منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

soon after IZHAR UL-HAQ (Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.


 

 سورة النساء الآيات من 071-075

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النساء الآيات من 071-075   سورة النساء الآيات من 071-075 Emptyالخميس 02 مايو 2019, 12:31 am

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا [٧١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

لا يقال لك: خذ حذرك إلا إذا كان هناك عدو يتربص بك؛ فكلمة "خذ حذرك" هذه دليل على أن هذا الحذر مثل السلاح، مثلما يقولون: خذ بندقيتك خذ سيفك، خذ عصاك، فكأن هذه آلة تستعد بها في مواجهة خصومك وتحتاط لمكائدهم، ولا تنتظر إلى أن تغير عليك المكائد، بل عليك أن تجهز نفسك قبل ذلك على احتمال أن توجد غفلة منك، هذا هو معنى أخذ الحذر، ولذلك يقول الحق: {وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا ٱسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].     

وهذا يعني: إياك أن تنتظر حتى يترجموا عداءهم لك إلى عدوان؛ لأنهم سيعجلونك فلا توجد عندك فرصة زمنية كي تواجههم.            

فلابد لكم أيها المؤمنون من أخذ الحذر لأن لكم أعداء، وهؤلاء الأعداء هم الذين لا يحبون لمنهج السماء أن يسيطر على الأرض.            

فحين يسيطر منهج السماء على الأرض فلن يوجد أمام أهواء الناس فرصة للتلاعب بأقدار الناس.            

ومن ينتفعون بسيطرتهم وبأهوائهم على البشر فلن يجدوا لهم فرصة سيادة.           

{فَٱنفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ ٱنْفِرُواْ جَمِيعاً} [النساء: 71] أي لتكن النفرة منكم على مقدار ما لديكم من الحذر، و{ثُبَاتٍ} [النساء: 71] جمع ثُبَة وهي الطائفة أي انفروا سَرِيّة بعد سَرِيَّة و{جَمِيعاً} [النساء: 71] أي اخرجوا كلكم لمواجهة العدو، وعلى ذلك يجب أن نكون على مستوى ما يهيج من الشر.            

فإن هاجمتنا فصيلة أو سرية، نفعل كما كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فقد كان يرسل سرية على قدر المسألة التي تهددنا، وإن كان الأمر أكبر من ذلك ويحتاج لتعبئة عامة فنحن ننفر جميعاً، ولاحظوا أن الحق يخاطب المؤمنين ويعلم أن لهم أغياراً قد تأتي في نفوسهم مع كونهم مؤمنين.            

فقد تخور النفس عند مواجهة الواقع على الرغم من وجود الإيمان.            

ولذلك قال الحق سبحانه وتعالى في سورة البقرة: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} [البقرة: 246].     

لقد كانوا هم الذين يطلبون القتال، وما داموا هم الذين قد طلبوا القتال فلا بد أن يفرحوا حين يأتي لهم الأمر من الله بذلك القتال؛ لكن الله أعلم بعباده لذلك قال لهم: {هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ} [البقرة: 246].     

فأوضح لهم الحق أن فكروا جيداً في أنكم طلبتم القتال وإياكم ألا تقاتلوا عندما نكتب عليكم هذا القتال لأنني لم أفرضه ابتداء، ولكنكم أنتم الذين طلبتم، ولأن الكلام ما زال نظرياً فقد قالوا متسائلين: {وَمَا لَنَآ أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبْنَآئِنَا} [البقرة: 246].     

لقد تعجبوا واستنكروا ألا يقاتلوا في سبيل الله، خصوصاً أنهم يملكون السبب الذي يستوجب القتال وهو الإخراج من الديار وترك الأبناء، لكن ماذا حدث عندما كتب الحق عليهم القتال؟

{تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ} [البقرة: 246].     

لقد هربت الكثرة من القتال وبقيت القلة المؤمنة.            

وكانت مقدمات هؤلاء المتهربين من القتال هي قولهم رداً على نبيهم عندما أخبرهم أن الله قد بعث لكم طالوت ملكاً فقالوا: {أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ ٱلْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِٱلْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ ٱلْمَالِ} [البقرة: 247].     

كانت تلك أول ذبذبة في استقبال الحكم، فأوضح لهم الحق السرّ في اصطفاء طالوت، فهو قوي والحرب تحتاج إلى قوة، وهو عالم، والحرب تحتاج إلى تخطيط دقيق؛ فقال سبحانه: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي ٱلْعِلْمِ وَٱلْجِسْمِ} [البقرة: 247].     

وعندما جاءوا للقتال أراد الحق أن يمحصهم ليختبر القوي من الضعيف فقال لهم طالوت: {إِنَّ ٱللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّيۤ إِلاَّ مَنِ ٱغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} [البقرة: 249].     

والتمحيص هنا ليعرف مَنْ منهم يقدر على نفسه وليختبر قوة التحمل عند كل فرد مقاتل، فليس مسموحاً بالشرب من ذلك النهر إلا غرفة يد، فشربوا من النهر إلا قليلاً منهم، هكذا أراد الحق أن يصفيهم تصفية جديدة، وعندما رأوا جيش جالوت
{لاَ طَاقَةَ لَنَا ٱلْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ} [البقرة: 249].     

وما الضرورة في كل هذه التصفيات؟      

لقد أراد الله ألاَّ يَحْمِلَ الدفاعَ عن منهجه إلا المؤمنون حقاً، وهم مَنْ قالوا: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ ٱللَّهِ} [البقرة: 249].     

وقوله تعالى: {فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ ٱللَّهِ} [البقرة: 251].    

لماذا أعطانا ربنا هذه الصورة من التصفيات؟      

كي نفهم أن النفس البشرية حين تواجه بالحكم نظرياً لها موقف، وحين تواجه به تطبيقياً لها موقف ولو بالكلام، وحين تواجه به فعلاً يكون لها موقف، وعلى كل حال فقليل من قليل من قليل هم الذين نصرهم الله.            

إذن فيريد سبحانه أن يربي في نفسونا أنه جل وعلا هو الذي يهزِم، وهو الذي يَغْلِب مصداقاً لقوله الحق: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة: 14].     

إذن فالحق سبحانه وتعالى يوضح لنا: أنا قلت لكم انفروا ثبات أو انفروا جميعاً واعلموا أن النفس البشرية هي بعينها النفس البشرية، وستتعرض للذبذبة حين تواجه الحكم للتطبيق.

ولذلك يأتي هنا بقوله الحق: {وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ...}.



سورة النساء الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 071-075   سورة النساء الآيات من 071-075 Emptyالخميس 02 مايو 2019, 12:33 am

وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيدًا [٧٢]

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)


فساعة ندعو إنساناً منكم للحرب قد يبطئ ويتخاذل، مثلما قال في آية أخرى: {مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ} [التوبة: 38].     


و {ٱثَّاقَلْتُمْ} [التوبة: 38] تعني: أن هناك من يتثاقل أي ينزل إلى الأرض بنفسه، وعلينا أن نفرق بين من ينزل بجاذبية الأرض فقط، وبين مَنْ يساعد الجاذبية في إنزاله، فمعنى "اثاقل" أي تباطأ، وركن، وهذا دليل على أنه يريد أن يتخاذل، وهؤلاء لا يتباطأوا فحسب بل إنهم أقسموا على ذلك.            


ومنهم مَنْ كان يثبط ويُبَطِّئ غيره عن الغزو كالمنافق عبد الله بن أبيّ.           


{وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ} [النساء: 72] فافهموا وخذوا هذه المناعة ضد مَنْ يعوق زحف المنهج قبل أن تبدأ المعركة، حتى إذا وقعت المعركة نكون قد عرفنا قوتنا وأعددنا أنفسنا على أساس المقاتلين الأشداء.            


لا على من يتباطأون ويتثاقلون، فهناك مَنْ يفرح ببقائه حياً عندما يرى هزيمة المسلمين أو قتل بعضهم لأنه لم يكن معهم، فيظهر الحق أمثال ذلك ويقول: {فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً} [النساء: 72].     


لقد تراخى وبقي، وعندما تأتيهم المصيبة من قتل، أو من هزيمة يقول لنفسه: الحمد لله إنني لست معهم.           


إذن تثاقله وتخلفه وتأخره عن الجهاد، كان عن قصد وإصرار في نفسه.            


وهذه قمة التبجح فهو مخالف لربنا وعلى الرغم من ذلك يقول: أنعم الله عليّ، مثله كمثل الذي يسرق ويقول: ستر الله عليّ، وهذه لهجة من لم يفهم المنهج الإيماني، فيقول: {قَدْ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَّعَهُمْ شَهِيداً} [النساء: 72].     


إنه لم يكن معهم ولم يكن شهيداً ويعتبر هذا من النعمة، ولذلك قال بعض العارفين: إن من قال ذلك دخل في الشرك، فالمصيبة في نظره إما قتل وإما هزيمة.            


ثم ماذا يكون موقف المتخاذل المتثاقل المتباطئ عند الغنيمة أو النصر؟      


يقول الحق: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله...}.



سورة النساء الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 071-075   سورة النساء الآيات من 071-075 Emptyالخميس 02 مايو 2019, 12:34 am

وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا [٧٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إذن فالعلّة في قوله: يا ليتني كنت معهم ليست رجوعاً عما كان في نفسه أولاً، بل هو تحسّر أن فاتته الغنيمة، وجاء الحق سبحانه وتعالى هنا بجملة اعتراضية في الآية تعطينا لقطة إيمانية، فيقول: {وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يٰلَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} [النساء: 73].     

والجملة الاعتراضية هي قوله: كأن لم تكن بينكم وبينه مودة كأن المودة الإيمانية ليس لها ثمن عنده، فلو كان لها أدنى تقدير لكان عليه ألا يقول في البداية: أنعم الله عليّ إذ لم أكن معهم شهيداً، ولكان مع المقاتلين المسلمين، لكنه يرغب في الفوز والغنيمة فقط، ويبتعد عن المسلمين إذا ما أصابتهم الهزيمة أو استشهد عدد منهم.           

وبذلك يكشف لنا الحق موقف المتخاذلين ويوضح لنا: إياكم أن تتأثروا بهؤلاء حين تنفرون ثباتٍ أو حين تنفرون جميعاً.            

واعلموا أن فيكم مخذلين وفيكم مبطئين وفيكم متثاقلين، لا يهمهم إلا أن يأخذوا حظاً من الغنائم، ولذلك يحمدون الله أن هزمتم ولم يكونوا معكم، ويحبون الغنائم ويتمنونها إن انتصرتم ولم يكونوا معكم، إياكم أن تتأثروا بهذا وقد أعطيتم هذه المناعة حتى لا تفاجأوا بموقفهم منكم وتكونوا على بصيرة منهم.            

والمناعات ما هي إلا تربية الجسم، إن كانت مناعة مادية، أو تربية في المعاني، إن حدث مكروه فأنت تملك فكرة عنه لتبني ردّ فعلك على أساس ذلك.           

ونحن عندما يهاجمنا مرض نأتي بميكروب المرض نفسه على هيئة خامدة ونطعِّم به المريض، وبذلك يدرك ويشعر الجسم أن فيه مناعة، فإذا ما جاء الميكروب مهاجماً الجسم على هيئة نشيطة، فقوى المقاومة في الجسم تتعارك معه وتحاصر الميكروب، فكأن إعطاء حقن المناعة دربة وتنشيط لقوى المقاومة في الجسم، وقد أودعها الله في دمك كي تؤدي مهمتها، كذلك في المعاني يوضح الحق لكم: سيكون منكم مَنْ يفعل كذا وكذا، حتى تعدًّوا أنفسكم لاستقبال هذه الأشياء إعداداً ولا تفاجأون به؛ لأنكم إن فوجئتم به فقد تنهارون.            

فإياكم أن تتأثروا بهذا.            

ويقول الحق بعد ذلك: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ...}.



سورة النساء الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 071-075   سورة النساء الآيات من 071-075 Emptyالخميس 02 مايو 2019, 12:38 am

فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا [٧٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ومادة: "شرى" ومادة "اشترى" كلها تدل على التبادل والتقايض، فأنت تقول: أنا اشتريت هذا الثوب بدرهم؛ أي أنك أخذت الثوب ودفعت الدرهم، وشرى تأتي أيضاً بمعنى باع مثل قول الحق: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ} [يوسف: 20].     

فالجماعة الذين وجدوا سيدنا يوسف عليه السلام في الجب كانوا فيه من الزاهدين.            

وبعد ذلك باعوه بثمن بخس، إذن فـ "شرى" من الأفعال التي تأتي بمعنى البيع وبمعنى الشراء؛ لأن المبيع والمشترى يتماثلان في القيمة، وكان الناس قديماً يعتمدون على المقايضة في السلع، فلم يكن هناك نقد متداول، كان هناك من يعطي بعض الحب ويأخذ بعض التمر، فواحد يشتري التمر وآخر يشتري الحب، والذي جعل المسألة تأخذ صورة شراء وبيع هو وجود سلع تباع بالمال.            

وما الفرق بين السلع والمال؟.            

السلعة هي رزق مباشر والمال رزق غير مباشر.           

فأنت مثلاً تأكل رغيف الخبز وثمنه خمسة قروش، لكنه لو عندك جبل من ذهب وتحتاج رغيفاً ولا تجده؛ أينفعك جبل الذهب؟      

لا.            

إذن فالرغيف رزق مباشر؛ لأنك ستأكله، أما الذهب فهو رزق غير مباشر؛ لأنك تشتري به ما تنتفع به.           

وبذلك نستطيع أن نحدد المسألة؛ فالسلعة المستفادة منها مباشرة هي رزق مباشر، ندفع ثمنها مما لا ننتفع به مباشرة، والحق سبحانه وتعالى يريد أن يعقد مع المؤمن به صفقة فيها بيع وشراء.            

وأنتم تعلمون أن البائع يعطي سلعة ويأخذ ثمناً، والشارى يعطي ثمناً ويأخذ سلعة، والحق يقول هنا: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ} [النساء: 74].     

فالمؤمن هنا يعطي الدنيا ليأخذ الآخرة التي تتمثل في الجنة والجزاء، ومنزلة الشهداء؛ ولذلك يقول الحق في آية أخرى: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ} [التوبة: 111].     

وقال بعدها: {فَٱسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ ٱلَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} [التوبة: 111].     

تلك هي الصفقة التي يعقدها الحق مع المؤمنين، وهو سبحانه يريد أن يعطينا ما نتعرف به على الصفقات المربحة، فكل منا في حياته يحب أن يعقد صفقة مربحة بأن يعطي شيئاً ويأخذ شيئاً أكبر منه، ولذلك يقول في آية أخرى: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [فاطر: 29].     

هنا أيضاً تجارة، وأنت حين تريد أن تعقد صفقة عليك أن تقارن الشيء الذي تعطيه بالشيء الذي تأخذه ثم افرق بينهما، ما الذي يجب أن يضحي به في سبيل الآخر؟.           

والحق قد وصف الحياة بأنها{ٱلدُّنْيَا} [النساء: 74] ولا يوجد وصف أدنى من هذا، فأوضح المسألة: إنك ستعطي الدنيا وتأخذ الآخرة، فإذا كان الذي تأخذه فوق الذي تعطيه فالصفقة -إذن- رابحة، فالدنيا مهما طالت فإلى نهاية، ولا تقل كم عمر الدنيا، لأنه لا يعنيك أن يكون عمر الدنيا ألف قرن، وإنما عمر الدنيا بالنسبة لكل فرد: هو مقدار حياته فيها، وإلا فإن دامت لغيري فما نفعي أنا؟.           

إذن فقيمة الدنيا هي: مقدار عمرك فيها، ومقدار عمرك فيها مظنون، وعلى الرغم من ارتفاع متوسطات الأعمار في القرن العشرين، فالبعض يقول: متوسط الأعمار في أمريكا سبعون أو خمس وستون سنة، لكن ذلك لا يمنع الموت من أن يأخذ طفلاً، أو فتى، أو رجلاً، أو شيخاً.   

إن عمر الدنيا بالنسبة لكل إنسان هو: مقدار حياته فيها، فلا تقارنها بوجودها مع الآخرين، إنما قارنها بوجودها معك أنت، وهب أنه متيقن ولكنه محدود بسبعين عاماً على سبيل المثال، ستجد أن تنعمك خلالها مهما كبر وعظم فهو محدود.            

والإنسان منا يظل يُربَّى إلى أن يبلغ الحُلُم.            

فإذا ما بلغ الحُلُم وأصبحت له حياة ذاتية، أي أن إرادته لم تعد تابعة للأب أو للأم، بينما في طفولته كان كل اعتماده على أسرته، أبوه يأتي له بالملبس فيلبسه؛ وبالمطعم فيأكله، ويوجهه فيتوجه، لكن حينما توجد له ذاتية خاصة يقول لأبيه: هذا اللون لا يعجبني! والأكل هذا لا يعجبني!!

هذه الكلية لن أذهب إليها.            

ولا توجد للإنسان ذاتية لا إذا وصل إلى مرحلة من العمر يستطيع أن ينسل مثله، فإذا ما أصبح كذلك نقول له: هذا هو النضج، وهو الذي يجعل لك قيمة ذاتية.           

إنك إذا زرعت شجيرة بطيخ.            

فأنت ترعاها سقياً وتنظيماً وتسميداً، وهي مازالت صغيرة وتتعهدها كي لا تخرج مشوهة، حتى تنضج، وساعة تنضج يكون الشغل الشاغل قد انتقل من الشجيرة إلى الثمرة "البطيخة"، فيقال صار لها ذاتية؛ لأنك إن شققتها لتأكلها تجد "اللب" قد نضج، وإن زرعته تأتي منه شجيرة أخرى.           

ولكن إذا ما قطفت الثمرة قبل النضج فأنت قد تجد "اللب" أبيض لم ينضج بعد، فلا تصلح تلك البذور لأن تأتي وتثمر مثلها، وإن كان "اللب" نصفه أبيض ونصفه أسود، فهي لم تنضج تماماً، أما إذا وجدت "لبّها" أسمر اللون داكناً فهو صالح للزراعة والإثمار، وتجد الحلاوة متمشية مع نضج البذرة.            

فلو كانت الثمار تنضج قبل البذور لتعجل الخلق أكل الثمرة قبل أن تُربى وتنضج البذور ولانقَطَعَ النوع؛ لذلك لم يجعل ربنا حلاوة الثمرة إلا بعد أن تنضج البذور، وكذلك الإنسان، والحق يقول: {وَإِذَا بَلَغَ ٱلأَطْفَالُ مِنكُمُ ٱلْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُواْ كَمَا ٱسْتَأْذَنَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} [النور: 59].     

وعندما يكون الإنسان طفلاً فنحن نتركه يلهو ويرتع في البيت ويرى هذه وهذه، لكن إذا كان قادراً على نسل مثله واكتملت رجولته فعليه أن يستأذن، وحين يكون الإنسان بهذا الشكل تصير له ذاتية، ولنفترض أنه سيعيش عدداً من السنين تبلغ حوالي الخمسة والخمسين عاماً بعدما صارت له ذاتية ويستطيع النسل إنّه سيقضي مراهقته في التعلم إلى أن يصبح صالحاً لأنه يكسب ويعيش ويتمتع، ثم لنسأل: كم سنة سيتمتع؟      

سنجدها عدداً قليلاً من السنوات.            

إذن فالحياة محدودة، والمتعة فيها على قدر إمكاناته، فقد يسكن في شقة من حجرتين أو في شقة مكونة من ثلاث حجرات، أو في منزل خاص صغير أو حتى في قصر، وقد يركب سيارة أو يمشي على قدميه، باختصار على قدر إمكاناته، أما في الأخرة فالموقف مختلف تماماً، سيسلم نفسه إلى حياة عمرها غير محدود، فإن قارنت المحدود بغير المحدود ستجد الغلبة للآخرة لأنها متيقنة والنعيم فيها على قدر سعة فضل الله وقدرته، فالأحسن لنا أن نبيع الدنيا ونأخذ الآخرة، فتكون هذه هي الصفقة الرابحة التي لا تبور.            

ولماذا يدخل الله العبد في عملية البيع هذه؟       

لأن الحق سبحانه وتعالى قبل أن يعرض عليك الصفقة لتدخل في عملية البيع التي تجهدك إن لم تَقْتُل أو تُقْتَل في سبيل الله لا بد أن يوضح لك كيفية الغاية التي تأخذ بها الفوز في الآخرة، ولن تأخذ هذا الفوز بالكلام فقط، ولكن انظر إلى المنهج الذي ستقاتل من أجله، إنّه تأسيس المجتمع الذي يؤدي كل امرىء فيه الأمانة، وهذا الأمر لا يحزن منه إلا من يريد أن يأخذ عرق الناس ويبني جسمه من كدهم وتعبهم، وهات مجتمعاً لا يؤمن بالله وقل: يأيها الناس نريد أن يؤدي كل واحد منكم الأمانة التي عنده، نريد أن نحكم بالعدل، فسيفرح أهل هذا المجتمع.      

إذن فلكي نحمي المجتمع لابد أن نؤدي الأمانة وأن نقيم العدالة.            

ومن قبل ذلك أمرنا أن نعبد إلهاً واحداً فلا نتشتت، ثم أوصانا بالوالدين والأقربين، واليتامى والمساكين.            

قل لي بالله عليك: لو لم يكن هذا دينا من السماء، وكان تشريعاً من أهل الأرض، أهناك أعدل من هذا؟.           

إن مثل هذا المنهج الذي يكفل أمان الجميع يستحق أن يدافع الإنسان عن تطبيقه، وقبل أن يفرض علينا القتال أوضح سبحانه: هذا هو المجتمع الذي ستقاتلون من أجله، واعلم أنك ساعة تذهب إلى القتال، أقصى ما فيها أن تُقتل، فستأخذ صفقة الآخرة، وقصرت مسافة غايتك؛ لأن كل شيء إنما يقاس بزمن الغاية له، فإن قتلت فقد قصرت المدة للوصول إلى الغاية، فتصل إلى الجنة، والحمق هو الذي يصيب الناس عندما يموت عزيز أو حبيب فيغرقون في الحزن.  

نقول لهم: ألسنا جميعاً سائرين إلى هذه الغاية، فلماذا الغرق في الحزن إذن؟.           

والحق سبحانه وتعالى يكافئ مَنْ يقتل في سبيل الله بحياة في عالم الغيب وفيها رزق أيضاً.   

وبعض من الناس يظنون أنهم إن فتحوا قبر الشهيد فسيجدونه حياً يُرزق.            

ونقول لهم: إن الحق لم يقل: إن الشهداء أحياء عندكم، بل أحياء عنده في غالم الغيب.       

والحق سبحانه يطلب من الذي اقتنع بالإسلام أن ينشره، وأن يعدل المسلمون بين أنفسهم لتنصلح أمورهم، وأن يواجهوا أصحاب الشرّ الذين لا يعلمون إلا ظاهراً من الحياة.            

ولم تأمر السماء بقتال قبل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقد كان الرسول من السابقين على محمد -صلى الله عليه وسلم- يبلغ قومه برسالته، فإن آمنوا فبها ونعمت وإن لم يؤمنوا تتدخل السماء بالعقاب، بريح صرصر، رجفة، صيحة، خسف الأرض بهم، إغراق، فالرسول قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يبلغ، والسماء تعاقب مَنْ لم يؤمن.            

وما وجد قتال إلا إذا اقترحوا هم القتال، مثل بني إسرائيل، قال الحق: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلْمَلإِ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىۤ إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ٱبْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} [البقرة: 246]. 

هم الذين اقترحوا، لكن القتال الذي يُثَبِّت المبدأ وينشر المنهج لإعلاء كلمة الله، وسيطرة الخلافة الأمنية الإيمانية على الأرض، لم يشرع إلا على يد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

فكأن الله لم يأمن خلقاً على خلق إلا أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- فقد جعلها أمينة.        

فأنتم أمناء أن تتولوا عن السماء تأديب المخالف، وبذلك أخذتم المستوى العالي في المنهج والمستوى العالي في الرسالة.            

وأكرم الله نبيّه فقال: {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ} [الأنفال: 33].     

فجاء القتال وحارب المسلمون -وهم ضعاف- المجتمعات الفاسدة القوية.            

والشاعر يقول:
فقوى على الضـــــلال مقيم
وقطيع من الضعاف يُجارِي

هذا القتال لو لم يجيء به الدين، أَلاَ تقوم به الأمم التي لا دين لها لإصلاح أمرها؟      

إنها تقاتل، فلماذا يكون مباحاً منهم أن يقاتلوا كي يقرروا مبادئهم، وعندما يأتي الدين ليشرع القتال يقولون: لا.            

هذا دين سيف.           

نقول لهم: بالله لماذا إذن تحارب الشعوب؟      

أنت تجد شعوباً تتحارب وتجد ظلماً يحارب ظلماً آخر، فإذا ما وجد عدل ليزحزح ظلماً نقف في طريقه؟      

لا، وذلك حتى نعرف أن المسألة مسألة رسالة من السماء لا طغيان ذوات اجتمعوا أو بيتوا مؤامرة لصنع انقلاب يسيطرون به على الناس.            

لقد جاء الإسلام وآمن به الضعاف الذين لا يملكون أن يقاتلوا، فلم يكن باستطاعتهم أن يحموا حتى أنفسهم؛ ذلك حتى نعرف أن الحق ساعة يأتي، يأتي عادة لا من قوي بل يأتي من ضعيف تعب كثيراً كي يثبت الإيمان، والإسلام نادى ودعا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مكة لكنه لم ينتصر كدين ولم يسطع إلا من المدينة.            

فمكة بلد محمد وفيها قبيلته قريش التي ألفت السيادة على الجزيرة كلها ولا أحد يستطيع أن يقرب منها بعدوان، ولم تكن هناك قوة تستطيع أن تعترض قوافلها بالتجارة إلى الجنوب أو إلى الشمال.           

إن أي قبيلة تخاف أن تتعرض لها في الطريق؛ لأن القبائل ستأتي إلى قريش في موسم الحج، وتخاف كل قبيلة من انتقام قريش، فلو أن الإسلام الذي صاح به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- انتصر في مكة ربما قالوا: قبيلة عشقت السيادة، ودانت لها أمة العرب فما المانع من أن تطمح في أن يدين لها العالم كله؟      

وأراد الحق أن تكون قريش هي أول مَنْ يضطهد رسول الله ويحاربه، والضعاف هم الذين يتبعونه، وبعد ذلك يأتي النصر لدين الله من مكان بعيد عن مكة من "المدينة" لتشهد الدنيا كلها أن الإيمان بمحمد هو الذي خلق العصبية لمحمد، ولم تخلق العصبية لمحمد الإيمان بمحمد، وها هوذا سيدنا عمر كان يسمع قول الله سبحانه: {سَيُهْزَمُ ٱلْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ ٱلدُّبُرَ} [القمر: 45].     

فيقول: أي جمع هذا ونحن لا نقدر أن نحمي أنفسنا؟      

ويقول الحق: {سَنَسِمُهُ عَلَى ٱلْخُرْطُومِ} [القلم: 16].     

فيقول عمر: كيف ونحن لا نقدر أن ندافع عن أنفسنا؟      

وبعد ذلك تأتي موقعة "بدر" فتُثْبِت له صدق هذا، والعجيب أن الآية تنزل وهم لا يستطيعون أن يدافعوا عن أنفسهم، فلا يمكن أن يقال: إن هناك مقدمات لذلك بحيث تستنتج النتيجة؛ فالمقدمات لا توحي بأي نصر، لكن ربنا هو الذي قال، ورأوا صحيحاً أن الوليد بن المغيرة ضُرب على أنفه وتركت الضربة علامة على أنفه؛ لأن الذي قال ذلك من قبل قادر على إنفاذ ما يقول بدون قوة تحول دون ذلك أبداً، وهذا يدلنا على اختبار المبادئ.           

إنك تجد أنّ الذي يؤمن بالمبادئ هو الذي يضحي أولاً، يدفع ماله وقد يدفع دياره، بأن يخرج منها، وقد يدفع نفسه فيقتل، كل ذلك من أجل المبدأ، لكن الأمر يختلف مع المبادئ الباطلة؛ فقبل أن يدخلها واحد نجده يأخذ الثمن.            

ومَنْ يروجون للمبادئ الباطلة يقولون لمن يغررون به: خذا مالاً وعش واستمتع، واشتر أحسن الثياب.           

أما أصحاب مبدأ الحق فهم الفقراء الذين يدفعون الثمن، ولهم الحق أن يدفعوا الثمن لأن المثمن غال، لكن في الباطل لا يعرفون مثمناً، والذي ينظر لمبدأ من المبادئ الهدامة، يرى كيف يعيش قادتها، بينما الرعية تحيا في بؤس، فيقول: أنا آخذ الثمن مقدماً، والأمر يختلف مع المؤمنين، فهم الذين يدفعون الثمن.            

لينعموا بالجزاء في الآخرة.            

والحق سبحانه وتعالى حين يشرع القتال لأمة محمد -صلى الله عليه وسلم- يشرعه أولاً دفاعاً، كانوا يطلبون من رسول الله، يقولون: يا رسول الله، إئذن لنا نقاتل على قدر جهدنا، فيقول: "اصبروا فإني لم أومر بالقتال".

وبعد ذلك يؤمر بالقتال كي يدافع عن الخلية الإيمانية بعدما ذهبوا إلى المدينة، ونعلم أن القتال عملية ضرورية في الحياة.            

فالحق سبحانه هو القائل: {وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ} [البقرة: 251].     

وهو القائل: {وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا ٱسمُ ٱللَّهِ كَثِيراً} [الحج: 40].     

إذن فدفع الله بعض الخلق بالخلق أمر ضروري واقعي، وحين يعاب على الإسلام أمر القتال، نقول لهم: إن الحق سبحانه وتعالى حينما شرع هذا القتال فقد شرعه لأن قوى البغي هي التي تحول دون تطبيق منهج من مناهج العدالة المعروفة، ولا يستطيع أحد أن يجادل فيها.         

ولو لم يكن العدل قادماً من السماء لما كان هناك منهج صالح يحكم الناس، فإذا أراد الله أن يصنع العدل بمنهج أنزله هو، فلماذا يأتي مَنْ يقف في الطريق ويقول للرسول: أنت جئت لكي ترغم الناس أن يؤمنوا بمنهجك؟

ويوضح الحق مسيرة الرسول أنه جاء لكي يثبت كرامة الإنسان فهو سيد الأجناس التي تحيط به، فالجماد مسخر، والنبات مسخر، والحيوان مسخر، وليس لأي منهم حرية في أن يقول: افعل ولا تفعل، فلا توجد إرادة ولا اختيار عند كل الأجناس إلا عند الإنسان؛ فالحق هو القائل عن أمانة الاختيار.

{فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا} [الأحزاب: 72].     

إذن فبأي شيء تميز الإنسان على هؤلاء الأجناس؟      

تميَّز عليهم بالعقل، ومهمة العقل أن يختار بين البديلات، أما إذا كان هناك أمر ليس له بديل، فليس للعقل عمل فيه.            

ومثال ذلك: هناك مكان نريد أن نذهب إليه، فيوضح لك إنسان: لا يوجد إلا هذا الطريق، فهل تفكر أن تذهب عن طريق آخر؟      

طبعاً لا، إذن فالعقل لا عمل له إلا الاختيار بين البديلات، فإن لم يكن هناك بديل فلا عمل له.   

وإذا أراد العقل أن يختار بين البديلات ألا نضمن له حرية الاختيار أم نقيد حرية الاختيار لديه؟

إنك إن قيدت حرية الاختيار بالإكراه فقد أخذت النعمة التي أعطيتها له، وجعلته مقهوراً مسخراً مكرهاً؛ ولذلك فالمكره لا يكون له حكم على الأشياء بل هو مجبر ومسخر.           

وما دمت تقول: إن العقل هو الذي يختار بين البديلات، فلا بد أن يكون حق الاختيار موجوداً، فإن كان في الإنسان عطب كأن يكون مجنوناً، فلا اختيار له، وإن كان العقل موجوداً لكنه لم ينضج بعد نقول أيضاً: لا اختيار.           

إذن فلا بد أن يكون العقل موجوداً وناضجاً للاختيار بين البديلات، ويكون للإنسان حرية أن يختار، فإن لم يكن العقل موجوداً فهو مجنون فلا تكليف له، والمجنون قد سلبه الله أعز ما أعطى للإنسان وهو العقل، لكن أعفاه الله أن يسأله أحد عن شيء، فيفعل ما يفعل دون سؤال، فلا تكليف لمجنون، فالتكليف إذن لصاحب العقل الناضج، وكذلك لا تكليف من قبل البلوغ.     

إذن فالإسلام جاء ليحمي كرامة الإنسان في حرية الاختيار، ويعرض عليك أمر الإيمان، فالذي حمل السيف، لم يحمله ليجبر أحداً على الإيمان، إنما ليرد كيد مَنْ أرادوا قهر الناس، والجزية إنما فرضت لإعفاء غير المسلمين من مسئولية القتال، ولو كان الإسلام يفرض الإيمان على الناس في البلاد التي فتحها لما وجدنا أتباع أي دين في البلاد التي دخلها الإسلام.            

وهذه شهادة للمسلمين.           

إن الإسلام لم يجيء ليفرض ديناً وإنما جاء ليحمي حرية اختيار الدين؛ والذين يقولون: إن الإسلام جاء بالسيف نقول لهم: افهموا جيداً، لقد كان المؤمنون الأوائل ضعافاً وظلوا على الضعف مدة طويلة، والبلاد التي فتحت بالإسلام ما زال فيها أناس غير المسلمين، وهذا دليل أن الإسلام جاء ليحمي حرية الاختيار: {فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29].  

ثم نأتي لنقطة أخرى وهي أن الإسلام لم يأخذ الجزية إلا لأن غير المسلم سيستمتع بكل خيرات بلاد الإسلام، والمسلم يدافع وأيضاً يدفع الزكاة والخراج.            

إذن فالمسألة عدالة منهج، وعلى ذلك يجب أن نفهم أن قول الحق: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 74].     

فالقتال إنما جاء حتى تسيطر مناهج السماء، وسبحانه حينما يقول: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} [النساء: 74] فهذا يدلنا على أن هناك قتالاً في غير سبيل الله، كأن يقاتل الرجل حمية، أو ليعلم مكانه من الشجاعة، فقال الرجل دائماً حسب نيته، ولذلك تساءل بعض الناس: مَنْ الشهيد؟     

قال العلماء: هو مَنْ قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فيكون شهيداً، إذن فالقتال مرة يكون في سبيل الله ومرة يكون في سبيل النفس، ومرة يكون في سبيل الشيطان.           

يقول الحق: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يَشْرُونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا بِٱلآخِرَةِ} [النساء: 74] أي يبيعون الدنيا ليأخذوا الآخرة،{وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 74].     

إذن فالذي يدخل القتال هو أمام أمرين اثنين: إما أن يُقْتل من الأعداء، وإما إن ينتصر، وهذه هي القضية الجدلية التي تنشأ بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر، والمقاتل من معسكر الإيمان يقول لمعسكر الكفر: أنا أقاتل لإحدى الحسنين: إما أن أُقْتل فأصبح شهيداً آخذ حياة أفضل من هذه الحياة، وإما أن أنتصر عليك، فلماذا تتربصون بنا أيها الكفار؟      

إن المؤمن يثق أنه فائز بكل شيء؛ فإن قُتل ذهب إلى الجنة وإلى حياة أفضل من حياتكم، وإما أن ينتصر، والحالتان على سواء من الخير.            

وهذا للاستدلال بأن هذا المنهج يراق فيه الدم، وشهادة لهذا الدين بأنه صحيح، وإلا فلن يذهب أحد للقتال إن لم يكن مقتنعاً بالدين، فكل واحد يعمل لحياته ونفسه، فكل الأمور بالنسبة للإنسان نفعيه حتى في الدين، ولذلك يقولون: لا تكن أنانيا رخيصاً بل عليك أن تكون أنانيا غالياً، والدين هو ممارسة لأنانية عليا.            

ونضرب هذا المثل -ولله المثل الأعلى- الذي ليس معه إلا جنيه وهو يحتاج إليه ثم رأى واحداً في حاجة ماسة، فيقول المؤمن لنفسه: لقد أكلت، وقد يكون هذا الإنسان لم يأكل بعد فلأعطه الجنية.           

بالله أهو يحب الذي أخذ الجنيه عن نفسه؟      

لا، بل هو يحب نفسه، لكنها أنانية عليا؛ أنانية معلاة.            

وسبق أن قلنا: إن الذي يجلس ويرى امرأة جميلة فغض عينه أمره يختلف عن واحدٍ آخر "يبحلق" ويحدّق وينظر إليها بشدة، فايهما يحب الجمال أكثر؟      

إن الذي غضَّ بصره هو من يحب الجمال أكثر؛ لأنه لا يريدها لحظة فقط، بل يريدها مستديمة.

فما بالنا بالذي يبيع الدنيا ويقتل في سبيل الله ويأخذ الآخرة التي ليس فيها قتل أو أي شيء مكدر؟      

إذن فهذه أنانية عليا، والحق سبحانه وتعالى يعاملنا بقانون النفعية، لكنها نفعية عليا وليست نفعية رخيصة أو قصيرة المدى، فيجعلنا نبيع الرخيص بالثمن الغالي.           

ولقد رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذين يقاتلون في سبيل الله وعرض عليه منظرهم وهو في ليلة الإسراء والمعراج؛ رأى -صلى الله عليه وسلم- جماعة يزرعون ويحصدون بعد البذر مباشرة؛ لأن الذي قتل في سبيل الله إنما فعل ذلك إعلاء لكلمة الله، فلا ينتهي قطفه أبداً للخير الذي بذله، وحياته مستمرة في حياة الملايين.           

{وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 74] وعرفنا أن كل مؤمن يقاتل في سبيل الله إنما يقول لمعسكر الكفر ما جاء به الحق في قوله: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ} [التوبة: 52].     

فالمؤمن يعلم أنه إما أن يُقتل ويكون شهيداً، وإما أن يَغلب معسكر الكفر.           

وهو يتربص بالكافرين أن يُصيبهم الله بعذاب من عنده أو بأيدي المؤمنين، إذن فالمؤمنون رابحون على كل حال، والكافرون خاسرون على كل حال.            

و "المعرى" قبل أن يهديه الله وكان متشككاً قال:
تُحطمـــنا الأيـــام حتى كأننا
زجاج ولكن لا يُعاد لنا سبك

فقالوا: إنه ينكر البعث، فما دام قد جاء بمثل يقول فيه إن الإنسان كالزجاج إن تحطم فلن يستطيع أحد أن يعيده إلى سيرته الأولى، قال ذلك أيام تكبر الفكر، وهذه تأتي في أيام الغرور، ثم جاءت الأحداث لتلويه وتضرب في فكره وينتهي إلى الإيمان، لكن أكان ضامناً أن يعيش حتى يؤمن؟      

فلماذا لم يخلص نفسه من مرارة تجربة الشك؟      

ولكنه بعد أن آمن قال: "هأنذا أموت على عقيدة عجائز أهل نيسابور.            

ربنا حَقُّ وربنا سميع وربنا بصير وقال:
زعم المنجم والطبيب كلاهما
لا تحشر الأجساد
قلت إليكما إن صحّ قولكما
فلست بخاسرأو صحّ
قولي فالخسار عليكما

أي إن صحّ قولكما على أنه لا بعث وقمت أنا بالأعمال الطيبة في الدنيا، فماذا أكون قد خسرت؟

إنني لن أخسر شيئاً، وإن صحّ قولي وفوجئتم بالآخرة والبعث فأنا الذي يكسب والخسران والبوار والعذاب عليكما، إذن فإيماني إن لم ينفعني فلن يضرني، وكلامكما حتى لو صح -وهو غير صحيح ولا سديد- لن يضرني.            

والحق يقول: {وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 74] وسبحانه هنا يطيل أمد العطاء.            

انظروا دقة الأداء القرآني، لأن الذي يتكلم هو الله، ولنر كيفية ترتيب فعل على فعل، فحين أقول لك: "احضر لي أكرمك"، فبمجرد الحضور يحدث الإكرام، ولكن إن قلت لك: "إن حضرت إليّ فسأكرمك"، فهذا يعني أن الزمن يمتد قليلاً، فلن تكرم من فور أن تأتي بل أنت تحضر عندي وبعد ذلك تأخذ تحيتك، ويأتيك الإكرام بعد قليل.           

وإن أردت أنا أن أطيل الزمن أكثر فإني أقول: "إن حضرت إليّ فسوف أكرمك".            

إذن فنحن أمام ثلاث مراحل لترتيب الجزاء على الفعل: جزاء يأتي من فور حصول الشرط، وجزاء يأتي بعد زمن يسير تؤديه "السين"، وجزاء يأتي بعد زمن أطول تؤديه.            

"سوف"

ولم يقل الحق: من يقاتل في سبيل الله نؤتيه أجراً عظيماً، ولم يقل: فسنؤتيه أجراً عظيماً، ولكنه قال: {فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 74] وهذا القول سيبقى ليوم القيامة؛ لذلك كان لابد أن تأتي "سوف" هنا، وهذا دليل على أنه جزاء موصول لا مقطوع ولا ممنوع.      

وهكذا نرى إحكام الأداء القرآني، والحق سبحانه وتعالى حين يتكلم عن نفسه وذاته، يأتي بأساليب كثيرة: فمرة يأتي بأسلوب الجمع، ونحن نقول، كما علمونا في النحو: "النون للتعظيم" كما في قوله:{إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].    

لم يقل: أنا أنزلت، فكل شيء يكون نتيجة فعل من أفعال الله.            

تأتيه "نون التعظيم"، لأنه سبحانه حين يصنع شيئاً لخلقه من متعة أو من نعيم، يريد صفات كثيرة: قدرة للإبراز، وعلماً لترتيب النعمة، وتدبيراً وحكمة، وبسطاً، فيقول هنا: {نُؤْتِيهِ} [النساء: 74]، لأن الصفات تتكاتف لتعمل الخير، لكنه حين يتكلم عن ذاته مجرداً عن الفعل.  

فسبحانه يتكلم بالوحدانية مثل قوله الحق: {إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَاْ فَٱعْبُدْنِي} [طه: 14].     

وكذلك قوله الحق: {وَأَنَا ٱخْتَرْتُكَ فَٱسْتَمِعْ لِمَا يُوحَىۤ} [طه: 13].     

فساعة يتكلم سبحانه عن ذاته فهو يتكلم بالوحدانية، ولا تقل بالإفراد تأدباً مع الله فليس له شريك أو مثيل، وحينما يتكلم سبحانه عن فعله يأتي بالجمع فيقول: "نحن" وهذه حلت لنا إشكالات كثيرة، مثلما حدث عند قراءة قول سبحانه وتعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} [فاطر: 27].     

لقد جاء الحق سبحانه في صدر الآية: بـ {أنزَلَ} [فاطر: 27] وكان يناسبها أن يأتي بعدها "أخرج"، لكنه قال: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا} [فاطر: 27] فلماذا هذه "مفردة" وتلك "جمع"؟      

لأنه ساعة قال: {وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً} [لقمان: 10] لم يكن لأحد من خلقه ولو بالأسباب فعل في إنزال المطر، لكن ساعة أن أنزل المطر، نجد واحداً قد حرث الأرض، وثانياً بذر، وثالثاً روى الأرض، وكل ذلك من أسباب خلقه، فلم يهضم الله خلقه فقال: {أنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً} ثم بعد ذلك: أنا وخلقي بما أمددتهم ومنحتهم {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا}
[فاطر: 27].     

إذن فلابد أن ننتبه إلى دلالة الكلمة حين تأتي بالمفرد وحين تأتي بالجمع.           

وقوله سبحانه: {نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 74] يلفتنا إلى أن كل فعل إنما هو حدث يتناسب مع فاعله أثراً وقوة.            

فالطفل عندما يصفع آخر لا تكون صفعته في قوة الشاب أو قوة الرجل، فإذا كان الذي يعطي الأجر مثيلاً لك فسيعطيك أجراً على قدره، لكن إذا كان من يعطي هو ربنا، فسيعطي الأجر على قدره، ولا بد أن يكون عظيماً.            

والأجر هو الشيء المقابل للمنفعة.           

وهناك فرق بين الأجر والثمن؛ فالثمن مقابل العين، أما الأجر فهو مقابل المنفعة، أنا اشتريت هذه، فهذا يعني أني دفعت ثمناً، لكن إن استأجرت شيئاً فهو لصاحبه ولكن أخذته لأنتفع به فقط، وجزاء الحق لمَنْ يُقتل في سبيل الله أهو أجر أم ثمن؟

ونلتفت هنا أن الحق قد أوضح: أنا لم أثمن مَن قتل، بل نظرت لعمله، فأخذت أثر عمله، وأعطيته{أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 74].     

وبعد ذلك يقول الحق: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله...}.



سورة النساء الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 49023
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 071-075 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 071-075   سورة النساء الآيات من 071-075 Emptyالخميس 02 مايو 2019, 12:39 am

وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا [٧٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والآية تبدأ بالتعجيب، ذلك أنه بعد إيضاح لون الجزاء على القتال في سبيل الله كان لابد أن يصير هذا القتال متسقاً مع الفطرة الإنسانية، ونحن نقول في حياتنا العادية: وما لك لا تفعل كذا؟      

كأننا نتساءل عن سبب التوقف عن فعل يوحي به الطبع، والعقل.            

فإن لم يفعله الإنسان صار عدم الفعل مستغرباً وعجيباً.           

فالقتال في سبيل الله بعد أن أوضح الله أنه يعطي نتائج رائعة، فالذي لا يفعله يصبح مثاراً للتعجب منه، ولذلك يقول الحق: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ} [النساء: 75] أي لإعلاء كلمة الله، ومرة يأتي القتال وذلك بأن يقف الإنسان المؤمن بجانب المستضعف الذي أوذي بسبب دينه.            

ويكون ذلك أيضاً لإعلاء كلمة الله.           

يقول سبحانه: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 75] أي أن القتال يكون في سبيل الله وفي خلاص المستضعفين، وفي ذلك استثارة للهمم الإنسانية حتى يقف المقاتل في سبيل رفع العذاب عن المستضعفين، بل إننا نقاتل ولو من باب الإنسانية لأجل الناس المستضعفين في سبيل تخليصهم من العذاب؛ لأنهم ما داموا صابرين على الإيمان مع هذا العذاب، فهذا دليل على قوة الإيمان، وهم أولى أن ندافع عنهم ونخلصهم من العذاب.            

ويعطينا سبحانه ذلك في أسلوب تعجب: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 75] فكأن منطق العقل والعاطفة والدين يحكم أن نقاتل، فإذا لم نقاتل، فهذه المسألة تحتاج إلى بحث.            

وساعة يطرح ربنا مثل هذه القضية يطرحها على أساس أن كل الناس يستوون عند رؤيتها في أنها تكون مثاراً للعجب لديهم، مثلها مثل قوله الحق: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِٱللَّهِ} [البقرة: 28].     

يعني كيف تكفرون بربنا أيها الكفار؟      

إن هذه مسألة عجيبة لا تدخل في العقل، فليقولوا لنا إذن: كيف يكفرون بربنا؟     

{وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ} [النساء: 75] وكلمة{وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ} [النساء: 75] يأتي بعدها "{مِنَ ٱلرِّجَالِ} [النساء: 75] والمفروض في الرجل القوة، وهذا يلفتنا إلى الظرف الذي جعل الرجل مستضعفاً، ومَنْ يأتي بعده أشد ضعفاً.           

{وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} [النساء: 75] فقد بلغ من اضطهاد الكفار لهم أن يدعوا الله أن يخرجهم من هذه القرية الظالم أهلها، والقرية هي "مكة".

وقصة هؤلاء تحكي عن أناس من المؤمنين كانوا بمكة وليست لهم عصبية تمكنهم من الهجرة بعد أن هاجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فهم ممنوعون من أن يهاجروا، وظلوا على دينهم، فصاروا مسضعفين: رجالاً ونساءً وولداناً، فالاضطهاد الذي أصابهم اضطهاد شرس لم يرحم حتى الولدان، فيقول الحق للمؤمنين: {وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرِّجَالِ وَٱلنِّسَآءِ وَٱلْوِلْدَانِ} [النساء: 75].     

وهؤلاء عندما استضعفوا ماذا قالوا؟.            

قالوا: {رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً} [النساء: 75] وعبارة الدعاء تدل على أنهم لن يخرجوا بل سيظل منهم أناس وثقوا في أنه سوف يأتيهم وليّ يلي أمرهم من المسلمين، فكأنها أوحت لنا بأنه سيوجد فتح لمكة.            

وقد كان.           

لقد جعل الله لهم من لدنه خير وليّ وخير ناصر وهو محمد -صلى الله عليه وسلم- فتولاهم أحسن التولي ونصرهم أقوى النصر.            

هذه الجماعة من المستضعفين منه "سلمة بن هشام" لم يستطع الهجرة، ومنهم "الوليد بن الوليد" و "عياش بن أبي ربيعة"، و "أبو جندل بن سهيل بن عمرو".

وسيدنا ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لقد كنت أنا وأمي من هؤلاء المستضعفين من النساء والولدان، وكانوا يضيقون علينا فلا نقدر أن نخرج، فمثل هؤلاء كان يجب نصرتهم، لذلك يحنن الله عليهم قلوب إخوانهم المؤمنين ويهيج الحمية فيهم ليقاتلوا في سبيلهم؛ فظلم الكافرين لهم شرس لا يفرق بين الرجال والنساء والولدان في العذاب.           

{ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً} [النساء: 75] وكان رسول الله والمسلمون نصراء لهم.           

ويقول الحق بعد ذلك: {ٱلَّذِينَ آمَنُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الله...}.



سورة النساء الآيات من 071-075 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النساء الآيات من 071-075
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النساء الآيات من 081-085
» سورة النساء الآيات من 161-165
» سورة النساء الآيات من 006-010
» سورة النساء الآيات من 086-090
» سورة النساء الآيات من 166-170

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الـقــــــــــــــرآن الـكـــــــــــــــريـم :: مجمـــوعــة تفاســـــير :: خواطر الشعراوي :: النساء-
انتقل الى: