، ووضع لنفسه منهج الحياة ونحَّى صانعه ومنهج صانعه جانباً، وقلنا: إن منهج الخالق للخَلْق مثل (الكتالوج) الذي به تُصَان الصنعة، وبه نصلح ما فيها من عطب، ويُشترط في واضح المنهج أن يكون من الدقة والحكمة بحيث لا يفوته شيء ولا يستدرك عليه، ولا نضطر إلى تعديل ما وضع، والخالق سبحانه هو الأعلم بعباده وصنعته، وهو الأعلم بما يصلحهم في الدنيا وفي الآخرة: (أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلْخَبِيرُ) (الملك: 14).
وإلا فلماذا يستدعينا الخالق سبحانه إلى خمس مرات في اليوم والليلة، ويجعل الصلوات فرضاً لازماً لا يسقط عن الإنسان بحال من الأحوال، لذلك شُرِعَتْ صلاة السفر وصلاة المريض، حتى أنه إذا اشتد عليه المرض صلَّى ولو بطرفة عينه أو بخاطر نفسه.
وسبق أنْ قلنا في هذه المسألة: إنك حين تريد مثلاً مقابلة رئيس أو مسئول كبير، فلابُدَّ لك من موعد مسبق وموافقة وإجراءات، بل ويحدد لك ما تقوله، ثم هو الذي يُنهي المقابلة.. إلخ أما لقاؤك مع ربك فلقاء المحب الذي يترك لحبيبه أنْ يحدد وقت المقابلة ومكانها وموضوعها، ويترك له أنْ ينهيها متى أحبَّ، وأنْ يبدأها متى شاء، فإنْ أردتَ لقاء ربك فما عليك إلا أنْ تستعد له وتكبِّر: الله أكبر، كلمة تجعلك مباشرة في حضرة ربك عز وجل.
وتصوَّر صنعة تُعرَض على صانعها خمس مرات كل يوم، أيبقى فيها عطب أو فساد؟
لذلك كان سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حَزَبه أمر يُهْرَع إلى الصلاة، وكان يقول: "أرحنا بها يا بلال".
نعم أرحنا بها، لا أرحنا منها.
إذن: ذكر سبحانه في الختام السبحانية، ثم الربوبية التي تربيك وتُعدك للمهمة المرادة منك، هذه التربية تُربِّيك.
لماذا؟
تربيك للعزة (رَبِّ ٱلْعِزَّةِ) (الصافات: 180) والعزة أنْ تغلب ولا يغلبك أحدٌ أبداً، وقلنا -ولله تعالى المثل الأعلى- الولد الصغير حين يسير في الشارع وحده يتجرأ عليه الآخرون، ويتحرشون به ويضربونه، أما إنْ سار في صحبة والده وأخذه في يده لا يجرؤ أحد على التعرُّض له، كذلك أنت أيها المسلم كُنْ دائماً في حضن ربك، وفي يده، وفي معيته، وعندها لن يجرؤ أحد عليك.
إذن: العزة التي يتصف بها الحق سبحانه، ويفيض منها على عباده هي الغَلَبة التي لا تُقهر، والقدرة التي لا تحتاج إلى أحد، وهناك عزَّة أخرى هي العزة بالإثم، والتي قال الله عنها: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ) (البقرة: 206).
فالعزة هنا كبر بلا رصيد ولا سند.
ومنها أيضاً قوله تعالى حكايةً عن المنافقين: (يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ) (المنافقون: نعم، صدقوا والله، لكن مَنِ الأعزُّ ومَنِ الأذل؟
وقوله (عَمَّا يَصِفُونَ) (الصافات: 180) أي: تنزَّه سبحانه عن قولهم وعن كذبهم (وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ) (الصافات: 181) أي: جميعاً لأنهم وإنْ كلَّفونا في بعض الأحيان ما يشقُّ على النفس إلا أنهم أخذوا بأيدينا إلى بَرِّ الأمان والنجاة، فعليهم مِنّا السلام كلما ذكرناهم نصلي ونُسلِّم عليهم (وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (الصافات: 182) الذي هدانا لاتباع المنهج بواسطة الرسل، وأعاننا على هذا الاتباع، والحمد لله على الجزاء الذي أعدَّه لنا من نعيمه وجناته في الآخرة، لذلك قال سبحانه: (وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (يونس: 10).
وقال العلماء روايةً عن سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أراد أنْ يُكَالَ له بالكيل الأوفى من الأجر يوم القيامة فليختم مجلسه بقوله: (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلاَمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ * وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ) (الصافات: 180-182). |
|