أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: الدرس الثامن من مدرسة الحياة الخميس 12 مايو 2011, 11:34 pm | |
| الْمُحَاضَرَة الْثَّامِنَة قال بن الجوزي- رحمه الله تعالي-: (خَطَرَت لِي فِكرَةٌ فيمَا يجرِي علَى كَثيرٍ مِن العَالَمِ من المَصائبِ الشَّدِيدةِ و البَلَايَا العَظِيمَةِ التي تَتَنَاهَى إلى نِهَايةِ الصِعٌوبَةِ فقُلتُ: سُبحَانَ الله ، إن الله أَكرَمُ الأَكرَمِين والكَرمُ يُوجِبُ المُسَامَحة فَما وَجهُ هَذِهِ المُعَاقَبة ؟ فَتفَكرتُ فَرأيتُ كَثِيرًا من النَّاسِ في وجُودِهِم كالعَدم لا يَتَصَفَحُونَ أدِلَةِ الوِحدَانِية ولَا يَنظُرُونَ في أَوامِرِ الله تَعالَى ونَواهِيهِ بَل يَجرُونَ على عَادَاتِهِم كَالبَهَائِم ، فإِن وَافَقَ الشَّرعُ مُرَادَهُم وإِلَّا فَمُعَولَهُم عَلى أغرَاضِهِم ، وبَعدُ حِصُولِ الدينَارِ لا يُبَالُونَ أَمِن حَلَالٍ كانَ أَم مِن حَرَام ، وَإن سَهُلَت عَليهِم الصَّلاةِ فَعَلُوهَا وَإن لَم تَسهُل تَرَكُوهَا ، وفِيهِم مَن يُبَارِزُ بالذِنوبِ العَظِيمة مَع نَوعِ مَعرِفَةِ النَّاهِي ، ورُبمَا قَويَت مَعرِفَةِ عَالِمٍ مِنهُم وتَفَاقَمَت ذِنُوبَه ، فَعَلِمتُ أن العِقُوبَاتِ وإِن عَظُمَت دُونَ إِجرَامِهِم ، فَإِذا وقَعَت عُقُوبَةٌ لِتُمَحِصَ ذَنبًا صَاحَ مُستَغِيثُهُم: تُرَى هَذَا بِأَي ذَنب ؟ وَيَنسَى مَا قَد كَانَ مِمَا تَتَزَلزَلُ الأَرضَ لِبَعضِه وقَد يُهَانُ الشَّيخُ في كِبَرِهِ حَتَى تَرحًمَُه القُلُوب ، وَلَا يُدرَي أِنَّ ذَلِكَ لِإِهمَالِهِ حَقَّ الله تَعَالَى في شَبَابِهِ فَمَتَى رَأَيتَ مُعًاقَبًا فَاعلَم أِنَّه لِذِنُوب ). بن الجوزي- رحمه الله تعالي- لا يقصد خصوص المسلمين بهذا الكلام ، إنما يقصد الناس جميعًا ولذلك فهو يقول: ( لا يَتَصَفَحُونَ أدِلَةِ الوِحدَانِية ) ، وهذا الكلام إنما يصلح أن يقال بالنسبة للكافرين ، ولا يقال بالنسبة للمسلمين كثيرٌ من الناس حتى المسلمين لا يعلم لماذا خُلق ؟ لأنه لو علم لماذا خلق لنظر تحت قدميه قبل أن يضع قدمه فلينظر أمأذون له أم لا ، قبل أن يرفع قدمه ويضعها في مكان آخر فلينظر أمأذون له في ذلك أم لا ؟ ، لأن هذا هو رسم العبودية . العبد له سيد آمر ، والعبد لا يتحرك عادة من تلقاء نفسه لو حقق العبودية ، فكثيرٌ من الناس حياتهم كالعدم ، إن قصدنا الكافرين فالكلام معلوم والله - تبارك وتعالي - قال عن هؤلاء:﴿ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلا كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلا ﴾(الفرقان :44) ، لأنه ما من شيء علي وجه الأرض إلا وهو يذكر الله- تبارك وتعالي - ، والغفلة لا تدرك إلا الثقلين الإنس والجن ، اللذان نزل التكليف من أجلهم ، أما فيما عدا ذلك فالكل يسبح والكل لا يفتر سواء كان يابسًا ، أو كان أخضرًا كله يسبح لله - تبارك وتعالي - . فهؤلاء الكافرون وصفهم الله عز وجل أنهم أضل من الأنعام ، الأنعام أهدي سبيلًا لأنها تسبح الله - تبارك وتعالي- وقال الله - عز وجل-:﴿ وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴾(الأعراف:179) .ولعلكم تذكرون أننا في مرة سابقة ذكرنا أن القلب أو الفؤاد يكون ملاصقًا دائمًا للعين ، أي يقرن القلب مع العين أيضًا كما في هذه الآية:﴿ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا﴾ لأن العين والأذن هما أوسع طريقين إلي القلب أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْسَّمْعَ أَمْ الْبَصَرُ ؟ حتى فاضل العلماء بين السمع والبصر أيهما أفضل ؟ فقال بعض العلماء: السمع أفضل لأنه لا يرد إلا مقدمًا ، السمع دائمًا يرد مقدمًا علي البصر إذا قرن في كتاب الله تعالي ، قالوا والسبب في ذلك أن السمع هو أسبق الحواس عندما يولد المرء إنما يسمع قبل أن يبصر . الشيء الثاني: أنه بالسمع يدرك كلام الله ورسوله . الإنسان لو كان كفيفًا فيسمع ونحن لدينا الأدلة النصية كلها بتسمي بالدليل السمعي, الدليل السمعي: أي الذي آتانا عن طريق السمع ، أي عن طريق النقل,وعلماء آخرون قالوا: لا البصر مقدم علي تفصيل طويل ذكره ابن القيم -رحمه الله تعالي - في كتابه:( مفتاح دار السعادة ) وهو يفاضل بين السمع وبين البصر والتحقيق: أنه لا مفاضلة بينهما فالكل مفضل بأسبابه . وقال الله - عز وجل-:﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ ﴾(محمد:12) ، هؤلاء هم الذين وجودهم كالعدم بل العدم أفضل ، لماذا ؟ لأن العدم يسبح الله- تبارك وتعالي- ، إذا قلنا أن الجماد عدم فالجماد يسبح الله- تبارك وتعالي- كما قال الله- عز وجل-:﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾( الإسراء: 44) . وإن: بمعني مـا .﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾ بمعني ما من شيء﴿ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ .ومعروف عند علماء الأصول أن نفي الاستثناء يفيد الحصر ، أداة الاستثناء في الآية: إلا .﴿ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ﴾: أي وما من شيء ﴿ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ ، وفي هذه الآية رد علي الذين يقولون أن الأخضر إذا يبس أنقطع تسبيحه ، وإنما فهموا هذا الكلام من حديث بن عباس- رضي الله عنهما- وهو في الصحيحين " أن النبي- صلي الله عليه وآله وسلم - مر علي قبرين فقال : هذان يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من بوله ، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة ، ثم دعي رسول الله- صلي الله عليه وسلم- بجريدة فشقها نصفين ووضع علي كل قبر نصفًا من هذه الجريدة وقال : لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا " . ففهم بعض العلماء من قوله- صلي الله عليه وسلم- " ما لم ييبسا ": أي أنه طالما ظلت النداوة في الجريدة فهذا يخفف عنهما ، ما هي العلة عندهما ؟ فقالوا التسبيح ، أن الجريدة طالما فيها نداوة فهي تسبح فإذا يبست أنقطع التسبيح وبالتالي يكون مدة الترفية عنهما خفت لأجل هذه العلة . طَبْعا هَذَا الْكَلَامَ فِيْهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:-الوجه الأول: الآية قول الله- عز وجل-:﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ﴾ فهذا لم يستثني لا أخضر ولا يابس ، فالأصل أنه يفيد أن كل شيء يسبح وهذه رقم واحد .الوجه الثاني: أنه لو كان المقصود بقاء النداوة أطول مدة ما شق النبي- صلي الله عليه وسلم- الجريدة نصفين ، لأن شق الجريدة نصفين أدعى لسرعة ذهاب النداوة ، وإنما فعل النبي- صلي الله عليه وسلم- ذلك ليخفف عنهما فكان المناسب أن تظل الجريدة أطول مدة على نداوتها حتى يستفيدا صاحب القبرين من هذه الخاصية للنبي- ﷺ - أو هذا الفعل للنبي ﷺ فلما شق النبي الجريدة نصفين دل على أنه ليس المقصود بقاء النداوة في الجريدة .الوجه الثالث: حديث جابر بن عبد الله في أخر صحيح مسلم " أن النبي ﷺ - مر على قبر يعذب فدعا بجريدة أو دعا بعود رطب ثم وضعه علي القبر ، وقال لعله أن يخفف عنهما بشفاعتي " فيفهم من حديث جابر- رضي اله عنه- أن التخفيف كان بشفاعة النبي- صلي الله عليه وسلم- وليس بنداوة الجريدة ، لأجل هذا ذهب جمع من العلماء المحققين أن وضع الجريد على القبر لا يشرع إلا النبي ﷺ ، وأن زراعة الأشجار في المقابر كما درج الناس كثير من الناس على فعلها بقصد التخفيف أن هذا ليس مقصودًا للنبي- صلي الله عليه وسلم- ومسألة زراعة الأشجار في المقابر حتى يستفيد الميت بنداوة الشجر وهذا الكلام ، كل هذا لا أصل له .ورأي عبد الله بن عمر-رضي الله عنهما- رجلاً ظلل قبرًا بخيمة فسأل عن ذلك فقال إنما نظلله ، كأن الميت يستفيد بهذا الظل ، فنزع عبد الله بن عمر الخيمة وقال إنما يظله عمله .فهذه الآية: -:﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ حيثما وجدت صفة الحليم فاعلم أن العبد مستحق للعقوبة ، في أي آية فيها صفة الحلم أن العبد فيها مستحق للعقوبة ، العبد يعاقب هنا﴿ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ لما ؟ هل لأننا لا نفقه تسبيحهم ؟ لا ، ولكن لأننا لا نسبح ، فهو حليم لأنه لا يعاجلنا بالعقوبة ويبسط لنا الرزق مع عدم التسبيح ، لأنه في حديث عبد الله بن عمر بن العاص الذي رواه أحمد في مسنده في وصية نوح ، " أن نوحًا- عليه السلام- دعا ابنه أو ابنيه روايتان في المسند ، فقال إني قاصر عليكما الوصية ، آمركما باثنتين وأنهاكما عن اثنتين ، آمركما بلا إله إلا الله ، وسبحان الله وبحمده "، ثم علق على هذه الكلمة الأخيرة فقال:" فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق الخلق " ، الذي هو التسبيح التسبيح: هو صلاة كل شيء وبالتسبيح يرزق كل إنسان ، وبهذا الحديث تقرأ الآية مرة أخرى فتفهم ما هو المقصود من ذكر الحلم في الآية: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا ﴾ أي عن ترككم التسبيح فإنه يرزقككم بلا تسبيح ، مع أن سبحان الله وبحمده يُرزق بها كل إنسان ، فكان المناسب أن الذي لا يسبح لا يرزق ، ومع ذلك شمله حلم الله فرزقه مع تقصيره في الإتيان بالتسبيح .والحقيقة في القرءان المجيد كل الأدلة التي أقامها الله-سبحانه وتعالي- علي الكافرين لإثبات إلهيته تراها تخترق القلب لو صادفت إنسانًا منصفًا ، الآيات القرءانية الحجة فيها هادئة وكلما كان الإنسان هادئًا وصل إلى سمع قلب المخالف .بن حزم: مثلاً كان قويًا في إقامة الحجة لكنه كان عنيفًا فلم يذعنوا له ، وأنت تعرف أن المخاصم أو الخصم كلما ترفقت به في إقامة الحجة كان أقنع له ، بخلاف ما إذا كنت شهيدًا ويشتم من هذه المناظرة أنك تريد أن تسفهه أو تريد أن تظهره بمظهر الجاهل ، لا ، أنظر الآيات القرءانية في مسألة الخلق والله – عز وجل- يخاطب الكافرين الذين يزعمون هناك آلهة أخر غير الله- سبحانه وتعالي- ، بسط الله هذا المعنى كثيرًا في القرءان ، وانظر الآيات أو الكلمات في منتهى الهدوء يقول الله- تبارك وتعالى-:﴿ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ﴾(الرعد:16)هذا الذي جعلوا لله ندًا تبارك وتعالى ، ﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ (لقمان:11) ، كل شيء خلقه الله- عز وجل- ، فأنت تعبد صنم فقل لي ماذا خلق هذا الصنم ؟ إذا لم يكن مكابرًا أدعه .جبير بن مطعم: كما في صحيح البخاري لما دخل في فداء أسرى بدر ووافي المدينة في صلاة المغرب ، وكان النبي- ﷺ يصلي المغرب بالمسلمين ، فسمع آيات من سورة الطور﴿ أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ ﴾(الطور: 35-37) قال: فكاد قلبي أن يطير ، أسئلة ليس لها جواب إلا أن تذعن ، ليس لها جواب .﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ ، وأنت تعرف أن الله- عز وجل- إنما خاطب المشركين بآيات الربوبية التي لا يجحدونها ، حتى في سورة النمل أثبت الله- عز وجل- إلوهيته بما يعتقدونه من ربوبيته ، وهذا أقوى درجات الإقناع وإقامة الحجة ، يأتي على مظاهر الربوبية التي لا يختلف المشركين فيها ، الذي نفى ربوبية الله- عز وجل- هو فرعون ومن علي طريقته من الدهرية الذين هم كما يقول العلماء أنكروا وجود الصانع ، إنما المشركون ما كانوا يعتقدون أن هناك آلهة أخري شاركت الله – عز وجل- في خلق السموات والأرض ولا في خلق ذرة ، ما كان المشركون يعتقدون أن آلهة خلقت ذرة مع الله- سبحانه وتعالي- .إذًا فيما يتعلق بالربوبية هم يعتقدونها ، لذلك العلماء يقولون: إن توحيد الربوبية لا يدخل أحداً في دين الإسلام ، إنما الذي يدخل الناس في دين الإسلام توحيد الإلوهية وهو المتعلق بالأمر والنهي .لذلك الواحد يتعجب عندما يجد واحد مثلاً يشير العوام إليه أنه عالم يقول: الطواف بالقبور ليس شركًا ، لماذا ؟ علل هذا فقال: لو سألت أي واحد ممن يطوف في القبور أتعتقد أن الذي في القبر يحي ويميت ؟ يقول: لا يخلق ويرزق ؟ يقول: لا . فكيف يكون مشرك ؟ أبو جهل وأبو لهب كانوا يعتقدون مثل هذا الاعتقاد ، ما كانوا يعتقدون أن أحد يحي ويميت إلا الله ، ولا يخلق ويرزق إلا الله ، ما الجديد في الموضوع ؟ لا ، هؤلاء صرفوا العبادة إلي غير الله﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾ (الأنعام :162-163) . حُكْمُ الْطَّوَافِ بِالْقُبُورِ وَحُكْمُ الْطَّائِفِ:فيكون القول أن الطواف بالقبور ليس شركًا خطأ ، الطواف بالقبور شرك ، لكن بحثنا في الطائف أهو مشرك أم لا ؟ هذا هو الكلام لكن لا ينبغي أن نعتقد أو أن نتردد في الحكم علي الفعل ، ونقول أن فاعل الكفر ليس بكافر ، لا يشترط أن يكون كافرًا ، فاعل الكفر لا يشترط أن يكون كافرًا لاحتمال أن يكون جاهلًا ، فيكون الذي يطوف بالقبور لا نقدر أن نقول مشرك لكن فعله شرك ، لأنهم فاهمين عندما نقول أن الفعل شرك أن نحن كفرنا الذي يطوف بالقبر . لا ، هما بحثان: بحث في الفعل ، وبحث يتعلق بالفاعل ، الفاعل لا نكفره حتى نقيم عليه الحجة الرسالية التي يكفر تاركها ، كثير من الناس لا يعلمون أن هذا يضاد للتوحيد ، لا يعلمون أن طلب الغوث والمدد من المقبور أنه ينافي التوحيد . والعجيب أن هذا المحتج لهم الذي يصرخ ليل نهار في كل الفضائيات ، والجرائد ، والمجلات وغير ذلك يقول : أن بناء المسجد علي القبور كان في عهد النبي- صلي الله عليه وسلم - ولم ينكر رسول الله - صلي الله عليه وسلم- شيئًا .وأتي علي قصة أبي بصير وأنه عندما دفن بالساحل وبنوا عليه مسجدًا قال: هذا كان في حياة الرسول- عليه الصلاة والسلام - وقد روي موسي بن عقبة هذا الكلام بسند صحيح في المغازي وطبعًا هو لم يري مغازي موسي بن عقبة بعينيه ، لأنه لم يطبع من مغازي موسي بن عقبة إلا منتخب المنتخب من مغازي موسي بن عقبة هذا الذي وجدوه ، وهو منتحب صغير لا يتجاوز الستين صفحة بالخط الصغير ، فهو لم يري مغازي موسي بن عقبة ، فمن أين أتي بهذا الكلام ؟ أتي بالكلام هذا من شيخه أيضًا ، لأن شيخه هذا له كتاب اسمه: ( إحياء المقبور بأدلة استحباب بناء المساجد علي القبور) ، استحباب أيضًا أي أن الذي يبني المسجد علي القبر يأخذ حسنة ، ذاكر الكلام هذا وقال : الدليل العاشر أن موسي بن عقبة روي في المغازي بسند صحيح وأتي بقصة أبي بصير . وطبعًا شيخه أيضًا لم يري مغازى موسي بن عقبة بعينيه ، فمن أين أتوا بهذا الكلام ؟ جاءوا بهذا الكلام من كلام الحافظ بن حجر العسقلاني في فتح الباري ، ماذا قال الحافظ بن حجر في فتح الباري ؟ الجماعة المرتجعة لا تُسَلم لهم في نقل أبدًا ، يكذبون ، ويبترون النصوص ، إما عن عمد ، وإما عن جهل أنا اليوم مثلًا لو قلت الإسناد الآتي: الزهري عن عروة بن الزبير عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سوف أنزل راوي آخر ، أقول سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عمر بن الخطاب ما صحة هذا الإسناد ؟ الإسناد هذا منقطع ، لأن عروة بن الزبير لم يدرك عمر بن الخطاب ، فأحيانًا يقول: وروي فلان بسند صحيح إلي عروة أن عمر بن الخطاب ، فيأتي الذي لا يفهم لا يقول كلام الحافظ لأن الحافظ قيد الإسناد بالصحة حتى من ؟ حتى عروة بن الزبير ، طالما أن الناقل وقف في تصحيح الإسناد علي راوي في الإسناد اعرف أن من فوق هذا الراوي فيه علة ، إما علة واضحة وإما علة مختلف فيها لم يتهيأ للناقد أن يحققها ، فلكي يخرج من عمدة هذا الكلام يقول هذه المسألة .وهذه مسألة معروفة عند علماء الحديث وطلبة الحديث الدارسون يعلمون هذه المسألة ، فلا يأتي واحد منهم عندما ينقل ، يتورط ويقول: بسند صحيح عن عمر بن الخطاب ، لأن هذا معناه أن الإسناد صحيح إلي عمر لا هو قال: بإسناد صحيح إلي عروة أن عمر أول ما يأتي علي راوي في الإسناد قبل الصحابي ويقف عنده اعرف تمامًا أن فوق الراوي هذا علة ، إما علة حقيقية محققة ومحررة ، وإما علة مختلف فيها هو لم يتهيأ له أن يحقق في البحث فلكي يخرج من العهدة هذه فيفعل هكذا . الحافظ بن حجر فعل نفس هذا الكلام ، ماذا قال ؟ طبعًا الحديث حديث صلح الحديبية حديث طويل ، يرويه الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم ، وساقا قصة صلح الحديبية ، قال الحافظ في الشرح وروي موسي بن عقبة بسند صحيح إلي الزهري أنهم بنوا مسجدًا علي قبر أبي بصير ماذا أقول ؟ أن موسي بن عقبة روي بسند صحيح أنهم بنوا مسجدًا علي قبر أبي بصير ، هو قال إلي الزهري ، والزهري عندما روي صلح الحديبية رواه عن من ؟ عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحاكم فعندما يقول لك: أن موسي بن عقبة روي عن الزهري فتكون هذه الواسطة سقطت فيما يتعلق بهذا الخبر . الزهري هذا من صغار التابعين ، ومرسلات الزهري شبه الريح هذا مصطلح عندنا . شبه الريح: بمعني لا تقف من مرسلات الزهري علي قليل ولا كثير ، مثل الريح ليس لها قيمة ، فأنا أقول ورد في مغازي موسي بن عقبة بسند صحيح أنهم بنوا مسجدًا علي قبر أبي بصير في زمان النبي- صلي الله عليه وسلم- ولم ينكر رسول الله - صلي الله عليه وسلم - فأنا أقول: عندما تأتي لكي تراجع تجد الجماعة هؤلاء خونة إما عن عمد ، وإما عن جهل ، فإياك إياك أن تأخذ من مبتدع كلامًا إلا وترجعه إلي أصله . سوف تري العجب ، كنا الأول أحيانًا نسلم ولا نصدق أن ممكن إنسان يكذب هذا الكذب العظيم ، اليوم ماذا يفعلون ؟ يأتي بالجزء والصفحة أيضًا لكي يخدرك علي الآخر ، وليس من المعقول أن أحد يأتي بالجزء والصفحة ويكون كذاب هو لو قال: روي أحمد في المسند ، انتهي ، اجري يا فلان للصبح ، مسند أحمد قرابة عشرين ألف حديث ، ابحث براحتك ، لكن عندما يقول روي أحمد في المسند رقم عشرة آلاف أو غير ذلك ، عادة أنت سوف تقول طالما ذكر الرقم فليس معقول أن يكذب هذه الكذبة ويدلك علي الموضوع علي الفور . مثل الجماعة أصحاب الطريقة الصوفية الذين نشروا حديث أبي سعيد وكانوا يوزعونه علي الناس ، ووجدته معلق في بعض المساجد ، حديث أبي سعيد الخدري فيه الخوارج فاكرين الحديث " أن النبي- صلي الله عليه وسلم- عندما جاءته ذهبية من اليمن والرجل ذو الخويصرة قال: أعدل يا محمد فانك لم تعدل ، في الحديث قال يخرج من ضئدء هذا أقوام يحقر أحدكم صلاته إلي صلاته وصيامه إلي صيامه ، يقرئون القرآن لا يتجاوز حناجرهم ، يخرجون من الدين كخرج السهم من الرمية ، لأن أدركتهم لأقتلنَّهم قتل عاد ، قالوا صفهم لنا يا رسول الله ؟ قال: حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يتحدثون من كلام خير البرية " .ثم بعد ذلك زاد ، قال: " طويلة لحاهم قصيرة أزرهم " ، هذه المكذوبة ، أن الواحد تصور أن الوضع أنتهي من زمان أن الكذب علي النبي- عليه الصلاة والسلام - انتهي زمانه ، لا ، هذا وضع هذه المسألة " صفهم لنا يا رسول الله قال: "سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان يقولون من كلام خير البرية " ، كل هذا صحيح ، كل ذلك ورد في الحديث ، لكن " طويلة لحاهم قصيرة أزرهم وذلك لأننا ندعوا الناس إلي إعفاء اللحية ونقوم بتقصير الملابس ، ثم بعد ذلك قال: رواه البخاري إسناد صحيح .طبعًا أي واحد يقول رواه البخاري أو مسلم بسند صحيح نعرف أنه جاهل علي الفور ، لأنه لم تجري عادة العلماء أن يذكر صحة الإسناد إذا عاد إلي الشيخين .يتبع إن شاء الله.. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52561 العمر : 72
| موضوع: رد: الدرس الثامن من مدرسة الحياة الخميس 12 مايو 2011, 11:37 pm | |
| الغريب في هذه المسألة أنه في البخاري ومسلم ذكر رقم الحديث وفي مسلم ذكر رقم الحديث ، فعادة الإنسان لا يتصور أن يبلغ السوء للإنسان أن يدلك علي الموضع لكي تذهب وتراجع ، لكن هم يعلمون أن أقل الناس هم الذين يراجعون ، أولًا ليس عنده صحيح البخاري ولا صحيح مسلم إذا فكر أن يراجع ، وإذا رأي الرقم يقول: لا يمكن أن يكون هذا كذاب ، فأي إنسان مبتدع أحذر وأبحث ورائه .فعندما يأتي علي خبر موسي بن عقبة ويقول بني مسجد علي قبر في زمان النبي - ﷺ - ولم ينكر رسول الله- ﷺ - ففي إقراره حجة .مثل أمس بعد ما انتهيت من الدرس واحد يكلمني ويقول: الآن هم يقولوا: أن أبو الهول كان موجود عندما دخل عمرو بن العاص مصر ، فلماذا لم يهدمه ؟ ، إذا دخول عمرو بن العاص في وجود التماثيل التي يضعوها الآن في المتاحف وغير ذلك ولم يهدمها عمر بن العاص دلالة على مشروعية هذا الكلام .نحن نريد أن نقول أولاً أبو الهول لم يقل أحد أن كان موجود أيام عمر بن العاص ، هم قالوا وأنا درست هذا الكلام أيام ما كنت أدرس الآثار ، أول ما انتهيت من الكلية وأجبرت على أنني أقرأ كتاب معين ، لكي أكون مرشد سياحي ، فقرأت أنهم استخرجوه من الرمل ، أي أن هذه العملية حديثة ، وكل التماثيل التي أخرجوها ، أخرجوها من الرمل ، ما بقي إلا الأهرامات .ويأتي الأسئلة الآتية:- هَذِهِ الْأَهْرَامَاتِ كَبِنَاءِ مَا الْإِشْكَالِ فِيْهَا ؟ لا يوجد أي إشكال فيها ، وهذه رقم واحد ، الحاجة الثانية: من الذي أعلمه أن عمر بن العاص رآها ؟ وسلمنا أنه رآها ، ما لإشكال فيها ، سلمنا أن كان لها إشكال ، فلعله رأى أن لا يمسها لأنه دخل على قوم يعتقدون ملة غير الإسلام ، فلو أنها كانت مقدسة عند هؤلاء ، ولم تكن كذلك في الحقيقة وكان لها مكان عند هؤلاء ورأى من الحكمة أن لا يمسها كما فعل النبي- صلى الله عليه وسلم- مع الكعبة ، قال لعائشة- رضي الله عنها- كما في الصحيحين وهو ممكن في دولة ولو فعل لم يجرؤ أحد أن يراجعه في حرف ، قال لعائشة:" لولا حدثان قومك بالكفر لهدمت البيت وبنيته على قواعد إبراهيم " .فلولا حدثان قريش بالكفر لأنها كانت تعظم البيت ، وربما ظن أحدهم وحاك في صدره أن هدم الكعبة ليس من تعظيم البيت ، وقد كان هذا مشعًا عند المشركين ، كان هذا في المسلمين ، لما أراد عبد الله بن الزبير أن يهدم الكعبة بناءً على هذا الحديث كما في صحيح مسلم ، لما أراد أن يهدم الكعبة ويبنيها على قواعد إبراهيم ، جمع الناس جميعًا وقال بعد ما احترق البيت والله لو كان بيت أحدكم ما تركه حتى يجدده فكيف ببيت ربكم ، فأنا أريد أن أهدم الكعبة وأبنيها على قواعد إبراهيم ، فإني سمعت عائشة تقول كذا وكذا وكذا فأشيروا علي أيها الناس بن عباس قال: قد فرق لي فيها رأي ، أرى أن تترك أحجارًا أسلم الناس عليها ، أي لا تمسها .فقال والله لو كان بيت أحدكم ما تركه حتى يجدده ، وإني مستخيرٌ ربي ثلاثًا ، واستخار الله- عز وجل- وبعد ثلاثة أيام عزم على أن يهدم الكعبة طلع هو ومجموعة صغيرة فوق الكعبة لكي ينفضوا الأحجار ، المسلمون جميعًا تحاشوا أن يقتربوا من الكعبة ووقفوا جميعًا بعيدًا عن الكعبة لاعتقاد أنه ستنزل صاعقة من السماء تحرق هؤلاء الذين ركبوا ظهر الكعبة يريدون أن يهدموها ، فلما بدئوا ينقضوا أحجارها ورأى الناس أنه لم تنزل صاعقة أو غير ذلك ، كلهم اشتركوا وتتابعوا على نقض الكعبة حتى وصلوا إلى قواعد إبراهيم ، فإذا هي أحجار كأسنمة البخت ، فبناها عبد الله بن الزبير على قواعد إبراهيم كما كان رسول الله- صلي الله عليه وسلم- يؤمل أن يبنيها .حتى جاءت خلافة عبد الملك بن مروان وقال: قاتل الله بن الزبير إنه يقول كذا وكذا ، الراوي الذي معه قال: يا أمير المؤمنين لا تقل هذا فإني سمعت عائشة- رضي الله عنها- تقول ذلك ، فسكت قليلاً ثم قال: لو سمعت هذا ما هدمتها ، لأنه هدم الكعبة وبناها مثل الأول ، لذلك الذي يذهب إلى الكعبة يجد حجر إسماعيل جانب الكعبة ، هذا الحجر كان داخل الكعبة ، كما كان على أيام النبي- عليه الصلاة والسلام- ، لما عبد الملك بن مروان هدم بناء الزبير وأعاده ثانية ، لذلك الذي يحتاج أن يصلي داخل الكعبة يصلي في الحجر ، لأن عائشة- رضي الله عنها- أرادت أن تصلي داخل الكعبة فقال لها النبي - ﷺ - صلي في حجر في إسماعيل فإنه من البيت ، لذلك تجد جماعة يدخلون من فوق السور ويحاولون أن يصلوا داخل حجر إسماعيل ليكون بذلك صلى داخل الكعبة .فالنبي ﷺ وهو ممكن لم يهدم الكعبة ، كذلك عمر بن العاص ، افترض أن عمر بن العاص عندما دخل وسأل ما هذه ، قالوا هذه الأهرامات والجماعة النصارى في مصر يعظموا الأهرامات وغير ذلك ، فتركها إلى حين ، وهذا الكلام على سبيل التدرج ، وإلا فإنه لا يوجد أي دليل على ذلك ، وهذا من جنس الذي يتكلم عن ختان الإناث ويقول بنات النبي ﷺ لم يختتن ، ما الذي أعلمك أنهم لم يختنوا ؟ هل كنت موجود أم عندك خبر أنهم لم يختنوا ، ما هي الحجة ؟ الحجة أنه ليس معه حجة ، وهذا هو الموضوع كله ، لم يجد شيء يدل على أنهم اختن ، فلم يختنوا .والعلماء عندما يتكلمون عن هذا يقولون: نفي الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، كونك لا تجد فليس معناها أنه لا يوجد ، أنت لا تعرف كل حاجة ولا طوقت العلم من أطرافه فهذه هي نفس المسألة .الحاجة الثانية الذين يحتجوا بها:﴿ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا ﴾( الكهف:21) ، الذين غلبوا على أمرهم من هم ؟ أهل العلم ، لا إنهم هم أهل السيادة وأهل القرار ، وعادة نجد أهل السيادة وأهل القرار ليس لهم علاقة بهذه المسألة ، وأضف إلى ذلك أن هذا شرع من قبلنا ، وشرع من قبلنا هل هو حجة علينا ؟ لا ، لاسيما إذا وجد في شرعنا ما يرده وآخر كلام قاله النبي- صلى الله عليه وسلم-:" لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ألا إني أنهاكم عن ذلك ، ألا إني أنهاكم عن ذلك ، ألا إني أنهاكم عن ذلك " ، قالت عائشة" فلولا ذلك لأبرز قبره ولكنه خشي أن يتخذ مسجدًا ".فيكون من الخطأ أن يقول القائل: الطواف بالقبور ليس شركًا ، لا ، الطواف بالقبور شرك لكن بحثنا في الذي يطوف أهو مشرك أم لا ؟ نحن نقول أننا لا نستطيع أن نحكم عليه بالشرك إلا بعد إقامة الحجة عليه وتعليمه . القرشيون أو الكفار القدامى فيما يتعلق بالربوبية كانوا يعتقدون ربوبية الله- تبارك وتعالي- لكنهم قالوا:﴿ أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾(ص:5) ، أي عجاب فيه ، تفرد بالخلق ، تفرد بالرزق ، تفرد بالإحياء ، تفرد بالإماتة ، مناسب أن يتفرد بالعبادة ، لو نحن نتكلم بالرأس ، لكن آلهة لم تخلق ذرة كيف تستحق العبادة ؟ الله- عز وجل- أقام الحجة على هؤلاء بما يعتقدونه من الربوبية أقام إلوهيته ، الحجة بإلوهيته عليهم بهذا ، أنظر في سورة النمل ، قال الله-عز وجل-:﴿ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ (النمل:60،59) ، كل ما ذكره الله- عز وجل- هذه مظاهر ربوبية ، خلق السموات والأرض ، إنزال المطر ، إنبات النبات ، والحدائق ذات بهجة ، كل هذا يعتقد القرشيون أو الكفار أن الله- عز وجل- هو الذي خلق ، ما شاركه أحد ، فقال لهم:﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ .كما في حديث بن عباس " لما قال رجل للنبي- صلى الله عليه وسلم- ما شاء الله وشئت ، فقال له أجعلتني لله عِدلا " ، أي أجعلتني لله ندًا كما في الحديث الآخر .وفي بعض الأخبار في المناظرة التي جرت بين سعيد بن جبير والحجاج بن يوسف الثقفي ، وهناك مناظرات لا تصح من جهة إسنادها ، وهناك مناظرات تصح وكلها مقرونة ببعضها . الْمُنَاظَرَةِ بَيْنَ سَعِيْدٍ بْنِ جُبَيْرٍ وَالْحَجَّاجُ بْنُ يُوَسُفَ الْثَّقَفِيُّ:قال له الحجاج: ما تقول فيَّ ؟ قال: إنك عادل قاسط ، فبعض الناس قالوا أن سعيد غير رأيه ، خاف من الحجاج وغير رأيه ويمدحه ، فكأنما تنامي هذا الكلام إلى سمع الحجاج ، فقال: مهلاً أيها الناس فإنه وصفني بأوصاف الكافرين ، إنك عادل ، قال:﴿ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ ﴾(الأنعام:1) وأما قاسط ،﴿ وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾(الجن:15) ،هكذا فهمها الحجاج قال إنه ذمني أشد الذم إذ وصفني بأوصاف الكافرين .الله- عز وجل- يقول:﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ ﴾ ، ﴿ أَمْ مَنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾(النمل:61) ، كل ما ذكره الله هذه من تفاصيل الربوبية التي يقر بها المشركون ، ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾(النمل:62) ، أيضًا كل هذا مما يقر به المشركون . أَقْوَىْ الْأَدِلَّةِ فِيْ الْمُنَاظَرَاتِ الْدَّلِيْلُ الَّذِيْ أَقَرَّهُ الْخَصْمِ :أنظر يأتي بما وهذا أقوى دليل في إقامة الحجة أن يقر معك الخصم على شيء فتأخذ من هذا الدليل الذي هو أقره حجة عليه ، وهذه لا يعرف أن يقيمها إلا أهل العلم النوابغ ، لذلك العلماء وهم يتناظروا ، يبدأ في تكسير دليل الخصم على مرحلتين ، أقوى المراحل المتأخرة وليست المتقدمة مثلاً: اثنان تناظرا في مسألة فيقول واحد منهم دليلك ضعيف ، الحديث ضعيف ، وهذا أيضًا حجة ، لكن قد يفاجأ أن الخصم قوى له الحديث بطرق لا أعرفها أنا ، فما قولك ؟ ممكن يوقفني ، لكن العادة مثل بن حزم مثلاً وكان بن حزم في المناظرة قوي جدًا في المناظرات ، تصور إنساناً واحدًا ينشر مذهبه على حساب كل علماء المالكية في الأندلس ولا واحد استطاع أن يقف له إلا أبو الوليد البادي لما رجع من رحلته إلى دمشق . وبن عبد البر كان رفيق بن حزم ، وكان يمشي معه فترة في الأول ، ثم تركه ورجع بن عبد البر ، ولا أقول رجع مالكيًا ، لكن بن عبد البر كان أعلم من أن يكون متمذهبًا ، بن عبد البر كثيرًا ما يوافق الشافعية في أصولهم وأحيانًا في فروعهم لأنه مجتهد ، لكن كان نفسه هادي جدًا جدًا ، لذلك تقرأ لابن عبد البر تجد نفسك مستمتع ،تقرأ لابن حزم تجد قلبك مضطرب ، عمله ثقيل يضرب ويدق وينقل الواحد من أعلى إلى الأرض وغير ذلك ، وأنت تقرأ في المحلى فعلاً تكون مشدود ، تحس أنك مشدود جدًا . الْنُّصْحَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ فِيْ الْمَحَلِّيَّ ابْنُ حَزْمٍ فِيْ بِدَايَةِ الْتَّفَقُّهُ:لذلك أنا لا أنصح أي أحد من إخواننا في بداية التفقه أن يقرأ في المحلى لابن حزم ، يجعل المحلي بعد ذلك ، هو كتاب مملوء بالعلم صحيح ، لكن يجعل المحلى فيما بعد ، لما ؟ حتى لا يتجرأ على العلماء والأئمة .القصد أن بن حزم هذا فرد واحد ،استطاع أن يقلب أو يجعل المذهب السائد في الأندلس المذهب الظاهري ، لماذا ؟ لأنه كان خريصًا في المناظرة .يقول بن العربي: كان إذا طالبهم بالدليل كاعوا ، أي وقع علي الأرض. طَرِيْقَةِ بْنِ حَزْمٍ فِيْ الْمُنَاظَرَاتِ .أولاً: يقوم بتضعيف دليل الخصم .ثانيًا: يقول له سلمنا أنه صحيح فلا حجة لك فيه لأجل وحد ، اثنين ، ثلاثة ، أربعة ، وسلمنا أنه صحيح هذه هي الأقوى ، يقول أنا سلمت معك بصحة الدليل لكن أنا أخالفك في فهم الدليل ويبدأ يأتي ببعض الوجوه الغريبة التي لا تخطر على بالك في تضعيف أدلة الخصم ، يكون أقوى شيء أنه إذا وافقك في الدليل إن أنت تبين له أنك لا تفهم الدليل .لذلك أنظر إلى هذه الآيات مع هدوء كلماتها كلام لا يقدر أحد أن يرده أبدًا لأن كل ما ذكره الله- عز وجل- من التفصيل هو الذي يقر به الكافرون، فيأتي السؤال:﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ ؟ ، وليس أرب مع الله ؟ لا ،﴿ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ ﴾ لأنهم يجهلون إلوهية الله- سبحانه وتعالى- وهي المتعلقة بالأمر والنهي ، المتعلقة بالحكم ، إن الحكم إلا لله ، أي لا يجوز لأحد أن يحكم حكمًا مع الله- عز وجل- ،حتى في باب الاجتهاد ، كل الأحكام التي جاءت عن طريق الاجتهاد إنما هي مردها في الآخر إلى الله- عز وجل- ، إما في دليل تقيس عليه ، وإما دليل تأخذ منه بدلالة المفهوم .أي لا تأتي بشيء من رأسك حتى في باب الاجتهاد ، إنما تؤسس الاجتهاد على النصوص الشرعية ، أو تقيس على النصوص الشرعية الواردة .قال الله- عز وجل- ﴿ أَمْ مَنْ يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَنْ يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾(النمل:64،63) ، هذا الكلام لو صادف إنسانًا منصفًا ، فليس له حل إلا أن يسلم ، كما قلت منذ قليل جبير بن مطعم دخل كافرًا ، ودخل لكي يفدي أسرى بدر من الكافرين وما خطر له أن يسلم سمع هذه الآيات من النبي- عليه الصلاة والسلام- ، فيقول: كاد قلبي أن يطير .لذلك القرءان المكي كله يخاطب القلب وأكثر أدلة التوحيد في القرءان المكي القرءان المدني تجد فيه هذا وذاك ، تجد فيه الأحكام الشرعية مبسوطة ، لكن التوحيد تجده أكثر في القرءان المكي والغالب علي القرءان المكي أيضًا قصر الآيات ، لا تجد الآية الطويلة ، الآية قصيرة وهذا يعين على التدبر لأن الكلام إذا طال تحتاج إلى أن تصل إلى أوله مرة أخرى ، لذلك العلماء قالوا إذا طالت الجملة ، تعود وتكرر منها كلمة مرة أخرى .مثلاً تقول:قال رسول الله ﷺ ودخل عليه رجل وعقل بعيره وأتى فسلم عليه ، تعود وتقول: قال رسول الله- ﷺ - مرة أخري ، لأن أول ما قلت في الأول قال رسول الله ﷺ - أنت منتظر كمستمع تسمع الكلام مباشرة ، لا أتت جملة اعتراضية عبارة عن سطر أو سطرين ، فأنت نسيت قال رسول الله ﷺ الأولى فتحتاج أن تكرر هذا الكلام مرة أخري لكي تعود به إلى المعني الذي بدأت به .لذلك كانت الآيات في القرءان المكي كانت آيات قصيرة لأن التطويل ممكن يجعل الإنسان ينسى يرجع مرة أخرى لأول الكلام .بن الجوزي- رحمه الله- يقول: ( كَثِيرًا من النَّاسِ في وجُودِهِم كالعَدم لا يَتَصَفَحُونَ أدِلَةِ الوِحدَانِية ).لا يجلس ويفكر في النبات والشجر وغير ذلك ، حتى ببداهة العقل ، كما جاء واحد لأبي حنيفة ينكر وجود الله- عز وجل- وهذا الكلام ، فقال له: دعني الآن فإنني أفكر في أمر عظيم ، قال له: ما هو ؟ قال له: بلغني أن السفينة تأتي فترسو على بغداد وتحمل وحدها وتفرغ وحدها وتعود وحدها ، فقال له: ماذا تقول ؟ كيف يكون ذلك ؟ أن تحمل نفسها وتفرغ نفسها ، فقال له: أنت متعجب على سفينة تحمل وحدها وتفرغ وحدها وهذا الكون بأبراجه وأوتاده وكل ذلك لم يختل فيه شيء منذ خلق إلى الآن وتزعم أن ليس له صانع ,أي أن لهم كلام يشبه هذا ، الشافعي له كلام وأبو حنيفة له كلام في هذه المسألة فهؤلاء لا يقف مرة حتى ينظر في هذا الكون البديع ، لأنه لو نطر في هذا الكون البديع بن الجوزي يقول: ( ولَا يَنظُرُونَ في أَوامِرِ الله تَعالَى ونَواهِيهِ ).ونحن قلنا أن هذا متعلق بالإلوهية ، الحكم ، إن الحكم إلا لله .قال سفيان الثوري-رحمه الله-: وهذا من أبدع ما أقوله في هذا المعني ، لما أذكر إن الحكم إلا لله أذكر بجانبه كلام سفيان الثوري كان يقول: (إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل ) هل تستطيع أن تعملها ، لما تحب أن تحك هكذا ، هل معك دليل لهذا الفعل ؟ ممكن واحد يتعجب ، العبد يفعل هذا وأقل من هذا ، هذا لو أتي بالعبودية على أصلها .لا تحك رأسك إلا بأثر معناها: لا تفعل أقل شيء إلا بنص ، مسألة الأوامر والنواهي هذه هي صورة العبودية وأثرها ، أنت عبد ، نعم عبد ، ما الدليل على أنك عبد ؟ أراقب الأوامر والنواهي ، هل الأوامر على درجة واحدة ؟ لا ، أنا أريد أن أرسم صورة عبد ، أرسم صورة عبد بماذا ؟ الأوامر على ثلاث أنحاء والنواهي على نحوين ، التي هي الأحكام الشرعية الخمسة كما يسميها الفقهاء والتي هى الوجوب أو الفرض على قول الجمهور والاستحباب أو الندب ،( الواجب والفرض) شيء واحد ،( الاستحباب والندب)شيء واحد ،( الإباحة)، ثم (الكراهة )، والحنفية يقولون كراهة تحريم وكراهة تنزيه ، والتحريم .الأحكام الشرعية لا تخرج عن خمسة إذا تعلق بالأمر تكون ثلاثة ، وجوب إباحة ، وإذا تعلق بالنهي ، تحريم وكراهة ، أنت تريد أن تكون عبد ، كيف تكون عبد في وسط هذه الأحكام ؟ ما الذي إذا عملته من هذه الأحكام نقدر أن نقول أنك عبد لله- عز وجل- ؟ ، وهذا ما سنذكره غدًا . انْتَهَي الْدَّرْس الْثَّامِن. |
|