أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة الصافات الآيات من 016-021 السبت 30 يناير 2021, 7:47 am | |
| أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (١٦) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (١٧) قُلْ نَعَمْ وَأَنْتُمْ دَاخِرُونَ (١٨) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
عجيب منهم إنكار البعث بعد ما سُقْناه إليهم من أدلة، حتى إنْ أنكروا أدلتنا وكذَّبوا بها، ألم يسمعوا من الأمم السابقة والرسالة التي مَضَتْ أن البعث حَقٌّ؟
إذن: هو العناد والاستكبار عن قبول الحق.
لذلك، فالقرآن الكريم يضرب لهم مثلاً ودليلاً على صِدْق الإخبار بالبعث، ويسوق هذه القصة من الأمم السابقة في سورة البقرة: (أَوْ كَٱلَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىٰ يُحْيِـي هَـٰذِهِ ٱللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ ٱللَّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَٱنْظُرْ إِلَىٰ طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَٱنْظُرْ إِلَىٰ حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَٱنْظُرْ إِلَى ٱلعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 259).
هذه قصة واقعية؛ لأن القرآن حكاها لنا عن الأمم السابقة؛ لتكون دليلاً على قدرة الله على بَعْث الموتى، وهي قصة رجل باحث عن الحقيقة، جعله الله مثالاً ونموذجاً لنفسه أولاً، ولمن جاء بعده، فلما مَرَّ على القرية وهي على هذا الحال من الخراب استبعد أنْ تحيا بأهلها مرة أخرى، فأماته الله لِيُريه كيف يحيي الموتى.
وصدق الرجل في قوله: (لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) (البقرة: 259) وصدق الله في قوله: (بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ) (البقرة: 259) كيف؟
لأن عظام الحمار التي تحوَّلت إلى تراب دَلَّت على المائة عام، وطعامه الذي لم يتغير دَلَّ على يوم أو بعض يوم، وهذا ليس عجيباً، ما دام أن الفاعل هو الله عز وجل القابض الباسط، فهو وحده القادر على أنْ يجمع بين الضِّدّيْن، فيقبض الزمن في حَقِّ قوم، ويبسطه في حق آخرين.
ألم يأمر نبيه موسى -عليه السلام- أن يضرب بعصاه البحر، فصار الماء كُلُّ فِرْق كالطود العظيم، وأمره أنْ يضرب بعصاه الحجر، فانبجست منه اثنتا عشرة عَيْناً؟
إذن: هي طلاقة القدرة.
وعجيبٌ منهم أيضاً أنْ يسألوا عن الآباء، مع أن قضية البعث واحدة، فقولهم (أَوَ آبَآؤُنَا ٱلأَوَّلُونَ) (الصافات: 17) دليل على تخبُّطهم، أو ربما فهموا أن الذي سيموت حديثاً (طازة) يعني: هو الذي سيُبعث، أما القديم فبَعْثه غير ممكن.
ويردُّ الله عليهم (قُلْ) يعني: قل لهم يا محمد بمِلءْ فِيكَ (نَعَمْ) يعني: ستُبعثون، والنبي يقولها قَوْلة الواثق؛ لأنه مأمور بها من قِبَل الله القادر على أنْ يبعث الخَلْق (قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ دَاخِرُونَ) (الصافات: 18) يعني: ستُبْعَثون حال كونكم (دَاخِرُونَ) (الصافات: 18) يعني: صاغرين أذلاء خاضعين، جزاءَ الَّلدَد والعناد والاستكبار على قبول الحق في الدنيا، كما قال تعالى في موضع آخر: (بَلْ هُمُ ٱلْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ) (الصافات: 26). |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة الصافات الآيات من 016-021 السبت 30 يناير 2021, 7:49 am | |
| فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِذَا هُمْ يَنْظُرُونَ (١٩) وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَٰذَا يَوْمُ الدِّينِ (٢٠) هَٰذَا يَوْمُ الْفَصْلِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (٢١) تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
قوله تعالى (فَإِنَّمَا هِيَ) (الصافات: 19) أي: مسألة البعث (زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ) (الصافات: 19) صيحة واحدة، أو نفخة واحدة كافية لأن تُخرِجهم من قبورهم (فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ) (الصافات: 19) لا أننا سنذهب إلى كل واحد منهم ونوقظه (اصحى يا فلان) إذن: البعث الذي تكذِّبون به أمرُه يسير علينا، ولا يُكلِّفنا شيئاً.
والصيحة في ذاتها لا تبعث الموتى، إنما هي مجرد إذْنٍ للملَك، بأن يباشر مهمته، فهي مثل الجرس الذي يُبْدأ به العمل، فبعد الزَّجْرة (فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ) (الصافات: 19) هكذا مباشرة؛ لأن إذا هنا تدل على المفاجأة، فالأمر لن يستغرق وقتاً، وأول ما يقومون من القبور ينظرون أي: هنا وهناك؛ لأنهم سيروْنَ أمراً عجيباً لا عَهْدَ لهم به، وسيُفاجئهم ما كانوا يُكذِّبون به في الدنيا.
لذلك حكى القرآن عنهم في آية أخرى: (رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا) (السجدة: 12) وهي أول آية في القرآن يتقدم فيها البصر على السمع؛ لأنهم أول ما يفاجئهم يفاجئهم منظرٌ جديد لم يَرَوْهُ من قَبْل، فينظرون إليه.
فإذا ما عاينوا هذا المنظر، قالوا: (يٰوَيْلَنَا هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ * هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (الصافات: 20-21) هم الذين يقولون، وهم الذين يدْعُون على أنفسهم بالوَيْل والثبور، لا نقولها نحن ويلكم، بل يقولونها هم (يٰوَيْلَنَا) (الصافات: 20) يعني: احضر، فهذا أوانك؛ لأنهم الآن تكشَّفَتْ لهم الحقائق وبَانَ كذبُهم وفسادُ تفكيرهم، وما كانوا فيه في الدنيا من اللَّدَد والعناد، وأول ما يتبين للإنسان فسادُ تفكيره وسوء عمله أوَّل ما يلوم يلوم نفسه، فيدعو عليها.
وقولهم: (هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ) (الصافات: 20) يعني: يوم الجزاء على الأعمال، هذا الجزاء الذي لم يؤمنوا به في الدنيا، ها هم يعترفون به، أو (هَـٰذَا يَوْمُ ٱلدِّينِ) (الصافات: 20) يعني: هذا هو اليوم الذي ينفع فيه الدين، كما تقول لولدك وهو مُقبل على الامتحان: هذا يوم المذاكرة.
يعني: اليوم الذي لا تنفعك فيه إلا مذاكرتك.
ثم يقولون: (هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ) (الصافات: 21) ثم يعترفون (ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) (الصافات: 21) والفصل لا يكون إلا في الخصومة، والخصومة هنا كانت بين الرسل وأقوامهم المكذِّبين لهم والمعاندين، ومثْل هذه الخصومة لا يُنهيها الجدل؛ لأن المكذبين لديهم لدَد وعناد، وقد لا يُنهيها السيف حتى يموت الظالم دون أنْ يقتصَّ منه.
إذن: لابُدَّ أنْ يأتي يوم للقصاص وللفصل في هذه الخصومات؛ لذلك قال أحدهم: والله لا يموت ظلوم حتى ينتقمَ الله منه، فقال الآخر: كيف وفلان ظلم كثيراً ولم نَرَ فيه شيئاً؟
قال: والله، إن وراء هذه الدار داراً أخرى يُجَازَى فيها المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.
نعم، لابُدَّ من هذا اليوم، وإلا لَكانَ الظالم أحظَّ من المظلوم. |
|