منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة النساء الآيات من 036-040

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 036-040 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النساء الآيات من 036-040   سورة النساء الآيات من 036-040 Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2019, 12:08 am

وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا [٣٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وعندما يقول لنا الحق: {وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36] أي: إياكم أن تدخلوا في قضية من هذه القضايا، على غير طاعة الله في منهجه؟

والعبادة هي: طاعة العابد للمعبود، فلا تأخذها على أنها العبادات التي نفعلها فقط من: الصلاة والصوم والزكاة والحج؛ لأن هذه أركان الإسلام، وما دامت هذه هي الأركان والأسس التي بني عليها الإسلام، إذن فالإسلام لا يتكون من الأركان فقط بل الأركان هي الأسس التي بني عليها الإسلام، والأسس التي بني عليها البيت ليست هي كل البيت؛ لذلك فالإسلام بنيان متعدد.

فالذين يحاولون أن يأخذوا من المصطلح التصنيفي، أو المصطلح الفني في العلوم ويقولون: إن العبادات هي: الصلاة وما يتعلق بها، والزكاة والصوم والحج؛ لأنها تسمى في كتب الفقه "العبادات" فلقد قلنا: إن هذا هو الاسم الاصطلاحي، لكن كل أمر من الله هو عبادة.

 ولذلك فبعض الناس يقول: نعبد الله ولا نعمل.

نقول لهم: العبادة هي طاعة عابد لأمر معبود، ولا تفهموا العبارة على أساس أنها الشعائر فقط، فالشعائر هي إعلان استدامة الولاء لله.

وتعطي شحنة لنستقبل أحداث الحياة، ولكن الشعائر وحدها ليست كل العبادة، فالمعاملات عبادة، والمفهوم الحقيقي للعبادة أنها تشمل عمارة الأرض، فالحق سبحانه وتعالى قال: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ} [الجمعة: 9].

كأنه أخرجهم من البيع إلى الصلاة، ولم يخرجهم من فراغ بل أخرجهم من حركة البيع، وجاء بـ "البيع" لأنه العملية التي يأتي ربحها مباشرة؛ لأنك عندما تزرع زرعاً ستنتظر مدة تطول أو تقصر لتخرج الثمار، لكن البيع تأتي ثمرته مباشرة، تبيع فتأخذ الربح في الحال.

والبيع -كما نعلم- ينظم كل حركات الحياة، لأن معنى البيع: أنه وسيط بين منتج ومستهلك، فعندما تبيع سلعة، هذه السلعة جاءت من منتج، والمنتج يبحث عن وسيط يبيعها لمستهلك، وهذا المستهلك تجده منتجاً أيضاً، والمنتج تجده أيضاً مستهلكاً.    

فالإنتاج والاستهلاك تبادل وحركة الحياة كلها في البيع وفي الشراء، وما دام هناك بيع ففيه شراء فهذا استمرار لحركة الحياة.

والبائع دائماً يحب أن يبيع، لكن المشتري قد لا يحب أن يشتري؛ لأن المشتري سيدفع مالاً والبائع يكسب مالاً، فيوضح الله: أتركوا هذه العملية التي يأتي ربحها مباشرة، ولبّوا النداء لصلاة الجمعة.

لكن ماذا بعد الصلاة؟

يقول الحق: {فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: 10].

إذن فهذا أمر أيضاً.

فإن أطعنا الأمر الأول: {فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ} [الجمعة: 9] فالأمر في: {فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ} [الجمعة: 10] يستوجب الطاعة كذلك.

إذن فكل هذه عبادة، وتكون حركة الحياة كلها عبادة: إن كانت صلاة فهي عبادة، والصوم عبادة، وبعد ذلك.

ألا تحتاج الصلاة لقوام حياة؟

لابد أن تتوافر لك مقومات حياة حتى تصلي.

وما هي مقومات حياتك؟

إنها طعام وشراب ومسكن ومَلْبس، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

إذن فجماع حركة الحياة كلها سلسلة عبادة، ولذلك فالحق سبحانه وتعالى يقول: {ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـٰهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِّنَ ٱلأَرْضِ وَٱسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} [هود: 61].

إذن فكل عمل يؤدي إلى عمارة الكون واستنباط أسرار الله في الوجود يعتبر عبادة لله؛ لأنك تخرج من كنوز الله التي أودعها في الأرض ما يلفت الناس إلى الحقيقة الكونية التي جاء بها الإيمان.

وإياك أن تظن أن العبادة هي فقط العبادة التصنيفية التي في الفقه "قسم العبادات" و "قسم المعاملات"، لا، فكله عبادة، لكن الحركات الحياتية الأخرى لا تظهر فيها العبادة مباشرة؛ لأنك تعمل لنفعك، أما في الصلاة فأنت تقتطع من وقتك، فسميناها العبادة الصحيحة؛ لأن العمليات الأخرى يعمل مثلها مَنْ لم يؤمن بإله، فهو أيضاً يخرج للحياة ويزرع ويصنع.

 ولماذا سموها العبادات؟

لأن مثلها لا يأتي من غير متدين.

إنما الأعمال الأخرى من عمارة الكون والمصلحة الدنيوية فغير المتدين يفعلها ولكن كل أمر لله نطيعه فيه اسمه عبادة.

هذا مفهوم العبادة الذي يجب أن يتأكد لنا أن نخلص العمل بالعقول التي خلقها الله لنا بالطاقات المخلوقة لنا، في المادة المخلوقة وهي الأرض وعناصرها لنرقى بالوجود إلى مستوى يسعدنا ويرضى الله عنه.

{وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36].

بعدما قال كل هذا الكلام السابق، لفتنا ربنا إلى قضية يجب أن نلحظها دائماً في كل تصرفاتنا هي أن نأتمر بأمر الله في منهجه، وألا نشرك به شيئاً؛ لأن الشرك يضر قضية الإنسان في الوجود، فإن كنت في عمل إياك أن تجعل الأسباب في ذهنك أمام المسبب الأعلى، بل اقصد في كل عمل وجه الله.

ويضرب الحق المثل لراحة الموحد ولتعب المشرك فقال: {ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً ٱلْحَمْدُ للَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [الزمر: 29].

فهذا عبد مملوك لجماعة، والجماعة مختلفة ومتشاكسة، وهو لا يعرف كيف يوفق بين أوامر كل منهم التي تتضارب، فإن أرضي هذا، أغضب ذاك.

إذن فهو عبد مبدد الطاقة موزع الجهد، مقسم الالتفاتات، ولكن العبد المملوك لواحد، لا يتلقى أمراً إلا من سيد واحد ونهياً من السيد نفسه.

والحق يشرع القضية لعباده بصيغة الاستفهام، وهو العليم بكل شيء ليجعل المؤمن به يشاركه في الجواب حتى إذا ما قال الحق: {هَلْ يَسْتَوِيَانِ} [الزمر: 29]؟

هنا يعرضها الإنسان على عقله ويريد أن يجيب، فماذا يقول؟

سيجيب بطبيعة الفطرة وطبيعة منطق الحق قائلاً: لا يا رب لا يستويان.

إذن فأنت أيها العبد المؤمن قد قلتها، ولم يفرضها الله عليك.

وقد طرحها الحق سبحانه سؤالاً منه إليك؛ حتى يكون جوابك الذي لن تجد جواباً سواه.

فإذا ما كنت كذلك أيها العبد المؤمن قد ارتحت في الوجود وتوافرت لك طاقتك لأمر واحد ونهي واحد، هنا تصبح سيداً في الكون، فلا تجد في الكون من يأخذ منك عبوديتك للمكون.

وتلك هي راحتنا في تنفيذ قول الله: {وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً} [النساء: 36] لأن الإشراك بالله -والعياذ بالله- يرهق صاحبه، وياليت المشركين حين يشركون يأخذون عون الله، ولا يأخذون عون الشركاء.

لكن الله يتخلى عن العبد المشرك، لأنه سبحانه يقول: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك مَنْ عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".

الحق إذن يتخلى عن العبد المشرك، وليت العبد المشرك يأخذ حظه من الله كشريك، وإنما ينعدم عنه حظ الله؛ لأن الله غني أن يشرك معه أحداً آخر.

وهكذا يكون المشرك بلا رصيد إيماني، ويحيا في كد وتعب.

ويردف الحق سبحانه وتعالى عبادته بالإحسان إلى الوالدين فيأتي قوله -جل شأنه-: {وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36].
 
والوالدان هما الأب والأم؛ لأنهما السبب المباشر في وجودك أيها المؤمن.

وما دامت عبادتك لله هي فرع وجودك، إذن فإيجادك من أب وأم كسببين يجب أن يلفتك إلى السبب الأول؛ إن ذلك يلفتك إلى مَنْ أوجد السلسلة إلى أن تصل إلى الإنسان الأول وهو آدم عليه السلام{وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36]، انظر إلى المنزلة التي أعطاها الله للوالدين، وهما الأب والأم.

والخطاب لك أيها المسلم لتعبد الله، والتكليف لك وأنت فرع الوجود؛ لأن الخطاب لمكلف، والتكليف فرع الوجود، والوالدان هما السبب المباشر لوجودك، فإذا صعّدت السبب فالوالدان من أين جاءا؟

من والدين، وهكذا حتى تصل لله، إذن فانتهت المسألة إلى الواحد؛ لأن التكليف من المُكلِّف إلى المُكلَّف فرع الوجود.

والوجود له سبب ظاهري هما "الوالدان"، وعندما تسلسلها تصل لله إنه -سبحانه- أمر: اعبدني ولا تشرك بي شيئاً، وبعد ذلك،{وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36].

كلمة "الإحسان" تدل على المبالغة في العطاء الزائد الذي نسميه مقام الإحسان.

{وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36]، الحق سبحانه وتعالى حينما قرن الوالدين بعبادته، لأنه إله واحد ولا نشرك به شيئاً، لم ينكر أو يتعرض لإيمانهما أو كفرهما؛ لأن هناك آية أخرى يقول فيها: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15].

صحيح لا تطعهما ولكن احترمهما؛ لأنهما السبب المباشر في الوجود وإن كان هذا السبب مخالفاً لمَنْ أنشأه وأوجده وهو الله -جلت قدرته-: {وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا مَعْرُوفاً} [لقمان: 15] والمعروف يصنعه الإنسان فيمَنْ يحبه وفيمَنْ لا يحبه، إياك أن يكون قلبك متعلقاً بهما إن كانا مشركين، لكن صاحبهما في الدنيا معروفاً؛ ولذلك قال: {وَصَاحِبْهُمَا فِي ٱلدُّنْيَا} [لقمان: 15] أي انظر مصلحتهما في أمور الدنيا معروفاً منك.

والمعروف تصنعه فيمَنْ تحب وفيمَنْ لا تحب.

والحق يقول: {وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36]، ويكررها في آيات متعددة، فقد سبق في سورة البقرة أن قال لنا: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ ٱللَّهَ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة: 83].

وبعد ذلك تأتي هذه الآية التي نحن بصددها،{وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36].

وبعد ذلك يأتي أيضاً قوله سبحانه: {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الأنعام: 151].

وبعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى فيقول: {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15].

ويأتي أيضاً في سورة العنكبوت فيقول: {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت: 8].

لكن إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، فإن كان الوالدان مشركين فلا بد أن نعطف عليهما معروفاً، والمعروف كما أوضحنا يكون لمَنْ تحب ومَنْ لا تحب، ولكن الممنوع هو: الودادة القلبية؛ ولذلك قال: {لاَّ تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ يُوَآدُّونَ مَنْ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22].

ولا يوجد تناقض أو شبه تناقض بين الآية التي نحن بصددها وبين آية سورة المجادلة.

وهناك آيات تكلم فيها الحق وقرن عبادته بالإحسان إلى الوالدين، وهناك آيتان جاء الأمر فيهما بالتوصية بالوالدين استقلالاً.

وذلك في قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} [الأحقاف: 15].

وفي قوله سبحانه: {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت: 8].

ففيه "إحسان" وفيه "حسن"، "الإحسان": هو أن تفعل فوق ما كلفك الله مستشعراً أنه يراك.

فإن لم تكن تراه فإنه يراك، و "الإحسان" من "أحسن"، فيكون معناها أنه ارتضى التكليف وزاد على كلفه.

وعندما يزيد الإنسان على ما كلفه الله أن يصلي الخمس المطلوبة ثم يجعلها عشرة، ويصوم شهر رمضان، ثم يصوم يومي الاثنين والخميس أو كذا من الشهور، ويزكي حسب ما قرر الشرع باثنين ونصف في المائة وقد يزيد الزكاة إلى عشرة في المائة، ويحج ثم يزيد الحج مرتين.

إذن فالمسألة أن تزيد على ما افترض الله، فيكون قد أدخلك الله في مقام الإحسان؛ لأنك حين جربت أداء الفرائض ذقت حلاوتها.

وعلمت مما أفاضه الله عليك من معين التقوى ومن رصيد قوله: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ ٱللَّهُ} [البقرة: 282].

علمت أن الله يستحق منك أكثر مما كلفك به؛ ولذلك فبعض الصالحين في أحد سبحاته قال: "اللهم إني أخشى ألا تثيبني على الطاعة لأنني أصبحت أشتهيها".

أي صارت شهوة نفس، فهو خائف أن يفقد حلاوة التكليف والمشقة فيقول: يا رب إنني أصبحت أحبها، ومفروض منا أننا نمنع شهوات أنفسنا لكنها أصبحت شهوة فماذا أفعل؟

إذن فهذا الرجل قد دخل في مقام الإحسان واطمأنت نفسه ورضيت وأصبح هواه تبعاً لما أمر به الله ورضيه.

ولذلك يجب أن نلحظ أن الحق سبحانه وتعالى حينما تكلم عن المتقين قال: {إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ} [الذاريات: 15-16].

لماذا هم محسنون يا رب؟.

 يقول الحق: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 17].

وهل كلفني الله.

ألا أهجع إلا قليلاً من الليل؟

إن الإنسان يصلي العشاء من أول الليل وينام حتى الفجر، هذا هو التكليف، لكن أن تحلو للمؤمن العبادة، ويزداد الإيمان في القلب والجوارح، ويأنس العبد بالقرب من الله، فالحق لا يَرُدَّ مثل هذا العبد بل إنّه يستقبله ويدخله في مقام الإحسان: {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 16-18].

وربنا لم يكلفهم بذلك، إنما كلفهم فقط بخمسة فروض.

ونعرف قصة الأعرابي الذي قال للرسول -صلى الله عليه وسلم-: هل عليّ غيرها؟

قال له: لا، إلا أن تَطّوَّعَ، وذكر له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة، فقال: هل عليّ غيرها؟

قال: لا، إلا أن تطّوّع، قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه.

فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفلح إن صدق".

وبذلك دخل هذا الأعرابي في نطاق المفلحين.

إذن فالذي يزيد على هذا يدخله الله في نطاق المحسنين.

{كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ} [الذاريات: 17-19].

ولنلحظ دقة الأداء، إن الحق لم يذكر أن للمحرومين في أموال المحسنين حقاً معلوماً.

لماذا؟

لأن الحق -سبحانه- ترك للمحسن الحرية في أن يزيد على نسبة الزكاة التي يمنحها للسائل والمحروم، وحينما يتكلم سبحانه عن مطلوب الإيمان يقول: {وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ} [المعارج: 24-25].

إذن فالذي يزيد على ذلك ينتقل من مقام الإيمان ليدخل في مقام الإحسان.

 كأنه يقول لك في الآية التي نحن بصددها: إياك أن تعمل مع والديك القدر المفروض فقط، بل ادخل في برّهما والإنعام عليهما والتلطف بهما والرحمة لهما وذلّة الانكسار فوق ما يطلب منك، ادخل في مقام الإحسان، ثم يأتي في آية أخرى ليرشدنا بعد أن أدخلنا في مقام الإحسان، إنّه يصف ذلك الإحسان بشيء آخر وهو "الحسن": {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنبكوت: 8].

وما هو المقابل "للحسن"؟

إنه "القبح"، إذن فالحق أدخلنا في مقام الجمال مرة، وفي مقام الإحسان مرة أخرى، وهنا أكثر من ملحظ يجب ألا يغيب عن بال المسلم، أولاً: نجد أن المفروض في الشائع الغالب أنّ الوالدين يربيان أبناءهما، ومن النادر أن يصبح الولد يتيماً ويربيه غير والديه، فقال: الحظ سبب التربية بعد الوجود، فسبب الوجود: يوجب عليك أن تعطيهما حقوقهما وفوق حقوقهما وتدخل في مقام الإحسان، ولكنه جاء في آية وعلل ذلك فقال: {وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء: 24].

لقد جاء الحق بالتربية حيثية في الدعاء لهما وفي البر التوصية بهما، لكن لو أن إنساناً أخذ فيك منزلة التربية ولم يأخذ فيك سببية الإيجاد، أله حق عليك أن يكون كوالديك؟

إن الحق يقول: {كَمَا رَبَّيَانِي} [الإسراء: 24]، فإذا كان والدي لهما هذا الحق، فكذلك من قام بتربيتي من غير الوالدين له هذا الحق أيضاً!



سورة النساء الآيات من 036-040 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 036-040 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 036-040   سورة النساء الآيات من 036-040 Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2019, 12:10 am

تابع تفسير الآية: 36
ما دام جاء الحق بالوالدين في علة الإحسان: {وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء: 24]، فمرة نلحظ أنه لا يجيء بمسألة التربية كي نعلم أن الوالدين هما سبب الوجود، ومرة يلفتنا إلى أن مَنْ يتولى التربية يأخذ حظ الوالدين، وشيء آخر: وهو أن الحق سبحانه وتعالى حينما وصى بالوالدين إحساناً، جاء في الحيثيات بما يتعلق بالأم ولم يأت بما يتعلق بالأب: {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15].

هنا جاء الحق بالحيثيات للأم وترك الأب بدون حيثية، وهذا كلام رب؛ لأن إحسان الوالدة لولدها وجد وقت أن صار جنيناً.

فهي قد حافظت على نفسها وسارت بحساب وحرص فانشغلت به وهو ما زال جنيناً.

وحاولت أن توفر كل المطالب قبلما يتكون له عقل وفكر، بينما والده قد يكون بعيداً لا يعرفه إلا عندما يكبر ويصير غلاماً ليربيه لكفاح الحياة، أما في فترة الحمل والمهد فكل الخدمات تؤديها الأم ولم يكن للطفل عقل حتى يدرك هذا، إنما بمجرد أن وجد العقل وجد أباه يعايشه ويعاشره، وكلما احتاج إلى شيء قالت له الأم: أبوك يحققه لك، وكل حاجة يحتاج إليها الطفل يسأل أباه أن يأتيه بها، وينسى الطفل حكاية أمه وحملها له في بطنها وأنها أرضعته وسهرت عليه؛ لأنه لم يكن عنده إدراك ساعة فعلت كل ذلك، فمَنْ الذي -إذن- يحتاج إلى الحيثية؟

إنها الأم، أما حيثية إكرام الأب فموجودة للإنسان منذ بدأ وعيه لأنه رأى كل حاجته معه؛ لذلك قال الحق: {وَوَصَّيْنَا ٱلإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْراً} [الأحقاف: 15].

والطفل لا يعرف حكاية الحمل هذه، وعندما يتنبه يجد أن والده هو الذي يأتي بكل حاجة، وما دام أبوه هو الذي في الصورة، فتكون الحيثية عنه موجودة، والأم حيثيتها مغفولة ومستورة، فكان لابد من أن يذكرنا الله بالحيثية المتروكة عند الإنسان مكتفياً بالحيثية للأب الموجودة والواضحة عند الابن، ولذلك تجد النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما يوصيّ قال: أمك ثم أمك ثم أمك، وبعد ذلك قال: ثم أبوك.

كما جاء في الحديث: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله مَنْ أحق الناس بحسن صحابتي؟

قال: أمك.

قال: ثم مَنْ؟

قال: أمك قال ثم مَنْ؟

قال: أمك.

 قال: ثم مَنْ؟

قال: أبوك".

ولو حسبتها تجدها واضحة، وأيضاً فالأبوة رجولة، والرجولة كفاح وسعي.

والأمومة حنان وستر، فهي تحتاج ألا تخرج لسؤال الناس لقضاء مصالحها، أبوك إن خرج ليعمل فعمله شرف له.

إنما خروج الأم للسعي للرزق فأمر صعب على النفس، فالحق سبحانه وتعالى يقول: {وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36].

أو: {بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} [العنكبوت: 8] إنها.

مقرونة في ثلاث آيات بعبادة الله وعدم الإشراك به، ثم أفردهما بالإحسان في آيتين، ويلاحظ هنا أن الحق سبحانه وتعالى حينما تكلم قال: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَىٰ أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15].

لكن هذا لا يمنع أن تعطيهما المعروف وما يحتاجان إليه، ونلحظ أن الحق لم يأت لهما بطلب الرحمة وهما على الشرك والكفر كما طلبها لهما في قوله: {وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً} [الإسراء: 24].

لأنهما وإن ربيا جسد الولد فلم يربيا قلبه وإيمانه، فلا يستحقان أن يقول: ارحمهما؛ لأن الحق أراد أن يسع الولد والديه في الدنيا وإن كانا على الكفر.

والحق سبحانه وتعالى حينما يريد أن يشيع الإحسان في الكون كله، يبتدئ بالأقرب فالقريب فالجار، فقال: {وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ} [النساء: 36].

إذن ففيه دوائر.

ولو أن كل واحد أحسن إلى أبوية.

فلن نَجد واحداً في شيوخته مهيناً أبداً، لذلك يوسع سبحانه دوائر الهمّة الإيمانية فجاء بالوالدين ثم قال بعدها: {وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ} [النساء: 36] أي صاحب القربى، وما القربى؟

إن كل مَنْ له علاقة نَسَبيَّة بالإنسان يكون قريباً.

هذه هي الدائرة الثانية، ولو أن كل إنسان موسعاً عليه وقادراً أخذ دائرة الوالدين ثم أخذ دائرة القربى فستتداخل ألوان البر من أقرباء متعددين على القريب الواحد، وما دامت الدوائر ستتداخل، فالواحد القريب سيجد له كثيرين يقومون على شأنه فلا يكون أحد محتاجاً.

وبعد ذلك يتكلم سبحانه عن اليتامى، واليتيم -كما نعلم- هو: مَنْ فقد أباه ولم يبلغ مبلغ الرجال، إنه يحتاج إلى حنان أولي.

ولكن بعد أن يبلغ مبلغ الرجال فهو لا يُعتبر يتيماً؛ فقد أصبح له ذاتية مستقلة؛ ولذلك يتخلى عنه الوصف باليتيم، والذي تموت أمه لا نسميه "يتيماً"، لكن اليتيم في الحيوانات ليس مَنْ فقد أباه بل مَنْ فقد أمه، وإن كانت طفولة الحيوانات تنتهي بسرعة؛ لأن والدة الحيوان هي التي ترعاه في طفولته القصيرة نسبياً.

إذن فيتم الحيوان من جهة الأم، والإنسان يتمه هو فَقْد الأب؛ لأن الإنسان أطول الحيوانات طفولة لأنه مُربَّى لمهمة أسمى من الحيوانية، وعرفنا من قبل أنك عندما تأتي لتزرع -مثلاً- فِجلاً، فبعد خمسة عشر يوماً تأكل منه، لكنك حينما تزرع نخلة أو تزرع شجرة "مانجو" تمكث كذا سنة، حتى تثمر.

إذن فطول مدة الطفولة وعدم النسل للمثل يتوقف على المهمة الموكلة للشيء، فإن كانت مهمته كبيرة، تكن مدة طفولته أطول. والله سبحانه وتعالى يريد أن يوسع دائرة الإحسان.

فإياك أن تقتصر على الوالدين فقط أو أصحاب القربى فقط.

خذ في الدائرة أيضاً "اليتيم"، لأن اليتيم فقد أباه، ثم يرى كثيراً من زملائه وأقربائه لهم آباء، ولو لم يوصّ الحق سبحانه وتعالى بهذا اليتيم لنشأ هذا الولد وفي قلبه جذوة من الحقد على المجتمع، وقد يتمرد على الله، ويتساءل: لماذا لا يكون لي أب وكل واحد من أقراني له أب يأتيه بحاجته، لكن حين يرى أنه فقد أباً واحداً ثم وجد في الجو الإيماني آباء متعددين فهو لا يسخط على أن الله أمات أباه.

إن الذين يخافون أن يموتوا ويتركوا من بعدهم ذرية ضعافاً، عليهم بالإحسان إلى اليتيم.

فلو رأى الواحد منا يتيماً يُكَرم في بيئة أُبوة إيمانية لما شغل نفسه ولما خاف أن يموت ويترك ولداً صغيراً، بل يقول الإنسان لنفسه: إن المجتمع فيه خير كثير، وبذلك يستقبل الإنسان قدر الله بنفس راضية، ولا يؤرق نفسه، وهذه مسألة تشغل الناس فنقول لكل إنسان قادر: إذا كنت في بيئة إيمانية.

واليتيم يجد رعاية من آباء إيمانيين متعددين فسينشأ اليتيم وليس فيه حقد؛ ولذلك يقول الحق: {وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [النساء: 9].

لأنك إن رأيت المجتمع الإيماني قد رعى أيتام غيرك فستكون على ثقة من أنه يرعى أيتامك، فإن جاء الموت أو لم يأت فلا تشغل نفسك به، لكن إذا رأى الإنسان يتيماً مضيعاً، فهو يعض على أسباب الحياة ويريد أن يأتي بالدنيا كلها لولده، ونقول لمثل هذا الأب: اعمل لابنك بأن تضع ما تريد أن تدخره له في يد الله؛ لأن الذي خلق آمن من المخلوق؛ ولذلك قلنا من قبل: إن سيدنا معاوية وسيدنا عمرو بن العاص كانا يجلسان -في أخريات حياتهما- يتكلمان معاً، فيقول عمرو بن العاص لمعاوية: يا أمير المؤمنين: ماذا بقي لك من متع الدنيا؟

قال معاوية: أما الطعام فقد سئمت أطيبه، وأما اللباس فقد مللت ألينه، وحظي الآن في شربة ماء بارد في يوم صائف تحت ظل شجرة.

وهذه كلمة تعطي الإنسان طموحات إيمانية في الكون، فبعدما صار معاوية خليفة وأميراً للمؤمنين والكل مقبل عليه قال: حظي في شربة ماء بارد في ظل شجرة في يوم صائف، وهذه توجد عند ناس كثيرين.

كأن الطموح انتهى إلى ما يوجد عند كل أحد: شربة ماء بارد، ثم قال معاوية لعمرو: وأنت يا عمرو، ماذا بقي لك من متع الدنيا؟

قال عمرو بن العاص: بقي لي أرض خوارة -يعني فيها حيوانات تخور مثل البقر- فيها عين خرارة، أي تعطي ماءً وفيراً لتروي الأرض، وتكون لي في حياتي ولولدي بعد مماتي، وكان هناك خادم يخدمهما اسمه "وردان".

أراد أمير المؤمنين أن يلاطفه فقال له: وأنت يا وردان، ماذا بقي لك من متاع الدنيا؟

انظروا إلى جواب العبد كي تعرفوا أن الإيمان ليس فيه سيد ومسود، فقال له: حظي يا أمير المؤمنين: "صنيعة معروف أضعه في أعناق قومٍ كرام لا يؤدونه إليّ في حياتي" أي لا يؤدون هذا الجميل لي.

حتى تبقى لعقبى في عقبهم.

إذن فحظه صنيعة معروف يضعه في أعناق قوم كرام لا يؤدونه إليه في حياته حتى تكون لعقبة أي لمن سيترك من أولاده.

كأنه يفهمنا أنه لا شيء يضيع، فكما تمد يدك يمد غيرك يده لك، والرسول -صلى الله عليه وسلم- يعطينا هذه المنزلة فيقول: أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا "وأشار بإصبعيه متجاورين"، أيّ منزلة هذه، فبالله بعد ذلك ألا يبحث كل واحد منّا عن يتيم يكفله لكي يكون مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة.

وهذه المنزلة كانت أمنية كل صحابي.

فقد جاء رجل من الأنصار إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو محزون فقال له النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يا فلان مالي أراك محزوناً؟".

فقال: يا نبيَّ الله شيء فكرت فيه فقال: "ما هو؟" قال: نحن نغدو عليك ونروح ننظر إلى وجهك ونُجالسك وغداً تُرفع مع النَّبيين فلا نصل إليك، فلم يَرُدَّ عليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ونزل عليه جبريل بهذه الآية: {وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ وَٱلشُّهَدَآءِ وَٱلصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً}.

فبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- فَبَشَّرَهُ.

فالحق يقول لهؤلاء: لا تحزنوا، فما دمتم تحبون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتفرحون في الدنيا لأنكم معه فلا تخشوا مسألة وجودكم معه بالجنة فسوف أبعثكم معه في الجنة، فالمرء مع من أحب، ولذلك أقول لكل مسلم: ابحث عن يتيم تكفله كي تأخذ المنزلة الإيمانية، المنزلة العلية في الآخرة.

فقد قال عليه الصلاة والسلام: "أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بالسبّابة والوسطى وفرّج بينهما".

فقل لي: إذا عاملنا اليتيم في ضوء هذه التعاليم فماذا يحدث؟

سينتشر التكافل في المجتمع.

ويقول الحق بعد ذلك: {وَٱلْمَسَٰكِينِ} [النساء: 36]، ونعرف أن المساكين، كما قال الفقهاء عنهم وعن الفقراء: إن كلهم في حاجة، فهل المسكين هو مَنْ لا يملك حاجة، أو الفقير هو الذي لا يملك حاجة أو يملك دون حاجته، كأن يكون إيراده مثلاً عشرة بينما حاجتهُ تحتاج إلى عشرين؟

المهم أنه يكون محتاجاً.

وكلمة "فقير" مأخوذة من فقار الظهر أي مصاب بما يقصم الوسط والظهر.

وهو اسم معبر.

و "مسكين" أيضاً اسم معبر من المسكنة والسكن أي ليس له استعلاء في شيء، مغلوب ومقهور، فاللفظ نفسه جاء، معبراً، و "الجار" كلمة "جار" تعني: عدل، كقولنا: جار عن الطريق أي عدل عنه، فكيف أسمى مَنْ في جانبي "جاراً"؟

لأن مَنْ في جانبك حدد مكاناً له من دنيا واسعة، فيكون قد ترك الكثير وجاء للقليل، وأصبح جارك، أي أنه عدل عن دنيا واسعة وجاء جانبك، فيسمون الجار لمَنْ جار، أي عدل عن كل الأمكنة الواسعة وجاء إلى مكان بجانبك.

وهذا الجار يوصي به الله سبحانه وتعالى كما أوصى بالقريب، وباليتيم وبالمسكين، للجار حقوق كثيرة.

لذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- كما جاء في الحديث: "الجيران ثلاثة: فجار له حق واحد، وهو أدنى الجيران حقاً.

وجار له حقان، وجار له ثلاثة حقوق: فأما الذي له حق واحد فجار مشرك لا رحم له، له حق الجوار، وأما الذي له حقان فجار مسلم له حق الإسلام وحق الجوار، وأما الذي له ثلاثة حقوق فجار مسلم ذو رحم له حق الإسلام وحق الجوار وحق الرحم".

ويقول -صلى الله عليه وسلم- في حق الجار: "ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.

أي سيجعل له من الميراث، وما هي حدود الجار؟

حدوده: الأقرب باباً إليك، إلى أربعين ذراعاً، وقالوا: إلى أربعين داراً، هنا يقول الحق: {وَٱلْجَارِ ذِي ٱلْقُرْبَىٰ} [النساء: 36].

فأعطاه حق القربى وحق الجوار، وقال: {وَٱلْجَارِ ٱلْجُنُبِ} [النساء: 36].

لأن فيه جاراً قريباً وجاراً بعيداً وقوله: "الجنب" أي البعيد: {وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ} [النساء: 36] "الصاحب" هو المرافق.

{بِٱلجَنْبِ} [النساء: 36] أي بجانبه.

قالوا: هو الزوجة أو رفيق السفر؛ لأن الرفقاء في السفر مع بعضهم دائماً، أو التابع الذي يتبعك طمعاً فيما عندك من الرزق سواء كان الرزق مالاً أو علماً أو حرفة يريد أن يتعلمها منك؛ فهو الملازم لك، والخادم أيضاً يكون {بِٱلجَنْبِ} [النساء: 36] وكل هذا يوسع الدائرة للإحسان، ولو حسبت هذه الدوائر لوجدتها كلها متداخلة.

وها هو ذا النبي عليه الصلاة والسلام يقول لأبي ذَرٍ -رضي الله عنه-: "يا أبا ذر إذا طبختَ مرقة فأكثر ماءها وتعاهد جيرانك".

والمهم أن تتواصل مع جارك، أو الجار ذي القربى: أي الذي قربته المعرفة، وكثير من الجيران يكون بينهم ودّ، وهناك جار لا تعرف حتى اسمه، فهذا هو "الجار الجُنُب"، و{وَٱلصَّاحِبِ بِٱلجَنْبِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ} [النساء: 36].

وابن السبيل، فقد تقول مثلاً: فلان بن فلان، كأنك لا تعرف أباه، أو تقول: فلان ابن البلد الفلانية أي لا تعرف عنه شيئاً سوى أنه منسوب لبلد معين، وعندما تقول: ابن سبيل تعني أنه غريب انقطعت به كل الأسباب حتى الأسباب التي يمكن أن تعرفه بها، فساعة تراه تقول "ابن السبيل" أي ابن طريق، ولا تَجد مكاناً ينسب إليه إلا الطريق، لا يجد أباً ينسب إليه، لا يجد أمّا، لا يجد قبيلة، لا تعرف عه شيئاً.

{وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36] وسبق أن تكلمنا عن ملك اليمين وقلنا: إن الإسلام إنما جاء لا ليشرع رقاً، ولكن جاء لينهي رقاً، ويسد منابعه التي كانت موجودة قبل الإسلام، ولا يبقى إلا منبع واحد.

هذا المنبع الواحد هو الحرب المشروعة، ولماذا لم يطلقهم؟.

لأن الحرب المشروعة عرضة أن يأخذ الخصوم من أبنائي وأنا آخذ من أبنائهم، فلا أطلق أبناءهم إن جاءوا في يدي حتى يطلقوا أبنائي الذين في أيديهم، ويصير الأمر إلى المعاملة بالمثل، التي انتهى إليها العالم الحديث وهي تبادل الأسرى.

وقد نهانا الإسلام في ملك اليمين عن أن يقال: "عبدي" بل يقال: فتاي.

ولا يقال: "أمتي" بل يقال: فتاتي، حتى التسمية أراد الشرع أن يهذبها، كي لا تنصرف العبودية إلا لله.

الحق سبحانه وتعالى جاء بالإسلام والرق كان موجوداً،، وله ينابيع متعددة فوق العشرين، وليس له إلا مصرف واحد هو إرادة السيد، فجاء الإسلام ليصفي الرق، وأول تصفية لشيء هو أن تسد منابعه، وبدل أن يكون مجرد مصرف واحد، وهي رغبة السيد، جعل له الإسلام مصارف متعددة، إذن فنكون قد حددنا المنابع في نبع واحد، وعددنا المصارف.

فالذنب بينك وبين الله تكفره بأن تعتق رقبة، أو أحدثت ظهاراً مثلاً تُعتق رقبة، وهذه رغبة مَنْ يريد أن يصفي الرق، فإذا لم توجد عند أي مالك أسباب لتصفية الرق وظل الفتى أو الفتاة تحت يمينه، فالإسلام يرشدك ويهديك: ما دمت لم تؤثر أن تعتقه واستبقيته فأحسن معاملته، أطعمه مما تطعم وألبسه مما تلبس، ولا تكلفه ما لا يطيق، فإن كلفته فيدك معه، وهات لي واحداً يلبس من ملابس سيده ويأكل مثله وعندما يعمل عملاً فوق طاقته تجدُ يَد السيد بيده.

أليست هذه هي المعاملة الطيبة! قال الله: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36].

وبعد ذلك يجيء الحق سبحانه وتعالى في ختام الآية بما يدك كبرياء ذي الإحسان، فإياك أن تكون النعمة أو البذل الذي ستبذله يعطيك في نفسك غرور الاستعلاء؛ لأن غرور الاستعلاء هذا يكون استعلاء كاذباً.

وأنت إذا استعليت على غيرك بأعراض الحياة، فهذه الأعراض تتغير، ومعنى "أعراض" أنها تأتي وتزول.

فالذي يريد أن يستعلي ويستكبر فعليه أن يستعلي ويستكبر بحاجة ذاتية فيه؛ ولذلك لا يوجد كبرياء إلا لله، إنما الأغيار من البشر.

فنحن نرى من كان قوياً يصير إلى ضعف، ومن كان غنياً يصير إلى فقر، ومَنْ كان عالماً يصبح كمَنْ لا يعلم: {لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً} [الحج: 5].

فلا كبرياء إذن لمخلوق، ومَنْ يريد أن يستعلي ويتكبر على غيره فليتكبر -كما قلنا- بحاجة ذاتية فيه، أي بشيء لا يسلب منه، والخلق كلهم في أغيار، والوجود الإنساني تطرأ عليه الأغيار، إذن فاجعل الكبرياء لصاحبه، وإياك أن تظن أنه عندما قلنا لك: اعمل كذا وأحسن لذي القربى واليتامى والمساكين، إياك أن تحبط هذه الأعمال بأن تستعلي بها؛ لأنها موهوبة لك من الله، وما دامت موهوبة لك من الله فاستح؛ لأن الذي يتكبر هو الذي لا يجد أمام عينه مَنْ هو أكبر منه.

هات واحداً يتكبر لأن عنده مليوناً من الجنيهات ثم دخل عليه واحد آخر عنده أكثر منه ماذا يفعل؟ إنه يستحي ويتضاءل، ولا يتكبر الإنسان إلا إذا وجد كل الموجودين أقل منه، لكنه لو ظل ناظراً إلى الله لعلم أن الكبرياء لله وحده.

إذن فعندما يتكبر المتكبر، إنما يفعل ذلك لأن الله ليس في باله.

لكن لو كان الحق المتكبر بذاته في باله لاستحى، فإذا كان في بالك مَنْ يعطيك لاستحييت.

إذن فمعنى المتكبر أن ربنا غائب عن باله؛ لذلك يقول الحق في ختام الآية: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء: 36].

وما "الاختيال"؟ وما "الفخر"؟.

إن المادة كلها تدل على زهو الحركة، ولذلك نسمي الحصان "خيلاً"؛ لأنها تتخايل في حركتها، وعندما يركبها أحد تتبختر به؛ ولذلك نسمي الخيلاء من هذه.

إذن "الاختيال": حركة مرئية، "والفخر" حركة مسموعة، فالحق ينهى الإنسان عن أن يمشي بعنجهية، كما نهاه عن أن يسير مائلاً بجانبه ولا أن يعتبر نفسه مصدراً للنعمة حتى لا ينطبق عليه قوله سبحانه: {ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ لَهُ فِي ٱلدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ عَذَابَ ٱلْحَرِيقِ * ذٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ ٱللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ} [الحج: 9-10].

أما الفخر فهو أن يتشدق الإنسان بالكلام فيحكي عما فعل وكأنه مصدر كل عطاء للبشر، والخيلاء والفخر ممنوعان، وعلى المسلم أن يمتنع عن الحركة المرئية وعن كلام الفخر.

ولماذا جاء الحق بهذا هنا؟

إنه جاء به حتى لا يظن عبد أنه يحسن إلى غيره من ذاتيته، إنه يحسن مما وهبه الله.

ولا يصح أن تستخدم مَنْ أحسنت إليهم وتتخذهم عبيداً؛ لأنّك تحسن عليهم.

وعندما تنظر إلى سيادتك على هؤلاء لأنك تعطيهم، فلماذا لا تنظر إلى سيادة من أعطاك؟

إنك عندما تفعل ذلك وتنظر إلى سيادة خالقك فإنك قد التزمت الأدب معه وبعدت عن الاختيال والفخر بما قدمت لغيرك، يقول الحق: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً} [النساء: 36].

وبعدما قال الحق: {وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء: 36] قال: {وَبِذِي ٱلْقُرْبَىٰ وَٱلْيَتَامَىٰ} [النساء: 36].

وتحدث عن البذل والأريحية والجود والسماح وبسط اليد، أتى سبحانه بالحديث عن المقابل وهو: {ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ...}.



سورة النساء الآيات من 036-040 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 036-040 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 036-040   سورة النساء الآيات من 036-040 Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2019, 12:12 am

الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا [٣٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وما معنى البُخل؟

إنه مشقَّة الإعطاء.

فعندما يقطع حاجة من خاصة ماله ليعطيها لغيره يجد في ذلك مشقة ولا يقبل عليها، لكن الكريم عنده بسط يد، وأريحية.

ويرتاح للمعروف، إذن فالبخل معناه مشقة الإعطاء، وقد يتعدى البخل ويتجاوز الحد بضن الشخص بالشيء الذي لا يضر بذله ولا ينفع منعه؛ لأنه لا يريد أن يعطي.

وهذا البخل والشح يكون في نفس البخيل؛ لأنه أولاً قد بخل على نفسه، فإذا كان قد بخل على نفسه، أتريد أن يجود على الناس؟

والشاعر يصور بخيلاً اسمه "عيسى" ويريد أن يذمَّه؛ لأنه بخيل جداً؛ ويظهر صورة البخل بأنه ليس على الناس فقط بل على نفسه أيضاً، فيما لا يضر بذله ولا ينفعه منعه.

وما دام يقتر على نفسه فسيكون تقتيره على غيره أمراً متوقعاً:
يقتر عيسى على نفسه
وليس ببـــاق ولا خالد
فلو يستطيــــع لتقتيره
تنفس من منــخر واحد

إنه بخيلٌ لدرجة أنه يفكر لو استطاع أن يتنفس من فتحة أنف واحدة لفعل؛ حتى لا يتنفس بفتحتي أنفه.

والشاعر الآخر يأتي بصورة أيضاً توضح كيف يمنع البخيل نفسه من الأريحية والإنسانية فيقول:
لو أن بيتك يا بن عم محمــد
إبر يضيق بها فضاء المنزل
وأتاك يوسف يستعيرك إبرة
ليخيط قَـــــدَّ قيمصه لم تفعل

فالشاعر يصور أن سيدنا يوسف لو جاء إلى هذا البخيل وقال له: أعطني إبرة لكي أخيط قد القميص الذي مزقته زِليخاء، وهذا البخيل عنده بيت يمتلئ فِناؤه بالإبر، لضن البخيل ورفض.

إذن فالبخيل: هو مَنْ يضيق بالإعطاء، حتى إنه يضيق بإعطاء شيء لا يضر أن يبذله ولا ينفعه أن يمنعه، ويقول الحق عن البخلاء: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَللَّهِ مِيرَاثُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180].

فالحق يجعل للبخيل مما بخل به طوقاً حول عنقه، ولو أن البخيل قد بذل قليلاً، لكان الطوق خفيفاً حول رقبته يوم القيامة.

لكن البخيل كلما منع نفسه من العطاء ازداد الطوق ثقلاً.

ولقد قال الحق أيضاً عن الذين يكنزون الذهب والفضة: {وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمَىٰ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَىٰ بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَـٰذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 34-35].

فإن كان اكتنازهم لكميات كبيرة فما سيحمى على النار منها يكون كثيراً، ويكوَوْن به.

إذن فالإنسان لا بد أن يخفف عن نفسه الكيّ، والذين يبخلون لا يكتفون بهذه الخسيسة الخلقية في نفوسهم بل يحبُّون أيضاً أن تتعدى إلى سواهم كأنهم عشقوا البخل، ويؤلمهم أن يروا إنساناً جواداً؛ يقول لك البخيل: لا تنفق؛ لأنه يتألم حين يرى إنساناً جواداً، ويريد أن يَكون الناس كلهم بخلاء؛ كي لا يكون أحد أحسن منه.

إنه يعرف أن الكرم أحسن، بدليل أنه يريد أن يكون الناس كلهم بخلاء، والبخل: ضن بما أوتيته على من لم يُؤت.

وهل البخل يكون في المال فقط؟.

لا، بل يكون في كل موهبة أوتيتها وتنقص عند غيرك ويفتقر إليها، إن ضننت بها فأنت داخل في البخل.

إن الذي يبخل بقدرته على معونة العاجز عن القدرة، والذي يبخل بما عنده من علمٍ على من لا يعلم، هذا بخل، والذي يبخل على السفيه حتى بالحلم هذا بخل أيضاً، فإن كانت عندك طاقة حلم فابذلها.

إذن فالبخل معناه: أنك تمنع شيئاً وهبه الله لك عن محتاجه، معلم -مثلاً- عنده عشرة تلاميذ يتعلمون الصنعة، ويحاول أن يستر عنهم أسرار الصنعة؛ يكون قد بخل.

{ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ} [النساء: 37].

والآية معناها يتسع لكل أمر مادي أو قيمي.

ونحن نأخذها أيضاً في المعاني العالية، فالذين أوتوا الكتاب كانوا يعرفون صفته -صلى الله عليه وسلم-، ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فلما جاءهم مصدقاً لما معهم كفروا برسالته -صلى الله عليه وسلم- وكتموا معرفتهم به عن الناس، وكتموا معرفتهم بما جاء به من علم وهو الصادق المصدوق.

وهذا بخل في القيمة، وبعد ذلك استمروا يأمرون الناس بالبخل.

وأنتم تعرفون أن الأنصار كانت عندهم الأريحية الأنصارية، وساعة ذهب إليهم المهاجرون، قاسموهم المال، حتى النعمة التي غرس الله في قلب المؤمن الغيْرة عليها من أن ينالها أحد حتى ولو كان كارهاً لها، وهي نعمة المرأة؛ لأن الرجل حتى وإن كره امرأته فهو يغار أن يأخذها أحد، ولكن الأنصار اقتسموا الزوجات، فكم من رجل كان متزوجاً من أكثر من واحدة، طلق زوجة ليزوجها لمهاجر، فالحق سبحانه وتعالى يصعد أريحية الأنصار حتى أن الأنصاري يأتي بالمهاجر ويقول له: انظر إلى إحدى زوجتي أو إحدى زوجاتي فاختر ما يروقك فأطلقها وتتزوجها.

أية أريحية سامية هذه؟

فإذا كنت ذا نعمة وأنت مؤمن فأنت تحب أن تعدي أثر نعمتك إلى غيرك، فإذا كان عندك سيارة فاخرة قد تحب أن تتصدق بها، لكن المرأة، لا، لكن هذه الأريحية جاءت من الأنصار وقالوا: هؤلاء مهاجرون وتاركون أهلهم.

وكان هذا ارتقاءً إيمانياً في ذات الأنصار.

لقد جاء إليهم المهاجرون وفيهم شباب يمتلئون فتوة، وكانت قريش قد منعت أهليهم عنهم، ليس معهم زوجات.

فيقول الأنصاري: لماذا لا أطلق إحدى زوجاتي، وليتزوجها أخي المهاجر لأنفس عن عواطفه.

وأقل ما فيها أن أمنع نظره أن يتحول حراماً.

لكنَّ اليهود والمشركين والمنافقين يقولون لهم: لا تنفقوا على مَنْ عند رسول الله.

ويقول القرآن الكريم في هذا الموقف: {هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ} [المنافقون: 7].

لقد أخطأوا الظن بِمَنْ آمنوا برسول الله، ظنوا أنهم إن لم ينفقوا عليهم فسيرتدون عن إيمانهم.

ونسوا أن المؤمنين المهاجرين قد تركوا أموالهم وتركوا بلادهم، فمَنْ ترك أمواله للهجرة في سبيل الله أيكفر به عندما لا يجد شيئاً؟

لا؛ لأنه ترك كل شيء في سبيل الله.

وهاهو ذا سيدنا مصعب بن عمير المدلل في قريش، وكانت أمه تغدق عليه النعمة وهو صاحب العطور، وبعد ذلك يذهب إلى المدينة، فيلبس جلد شاة، فينظر له النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول لأصحابه: انظروا كيف صنع الإيمان بصاحبكم، فعندما يقول المنافقون كعبد الله بن أبيّ للأنصار: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضّوا، يظنون أن المؤمنين يمكن أن يبيعوا إيمانهم بلقمة وكأنهم نسوا أن الذي يبيع إيمانه باللقمة هو مَنْ يُحمل على مبدأ باطل، لكن مَنْ يعتنق ويعتقد مبدأ حق يجد حلاوته في النفس، وأجره مدخر عند ربه.

إنه لا يتحول عنه.

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "فجئت المسجد، فطلع علينا مصعب بن عمير في بردة له مرقوعة بفروة، وكان أنعم غلام بمكة وأَرْفَهَ، فلما رآه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر ما كان فيه من النعيم، ورأى حاله التي هو عليها فذرفت عيناه عليه، ثم قال: أنتم اليوم خير أم إذا غُدي على أحدكم بجفنة من خبز ولحم؟

فقلنا: نحن يومئذ خير نُكفَى المؤنة ونتفرغ للعبادة، فقال: "بل أنتم اليوم خير منكم يومئذ".

وقلنا: يجب أن تذكروا جيداً أن من حلاوة اليقين وحلاوة الإيمان أن المؤمن يضحّي بكل شيء في سبيل رفعة الإيمان، لكن أصحاب المبادئ الباطلة لا يدخلون غيرهم فيها إلا إن دفعوا الثمن مقدماً، أي أنهم يشترونهم.

فإذا رأيت مبدأ من المبادئ يشتري البشر فاعرف أنه مبدأ باطل، ولو كان مبدأ حق لدفع الإنسان من أجل أن يدخل فيه نفيس ماله، بل ويضحي في سبيله بنفسه أيضاً.

ومن عجائب مبادئ الإسلام أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما أخذ العهد لنفسه في بيعة العقبة، قال له الأنصار: فإن نحن وفَّينا بهذا فماذا يكون لنا؟

كأنهم يقولون: أنت أخذت مَالك فماذا يبقى لنا؟.

انظروا إلى سمو الإيمان، ويقين المصطفى بأن الإيمان نفسه جائزة، فهل بشرهم بأنهم سيملكون الأرض؟

هل بشرهم بأن هؤلاء المستضعفين هم الذين سيمكنون فيها؟

لا، بل قال لهم: لكم الجنة.

فلو قال لهم: لكم سيادة الدنيا، لكان في ذلك نظر، صحيح أن الدنيا دانت وخضعت لهم، لكن منهم مَنْ مات قبل أن تدنو له الدنيا وتذل، فأين صدق النبوءة؟.

إذن فقد قال لهم عن الشيء المضمون، الشيء الذي يجد المؤمن فيه نفسه من فور أن يموت.

قال لهم: لكم الجنة.

فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحوله عصابة من أصحابه: "تعالوا بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئاً ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ولا تعصوني في معروف، فمَنْ وَفَّى منكم فأجره على الله، ومَنْ أصاب من ذلك شيئاً فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له، ومَنْ أصاب من ذلك شيئاً فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه".

لم يغرهم بأنهم سيكونون أصحاب سلطان، ولم يقل لهم: أنتم ستجلسون على البُسُط والدنيا ستدين لكم، إنما قال لهم في أول البيعة: لكم الجنة، فإياكم أن يطمع أحد منكم في شيء إلا في الجنة؛ ولذلك فالأنصار محبوبون لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولما كانت غزوة حنين وأعطى المهاجرين بعضاً من الغنائم ولم يكن للأنصار منها شيء، وجد الأنصار في نفوسهم. 

فلفتهم رسول الله لفتة إيمانية وقال لهم: "ألا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس بالشاة والبعير وترجعوا برسول الله إلى رحالكم؟

فوالذي نفس محمد بيده لولا الهجرة لكنت أمرأً من الأنصار، ولو سلك الناس شِعباً وسلكت الأنصار شِعباً آخر لسلكت شعب الأنصار، اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار.

فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم وقالوا: رضينا برسول الله قسماً وحظاً.

أي سمّو إيماني هذا؟

لكن المنافقون قالوا للأنصار: لا تنفقوا أموالكم على من عند رسول الله حتى ينفضّوا.

لكنّ المؤمنين لم ينفضّوا.

إنهم قد تركوا النعيم والأموال في مكة وجاءوا إلى الهجرة، فهم لم يأتوا ليأخذوا نعيماً مظنوناً محدوداً قليلاً، وحسبهم ما وعدوا به من نعيم متيقن عريض باق.

لقد عرفوا بالإيمان أن نعيم الدنيا إما أن تفوته بالموت وإمّا أن يفوتك بالتقلب، لكن نعيم الآخرة ليس له حدّ ينتهي عنده، ولا يفوتك ولا تفوته.

 ثم سبحانه يقول: {وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النساء: 37]، وساعة ترى شيئاً يكتم شيئاً، لا بد أن تفهم منها أن هذا الكتم معناه: منع شيء يريد أن يخرج بطبيعته، وكما يقولون: اكتم الدم فلو لم تكتمه يستطرق.

كأن المال أو العلم يريد أن يخرج للناس ولكن أصحابه يكتمونه.

وكأن الفطرة الطبيعية في كل رزق سواءً أكان رزقاً مادياً أم رزقاً معنوياً أنه يستطرق؛ لأن كل شيء مخلوق لخدمة الإنسان فعندما يأتي إنسان ويحوز شيئاً مما هو مخلوق لخدمة الإنسان ويحجبه فهو بذلك يمنع الشيء المكتوم من رسالته؛ لأن كل شيء مخلوق لخدمة بني آدم، فعندما تعوقه عن هذه الخدمة فالشيء يحزن، وليتسع ظنكم إلى أن الجمادات تحزن أيضاً.

{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ} [الدخان: 29].

فالسماء والأرض لهما بكاء، ليس بكاء دموع إنما بكاء يعلم الله كنهه وحقيقته، إذن فقوله: {وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [النساء: 37].

كأنه يقول: ما آتاه لك الله من فضله ليس ملكك، وليس ذاتية فيك، فأنت لم تأت به من عندك.  

وانظر إلى الكون حولك تجده كله أغياراً، ألم تر في حياتك قادراً أصبح عاجزاً؟

ألم تر غنياً أصبح فقيراً؟

فالدنيا دول، وما من واحد إلا ويمر أمام عينيه وفي تاريخه وفي سماع مَنْ يثق بكلامه أنه "كان" هناك غنيٌّ ثم صار فقيراً، فلماذا لا تعتبر بالأغيار التي قد تمر بك، وبعد أن كان يُطلب منك أن تعطي، صرت في حال يطلب الحق سبحانه من غيرك أن يعطيك، ادخر لنفسك الآن -بالخير تبذله- حتى إذا جاءتك الأغيار تجد لك ما ينتظرك.

{ٱلَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ ٱلنَّاسَ بِٱلْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً} [النساء: 37] انظر ماذا فعل فيه البخل، إنه جعل صاحبه كافراً؛ لأن البخيل ستر نعمة كان من الممكن أن تتسع له ولغيره، فجاء له بالشيء الذي يخيف: {وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً} [النساء: 37] "أعتدنا" أي أعددنا وهيأنا.

فالمسألة موجودة وقد أعدت، والنبي -صلى الله عليه وسلم- حينما يتكلم عن الجنة يقول: "عُرضت عليّ الجنة لو مددتُ يدي لتناولت من قطوفها".

هذه ثقة اليقين في أنها مسألة جاهزة وليست تحت الإعداد، ومَنْ الذي أعد؟

إنه الله، قوي القوي، قدرة القدر هي التي تُعد، وهو يعدها على قدر سعة قدرته، عذاب مهين؛ لأنه قد يتطاول أحد ويقول: أنا أتحمل العذاب.

كما قال الشاعر:
وتجلدي للشامتيـــــــن أريهـم
وأني لريب الدهر لا أتضعضع

فسبحانه يوضح: لن يلقى البخيل العذاب فقط، بل سيلقى عذاباً مهيناً.

ثم يأتي الحق سبحانه بالمقابل، يأتي بغير البخيل، فيقول: {وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ...}.



سورة النساء الآيات من 036-040 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 036-040 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 036-040   سورة النساء الآيات من 036-040 Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2019, 12:15 am

وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا [٣٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إن هذه الآية الكريمة تتحدث عن الذي ينفق، لكن الغاية غير واضحة عنده.            

الغاية ضعيفة لأنه ينفق رئاء الناس، إنه يريد بالإنفاق مُراءَاة الناس؛ ولذلك يقول العارفون بفضل الله: اختر مَنْ يثمن عطاءك.            

فأنت عندما تعطي شيئاً لإنسان فهو يثمن هذا الشيء بإمكاناته وقدراته، سواء بكلمة ثناء يقولها مثلاً أو بغير ذلك، لكن العطاء لله كيف يُثَمِّنه سبحانه؟      

لابد أن يكون الثمن غالياً.            

إذن فالعاقل ينظر لِمَنْ سيعطي النعمة، ولنا الأسوة في سيدنا عثمان -رضي الله عنه- عندما علم التجار أن هناك تجارة آتية له، جاء كل التجار ليشتروا منه البضاعة ثم يبيعوها ليربحوا وقال لهم: جاءني أكثر مَنْ ثمنكم، وفي النهاية قال لهم: أنا بعتها لله.            

إذن فقد تاجر سيدنا عثمان مع الله، فرفع من ثمن بضاعته، فالذي يعطي لرئاء الناس نقول له: أنت خائب؛ لأنك ما ثمنت نعمتك، بل ألقيتها تافهة الثمن، ماذا سيفعل لك الناس؟      

هم قد يحسدونك على نعمتك ويتمنون أن يأخذوها منك، فلماذا ترائيهم؟      

إذن فهذه صفقة فاشلة خاسرة؛ ولذلك قال الحق: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلّجَنَّةَ} [التوبة: 111].     

وما دام سبحانه هو الذي اشترى فلابد أن الثمن كبير؛ لأنه يعطي النعيم الذي ليس فيه أغيار، ففي الجنة لا تفوت النعمة مؤمناً، ولا هو يفوتها.            

فالذي يرائي الناس خاسر، ولا يعرف أصول التجارة؛ لأنه لم يعرف طعم التجارة مع الله؛ ولذلك شبه عمله في آية أخرى بقوله: {كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً} [البقرة: 264].     

و "الصفوان" هو المروة وجمعه مرو وهي حجارة بيض براقة، والمروة ناعمة وليست خشنة.           

لكنْ بها بعض من الثنايا يدخل فيها التراب؛ ولأن المروة ناعمة جداً فقليل من الماء ولو كان رذاذاً يذهب بالتراب.            

والذي ينفق ماله رئاء الناس هو مَنْ تتضح له قضية الإيمان ولكن لم يثبت الإيمان في قلبه بعد، فلو كنت تعلم أنك تريد أن تبيع سلعة وهناك تاجر يعطيك فيها ثمناً أغلى فلماذا تعطيها للأقل ثمناً؟      

إنك إن فعلت فقد خبت وخسرت فأوضح لك الحق: ما دمت تريد رئاء الناس إذن فأنت ليس عندك إيمان بالذي يشتري بأغلى، فتكون في عالم الاقتصاد تاجراً فاشلاً، ولذلك قلنا: ليحذر كل واحد حين يعطي أن يخاف من العطاء، فالعطاء يستقبله الله بحسن الأجر، ولكن عليه ألا يعطي بضجيج ودعاية تفضح عطاءه؛ ولذلك قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: "رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

إنّ العبد الصالح حين يعطي فهو يعلم أن يده هي العليا ويده خير من اليد السفلى، فليستر على الناس المحتاجين سفلية أيديهم، ولا يجعلها واضحة.           

ولكن الحق سبحانه وتعالى لا يريد أن يضيق مجال الإعطاء فقال: {إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}
[البقرة: 271].     

فإبداء الصدقات لا مانع منه إن كان مَنْ يفعل ذلك يريد أن يكون أسوة، المهم أن يخرج الرياء من القلب لحظة إعطاء الصدقة، فالحق يوضح: إياك أن تنفق وفيك رئاء، أما مَنْ يخرج الصدقة وفي قلبه رياء فالله لا يحرم المحتاجين من عطاء معطٍ؛ لأنه سبحانه يؤكد: خذوا منه وهو الخاسر؛ لأنه لن يأخذ ثواباً، لكن المجتمع ينتفع.           

إن الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس هم من الذين "لا يؤمنون بالله" لأنه سبحانه هو المعطي، وهو يحب أن يضع المسلم عطاءه في يده: {وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} [النساء: 38] فلو كانوا يؤمنون باليوم الآخر لرأوا الجزاء الباقي، فأنت إذا كنت تحب نعمتك فخذ النعمة وحاول أن تجعلها مثمرة، أي كثيرة الثمار، فالذي لم يتصدق من ماله ولم ينفقه حتى على نفسه يكون قد أنهى مسألة المال وعمر ماله معه عند هذا الحدّ، أما الذي أنفقه في سبيل الله فسيجده في الآخرة، فيكون قد أطال عمر ماله.            

فالبخيل هو عدو ماله؛ لأنه لم يستطيع أن يثمره، ولذلك يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: "إن الله تعالى إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم وكل أمةٍ جاثية، فأول من يدعو به رجل جمع القرآن، ورجل قُتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي؟      

قال: بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما علمت؟      

قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله له: كذبت وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله له: بل أردت أن يُقال: فلان قارئ فقد قيلَ ذلك، ويؤتي بصاحب المال".

لكن هل قال لك الدين: لا تفعل؟      

لا، افعل لينتفع الناس بالرغم منك.            

والبخيل عندما يُكَثِّر ماله يكون قد حرّم على نفسه هذا المال ثم يأتي ابن له يريد أن يستمتع بالمال، ولذلك يقال في الريف: مال الكُنزي للنزُهي، ولا أحد بقادر أن يخدع خالقه أبداً!!

فسبحانه يوضح: أنا أعطيتك نعمة أنت لم تعطها لأحد، لكني سأيسر السبيل لطائع لي، إياك أن تظن أنك خدعتني عندما بخلت، فبخلك يقع عليك.            

إذن فأنت قد ضيقت رزقك بالبخل ولو أنفقت لأعطاك الله خيراً كثيراً: {وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: 39] لكنك تركته لورثتك وسيأخذونه ليكون رزقهم متسعاً، وأيضاً فإنك حين تمنع المال عن غيرك فأنت قد يسرت سبيلاً لمن يبذل.            

كيف؟      

لنفرض أن إنساناً كريماً، وكرمه لا يدعه يتوارى من السائل، والناس لها أمل فيه.            

وبعد ذلك لم ينهض دخله بتبعاته، فإن كان عنده "فدانان" فهو يبيع فداناً ليفرج به على المحتاجين، وعندما يبيع الفدان سيشتريه مَنْ يكتنز، فيكون المكتنز قد يسَّر سبيلاً للكريم، فإياك أن تظن أنك قادر على خداع مَنْ خلقك وخلق الكون وأعطاك هذه النعمة، وهذا يشبه صاحب السيئة الذي منّ الله عليه بالتوبة والرجوع إلى الله، إننا نقول له: إياك أن تعتقد أنك اختلست شهوة من الله أبداً.            

أنت اختلست شهوة ستلهبك أخيراً، وتجعلك تفعل حسنات مثلها عشرين مرة، لأنه سبحانه قد قال: {إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ} [هود: 114].     

فأنت لن تضحك على خالقك لأنه سيجعلها وراءك، فتعمل خيراً كثيراً، كذلك البخيل نقول له: ستيسر سبيلاً لكريم بذّال، والحق سبحانه وتعالى بيّن في آخر الآية السبب الذي حمله على ذلك، إن الأسباب متعددة.            

لكن تجمعها كلمة "شيطان"، فكل مَنْ يمنعك من سبيل الهدى هو شيطان، ابتداءً من شهوات نفسك وغفلة عقلك عن المنهج، إنّها قرين سوء يزين لك الفحشاء، ويزين لك الإثم، إنّ وراء كل هذه الأمور شيطاناً وسوس إليك، وكل هؤلاء نسميهم "شيطاناً" لأن الشيطان هو مَنْ يبعدك عن المنهج، وهناك شياطين من الجن، وشياطين من الإنس، فالنفس حين تحدث الإنسان ألاّ يلتزم بالمنهج؛ لأن التزامه بالمنهج سيفوت عليه فرصة شهوة - هي شيطان.            

إنّ النفس التي ترى الشهوة العاجلة وتضيع منها شهوة آجلة لا حدود لها - هي شيطان.    

فالشيطان إذن هو الذي جعلهم يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، وهذا الشيطان وساعة يكون قريناً للإنسان، فمعنى ذلك أنه مقترن به، والقِرن بكسر القاف - هو مَنْ تنازله.            

وكلمة "قَرْن" تطلق أيضاً على فترة الزمن هي مائة عام؛ لأنها تقرن الأجيال ببعضها، فالشيطان قرين أي ملازم لصاحبه ومقترن به، فيقول الحق: {وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً} [النساء: 38]، أي بئس هذا القرين لأنه القرين الذي لا ينفعني ولا يصدني عن مجال ضار.            

ولذلك فالناس قد يحب بعضهم بعضاً في الدنيا لأنهم يجتمعون على معصية.            

أما في الآخرة فماذا يفعلون؟      

يقول الحق: {ٱلأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ ٱلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].     

لأن المتقين يعين بعضهم بعضاً على الطاعة، فالواحد منهم يقول لصاحبه: كنت تعينني على الطاعة، كنت توجهني وتذكرني إن غفلت، فيزداد الحب بينهما.            

لكن الإنسان يلعن مَنْ أغواه وأول مَنْ نلعن يوم القيامة نلعن الشيطان، وكذلك الشيطان أول ما يتبرأ يتبرأ منّا؛ ولذلك فعندما تحين المجادلة نجد الشيطان يقول لِمَنْ أغواهم وأضلهم: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي} [إبراهيم: 22].     

والسلطان هو: القوة العالية التي تجبر مَنْ دونها، فالإنسان تُجبر مادته وبنيته بسلطان القهر المادي، ويُقهر في اعتقاداته بالدليل والحجة.            

والإكراه في المادة إنما يتحكم في القالب، لكنه لا يتحكم في القلب، فقد تكون ضعيفاً أمام واحد قوي ولكنك تمسك له سوطاً وتقول له: اسجد لي.            

اخضع، فيسجد لك ويخضع.            

وأنت بذلك تقهر القالب، لكنك لم تقهر القلب، هذا هو السلطان المادي الذي يقهر القالب، لكن إذا جاء لك إنسان بالحجج وأقنعك، فهذا قهر إقناع، وقدرة قهر العقول بالإقناع نوع من السلطان أيضاً.           

 إذن فالسلطان يأتي من ناحيتين: سلطان يقهر القالب، وسلطان يقهر فقه القلب، فسلطان القالب يجعلك تخضع قهراً عنك، وسلطان الحجة والبرهان يجعلك تفعل برضى منك، والشيطان يقول لمن اتبعوه: يا مَنْ جعلتموني قريناً لكم لا تفارقوني، أنتم أغبياء؛ فليس ليَ عليكم سلطان، وما كان ليَ من القوة بحيث أستطيع أن أرغمكم على أن ترتكبوا المعاصي، وما كان عندي منطق ولا حجة لكي أقنعكم أن تفعلوا المعاصي، لكنكم كنتم غافلين، أنا أشرت لكم فقط فلست أملك قوة أقهر مادتكم بها، ولا برهان عندي لأسيطر على عقولكم: {وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَٱسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُوۤاْ أَنفُسَكُمْ} [إبراهيم: 22].     

إذن فالخيبة منكم أنتم؛ ولذلك يقول الحق: {مَّآ أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَآ أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ} [إبراهيم: 22].     

ماذا يعني "بمصرخكم"؟      

إنها استغاثة واحد في أزمة لا يقدر عليها وضاقت به الأسباب، عندئذ يستنصر بغيره، فيصرخ على غيره، أي يناديهم لإنقاذه ولنجدته، فالذي يستجيب له ويأتي لإنقاذه يقال له: أزال صراخه، إذن فأصرخه يعني سارع وأجاب صرخته، والشيطان يقول: إن استنجدتم بي فلن أنجدكم وأنتم لن تنجدوني، فكل واحد منا عرف مسئوليته وقدرته.            

وبالنسبة للإنسان فقد قال الحق: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ} [الإسراء: 13].     

فمَنْ يتخذ الشيطان قريناً: {فَسَآءَ قِرِيناً} [النساء: 38] وكلمة "ساء" مثل كلمة "بئس" كلتاهما تستعمل لذم وتقبيح الشيء أي، فبئس أن يكون الشيطان قريناً لك؛ لأن الشيطان أخذ على نفسه العهد أمام الله ألا يغوي من يطيعه سبحانه ويغوي مَن سواهم من الناس أجمعين. 

وعندما نتأمل الآية، نجد أن الحق يقول: {وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً} [النساء: 38].     

فالآية إذن تتناول لوناً من الإنفاق يحبط الله ثوابه.            

فنفقة المرائي تتعدى إلى نفع غيره لكن لا ينتفع المرائي منها، بل تكون قد أنقصت من ماله ولم تثمر عند ربه.            

والحق يلفتنا إلى أن ذلك كله راجع إلى معوقات الإيمان الذي يتطلب من الإنسان أن يكون في كل حركات حياته على منهاج ربه، هذه المعوقات تظهر في النفس البشرية وفي شهواتها التي تزين الإقبال على المعصية للشهوة العاجلة، وتزين الراحة في ترك الأوامر، والشيطان أيضاً يتمثل في المعوقات، والشيطان كما نعلم: اسم للعاصي من الجنس الثاني من المكلفين وهم الجن ويتمثل في إبليس وفي جنوده، ويطلق على كل متمرد من الإنس أيضاً يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ زُخْرُفَ ٱلْقَوْلِ غُرُوراً} [الأنعام: 112] وأنت حين تريد أن تعرف المعوق أهو من نفسك أم من الشيطان؟      

فانظر إلى نفسك حيال المعصية، أهي معصية تدفعك نفسك أن تأتيها وحدها، أم معصية إن عزّ عليك أن تفعلها فأنت تنتقل إلى معصية سواها؟      

هل هي معصية ملازمة أو معصية تنتقل منها إلى غيرها؟      

فهب أن إنساناً كانت معصية نفسه في أن يشتهي ما حُرّم عليه، أو أن يسرق مال غيره، نقول له: أوقفت في المعصية عند هذه بحيث لا تتعداها إلى غيرها؟     

يقول نعم.            

فبقية المعاصي لا ألتفت إليها.            

نقول: تلك شهوة نفس، فإن كانت المعصية حين تمتنع عليك من سرقة مثلاً فأنت تلتفت إلى معصية أخرى.            

فهذا لون من المعاصي ليس من حظ النفس، وإما هو حظ الشيطان منك؛ لأن الشيطان يريد العاصي عاصياً على أي لون من المعصية، فإن عزّ عليه أن يلوي زمامه إلى لون من المعصية، انتقل إلى معصية أخرى لعلّه يصادف ناحية الضعف فيه.           

 لكن النفس حين تشتهي فإنها تشتهي شيئاً بعينه، فأنت إذن تستطيع أن تعرف المعوق من قبل نفسك أم من قبل الشيطان، فإن وقفت عند معصية واحدة لا تتعداها وتلح عليك هذه المعصية، وكلما عزّ عليك باب من أبوابها تجد باباً آخر لتصل إليها، فتلك شهوة نفسك.            

وإن عزّت عليك معصية تنتقل إلى معصية أخرى فهذا من عمل الشيطان؛ لأن الشيطان لا يريد عاصياً من لون واحد، وإنما يريدك عاصياً على إطلاقك.            

وعداوة الشيطان -كما نعلم- هي عداوة مسبقة؛ فقد امتنع الشيطان عن السجود لآدم بحجة أنه خير من آدم.            

وحذر الله آدم.            

ولابد أن آدم عليه السلام قد نقل هذا التحذير لذريته وأَعْلَمَهُم أن الشيطان عدو.            

ولكن الغفلة حين تسيطر على النفوس تفسح مجالاً للشيطان لينفذ إلى نفس الإنسان، والشيطان -كما نعرف- لا يأتي للعاصي الذي تغويه نفسه؛ لأن العاصي تكفيه نفسه؛ لذلك يأتي الشيطان للطائع ليفسد عليه طاعته، ولهذا يقول الله عنه: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16].     

إذن فمقعد الشيطان ليس في الخمارة أو في مكان فساد، إنما يجلس على باب المسجد، لكي يفسد على كل ذاهب إلى الطاعة طاعته.            

وهذا معنى: {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ ٱلْمُسْتَقِيمَ} [الأعراف: 16]؛ ولذلك كانوا يقولون: إن الطوائف الأقلية غير المسلمة في أي بلد إسلامي لا تحدث بينهم الشحناء، ولا البغضاء، ولا حرق الزروع ولا سمّ المواشي، ولا القتل، وتأتي هذه المعاصي في جمهرة المسلمين، نقول: نعم؛ لأن الشيطان ضمن أن هؤلاء وصلوا إلى قمة المعصية فابتعد عن إغوائهم، أما المسلمون فهم أهل الطريق المستقيم، لذلك يركز الشيطان في عمله معهم، إذن فما دام عمل الشيطان على الطريق المستقيم فهو يأتي لأصحاب منهج الهداية، أما الفاسق بطبيعته، والذي كَفَرَ كُفر القمة فالشيطان ليس له عمل معه؛ لأنه فعل أكثر مما يطلب الشيطان من النفس البشرية.           

 والحق سبحانه وتعالى يقول: {وَٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَـآءَ ٱلنَّاسِ} [النساء: 38] أي: أنفقوا وأنقصوا مالهم فلماذا المراءاة إذن؟      

لأن الشيطان قرينهم، وعندما ينفقون فهذا عمل طاعة، ولماذا يترك لهم هذا العمل ليسلم الثواب لهم؟      

فلابد أن يفسد لهم هذا لعمل الذي عملوه، وهو يقول: {وَمَن يَكُنِ ٱلشَّيْطَانُ لَهُ قَرِيناً فَسَآءَ قِرِيناً} [النساء: 38] مثل هذا القرين أيمدح أم يذم؟      

إنه يذم بطبيعة الحال؛ ولذلك قال الله: {فَسَآءَ قِرِيناً} [النساء: 38] أي بئس ذلك القرين، فالقرين الذي يلفتك عن فعل الخير هو الذي بعد أن أنقص مالك بالنفقة أفسد عليك الثواب بالرياء.            

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ...}.



سورة النساء الآيات من 036-040 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 036-040 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 036-040   سورة النساء الآيات من 036-040 Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2019, 12:23 am

وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا [٣٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقوله سبحانه: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} [النساء: 39] وأي تبعه ومشقة وضرر عليهم من الإيمان والإنفاق في سبيل الله؟

إنه سبحانه لم يستفهم منهم عما يصيبهم من ذلك ولكنه -جل شأنه- يَذُمُّهُمْ ويوبخهم ويصفهم ويصمهم بالجهل والغفلة عما ينفعهم.

فالتلميذ الذي يلعب، فيرسب تقول له: وماذا عليك لو أنك ذاكرت؟!

يعني أي ضرر عليك في هذا، إذن فمعنى ذلك أنها لا تقال إلا لإنسان في قدرته أن يفعل الفعل، فمثل هذا التلميذ يقدر أن يذاكر. 

لكننا لا نأتي لإنسان فيه صفة لا دخل له فيها كالقصر في القامة مثلاً ثم نقول لك: ماذا عليك لو كنت طويلاً؟

هذا قول لا ينفع ولا يصح. 

إذن فماذا عليك. 

لا تقال إلا لمن في قدرته الاختيارية أن يكون كذلك، أما مَنْ لا يكون في قدرته ألا يكون كذلك فلا تقال له. 

ونقول ذلك لأن طائفة الجبريّة قالت: إن الذي كفر لا يقدر أن يؤمن فالكافر يظل كافراً، لكنهم لم يلتفتوا إلى قول ربنا: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} [النساء: 39] فمعنى هذا القول أن الباب مفتوح. 

وإلا لو كانوا ملزمين بالكفر لما قال ربنا: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} [النساء: 39] وهذه الآية لا ترد فقط على مذهب الجبريَّة، بل تهدم مذهب الجبريَّة كله. 

فالإنسان ليس مجبراً على فعل وتنتهي المسألة، وكما يقولون: كالريشة في مهب الريح.  

ومثلما قال الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له
إيــاك إيــاك أن تبتل بالمــاء

نقول لهم: أنتم نسبتم لله -والعياذ بالله- الظلم، فالله سبحانه وتعالى لم يطلب من الإنسان أن يؤمن به إلا وقد أودع فيه قوة اختيارية تختار بين البديلات. 

وأنتم لم تفطنوا إلى حقيقة كتابة كل شيء أزلاً فأخذتم منها الشيء الذي لا بد للناس أن تنفذه، ولم تلتفتوا إلى أن هناك فرقاً بين أن يكون قد كتب ليلزم، وأن يكون قد كتب لأنه علم.     

هو سبحانه كتب لماذا؟

لأنه علم أزلاً أن عبده سيختار كذا ويختار كذا. 

إذن فالكتابة ليست للإلزام ولكن لسبق العلم. 

والعلم صفة انكشاف لا صفة تأثير.

وحتى نوضح ذلك نقول: إن الصفات نوعان: صفة تكشف الأشياء على ما هي عليه بصرف النظر عن أن تقهر أو لا تقهر، والقدرة صفة إبراز وليست صفة انكشاف، ومثال ذلك عميد الكلية الذي يأتي فيقول لأستاذ مادة من المواد: جاءت لي مكافأة للطالب النابغ في مادة كذا، فاصنع اختباراً للطلاب حتى نعطي هذه الجائزة لمن يستحقها. 

فيقول أستاذ المادة: لا ضرورة للاختبار لأنني أعلمهم وأعرف مواقعهم من الجدّ ومواقعهم من الاجتهاد ومواقعهم من فقه العلم، فلان هو الأول وأعطه الجائزة، فلا يقتنع عميد الكلية، ويضع هو اختباراً أو يأتي بأساتذة آخرين يضعون الاختبار دون هذا الأستاذ. 

وبعد ذلك يفوز الطالب الذي حدده الأستاذ مسبقاً بالدرجة الأولى.

أساعة أجاب الطالب عن الأسئلة التي وضعت له. 

أكان مع الطالب الذي فاز بالمركز الأول مَنْ يرغمه على أن يكتب المادة العلمية التي جعلته يحصل على الجائزة؟

لا. 

فلماذا قال الأستاذ عنه ذلك؟

لأنه علم بمَنْ عنده قدرة من العلم. 

لقد حكم الأستاذ أولاً لأنه يعلم. 

ولله المثل الأعلى من قبل ومن بعد، فالحق سبحانه وتعالى أعطى للناس الاختيار بين البديلات، لكنه أوضح: أنا أعلم أن عبدي سيختار كذا وكذا. 

إذن فهذا سبق علم لا قهر قدرة. 

فالقدرة لها تأثير والعلم لا تأثير له ولا قهر. 

وقول الله هنا: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ} [النساء: 39] فقوله: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} [النساء: 39] تعني أي ضرر يلحقهم كلمة "عليهم" دائماً تكشف للإنسان ما عليه؛ لذلك لا يقول "لهم" بل يقول: أي ضرر كان يلحقهم لو أنهم آمنوا بالله؛ ولذلك يقول الحق: {ٱلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمْ} [البقرة: 46]. 

لم يقل سبحانه: الذين يتيقنون. 

بل إن مجرد الظن بلقاء الله جعلهم يعملون الأعمال الصالحة، فما بالك إذا كان العبد متيقناً؟     

إن المتقين يقوم بالعمل الصالح من باب أولى. 

ولذلك فهذه المسألة أخرجت "المعرّي" عما اتهموه به من أنه ينكر البعث، صحيح أنه في أول حياته قال:
تحطمنا الأيام حتــــــى كأننا
زجاج ولكن لا يُعاد لنا سَبْكُ

فقالوا: إن قوله "لا يعاد لنا سبك" معناه أنه ينفي قدرة الحق على أن يبعثنا مرة ثانية، مع أنه من الممكن أن يتأول فيها، أي لا يعاد لنا سبك في حياتنا هذه، ونحن لا نرى مَنْ مات يعود مرة ثانية. 

ونقول كذلك: إن هذه قالها في أول حياته. 

ولكنه قال في آخر الأمر:
زعم المنجـــم والطبيب كلاهما
لا تحشر الأجســـاد قلت إليكما
 إن صح قولكما فلست بخاسر
أو صح قولي فالخسار عليكما

فهو يطلب من الطبيب والمنجم أن يكفا عن إفساد العقول بالشك. 

وهب أنه اعتقد ألا بعث، وواحد آخر اعتقد أن فيه بعثاً، نقول له: إما أن يجيء بعث فيكذب من قال: لا بعث، وإما ألا يجيء بعث، فإذا لم يجيء البعث، ما الذي ضر مَنْ آمن بالبعث؟

وإذا جاء البعث فمَنْ الذي خسر؟

سيخسر مَنْ أنكره، إذن فالذي ينكر البعث يخسر ولا يكسب، لكن مَنْ قال: إن هناك بعثاً لا يخسر، وهكذا. 

وقول الحق: {وَمَاذَا عَلَيْهِمْ} [النساء: 39] إنه تساؤل عن أي ضرر كان يلحقهم "لو أنهم آمنوا بالله واليوم الآخر وأنفقوا مما رزقهم الله" إن مَنْ يعطي الصدقة ويضعها في يد الله يستثمرها عند المعطي، لكن عندما يقوم بذلك رئاء الناس فهو يثمر عند مَنْ لا يعطي، وبذلك يكونون قد خسروا أموالهم وخسروا تثمير الأموال في يد الله بالثواب في الآخرة.

{وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُواْ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقَهُمُ ٱللَّهُ وَكَانَ ٱللَّهُ بِهِم عَلِيماً} [النساء: 39].

وعلم الله متغلغل وسبحانه يعلم الخفايا. 

وسبحانه محيط بكلّ شيء علماً؛ لذلك يقول الحق بعد ذلك: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ...}.



سورة النساء الآيات من 036-040 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 036-040 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 036-040   سورة النساء الآيات من 036-040 Emptyالثلاثاء 30 أبريل 2019, 12:37 am

إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا [٤٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

والظلم: الأصل فيه محبة الانتفاع بجهد غيره، فعندما تظلم واحداً فهذا يعني أنك تأخذ حقه، وحقه ما جاء به بجهده وعرقه، وتأخذه أنت بدون جهد ولا عرق.

ويتبع هذا أن يكون الظالم قوياً.

لكن ماذا عن الذي يظلم إنساناً لحساب إنسان آخر؟

إنه لم ينتفع بظلمه ولكن غيره هو الذي انتفع.

وهذا شرّ من الأول: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله عليه السلام قال: "بادروا بالأعمال ستكون فتناً كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا".

لأنه ظلم إنساناً لنفع عبد آخر ولم يأخذ هو شيئاً لنفسه.

إذن فالظلم إما أن يكون الانتفاع بثمرة جهد غيرك من غير كد، وإما أن تنفع شخصاً بجهد غيره، والله سبحانه وتعالى إذا نظرنا إليه -وهو قوة القوى- إذا أراد أن يظلم -وحاشا لله أن يظلم- فماذا يكون شكل ظلمه؟

إن الظلم يتناسب مع قوة الظالم، إذن فقوة القوى عندما تظلم فظلمها لا يُطاق، ثم لماذا يظلم؟

وماذا يريد أن يأخذ وهو مَنْ وهب؟

إنه سبحانه مستغنٍ، ولن يأخذ من هذا ليعطي ذاك، فكلهم بالنسبة له سواء؛ لأنه سبحانه لم يتخذ صاحبةً ولا ولداً، كلهم متساوون، فلماذا يظلم؟

إن الظلم بالنسبة لله محال عقلياً ومحال منطقياً،، فلا يمكن لله أن يضيع عمل حسنة ولا أن يضاعف سيئة.

فهذه لا تتأتى، وتلك لا تتأتى، والله واهب كل النعم للناس جميعاً.

وما دام هو مَنْ وهب كل النعم، فسبحانه غير منتفع بآثاره في خلقه.

إن الحق سبحانه وتعالى ينفي عن نفسه الظلم في قوله: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46].

فكلمة "ظلاّم" مثل قولنا: فلان "أكّال" وفلان "نوّام" وهي تختلف عن قولنا: فلان نائم، يعني نام مرة، ولكن "نوام" فهذا يعني مداومته على النوم كثيراً، أي أنه إما أن يكون مبالغاً في الحدث، وإما أن يكون مكرراً للحدث، فالمبالغة - كما نعرف - تأتي مرة لأن الحدث واحد لكنه قوي، ومرة يكون الحدث عادياً لكنه مكرر، هذه هي المبالغة، فقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ} [فصلت: 46] نفي للمبالغة، وهذا لا يقتضي نفي غير المبالغة.

ونقول: الله لو ظلم لكان ظلمه مناسباً قدرته فيكون كبيراً كثيراً، ولو كان ظالماً لشمل ظلمه وعَمّ الخلق جميعاً فيكون كذلك كبيراً كثيراً ولكن الله -سبحانه- يقول: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40].

وسبحانه يحسب السيئة سيئة واحدة.

أما الحسنة فيضاعفها،{إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] "مثقال": يعني ثقل ووزن، والثقل هو: مقدار جاذبية الأرض للشيء.

فعندما يكون وزن الشيء قليلاً وتُلقيه من أعلى، فهو ينزل ببطء، أما الشيء الثقيل فعندما تلقيه من أعلى فهو ينزل بسرعة؛ لأن قوة الجاذبية له تكون أقوى، والإنسان منا حين ينظر إلى كلمة "مثقال"؛ ويعبر عنها بأنها وزن، فمعيار الميزان هنا "الذرة".

وما "الذرة"؟.      

 قال العلماء فيها: هي رأس النملة الصغيرة التي لا تكاد تُرى بالعين المجردة، أو النملة نفسها.

هذه مقولة، أو الذرة كما قال ابن عباس حين سُئل عنها: أخذ شيئاً من تراب الأرض ثم نفخه، فلما نفخ تطاير التراب في الهواء، فقال لهم: كل واحدة من هذه اسمها "ذرة" وهو ما نسميه "الهباء"، ونحن الآن الموجودين في مكان واحد لا نرى شيئاً في الجو، لكن انظر إلى حزمة ضوئية -أي ثقب تدخل منه أشعة الشمس- فساعة ترى ثقباً يُدخل أشعة الشمس ترى غباراً كثيراً يسبح.

والمهم أنك لا تراه جارياً إلا في شعاع الشمس فقط، فهو كان موجوداً ونستنشقه، فما الذي جعلني لا أراه؟.

لأنه بلغ من الصغر واللطف مبلغاً فوق طوق العين أن تراه، فالذرة واحدة من هذا الغبار، واسمه "الهباء" وواحدة الهباء هي الذرة.      

إن الحق سبحانه وتعالى يوضح لنا: أن كل شيء موزون إلى أقل درجات الوزن وهو الذرة، وهي الهباء، ونحن لا نراها إلا في نور محجوز، لأننا في النور القوي لا نرى تلك الذرات، بل نراها فقط في نور له مصدر واحد ونافذ، والحق سبحانه وتعالى لا يظلم مثقال ذرة، وهذا تمثيل فقط؛ لأن الذرة يمكن أن تكبر، فالذي يكبر يمكن أن يصغر، وقال الحق ذلك ولم يكن عند الإنسان المقياس الذي يُفتّت به الذرة، وقد حدث أن استطاع الإنسان ذلك، فبعد الحرب العالمية الأولى صنعت ألمانيا اسطوانات تحطيم الجوهر الفرد، أو الجزء الذي لا يتجزأ كما كان يصفه الفلاسفة قديماً، ومعنى جزء لا يتجزأ أي لا يمكن أن يأتي أقل منه، ولم يلتفتوا إلى أن أي شيء له مادة إن كان يقبل التكبير فهو أيضاً يقبل التصغير، والمهم أن توجد عند الإنسان الآلة التي تدرك الصغر.

ومثال ذلك عندما صعدت الأقمار الصناعية وأخذوا من الجو صورة لمدينة نيويورك؛ خرجت الصورة صغيرة لمدينة نيويورك.

بعد ذلك كبروا الصورة؛ فأخرجوا أرقام السيارات التي كانت تسير!.

كيف حدث هذا؟

لقد كانت الصورة الصغيرة تحتوي تفاصيل أكثر دقة لا تراها العين المجردة، وعندما يتم تكبيرها يتضح كل شيء حتى أرقام السيارات وضحت بعد أن كانت غير ظاهرة، وإن كنت موجوداً في نيويورك في هذه الساعة أكنت تظهر بها؟

لا يمكن أن تظهر.

لماذا؟ أن صورتك صغرت إلى الحد والقدر الذي لا يمكنك أن تراها وهي بهذا الحجم وهكذا، فالنور عندما يكون محزوماً، فالحزمة الضوئية التي تدخل إلى مكان ما، لها من القوة التي تظهر ذرة الهباء الذي لم تكن تراها.

إذن فنور من الله مخلوق ظهرت فيه الذرة، أيخفى على نور الخالق ذرة؟

لا يمكن أن تخفي عليه سبحانه ذرة؛ لأن النور الذي خلقه أظهر الذرة والهباء الذي كان موجوداً ولا نراه، فلن يخفى على نور النور ذرة في الأرض.

وهكذا نعرف أن المسألة بالنسبة لله عملية قطعية، وعندما اخترعوا اسطوانة تحطيم الجوهر الفرد كانت مثل عصارة القصب، ونحن نعرف أن عود القصب يوضع بين عمودين من الحديد.

والعمود الواحد اسمه "اسطوانة" وعندما يضيقون الأسطوانتين ثم يمررون عود القصب بينهما، فلا بد أن تكون المسافة بينهما ضيقة حتى إذا نفذ عود القصب يُعصر، إذن فكلما ضيقت بين الأسطوانتين يزداد العصر، وما دامت الاسطوانتان تجري كل واحدة منهما على الأخرى فهنا فراغ ضئيل جداً، وحاول العلماء الألمان تضييق الأسطوانتين تضييقاً يفتت لنا هذه الذرة، ونجحوا، وأصبح هناك شيء آخر أقل من الذرة.

وظن السطحيون الذين يتربصون بالإسلام وبكتاب الله الدوائر، ويريدون أن يجدوا فيه منفذاً.

قالوا: إن الله قال: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ} [الزلزلة: 7].

على أنها أقل شيء وظهر أن هناك أقل من مثقال ذرة؛ لأن الذرة تحطمت.

وقلنا لهؤلاء: أنتم أخذتم آية ونسيتم آيات، فالقرآن قد جاء معجزة ليواجه مجتمعات شتى من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن تقوم الساعة فلا بد أن يكون فيه ما يشبع العقول من لدن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أن تقوم الساعة.

ولو أن عطاء القرآن صُب مرة واحدة في عصر الرسالة لجاءت القرون التالية وليس للقرآن عطاء.

فأراد ربنا أن يكون القرآن هو المعجزة والمنهج المتضمن للأحكام والكليات، وهذه أمور مفهومة بالنسبة لعهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وإلى أن تقوم الساعة.

لكن لا يزال هناك كونيات ونواميس للحق في الوجود لم تظهر بعد، فسبحانه يعطي كل عصر على قدر اتساع فهمه.

وعندما نعرف أسرار قضية كونية لا يزيد علينا حكم، فعندما نعرف قضية مثلاً كقضية الذرة وتفتيتها ووجود إشارات لها في القرآن الكريم لا يزيد ذلك علينا أي حكم.

بل ظلت الأحكام كما هي.

فالأحكام واضحة كل الوضوح؛ لأن مَنْ يفعلها يثاب، ومَنْ لا يفعلها يعاقب.

والناس الذين ستقوم عليهم الساعة مثل الناس الذين عاصروا حضرة النبي عليه الصلاة والسلام؛ لذلك لا بد أن تكون الأحكام واحدة، فمن ناحية أن القرآن كتاب أحكام فهذا أمر واضح وضوحاً لا زيادة فيه، ولم يفهم المعاصر لرسول الله حكماً ثم جاء الإنسان في زماننا ليفهم حكماً آخر، بل كل الأحكام سواء.

والقرآن كمعجزة هو أيضاً معجزة للجميع.

ولا بد أن تكون هناك معجزة لكل جيل.

ولكل عصر، ويأتي الإعجاز في الآيات الكونية التي لو لم نعرفها فلن يحدث شيء بالنسبة للأحكام.

مثال ذلك: لو لم نعرف أن الأرض تدور أكان انتفاعنا بالأرض يقل؟

لا، فنحن ننتفع بالأرض سواء أعلمنا كرويتها أم لم نعلم، لكن الحق سبحانه وتعالى يواجه العقول بما يمكن أن تطيقه.

فإذا ما ارتقت العقول وتنورت واستنارت بمقتضى طموحاتها العلمية في الكون.

فالقرآن إن لم يؤيدها فهو لا يعارضها.

وعندما فتتوا الذرة قال المشككون: إن ربنا يضرب بالذرة المثل لأصغر شيء: {وَمَن يَعْـمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة: 8] لكن هناك ما هو أقل من الذرة.

ونرد عليهم: أنتم نظرتم إلى آية ونسيتم آيات.

أنتم لم تنتبهوا -كما قلنا- إلى أن من فتتوا الذرة إلى إلكترونات وأيونات وموجب وسالب حاولوا بعد ذلك أن يفتتوا ما فُتت.

والآية التي نحن بصددها الآن: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] أرضت العقول التي تعرف الذرة الأصلية هذه واحدة، ولماذا لا نسمع قول الله: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُواْ مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس: 61].

إذن فهناك ذرة وهناك أصغر من الذرة، ولم تأخذوا في بالكم أن "أصغر" هذه أفعل تفضيل، ولا يوجد أصغر إلا إن وجد صغير، إذن فهناك ذرة، وهناك صغير عن الذرة، وهناك أصغر من الصغير، فهناك إذن ثلاث مراحل، فإن فتتوها فلنا رصيد في القرآن يقول بالصغر، فإن فتتتم المفتت، فلنا رصيد في القرآن بأصغر؛، لأن كل أصغر لا بد أن يسبقه صغير، وإن كنت ستفتت المفتت فما زال عندنا رصيد من القرآن يسبق عقولكم في الابتكار، فإن قلت تفتيت جاز، وإن قلت تجميع جاز؛ لأنها أصغر وأكبر، تفتيت أو تجميع، والمعقول أنك تقول: لا يغيب الأصغر والصغير، والذرة كذلك لا تغيب فكيف يعبر عن الأكبر بأنه لا يغيب مع أنه ظاهر وواضح؟.    

ونقول لك: إن المتكلم هو ربنا، فالشيء لا يدرك إما لأنه لطيف في غاية الدقة بحيث لا تتعلق به الباصرة فلا يُرى، وأيضاً لا يُدرك لأنه كبير بصورة أكبر من أن تحيط به الباصرة، فحين ترى جبلاً كبيراً على بعد اثنين من الكيلومترات أو ثلاثة فأنت لا تدركه؛ لأنه أكبر من أن يحيط به إشعاع بصرك، ولكن الأمر بالنسبة لله يختلف فلا يوجد صغير يَدِقُّ لا يراه، ولا كبير يكبر لا يراه، إذن فلابد أن تأتي: {وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذٰلِكَ وَلاۤ أَكْبَرَ} [يونس: 61].

وفي آية أخرى يقول سبحانه: {يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي ٱلأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ ٱلرَّحِيمُ ٱلْغَفُورُ} [سبأ: 2].

وانظروا إلى دقة الحق في الرد على الإنكار للساعة وهي قضية كونية تنسحب على كل العصور.

فيقول سبحانه: {وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 3].

كان يكفي أن يقول: إن الساعة آتية، لكنه أوضح: اعرفوا أن الساعة آتية، وكل ما فعلتموه معروف، ولماذا يقولون: لا تأتي الساعة؟

إن هذا لون من تكذيب النفس لأنهم لم يعملوا على مقتضى ما يتطلبه قيام الساعة، فالذي لم يعمل لذلك يود لأن من مصلحته ذلك - أن تكون مسألة الساعة كذب؛ لأنه قد عمل أشياء يخاف أن يحاسب عليها، فجاء سبحانه بالآية لكي تردّ على المقولة وعلى الدافع للمقولة.

وكل مقولة لها دافع.      

لقد كان الدافع لمقولتهم هو إسرافهم على أنفسهم فلم يقدموا عملاً صالحاً فمن مصلحتهم الآمالية ألا تأتي الساعة، كي لا يعاقبوا، وسبحانه يعلم أزلاً ما فعلوا وردّ على المقولة وردّ على الدافع الذهني للمقولة، فأوضح سبحانه: أنا عالم كل أمر ولن يغيب عني عمل من أعمالكم.      

وقول الحق في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: {وَإِن تَكُ حَسَنَةً} [النساء: 40] يعني: وإن يكن الوزن لحسنة يضاعفها الله، وعندما يحدثنا سبحانه عن الحسنة وأنها تُضاعف ثم لا يتكلم عن السيئة فها يدل على أن السيئة بمثلها، والحق قد تكلم عن المضاعفة للحسنة في كثير من الآيات: {وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ} [البقرة: 261].

وفي آية أخرى يقول الحق: {مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ} [البقرة: 261].

وبعد ذلك يقول: {وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ} [البقرة: 261].

ففيه فرق بين نظام حساب الحسنات ونظام حساب السيئات، فالحسنة تضاعف لعشر أمثالها لسبعمائة ضعف، هذا هو نظام الحساب، وإرادة خالق هذا النظام تعطي كما تريد، إذا كنا نحن -كبشر- عندما نوظف واحداً نقول: أنت تدخل السلم الوظيفي، وتبدأ السلم الوظيفي من أول درجاته ثم تترقى درجة بعد درجة، ثم يأتي رئيس الدولة ليعينك في درجة أعلى من ذلك بكثير، فما بالنا بحساب الرب الأعلى؟

إنه يعطي بعملية حسابية فيها زيادة فضل؛ ولذلك قال بعد هذه الآية: {وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 40] أي إنه سبحانه يعطي من عنده ذلك الأجر العظيم، وهذا اسمه "محض الفضل" وكيف يسميه الله أجراً مع أنه زائد؟

لأن هذا الفضل جاء تابعاً للأجر، فإذا لم يعمل الإنسان هذا العمل فإنه لا يستحق أجراً، وبالتالي فلا ينال فضلاً وحين يضرب الله الأمثال للناس فذلك لتقريب المعاني؛ لأن الله قاله والله صادق فيما يقول، فيعطي الحق سبحانه وتعالى مُثلاً إيناسية في الكون، حتى لا تستبعد أن الحسنة تذهب لهذه الأضعاف المضاعفة.      

فيوضح لك: هذه الأرض أمامك هات حبة واحدة وضعها في الأرض تخرج لك سبع سنابل وكل سنبلة فيها مائة حبة فإذا كانت الأرض -وهي مخلوقة لله- أعطت سبعمائة ضعف، فكم يعطي مَنْ خلق الأرض؟

إنه يعطي بغير حساب.      

إذن فكلمة: {مِن لَّدُنْهُ} [النساء: 40] هذه تعطيك الباب الواسع الذي يتناسب مع الله.

فالأرض تعطيك على قدر جهدك، وعلى قدر العناصر الغذائية الموجودة فيها.

والذي عنده وبيده الخير وخلق كل الكون يوضح: إذا كان خلق من خلقي يعطي حتى الكافر، سبعمائة ضعف فالذي خلق هذا يعطي للمؤمن أجراً للحسنة بلا حدود؛ ولذلك فالإيناسات التمثيلية في الكون يتركها الله لتقرب للعقل المعنى البعيد الذي قد يقف فيه.

فالإنسان منا مادة: هي البدن وتحل فيه الروح.

وعندما تسحب الروح من البدن، ماذا يصير؟

يصير الجسد رِمة، ويتحلل لعوامله الأولى وتنتهي منه مظاهر الحياة.

إذن فالروح هي السبب في الحركة، وفي أن كل جهاز يقوم بعمله، وفي النمو، وعندما تسحب الروح ينتهي الأمر، إن الروح هي التي تدير كل هذا الجسم، والروح لا لون لها، ولا أحد يراها، ولا يشمها كائن، فكيف ندركها إذن؟

نقول: إن الجوهر الذي يدخل في جسدك ويعطيه الحركة فيديره.

أنت لا تراه ولا تحسّه، وهو غيب بالنسبة لك، فإذا حُدّثت أن ربك غيب فلا تتعجب، فروحك التي بين جنبيك لا تعرف كُنهها، وعليك إذن أن تصدق عندما يقال لك: ربك ليس بمحدود بمكان وعندما يقول سبحانه: {لاَّ تُدْرِكُهُ ٱلأَبْصَارُ} [الأنعام: 103].

فكلنا نقول: نعم هذا كلام صحيح؛ لأنه إذا كان هناك مخلوق لله وهو الروح لم تدركه الأبصار، أفتريد أن يُدرَك مَنْ خَلَقَ؟

لا يمكن وهو سبحانه من عظمته أنه لا يُدرَك.      

وسبحانه يقول: {وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 40] ونقف عند كلمة "من لدنه".

ونعرف أن فيه فرقاً بين الإتيان بالناموس -وهو النظام الموضوع- والعطاء المباشر، وعندما يقول الحق: "من لدنه" فهذا يعني أن الوسائط تمتنع.

ونعلم قصة سيدنا موسى عندما ذهب ليقابل العبد الصالح قالتعالى في وصف العبد الصالح: {وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا} [الكهف: 65].

وهذا يعني أن العبد الصالح قد تعلم ليس بوساطة أحد، بل من الله مباشرة، بدليل أن الذي جاء ليتعلم منه وتعلم منه ثم وقف معه في أمور جاءت على خلاف ما تجري به النواميس والعادات فكلمة "من لدنا" تعني تجاوز الحجب، والوسائط، والأنظمة.      

والحق سبحانه يحترم أصل عملك ويسمى عطاءه لك "أجراً"؛ لأنه أعطى من لدنه بعدما أعطى له النصيب المقدر كأجر، وهذا الأجر موصوف بأنه عظيم؛ لأنه مناسب للمعطي.     

 ثم يقول الحق: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ...}.



سورة النساء الآيات من 036-040 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النساء الآيات من 036-040
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النساء الآيات من 016-020
» سورة النساء الآيات من 101-105
» سورة النساء الآيات من 021-025
» سورة النساء الآيات من 106-110
» سورة النساء الآيات من 026-030

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: النساء-
انتقل الى: