أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الدرس (4) من مدرسة الحياة السبت 14 مايو 2011, 5:35 pm | |
| فاليوم الاثنين الثامن من شهر رمضان سنة تسع وعشرين بعد الأربعمائة والألف من هجرة خير من وطئ الحصى نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم. قال ابن الجوزي رحمه الله تعالي:] مَا ابتُلِيَ الإنسان قَطُ بأعظَمَ مِن علُو هِمَتَهَ فإن مَن عَلَت هِمَتَهُ يَختَارُ المَعَالِي، ورُبَمَا لا يُسَاعِدَهُ الزمان وقد تَضعُفُ الآَلَةَ فَيَبقَى فِي عَذَاب وإنِي أُعطِيتُ من عُلُو الهمة طَرَفاً فَأنَا به في عذاب ولا أقول لَيتَهُ لم يكن فإنه إنما يَحلُو العيش بِقَدرِ عَدَم العقل والعاقل لا يختار زيادة اللذَةِ بِنُقصَانِ العقل، ولقد رأيتُ أقواماً يَصِفُونَ عُِلوَ هِمَمِهِم فتَأمَلتُهَا فإذا بها في فَنٍ وَاحِد، ولا يُبَالُونَ بالنَقصِ فيما هُوَ أَهَم .
قال الرَضِيُ: ولِكُلِ جِسمٍ فِي النُحُولِ بَليَةٌ وَبَلَاءُ جِسمِي مِن تَفَاوتُ هِمَتِي
فَنَظَرتُ فَإِذَا غَايةُ أَمَلِهِ الإِمَارة، وكان أبو مُسلِمُ الخُرَاسَانِي في حَالِ شَبِيبَتهِ لا يَكَاُد يَنَام فَقِيلَ لَهُ في ذلك فَقََال: ذِهنٌ صَافٍ وَهَمٌ بَعيد ونفسٌ تَتُوقُ إلى مَعَالِي الأمُور مع عَيشٍ كَعَيشِ الهَمَجِ الرَعَاع، قِيلَ: فما الذي يُبَرِّدُ غَلِيلَك، قال: الظَفَرُ بِالمُلك، قِيلَ: فَاطلُبهُ قَالَ: لا يُطلَبُ إلا بِالأهوَال، قِيلَ: فَاركَب الأَهوَال قال: العَقلُ مَانِع، قِيلَ: فَمَا تَصنَع قال: سأجعَلُ مِن عَقلِي جَهلاً وَأُحَاوِلُ بِه خَطَراً لا يُنَالُ إلا بالجَهلِ وَأُدَبِرُ بالعقل مَا لا يُحفَظُ إِلا به فَإِن الخمُول أَخُو العَدَم فَنَظَرتُ إلى حَالِ هَذا المِسكِين فَإِذَا هو قد ضَيَعَ أهَمَ المُهِمَاَت وهو جَانِب الآخِرة وَانتصَبَ في طَلبِ الوُلَايَات، فكم فَتَكَ وقَتَلَ حتى نَاَل بَعضَ مُرَادِهِ مِن لَذَاتِ الدنيا، ثم لَم يَتَنَعَمُ في ذلك غَيرَ ثَمَانِ سِنِين، ثُم اِغتِيلَ وَنسِيَ تَدبِيرَ العقل فَقُتِلَ وَمَضَى إلى الآخِرَةِ عَلى أَقبَحِ حَال . وكان المُتَنَبِي يَقُول:ِ وفِي الناسِ مَن يَرضَى بِمَيسُورِ عَيشِهِ وَمَركُوبُهُ رِجلَاهُ وَالثَوبُ جِِلدُهُ وَلَكِنَّ قَلبًا بَينَ جَنبَيَ مَا لــَـــهُ مَدىً يَنتَهِي بِي فِي مُرَادٍ أَحُدُّهُ يَرَى جِسمَهُ يُكسَى شُفُوفًا تَرُبُــهُ فَيَختَارُ أَن يُكسَى دُرُوعًا تَهُدُهُ فَتَأمَلتُ هَذَا الآخر فَإِذَا نَهمَتُهُ فِيمَا يَتَعَلَقُ بِالدُنيَا فَحَسب . وَنَظَرتُ إلى عُلُو هِمَتِي فرأيتُها عَجَباً وذلك أنني أَرُومُ من العلم مَا أَتَيَقَنُ أَنِي لَا أَصِلُ إِلَيهِ، لَأنِنِي أُحِبُ نَيلَ كُلِ العُلُوم على اختلافِ فِنُونِهَا وأُرِيدُ استِقصَاءِ كُلَ فَنٍ وَهَذَا أَمرُ يَعِجَِزُ العُمرُ عَن بَعضِهِ، فَإِن عَرَضَ لِي ذُو هِمَةٍ في فنٍ قد بَلَغَ مُنتَهَاهُ رَأيتَهُ نَاقِصًَا فِي غَيرِهِ فلا أَعُدُّ هِمَتَهُ تامة مثل المُحَدِثِ فاتهُ الفقهُ والفقيهِ فاتَهُ عِلمُ الحَدِيث فَلا أَرَى الرِضَا بنُقصَانِ العلوم إِلَا حَادِثًا عن نَقصِ الهِمَة ثم إِنِي أَرُوم نِهَايَة العَمَل بالعِلمِ فَأتُوقُ إلى وَرَعِ بِشرٍ وزَهَادة مَعرُوف، وهذا مع مُطَالعة التَصَانيف وإِفَادة الخَلق ومُعَاشَرتَهُم بعِيد . ثُمَ إِنِي أَرُوم الغِنَي عَن الخَلقِ وأَستَشرِف الإِفضِال عَلَيهِم، والاشتغَال بالعلمِ مَانعٌ من الكَسب وقَُبُول المِنَنِ مما تِأبَاهُ الهِمَةِ العَالِية.
ثم إنِي أَتُوقُ إلى طَلبِ الأولَاد كما أَتُوقُ إلى تَحقِيق التصَانِيف ليبقى الخَلَفَانِ نَائِبَينِ عَنِي بعد التَلَف، وفي طلب ذلك ما فيه من شَغلِ القَلبِ المُحِبِ لِلتَفَرُد، ثُم إِنِي أَرُومُ الاستِمتَاع بِالمُستَحسَنَاتِ وفي ذلك امتِنَاع مِن جِهَة قِلَةِ المَال، ثُمَ لَو حَصَلَ فَرَقََ جَمعَ الهِمَة . وَكَذَلِك أَطلُبُ لِبَدَنِي مَا يُصلِحُهُ من المَطَاعِم وَالمَشَارِب فَإِنِي مُتَعُوِدٌ لِلتَرَفُهُ وَالتَلََطُفِ وَفِي قِلَةِ المَالِ مَانِع، وكُلُ ذَلِك جَمعٌ بَينَ أَضدَاد، فَأَينَ أنا ومَا وَصَفتُهُ من حَالِ من كَانت غَايَةُ هِمَتِهِ الدُنيَا وأَنا لا أُحِبُ أَن يَخدِشَ حُصُولُ شَيءٍ من الدُنيَا وَجهَ دِينِي بِسَبب، وَلَا أَن يُؤَثِرَ في عِلمِي وَلَا في عَمَلِي، فَوَا قَلَقِي من طَلَبِ قِيَامِ الليل وتَحقِيق الوَرَعِ مَعَ إِعَادَة العِلمِ وَشَُغلِ القَلب بالتصَانِيف وَتَحصِيلِ مَا يُلَائِم البَدَن مِنَ المَطَاعِم، وَوَأَسَفَا عَلَى مَا يَفُوتُنِي مِنَ المُنَاجَاةِ فِي الخلوة مَعَ مُلَاقَاةِ النَِاسَ وَتَعلِيمِهِم .
وَيَا كَدرَ الوَرَعِ مَعَ طَلَبِ مَا لَابُدَ مِنهُ لِلعَائِلة غَيرَ أَنِي قَد استَسلَمتُ لِتَعذِيِبِي وَلَعَلَ تَهذِيبِي فِي تَعذِيبِي لِأَن عُلُو الهِمَة تَطلُبُ المَعَالِي المُقَرِبَةَ إِلى الحَقِ عَزَ وَجلَ، ورُبَمَا كَانت الحَيرَةُ فِي الطَلَبِ دَلِيلاً إِلى المَقصُود، وهَا أَنَا أَحفَظُ أَنفَاسِي مَن أن يَضِيعَ مَنهَا نَفَسٌ في غَيرِ فَائِدَة، وَإِن بَلَغَ هَمِي مُرَادَهُ وَإِلَا فَنِيَةُ المُؤمِنِ أَبلَغُ مِن عَمَلِه [
والله صعبان عليه ابن الجوزي، لأنه كما سمعتم رجل عالي الهمة يريد أن يصيب من كل علم أن يصيب من كل علم منتهاه، فإذا جلس مع المحدثين كان سيدهم، وإذا جلس مع الفقهاء كان رئيسهم، وإذا جلس مع النحاة كان المُبَرّزُ فيهم، يريد أن يكون إمامً في كل فن، وطبعًا الهمة هي التي تدفع المرء إلى هذا وفي الحديث المعروف في صحيح مسلم عن النبي ﷺ قال أُحِبُّ الْأَسْمَاءُ إِلَىَ الْلَّهِ عَبْدُ الْلَّهِ وَعَبْدُ الْرَّحْمَنِ وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ) همام لأن المرء إنما يهمُّ دائمًا، كل حياته هم، ليس هم يعني هم الذي هو المرادف للغم، لأ، الهم الذي هو يريد أن يفعل، فلا يرفع الإنسان قدمه ولا يضعها إلا إذا هم بشيء، ولذلك قيل أصدقها حارث من الحرث، وهمام من الهم والهمة.
يذكر ابن الجوزي رحمه الله تعالى أن أكبرَ معذِّبٍ للإنسان أن يكون ذا همةٍ سواء كانت في الدين أو في الدنيا.
وعين الإنسان مع أنها أصغر ما فيه إلا أنها تبلع الفضاء الواسع ولذلك قال النبي ﷺ (لو كان لابن آدم وادياً من ذهب لقال لو أن لي اثنين ولو كان له اثنين لقال لو أن لي ثلاثة ولا يملأ عين ابن آدم إلا التراب وتاب الله على من تاب)
وهذه العين غريبة جدًا، أنت بها تبصر السماء والأرض في آنٍ واحد، لو قُدِّر أن تأتي بورقه وتفتح فيها فتحه أكبر من فتحة العين وتنظر من خلال هذه الورقة فإنك لا تُبصر ما حولك ولا تُبصر السماء بل ولا تبصر الأرض إلا إذا نظرت إليها، فانظر يعني من الغرائب يعني، عينك هذه تبصر السماء والأرض واليمين والشمال في آنٍ واحد، فعين الإنسان تبلع الفضاء كله .
فأي إنسان في الدنيا صاحب همة سواء كان في دين أوفي دنيا معذبٌ على قدر علو همته .
فصاحب الهمة مثلاً إذا كان في الدنيا، إذا كان من أهل الدنيا، وأنتم تعلمون همم أهل الدنيا لا يكادون ينامون أبدًا، إما في الطائرة مسافر ليعقد صفقة، وإما في الأرض حيث أنه يزرع، وإما في المصنع وإما في المكتب، حياته هكذا، هناك بعض رجال الأعمال لا يرون أولادهم بالشهر والاثنين مع أنه يبيت كل يوم في بيته لكنه لا يرى أولاده أبدًا، وإذا اشتاق إليهم أرسل إليهم ليراهم في مكتبه، فإذا نظرت إلى همة هؤلاء مالذي جعله هكذا صاحب همة عاليه المكسب والنجاح المستمر، هو هذا الذي أغراه أن يفتح عوض المصنع اثنين وثلاثة وأربعة ويعمل تجارات وأنت تعرف ديون التجار لا يُخاف منها، الذي يخاف من الدين الموظف مثلاً، لكن التجار لا يخافون من الدين ولذلك يأخذ بضاعة مثلاً بأضعاف أضعاف طاقته، بل قد يصادف أنه ليس عنده مليم واحد ويأخذ بضاعة بمليون واثنين وثلاثة وأربعه، لماذا ؟ سيقول لك البضاعة ستسدد بعضها، سيدفع على أقساط دفعات شهريه يبيع ويدفع، إذا عجز يرجع البضاعة للمصنع، انتهى ليس لديه مشاكل في المسائل، ولذلك يطمع دائمًا يأخذ بضاعة ويبيع وإذا عجز يرجع للمصنع وهكذا، فأي إنسان في الدنيا صاحب همة سواء كان في دين أوفي دنيا هذا معذّب على قدر علو همته .
فابن الجوزي رحمه الله تعالى يقول (مَا ابتُلِيَ الإنسان قَطُ بأعظَمَ مِن علُو هِمَتَهَ فإن مَن عَلَت هِمَتَهُ يَختَارُ المَعَالِي، ورُبَمَا لا يُسَاعِدَهُ الزمان وقد تَضعُفُ الآَلَةَ فَيَبقَى فِي عَذَاب)
له أكثر من خاطرة في هذا الكتاب يتكلم عن طموح الشباب، وأنت تعرف لا يساعدك على الهمة إلا الفتوة الشيخ الذي تميل شمس تميل إلى الغروب لا ترى له همة في الطلب مثل الشباب .
فابن الجوزي ضرب مثلاً أنا أقربه بمثال من الواقع، أنت اليوم شاب ما أمنيتك ؟ ماذا تريد؟، مثلاً لو طبيب يقول لك خمسه عين، عزبة وعمارة وعربية وعيادة وعروسة ،وكان زمان يقول ماذا تريد؟ يقول ألف جنيه وعماره في محرم أمنيات كانت مثل الأمثلة يعني، فاليوم لو أنت رجل من أهل الدنيا، يقول لك أنا أريد أن يكون عندي فيلا محترمه و عزبة وسيارة فارهة ورصيد في البنك لو حسبتها كلها كم تساوي ؟ تساوي مثلاً خمسة ستة مليون، طيب تريد هذه المسألة انطلق في البلاد، وبدأ يشتغل، يشتغل مثلاً في بلاد الخليج أو في أوروبا أو في أي بلد من البلاد أجنبية، والدنيا زهزهت له والمسائل اتفتحت له، يظل مثلاً عشرين سنه أو ثلاثين سنة ألي أن جمع المبلغ المطلوب لما سافر من أجل تحصيل مايريده كان سنه عشرين سنه، لما جمع مايريده صار سنه أربعين خمسين .
تغيرت مُعطياته ،يتغير الفكر لأنه كبر وعقل وبعد ذلك لا يمكن أن يبدد أمواله في أحلام الشباب انتهت هذه المسألة ، يبدأ يفكر ماذا يفعل ؟ فلا هو استمتع بشبابه ولما كبر لم يستمتع لا بالفيلا ولا أي شيء من الأشياء التي اشتهاها، عرف أن ذاك كله "لهو وجنون" وهذا الكلام ، فبدأ يغير المعطيات، فلا هو استمتع بشبابه ولا استمتع بماله وربما مات وترك المال للورثة.
فابن الجوزي رحمه الله تعالي وهو يتكلم في مثل هذه الخواطر يحض دائمًا على النظر إلى جانب الآثار، لأن أرباب الدنيا همهم جمع المال، جمع المال الذي يعمل به كل شيء يفتح كل الأبواب، طيب أنا أريد أن أفهم يعني واحد اشتغل لحد ما أصبح عنده مثلاً مائة مليون، المائة مليون هذه لم يكن يرى أولاده في الدنيا مشغول طول النهار مثلما أنا أقول لكم هكذا وكثير من رجال الأعمال ممكن يسكن في موقع فارهٍ جدًا ولا يشعر به إطلاقًا ولا يجلب له سعادة ويمكن قلت في هذه الخواطر منذ عدة سنين على العمارة التي هي على النيل التي كان بها الشقة خمسين مليون، كيف ذلك أنا ما رأيتها إنما كنت أقرأ عنها في الجرائد أو يحدثني الناس، فيها مهبط طائرة وتدخل المصعد خاصتك وتصعد وتركنها امام شقتك، تمام، يعني خمسين مليون شيء ،يأتي الرجل هذا المسكين الذي اشترى الشقة بخمسين مليون هذا على النيل متى يأتي حتى يقعد في شرفة الشقة ويشاهد نهر النيل؟ آخر الليل؟ يأتي الساعة واحدة الساعة اثنين تعباً من كثرة الشغل، إذا كان يشرب فنجان قهوة أو أي شيء في الشرفة وينظر إلى النيل نظرة ثم ينام.
أنا أقول أسعد الناس بالنيل البواب الذي هو لا عنده عمارة ولا عنده شقه ولا عنده أي شيء، لماذا؟ طول النهار واضع الكرسي وجالس أمام النيل ينظر إلى النهر، لكن المسكين الذي اشترى الشقة بخمسين مليون هذا لم يستمتع بشيء .
ومن الغرائب : أنك تري هؤلاء أكثر الناس تناولاً للحبوب المهدئة وتناولاً للحبوب المنومة وأخذ الحقن المسكنة، وأنا أعرف طائفةً كبيرةً منهم أكثر الناس هم أصحاب الأموال لا يستمتعون بها مطلقًا .
فأنا أريد أن أفهم هذا المال في الأصل إنما يستمتع به المرء في حياته لأنه يستغنى به عن الخلق، لكن يأتي بالهم والغم والديون، إذاً هذا الإنسان ضل طريقه الورثة الذين سيأخذون هذه الأموال لا يستحقونها من جهة الجهد الذي بذله المرء والشباب الذي ضيعه ثم يلقى الله عز وجل مفلسًا ويترك المال للورثة.
أسعد الناس هو الذي عرف لماذا خلق ؟
لا يوجد مانع، أنا قولي هذا ليس دعوة إلى الفقر، لأن بعض الناس قد يتصور أنني أقول لأرباب الأموال أتركوا الأموال، لكن أقول أين حظكم في الآخرة؟ هي بضع ركعات يذهب يصلي الظهر ويرجع المكتب ويصلي العصر ويرجع على المكتب، هذا هو الخطأ، ليس لهذا خلق، ولا يستطيع أن يحقق عبودية الله في المال، إلا إذا حقق عبودية الله في نفسه.
فابن الجوزي ذكر بعض هؤلاء الذين كان همهم الدنيا يقول:
(إن الدنيا لا تنال إلا بنقص العقل):
ومن الدليل على القضاء وحكمه** بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق هذا من الغرائب تجد دائمًا الإنسان الفاضل تجده فقيرًا، الخليل بن أحمد الفراهيدى شيخ سيبويه وأول من عمل معجمًا عربيًا صاحب كتاب العين أول معجم عربي وطريقة تصنيفه كانت في غاية الغرابة، الخليل بن أحمد هذا كان تلاميذه يأكلون الدنيا بعلمهم وهو يعيش في خصّ .
أرسل إليه الأمير يومًا يقول له: (هل لك من حاجه؟) كتب إليه جملة واحدة قال: (أنا مستغنٍ عنك بالذي أغناك عني)
أي أغناك عني وعن علمي، لأن هذا الأمير لن يأتي ليجلس أمام الخليل أحمد حتى يأخذ العربية، وطبعًا الخليل هذا أول من بحرَّ بحور الشعر رجل كان عقلية ويكفي أن سيبويه أحد تلاميذه ما الذي جعله لا ينكب ؟ كمال عقله هو الذي منعه من ذلك، والدنيا لا تنال إلا بقلة العقل، من أجل ذلك ابن الجوزي يقول: (أنا لا أختار قلة عقلي بلذة الدنيا (
نماذج لهؤلاء الذين حازوا الدنيا بقلة العقل.
منهم أبو مسلم الخراساني : هذا الرجل له نبأ عجيب أبو مسلم الخراساني عبد الرحمن ابن مسلم، مات سنه سبعة وثلاثين سنة، رحل من الشام إلى خراسان في خلال تسع سنوات هدم دولة وأقام دولة، هدم الدولة الأموية، وأقام الدولة العباسية في تسع سنوات ولما رحل من الشام إلى خراسان رحل فقيرًا حقيرًا يركب حمارًا فلم تمضي هذه السنوات حتى أقام دولة على أنقاض دولة لكنه قتل مئات الألوف في حروبه الطاحنة، وأنا أطالع كنت أحاول آتي بأخبار عنه، فوجدت كلامًا لابن خلِّكان لما وصفه، ولد سنة مائة ومات سنة مائة سبعه وثلاثين أي عاش سبع وثلاثين عاماً وبدأ وهو عمرة سبع وعشرون عاماً. يقول ابن خلِّكان رحمه الله: )كان قصيرًا أسمر جميلاً حلوًا نقي البشرة أحور العين عريض الجبهة حسن اللحية طويل الشعر طويل الظهر خافض الصوت فصيحًا بالعربية وبالفارسية حلو المنطق وكان راويةً للشعر عارفًا بالأمور لم يُرى ضاحكًا ولا مازحًا إلا في وقته، وكان لا يكاد يقطِّب في شيء من أحواله، تأتيه الفتوحات العظام فلا يظهر عليه أثر السرور وتنزل به الفادحة الشديدة فلا يرى مكتئبًا، وكان إذا غضب لم يستفزه الغضب)
نقل عن الذهبي في سير أعلام النبلاء عن محمد بن زنكويه قال: (روي لنا أن أبا مسلمٍ صاحب الدولة العباسية) قال: مذهبه ومنهجه في الحياة: وهذا الذي جعله يصل لما وصل إليه من الهمة العالية مثلما يقال هدم دولة، الدولة الأموية لم تكن أمراً بسيطا كانت دولة هي التي مدت جذورها في الدنيا كلها فلما ينقض دولة بني أمية كلها ويقيم دولة، الرجل هذا إذا له ملكات خاصة . يقول ارتديت الصبر وآثرت الكتمان وحالفت الأحزان والأشجان وسامحت المقادير والأحكام حتى أدركت بغيتي). ثم أنشد: قد نِلتُ بِالحَزمِ وَالكِتمَانِ مَاعَجَزت عَنهُ مُلُوكُ بني مَرَوَان إِذ حَشَدُوا مَازِلتُ أَضرِبُهُم بِالسَيفِ فَانتَبَهُوا مِن رَقدةٍ لَم ينََامَهَا قَبلَهُم أَحَدُ وَطِفتُ أَسعَى عَليهِم فِي دِيَارِهِمُ وَالقَومَ فِي مُلكِهِم فِي الشَامِ قَد رَقَدُوا وَمَن رَعَى غَنَمًا فِي أَرضِ مُسبِعَةٍ وَنَامَ عَنهَا تَوَلَى رَعيَهَا الأَسَدُ فانظر واحد معه غنم في أرض كلها سباع وأخذته نومة خفيفة، من الذي سيرعى الغنم ؟ الأسود هي التي سترعى الغنم، يشير إلى أن هؤلاء بدأت بذور الانهيار تكون عندهم ونال هو ما تمني، فشبه نفسه بالأسد في أرض مُسبِعة، وهذا الرجل كما قلت لكم في خلال تسع سنوات، ابن الجوزي يقول لم يتهن بالملك أكثر من ثماني سنوات ظلّ يقاتل هنا وهناك ويقتل، ذبح في يوم واحد اثني عشر ألف إنسان صبرًا، أي قيدهم وذبحهم وهم كذلك في يوم واحد، اثنا عشر ألف، وكان كلما يتوجه لمكان ألوف تقتل يعني هازم هازم الجيوش أبو مسلم الخراساني هذا، في الآخر الخليفة المنصور خاف منه، قال كلما يذهب ينتصر و ،هذا أورثه غرورًا، فكاد أن ينفض يده من بيعة الخليفة حتى يدعو إلى نفسه يصبح هو الخليفة، لولا أن الخليفة هدده، قال له:( والله لو خضت البحر لخضته وراءك )فارتعد أبو مسلم الخراساني ولا زال الخليفة يفتل له على الحبل والغارب حتى استدرجه إلى قصره وقتلوه شر قِتله و هكذا ماذا؟ يكون قد استراح منه ومن كيده . يقول ابن الجوزي عن أبي مسلم الخرساني: كان في حال شبيبته لا يكاد ينام لأن عنده نفس تواقه إلى الملك فسئل في ذلك قيل له عن هذه النفس المتوسمة قال:( ذِهنٌ صَافٍ وَهَمٌ بَعيد ونفسٌ تَتُوقُ إلى مَعَالِي الأمُور مع عَيشٍ كَعَيشِ الهَمَجِ الرَعَاع، قِيلَ: فما الذي يُبَرِدُ غَلِيلَك، قال: الظَفَرُ بِالمُلك، قِيلَ: فَاطلُبهُ قَالَ: لا يُطلَبُ إلا بِالأهوَال، قِيلَ: فَاركَب الأَهوَال، قال: العَقلُ مَانِع، قِيلَ: فَمَا تَصنَع قال: سأجعَلُ مِن عَقلِي جَهلاً) لأن الإنسان العاقل عندما يسأل نفسه لماذا تذبح هؤلاء؟ وذات مرة وهو على المنبر كان يلبس السواد، هو الذي سن سنة لبس السواد ،فسأله سائل:ماهذا السواد الذي تلبسه؟ فحدث بإسناده عن أبي الزبير عن جابر، قال حدثني فلان عن فلان هكذا أبى الزبير عن جابـر (أن النبي ﷺ دخل مكة وعلى رأسه عمامة سوداء) ثم أمر به فقتل، طيب ماذا فعل هذا الرجل أصلاً ؟ يقول له : ما هذا السواد الذي تلبسه ؟ فروي له الحديث وقال (اقتلوه) لو عنده عقل ألا يعلم أن هذا المقتول سيضع رأسه على كفه يوم القيامة ويجر القاتل كما في الحديث الصحيح في البخاري وغيره يقول:(يَارَبْ سَلَّ هَذَا فِيْمَا قَتَلَنِيْ ؟) ولو كان العقل هو الحاكم لعلم أن أول ديوان يُقضي فيه يوم القيامة هو ديوان الدماء ولكم قتل من أهل العلم، لو أن هذا الرجل حكم عقله في ذلك، الحجاج بن يوسف الثقفي مثلاً، بجانب أبي مسلم كان من أولياء الله، أنظر الحجاج بن يوسف هذا فنحن دائما نقول ما ليس له نظير في مسألة القتل ومع هذا أربى عليه بكثير والحجاج أيضا استخدم قلة عقله في ذلك، عندما أصدر قرارًا بما يشبه الآن حظر التجول، وقال يمنع أن يخرج أحد بعد العشاء، فواحد جلب البهائم خاصته وعائد بعد العشاء، قال: ما الذي أخرجك؟ ؟ قال له لآتي بالبهائم من الحقل وكلام من هذا القبيل، قال له:أما علمت بكذا وكذا، قال له لأ ما علمت، فأمر به فضربت عنقه، وهو يقول أنت معذور ولكن بك صلاح الأمة طيب هو المنال بك صلاح الأمة، يعني المثل عندنا)أضرب المربوط يخاف السايب(، والذي احترق من الشربة ينفخ في الزبادي، أليس هذا كلام كلامنا نحن، فهو يقول لك أن هذه استثناءات، هذا يقول لي أنا لم انتبه وهذا لم يصلني وأنا رجعت لتو فقط و إلى آخره أنا لما أخده أقتله وأعلق رقبته والعالم يقولوا رقبة من هذه؟؟ هذه رقبة شخص خرج بعد العشاء ،انتهى،إذن كل الناس ستنتهي عن المشي، لأنه يقول: سأجعل من عقلي جهلاً، لأنه لا يستطيع أن يسود إلا إذا وطأ الجماجم .
قصة الأمين والمأمون. الأمين والمأمون المأمون قتل الأمين أخاه من أجل الدنيا والملك، وأنا مستغرب أن أخ يقتل أخوه في طلب دنيا، هما الاثنين كانوا في بطن واحدة تسع شهور ورضعوا من ثديٍ واحد سنتين وأكلوا في طبقٍ واحد يمكن عشرين سنه، فأنا مستغرب يعني بعد كل هذه المدة وهذا الكلام ، يطلع هذا يقطع أرحام هذا وهذا يقتل هذا من أجل ماذا؟ وما مات المأمون أبدًا مستريحًا، كان إذا ذكر الأمين بكى، فأنظر الملك كيف يفعل والقتال على الدنيا كيف يكون، إذا الرد هو يقول سأجعل من عقلي جهلاً، لأنه لا يصلح أن يصل إلى ما يريد إلا بهذا الجهل، قال: (وَأُحَاوِلُ بِه خَطَراً لا يُنَالُ إلا بالجَهلِ وَأُدَبِرُ بالعقل مَا لا يُحفَظُ إِلا به فَإِن الخمُول أَخُو العَدَم)، طيب هذا العقل أين محله؟ إذا كان هو ليس مهتما حتى يقف ليعقل ما يفعل، ومستمر يقتل هنا وهنا وهنا. يتبع إن شاء الله.. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الدرس (4) من مدرسة الحياة السبت 14 مايو 2011, 5:45 pm | |
| يقول ابن الجوزي رحمه الله: (فَنَظَرتُ إلى حَالِ هَذا المِسكِين فَإِذَا هو قد ضَيَعَ أهَمَ المُهِمَاَت وهو في جَانِب الآخِرة)
أنظر إذا الألوف المؤلفة تأتي لهذا الرجل يوم القيامة كلٌ يقتص منه لأجل ثماني سنوات، ثماني سنوات هذه التي عاشها أنظر حديث النبي عليه الصلاة والسلام حديث أبى هريرة في مسلم وغيره قال: ( يُؤْتَىَ بِأَنْعَمِ أَهْلِ الْدُّنْيَا فَيُغْمَسُ فِيْ الْنَّارِ غَمْسَةً وَاحِدَةً فَيُقَالُ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيْمٌ قَطُّ ؟ يَقُوْلُ لَا وَعِزَّتِكَ مَا مَرَّ بِيَ نَعِيْمٌ قَطُّ، وَيُؤْتَىَ بِأَبْأَسَ أُهِلَّ الْدُّنْيَا فَيُغْمَسُ فِيْ الْجَنَّةِ غَمْسَةٍ وَاحِدَةً فَيُقَالُ لَهُ هَلْ مَرَّ بِكَ بُؤْسٌ قَطُّ ؟ يَقُوْلُ لَا وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ مَا مَرَّ بِيَ بُؤْسٌ قَطُّ) لماذا كل هذا؟؟ لأن الإنسان ابن اللحظة، الكلام الذي في الأمثال عندنا، الذي فات مات كلام صحيح مائه في المائة، الذي فات مات لأن الإنسان يمرض حتى يقال هلك وبعد ذلك يصح فينسى أنه كان مريضا، إذا الإنسان ابن اللحظة، مثل الطعام بالضبط، الجماعة الذين يعملون حتى يأكلوا، إنما يعيش ليأكل ويريد أن يستمتع بالحياة ،لذة الطعام كم تأخذ من الوقت ؟ بالنسبة لك ولنفرض أنك تتمني أكله معينه، ثم أكلتها، مدة لذتك بالطعام هي مدة بقائه في فمك، إذا هذه هي الدنيا اللحظة التي أنت تعيشها فقط، فهنا يقول ابن الجوزي إن هذا المسكين ضيع عمره في طلب الولاية وكم فتك وكم قتل في سبيل ثماني سنوات، كما في الحديث، أهل الدنيا مُنعّم لا يرد له كلام هذا لما يغمس في نار جهنم غمسةً واحدةً ينسى كل شيء ،لماذا؟ لا يشعر إلا بهذه اللحظة،الذي فات مات، وهذا الذي يُصَّبر أهل الدين على لهواء الدنيا ما يعلمونه من عظم الأجر في الآخرة وأن هذه الدنيا مهما كانت مقبلة على الإنسان فهي لا تساوي شيئاً في جنب الآخرة قال ﷺ في حديث سهل بن سعد (لَمَوْضِعُ سَوْطٍ أَحَدُكُمْ فِيْ الْجَنَّةِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ الْدُّنْيَا وَمَا فِيْهَا) (لْمَوْضِعِ سَوْطِ أَحَدِكُمْ) العصاة التي تتعكز عليها عندما تضعها على الأرض هذه تأخذ كم من مساحة الأرض، لا تعرف تضع رجلك رجلك أكبر منها، هذا السوط الذي هو عبارة عن خمسه سنتيمتر في أي طول متر ونص في الجنة خير من الدنيا وما فيها، طيب هل تمتلك الدنيا وما فيها لا تمتلك شيء، يمكن كثير من إخواننا الجلوس ليس لديه شقه يجوز فيها ولا حتى عشرين متر، ومشروع الزواج واقف ومتعطل لماذا؟ لا يستطيع أن يشتري شقه ثلاثين متر ولا أربعين متر، حتى لو افترضنا أنك تملك الدنيا وما فيها هذا السوط خير من الدنيا وما فيها، إذاً تضحى بالجنة وما فيها لدنيا لا تملكها هذا من أغرب الغرائب، أنت لا تملك الدنيا أصلاً تضيع الجنة وما فيها لدنيا لا تملكها، هذا هو عين الحمق، وأن أي إنسان في الجنة حتى الناس الفضلاء الأولياء وهذا الكلام ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً﴾ (الإنسان:20) نمثلها أن تشرق الشمس وتغرب في ملكك وآخر رجل في الجنة يدخل الجنة كما تعلمون له مثل الدنيا عشر مرات ،آخر واحد يطلع من النار و يغلق باب النار يعني لا يوجد أحد يطلع منها بعد ذلك ويذبح الموت بين الجنة والنار ويقال (يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُوْدٌ لَا مَوْتَ بَعْدَ الْيَوْمِ يَا أَهْلَ الْنَّارِ خُلُوْدٌ لَا مَوْتَ بَعْدَ الْيَوْمِ )، هذا الرجل له مثل الدنيا عشر مرات، فهذا المسكين كما يقول ابن الجوزي ضيع الآخرة كلها ولم يستمتع بالدنيا بأكثر من ثماني سنوات .
وضرب مثلاً آخرًا :بشاعر أقام الدنيا وشغل الناس ألا وهو أبو الطيب أحمد بن حسين المتنبي، والمتنبي هذا كان لئيمًا وكان رقيق الدين، مدح من يعطيه أو من تصور أنه يعطيه وما مدح إنسانًا إلا هجاه، إلا انقلب عليه، ولد في العام الذي مات فيه النسائي رحمه الله، النسائي مات سنة ثلاثمائة وثلاثة، هو ولد سنة ثلاثمائة وثلاثة أدرك الأسانيد وأدرك الناس ومع ذلك لم ينتفع بشيء من علوم الآخرة، وإنما الشعر همُهُ وقد بلغ فيه مرتقي كبيرًا جدًا، كما قلت أقام الدنيا كلها وشغل الناس، وديوانه توفر علي شرحه أئمةٌ كبار ومن القصيدة التي اختار ابن الجوزي منها هذه الأبيات مدح بها كافور الإخشيدي صاحب مصر وكافور الإخشيدي هذا ذهب إليه المتنبي بعد ما فارق سيف الدولة وسيف الدولة هذا أكثر واحد أخد من شعر المتنبي لأنه مدحه كثيرًا جدًا، عدد الأبيات التي قالها المتنبي في سيف الدولة ألف وخمسمائة واثنا عشر بيتًا من الشعر ويقولوها في أعذب لفظ، مطلعها:
أَوَدُ مِنَ الأَيَام مَا لَا تَودُهُ وأَشكُوا إِلَيْهَا بَيْنَنَا وَهِي جُنْدُهُ
يقول أنني أشكو البين: الذي هو الفراق، وأشكو إليها بيننا: أي فراقنا، وهي جنده: يشكو إلى خصمه، مثلما نحن الآن نطالب أمريكا أن تؤدب إسرائيل، كلما حدث شيء نستنجد بأمريكا، أليست هي التي زرعت إسرائيل وهي التي أتت بها وهي التي زرعتها في أرضنا، أذهب إلى الذئب أشتكى مثلها بالضبط . وله كلام في سيف الدولة سيأتي، فهذا المتنبي مدح سيف الدولة ورفعه إلى السماء، طبعًا كان حول سيف الدولة شعراء كثيرون لكن المتنبي أكل الجو حسدوه، حسدوه، دائمًا الدنيا هكذا الصراع عليها ليس فيه مروءة أي اثنين من رجال الأعمال لا تجد عند واحد مروءة أبدًا، التكالب على الدنيا هكذا أبو فراس الحمداني هذا أحد الذين قلبوا سيف الدولة على المتنبي فسيف الدولة تغير قلبه على المتنبي، وبعد ذلك المتنبي مدحه القليل من الأبيات هكذا فقربه مرة أخري فأنشد قصيدة بين يديه من أمتع القصائد، لكنه لم ينس أن يرفع نفسه حتى في حضور سيف الدولة فكاد أن يقتل بل قيل أنه قتل بهذه القصيدة، قتل ببيت من هذه القصيدة، عادة الأمراء لا يقبلون أن يمدح المتكلم نفسه بين أيديهم، لأن المفترض لو مدح لنفسه إذا يكون عمل له حيثية، والمفترض الحيثية هذه أنت ماذا؟ تغطيها مع الأمراء يعني. قال أمير المؤمنين للشعبي: ) كم عطاءك ؟ (قال: (درهمين(، قال) : ويحك كيف لحنت ؟( قال) (لحن الأمير فكرهت أن أُعْرِب (، فهو الذي يقوله ماذا؟ كم عطاءك ؟ وهو المفروض يقوله كم عطاؤك ؟ يقول له درهمان، فالأمير لما لحن رأى من قلة المروءة هو يُعرِب ينطق صح يعني فلحن كالأمير حتى نكون في الخطأ سوياً، إذا هو غلط وأنا غلط، هل انتبهت كيف؟ فكانوا يكرهون أن يظهر الرجل نفسه أمامهم ،فأنظر إذا ماذا يقول؟
وَحَرَ قلباهُ مِمَن قَلْبُهُ بَشِمُ وَمَن بِجسمِي وَحَالِي عِندَهُ سَقَمُ
[ وحرَّ قلباهُ مِمَن قَلْبُهُ بَشِمُ ]أي مات قلبه ،يقول أنا قلبي مشتعل ويخاطب واحد قلبه مات [وَمَن بِجسمِي وَحَالِي عِندَهُ سَقَمُ ]،أي أن لألم الذي في قلبي وجسدي وهذا السقم سببه سيف الدولة: مَالِي أَكَتَم حُبًا قَد زَرَى جَسَدِي وَتَدَعِي حُبَ سَيفَ الدَولَةِ الأُمَمُ إِن كَانَ يَجمَعُنَا حُبًا لِغرته فَلَيْت أنّ بِقَدرِ الحُبُ نقتَسِمُ
يقول لو أن كل واحد منا يضع حبه ونقتسم الدنيا خاصة سيف الدولة بقدر الحب ياريت، لأن الحب الذي عندي أضعاف أضعاف الحب الذي عندهم، فأنا أريد الخزنة . قَد زُرتُهُ وسِيُوفِ الهِندِ مُغمَدَةً وَقَد نَظَرتُ إِلَيهِ وَالسِيُوفُ دَمُ فَكَانَ أَحسَنُ خَلقِ الله كُلِهِمِ وَكَانَ أَحسَنَ مَا فِي الأَحسَنِ الشِيَمُ
إلى أن قال في هذه القصيدة: يَا أَعدَلَ النَاسِ إِلَا فِي مُعَامَلتِي فِيكَ الخِصَامُ وأَنتَ الخَصمُ وَالحَكَمُ أُعِيذُهَا نَظَرَاتٍ مِنكَ صَادِِقَةً أَن تَحسِبَ الشَحمَ فِي مِن شَحمُهُ وَرَمُ
يقول الذين هم أمامك و يدَّعون الحب، فهذا ليس حباَ بل مرض يقول له: [أُعِيذُهَا نَظَرَاتٍ مِنكَ صَادِِقَةً]، أي أنك لو صدقت النظرة ستري أن حب هؤلاء لا حقيقة له، مثلما يكن مريضاَ جسدة متورماً من المرض. وَمَا انتفَاعِ أَخِي الدُنيَا بِنَاظِرِهِ إِذَا استَوت عِندَهُ الأَنوارُ وَالظُلَمُ أَنَا الذي نَظَرَ الأَعمَى إِلَى أَدَبِي وأَسمَعَت كَلِمَاتِي مَن بِهِ صَمَمُ
يعني هو كان يسب الشعراء الذين أوغروا صدر سيف الدولة عليه، يقول أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي، وأسمعت كلماتي من به صمم. أَنَامُ مِلءَ جِفُوِني عَن شَوَارِدِهَا وَيَسهَرُ الخَلقَ جَرَاهَا وَيَختَصِمُ الشوارد: الشيء النادر، فهو يقول الشارد من الألفاظ والمعاني التي لا يعرف أحد يأتي بها أبدًا أنا آتي بها برجلي ، أما غيري عندما يحب أن يقول هذه الشوارد يسهر ليالي كي يأتي له شعراء الشياطين وادي عبقر ،يسهرون الليل ويتعبون من أجل اختيار الألفاظ، إلي أن يأتي بالكلمة التي أنا آتي بها برجلي ،أنام ملء جفوني، منتهى اليسر والسهوله آتي بالكلمه التي يسهر الخلق جميعًا حتى يأتوا بها .
وجَاهِلِ مَدَهُ فِي جَهلِهِ ضَحكِي حَتَى أَتَتهُ يَدٌ فَرَاسَةٌ وَفَمُ يقول أنا ساكت عنه، أي لست راضياً أن أتكلم فيه إلي أن تجاوز حده جئت به، يقول: [حَتَى أَتَتهُ يَدٌ فَرَاسَةٌ وَفَمُ .]
إِذَا نَظَرتَ نِيُوبَ اللَيثِ بَارِزَةًً فَلَا تَظُنَنَ أَن اللَيثَ يَبتَسِمُ
يقول أنا ساكت صحيح، ليس معنى أن أسناني تظهر أنني أضحك لك حتى ويقولون أن هذا البيت هو الذي قتله . فالخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم إلى أن قال في هذه القصيدة الماتعة الحقيقة: يَا مَن يَعِزُ عَلينا أَن نُفَارِقَهُم وجداننا كَلَ شَيءٍ بَعدَكُم عَدَمُ إِن كَانَ سَرَكُمُ مَاَ قَالَ حَاسِدُنَا فَمَالِ جُرحٍ إِذَا أَرضَاكُمُ أَلَمُ
فقصائد جميلة وطويلة، لكن أنظر يعني اعتناؤه بنفسه في حضرة الأمير، بعد فترة غضب جاء حتى يصالح الخليفة، فهل تصالح الخليفة بهاتين الكلمتين؟ لكن رمى على الشعراء الذين كانوا موجودين هؤلاء الكلام الذي سمعتموه، وفي القصيدة أبيات تدل على اعتناءه الشديد بنفسه.
استمر مع سيف الدولة حوالي ثماني سنوات، لكن كانت عينه فارغة، سيف الدولة يعطيه يقول زد، لا يشبع أبدًا، ثماني سنوات مع سيف الدولة وبعد ذلك أحس أنه بدأ يتغير عليه، فتركه وذهب إلي كافور الإخشيدي عمل المتنبي في كافور أعمالاً خطيرة، رفعه إلى السماء وأنزله إلى حضيض الأرض، مع أن كافور خلط عملاً صالحًا بآخر سيئًا، وكان رجلاً جوادًا وكان ذا حزمٍ وكان أسود، إلي أن ملك مصر، قال فيه المتنبي قصيدة جميلة التي هي أولها: كَفَي بِكَ دَاءً أن تَرَى المَوتَ شَافِيًا وَحَسبُ المَنَايَا أَن يَكُنَ أَمَانِيَا تَمَنيتُهَا لَمَا تَمَنيتَ أِن تَرَى صَدِيقَا فَأَعيَا أَوعَدُوًا مُدَاجِيا
هذه القصيدة من أمتع القصائد حتى القافية ، فيها رخاوة، الرخاوة هذه تكون عادةً مقرونةً بهم، عندما تقرأ مثلاً سورة مريم، أنظر اللفظ في سورة مريم ﴿ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً﴾ (مريم: 3،2)، انظر اليــــا كأنك أنت تخرج ظفرة ، والسورة هذه سلوة المحزون الحزين يقرأ هذه السورة بخلاف آخرها تنتهي بحرف الدال وأنت تعرف الدال تحس هكذا إنك خبطت خبطه هكذا ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً (89) تَكَادُ السَّمَوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً﴾ (مريم 88 ـ 90)
كانت فيه دمدمة ورعد وبرق في آخر السورة غير السورة من أولها.فهذه القافية هذه قافيه فيها رخاوة تشعر فيها بالواحد كأنه يخرج مكنون نفسه الحقيقة هذان البيتان ( كَفَي بِكَ دَاءً أن تَرَى المَوتَ شَافِيًا) جاء من عند سيف الدولة هرباً واسودت الدنيا عنه و يريد أن يأخذ الذي عند كافور الإخشيدي، يريد أن يصبح ملكاً، يريد أن يصبح محافظاً، أي شيء مثل هذا سيموت حتى يصبح والي من الولاة، فبدأ القصيدة هكذا . [تمنيتها]: أي تمنيت المنايا، [تمنيتها لما تمنيت أن تري صديقًا فأعيي ]، أي أعياك أن تجد صديقًا حميما ،[ فإن لم يكن صديقًا حميمًا أوعدوًا مداجياًٍ]، لا أنا أجد هذا ولا هذا، المداجي: مأخوذ من الدُجي هو الظلام والاستتار، الإنسان ممكن يستتر في الظلام، يقول لا أجد صديقًا، ولا أجد عدوًا يداري عداوته ويسترها، لا أنا أجد هذا ولا هذا، بدأ القصيدة بهذا وتكلم كلامًا مثلما قلت لك رفع كافور الإخشيدي إلى السماء، ولكنه بكل أسف هجاه بأفظع الألفاظ يعني القصيدة التي هي للمتنبي بدأها بقوله: عيدٌ بأية حالٍ جئتَ يا عيدُ بما مضي أم بأمرٍ فيك تجديدُ
هذه القصيدة ذبح كافور فيها مَن عَلَمَّ الأَسوَدَ المَخصِي مَكرُمَةً آبَاؤهُ السُودُ أَم أَجدَادُُ الصِيدُ هكذا انظر الأسود المخصي هذا شيء بسيط من الذي هو قالها عن كافور، قال عن كافور أشياء فظيعة جدًا يمكن إن شاء الله نذكرها في غدًا بإذن الله تبارك وتعالى.. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم. إنتهى الدرس الرابع. |
|