منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة النساء الآيات من 031-035

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: سورة النساء الآيات من 031-035   سورة النساء الآيات من 031-035 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 5:50 pm

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا [٣١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

هذه الآية هي إحدى ثماني آيات قال عنها ابن عباس -رضي الله عنه-: في هذه السورة -سورة النساء- ثماني آيات خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس أو غربت، وقلنا: إن هذه الآيات تبدأ بقوله سبحانه: {يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ} [النساء: 26]، {وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} [النساء: 27]، {يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنْكُمْ} [النساء: 28]، ثم جاءت: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31].

و "الاجتناب" ليس معناه عدم مزاولة الحدث أو الفعل، ولكن عدم الاقتراب من مظان الحدث أو الفعل حتى يسدّ المؤمن على نفسه مخايلة شهوة المعصية له وتصوره لها وترائيها له.  

هذه الآيات الكريمات كانت خيراً لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس أو غربت، لأنها تحمي من حمق الاختيار الذي وجد في الإنسان حين لا يلتزم بمنهج الله، ولو أن الإنسان كان مسيَّراً وَمُكْرَهاً على الفعل لارتاح من هذا الاختيار.

وتعب الإنسان جاء من ناحية أن اغترّ بميزته على سائر خلق الله، والميزة التي ميِّز الله بها الإنسان هي العَقل الذي يختار به بين البديلات.

بينما سائر الأجناس كلها رضيت من الله أن تكون مسخرة مقهورة على ما جعلها له بدون اختيار.

ونعرف أن الحق قال: {إِنَّا عَرَضْنَا ٱلأَمَانَةَ عَلَى ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَٱلْجِبَالِ فَأبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا ٱلإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب: 72].

فالإنسان قد ظلم نفسه، لأنه أرجح نفسه عند اختيار الشهوة أو اختيار مرادات منهج الله، بينما المقهورون أو المسخرون ليست عندهم هذه المسألة.

وكل كائن منهم يقوم بعمله آلياً وارتاح من حمق الاختيار - فهذه الآيات طمأنت الإنسان على أنه إن حمق اختياره في شيء فالله يريد أن يبصره، والله يريد أن يتوب عليه، والله يريد أن يخفف عنه.

والله يريد إن اجتنب الكبائر أن يرفع عنه السيئات ويكفرها.

كل هذه مطمئنات للنفس البشرية حتى لا تأخذها مسألة اليأس من حمق الاختيار، فيوضح: أنا خالقك وأعرف أنك ضعيف لأنَّ عندك مسلكين: كل مسلك يغريك، تكليف الله بما فيه من الخير لك وما تنتظره من ثواب الله في الآخرة يُغري، وشهوة النفس العاجلة تُغري.

وما دامت المسألة قد تخلخلت بين اختيار واختيار فالضعف ينشأ؛ لذلك يوضح سبحانه: أنا أحترم هذا فيك لأنه وليد الاختيار، وأنا الذي وهبت لك هذا الاختيار.

والحق حين وهب الاختيار لهذا الجنس الذي هو سيد الأجناس كلها، يُحبُّ أن يأتي لربه راغباً محبّاً: لأن هناك فارقاً بين أن يسخر المسخَّر ولا يستطيع أن ينفلت عما قدر له أن يعمله، وتلك تؤديها صفة القدرة لله، لكن لم تعط لله صفة المحبوبية؛ لأن المحبوبية أن تكون مختاراً أن تطيع ومختاراً أن تعصي ثم تطيع، هذه صفة المحبوبية، والله يريد من الإنسان أن يثبت بطاعته صفة المحبوبية له سبحانه، فالإنسان المحب لمولاه برغم أنه مختار أن يفعل الطاعة أولا يفعلها ينحاز بالإيمان إلى جانب الطاعة.

{إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] كأن الله بعد تكليفاته في أمور الأعراض والأموال وتكليفاته في الدماء من قتل النفس وغيرها، أوضح: إياكم أن تستقبلوا الأشياء استقبالاً يجعلكم تيأسون من أنكم قد تعجزون عن التكليف لبعض الأمور، فأنا سأرضى باجتناب الكبائر من المساوئ: فالصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما، والجمعة للجمعة كفارة، ومن رمضان لرمضان كفارة، لكن بشرط ألا يكون عندكم إصرار على الصغائر لماذا؟ 

لأنك إن قدرت ذلك فقدر أنك لا تقدر على استبقاء حياتك إلى أن تستغفر، فلا تقل: سأفعل الذنب ثم أستغفر، هذه لا تضمنها، وأيضاً تكون كالمستهزئ بربّه.

{إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] في السيئات يقول: {نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] وقلنا: إن "الكفر" هو "الستر" أي يسترها، ومعنى نسترها يعني لا نعاقب عليها، فالتكفير إماطة للعقاب، والإحباط إماطة للثواب.

فإن ارتكب إنسان أمراً يستحق عليه عقاباً وقد اجتنب الكبائر يكفر عنه الله أي يضع ويستر عنه العقاب، أَمّا مَنْ عمل حسنة ولم يقبلها الله، فهو يحبطها، إذن فالتكفير -كما قلنا- إماطة العقاب، و "الإحباط" إماطة للثواب كما في قوله:
{فَأُوْلـٰئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ} [البقرة: 217].

أي ليس لهم على تلك الأعمال ثواب؛ لأنهم فعلوها وليس في بالهم الذي يعطي الثواب وهو الله.

بل كان في بالهم الخلق، ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فعلت ليقال وقد قيل).

أنت فعلت ليقال وقد قيل، وقالوا عنك إنك محسن كبير، قالوا: إنك بنيت المسجد، وقرأوا اللافتة التي وضعتها على المسجد وسط احتفال كبير.

ويقول الحق: {وَقَدِمْنَآ إِلَىٰ مَا عَمِلُواْ مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَآءً مَّنثُوراً} [الفرقان: 23].

أنت فعلت ليقال وقد قيل؛ ولذلك فالذين عملوا مثل هذه ووضعوا لافتات من رخام عليهم أن يفطنوا لهذا الأمر، وإن كان الواحد منهم حريصاً على أنه يأخذ الثواب من يد الله فليرفع هذه اللافتة ويسترها وتنتهي المسألة، فالله سبحانه وتعالى يحب ممن يتصدق أن يكون كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في شأن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله منهم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه".

فأنت حين تتصدق لماذا تفضح من يتقبل الصدقة.

والحق يقول: {إِن تَجْتَنِبُواْ} [النساء: 31]، و "الاجتناب" هو إعطاء الشيء جانباً، ولذلك يقولون: فلان ازورّ جانبه عني، أي أنه عندما قابلني أعطاني جانبه، والمراد في قوله: {إِن تَجْتَنِبُواْ} [النساء: 31] هو التباعد، والحق ساعة يطلب منك ألا تصنع الحدث ويطلب منك بأسلوب آخر أن تجتنبه، فهذا يدل على أن الاجتناب أبلغ، لأن الاجتناب معناه ألا تكون مع المنهي عنه في مكان واحدٍ فعندما يقول الحق: {فَٱجْتَنِبُواْ ٱلرِّجْسَ مِنَ ٱلأَوْثَانِ} [الحج: 30].  

وعندما يقول: {وَٱجْتَنِبُواْ قَوْلَ ٱلزُّورِ} [الحج: 30].

فاجتنبوه أي: ابتعدوا عنه.

لماذا؟ 

لأن حمى الله محارمه.

وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحلال بَيِّن والحرام بَيِّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس فمن اتقى المشبهات فقد استبرأ لعرضه ودينه ومَنْ وقع في المشبهات وقع في الحرام كراع يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله تعالى في أرضه محارمه".

والحق يقول: {إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].

واجتنابه يكون بألا توجد معه في مكان واحد يخايلك ويشاغلك ويتمثل لك، فعندما تكون مثلاً في منطقة الذين يشربون الخمر يقول لك الحق: اجتنبها.

أي لا تذهب إليها؛ لأن الخمر عندما توجد أمامك وترى مَنْ يشربون وهم مستريحون مسرورون، فقد تشربها، لكن عندما تجتنب الخمر ومجالسها فأنت لا تقع في براثنها وإغرائها، ولذلك قلنا: إن الاجتناب أبلغ من التحريم، وهناك أناس يبررون الخمر لأنفسهم ويقولون: إن الخمر لم يرد فيها تحريم بالنص!!

نقول لكل واحد منهم: حسبك أن شرب الخمر قُرن بالرجس من الأوثان، فالحق يقول: {وَٱجْتَنِبُواْ ٱلْطَّاغُوتَ} [النحل: 36].

فاجتناب الطاغوت ليس معناه ألا تعبده، بل إياك أن تراه، إذن فاجتناب الخمر ليس بألا تشربها، بل إياك أن تكون في محضرها.

"والكبائر" جمع "كبيرة"، وما دام فيه "كبيرة" يكون هناك مقابل لها وهي "صغيرة" و "أصغر"، فالأقل من "الكبيرة"، ليس "صغيرة" فقد؛ لأن فيه "صغيرة"، وفيه "أصغر" من "الصغيرة" وهو "اللمم".

والحق يقول: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] و "السيئات" منوطة بالأمر الصغير وبالأصغر، لكن هذه المسألة وقف فيها العلماء، قالوا: معنى ذلك أننا سنغري الناس بفعل السيئات ما داموا قد اجتنبوا الكبائر فقد يفعلون الصغائر.

نقول: لا، فالإصرار على الصغيرة كبيرة من الكبائر؛ لذلك لا تجز الصغائر لنفسك؛ فالحق يُكَفِّر ما فلت منك فقط؛ ولذلك يقول الحق: {إِنَّمَا ٱلتَّوْبَةُ عَلَى ٱللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ} [النساء: 17].

يفعلون الأمر السيىء بدون ترتيب وتقدير سابق وهو سبحانه قال بعد ذلك: {وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ حَتَّىٰ إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ ٱلْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ ٱلآنَ} [النساء: 18].

إذن فمعنى أنك تصرّ على صغيرة وتكررها إنّها بذلك تكون كبيرة، وإن لم نجتنب الكبائر ووقعنا فيها فماذا يكون؟.

يقول العلماء الذين جعلهم الله هبات لطف ورحمة على الخلق: لا كبيرة مع الاستغفار، ولا صغيرة مع الإصرار.

فإن أخذت هذه فخذ تلك، خذ الاثنتين، فلا كبيرة مع الاستغفار، ومقابلها لا صغيرة مع الإصرار.

وحينما أراد العلماء أن يعرفوا الكبيرة قالوا: الكبيرة هي ما جاء فيها وعيد من الله بعذاب الآخرة، أو جاء فيها عقوبة كالحد مثلاً فهذه كبيرة، والتي لم يأت فيها حد فقد دخلت في عداد السيئة المغفورة باجتناب الكبيرة أو الصغيرة أو الأصغر.

وأن سيدنا عمرو بن عبيد عالم من علماء البصرة وزاهد من زهادها، وهو الذي قال فيه أحد الخلفاء: كلهم طالب صيد غير عمرو بن عبيد، أي أن كل العلماء يذهبون إلى هناك ليأخذوا هبات وهدايا إلا عمرو بن عبيد، إذن فقد شهد له، هذا العالم عندما أراد أن يعرف مدلول الكبيرة، وأصر ألا يعرف مدلولها بكلام علماء، بل قال: أريد أن أعرفها من نص القرآن، الذي يقول لي على الكبيرة يأتيني بنص من القرآن.

ودخل ابن عبيد البصري على سيدنا أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق، ونعرف سيدنا جعفر الصادق وهو أولى الناس بأن يُسأل؛ لأنه عالم أهل البيت، ولأنه قد بحث في كنوز القرآن وأخرج منها الأسرار وعاش في رحاب الفيض، فقال ابن عبيد: هذا هو مَنْ أسأله، فلما سلّم وجلس قرأ قول الله سبحانه: {ٱلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ ٱلإِثْمِ وَٱلْفَوَاحِشَ إِلاَّ ٱللَّمَمَ} [النجم: 32].

ثم سكت!!

فقال له سيدنا أبو عبد الله جعفر الصادق: ما أسكتك يا بن عبيد؟ 

قال: أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله.

وانظروا إلى الثقة بمعرفة كنوز القرآن، ساعة قال له: "أحب أن أعرف الكبائر من كتاب الله" قال أبو عبد الله: نعم، أي على خبير بها سقطت، أي جئت لمَنْ يعرفها، ثم قال: "الشرك بالله، قال تعالى: {إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ} [النساء: 48].

وقال تعالى: {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِٱللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ ٱللَّهُ عَلَيهِ ٱلْجَنَّةَ} [المائدة: 72].

وأضاف: واليأس من رحمة الله فإن الحق قال: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ} [يوسف: 87].

وهكذا جاء سيدنا أبو عبد الله جعفر الصادق بالحكم وجاء بدليله، وأضاف: ومَنْ أمن مكر الله؛ لأنه سبحانه قال: {فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْخَاسِرُونَ} [الأعراف: 99].

والكبيرة الرابعة: عقوق الوالدين؛ لأن الله وصف صاحبها بأنه جبار شقي قال تعالى: {وَبَرّاً بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيّاً} [مريم: 32].

وقتل النفس.

قال تعالى: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا} [النساء: 93].

وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات.

قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَرْمُونَ ٱلْمُحْصَنَاتِ ٱلْغَافِلاَتِ ٱلْمُؤْمِناتِ لُعِنُواْ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 23].

وأكل الربا.

قال تعالى: {ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ} [البقرة: 275].

والفرار يوم الزحف، أي إن هوجم المسلمون من أعدائهم وزحف المسلمون فرّ واحد من الزحف.

فقد قال تعالى في شأنه: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ} [الأنفال: 16].

وأكل مال اليتيم.

قال تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلْيَتَامَىٰ ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء: 10].

والزنَى.

قال تعالى: {وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً} [الفرقان: 68-69].

وكتمان الشهادة.

قال تعالى: {وَلاَ تَكْتُمُواْ ٱلشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283].

واليمين الغموس وهو أن يحلف إنسان على شيء فَعَله وهو لم يفعله أو أقسم أنه لم يفعله، وهو قد فعله، أي القسم الذي لا يتعلق بشيء مستقبل.

قال تعالى:{إِنَّ ٱلَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ ٱللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُوْلَـٰئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي ٱلآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ ٱللَّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77].

والغلول أي أن يخون في الغنيمة.

قال تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161].

وشرب الخمر؛ لأن الله قرنه بالوثنية.

قال تعالى: {إِنَّمَا ٱلْخَمْرُ وَٱلْمَيْسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ ٱلشَّيْطَانِ فَٱجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [المائدة: 90].

وترك الصلاة؛ لأن الله قال: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ ٱلْمُصَلِّينَ} [المدثر: 42-43].

ونقض العهد، وقطيعة الرحم وهو مما أمر الله به أن يوصل.

قال تعالى: {ٱلَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ ٱللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ ٱللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي ٱلأرْضِ أُولَـۤئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ} [البقرة: 27].

إذن فكل هذه، هي الكبائر بنص القرآن، وكل كبيرة معها حكمة، عرضها لنا سيدنا ابن عبيد لأنه خاطب عالماً، فإذا ما نظرنا إلى الاستنباط الذي جاء به سيدنا ابن سيدنا "جعفر الصادق" عندما سأله، ثم يجيبه بهذا الترتيب وبشجاعة مَنْ يقول لابن عبيد "نعم" أي إن جوابك عندي، ثم يذكرها رتيبة بدون تفكير، وهذا دليل على أنها مسألة قد اختمرت في ذهنه، وخصوصاً أنها ليست آيات رتيبة مسلسلة متتابعة! بل هي آيات يختارها من هنا ومن هناك، مما يدل على أنه يُعايش أسرار القرآن.

لقد نشأ هذا الرجل في بيت سيدنا جعفر الصادق وهو الذي وضع للمؤمن منهجاً بحيث لا يصيبه شيء في نفسه إلا وجد له علاجاً ودواء في كتاب الله، إنه وجد أن الزوايا التي تعكِّر على الإنسان أَنّه يخاف من شيء، والذي يخاف من شيء يكون هذا الشيء -غالبا- محدوداً معروفاً.

أنا أخاف من الشيء الفلاني، ولكنَّ واحداً يصيبه غمّ وهمّ لا يدري سببه، فيقول لك: أنا مغتمّ دون أعرف السبب.

إذن ففيه انقباض لا يعرف سببه، وهناك مثلاً إنسان يكيد له أناس كثيرون ويمكرون ويأتمرون به، وهناك ثالث يحب الدنيا ويريد أن تكون الدنيا عنده، كل هذه هي مشاغل النفس البشرية: أن تخاف من شيء، أن تغمّ من شيء، أن تشفق من مكر بك وكيد لك، أن تتطلب أمراً من أمور الدنيا، وسيدنا جعفر هو الذي قال: عجبت لمَنْ خاف ولم يفزع إلى قول الله سبحانه: {حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ} [آل عمران: 173].

انظر لاستنباط الدليل، الذي يقوله سيدنا جعفر: فإني سمعت الله بعقبها يقول: {فَٱنْقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوۤءٌ} [آل عمران: 174].

انظر دقة الأداء، يقول: سمعت الله، ولم يقل: قرأت، كأن الإنسان ساعة يقرأ قرآناً لابد أن يتأكد أن الله هو الذي يتكلم.

وجلال القديم يغطي على جدية الحادث، فالذي يقرأ أمامك حادث، لكنه يقرأ كلام الله، إذن فجلال القديم يغطي على جدية الحادث.

ويضيف سيدنا جعفر: وعجبت لمَنْ اغتم ولم يفزع إلى قول الله سبحانه: {لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ ٱلظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87].

ثم يقول: فإني سمعت الله يعقبها يقول: {فَٱسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ ٱلْغَمِّ وَكَذٰلِكَ نُنجِـي ٱلْمُؤْمِنِينَ} [الأنبياء: 88].

ويضيف سيدنا جعفر: وعجبت لمَنْ مُكِرَ به ولم يفزع إلى قول الله سبحانه: {وَأُفَوِّضُ أَمْرِيۤ إِلَى ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِيرٌ بِٱلْعِبَادِ} [غافر: 44].

فإني سمعت الله بعقبها يقول: {فَوقَاهُ ٱللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَـرُواْ} [غافر: 45].

وعجبت لمَنْ طلب الدنيا كيف لا يفزع إلى قول الله سبحانه: {مَا شَآءَ ٱللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِٱللَّهِ} [الكهف: 39].

فإني سمعت الله بعقبها يقول: {إِن تَرَنِ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً * فعسَىٰ رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِّن جَنَّتِكَ} [الكهف: 39-40].

هذه هي الاستنباطات الإيمانية، والاستنباطات هنا والاستنباطات هناك، وإذا ما نظرت إلى الاستنباطات التي قالها سيدنا جعفر تجدها تغطي زوايا النفس الاجترائية؛ لأن التكليف حينما يأتي يحدّ حركة الإنسان عن الشهوات، فالآيات جاءت لتحدّ من الاجتراء، وتجدها تأخذ بالقمة من أول الاجتراء على الوحدانية في الألوهية إلى قطيعة الرحم، وقد غطت الآيات كل جوانب الاجتراءات في النفس البشرية، أول اجتراء: هو الشرك؛ لأنه قال: {إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13] والظلم الذي نعرفه: أنك تحكم بشيء للغير وليس من حقه، فبالله عندما تحكم أن ربنا له شريك، أليس هذا أعظم الظلم، وهو ظلم لنفسك، فإياك أن تظن أنك تظلم الله؛ لأن ربنا أغنى الشركاء عن الشرك؛ ولذلك يقول في الحديث القدسي: "أنا أغنى الشركاء عن الشرك مَنْ عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه".

إن هذا ظلم لنفسك؛ لأنك حين تعتقد أنْ لله شركاء فقد أتعبت نفسك تعب الأغبياء.

واقرأ قول الله: {ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً} [الزمر: 29].

فعبد مملوك لعشرة أسياد، وياليت العشرة الأسياد متفقون، بل هذا يقول له: اذهب، وهذا يقول له: تعال، إذن فقد أتعب نفسه وأرهقها.

إذن فقد ظلمها.

قال تعالى: {وَلَـٰكِنَّ ٱلنَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [يونس: 44].

إن الإيمان بإله واحد يجعلك غير خاضع إلا لوجهة واحدة، ولا أوامر من جهة أخرى أبداً، إذن فقد أرحت نفسك، وهذه قضية يثبتها الواقع؛ لأن الله قد أنزل في قرآنه المحفوظ المتلو المقروء: {لاۤ إِلَـٰهَ إِلاۤ أَنَا} [طه: 14].

فالمؤمن يقول: هذه كلمة صدق، والكافر يقول -والعياذ بالله-: هذه الكلمة غير صدق، والمسألة على أي تقدير منتهية، واحد جاء وأخذ الكون وقال: لا يوجد إله إلا أنا، والذي أخذ منه الكون إله ولكن أَعَلِمَ أن الكون أخذ منه أم لم يعلم بذلك؟ 

إن لم يكن قد دري تكون مصيبة في هذا الإله، وإن كان قد درى فما الذي أسكته؟ 

فالمسألة -إذن- محلولة، هذه مسألة الشرك.

إن الإيمان بوحدانية إله جاءت لتريح النفس البشرية من كثرة تلفتاتها إلى آلهة متعددين، إنّه هو الحق، وهو الذي ينفع ويضر، إنكم حين تكونون لإله واحد كمثل العبد يكون لمالك واحد، أما عندما تعبدون آلهة متعددين تكونون كمثل العبد الذي له شركاء وياليتهم متفقون؛ بل هم مختلفون.

بعد ذلك يأتي في المرحلة الثانية وهي: اليأس من رَوْح الله، و "الرَّوْح" من "الرائحة" وهي النسيم، فساعة تكون في ضيق والجو حار تلتفت لتجد واحة فتأوي إلى ظلها وهوائها وتلجأ إلى حضنها، هذه الراحة يعطيها الله لمَنْ لا ييأس من روْح الله فتعطيه صلابة إيمانية لاستقبال أحداث الحياة؛ لأن الحياة أغيار، وأحداثها متعددة، وللعالم وللكون الظاهر سنن في الأسباب والمسببات.

هَبْ أن أسبابك ضاقت بشيء ولم يعد عندك أسباب له أبداً، فالذي لا يؤمن بإله قوي يخرق الأسباب، ماذا يفعل؟ 

ينتحر كما قلنا.

 إذن فاليأس من روْح الله هو من جعل قوة الله العليا التي خلقت النواميس متساوية مع النواميس بحيث إذا ضاقت وعزت أسبابها البشرية في شيء يئس منها، أما المؤمن فنقول له: أنت لا تيأس؛ لأنك مؤمن بإله قادر فوق النواميس؛ فالذي ييأس من روْح الله كأنه يعطل طلاقة القدرة الإلهية على النواميس الكونية، إنّ الله، هو خالق هذه النواميس.

فعندما ييأس إنسان من روح الله، يكون قد سوّى الله -بطلاقة قدرته- بالنواميس، إنّ الذي تأباه النواميس فسبحانه قادر أن ييسره.

وبعد ذلك جاء بـ "عقوق الوالدين" وهما الخلية الأولى التي يواجهها الإنسان، وهما السبب المباشر في إيجادك؛ لأنك حين تعق وتعصي مَنْ كان سبباً مباشراً لوجودك تكون قد عققت وعصيت مَنْ كان سبباً مباشراً لوجودك، وهو الله الذي لم تره، إذن فاحترامهما والبّر بهما ليس -فقط- لأنهما سبب في وجودك وإنما - أيضاً - لأنهما ربياك صغيراً فعليك بالبر بهما، وهذا يحثك ويدفعك إلى أن تحفظ الجميل لمَنْ كان سبباً في إيجادك، وتربيتك، وعندما ترقيها وتتساءل: مَنْ أوجد أباك؟ 

جدّك؟ 

ومَنْ أوجد جدّك؟ 

تصل إلى أين؟ 

لا يمكن أن تكون لها نهاية إلا أن تتصل بمَنْ لا نهاية له، وهو أن الله قد خلق آدم.

 ثم قال: قتل النفس، والقتل هو نقض بنية الكائن، وهو يختلف عن الموت، فالموت أن يموت الإنسان وبنيته سليمة، لكن إن تلقى ضربة على رأسه فهو يموت منها، هذا هو نقض البنية سواء أكان الضرب بحجر أم برصاصة أم بأي شيء.

ولنقرأ القرآن بإمعان، إنَّ الحق يقول: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ} [آل عمران: 144].

فالموت هو سلب الحياة بدون نقض بنية، وهذا لا يجريه إلا الله، إنما القتل بهدم البنية، فأي إنسان يستطيع أن يفعله، فتخرج الروح بإذن الله، وليس معنى ذلك أن أحداً عجّل بأجل القتيل، لا، ولكنه تدخل في بنيان أقامه الله فهدمه، ولو لم يتدخل أحد في بنيان الله ليهدمه لكان أجله قد جاء.

إذن فالقاتل يُعاقب لأنه تدخل في هدم البنية وهو يعرف أن هذه الروح لا تحل إلا في بنيان له مواصفات خاصة تقتضي أن يكون المخ سليماً، وكذلك القلب، وبقية أجزاء الجسم.

لكن حين يجيء الأجل يموت الإنسان ولو لم ينقض أحد البنية.

وضربنا مثلاً لنقرِّب هذا الأمر -ولله المثل الأعلى-: إنّ هذه الروح نشبهها بالكهرباء، فأنت لا تعرف الروح ولم ترها ولم تسمعها ولم تشمّها ولم تذقها، إذن فبأي وسيلة من وسائل الإدراك أنت لا تعرفها.

لكنك تعرف أنها تدير حياة جسمك كله، بدليل أن الروح عندما تُسحب من الجسم يصير رِمّة. 

وقد جعلها الله كدليل ذاتي في النفس البشرية على وجود إله لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، تقول: لا نرى الله.

نقول لك: نعم، فهو سبحانه يقول: {وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ} [الذاريات: 21].

إن الحق لا يطالبك بأن تبصر ما في الكون فقط من آيات، بل إن الأدلة لا تتعداك أنت أولاً، فروحك التي تدير جسمك أين هي؟ 

ما شكلها؟ 

ما لونها؟ 

ما رائحتها؟ 

أتعرف؟ 

لا، ولكنها موجودة فيك وأنت لا تراها، فكيف تطلب أن ترى إلهاً وقد خلق شيئاً لم تقو على أن تراه؟ 

أمخلوق لا تقدر أن تراه، وبعد ذلك تريد أن ترى خالقه.

إذن فمن عظمته أنه لا يُدْرَك، ويقول الحق سبحانه وتعالى عن لحظة تنزل الروح في الجسم: {فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ} [ص: 72].

لأنه سيكون إنساناً سوياً، فإن شبهنا تلك الروح بالكهرباء -ولله المثل الأعلى- هل تعرف ما هي هل رأيتها؟.

لم ترها، هل أحد عرفها؟ 

الذين اكتشفوها، أعرفوا ما هي؟ 

لم يعرفوا، إنما نعرفها بآثارها، فساعة نرى المصباح منيراً نقول: جاءت الكهرباء، وساعة تدور المروحة تقول: الكهرباء جاءت.

إذن فأنت تعرفها بآثارها، كذلك تعرف الشخص أنه مات عندما لا تجد له حركة.

وعندما تخف الحركة وتَخْفُت يقولون: خذ الحركة من شيء إن وقف يكون الموت، وليس من اليد، لأن اليد قد لا تتحرك لإصابتها بالشلل، بينما الإنسان ما زال حياً؛ ولذلك هات المرآة وضعها أمام مخرج النفس، فإن وجدت بخاراً على المرآة فهذا يعني أن هذا الإنسان ما زال حياً، وفيه روح، وكذلك عندما ينكسر المصباح الكهربائي فالكهرباء لا تعمل عملها؛ لأن الكهرباء لا تظهر إلا في قالب من هذا النوع، زجاجة مفرغة الهواء مصنوعة بشكل خاص إن انكسرت أو تلفت يذهب النور.

إذن فعندما نهدم الجسم لا تجد الروح الوعاء الذي تظهر فيه، فكذلك المصباح الكهربائي إن انكسر تكون الكهرباء موجودة في الأسلاك إنما لا يوجد نور، وعندما تأتي بمصباح جديد يأتي النور، كذلك الروح لا تظهر إلا في الجسد الذي له مواصفات خاصة، هذا وإن القتل هو دليل عجز القاتل، لأن القاتل حين يقتل خصمه فهذه شهادة منه أنه أعجز من خصمه، صحيح أنه قد قدر عليه وضربه وأماته وهذا مظهر قدرة بشرية حمقاء.

لكن في الواقع أن هذا عجز.

إن معنى القتل ونقض الحياة أن القاتل يعلن أمام الملأ أنه لا يستطيع أن يواجه حركة حياة خصمه، ولا يرتاح إلا إذا مات هذا الإنسان، إذن فقد شهد القاتل حين يقتل بعجزه.

فلو علم القاتل أن قتله لنفس أخرى ليس دليل قدرة وقوة له ولكنها شهادة عجز، وأنه لا يمكن أن يواجه حياة هذا الحي إلا بأن يميته لما قتله، والحق يحمي النفس البشرية من القتل حتى لا يكون أي إنسان مهدداً، وحتى لا تتعطل الخلافة التي أرادها الله في الكون.



سورة النساء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 031-035   سورة النساء الآيات من 031-035 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 5:51 pm

ثم تأتي كبيرة أخرى وهي: قذف المحصنات الحرائر، ونعرف أن ركناً من أركان المجتمع السليم أن تظل الحرائر مصونات كي لا يعاني النشء والنسل الذي ينسل منهم من ظن الريبة والعار، وحين لا تظن النفس البشرية بريبة فهي تواجه الحياة بمنتهى طلاقتها وبمنتهى قدرتها؛ لذلك فالذي يحب أن تشيع الفاحشة ويقذف المحصنات والحرائر بغير ما اكتسبن فهو يحدث زلزلة في المجتمع، زلزلة في نسب أفراد المجتمع، ويضار بها مَنْ ليس له ذنب، ويضار بها الأولاد الصغار، وما ذنبهم وقد قال تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ} [فاطر: 18].

وبعد ذلك قال: أكل الربا؛ لأن الربا يصنع خللاً اقتصادياً فهو يحمل غير الواجد أن يزيد ثروة الواجد.

والزنَى كبيرة من الكبائر والحق يقول: {وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَآءَ سَبِيلاً} [الإسراء: 32].

فالزنَى يجعل العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة استمتاع فقط، والعلاقة الأولى التي أرادها الله حينما أوجد حواء لآدم هي أن تكون المرأة سكناً وليست أداة استمتاع فقط، والاستمتاع إنما جاء لحفظ النوع وأطلقه في النفس البشرية؛ لأن آثار هذا الاستمتاع تبعتها طويلة من تربية للأطفال الذين تطول طفولتهم ويحتاجون لرعاية، ولو لم يربطها بهذا الاستمتاع لكان كثير من الناس يزهد في الأولاد.

وكذلك الفرار يوم الزحف كبيرة من الكبائر، لأن الفرار يصنع خللاً في المجتمع الإيماني؛ لأن معنى الزحف أن أعداء الإسلام أغاروا علينا، وما داموا قد أغاروا علينا فكل مسلم يقف على ثغرة من ثغور الإسلام، حتى لا يمكِّن أعداء الإسلام من ديار الإسلام، ولتظل كلمة الله هي العليا، ففرار المسلم يعطي أسوة على ضعف الإيمان في النفس، ولذلك لا تغتروا بأن هذا صار مؤمناً وذاك صار مؤمناً، فلو كان مؤمناً حقاً ووثق بالغاية فهو لا يهاب القتال؛ لأنه إن قتل صار شهيداً ومبشراً من الله بكذا وكذا؛ لذلك فالفرار في يوم الزحف يعطي أسوة سيئة ليس في الحرب فقط، بل سيعطي شيوع خلخلة إيمانية في النفس البشرية، والحق سبحانه وتعالى أوضح أن المؤمن عندما يدخل الحرب يرغب في أحد أمرين كلاهما حسن: النصر أو الشهادة، فقال سبحانه: {قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ} [التوبة: 52].

والمؤمن يتربص بالكافر ليحقق ما قاله الله: {وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا} [التوبة: 52].

فإذا كان الحق سبحانه وتعالى يريد من المؤمن أن يثبت يقين إيمانه بأن يفقد الحياة التي هي سبب التمسك بمظاهر الحياة لأنه ذاهب لحياة أحسن، ولكن الحق سبحانه وتعالى لا يحب للمؤمنين أن يقدموا على عمليات انتحارية إلا حين تكون هناك مظنة للنصر بدليل قوله الحق: {وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ} [الأنفال: 16].

فالإنسان لا يدخل في معركة وهو غير مستعد لها، أو ليس لديه مظنة النصر، إنه إن فعل ذلك فإنما ينقص المسلمين واحداً، فماذا أفادنا؟ 

إن على المؤمن أن يقبل على الاستشهاد بثمن يخصه وهو الجنة، وبثمن يُبقي للجماعة الأمان أو النصر.

وبعد ذلك قال: واليمين الغموس.

واليمين الغموس تمثل قضية من قضايا خلل المجتمع؛ لأن اليمين الغموس هي السبب الذي يغمس صاحبه في النار؛ لأنه حلف على شيء أنه كان وهو لم يكن، أو على شيء لم يكن وهو قد كان، وبهذا يتسلل الكذب إلى الصدق، ولا يعرف القاضي التمييز حين يفصل في الحقوق، هناك إنسان يكذب ويشهد ويحلف اليمين أن هذا حدث ويؤدي ذلك إلى ضرر بالغير، فمَنْ يريد أن يظلم لن يعدم شاهدين على باب المحكمة يحلفان له، عندئذ يصبح الإنسان غير مطمئن إلى حركة حياته ولا إلى مصالحه.

وتأتي كبيرة أخرى وهي الغلول.

وتعني أن المسلمين حين يلتحمون بأعدائهم ويأخذون منهم الغنائم وهي ما نسميها "السَلَب"، وهي أسلحة الأعداء وما عندهم من أشياء، فبالله مَنْ يدخل معركة بهذا الشكل ويجد غنيمة ويأخذها، أيكون قد نقض عملية الحرب في سبيل الله أم لا؟ 

إنه ينقض عملية الحرب في سبيل الله، إن الحرب في سبيل الله شرعت لتكون كلمة الله هي العليا، ولذلك يقول الحق: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ} [آل عمران: 161].

لقد قلنا: إن كان قد غلّ بقرة، فسيحملها يوم القيامة، وسيكون لها خوار.

وإن غل في أسمنت فسيأتي حامله يوم القيامة، ومن غلّ في حديد أو استورد لحوماً فاسدة أو سمكاً نتناً فإنه سيأتي وهو يحمله يوم القيامة.

ثم تأتي كبيرة وهي شهادة الزور.

فشهادة الزور أيضاً ركن من أركان فساد المجتمعات كلها؛ لأنها لا تجعل المؤمن مطمئناً على حقه.

 أما السحر فهو كبيرة تهدد المجتمع بما يفزع كيانه؛ لأنه ينتهي إلى قوة خفية، إذ ليس أمام الذي يتعرض للإصابة به عدو مباشر يواجهه، حتى يرتب لنفسه الحماية منه.

ولذلك يقول الحق سبحانه: {وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ ٱشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي ٱلآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ} [البقرة: 102].

أي ليس له نصيب في الآخرة، وربما يقول قائل: إذا كانت هذه مضرة السحر في هدم كيان المجتمع وتفزيعه، فلماذا وجد؟ 

نقول له: إن الكائنات مخلوقة لله، وكل كائن له قانون، وقد يكون قانون كائن أخف وأسرع من قانون آخر، فأفراد الجنس الواحد محكومون بقانون واحد.

وحين يوجد لأفراد الجنس الواحد قانون يحكم حركته يكون قد وجد في ذلك الجنس تكافؤ الفرص، بمعنى أن لك فرصة هي لغيرك.

أما أن توجد لك فرصة ولا توجد لغيرك، فهذا يمثل خللاً في تكافؤ الفرص في الجنس الواحد.  

إن تكافؤ الفرص هو الأمر الذي يحمي المجتمع، بأن تكون فرصك أنت وفرصي أنا متساوية، فيكون صاحب الحركة في مادة الكون هو الذي يتغلب، وبذلك لا آخذ أنا فرصة غير موجودة عندك.

فتكافؤ الفرص هو الذي يرحم البشرية.

وإذا كانت قوة الشرق تتمثل في الشيوعية في روسيا قد سقطت وبقيت قوة في الغرب تتمثل في أمريكا، فهناك قوي جديدة تحاول أن تعدل الميزان، اليابان، ألمانيا الموحدة، وأوروبا التي تبحث عن الوحدة، وكل ذلك من أجل أن تتوازن القوى في الفرص المادية الموجودة.

وهذا هو ما يحمي الكون من الدمار؛ لأن أي واحد يفكر في أي شر جارف يخاف من رد الفعل، ويخاف أن يردوا عليه بشر أشد، ولو تيقنوا أن واحدة أقوى من الأخرى لجاء الخراب، إذن فحماية الجنس البشري إنما تنشأ من تكافؤ الفرص بين أفراده، ولكن الإنسان جنس، والجن جنس آخر، والإنس والجن مكلفان من الله، فعنصر الاختيار موجود فيهما، ولذلك حكى القرآن: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ ٱسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَقَالُوۤاْ إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِيۤ إِلَى ٱلرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشرِكَ بِرَبِّنَآ أَحَداً} [الجن: 1-2].

وعندما قسموا قال القرآن: {وَأَنَّا مِنَّا ٱلصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَآئِقَ قِدَداً} [الجن: 11].

إذن فهم مثلنا.

لكنهم لهم قانون ولنا قانون: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27].

إذن فقانون الجن أنه يرى الإنسان، والإنسان لا يراه، وقانونه أخف من قانون الإنسان؛ لأن كل جنس يستمد قانونه من جرثومة تكوينه الأولى، فنحن البشر مخلوقون من طين.

أي أن لنا مادية محسة وكثيفة.

والجن مخلوق من النار، والمخلوق من مادة الطين مثلنا، النبات والحيوان، تفاحة مثلاً مخلوقة من مادة الطين لأنها أخذت عناصر غذائها وتكوينها من تربة الأرض وخصوبتها.

هب أنها خلف جدار وأنت جالس.

أيتعدّى طعمها لك؟ 

أتتعدّى رائحتها لك؟ 

أيتعدّى لونها لك؟ 

لا، إذن فالجرمية المحيزة لا تجعلك تنتفع به.

لكن هب أن ناراً موضوعة وراء الجدار، وبعد مضي مدة ستشعر بالحرارة، أي أن الحرارة قد نفذت.

والجن له شفافية وله خفة في قانونه وفي انتقاله ولا توجد مثل هذه الشفافية والخفة للإنسان، ولذلك لاحظوا أن الحق سبحانه وتعالى حينما أراد أن يبين لنا هذا، ضرب لنا المثل بسيدنا سليمان عليه وعلى نبينا السلام الذي سخر الله له الجن: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ} [سبأ: 13].

وحينما اجتمع في جنوده ومَنْ حوله من الناس قال: {مَالِيَ لاَ أَرَى ٱلْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ ٱلْغَآئِبِينَ} [النمل: 20].

وبعد ذلك جاءه الهدهد وقال له: {أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ * إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 22-23].

وهذا كله ليس بمهم، إنما المهم هو قول الهدهد: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ} [النمل: 24].

وهذا ما يهم سيدنا سليمان كرسول.

فسيدنا سليمان يتميَّز بأنه رسول وملك، فجاء بالملكية أولاً: {إِنِّي وَجَدتُّ ٱمْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ} [النمل: 23] هذه مقومات المُلك، أما المسألة التي تهم سيدنا سليمان: {وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ} [النمل: 24]، والسجود للشمس من دون الله ضايق الهدهد وهو الطائر، كأن الهدهد عارف لقضية التوحيد وقضية الإيمان بدليل أنه غضب، ثم يقول: {أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ} [النمل: 25].

إذن فهو يعرف مَنْ الذي يستحق السجود، ولاحظ أنه جاء بـ "الخَبْءَ" لأن طعامه دائماً من تحت الأرض، ينقر ويُخرج رزقه.

واستمرت القصة حتى قال سليمان لمن يجلس معه: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38].

وهذا يدل على أن سليمان عليه السلام كان على علم بأن بلقيس -ملكة سبأ- في الطريق إليه، ومعنى أن يقول: {أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 38] معناها أن الذي يتصدّى لهذا الأمر عليه أن يذهب من عند بيت المقدس إلى اليمن ويحلّ ويحمل العرش ويأتي به قبل أن تأتي بلقيس.

 بالله هل من قانون بشري يأتي به؟ 

وكيف ذلك؟.

ولذلك لم يتكلم إنسيُّ عادي، فالإنس العادي يعرف أن قانونه البشري لا يقدر على تلك المهمة، لأن سليمان قال: {قَبْلَ أَن يَأْتُونِي} [النمل: 38]، وما دام قال ذلك فقد علم أنهم في الطريق.   

فهل يذهب إنسان عادي ويحلّ العرش ويحمله ويأتي به قبل أن يأتوا؟ 

لا، ولذلك عرفنا من هذه قول الحق: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: 36].

وهنا يتصدّى أحد الأذكياء من الجن قائلاً: {قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن ٱلْجِنِّ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39].

ومَنْ يقول ذلك ليس بجن عادي، فالجن أيضاً فيهم عفاريت أذكياء وفيهم مَنْ هو عاجز قليل الذكاء، مثل الإنسان، ومَنْ قال ذلك أكد أنه قادر على أن يأتي بعرش بلقيس قبل أن يقوم سليمان من مقامه، فكم يمكث من الوقت؟ 

لا نعرف، تُرى هل يجلس سليمان مع القوم ساعتين أو ثلاث ساعات لا نعرف، إذن فتأخذ هذه العملية زمن مقامه، لكن ها هو ذلك الإنْسيّ الذي أعطاه الله فتحاً من الكتاب وعلماً يقول: {قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40].

الإنسيّ العادي لم يتكلم، والعفريت من الجن قال: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} [النمل: 39] أما الإنسيّ الذي أعطاه الله الفتح من الكتاب فقد قال: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40] ولذلك انظر إلى الأداء العاجل في القرآن أداء الحركة: {فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ} [النمل: 40].

فالمسألة حدثت على الفور.

والمهم لنا هنا أن نعرف أن الجن قال: {أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ} [النمل: 39]، ومنها نعرف أن له قانوناً في الحركة والسرعة، والإنسان الذي وهبه الله علماً بالكتاب له قدرة وحركة.

إذن فكل جنس من الأجناس له القانون المناسب له.

وقد يقف بعض الناس كما وقف كثير من سطحيي المفكرين قائلين: ما الجن والملائكة والعالم الخفيّ الذين تحدثوننا به؟ 

نقول: ألا تؤمن إلا بالمحُسّ بالنسبة لك؟ 

فما رأيك في الميكروبات التي ظهرت الآن بعدما اختُرع المجهر؟ 

لقد كانت موجودة، أكنت تعرفها؟ 

لقد كانت غيباً عنك، فلماذا لا تأخذ من أن شيئاً لم يكن موجوداً تحت حسّك وغير مُدرك بإدراكك، كان موجوداً وكنت لا تملك آلة إدراكه، لماذا لا تأخذ من ذلك دليلاً على وجود أجناس غير مُدركة، وعندما يحدثك القرآن عن هذه الأجناس غير المدركة تتساءل عنها؟ 

فما المشكلة في هذا؟ 

وبعد ذلك عندما يقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: "وإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ".

قد تتساءل: وهل الشيطان يجري مجرى الدم، أهو سائل أم ماذا؟ 

نقول: هو خلق لطيف خفيّ له قانونه الخاص، فربنا فضح الفكر الملحد وفضح التشكيك في الغيبيات التي يذكرها الله، واكتشفنا أن هناك مخلوقات هي الميكروبات، وهي من الجنس المادي من الطين، لكنها ضئيلة جداً، وماذا يفعل الميكروب؟ 

إنه ينفذ في الجسم ولا تدري أنت به وهو داخل في جسمك، وبعد ذلك ماذا يفعل في حرارتك؟  

وماذا يفعل في جسمك؟

فعندما يقول لك الرسول المبلغ عن الله: إن الشيطان سيجري منك مجرى الدم فما التناقض في هذا؟ 

إذا كان هناك شيء من مادتك ضئيل ولا تعرف كيف دخل، ولا تشعر به وهو داخل، ثم يقلب ميزانك في الحرارة ويمارس العبث بكل جسمك، فتهيج الكرات البيضاء لتقاومه وتخرج الصديد.

أي تناقض إذن؟ 

إن ربنا ترك من غيبيات كونه المادي ما يثبت صدقه في التحدُّث بغيبيات أخرى: {قَالَ ٱلَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ ٱلْكِتَابِ أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40]، لقد جاء الحق بواحد من الإنس حتى لا يظن الجن أنه أخذ خفة قانونه وشفافيته وسرعته من عنصر تكوينه بل إنه أخذها بإرادة المكون -سبحانه- إذن فالمسألة ليست عنصرية بل هي إرادة الله إنه -جلت قدرته- أوضح: أنا أستطيع أن أجعل من الجنس القوي بقانونه وهو الجن محكوماً لواحد من الإنس، ويجعله يعمل ما يريده.

ولم يطلقها الله كطاقة ممنوحة لكل البشر حتى لا تحدث فتنة عند مَنْ يعرفها؛ لأنها ستعطيه فرصة ليست موجودة عند غيره.

وقد يطغى بها وهذا هو السحر.

وأوضحنا ذلك عند قوله سبحانه: {وَٱتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ ٱلشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـٰكِنَّ ٱلشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ ٱلنَّاسَ ٱلسِّحْرَ وَمَآ أُنْزِلَ عَلَى ٱلْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ} [البقرة: 102].

فتنة، لماذا؟

لأنك تأخذ فرصة ليست موجودة لغيرك، وعندما توجد عندك فرصة ليست موجودة لغيرك فأنت لا تضمن نفسك أن تستعملها في الضار فقد تستعملها في ذلك؛ فستذهب بك إلى النار.

والحق يقول: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ ٱلْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ} [البقرة: 102].

إذن فالحق سبحانه وتعالى من طلاقة قدرته يعطي للجنس الضعيف وهو الإنسان شيئاً يستطيع به أن يسخّر الأقوى وهو الجن، والجن يعرف هذه الحكاية.

ولذلك فكل الذين يتمثل لهم الجن لا يَأتي ويَدوم بل يَأتي لمحة خاطفة؛ لأنه لا يستطيع أن يستقر على صورته التي يتمثل فيها، فلو تمثل بإنسان أو بحيوان مثلاً لحكمته الصورة، وإن حكمته الصورة، واستطاع مَنْ يراه أن يطلق عليه رصاصة من "مسدسه" لقتله! ولذلك فالجن يأتي لمحة مثل ومضة البرق ويختفي، إنها طلاقة قدرة الحق التي يمكن أن تعطي للجنس الأقل -الإنسان- قوة القدرة على أن يُسخِّر الجنس الأقوى -الجن-، لكن هذه ليست في مصلحة الإنسان، ولذلك فالمؤمن من الجنّ يقول: أنا أكتفي في جنسي بقانوني، فربما يجعلني عدم تكافؤ الفُرص طاغياً، لأن مَنْ يملكون هذه القُدرة يطغون في الناس.

والذي يقوم بعمل تكره به المرأة زوجَها ويكره به الزوج امرأته هو نفسه مَنْ يَحِلّ مثل هذ العمل، ومن مصلحته أن تستمر هذه الحكاية.

ولذلك لا أحد يتغلب على تلك المسألة إلا إذا استحضر قول الحق: {وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ ٱللَّهِ} [البقرة: 102] فالسحر وارد بنص القرآن، لكن يجب أن تعلم أن هذه ليست طبيعية في السحرة ولا ذاتية فيهم، وإذا أراد الله ألا يضار الإنسان بالسحر فلن ينفع السحر، وإن اتسعت المعرفة بهذا الأمر تكون فتنة للناس، والذي يتبع هؤلاء السحرة ويذهب لهم ليفكّوا له السحر، ويذهب لهم ليسحروا له الخصوم، وينفتن فيهم يعيش طوال عمره مُرهقاً مصداقاً لقوله الحق: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن: 6].  

صحيح أنهم يقدرون أن يسحروا، لكن ذلك السحر يزيد المتسبب فيه رهقاً وتعباً.

 وعلى المؤمن أن يحمي نفسه بهذا الدعاء: "اللهم قد أقدرت بعض خلقك على السحر، واحتفظت لذاتك بإذن الضر، فأعوذ مما أقدرت عليه بما احتفظت به".

عندئذ لن يخافهم ولن يجدوا سبيلاً لهم إليه، فهم يستغلون الضعيف فقط، والسحر يُوجد عدم تكافؤ فرص، ويفتن الناس في الناس، ويؤدي إلى إخلال توازن المجتمع.

وبعد ذلك تجيء كبيرة منع الزكاة، والحق سبحانه وتعالى حين يطلب منا أن نُزكي، إنما يلفتنا إلى أننا لم نأت بشيء من عندنا؛ فالعقل الذي يخطط للعمل مخلوق لله، والجوارح التي تعمل مخلوقة لله، والأرض التي تعمل فيها أو الصنعة التي نصنعها مخلوقة لله.

إذن فكل حاجة لله، لكنه أوضح لك: سأحترم عملك، وعليك أن تعطي أخاك الفقير بعضاً مما رزقتك به.

ويقول قائل: ما دام هو ربُّ الكلّ، فلماذا يترك واحداً فقيراً؟ 

نقول: لكي يُثبت الأغيار في الكون، ويعرف الغنيّ أن الفقر قد يلحقه، ويعرف القوي أن الضعف قد يلحقه، إذن فالمسألة جاءت لنظام الكون، فيحُنن الخالق قلب الواجد على المعدم ليعطيه، فيوم تمنع الزكاة يظهر أثر ذلك في الكون لأنها مسألة محسوبة بحساب دقيق، ولذلك فإذا رأيت واحداً جوعان بحق فاعرف أن واحداً ضيع زكاته فلم يؤدها، وإن رأيت عورة في المجتمع فاعرف أن فيه حداً مضيّعاً لله، لأن ربنا جعل المجتمع متساوياً والنقص هنا يكمّله من هناك، فإن رأيت نقصاً عاماً فاعرف أن فيه حقاً لله مضيعاً.

 وبعد ذلك حدثنا سيدنا جعفر الصادق عن كبيرة ترك الصلاة، ونعرف أن الصلاة هي إعلان دوام الولاء للإله الواحد، فأنت تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله مرّة واحدة في العمر، وتُزكيّ إن كنت واجداً وقادراً مرّة واحدة في السنة، وتحجُ مرّة واحدة في العمر، وتصوم شهراً واحداً في السنة، وإن كنت مريضاً لا تصوم وقد يسقط عنك هذا الركن إذا كان هناك مرض لا يرجى شفاؤه أو أصبح الشخص لا يقوى على الصوم لكبر سنه، وإذا كنت فقيراً لا تزكي، فقد سقطت الزكاة عنك أيضاً، وإن كنت غير مستطيع فلا تحج ويسقط عنك الحج.   

ها هي ذي ثلاثة أركان لك عذر إن لم تفعلها.

وبقي ركنان اثنان من أركان الإسلام: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، والصلاة، وشهادة أن لا إله إلا الله يكفي أن تقولها في العمر مرة، فماذا بقي من أركان الإسلام؟ 

بقيت الصلاة، ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "الصلاة عمود الدين".

إذن فترك الصلاة معناه: أنه تمرد على إعلان العبودية والولاء للحق.

وقد طلبها الله في اليوم خمس مرات، وحتّم الجماعة فيها في يوم الجمعة في الأسبوع.

 لماذا؟ 

حتى يرانا كل العبيد لله عبيداً لله.

فلا يعبد واحد ربنا سراً وبعد ذلك لا يرى أحد منا أحداً فكلنا نسجد لله ولا بد من إعلان الولاء لله، فيوم تُترك الصلاة ينعدم إعلان الولاء له -سبحانه-.

ومن العجيب أن الصلاة فرضها الله عليك بأنك تذهب له خمس مرات في اليوم، هذا بالأمر والتكليف، وإن لم تذهب تأثم إنه ما أغلق الباب اذهب له في أي وقت تجده في استقبالك في أي مكان تقف وتقول: الله أكبر تكون في حضرة ربنا، وقلنا سابقاً: إن مَنْ له السيادة في الدنيا حين تطلب لقاءه تقدم طلباً حتى تلقاه، ويحدد لك الميعاد، وبعد ذلك يسألك أحد رجاله: ستتكلم في ماذا، وقد يقف المسئول أو السيد في الدنيا وينهي المحادثة، لكن ربنا ليس كذلك، أنت تذهب له في أي وقت وفي أي زمان وتطيل كما تحب ولن ينهي المقابلة إلا إذا أنهيتها أنت.   

ولذلك يقولون:
حسبُ نفسي عزاً بأني عبد
يحتفي بي بلا مواعيــد ربّه
وفي قدسه الأعـــــــزُّ ولكن
أنا ألقَــى متــى وأيـــْن أُحِبّ

صحيح هو يأمرني أن ألقاه خمس مرات في اليوم، لكن الباب مفتوح للقائه في أي وقت، وأوضحنا سابقاً -ولله المثل الأعلى- هب أن صنعة تعرض على صانعها خمس مرات كل يوم - أيوجد فيها عطب؟ 

لا.

وأنت تُعرض على خالقك وصانعك كل يوم خمس مرات.

والصنعة العادية يُصلحها صانعها بسلك أو بمسمار أو بوصلة يضعها، أما أنت المخلوق لله وربّك غيب وهو يُصلح جهازك بما يراه مناسباً.

وبعد ذلك بقي من الكبائر نقض العهد وقطيعة الرحم، ونقض العهد لا يجعل إنساناً يثق في وعد إنسان آخر.

فينتشر التشكك في نفوس الجماعة الإيمانية بعضها من بعض، والوعد قد يحل مشاكل للناس المعْسرين، فعندما يقول قادر لغير قادر: أعدك بكذا.

ويعطيه ما وعده به، فإن وعده المدين بسداد الدين وأخلفه مرة فلن يصدقه بعد ذلك.

وإن وعده وصدق ثم وعده وصدق ثم وعده وصدق، يصبح صادقاً، وكل ما عند الناس يصبح عنده، ولذلك يقولون: مَنْ يأخذ ويعطي يكون المال ماله.

 وبعد ذلك تأتي كبيرة قطيعة الرحم: لأن الحق سبحانه وتعالى اشتق للرحم اسماً من اسمه فهو القائل في الحديث القدسي: "أنا الرحمن خلقت الرحِم وشققت لها اسماً من اسمي فمَنْ وصلها وصلته ومَنْ قطعها قطعته".

ونعلم جميعاً حكاية سيدنا معاوية عندما دخل عليه الحاجب وقال له: يا أمير المؤمنين هناك واحد بالباب يقول: إنه أخوك، فيقول معاوية للحاجب: أي إخوتي هو؟ 

ألا تعرف إخوتي؟ 

فقال الحاجب: إنه يقول: إنه أخوك.

فلما دخل الرجل، سأله معاوية: أأنت أخي؟ 

قال: نعم فقال معاوية: وأي إخوتي أنت؟.

فقال: أنا أخوك من آدم! فقال معاوية: رَحِمٌ مقطوعة، لأكونن أول مَنْ وصلها.

 تلك هي الكبائر التي ذكرها سيدنا جعفر الصادق وهي تمثل ما يمكن أن يكون نقضاً للمجتمع كله من أساسه، فكل كبيرة تنقض ناحية من نواحي المجتمع، وهذا يخالف الإيمان، لأن الإيمان هو منهج إن اتبعناه جميعاً عشنا في أمن.

والإسلام أيضاً منهج إن اتبعناه جميعاً عشنا في سلام، فيوم تأتي -أيها المسلم- كبيرة من هذه الكبائر فأنت تزلزل بها ركناً من الأركان، وحينئذ لا يكون هناك أمان ولا سلام، ولذلك يقول الحق سبحانه: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} [النساء: 31] وعندما ندقق في كلمة "تنهون عنه" نلتفت إلى أن أصل الفضائل: أن تسلب نقيصة وأن توجب كمالاً، فقبلما توجب الكمال بالأوامر اسلب النقائص بالنواهي؛ ولذلك يقولون: التخلية قبل التحلية.

{إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} [النساء: 31] و "نكفر" أي نستر، لأن الكفر هو الستر، وقلنا: إن التكفير للذنوب إماطة للعقاب، والإحباط إماطة للثواب،{وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء: 31] فلن نسقط عنكم العذاب فقط بل نعطيكم المدخل الكريم - يقول الحق: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ ٱلْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26].

وقد كان يكفي ألا تعاقب، لكنك حينما تتجنب الكبائر لا يسقط عنك العقاب فقط، بل يدخلك الله مدخلاً كريماً، والمدخل الكريم يتناسب مع من يدخلك في مدخله، فانظر، إلى المدخل الكريم من الله وما شكله؟ 

يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال الله تعالى: "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر واقرأوا إن شئتم: {فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّآ أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ}".

وبذلك تنتقل الصورة إلى شيء جديد، وهو: التوازن بين أفراد الجنس الإنساني، كل هذا الكلام كي يُحفظ الجنس الإنساني مع بعضه، وبعد ذلك يريد الله أن يقيم توازناً ومصالحة إيمانية بين نوعي الجنس الإنساني، والجنس الإنساني فيه ذكورة وفيه أنوثة.

ونعرف أن كل جنس من الأجناس لا ينقسم إلى نوعين إلا إذا كان فيه قدر مشترك يجمع النوعين من الجنس، وفيه شيء مفترق يجعل هذا نوعاً وهذا نوعاً ولو لم يكن فيه شيء مفترق لما كان نوعين، إذن فما دام الجنس الواحد نوعين فلابد أن يجمعهما في شيء مشترك، وما دام الجنس الواحد قد انقسم لنوعين فكل نوع له مهمة.

والذكورة والأنوثة هما نوعان لجنس البشر، فالذكر والأنثى يشتركان في مطلوبات الجنس، وبعد ذلك ينفردان في مطلوبات النوع، وبعد ذلك كل نوع ينقسم إلى أفراد.

والأفراد أيضاً ليسوا مكررين، بل فيه قدر مشترك يجمع كل الأفراد، وبعد ذلك كل واحد له موهبة وله ريادة وله شطارة في مجال كذا أو كذا، وبذلك يتكامل أفراد الجنس البشري.  

 وما دام الجنس البشري قد انقسم لنوعين، فيكون للرجال خصوصية وللنساء خصوصية.

وربنا سبحانه وتعالى لا يأتي حتى في البنية العامة ليجعل الجنسين مستويين في خصائص البنية، صحيح البنية واحدة: رأس وجذع وأرجل، إنما يأتي ويميز بنية كل نوع بشيء، الرجل له شكل مميز، والمرأة لها شكل مميز.

ولذلك فالذين يقولون: نساوي الرجل بالمرأة أو المرأة بالرجل نقول لهم: المرأة لها تكوين خاص، والرجل له تكوينه الخاص، فإذا ساويت المرأة بالرجل أعطيت لها مجالات الرجل، وبقيت مجالاتها التي لا يمكن للرجل أن يشاركها فيها، معطلة لا يقوم بها أحد.

إذن فأنت حملتها فوق ما تطيق وأنت مخطئ؛ لأنك تأتيها بمتاعب أخرى.

إن الحق سبحانه وتعالى ساعة يخلق جنساً، وساعة يقسم الجنس إلى نوعين، يوضح: تنبهوا أن كل نوع له مهمة وفيه شيء مشترك، المشترك بين الأنوثة والذكورة، ما هو؟ 

إن هذا إنسان وذلك إنسان، وإن هذا من ناحية الإيمان مُطالب منه أن يكون له عقيدة إيمانية ولا أحد يسيطر على الآخر في عقيدته الإيمانية، الأثنان متساويان فيها، ولا يفرضها واحد على الآخر، وضرب الله سبحانه وتعالى لنا مثلاً على تشخص الذكورة وتشخص الأنوثة في الأمر الأولي للإيمان، وإن اختلفت في الأمر الثانوي للأحكام، فيقول: {ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10].

وهذان رسولان، ومع ذلك لم يستطيعا إقناع زوجتيهما بالتوحيد إذن فكل إنسان له حرية العقيدة والتعقل، ولا أحد تابع لآخر في هذه المسألة أبداً.

ويقول الحق: {وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱمْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ ٱلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ} [التحريم: 11].

فرعون الذي ادعى الألوهية لم يقدر أن يرغم امرأته على أن تكفر والحق سبحانه وتعالى قال فيها: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ٱبْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي ٱلْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ} [التحريم: 11].   

إذن ففي مسألة العْقيدة الكل فيها سواء، الذكورة والأنوثة، فيها عقل وفيها تفكير.

ولعل المرأة تشير برأي قد يعزّ على كثير من الرجال.

ولنا المثل من زوج رسول الله (أم سلمة) وموقفها في صلح الحديبية فعندما يأتي الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليعقد المعاهدة، ويحزن أصحابه ومنهم عمر -رضي الله عنه- الذي قال: أنقبل الدنية في ديننا فيقول له سيدنا أبو بكر: الزم غرزك يا عمر إنه رسول الله.

فدخل رسول الله مغضباً، طبعاً من حمية عمر وحزن الصحابة، لأنها مسألة تعز على النفس البشرية، لكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذهب فيجد أم سلمة فيقول لها: هلك المسلمون "ألا ترين إلى الناس آمرْهم بالأمر فلا يفعلونه وهم يسمعون كلامي وينظرون وجهي؟ 

فقالت يا رسول الله: لا تلمهم فإنه قد داخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصْلح ورجوعهم بغير فتح يا نبي الله اخرج إليهم ولا تكلم أحداً كلمة حتى تنحر بُدْنَك وتدعو حالقك فيحلقك".

لقد وقّع رسول الله صلح الحديبية وانتهت المسألة، ولكن رحمة الله بالمؤمنين الذين وقفوا أمام رسول الله في هذه المسألة، ورحمة الله لهم بأم سلمة أوضح لهم الرسول: سأبين لكم: أنتم لو دخلتم مكة وفيها أناس مسلمون لا تعرفونهم إنهم يكتمون إيمانهم وإسلامهم، والبيت الكافر قد يكون فيه واحد مسلم، وقد تقتلون أناساً مسلمين لا تعرفونهم فتصيبكم معرة أي ما تكرهونه ويشق عليكم مصداقاً لقول الحق تعالى: {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِّيُدْخِلَ ٱللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [الفتح: 25].

لو تزيلوا أي لو تميز المؤمنون في منطقة لعاقبنا الكافرين عقاباً شديداً.

إذن لقد أوضح لهم العلة، فرضي الكل، ولنا أن نلتفت إلى أن المسألة جاءت من سيدتنا أم سلمة، وهذا دليل على أن الله لا يمنع أن يكون لامرأة عقل وتفكير ناضج، ولذلك نجد القرآن يؤكد ذلك في قصة بلقيس، لقد فكرت بلقيس في الرجل الآتي ليزلزل ملكها: يا ترى هل هو طالب ملك، فجاء على لسانها في القرآن الكريم.

{قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ إِنِّيۤ أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ * إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ * أَلاَّ تَعْلُواْ عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ * قَالَتْ يٰأَيُّهَا ٱلْمَلأُ أَفْتُونِي فِيۤ أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّىٰ تَشْهَدُونِ} [النمل: 29-32].

فماذا قال القادة؟ 

قالوا: لا، هذه ليست مسألتنا، وجاء القرآن بقولهم: {قَالُواْ نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ فَٱنظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ} [النمل: 33].

كان رجل الحرب يُؤتمر فقط، يحارب أو لا يحارب، لكن الذي يقدر هذا هم الساسة الذين ليس عندهم حمية وحركية القتال.

نقول لقائد الجند: أنت تنتظر الأمر، وتجعل الساسة الهادئين يفكرون في عواقب الأمور؛ لذلك قال قادة الجند لبلقيس: {نَحْنُ أُوْلُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَٱلأَمْرُ إِلَيْكِ}  [النمل: 33] لقد وضعوا الأمر في رقبتها وهي امرأة، ففكرت: سأجرب وأختبره وأنظر أهو طالب مُلك أم صاحب دين - فأرسلت هدية له، فلما جاءته الهدية جاء القرآن بما قاله سيدنا سليمان عندما تلقى الهدية: {أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَآ آتَانِيَ ٱللَّهُ خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ} [النمل: 36].   

فعرفت بلقيس أن المُلْك ليس هدفه، وبعد ذلك عرفت أنه صاحب رسالة، فقالت: أذهب له وأسلم، انظر أداء العبارة القرآنية عندما تصور إيمان ملكه قالت: {وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ} [النمل: 44].

يعني: أنا وهو أصحبنا عبيداً لله، هذه رفعة الإيمان؛ فلا غضاضة ما دامت هي وهو عبيداً لإله واحد، وبلقيس امرأة ولم يحرمها ربنا من الرأي الحسن أيضاً ومن الأداء الجميل، وهي عندما ذهبت ووجدت عرشها وقد جاء به مَنْ عنده علم من الكتاب وأقامه، لقد تركت العرش في بلدها وجاءت إلى سليمان فوجدت عرشها، وكان لابد أن يلتبس عليها الأمر، وقالوا لها: أهكذا عرشك؟: {فَلَمَّا جَآءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ} [النمل: 42].

فأجابت إجابة دبلوماسية وكياسة: {قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ} [النمل: 42].

هي امرأة ولم يحرمها الله من تميز الفكر؛ لذلك لا يصح أن نحرم المرأة من أن يكون لها فكر. 

لكن المهم أن تعلم أن لها حدوداً في إطار نوعيتها، ولا تعتبر النقص في شيء للرجل أنه نقص فيها، فإذا ما كان عندها كمال لا يوجد عند الرجل فلتعلم أنه حتى في البنية يختلف الرجل عن المرأة؛ الرجل فيه خشونة وفيه صلابة وفيه قوة، والمرأة فيها رقة وفيها ليونة ومستميلة، ولها عاطفة فياضة، وفيض حنان، والرجل فيه صلابة حزم وعزم، إذن فكل واحد معدّ لمهمة. 

فلا يقولن أحد: أنا ناقص في هذه، لكن انظر غيرك إنه ناقص في ماذا وهو عندك أيضاً كامل. 

ويأتي الدين ليوضح: يا مؤمنون، الحرير حرام على الذكور وحلال للإناث الذهب حرام على الذكور وحلال للإناث، أي تدليل أكثر من هذا؟

لقد حرم على الرجال التمتع بالحرير والذهب وأعطاهما للنساء، والدين يطلب أن تكون المرأة سكناً للرجل، فالمفروض أن الرجل هو الذي يتحرك حركة الحياة خارجاً، وعندما يعود لمنزلة فهو يسكن لزوجه، والذي يصقل السيف ويحده، مثل الشجاع الذي يضرب به تماماً كل له عمل يكمل عمل الآخر، وكذلك الرجل عندما يدخل منزله ويجد حياته مرتبة بفضل جهد زوجته فهو يرتاح ويشكر لها ما شاركته من أعباء الحياة.

ويقول الحق من بعد ذلك: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ...}.



سورة النساء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 031-035   سورة النساء الآيات من 031-035 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 6:15 pm

وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا [٣٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

الحق سبحانه وتعالى خلق الكون وفيه أجناس، وكل جنس يشمل أنواعاً أو نوعين، وتحت كل نوع أفراد.

فإذا ما رأيت جنساً من الأجناس انقسم إلى نوعين، فاعلم أنهما يشتركان في مطلوب الجنس، ثم يختلفان في مطلوب النوع، ولو كانا متحدين لما انقسما إلى نوعين.

كذلك في الأفراد.

وإذا نظرنا إلى الجماد وجدنا الجماد جنساً عاماً ولكنه انقسم إلى عناصر مختلفة، لكل عنصر من هذه العناصر مهمة مختلفة، فمثلاً إذا أردنا إقامة بناء، فهذا البناء يتطلب رملاً، ويتطلب أسمنتاً، ويتطلب آجُراً، ويتطلب حديداً، فجنس الجماد كله مشترك في إقامة البناء، ولكن للأسمنت مهمة، وللجبس مهمة، وللرمل مهمة، وللمرو -وهو الزلط- مهمة، فلا تأخذ شيئاً في مهمة شيء آخر.

وكذلك انقسم الإنسان إلى نوعين، إلى ذكورة تتمثل في الرجال، وإلى أنوثة تتمثل في النساء، وبينهما قدر مشترك يجمعهما كجنس، ثم بينهما اختلاف باختلاف نوعيهما.

فلو أردت أن تضع نوعاً مكان نوع لما استطعت.

إذن فمن العبث أن يخلق الله من جنس نوعين، ثم تأتي لتقول: إن هذا النوع يجب أن يكون مثل هذا النوع.

وأيضاً نعرف ذلك عن الزمن، فالزمن ظرف للأحداث، أي أن كل حدث لا بد له من زمن، لكن لكل زمن حدث يناسبه.

فالزمن وهو النهار ظرف للحدث في زمنه، والليل أيضاً ظرف للحدث في زمنه.

ولكن الليل حدثه السكون والراحة، والنهار حدثه الحركة والنشاط.

فإن أردت أن تعكس هذا مكان هذا أحلت وجمعت بين المتناقضين.

لقد أوضحنا أن الله يلفتنا إلى شيء قد نختلف فيه بشيء قد اتفقنا عليه، فيبين لك: هذا الذي تختلف فيه ردّه إلى المتفق عليه.

فالزمن لا خلاف في أنك تجعل الليل سكناً ولباساً وراحة وهدوءاً، والنهار للحركة.

وكل الناس يصنعون ذلك.

فالحق سبحانه وتعالى يوضح: كما جعل الزمن ظرفاً لحركة إلا أن حركة هذا تختلف عن حركة هذا، وهل معنى ذلك أن الليل والنهار نقيضان أو ضدان أو متكاملان؟

إنهما متكاملان؛ لأن راحة الليل إنما جُعلت لتصح حركة النهار.

فأنت تنام وترتاح لتستأنف نشاطاً جديداً.

إذن فالليل هو الذي يعين النهار على مهمته، ولو أن إنساناً استيقظ ليلة ثم جاء صباحاً لما استطاع أن يفعل شيئاً.

إذن فما الذي أعان حركة النهار؟

إنه سكون الليل، فالحق سبحانه وتعالى بيّن: أن ذلك أمر متفق عليه بين الناس جميعاً متدينين وغير متدينين، فإذا اختلفتم في أن الذكورة والأنوثة يجب أن يتحدا في العمل والحركة والنوع نقول لكم: لا، هذا أمر متفق عليه في الزمن، فخذوا ما اتفقتم عليه دليلاً على صحة ما اختلفتم فيه.

ولذلك ضرب الله المثل فقال: {وَٱلْلَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ} [الليل: 1]. 

فعندما يغشى الليل يأتي السكون، وقال الحق بعد ذلك: {وَٱلنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ} [الليل: 2]

{وَمَا خَلَقَ ٱلذَّكَرَ وَٱلأُنثَىٰ * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّىٰ} [الليل: 3-4]. 

أي أن لكل جنس مهمة.

وهكذا نعرف أن الإنسان ينقسم إلى نوعين: الذكورة والأنوثة وفيهما عمل مشترك وخاصية مشتركة.

وأن كلا منهما إنسان له كرامة الإنسان وله حرية العقيدة فلا يوجد رجل يرغم امرأة على عقيدة، وضربنا المثل بامرأة نوح وامرأة لوط وامرأة فرعون.

إذن فالقدر المشترك هو حرية الاعتقاد، فلا سلطان لنوع على نوع، وكذلك حرية التعقل في المهمات، وعرفنا كيف أن أم سلمة -رضي الله عنها- أشارت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في غزوة الحديبية إشارة أنقذت المسلمين من انقسام فظيع أمام حضرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعرفنا قصة بلقيس -ملكة سبأ- التي استطاعت أن تبرم أمراً تخلّى عنه الرجال، إذن فمن الممكن أن يكون للمرأة تعقل وأن يكون للمرأة فكر، وحتى قبل أن يوجد الإسلام كانت هناك نساء لهن أصالة الرأي، وحكمة المشورة في نوع مهمتها.

فمثلاً يحدثنا التاريخ أن ملك "كندة" سمع عن جمال امرأة اسمها "أم إياس" بنت عوف بن محل الشيباني، فأراد أن يتزوجها، فدعا امرأة من "كِندة" يقال لها: "عصام" وكانت ذات أدب وبيان وعقل ولسان، وقال لها: اذهبي حتى تعلمي لي علم ابنة عوف.

أي أرسلها خاطبة.

فلما ذهبت إلى والدة "أم إياس" واسمها "أمامة بنت الحارث" وأعلمتها بما جاءت له.

وأرسلت الأم تستدعي الابنة من خيمتها، وقالت لها: هذه خالتك جاءت لتنظر إلى بعض شأنك فلا تستري عنها شيئاً أرادت النظر إليه من وجه وخلق ونَاطقِِيها فيما استنطقتك به.

فلما اختلت "عصام" بالبنت فعلت مثل ما أمرتها أمها.

وكشفت للخاطبة "عصام" عن كل ما تريد من محاسنها، فقالت الخاطبة كلمتها المشهورة: "ترك الخداع ما انكشف القناع"، وصار هذا القول مثلاً، أي أن القناع عندما يزول يرى الإنسان الحقيقة، وعادت الخاطبة "عصام" إلى الملك فسألها: ما وراءك يا "عصام" إنه يسأل: أي خبر جئت به من عند "أم إياس"؟.

فقالت: أبدى المخض عن الزبد.

والمخض هو: هزّ الحليب في القربة ليفصل الزبد عن اللبن.

وذلك يعني أن رحلتها قد جاءت بنتيجة.

فقال لها: أخبريني.

قالت: أخبرك حقاً وصدقاً.

ووصفتها من شعرها إلى قدمها وصفاً أغرى الملك.

فأرسل إلى أبيها وخطبها وزفت إليه.

وفي ليلة الزفاف نرى الأم العاقلة توصي ابنتها في ميدان عملها، في ميدان أمومتها، في ميدان أنوثتها، قالت الأم لابنتها: "أي بنية، إن النصيحة لو تركت لفضل أدب لتركت لذلك منك -أي أنها كأم تثق في أدب ابنتها ولا تحتاج في هذا الأمر لنصيحة- ولكنها معونة للغافل وتذكرة للعاقل. إنك غداً ستذهبين إلى بيت لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه.

فكوني له أمةً يكن لك عبداً.

واحفظي عني عشر خصال تكن لك ذخراً".

وانظروا إلى الخصال التي استنبطتها المرأة من ميزان رسالتها، تستمر كلمات الأم: "أما الأولى والثانية: فالمعاشرة له بالسمع والطاعة والرضا بالقناعة، وأما الثالثة والرابعة: فالتعهد لموقع عينه وموضع أنفه فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.

والخامسة والسادسة: التفقد لوقت طعامه والهدوء عند منامه فإن تنغيص النوم مغضبة، وحرارة الجوع ملهبة.

أما السابعة والثامنة: فالتدبير لماله والإرعاء على حشمه وعلى عياله.

وأما التاسعة والعاشرة: فألا تفشي له سرّاً ولا تعصي له أمراً؛ فإنك إن أفشيت سرّه لم تأمني غدره، وإن عصيت أمره أوغرت صدره، وإياك بعد ذلك والفرح إن كان ترحاً والحزن إن كان فرحاً".

فذهبت أم إياس بهذه النصائح إلى زوجها وأنجبت له البنين والبنات وسعدت معه وسعد معها.

تلك نصيحة من أم تدل على منتهى التعقل، ولكن في أي شيء؟.

في ميدان مهمتها.

إذن فالمرأة يمنحها الله ويعطيها أن تتعقل ولها ميدان ولا يأتي هذا التعقل غالباً إلا في ميدانها.

لأن ميدان الرجل له حركة تتطلب الحزم، وتتطلب الشدة، والمرأة حركتها تتطلب العطف والحنان؛ والأمثال في حياتنا اليومية تؤكد ذلك، إن الرجل عندما يدخل بيته ويحب أن ينام، قد يأتي له طفله صارخاً باكياً، فيثور الأب على زوجته ويسب الولد ويسب أمه، وقد يقول ألفاظاً مثل: "اكتمي أنفاسه إني أريد أن أستريح".

وتأخذ الأم طفلها وتذهب تربت على كتفه وتسكته، ويستجيب لها الطفل، فهذه مهمة الأم، ولذلك نجد أن الأحداث التاريخية العصيبة تبرز الرجل في مكانه والمرأة في مكانها.

فمثلاً: سيدنا إبراهيم عليه السلام أسكن هاجر وابنها إسماعيل بوادٍ غير ذي زرع، قالت له: أتتركنا في مكان ليس فيه حتى الماء، أهذا نزلته برأيك أم الله أنزلك فيه؟.

قال لها: أنزلني الله هذا المكان.

فقالت له: اذهب كما شئت فإنه لا يضيعنا.

هذه المهمة للمرأة.

هاجر مع طفل في مكان ليس فيه مقوم الحياة الأول وهو الماء، فانظروا عطفها وحنانها، ماذا فعلت؟

لقد سعت بين الصفا والمروة، صعدت الجبل إلى أن أنهكت قواها.

إن الذي يذهب إلى الحج أو العمرة ويجرب الأشواط السبعة هذه يعرف أقصى ما يمكن أن تتحمله المرأة في سبيل ابنها؛ لأن هذا موقف عطف وحنان، ابنها يريد أن يشرب.

وكأن الله قال لها: إنك قد سعيت ولكني سأجعل رزقك من حيث لا تحتسبين، أنت سعيت بين الصفا والمروة، والماء ينبع تحت قدمي ولدك.

إذن فصدقت في قولها: إنه لا يضيعنا، ولو أن سعيها جاء بالماء لظننا جميعاً أن السعي هو الذي يأتي بالماء، ولكن اسع ولا تعتقد في السعي، بل اعتقد في الرزّاق الأعلى، تلك مسألة ظاهرة في أمنا هاجر.

وحينما جاء موقف الابتلاء بالذبح، اختفت هاجر من المسرح، وجاء دور سيدنا إبراهيم بحزمه وعزمه ونبوته.

ورأى في الرؤيا أنه يذبح ابنه، أين أمه في هذا؟

اختفت من المسرح؛ لأن هذا موقف لا يتفق مع عواطفها وحنانها.

إذن فكل واحد منهما له مهمة.

والنجاح يكون على قدر هذه المهمة.

ولذلك يقول الحق: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء: 32] فساعة ترى جنساً أخذ شيئاً وجنساً آخر أخذ شيئاً، إياك أن تشغل بالك وتتمنى وتقول: "أريد هذه"، ولكن اسأل الله من فضله؛ لأن كلمة{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ} [النساء: 32] هي نهي عن أن تتمنى ما فضل الله به بعضاً على بعض، ولذلك يقول: {وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ} [النساء: 32]. 

وما دمت تسأل الله من فضله؛ فهنا أمل أن يعطيك.

وقد يرى البعض هنا مشكلة فيتساءل: كيف ينهانا الله عن أن نتمنى ما فضل الله به بعضنا على بعض فقال: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء: 32] مع أن فضل الله من شأنه أن يفضل بعضنا على بعضٍ بدليل قوله: {وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام: 165] فضلاً على أنني أطمع في أن أسأل الله ليعطيني؛ لأنه -سبحانه- ما أمرنا بالسؤال إلاّ ليعطينا.

ونقول: لا، التمني عادة أن تطلب شيئاً يستحيل أو لم تجر به العادة، إنما السؤال والدعاء هو مجال أن تأتي إلى شيء تستطيع الحصول عليه، فأوضح: لا تذهب إلى منطقة التمني.

ولذلك ضربوا المثل للتمني ببيت الشاعر:
ألا ليت الشباب يعود يوماً
فأخبـــره بما فعل المشيب

تمنّى الشاعر أن يعود الشباب يوماً فهل هذا يتأتى؟

إنه لا يتأتى.

أو أن يقول قائل: ليت الكواكب تدنو لي فأنظمها، هل يمكن أن يحدث ذلك؟

لا.

ولكن هذا القول يدل على أن هذا الشيء محبوب وإن كان لم تجر به العادة، أو هو مستحيل، إذن فالسؤال يجب أن يكون في حدود الممكن بالنسبة لك.

والحق يوضح: لا تنظروا إلى ما فضل الله به بعضكم على بعض.

وما دام الله قد فضل بعضاً على بعض فليسأل الإنسان لا في منطقة ما فضل الله غيره عليه ويطلبه لنفسه ويسلبه من سواه، ولكن في منطقة أن توفق في إبراز ما فضلك الله به؛ ولذلك نجد الحق في آيات التفضيل يقول: {وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ فِي ٱلْرِّزْقِ} [النحل: 71].  

وما هو الرزق؟

هل هو نقود فقط؟

لا، بل الرزق هو كل ما ينتفع به، فالحلم رزق، والعلم رزق، والشجاعة رزق، كل هذا رزق، وقوله الحق: {مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء: 32] يجعلنا نتساءل: مَنْ هو المفضل ومَنْ هو المفضل عليه؟

لأنه قال: {بَعْضَكُمْ} [النساء: 32]. 

لم يبينها لنا، إذن فبعض مفضل وبعض مفضل عليه.

وسؤال آخر: وأي بعض مفضل وأي بعض مفضل عليه؟

إن كل إنسان هو فاضل في شيء ومفضول عليه في شيء آخر، فإنسان يأخذ درجة الكمال في ناحية، وإنسان يفتقد أدنى درجة في تلك الناحية، لكنه يملك موهبة أخرى قد تكون كامنة ومكتومة.

وهذا يعني التكامل في المواهب، وهذا التكامل هو أسنان الحركة في المجتمع.

لننتبه إلى التروس، نحن نجد الترس الزائد يدخل في الترس الأقل، فتدور الحركة، لكن إذا وضعنا ترساً زائداً مقابل ترس زائد مثله فلن تحدث الحركة.

إذن فلابد أن يكون متميزاً في شيء والآخر متميزاً في شيء آخر فيحدث التكامل بينهما، ومثل ذلك قلنا: الليل والنهار، الليل يعينني على حركة النهار، وقلنا: إن السيف في يد الفارس يضرب به ويقتل، ولو لم يسنّه خبير في الحدادة ويشحذه ويصقله لما أدى السيف مهمته، وقد لا يستطيع هذا الخبير في صقل السيوف الذهاب للمعركة، وقد يخاف أن يضرب بالسيف، لكن له فضل مثل فضل المحارب بالسيف.

إن كل واحد له مهمة يؤديها، والأقدار تعطي الناس مواهبهم المتكاملة وليست المتكررة المتعاندة، وما دامت المواهب متكاملة فلا أحسد مَنْ تفوّق عليّ في مجال ما؛ لأنني أحتاج إليه، وهو لا يحسدني إن تفوقت عليه في موهبة أو عمل لأنه يحتاج إلي، إذن فأنا أريده أن يتفوق، وهو يريدني أن أتفوق، وذلك مما يحبب الناس في نعم ومواهب الناس، فأنا أحب النعمة التي وهبها الله للآخر، وهو يحب النعمة والموهبة التي عندي.

مثال ذلك عندما نجد رجلاً موهوبا في تفصيل الملابس ويحيك أجود الجلابيب فالكل يفرح به، وهذا الرجل يحتاج إلى نجار موهوب ليصنع له باباً جيداً لدكانه، ومن مصلحة الاثنين أن تكون كل نعمة عند واحد محمودة، ولذلك سمانا الله "بعضاً" و "بعضاً" ويتكون الكل من بعض وبعض، فأنت موهوب في بعض الأمور ولا تؤدي كل الأمور أبداً، ولكن بضميمة البعض الآخر نملك جميعاً مواهب بعضنا بعضاً.

ويتابع الحق: {لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ} [النساء: 32] فمهمة النجاح للرجل أو المرأة هو أن يكون كل منهما صالحاً ومؤدياً للمهمة التي خُلق من أجلها، بعد ذلك يكون حساب الثواب والعقاب وكل واحد على قدر تكليفه.

فالثواب والعقاب يأتي على مقدار ما يقوم كل مخلوق مما كلف به.

والمثال على اختلاف مهمة الرجل عن مهمة المرأة، يتجلى في أننا نجد الرجل عندما تغضب امرأته أو تمرض، ويكون عنده ولد رضيع، فهل يستطيع هو أن يرضع الطفل؟

طبعاً لا؛ لأن لكل واحد مهمة؛ فالعاقل هو مَنْ يحترم قدر الله في خلقه، ويحترم مواهب الله حين أعطاها، وهو يسأل الله من فضله، أي مما فضله به ليعطي له البركة في مقامه.

وحين يقول الحق: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَآءِ نَصِيبٌ مِّمَّا ٱكْتَسَبْنَ} [النساء: 32] نلحظ أن هذه تساوي تلك تماماً.

{وَٱسْأَلُواْ ٱللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [النساء: 32] ومن واسع علمه سبحانه أنه وزع المواهب في خلقه حتى يتكامل المجتمع ولا يتكرر؛ لأن تكرار المجتمع هو الذي يولد الشقاق، أما تكامله فيولد الوفاق، وسبب نزول الآية{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء: 32] أن النساء قلن: إننا لم يكتب علينا الجهاد وأعطانا ربنا نصف الرجل من الميراث، وقد أوضح الحق من قبل للمرأة أنها أخذت نصف الرجل لأنها محسوبة على غيرها ولن تصرف وتنفق من دخلها على نفسها، بل سيصرف الرجل وينفق عليها، والمسألة بذلك تكون عادلة.

وكذلك قال الرجال: ما دام الله قد فضلنا في الميراث، وأعطانا ضعف نصيب المرأة فلعله يفضلنا في الآخرة ويعطينا ضعف ثوابها، فيصنع الرجل العمل الواحد ويريد الضِّعف!.
 
وانظر لذكاء المرأة، حينما قالت: ما دام ربنا أعطانا نصف ميراثكم فلماذا لا يعطينا نصف العقوبة إذن؟

فأوضح لهم الله: اهدأوا{وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء: 32] أي أن على كل واحد أن يرضى بما قسمه الله له.

وبعد ذلك يقول الحق: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ...}.



سورة النساء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 031-035   سورة النساء الآيات من 031-035 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 6:16 pm

وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [٣٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وساعة ترى لفظة "لكل" وتجدها منونة، فاعرف أن هناك حاجة مقدرة، وأصلها "لكل إنسان"، وحذف الاسم وجاء بدلاً منه التنوين، مثل قوله: {فَلَوْلاَ إِذَا بَلَغَتِ ٱلْحُلْقُومَ * وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ} [الواقعة: 83-84]. 

ونجد التنوين في "حينئذٍ" أي حين بلغت الروح الحلقوم، فحذف حين بلغت الروح الحلقوم وعوض عنها التنوين في "حينئذٍ" إذن فالتنوين جاء بدلاً من المحذوف.

وقول الحق: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ} [النساء: 33]، و"الموالي" جمع "مَوْلى".

وقبل أن تنزل آيات الميراث، آخى النبي بين الأنصار والمهاجرين، فكانوا يتوارثون بهذه المؤاخاة، وكان هناك شيء اسمه "مولى المناصرة" وهو أن يستريح اثنان لبعضهما ويقول كل منهما للآخر: أنا أخوك وأنت أخي، حربي حربك، وسلمي سلمك، ودمي دمك، وترث مني وأرث منك، وتعقل عني وأعقل عنك، أي أن فعلتُ جناية تدفع عني، وإن فعلتَ أنت جناية أدفع عنك.

مؤاخاة.

هؤلاء كان لهم نصيب في مال المتوفي، فالحق يبيّن: لكل إنسان من الرجال والنساء جعلنا ورثة يرثون مما ترك الوالدان، والأقربون؛ أي لهم نصيب من ذلك ولأولياء المناصرة بعض من الميراث كذلك.

فإياكم أن تأتوا أنتم وتقولوا: لا، لابد أن تعطوهم نصيبهم الذي كان مشروطاً لهم وهو السدس.

لكن أظل الحكم؟

لا، لقد نسخ وأنزل الله قوله: {وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الأنفال: 75]. 

فما دام الله قد قال: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ ٱلْوَالِدَانِ وَٱلأَقْرَبُونَ} [النساء: 33]. 

أي ولكل إنسان من الموالي شيء من آثار ما ترك الوالدان والأقربون.

فإياكم أن تقولوا: هم ذهبوا فلا نعطيهم شيئاً، لا ما كانوا متفقين فيه وعقدوا أيمانهم عليه آتوهم نصيبهم مصداقاً لقوله الحق: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً} [النساء: 33] فالله شهيد على هذه.

وشهيد على أنكم تنفذون أو لا تنفذون.

وبعد ذلك جاء ليتكلم في قضية متصلة بقول الحق سبحانه: {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء: 32]...

فقال: {ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ...}.



سورة النساء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 031-035   سورة النساء الآيات من 031-035 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 6:18 pm

الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا [٣٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

{ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ} [النساء: 34]، أول ما نلتفت إليه أن بعضهم لم يفسروا الآية إلاّ على الرجل وزوجته على الرغم من أنَّ الآية تكلمت عن مطلق رجال ومطلق نساء، فليست الآية مقصورة على الرجل وزوجه، فالأب قوام على البنات، والأخ على أخواته.

ولنفهم أولاً: {ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ} [النساء: 34] وماذا تعني؟

وننظر أهذه تعطي النساء التفوق والمركز أم تعطيهن التعب.

والحق سبحانه وتعالى يطلب منا أن نحترم قضية كونية، فهو الخالق الذي أحسن كل شيء خلقه وأوضح القضية الإيمانية{ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ} [النساء: 34] والذي يخالف فيها عليه أن يوضح -إن وجد- ما يؤدي إلى المخالفة، والمرأة التي تخاف من هذه الآية، نجد أنها لو لم ترزق بولد ذكر لغضبت، وإذا سألناها: لماذا إذن؟

تقول: أريد ابناً ليحمينا.

كيف وأنت تعارضين هذا الأمر؟

ولنفهم ما معنى "قوَّام"، القوَّام هو المبالغ في القيام.

وجاء الحق هنا بالقيام الذي فيه تعب، وعندما تقول: فلان يقوم على القوم؛ أي لا يرتاح أبداً.

إذن فلماذا تأخذ{قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ} [النساء: 34] على أنه كتم أنفاس؟

لماذا لا تأخذها على أنه سعي في مصالحهن؟

فالرجل مكلف بمهمة القيام على النساء، أي أن يقوم بأداء ما يصلح الأمر.

ونجد أن الحق جاء بكلمة "الرجال" على عمومها، وكلمة "النساء" على عمومها، وشيء واحد تكلم فيه بعد ذلك في قوله: {بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء: 34] فما وجه التفضيل؟

إن وجه التفضيل أن الرجل له الكدح وله الضرب في الأرض وله السعي على المعاش، وذلك حتى يكفل للمرأة سبل الحياة اللائقة عندما يقوم برعايتها.

وفي قصة آدم عليه السلام لنا المثل، حين حذر الحق سبحانه آدم وزوجته من الشيطان، إبليس الذي دُعي إلى السجود مع الملائكة لآدم فأبى، وبذلك عرفنا العداوة المسبقة من إبليس لآدم، وحيثيتها: {قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 61]. 

وأوضح الحق لآدم: إذا هبطت إلى الأرض فاذكر هذه العداوة.

وأعلم أنه لن يتركك، وسيظل يغويك ويغريك؛ لأنه لا يريد أن يكون عاصياً بمفرده، بل يريد أن يضم إليه آخرين من الجنس الذي أبى أن يسجد هو لأبيهم آدم يريد أن يغويهم، كما حاول إغواء آدم: {إِنَّ هَـٰذَا عَدُوٌّ لَّكَ وَلِزَوْجِكَ فَلاَ يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ ٱلْجَنَّةِ} [طه: 117]. 

وهل قال الحق بعدها: فتشقيا أو فتشقى؟

قال سبحانه: {فَتَشْقَىٰ} [طه: 117]. 

فساعة جاء الشقاء في الأرض والكفاح ستر المرأة وكان الخطاب للرجل.

وهذا يدل على أن القوامة تحتاج إلى تعب، وإلى جهد، وإلى سعي، وهذه المهمة تكون للرجل.

ونلحظ أنه ساعة التفضيل قال: {ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء: 34] لقد جاء بـ{بَعْضَهُمْ} [النساء: 34] لأنه ساعة فضل الرجل لأنه قوّام فضل المرأة أيضاً لشيء آخر وهو كونها السكن حين يستريح عندها الرجل وتقوم بمهمتها.    

ثم تأتي حيثية القوامة: {وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34]. 

والمال يأتي نتيجة الحركة ونتيجة التعب، فالذي يتعب نقول له: أنت قوّام، إذن فالمرأة يجب أن تفرح بذلك؛ لأنه سبحانه أعطى المشقة وأعطى التعب للجنس المؤهل لذلك.

ولكن مهمتها وإن كانت مهمة عظيمة إلا أنها تتناسب والخصلة المطلوبة أولاً فيها: الرقة والحنان والعطف والوداعة.

فلم يأت بمثل هذا ناحية الرجل؛ لأن الكسب لا يريد هذه الأمور، بل يحتاج إلى القوة والعزم والشدة، فقول الله: {قَوَّامُونَ} [النساء: 34] يعني مبالغين في القيام على أمور النساء.   

ويوضح للنساء: لا تذكرن فقط أنها حكاية زوج وزوجة.

قدرن أن القيام يكون على أمر البنات والأخوات والأمهات.

فلا يصح أن تأخذ "قوام" على أنها السيطرة؛ لأن مهمة القيام جاءت للرجل بمشقة، وهي مهمة صعبة عليه أن يبالغ في القيام على أمر مَنْ يتولى شئونهن.

{وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] إذا كان الزواج متعة للأنثى وللذكر.

والاثنان يستمتعان ويريدان استبقاء النوع في الذرية، فما دامت المتعة مشتركة وطلب الذرية أيضاً مشتركاً فالتبعات التي تترتب على ذلك لم تقع على كل منهما، ولكنها جاءت على الرجل فقط.

صداقاً ونفقة حتى ولو كانت المرأة غنية لا يفرض عليها الشرع حتى أن تقرض زوجها.

إذا فقوامة الرجال جاءت للنساء براحة ومنعت عنهن المتاعب.

فلماذا تحزن المرأة منها؟

فـ{ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ} [النساء: 34] أي قائمون إقامة دائمة؛ لأنه لا يقال قوّام لمطلق قائم، فالقائم يؤدي مهمة لمرة واحدة، لكن "قوّام" تعني أنه مستمر في القوامة.

{ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] وما دمنا نكدح ونتعب للمرأة فلابد أن تكون للمرأة مهمة توازن ذلك وهي أن تكون سكناً له، وهذه فيها تفضيل أيضاً.

لقد قدم الحق سبحانه وتعالى في صدر الآية مقدمة بحكم يجب أن يُلتزم به؛ لأنه حكم الخالق الذي أحسن كل شيء خلقه، فأوضح القضية الإيمانية: {ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ} [النساء: 34] ثم جاء بالحيثيات فقال: {بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَآ أَنْفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء: 34] ويتابع الحق: {فَٱلصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ} [النساء: 34] والمرأة الصالحة هي المرأة التي استقامت على المنهج الذي وضعه لها من خلقها في نوعها، فما دامت هي صالحة تكون قانتة، والقنوت هو دوام الطاعة لله، ومنه قنوت الفجر الذي نقنته، وندعو ونقف مدة أطول في الصلاة التي فيها قنوت.

والمرأة القانتة خاضعة لله، إذن فحين تكون خاضعة لله تلتزم منهج الله وأمره فيما حكم به من أن الرجال قوامون على النساء،{فَٱلصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ} [النساء: 34] وحافظات للغيب تدل على سلامة العفة.

فالمرأة حين يغيب عنها الراعي لها والحامي لعرضها كالأب بالنسبة للبنت والابن بالنسبة للأم، والزوج بالنسبة للزوجة، فكل امرأة في ولاية أحد لابد أن تحفظ غيبته؛ ولذلك فالرسول -صلى الله عليه وسلم- حينما حدد المرأة الصالحة قال في حديث عن الدنيا: "الدنيا كلها متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة".

لقد وضع -صلى الله عليه وسلم- قانوناً للمرأة الصالحة يقول فيه: "خير النساء التي تسرّه إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره".

وأي شيء يحتاج الرجل إليه أحسن من ذلك.

وكلمة "إن نظرت إليها سرّتك" إياك أن توجهها ناحية الجمال فقط، جمال المبنى، لا، فساعة تراها اجمع كل صفات الخير فيها ولا تأخذ صفة ولا تترك صفة؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- حذرنا من أن نأخذ صفة في المرأة ونترك صفة أخرى، بل لابد أن نأخذها في مجموع صفاتها فقال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك".

المطلوب ألا تنظر إلى زاوية واحدة في الجمال، بل انظر إلى كل الزوايا، فلو نظرت إلى الزاوية التي تشغل الناس، الزاوية الجمالية، لوجدتها أقل الزوايا بالنسبة إلى تكوين المرأة؛ لأن عمر هذه المسألة "شهر عسل" -كما يقولون- وتنتهي، ثم بعد ذلك تبدو المقومات الأخرى.    

فإن دخلت على مقوم واحد وهي أن تكون جميلة فأنت تخدع نفسك، وتظن أنك تريدها سيدة صالون!

ونقول لك: هذه الصفة أمدها بسيط في عمر الزمن، لكن ما يبقى لك هو أن تكون أمينة، أن تكون مخلصة، أن تكون مدبرة؛ ولذلك فالفشل ينشأ في الأسرة من أن الرجال يدخلون على الزواج بمقياس واحد هو مقياس جمال البنية، وهذا المقياس الواحد عمره قصير، يذهب بعد فترة وتهدأ شِرَّته.

وبعد ذلك تستيقظ عيون الرجل لتتطلع إلى نواحي الجمال الأخرى، فلا يجدها.

فيحدث الفشل؛ لذلك لا بد أن تأخذ مجموعة الزوايا كلها.

إياك أن تأخذ زاوية واحدة، وخير الزوايا أن يكون لها دين.

وكذلك المقياس بالنسبة لقبول المرأة للزوج، أيضاً خير الزوايا أن يكون له دين، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكم مَنْ ترضون خلقه ودينه فزوجوه إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض".

وعندما استشار رجل سيدنا الحسن بن علي -رضي الله عنهما- قال: زَوّجها من ذي الدين، إن أحبها أكرمها، وإن كرهها لم يظلمها.

إذن فالدين يرشدنا: لابد أن ننظر إلى المسألة التي سيكون لها عمر طويل في الحياة الممتدة، وبعد ذلك إذا أرادت أن تكون ناجحه فعليها أن ترى إطار نوعيتها وتنبغ فيه، ومن الممكن إن كان عندها وقت أن توسع دائرة مهمتها في بيتها، فإذا كان عندها أولاد فعليها أن تتعلم الحياكة وتقوم بتفصيل وحياكة ملابسها وملابس أولادها فتوفر النقود، أو تتعلم التطريز كي لا تدفع أجرة، أو تتعلم التمريض حتى إذا مرض ولدها استطاعت أن تمرضه وترعاه، أن تتعلم كي تغني عن مدرس خصوصي يأخذ نقوداً من دخل الأسرة، وإن بقي عندها وقت فلتتعلم السباكة فتوفر أجرة السباك إذا فسد صنبور ماء، أو تتعلم إصلاح الكهرباء لتصلح مفتاح الإضاءة.

وتستطيع المرأة أن تقوم بأي عمل وهي جالسة في بيتها وتوفر دخلاً لتقابل به المهام التي لا تقدر أن تفعلها، والمرأة تكون من "حافظات الغيب" ليس بارتجالٍ من عندها أو باختيار، بل بالمنهج الذي وضعه الله لحفظ الغيب؟.

فما المنهج الذي وضعه الله لحفظ الغيب؟

تحافظ على عرضها وعلى مال زوجها في غيبته، فتنظر المنافذ التي تأتي منها الفتنة وتمتنع عنها، لا تخرج إلى الشوارع إلا لحاجة ماسة أو ضرورة كي لا ترى أحداً يفتنها أو يفتن بها؛ لأن هذه هي مقدمات الحفظ، ولا تذهب في زحمة الحياة، وبعد ذلك نقول لها: "حافظي على الغيب" بل عليها أن تنظر ما بيّنه الله في ذلك.

فإن اضطررت أن تخرجي فلتغضي البصر؛ ولذلك قال سبحانه: {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31]. 

فالمرأة إن لم تغض النظر يحدث التفات عاطفي؛ لأن كل شعور في الإنسان له ثلاث مراحل: مرحلة أن يدرك، ومرحلة أن يجد في نفسه، ومرحلة أن ينزع، أي يحول الأمر إلى سلوك، ونضرب دائماً المثل بالوردة.

وأنت تسير ترى وردة في بستان وبمجرد رؤيتك لها فهذا إدراك، وإذا أعجبتك الوردة وعشقتها وأحببتها فهذا اسمه وجدان.

وإذا اتجهت لتقطفها فهذه عملية نزوعية، فكم مرحلة؟

ثلاث مراحل: إدراك، فوجدان.

فنزوع.

ومتى يتدخل الشرع؟

الشرع يتدخل في عملية النزوع دائماً.

يقول لك: أنت نظرت الوردة ولم نعترض على ذلك، أحببتها وأعجبتك فلم نقل لك شيئاً، لكن ساعة جئت لتمدّ يدك لتأخذها قلنا لك: لا، الوردة ليست لك.

إذن فأنت حرّ في أن تدرك، وحرّ في أن تجد في نفسك، إنما ساعة تنزع نقول لك: لا، هي ليست لك، وإن أعجبتك فازرع لك وردة في البيت، أو استأذن صاحبها مثلاً.

إذن فالتشريع يتدخل في منطقة النزوع، إلا في أمر المرأة فالتشريع يتدخل من أول الإدراك؛ لأن الذي خلقنا علم أننا إن أدركنا جمالاً، نظرنا له، وستتولد عندنا مواجيد بالنسبة للأشياء التي نراها ونشتهيها، وساعة يوجد إدراك واشتهاء، لا يمكن أن ينفصل هذا عن النزوع؛ لأنك -كرجل- مركب تركيباً كيميائياً بحيث إذ أدركت جمالاً ثم حدث لك وجدان واشتهاء، فالاشتهاء لا يهدأ إلا بنزوع، فيبيّن لك الشرع: أنا رحمتك من أول الأمر، وتدخلت من أول المسألة.

وكل شيء أتدخل فيه عند النزوع إلا المرأة فقد تدخلت فيها من أول الإدراك؛ لذلك أمر الحق الرجل أن يغض البصر، وكذلك أمر المرأة.

لماذا؟

لأنك إن أدركت فستجد، وإن وجدت فستحاول أن تنزع ونزوعك سيكون عربدة في أعراض الناس، وإن لم تنزع فسيبقى عندك كبت؛ لذلك حسم الحق المسألة من أولها وقال: {قُلْ لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُواْ فُرُوجَهُمْ ذٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30-31]. 

فامنعوا المسألة من أول مراحلها لماذا؟

لأنني عندما أرى وردة، ثم قالوا لي: هي ليست لك فلا تقطفها، فلا يحدث عندي ارتباك في مادتي، لكن عندما يرى الرجل امرأة جميلة وتدخل في وجدانك فسيحدث عنده النزوع؛ لأن له أجهزة مخصوصة تنفعل لهذا الجمال، ولذلك يوضح لك الحق: أنا خالقك وسأتدخل في المسألة من أول الأمر، فقوله: {بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ} [النساء: 34] أي بالمنهج الذي وضعه الله للحفظ: ألا أعرض نفسي إلى إدراك فينشأ عنه وجدان، وبعد ذلك أفكر في النزوع، فإن نزعت أفسدت، وإن لم تنزع تعقدت، فيأتي شرّ من ذلك، هذا معنى: {بِمَا حَفِظَ ٱللَّهُ} [النساء: 34]، يعني انظروا إلى المنهج الذي وضعه الله لأن تحفظ المرأة غيبة زوجها، وهي تحفظه ليس بمنهج من عندها.

بل المنهج الذي وضعه خالقها وخالقه.

وها هو ذا الحق سبحانه وتعالى حينما يربّى من عبده حاسة اليقظة قال: {وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} فالنشوز لم يحدث بل مخافة أن يحدث، فاليقظة تقتضي الترقب من أول الأمر، لا تترك المسألة حتى يحدث النشوز، و "النشوز" من "نشز" أي ارتفع في المكان.

ومنه "النشز" وهو المكان المرتفع، وما دام الحق قد قال: {ٱلرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ} [النساء: 34] فالمعنى هنا: مَنْ تريد أن تتعالى وتوضع في مكانة عالية؟     

ولذلك فالنشاز حتى في النغم هو: صوت خارج عن قواعد النغم فيقولون: هذه النغمة نشاز، أي خرجت عن قاعدة النغمة التي سبقتها.

وكذلك المرأة المفروض فيها أنها تكون متطامنة، فإن شعرت أن في بالها أن تتعالى فإياك أن تتركها إلى أن تصعد إلى الربوة وترتفع.

بل عليك التصرف من أول ما تشعر ببوادر النشوز فتمنعه، ومعنى قوله: {وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ} [النساء: 34] يعني أن النشوز أمر متخوف منه ومتوقع ولم يحدث بعد.

وكيف يكون العلاج؟

يقول الحق: {فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] أي ساعة تراها تنوي هذا فعظها، والوعظ: النصح بالرقة والرفق، قالوا في النصح بالرقة: أن تنتهز فرصة انسجام المرأة معك، وتنصحها في الظرف المناسب لكي يكون الوعظ والإرشاد مقبولاً فلا تأت لإنسان وتعظه إلا وقلبه متعلق بك.

ولنفترض أن ابناً طلب من والده طلباً، ولم يحضره الأب، ثم جاءت الأم لتشكو للأب سلوك الابن، فيحاول الأب إحضار الطلب الذي تمناه الابن، ويقول له: تعال هنا يا بني، إن الله قد وفقني أن أحضر لك ما طلبت.

وفي لحظة فرح الابن بالحصول على ما تمنى، يقول له الأب: لو تذكرت ما قالته لي أمك من سلوكك الرديء لما أحضرته لك.

ولو سب الأب ابنه في هذه اللحظة فإن الابن يضحك.

لماذا؟

لأن الأب أعطى الابن الدرس والعظة في وقت ارتباط قلبه وعاطفته به.

ولكن نحن نفعل غير ذلك.

فالواحد يأتي للولد في الوقت الذي يكون هناك نفور بينهما، ويحاول أن يعظه؛ لذلك لا تنفع الموعظة، وإذا أردنا أن تنفع الموعظة يجب أن نغير من أنفسنا، وأن ننتهز فرصة التصاق عواطف مَنْ نرغب في وعظه فنأتي ونعطي العظة.

هكذا: {فَعِظُوهُنَّ} [النساء: 34] هذه معناها: برفق وبلطف، ومن الرفق واللطف أن تختار وقت العظة، وتعرف وقت العظة عندما يكون هناك انسجام، فإن لم تنفع هذه العظة ورأيت الأمر داخلاً إلى ناحية الربوة؛ والنشوز فانتبه.

والمرأة عادة تَدِل على الرجل بما يعرف فيه من إقباله عليها.

وقد تصبر المرأة على الرجل أكثر من صبر الرجل عليها؛ لأن تكوين الرجل له جهاز لا يهدأ إلا أن يفعل.

لكن المرأة تستثار ببطء، فعندما تنفعل أجهزة الرجل فهو لا يقدر أن يصبر، لكن المرأة لا تنفعل ولا تستثار بسرعة، فأنت ساعة ترى هذه الحكاية، وهي تعرفك أنك رجل تحب نتائج العواطف والاسترسال؛ فأعط لها درساً في هذه الناحية، اهجرها في المضجع.

وانظر إلى الدقة، لا تهجرها في البيت، لا تهجرها في الحجرة، بل تنام في جانب وهي في جانب آخر، حتى لا تفضح ما بينكما من غضب، اهجرها في المضجع؛ لأنك إن هجرتها وكل البيت علم أنك تنام في حجرة مستقلة أو تركت البيت وهربت، فأنت تثير فيها غريزة العناد، لكن عندما تهجرها في المضجع فذلك أمرٍ يكون بينك وبينها فقط، وسيأتيها ظرف عاطفي فتتغاضى، وسيأتيك أنت أيضاً ظرف عاطفي فتتغاضى، وقد يتمنى كل منكما أن يصالح الآخر.

إذن فقوله: {وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ} [النساء: 34] كأنك تقول لها: إن كنت سَتُدِلِّينَ بهذه فأنا أقدر على نفسي.

ويتساءل بعضهم: وماذا يعني بأن يهجرها في المضاجع؟.

نقول: ما دام المضجع واحداً فليعطها ظهره وبشرط ألا يفضح المسألة، بل ينام على السرير وتُغلق الحجرة عليهما ولا يعرف أحد شيئاً؛ لأن أي خلاف بين الرجل والمرأة إن ظل بينهما فهو ينتهي إلى أقرب وقت، وساعة يخرج الرجل وعواطفه تلتهب قليلاً، يرجع ويتلمسها، وهي أيضاً تتلمسه.

والذي يفسد البيوت أن عناصر من الخارج تتدخل، وهذه العناصر تورث في المرأة عناداً وفي الرجل عناداً؛ لذلك لا يصح أن يفضح الرجل ما بينه وبين المرأة عند الأم والأب والأخ، ولنجعل الخلاف دائماً محصوراً بين الرجل والمرأة فقط.

فهناك أمر بينهما سيلجئهما إلى أن يتسامحا معاً.

{فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] وقالوا: إن الضرب بشرط ألا يسيل دماً ولا يكسر عظماً، أي يكون ضرباً خفيفاً يدل على عدم الرضا؛ ولذلك فبعض العلماء قالوا: يضربها بالسواك.

وعلمنا ربنا هذا الأمر في قصة سيدنا أيوب عندما حلف أن يضرب امرأته مائة جلدة، قال له ربنا: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَٱضْرِب بِّهِ وَلاَ تَحْنَثْ} [ص: 44]. 

والضغث هو الحزمة من الحشيش يكون فيها مائة عود، ويضربها ضربة واحدة فكأنه ضربها مائة ضربة وانتهت.

فالمرأة عندما تجد الضرب مشوباً بحنان الضارب فهي تطيع من نفسها، وعلى كل حال فإياكم أن تفهموا أن الذي خلقنا يشرع حكماً تأباه العواطف، إنما يأباه كبرياء العواطف، فالذي شرع وقال هذا لابد أن يكون هكذا.

{وَٱللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَٱهْجُرُوهُنَّ فِي ٱلْمَضَاجِعِ وَٱضْرِبُوهُنَّ} [النساء: 34] أي ضرباً غير مبرح، ومعنى: غير مبرح أي ألا يسيل دماً أو يكسر عظماً ويتابع الحق: {فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء: 34]. 

فالمسألة ليست استدلالاً.

بل إصلاحاً وتقويماً، وأنت لك الظاهر من أمرها، إياك أن تقول: إنها تطيعني لكن قلبها ليس معي؛ وتدخل في دوامة الغيب، نقول لك: ليس لك شأن لأن المحكوم عليه في كل التصرفات هو ظاهر الأحداث.

أما باطن الأحداث فليس لك به شأن ما دام الحق قال: {أَطَعْنَكُمْ} [النساء: 34]؛ فظاهر الحدث إذن أن المسألة انتهت ولا نشوز تخافه، وأنت إن بغيت عليها سبيلاً بعد أن أطاعتك، كنت قوياً عليها فيجب أن تتنبه إلى أن الذي أحلها لك بكلمة هو أقوى عليك منك عليها وهذا تهديد من الله.

ومعنى التهديد من الله لنا أنه أوضح: هذه صنعتي، وأنا الذي جعلتك تأخذها بكلمتيّ "زوجني.

زوجتك"، وما دمت قد ملكتها بكلمة مني فلا تتعال عليها؛ لأنني كما حميت حقك أحمي حقها.

فلا أحد منكما أولى بي من الآخر، لأنكم صنعتي وأنا أريد أن تستقر الأمور، وبعد هذا الخطاب للأزواج يأتي خطاب جديد في قول الحق من بعد ذلك: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ...}.



سورة النساء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة النساء الآيات من 031-035 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة النساء الآيات من 031-035   سورة النساء الآيات من 031-035 Emptyالإثنين 29 أبريل 2019, 6:20 pm

وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا [٣٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقوله: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] يعني أن الشقاق لم يقع بعد، إنما تخافون أن يقع الشقاق.

وما هو "الشقاق"؟

الشقاق مادته من الشق، وشق: أي أبعد شيئاً عن شيء، شققت اللوح: أي أبعدت نصفيه عن بعضهما، إذن فكلمة{شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] تدل على أنهما التحما بالزواج وصارا شيئاً واحداً، فأي شيء يبعد بين الاثنين يكون "شقاقاً" إذ بالزواج والمعاشرة يكون الرجل قد التحم بزوجه هذا ما قاله الله: {وَقَدْ أَفْضَىٰ بَعْضُكُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً} [النساء: 21]. 

ويتأكد هذا المعنى في آية أخرى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: 187]. 

وهذا يعني أن المرأة مظروفة في الرجل والرجل مظروف فيها.

فالرجل ساتر عليها وهي ساترة عليه، فإذا تعدّاهما الأمر، يقول الحق: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35] مَنْ الذين يخافون؟

أهو وليّ الأمر أم القرابة القريبة من أولياء أمورها وأموره؟

أي الناس الذين يهمهم هذه المسألة.

{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَآ} [النساء: 35] إنهم البيئة والمجال العائلي، إذن فلا ندع المسائل إلى أن يحدث الشقاق، كأن الإسلام والقرآن ينبهنا إلى أن كل أناس في محيط الأسرة يجب أن يكونوا يقظين إلى الحالات النفسية التي تعترض هذه الأسرة، سواء أكان أباً أم أخاً أم قريباً عليه أن يكون متنبهاً لأحوال الأسرة ولا يترك الأمور حتى يحدث الشقاق بدليل أنه قال: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا} [النساء: 35]، فالشقاق لم يحدث، ويجب ألا تترك المسألة إلى أن يحدث الشقاق،{وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَٱبْعَثُواْ} [النساء: 35] وهذا القول هو لوليّ الأمر العام أيضاً إذا كانت عيونه يقظة إلى أنه يشرف على علاقات كل البيوت، ولكن هذا أمر غير وارد في ضوء مسئوليات ولي الأمر في العصر الحديث.

إذن فلا بد أن الذي سيتيسر له تطبيق هذا الأمر هم البارزون من الأهل هنا وهناك، وعلى كل من لهم وجاهة في الأسرة أن يلاحظوا الخط البياني للأسرة، يقولون: نرى كذا وكذا.

ونأخذ حَكَماً من هنا وحكماً من هناك وننظر المسألة التي ستؤدي إلى عاصفة قبل أن تحدث العاصفة؛ فالمصلحة انتقلت من الزوجين إلى واحد من أهل الزوج وواحد من أهل الزوجة، فهؤلاء ليس بينهما مسألة ظاهرة بأدلتها، ولم تتبلور المشكلة بعد، وليس في صدر أي منهما حُكْمٌ مسبق، ويجوز أن يكون بين الزوجين أشياء، إنما الحكَم من أهل الزوج والحكَم من أهل الزوجة ليس في صدر أي منهما شيء، وما دام الاثنان ستوكل إليهما مهمة الحكم.

فلابد أن يتفقا على ما يحدث بحيث إذا رأى الاثنان أنه لا صلح إلا بأن تطلق، فهما يحكمان بالطلاق، والناس قد تفهم أن الحكم هم أناس يُصْلِحُون بين الزوجين فإن لم يعجبهم الحكم بقي الزوجان على الشقاق، لا، فنحن نختار حكماً من هنا وحكماً من هناك.

إن ما يقوله الحكمان لابد أن ننفذه، فقد حصرت هذه المسألة في الحكمين فقال: {إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ} [النساء: 35] فكأن المهمة الأساسية هي الإصلاح وعلى الحكمين أن يدخلا بنية الإصلاح، فإن لم يوفق الله بينهما فكأن الحكمين قد دخلا بألا يصلحا.

إن على كل حكم أن يخاف على نفسه ويحاول أن يخلص في سبيل الوصول إلى الإصلاح؛ لأنه إن لم يخلص فستنتقل المسألة إلى فضيحة له.

الذي خلق الجميع: الزوج والزوجة والحكم من أهل الزوج والحكم من أهل الزوجة قال: {إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ} [النساء: 35] فليذهب الاثنان تحت هذه القضية، ويصرّا بإخلاص على التوفيق بينهما؛ لأن الله حين يطلق قضية كونية، فكل واحد يسوس نفسه وحركته في دائرة هذه القضية.

وحين يطلق الله قضية عامة فهو العليم الخبير، ومثال ذلك قوله: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ} [الصافات: 173]. 

إنه سبحانه قال ذلك، فليحرص كل جندي على أن يكون جندياً لله؛ لأنه إن انهزم فسنقول له: أنت لم تكن جندياً لله، فيخاف من هذه.

إذن فوضع القضية الكونية في إطار عقدي كي يجند الإنسان كل ملكاته في إنجاح المهمة، وعندما يقول الله: {إِن يُرِيدَآ إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ} [النساء: 35]، فإياك أن تغتر بحزم الحكمين، وبذكاء الحكمين، فهذه أسباب.

ونؤكد دائماً: إياك أن تغتر بالأسباب؛ لأن كل شيء من المسبب الأعلى، ولنلحظ دقة القول الحكيم: {يُوَفِّقِ ٱللَّهُ بَيْنَهُمَآ} [النساء: 35] فسبحانه لم يقل: إن يريدا إصلاحاً يوفقا بينهما.

بل احتفظ سبحانه لنفسه بفضل التوفيق بين الزوجين.

ويذيل سبحانه الآية: {إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً} [النساء: 35] أي بأحوال الزوج، وبأحوال الزوجة، وبأحوال الحكم من أهله، وبأحوال الحكم من أهلها، فهم محوطون بعلمه.

وعلى كل واحد أن يحرص على تصرفه؛ لأنه مسئول عن كل حركة من الحركات التي تكتنف هذه القضية؛ فربنا عليم وخبير.

وما الفرق بين "عليم" و "خبير"؟

فالعلم قد تأخذه من علم غيرك إنما الخبرة فهي لذاتك.

وبعد أن تكلم الحق على ما سبق من الأحكام في الزواج وفي المحرمات، وأخذنا من مقابلها المحللات، وتكلم عمن لا يستطيع طولاً وتكلم عن المال، وحذرنا أن نأكله بالباطل، وتكلم عن الحال بين الرجل والمرأة، وبعد ذلك لفتنا الحق ووجهنا ونبهنا إلى المنهج الأعلى وهو قوله سبحانه: {وَٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ...}.



سورة النساء الآيات من 031-035 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة النساء الآيات من 031-035
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة النساء الآيات من 066-070
» سورة النساء الآيات من 146-150
» سورة النساء الآيات من 071-075
» سورة النساء الآيات من 151-155
» سورة النساء الآيات من 076-080

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: النساء-
انتقل الى: