أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الدرس (7) من مدرسة الحياة الأحد 15 مايو 2011, 11:49 pm | |
| الدرس السابع فهذا هو الدرس السابع من مدرسة الحياة والتي نشرح فيها كتاب صيد الخاطر لأبن الجوزي رحمه الله تعالى واليوم الجمعة والذي يوافق الرابع والعشرين من شهر رمضان سنة ألف وأربعمائة وواحد وثلاثين من هجرة خير من وطء الحصى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم والذي يوافق الثالث من شهر سبتمبر سنة ألفين وعشرة ولازلنا نشرح هذه الخاطرة والتي عنونتها(( نَفْثَةِ مَصْدُوْر) قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى قلتُ يوماً في مجلسي: لَو أَن الْجِبَال حَمَلَت مَا حُملّت ُلَعَجَزْت فَلَمَّا عُدْت إِلَى مَنْزِلِي قَالَت لِي الْنَّفْس كَيْف قُلْت هَذَا ؟ وَرُبَّمَا أَوْهَم الْنَّاس أَن بِك بَلاءً وَأَنْت فِي عَافِيَة فِي نَفْسِك وَأَهْلِك ، وَهَل الَّذِي حُمِلتَ إِلَا الْتَّكْلِيْف الَّذِي يَحْمِلُه الْخُلُق كُلُّهُم ؟ فَمَا وَجْه هَذِه الشَّكْوَى ؟فَأَجَبْتُهَا: إِنِّي لِمَا عَجَزَتُ عَمَّا حُمِلتُ قُلْت هَذِه الْكَلِمَة لَا عَلَى سَبِيِل الشَّكْوَى وَلَكِن للاسترواح ، وَقَد قَال كَثِيْر مِن الْصَّحَابَة وَالْتَّابِعِيْن قَبْلِي لَيْتَنَا لَم نُخْلَق وَمَا ذَاك إِلَّا لِأَثْقَال عَجَزُوُا عَنْهَا، ثُم مِن ظَن أَن التَّكَالِيف سَهْلَة فَمَا عَرَفَهَا ، أَتُرَى يَظُن الْظَّان أَن الْتَّكَالِيَف غُسْل الْأَعْضَاء بَرْطَلٍ مِن الْمَاء أَو الْوُقُوْف فِي مِحْرَابٍ لأداء رَكْعَتَيْن ؟ هَيْهَات هَذَا أَسْهَل الْتَّكْلِيْف ، وَإِن الْتَّكْلِيْف هُو الَّذِي عَجَزَت عَنْه الجبال وَمَن جُمْلَتِه أَنَّنِي إِذَا رَأَيْت الْقَدَْر يَجْرِي بِمَا لَا يَفْهَمُه الْعَقْل أَلْزَمَت الْعَقْل الْإِذْعَان لِلْمُقَدِّّر ، فَكَان مِن أَصْعَب الْتَّكْلِيْف وَخُصُوصاً فِيْمَا لَا يَعْلَم الْعَقْل مَعْنَاه كَإِيُلام الْأَطْفَال وَذَبَح الْحَيَوَان مَع الاعتقاد بِأَن الْمُقَدِّر لِذَلِك وَالْآمِر بِه أَرْحَم الْرَّاحِمِيْن ، فَهَذَا مِمَّا يَتَحَيَّر الْعَقَل فِيْه فَيَكُوْن تَكْلِيْفِه التَّسْلِيْم وَتَرْك الاعتراض فَكَم بَيْن تَكْلِيْف الْبَدَن وَّتَكْلِيْف الْعَقْل ؟)وَلَو شَرَحْتُ هَذَا لَطَال ، غَيْر أَنِّي أَعْتَذِر عَمَّا قُلْته فَأَقُوْل عَن نَّفْسِي وَمَا يَلْزَمُنِي حَال غَيْرِي إِنِّي رَجُل حُبِّب إِلَي الْعِلْم مِن زَمَن الَّطُفُوْلَة فَتَشَاغَلْت بِه ، ثُم لَم يُحبَبَ إِلَي فَنُ وَاحِدٍ مِنْه بَل فُنُوْنِه كُلَّهَا ، ثُم لَا تَقْتَصِر هِمَّتِي فِي فَن عَلَى بَعْضِه بَل أَرُوْم اسْتِقْصَاءه وَالْزَّمَان لَا يَسْعَى وَالْعُمْر أَضْيَق وَالْشَّوْق يَقْوَى وَالْعَجْز يُظْهِر فَيَبْقَى وُقُوْف بَعْض الْمَطْلُوْبَات حَسَرَات ثُم إِن الْعِلْم دَلَّنِي عَلَى مَعْرِفَة الْمَعْبُوْد وَحَثَّنِي عَلَى خِدْمَتِه ، ثُم صَاحَت بِي الْأَدِلَّة عَلَيْه إِلَيْه فَوَقَفْت بَيْن يَدَيْه فَرَأَيْتُه فِي نَعْتِه وَعَرَفْتُه بِصِفَاتِه وَعَايَنْت بَصِيْرَتِي مِن أَلْطَافِه مَا دَعَانِي إِلَى الْهَيْمَان فِي مَحَبَّتِه ، وَحَرَّكَنِي إِلَى الْتَّخَلِّي لِخِدْمَتِه وَصَار يَمْلِكُنِي أَمَرُ كَالوَجد كُلَّمَا ذَكَرْتُه ، فَعَادَت خَلْوَتِي فِي خِدْمَتِي لَه أَحْلَى عِنْدِي مِن كُل حَلَاوَة, ,فَكُلَّمَا مَلّت إِلَى الانْقِطَاع عَن الْشَّوَاغِل إِلَى الِخْلوَة صَاح بِي الْعِلْم أَيْن تَمْضِي؟ أَتُعرِضُ عَنِّي وَأَنَا سَبَب مَعْرِفَتِك بِه ؟فَأَقُوْل لَه: إِنَّمَا كُنْت دَلَيْلَاً ، وَبَعْد الْوُصُول يُسْتَغْنَى عَن الْدَّلِيل ، قَال: هَيْهَات كُلَّمَا زِدْتَ زَادَت مَعْرِفَتُك لْمَحْبُوَبك وَفَهِمْت كَيْف الْقُرْبُ مِنْه وَدَلِيْل هَذَا أَنَّك تعلم غَدَا أَنَّك الْيَوْم فِي نُقْصَان ، أَوَ مَا تَسْمَعُه يَقُوْل لِنَبِيِّه صَلَّى الْلَّه عَلَيْه وَآَلِه وَسَلَّم﴿ وَقُل رَّب زِدْنِي عِلْما ﴾ثُم أَلَسْت تَبْغِي الْقُرْب مِنْه فَاشْتَغِل بِدَلَالَة عِبَادِه عَلَيْه ، فَهِي حَالِات الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الْصَّلاة وَالْسَّلام ، أَمَا عَلِمْت أَنَّهُم آَثَرُوْا تَعْلِيْم الخّلق عَلَى خَلَوَات الْتَّعَبُّد لِعِلْمِهِم أَن ذَلِك آَثَر عِنْد حَبِيْبِهِم، أُمَّا قَد قَال الْرَّسُوْل ﷺ لَعَلِّي رَضِي الْلَّه عَنْه :" لِأَن يَهْدِي الْلَّه بِك رَجُلا خَيْر لَك مِن حُمْر الْنَّعَم ".كنا وقفنا أمس عند هذا المقطع وخلاصته: أن الخلوة لها حلاوة لا يدركها المرء في الجلوة . المراد بالخلوة والجلوة(الخلوة) أن تخلو بنفسك وتتخلى عن الناس أما (الجلوة) أن تظهر للناس وتبرز ومعاملة الناس صعبة لأن لكل واحد منهم مذهباً والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:" إن المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير ممن لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم" لكن قبل الجلوة لابد أن تحرز حظك من الخلوة ونحن أشرنا إلى هذا قبل ذلك لما قلنا التخلية قبل التحلية والتخلية:هي الخلوة لابد أن تعيش مرحلة الخمول ومرحلة الخمول ألا يعرفك أحد يكون الضغط عليك أقل لأن الشهرة من البلاء الواسع. وأنا أحكي لكم حكاية مجرب: أنا الذي أتمناه الآن أن أخلوكما كنت أخلو قديماً أخلو بكتبي وبأبحاثي ولا ألتقي إلا بقدرٍ يسير مع إخواني لكن بعد الشهرة أنت رئيس الجمهورية وأنت وزير الخارجية وأنت وزير الداخلية وأنت وزير الطب أنت كل شيء أنت الحكومة بعد الشهرة كل إنسان يؤمل أمله فيك لدرجة أن بعض الناس مثلا يأتيني ويقول أن ابني محبوس , أريدك تخرجه, ما الذي يمكن أفعله كي أخرجه من السجن مثلا وهذا أمر ليس بيدي وهو يتصور أني قادر على هذا فإذا لم ألبى له طِلبته غضب مني,فأنت دائما مُلام الناس تلومك لأنهم يظنون أنه باستطاعتك أن ترفع سماعة الهاتف وتكلم رئيس الجمهورية وتقوله الوضع كذا وكذا نرجو كذا وكذا أو افعل كذا وكذا. فالشهرة بلاء: من هذه الجهة وبلاء أيضا من جهة أخرى وهى الشخص ذاته فالقصد: أن الشهرة لها إشكال من هذا الباب الذي ذكرته ولها إشكال أيضا من باب آخر وهى على الرجل لنفسه . عندما يكون الإنسان مشتهراَ لا يستطيع أن يتخلى عن الشهرة إلا بإيمان جازم قوى يحميه وإلا من أين يأتي الغرور أنني أتصور أنني فوق الناس لأن الكل يحتفي به ويقدره ,والإنسان له شيطان بل له شياطين فما يمنعه أن يغتر بل بالعكس إذا ما قبل أحد على يديه يتعجب من ذلك, فهذه ترجع بالمضرة عليه. فالخلوة يحلو معها الذكر: بخلاف الجلوة ينشط المرء في الجلوة مع الناس ويذكر ربه مع الناس فإذا خلا لا يذكر الله إلا قليلا وهذه من أفات النفس فابن الجوزي يقول لما نظر في صفات الله وتمعن فيها أدرك الحلاوة التي افتقدها عندما يكون بين الناس فقرر أن ينقطع للذكر, ويبتعد عن الناس. والذي يذوق حلاوة التعبد لا يعرف مرارة التعليم : كان الناس يقولون عن عبد العزيز العُمري,أنه المقصود كما يقول سفيان بن عيينة أو غيره بكلام النبي صلي الله عليه وآله وسلم" يوشك الناس أن يضربوا أكباد الإبل فلا يجدون أعلم من عالم المدينة" كان سفيان بن عيينة يقول هو وعبد العزيز العُمَرِي وكان آية فالعلم والزهد والتخلي وكان يعلم الناس في المسجد أيضاً, فلما ترك المسجد وترك التعلم وانقطع للذكر ذاق الحلاوة .فمن محبته لمالك أرسل إليه كتاباً يخبره بما يجده من الحلاوة يدعوه لترك تعليم الناس وأن يدخل في الخلوة فلما وصل كتاب عبد العزيز العمري إلى مالك , قال له أنت فُتح لك في لخلوة وأنا فُتح لي في التعليم وكلانا على خير ), وكل بني آدم يفتح عليه في شيء ويغلق عنه في شيء,يعني عثمان بن عفان مثلا وأنتم تعرفون قدر عثمان رضي الله عنه ما كان له في الجهاد , بخلاف أبي دُجانة صاحب العصابة الحمراء أو علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أو غيره من الصحابة , ومع ذلك أنظر فضائل عثمان رضي الله عنه وكيف أجمع المسلمون عليه وكان ثالث الخلفاء الراشدين بإجماعهم كلهم ,عبد الله بن مسعود كان نحيفا حتى الريح كانت لما تهب الريح كان يقع على وجهه من ضعفه ومن دقة ساقيه روى الطبراني بسند صحيح بالمعجم الكبير أن ابن مسعود كان قليل الصيام أي صيام التطوع فكلموه في ذلك فقال الصيام يضعفني عن الصلاة وقراءة القرآن وهما أحب إليه مسألة توازن أنت رجل عندك, جلد على الصيام لا تحتقر من لا يصوم لاحتمال أن يكون مفتوح له في عبادة أخري , وقد تكون العبادة الأخرى أجل من صيامك لأنه قد يجمع أكثر من عباده فالمرء قد يفتح له في مجال ولا يفتح له في مجال آخر فقد يُفتح لإنسان في الوعظ وآخر في الفتيا , لما أراد ابن الجوزي أن ينقطع قال صاح بى العلم إلى أين ؟ ماذا تعلمت؟ حتى تنقطع وتعتزل ولكي تخرج لتعلم الناس يقول هنا (صاح بِي الْعِلْم أَيْن تَمْضِي؟ أَتُعرِضُ عَنِّي وَأَنَا سَبَب مَعْرِفَتِك بِه ؟فَأَقُوْل لَه: إِنَّمَا كُنْت دَلَيْلَاً ، وَبَعْد الْوُصُول يُسْتَغْنَى عَن الْدَّلِيل ، قَال: هَيْهَات بعض الناس من علماء الحديث وقعوا في هذا وكان له مغبة سيئة عليهم مثل يوسف بن أسباط كان تلميذاً لسفيان الثوري ثم غلب عليه الزهد فأخذ كتبه وذهب إلى النهر وقال لها:" : إِنَّمَا كُنْت دَلَيْلَاً ، وَبَعْد الْوُصُول يُسْتَغْنَى عَن الْدَّلِيل ، وألقي كتبه في البحر , ثم احتاج أن يحدث فسار يخلِّط فيوسف ابن أسباط جمع هذا العلم بحشاشة نفسه وقضي شبابه كله في جمع هذه الكتب , وكانت النهاية أنه ضعيف في سفيان وفي غير سفيان مع أنه كان ملازماً لسفيان, فإلقاء الكتب تضيع للعلم , ينبغي أن يظل المرء محتفظاً بكتبه محتفظاً بالدليل لأن الإيمان يزيد وينقص ويمكن أن ينحرف الإنسان عن الطريق في أي مرحلة من مراحل السير , فيرجع مرة أخرى إلى الدليل يستهدي به إلى الطريق الأول. فالعلم لا: يقول لم تتعلمني لكي تقعد في الجحر وتترك الناس بل ينبغي عليك أن تُعَلِّم الناس وهذه هي حالات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما علَّموا الناس وصبروا على أذاهم لعلمهم أنه آثر عند حبيبهم, أما علم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول " ربي زدني علما" إذاً تعليم الناس أشرف الغايات ,مَن يعلِّم الناس إذا انزوى أهل العلم ؟ كما يقول عبد الوهاب المالكي ( الإمام الكبير العلم) متى يصل العِطاشُ إلى ارتواءٍ | إذا استقت البحـارُ من الرَكايا | ومن يُثني الأصاغر عن مـرادِ | وقد جلسَ الأكابـرُ في الزوايا | وإنَّ تصدُر الوضعـاءِ يومـاًً | الرفعاءِ من إحدى الرزايا | إذا استوت الأسـافل والأعالي | فقد طابـت مُنادمـةِ المنايـا |
يقول إن الأكابر جلسوا في الزوايا فهذا المحل لابد أن يُشغل , فإذا لم يُشغل المحل بشئ شُغل بالهواء (أي محل كان).فالأكابر إذا تركوا مكانهم تصدر الصِغار . والصغير ليس شرط أن يكون صغير السن – لا – المقصود صغير العقل ,وممكن تجد من يلعب بالدين ويغير كلام رب العالمين , مثلما حدث من ثلاثة أيام اجتمع ثلاثة فانبعث أشقاها تكلموا في الدين عن أختنا الأسيرة كاميليا شحاتة ولكن لم يأتي باسمها إنما تكلم بكلام أي إنسان جالس يفهم القضية فقال هذا الشقي : إن تسليم مثل أختنا كاميليا إلى الكنيسة مسألة ضرورية إذا كانت الأمر تهز أمن الدولة ,ما هو دليك يا معمم؟ قال المعمم : حديث أبي جندل الذي سلمه النبي صلى الله عليه وسلم للكفار؟مَن هو أبو جندل ؟ قصة صلح الحديبية حديث طويل ولكن أنا آخذ القدر الذي أريده لكي أريكم الضلال المبين وكيف يمكن لإنسان أن يضل لكي يقعد على الكرسي , كم ستجلس علي الكرسي؟ ثم يأتي يوم التغابن يقف عريانا أمام ربه ليس بينه وبين ربه تُرجمان يسأله عن هذا ,وعندنا آية محكمة في هذا "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10) "سورة الممتحنة تريدون كلام عربي أكثر من هذا" فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ " قصة أبو جندل الرسول صلى الله عليه وسلم في أيام الحديبية خرج مع الصحابة يقصدون البيت الحرام وقريش صدت النبي صلى الله عليه وسلم عن البيت فحدث بينهم مفاوضات أرسلوا الأول بُديل بن ورقاء يتفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن قريش تأبى أن تطوف بالبيت هذا العام ولكن من الممكن التفاوض في العام القادم . قال النبي صلى الله عليه وسلم لبُديل بن ورقاء : إن شاءوا ماددتهم مدة , يريدون هدنة نعطيهم هدنة وإلا والله لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي ( السالفة : هي صفحة العنق) أي سأقاتل حتى لو كنت وحدي إذا هم رفضوا هذه المسألة , فرجع بُديل بن ورقاء فقال لهم هذا الكلام فلم يقتنعوا به , والصحابة وقوفاً مكانهم والهدي معكوفاً أن يبلغ محله لا يدرون إلي أين يذهبوا ,وما خرجوا لقتال وهم يرتدون ملابس الإحرام , هل يقاتلوا؟فأرسلت قريش سهيل بن عمرو , يتفاوض مع النبي صلى الله عليه وسلم , المهم في الآخر وصلوا إلى اتفاق , كان من جملة الاتفاق " إذا أسلم رجلُ في المدينة وذهب إلى قريش أي إلى مكة لا يردونه إلى النبي وإذا أسلم رجلُ في مكة وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يرده إليهم , كيف هذا الكلام ؟ الصحابة قالوا : سبحان الله !! هذا بند محجف ,نتعامل بالمثل , لا ولكن قريش كعبها عالي ويفرضون الشروط وهم ما زالوا يتكلمون وإذا بأبي جندل بن سُهيل بن عمرو جاء يرسف في أغلاله إلى الحديبية , من الذي يفاوض النبي صلى الله عليه وسلم ؟ سهيل بن عمرو , كان كافراً وكان سيداً في قومه , ابنه أبو جندل كان أسلم فحبسه أبوه وقيده بالسلاسل فاستطاع أبو جندل أن يخرج من محبسه ولكن لم يستطع أن يفك السلاسل ,فجاء من مكة إلى الحديبية والمسافة بينهما قرابة خمسين كيلو ,وهو يمشي في الحديد ولا يمشي على طريق ممهد مرصوف ولا حمله أحد ولكنه يمشي في الجبال وهو مقيد بالحديد. تخيل لما الإنسان يمشي هذه المسافة ويصل إلى الحديبية هل يكون عنده نَفَس؟ أبداً . أول ما جاء فرمى نفسه وسط المسلمين ,فسُهيل لما رأى ابنه قال: يا محمد هذا أول ما أقاضيك به وأقول لك من يأتي من عندنا مسلم تعيده إلينا وإذا ارتد أحد من عندك فنحن لسنا مطالبين أن نعيده إليكم , فهذا أول ما أقاضيك به (أي يرجع الأن ) فقال النبي صلى لله عليه وسلم:إنّا لم نقض الكتاب بعد. نحن مازلنا نتفاوض يعني لم نكتب وثيقة ولم نوقع عليها فأجزه لي ( أي اجعله خارج الاتفاقية ) ونبرم الاتفاقية التي اتفقنا عليها . قال له : أجزه لي قال لا, قال : أجزه لي , قال : ما أنا بمجيزه. قال: أجزه لي ,قال : لا أجزه لك.فقال النبي لأبي جندل ارجع. الصحابة لم يتحملوا هذه المسألة, أتركنا نقاتل قريشاً إنّا أدبناهم من قبل في بدر وغيرها سنؤدبهم اليوم , ولكن لا يرجع رجل مسلم أتى وقد عُذِّب في الله عذاباً شديداً ويرسف في قيوده ونعيده إلى الكفار؟ ! النبي قال له ارجع. في رواية لابن عمر , ما شككت إلا يومئذٍ يرجع؟ الموقف أكبر من أي مشاعر ممكن تحتمل , قال له النبي: ارجع , فرجع أبو جندل ولكن لم يرجع إلى مكة أخذ سِيف البحر وقف على شاطئ البحر وكلما أسلم أحد القرشيين يلتحق بأبي جندل وأبي بصير وجماعة اجتمعوا وعملوا عصابة وجلسوا على الطريق العام فلا يسمعون بعيرٍ من قريش إلا أن ينقضون عليها ويأخذونها ويقتلون ما فيها, إلى أن أرسلت قريش إلى النبي تناشده الله والرحم ,من يأتي من عندنا مسلم لا نريده , وهذه هي الخلاصة لحديث أبو جندل ,فهو يقول اليوم أن الرسول من أجل الأمن والأمان ولا يوجد مشاكل بينه وبين قريش أرجع أبو جندل للكفار؟ أنا أسأل أصغر طالب في هذا. هل يوجد وجه شبه بين ما حدث لأختنا كاميليا شحاتة الواقعة في الأسر وبين قصة أبي جندل ؟ هل نحن لدينا اتفاقية بيننا وبين النصارى مَن يدخل في الإسلام نعيده لهم ؟ ومن يطلع من عندنا يعيدوه لنا؟ هل يوجد اتفاقية بيننا في هذا؟ هذا ضلال بعيد , كيف يأخذ ويوثق لهذا الضلال بأدلة شرعية؟ وأكثر الناس لا يعرف الفرق بين هذا وذاك فإذا بقى أمثال هؤلاء,ضل الناس وبُدد بالدين رب العباد, فلابد أن يكون هناك رجال يقفون على ثغور, إذا جاز لكل رجل من أن يتعلم وأن يتجنب الناس وألا يبث العلم بالناس متى يصل الناس إلى ربهم سبحانه وتعالى,ولأجل هذا الأنبياء كلهم جاءوا يعلمون الناس التوحيد وما ينبغي لله عز وجل من التعظيم وما ينبغي عليهم من أداء ما فرضه الله عز وجل من أحكامه الشرعية إذاً عندي في هذه الحالة الخروج إلى الناس والصبر على أذاهم يفوق بدرجات التخلي, من أجل هذا استدل العلماء بمثل هذا على موت الخضر عليه السلام لأن هناك من يزعمون أن الخضر عليه السلام مازال حياً حتى الآن ,ومن عجبٍ أن بعضهم على أنهم من الأكابر ينسبونه هذا إلى الإجماع وإنما الإجماع في الحقيقة هو إجماع المتصوفة . يقولون الخضر مازال حياً وإنما أهل التحقيق من العلماء يقولون أنه مات . 1-كما قال الله تعالى " وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْنْ مِتَّ فَهُمْ الْخَالِدُونَ (34)" سورة الأنبياء. 2- لو أن رجلاً عاش في زمن الخضر إلى الآن ألا يكون معجزة باهرة يستحق أن يجيء فيها نص صريح ؟ نص واحد فقط , كل النصوص الواردة موضوعة ومكذوبة ومنكرة , والشيطان ممكن أن يأتي للرجل ويقول له: أنا الخضر . 3-هل يُعقل أن يبعث النبي فيظل الخضر في الخلوات والفلوات مع الوحوش ولا يأتي النبي مسلما؟ 4-هل يُعقل أن يفضِّل الخلوات والجلوس مع الوحوش على الجهاد بين يدي النبي. أو حضور الجماعة . أو حضور حجة الوداع ؟ يظل متخفىاً ولا يأتي النبي ولا يفعل أي شئ من شعائر الإسلام؟فضلاً عن هذا التعمير الطويل الذي يعتبر آية من الآيات مثل نوح عليه السلام الذي نعتبره أطول الناس عمراً كما نعلم ونص الله عز وجل على عمره الدعوي في القرءان " وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً فَأَخَذَهُمْ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (14)" سورة العنكبوت لماذا لم يقل ألف سنة ؟ لماذا لم يقل تسعمائة وخمسين سنة؟ لأن لو قلت تسعمائة وخمسين سنة ممكن أن أقول تسعمائة ثلاث وخمسين سنة فيجبر الإنسان دائماً العدد إذا كان تحت العدد الصحيح أو فوقه (يختصر الكسر) سأل الشيخ الطلبة كم الساعة الآن؟ قال الحضور الساعة واحدة والنصف ,هل الساعة الواحدة والنصف ودقيقتين مثلا؟ فأنت الآن تقول الواحدة والنصف فأين الدقيقتين؟ فأنت تجبر الكسر وممكن أن تكون الواحدة والنصف إلا دقيقة وتقول الواحدة والنصف ,فألف سنة إلا خمسين عاماً, تسعمائة وخمسين بالضبط , لا يحتمل فيه كسر ممكن تجبره سواء كان فوق أو تحت فالخضر عليه السلام إلى زمن النبي كم سنه ؟ عدد كبير جداً من السنوات فالعلماء يستدلون بهذا أن لا يحمل بمثل الخضر الذي آتاه الله علماً وعلم موسى عليه السلام أن ينزوي في الخلوات ولا يأتي حتى ليعلم الناس , فأريد أن أقول أن قانون العلم يأبي على صاحبه أن يسكت بل يجب عليه أن يخرج فيعلم؟ ومعلم الناس الخير تستغفر له الحيتان في البحر :كما ورد الحديث وله طرق تصل به إلى درجة الحسن – بالإضافة أن أبرك الناس أعمالاً و إن كان أقصرهم أعمارا هم أهل العلم . قال صلى الله عليه وسلم " الدال على الخير كفاعله " أنا أفترض عالماً ربانياً يعني تحقق فيه الإخلاص والصدق والعلم , لما أكون أتكلم في هذا العدد وتؤخذ هذه المحاضرة وتوضع على النت وتوضع على الفضائيات ويراها ملايين كثيرة, مثلاً محاضرة أسبانيا رآها اثنان وعشرين مليون , وبعدين تحضرها الفضائيات يراها ما لم يرها وبعدها تضعها على النت يراها العدد كله . محاضرة واحدة يراها مثلاً مائة مليون هل يصفى منهم مائة ألف انتفعوا بكلمة قيلت؟ الـمائة ألف إذا ثبت صدقك وحسن تعليمك وجودة معلوماتك وتقول علماً صحيحاً, وضعوا في صحيفتك أنا أريد أن أعرف من الذي يريد أن يَلْحَق العالم في الثواب؟ وحتى صاحب المال لو افترضنا أنه يمتلك خزائن قارون لا يحصل العالِم أبداً إلا... هل تعرفون حديث بن مسعود وأبي هريرة وابن عمر حديث" لا حسد إلا في اثنتين" – الأول - رجل أتاه الله( العلم أو القرءان أو الحكمة) ثلاثة ألفاظ فهو يعلّمها الناس – الثاني- رجل أتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق لما أتي بالمال في الدرجة الثانية؟ لأنه لا يؤجر إلا إذا أنفق المال على وفق قانون العلم ومن أجل هذا كان آخر كلمة في الحديث " سلطه على هلكته في الحق" . وكيف يعرف الحق من الباطل ؟ بالعلم. ليس لديه علم سينفق في الباطل وقد ينفقه في الباطل ويظن أنه حقا ,وربنا عز وجل قال: " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً " الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104)" سورة الكهف.فممكن واحد ينفق ماله في جهة ويظن أنها حق وليس بحق . إذاً الذي يُعَرِّفه الحق من الباطل هو العلم . إذاً لا بد أن يكون صاحب المال إما أن يكون عالماً وإما أن يكون بصحبة عالم.إذا رجعنا إلى العلم بالنهاية. وحديث كبشة الأنماري الذي قال فيه النبي " إنا الدنيا لأربعة نفر ( يهمنا الأول والثاني )"رجلٌ أتاه الله علما ومالا فهو يتقي الله فيه ( الهاء عائدة على المال) يصل به رحمه ويرعى لله فيه حقه فهذا بأفضل المنازل ورجل أتاه الله علما ولم يؤته مالا فهو يقول : لو أن لي كفلان لعملت لعمله فهو ونيته فهما في الأجر سواء" إذاً استطعت أن أجبر نقص المال ,لكن الذي معه مال لا يستطيع أن يجبر نقص العلم, الرجل الثاني رجل فقير ليس عنده مال ولكن عنده علم فمن بركة العلم عليه استطاع أن يعقد النية الصحيحة فأدرك صاحب المال بالرغم أنه ليس لديه مال. أما الذي ليس لديه علم وعنده مال ( الرجل الثالث) "ورجلٌ أتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يخبط في ماله لا يصل به رحمه ولا يرعى لله فيه حقه فهذا بأخبث المنازل" لماذا وصل إلى أخبث المنازل؟ لأنه مفتقد للعلم. إذاً العلم هو الذي يسيره ., كل شهوه وهو معه مال يستطيع أن يصل إليها بالمال بخلاف العلم . العلم يقيد صاحبه وهنا العلم يقول له " إلى أين تمضي فقال له مقالة من لم يستفد بالعلم . قال : (إِنَّمَا كُنْت دَلَيْلَاً ، وَبَعْد الْوُصُول يُسْتَغْنَى عَن الْدَّلِيل ، قَال: هَيْهَات كُلَّمَا زِدْتَ زَادَت مَعْرِفَتُك لْمَحْبُوَبك وَفَهِمْت كَيْف الْقُرْبُ مِنْه وَدَلِيْل هَذَا أَنَّك تعلم غَدَا أَنَّك الْيَوْم فِي نُقْصَان)ولذلك قال الله عز وجل " إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ "( 28سورة فاطر)الخشية ليست خوفاً محضاً – لا – كلما ترى الخشية في القرءان لابد أن تعلم أنها خوف مخلوط بحب . ما الفرق بين الخشية والخوف؟ الخوف إذا أفرد اشتمل على الخشية . كما قال الله تعالى " وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ( سورة الرحمن :46) وذكر الخوف وحده " ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ"( سورة إبراهيم :14) مثل الإسلام والإيمان إذا افترقا اتحدا وإذا اتحدا افترقا . إذا ذكر الإيمان يشتمل على الإسلام ولكن ذكر الإسلام والإيمان دل على افتراقهما . ابن الجوزي رحمة الله عليه هنا يبين لنا بلسان حاله لأنه يخاطب نفسه كل هذا مخاطبة بينه وبين نفسه .يقول: ( إنه لا يستغنى عن العلم أبداً لأنك كلما ازددت علماً ازددت محبة لربك تبارك وتعالى )ومن أجل هذا الذين يعصون الله سبحانه وتعالى . لماذا يعصونه وهم يعلمون سلفاً أن هذه معصية ويعلم سلفاً أن العقوبة كذا وكذا.ما السبب الذي يجعله يقدم على المعصية ؟ قلة العلم الذي ينتج منه ضعف التصور , مثلاً فإن كان أحد يريد أن يزني قلت له حدثني أنا وسوف أدخلك هذا الفرن وهو يرى الفرن مشتعل و النار وكل شئ ,افعل ما تشاء ولكن بعدما تنتهي سوف تدخل هذا الفرن . هل ممكن أن يعاقر الفواحش؟ لا لماذا؟ لأنه يرى الفرن " لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (سورة ق :22)فكشفنا عنك غطاءك : وهى الأماني الذي يضعها الشيطان على نظر الإنسان فلا يرى الشئ على حقيقته ولذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إذا رأى أحدكم المرأة تعجبه فليأتي أهله فإن معها مثل الذي معها"ما معنى هذا الكلام؟ ممن الممكن الإنسان من شدة شبقه يرى أقبح النساء بالعالم فيشتهيها , لو قضى حاجته منها يراها أقبح الخلق . ما الفرق بين الإقبال الأول والإدبار الثاني ؟ قال صلى الله عليه وسلم " إن المرأة إذا أقبلت أقبلت في صورة شيطان وإذا أدبرت أدبرت في صورة شيطان فإذا رأي أحدكم المرأة تعجبه فليأتي أهله, فإن معها مثل الذي معها." ما الذي يجعل المرأة القبيحة في غاية الجمال؟ الغطاء الذي يوضع على الوجه لقد كنت في غفلة من هذا ( يوم القيامة – يوم الحساب ) كان على وجهه غطاء فكشفنا عنك غطاءك فأبصر الحقيقة , صار يقظاً فبصرك اليوم حديد يعني صار حاداً حتى إنك أبصرت الشئ على حقيقته . وللحديث بقية إن شاء لله تعالى . أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي وبكم. انتهي الدرس السابع |
|