وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (١٢٣) إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلَا تَتَّقُونَ (١٢٤) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ (١٢٥) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (١٢٦)
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

كلمة (إلياس) تُكتب هكذا بالسين، والبعض لا يكتبون السين، إنما يكتبون اسمها فيقولون (إلياسين) فهما عَلَم على هذا النبي الكريم نقول: إلياس أو إلياسين اسم لمسمى واحد، وهو غير اليَسَعَ عليهم جميعاً السلام.

وهذه الآيات توضح أن سيدنا إلياس جاء بقضية عقدية، لا بمنهج تكليفي، جاء ليُصحح القمة العقدية في الإيمان بواجب الوجود الإله الواحد الذي يجب أنْ يُدْعى وحده، وموكب الرسالات من لَدُنْ آدم عليه السلام إنما جاء ليصحح صِلَة المخلوق بالخالق.

لذلك أثبت له أنه الخالق الرازق، وأنه العليم القادر الحكيم العزيز.. إلخ، فهو الذي خلقك وأنعم عليك، لتتلقى أوامره برضاً، وتُقبل عليها باطمئنان، وإنْ لم تكُنْ عبادتك له جزاء ما قدَّم لك من النعم التي هيَِّأها لك قبل أن توجد، فلا تكُنْ عبادتك له خوفاً من عقابه حين تعود إليه.

معنى (أَلاَ تَتَّقُونَ) (الصافات: 124) ألاَ للحثّ وللحضِّ على التقوى، أو للعرض كما تقول: هل لك من كذا؟

وقوله (أَتَدْعُونَ بَعْلاً) (الصافات: 125) أي: تعبدون صنماً اسمه بَعْلاً (وَتَذَرُونَ) (الصافات: 125) تتركون (أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ) (الصافات: 125).

الحق سبحانه حين يصف نفسه بأنه تعالى (أحسن الخالقين) يعني: أنه سبحانه لا يضنُّ على عبده بصفة الخَلق، فالإنسان الذي يُعمِل عقله في الكون، ويخترع شيئاً نافعاً لمجتمعه يُسمِّيه الله خالقاً، لأنه أبدع شيئاً جديداً لم يكُنْ موجوداً.

فهو خالق، والله أحسن الخالقين، لأن الله يخلق من عدم محض، أما أنت فتخلق من موجود، خلق الله فيه حياةً ونمواً وحركة.. إلخ، وخَلْقُك جامد ثابت عند شيء معين، وقد سبق أنْ بيَّنا الفرق بين الاثنين.

وتأمل هنا: الحق سبحانه ينكر عليهم أنْ يعبدوا صنماً، ويتركوا عبادة الله لكن لم يقُلْ: وتذرون الله، إنما (وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ ٱلْخَالِقِينَ) (الصافات: 125) فذكر الوصف المشوِّق الدال على أحقيته تعالى في العبادة، وكأنهم سألوا، ومَنْ أحسن الخالقين؟

فقال سبحانه: (ٱللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَآئِكُمُ ٱلأَوَّلِينَ) (الصافات: 126) فأنا أحسن الخالقين، وأنا ربّكم وأنا ربُّ آبائكم الأولين، المستحق للعبادة.

فماذا كان الجواب؟

(فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ...).