منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers (إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..) |
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)
(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.
يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.
|
|
| سورة آل عمران الآيات من 176-180 | |
| | كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة آل عمران الآيات من 176-180 الجمعة 26 أبريل 2019, 6:23 am | |
| وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذينَ يُسَارعُونَ في الْكُفْر إنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُريدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا في الْآخرَة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظيمٌ [١٧٦] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
لقد كان المنافقون في أول المعركة مُختفين ومستورين، ثم ظهرت منهم بادرة الانخذال في أُحُد فكانوا أقرب إلى الكفر منهم إلى الإيمان، ولكنهم من بعد ذلك سارعوا إلى الكفر، كأن هناك من يلاحقهم بسوط ليتسابقوا إلى الكفر.
وها هو ذا الحق سبحانه قد حدّد عناصر المعركة، أو قوى المعركة، أو ميدان المعركة أو جنود المعركة، فينبه رسوله: {وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذينَ يُسَارعُونَ في ٱلْكُفْر} [آل عمران: 176] ولم يقل: لن يضروكم شيئاً؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته المؤمنين ليسوا طرفاً في المسألة، فعداء الذين يسارعون في الكفر هو عداء لله؛ لذلك يقول الحق: {إنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً} [آل عمران: 176].
كأن المعركة ليست مع المؤمنين.
ولكنها معركة الكافرين مع الله، وما دامت المعركة مع الله فالمؤمنون جند الله؛ وهم الصورة التي أرادها الله لهزيمة الكافرين: {قَاتلُوهُمْ يُعَذّبْهُمُ ٱللَّهُ بأَيْديكُمْ وَيُخْزهمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهمْ وَيَشْف صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمنينَ} [التوبة: 14].
فلو كانت معركة الكفر مع المؤمنين بالله فقط لقال الله: ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر إنهم لن يضروكم شيئاً، لكن المسألة ليست هكذا، لقد أراد معسكر الكفر والنفاق أن يدخل معركة مع الله، ولا توجد قوة قادرة على ذلك، ولهذا يطمئن الله المؤمنين أكثر، ليزدادوا ثباتاً على الإيمان؛ لأن الكل من البشر مؤمنين وكفاراً أغيار، وقد يتحول بعض من البشر المؤمنين الأغيار عن المنهج قليلاً، فعندما تكون المعركة بين بشر وبشر فقد يغلب أحد الطرفين بقوته.
ومن أجل المزيد من الاطمئنان الكامل نقل الله المعركة مع الكفر إلى مسألة أخرى، إنه بجلاله وكماله وجبروته هو الذي يقف ضد معسكر الكفار.
والمهم فقط أن يظل المؤمنون في حضانة الله.
والرسول كان يحزنه أن يُسارع البعض إلى الكفر.
فهل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم أنه إنما جاء مُبلّغًا فقط؟.
إنه يعلم ولكنه كان يحرص -صلى الله عليه وسلم- على أن يؤمن الناس جميعاً ليذوقوا حلاوة ما جاء به، هذا الحرص هو الذي يدفع الحُزن إلى قلب الرسول، وعندما يرى واحداً لا يتذوق حلاوة المنهج، فالرسول يأمل أن يذوق الناس كلهم حلاوة الإيمان؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- رءوف رحيم بالمؤمنين، بل وبالناس جميعاً {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لّلْعَالَمينَ} [الأنبياء: 107] ودليل ذلك أن جاءه التخيير.
فقد نادى جبريل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "إن الله قد سمع قول قومك لك وما ردّوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم.
قال: فناداني ملك الجبال وسلم عليّ ثم قال: يا محمد، إن الله قد بعثني إليك وأنا ملك الجبال لتأمرني بأمرك فما شئت؟
إن شئت أُطبق عليهم الأخشبين؟
فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "بل أرجو أن يُخْرِجَ اللهُ من أصلابهم مَنْ يعبد الله وحده ولا يُشرك به شيئاً".
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يُبقى على هؤلاء فقط ولكنه يحرص أيضاً على الأجيال القادمة.
وقد كان.
وخرج من أولاد كفار قريش صناديد وأبطال وجنود دعوة وشهداء.
فَكَان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، -كما أخبر الله في آيات القرآن- يحزن عندما لا يذوق أحد حلاوة الإيمان، ويقول الحق: {فَلَعَلَّكَ بَاخعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارهمْ إن لَّمْ يُؤْمنُواْ بهَـٰذَا ٱلْحَديث أَسَفاً} [الكهف: 6].
وفي موقع آخر يقول الحق: {لَعَلَّكَ بَاخعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمنينَ * إن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهمْ مّنَ ٱلسَّمَآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضعينَ} [الشعراء: 3-4].
والحق سبحانه وتعالى لا يريد أعناقاً، لكنه يريد قلوباً تأتي له بعامل الاختيار والمحبة، فباستطاعته وهو الخالق الأكرم أن يخلق البشر على هيئة عير قابلة للمعصية، كما خلق الملائكة، إن كل الأجناس تُسبّح بحمده، إذن فالقرآن يُبيّن حرصَه -صلى الله عليه وسلم- بأن يؤمن الناس جميعاً وأن يذوقوا حلاوة اللقاء بربهم، واتّباع منهج الله, وحلاوة التشريع الذي يُسعدهم ويُسعد كل ملكاتهم.
فإذا ما جاءت المسائل على غير ما يُحبُّ رسول الله.
فها هو ذا قول الله سبحانه: {وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذينَ يُسَارعُونَ في ٱلْكُفْر} [آل عمران: 176].
وهذا دليل على أن الله يريد أن يُبلّغ البشر: أيها الناس إن من فَرْط حُبّ الرسول لكم أنه يحزن من أجل عصيانكم وأنا الذي أقول له: لا تحزن.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- رحيم بالأمَّة كلّها، كما يقول القرآن: {وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لّلْعَالَمينَ} [الأنبياء: 107].
ويكفيه موقفه -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، حين تذهب كل أمة إلى رسولها ليردّها، فتأتي الأمم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيُكرمه الله بقبول شفاعته حتى يُعجّل الله بالفصل والحساب، وهذه رحمة للعالمين؛ لأنهم من هول الموقف يتمنّون الانصراف ولو إلى النار.
ونحن قلنا سابقاً: إن الحق سبحانه وتعالى علم انشغال سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأمته وبرحمته بهم، فقال له الله -ليريح عواطفه ومواجيده- ما ورد هنا في الحديث الشريف: فعن عبد الله بن عمر بن العاص -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تلا قول الله عز وجل في إبراهيم: {رَبّ إنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثيراً مّنَ ٱلنَّاس فَمَن تَبعَني فَإنَّهُ منّي} [إبراهيم: 36].
وقول عيسى -عليه السلام-: {إن تُعَذّبْهُمْ فَإنَّهُمْ عبَادُكَ وَإن تَغْفرْ لَهُمْ فَإنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزيزُ ٱلْحَكيمُ} [المائدة: 118].
فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى، فقال الله عز وجل: يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يُبكيك؟
فأتاه جبريل عليه الصلاة والسلام فسأله، فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما قال وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل، اذهب إلى محمد فقل: "إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك".
ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- له موقف آخر يدل على كمال رحمته بأمته، فقد أنزل الله فيما أنزل من القرآن الكريم -بعد فترة الوحي- قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} [الضحى: 5].
انظروا إلى ما ورد عن سيدنا علي في هذه الآية، فقد رويَ أنه -رضي الله عنه- قال لأهل العراق: إنكم تقولون: إن أرجى آية في كتاب الله تعالى: {قُلْ يٰعبَاديَ ٱلَّذينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسهمْ لاَ تَقْنَطُواْ من رَّحْمَة ٱللَّه إنَّ ٱللَّهَ يَغْفرُ ٱلذُّنُوبَ جَميعاً} [الزمر: 53].
قالوا: إنا نقول ذلك قال: ولكنّا -أهل البيت- نقول: إن أرجى آية في كتاب الله قوله تعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ} [الضحى: 5].
وفي الحديث لما نزلت هذه الآية قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذاً لا أرضى وواحد من أمتي في النار.
كما روي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لكل نبيٍّ دعوةٌ مُستجابة فتعجَّل كل نبيٍّ دعوته وإني اختبأت دعوتي شفاعتي لأمَّتي يوم القيامة“.
وهكذا نرى شغل رسول الله بأمته كأمر واضح موجود في بؤرة شعوره.
إذن فقول الله: {وَلاَ يَحْزُنكَ ٱلَّذينَ يُسَارعُونَ في ٱلْكُفْر} [آل عمران: 176] هو توضيح من الله لرسوله بأنهم لم يسارعوا في الكفر تقصيراً منك، فأنت قد أديت واجبك، ويضيف سبحانه: {إنَّهُمْ لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً} [آل عمران: 176] ولم يقل سبحانه: إنهم لن يضروك، أو لن يضروا المؤمنين، لا بل لقد جعل سبحانه وتعالى المعركة معه وهو القوي ذو الجبروت إنّه هنا يطمئن المؤمنين.
ويريد الله ألا يجعل للذين يسارعون إلى الكفر حظاً في الآخرة فيقول: {يُريدُ ٱللَّهُ أَلاَّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً في ٱلآخرَة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظيمٌ} [آل عمران: 176] وما دامت هذه إرادات الله في ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة، أيكون لهم عمل يصادم مرادات ربهم؟
لا.
إنه سبحانه يريد بما شرّع من منهج أن تأتيهم سُنّته، والله يعذّب من يخالف سُنته التي شرعها.
لأنه جلت قدرته يطلب من المكلفين أن يطبقوا سنته التي شرعها لهم.
وفرق بين وجود "لام العاقبة" التي تأتي حين يكون في مُراد العبد شيء، ولكن القُدرة الأعلى تريد شيئاً آخر، وهي تختلف عن "لام الإرادة والتعليل" فـ "لام الإرادة والتعليل" تتضح في قولنا: ذاكر التلميذ لينجح، لأن علّة المذاكرة هي الرغبة في النجاح، أما "لام العاقبة", فتتضح عندما يقول الأب لابنه: أنا دللتك لترسب آخر العام.
أدللّ الأب ابنه حتى يرسب؟
لا، ولكن الأب يأتي هنا بـ "لام العاقبة" أي كان للأب مراد، ولكن قدرة أعلى جاءت على خلاف المراد.
ونوضح المسألة أكثر، فالحق يقول في قصة سيدنا موسى: {وَأَوْحَيْنَآ إلَىٰ أُمّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضعيه فَإذَا خفْت عَلَيْه فَأَلْقيه في ٱليَمّ وَلاَ تَخَافي وَلاَ تَحْزَنيۤ إنَّا رَآدُّوهُ إلَيْك وَجَاعلُوهُ منَ ٱلْمُرْسَلينَ} [القصص: 7].
ونحن لابد أن نتنبه إلى قول الحق: "فألقيه في اليم" والإنسان العادي لو قال لامرأة تحمل رضيعها: إن خفت على ابنك فألقيه في البحر.
هذه المرأة لن تُصدّق هذا القائل، لكن أم موسى تلقت هذا الوحي من الله، والتّلقّي من الله لا يُصادمه فكر شيطان ولا فكر بشر، فالإلهام من الله يتجلّى في قوله: "وأوحينا إلى أم موسى”.
وما دام الله هو الذي ألهمها، فإن خاطر الشيطان لا يجيء.
ولذلك قامت أم موسى بتنفيذ أمر الله.
ويطمئنها الله فقال لها: {وَلاَ تَخَافي وَلاَ تَحْزَنيۤ إنَّا رَآدُّوهُ إلَيْك وَجَاعلُوهُ منَ ٱلْمُرْسَلينَ} [القصص: 7].
ويُنبّه سُبحانه أم موسى أنه لن يردّه إليها لمجرد أنه قُرة عين، ولكن لأن لموسى أيضاً مُهمّة مع الله.
وفي لقطة أخرى يقول الحق عن مسألة الوحي لأم موسى: {إذْ أَوْحَيْنَآ إلَىٰ أُمّكَ مَا يُوحَىٰ * أن ٱقْذفيه في ٱلتَّابُوت فَٱقْذفيه في ٱلْيَمّ فَلْيُلْقه ٱلْيَمُّ بٱلسَّاحل يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مّنّي وَلتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنيۤ} [طه: 38-39].
والحق هنا في هذه اللقطة يصف وقت تنفيذ العملية التي أوحى بها، ففيه فرق بين التمهيد للعملية قبل أن تقع كما حدث في اللقطة السابقة حيث قال لها الحق: {فَإذَا خفْت عَلَيْه فَأَلْقيه في ٱليَمّ} [القصص: 7].
كان ذلك هو الإعداد، ثم جاء وقت التنفيذ، فقال الحق لموسى: {إذْ أَوْحَيْنَآ إلَىٰ أُمّكَ مَا يُوحَىٰ} [طه: 38].
إنها سلسلة من الأوامر المتلاحقة التي تدل على أن هذه العملية كانت في وقت أخذ جنود فرعون لأطفال بني إسرائيل ليقتلوهم، إنه سبحانه يبين لنا أن جنود الله من الجمادات التي لا تعي تلقت الأمر الإلهي بأن تصون موسى، فكلمة "اقذفيه" تدل على السرعة، وتلقّي "اليم" الأمر من الله بأن موسى عندما يُلقى في البحر، فلابد أن يلقيه إلى الساحل.
{إذْ أَوْحَيْنَآ إلَىٰ أُمّكَ مَا يُوحَىٰ * أن ٱقْذفيه في ٱلتَّابُوت فَٱقْذفيه في ٱلْيَمّ فَلْيُلْقه ٱلْيَمُّ بٱلسَّاحل} [طه: 38-39] إنها أوامر للمُسخّر من المخلوقات التي لا تعصي.
لكن كيف تكون أوامر الحق لعدو لله؟
إن الله يدخلها كخاطر مُلحّ في رأس فرعون ليُنفّذ مُراد الله.
إن امرأة فرعون تقول له ما جاء في قوله تعالى: {وَقَالَت ٱمْرَأَةُ فرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخذَهُ وَلَداً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [القصص: 9].
لقد دخل أمر الله كخاطر، والتقطه آل فرعون لا ليكون قرة عين لامرأة فرعون، ولكن لأمر مختلف أراده الله.
فهل ساعة الالتقاط كان في بالهم أن يكون موسى عدوّاً أو قرة عين؟
إنها "لام العاقبة" التي تتضح في قوله: {ليَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} [القصص: 8].
فالإنسان يكون في مُراده شيء، ولكن القدرة الأعلى من الإنسان - وهو الله - تريد شيئاً آخر.
الإنسان في تخطيطه أن يقوم بالعملية لكذا، ولكن القوة الأعلى من الإنسان تريد العملية لهدفٍ آخر، وهي التي أوحت للإنسان أن يقوم بهذه العملية.
ويتجلّى ذلك بوضوح في العلة لالتقاط آل فرعون لموسى.
كان فرعون يريده قٌرّة عين له، ولكن الله أراده أن يكون عدوّاً لفرعون.
وفي هذا المثال توضيح شامل للفرق بين "لام العاقبة" و"لام الإرادة والتعليل" وعندما نرى أحداثاَ مثل هذه الأحداث فلا نقول: "هذا مراد الله" ولكن فلنقل: (العاقبة فيما فعلوا وأحدثوا خلاف ما خططوا).
وبعد ذلك يقول الحق: {إنَّ ٱلَّذينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بٱلإيمَان...}. |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 176-180 الجمعة 26 أبريل 2019, 6:28 am | |
| إنَّ الَّذينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بالْإيمَان لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ [١٧٧] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
إنهم لن يضروا الرسول وصحابته لأنهم في معيّة الله, وهم لن يضروا الله، وفي ذلك طمأنة للمُؤمنين، كأن الحق سبحانه وتعالى يقول: أيها المؤمنون بي المصدّقون بمحمد إن المعركة مع الكفر ليست معركة المؤمنين مع الكافرين، ولكنها معركة ربكم مع هؤلاء الكافرين, وفي هذا اطمئنان كبير.
{إنَّ ٱلَّذينَ ٱشْتَرَوُاْ ٱلْكُفْرَ بٱلإيمَان} [آل عمران: 177]، و"الاشتراء" صفقة، والصفقة تقتضي "ثمناً" و"مُثمناً”.
و"الثمن" هنا هو الإيمان، لأن الباء تدخل على المتروك، و"المثّمَن" هو الكفر لأنه هو المأخوذ.
فهل أخذوا الكفر ودفعوا الإيمان ثمناً له؟
وهل معنى ذلك أن الإيمان كان موجوداً لديهم؟
نعم كان عندهم الإيمان؛ لأن الإيمان القديم هو إيمان الفطرة وإيمان العهد القديم الذي أخذه الله على الذّر قبل أن توجد في الذّر الأغيار والأهواء: {وَإذْ أَخَذَ رَبُّكَ من بَنيۤ ءَادَمَ من ظُهُورهمْ ذُرّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسهمْ أَلَسْتُ برَبّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقيَامَة إنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافلينَ} [الأعراف: 172].
أو على الأقل كان الإيمان والكفر في متناولهم؛ بانضباط قانون الاختيار في النفس البشرية، لكنهم أخذوا الكفر بدل الإيمان.
والبدلية واضحة، فقد استبدلوا الكفر بالإيمان، فالباء -كما قلت- دخلت على المتروك.
لقد تركوا الإيمان القديم وهو إيمان الذّر، أو تركوا إيمان الفطرة فالحديث الشريف يقول: "كل مولود يُولد على الفطرة فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصرانه أو يُمجِّسانه“.
لقد انسلوا من الإيمان، ودفعوه ثمناً للكفر، فعندما يأخذ واحد الكفر، فهو قد أخذ الكفر بدلاً من الإيمان وهم {لَن يَضُرُّواْ ٱللَّهَ شَيْئاً وَلهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ} [آل عمران: 177]
لماذا؟
لأننا إن افترضنا أن الدنيا كلها قد آمنت فهذا لن يُفيد الله في شيء.
والحديث القدسي يقول: قال الله تعالى: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا، يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم، يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم، يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أُكسكُم، يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم، يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضُرّي فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسَكم وجنَّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنَّكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخْيَطُ إذا أُدْخل البحر، يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه“.
إذن، فلا الإيمان من البشر يزيد الله شيئاً، ولا الكفر ينقص من الله شيئاً؛ لأن الإنسان قد طرأ على ملك الله، ولم يأت الإنسان في ملك الله بشيء زائد، فالإنسان صنعة الله وخلقه من عناصر ملكه -جَلّتْ قُدرته- ويستمر الحديث في توضيح أنَّ الحق سبحانه لا يعالج شيئاً بيديه فيأخذ منه زمناً.
لا، إنه سبحانه جلّت مشيئته يقول للشيء: كُن؛ فيكون.
وكلمة "كُن" نفسها هي أقصر أمر.
إنّ أمره ألطف وأدق من أن يدركه على حقيقته مخلوق.
لكن الحق يأتي لنا بالصورة الخفيفة التي تجعل بشريتنا تفهم الأمر.
فالذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضرّو الله شيئاً ولهم عذاب أليم.
فهم لن يعيشوا بنَجْوَةٍ وبُعد عن العذاب، بل سيكون لهم العذاب الأليم.
ونحن نجد أن الحق يقول مرة في وصف مثوى الكافرين إنه عذاب أليم، ومرة أخرى لهم عذاب عظيم ومرة عذاب مهين،
لماذا؟
لأن العذاب له جهات متعددة، فقد يُوجد عذابٌ مؤلم، ولكن المُعَذَّب يتجلد أمام من يُعذبّه ويُظهر أنه ما زال يملك بقيّة من جَلَد، إنه يتألم لكنه يستكبر على الألم.
ولذَلك قال الشاعر: وَتجلَّــــدي للشامتيــــن أُريهم وإني لَريْب الدهر لا أتَضعضعُ
فالتجلّد هو نوع من الكبرياء على الواقع.
ولذلك يأتي من بعد ذلك قوله الحق إن لأمثال هؤلاء عذاباً مهيناً، أي إنهم سيذوقون الذّل والألم، ولا أحد فيهم يستطيع التجلّد.
وهذا النوع من العذاب لا يقف فقط عند حدود الألم العادي، ولكنه عذاب عظيم في كمّيته وقدره، وأليم في وقعه.
ومهين في إذلال ودكّ النفس البشرية وغُرورها: لذلك فعندما نجد أن العذاب الذي أعده الله للكافرين موصوف بأنه "عذاب أليم" ومرة "عذاب عظيم" ومرة "عذاب مهين" فلنعرف أن لكل واحدة معنى، فليست المسألة عبارات تقال هكذا بدون معنى مقصود.
وأريد أن أقف هنا في هذا الحديث عند "لام العاقبة" لأن البعض يحاول أن يخلق منها إشكالات، إنّ هؤلاء المتربصين لكلام الله يحاولون النيل منه، وهم لا يبحثون إلا فيما يتوهّمون -جهلاً- أنه نقاط ضعف، وهو سبحانه وتعالى يقول عن الكفار والعياذ بالله وهم في النار: {رَبَّنَآ أَخْرجْنَا منْهَا فَإنْ عُدْنَا فَإنَّا ظَالمُونَ * قَالَ ٱخْسَئُواْ فيهَا وَلاَ تُكَلّمُون * إنَّهُ كَانَ فَريقٌ مّنْ عبَادي يَقُولُونَ رَبَّنَآ آمَنَّا فَٱغْفرْ لَنَا وَٱرْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّاحمينَ * فَٱتَّخَذْتُمُوهُمْ سخْريّاً حَتَّىٰ أَنسَوْكُمْ ذكْري وَكُنْتُمْ مّنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون: 107-110].
لقد انشغل الكفار بالسّخرية من أهل الإيمان بإشاراتٍ أو لمزٍ وغمزٍ أو اتهام بالرجعية أو الدروشة أو مثل ذلك من ألوان السّخرية، لدرجة أنهم نسوا مسألة الإيمان، فما الذي أنساهم ذكر الله؟
لقد أنساهم ذكر الله انشغالهم بالسّخرية من أهل الإيمان.لقد قضى الكفار وقتهم كله للسّخرية من أهل الإيمان حتى نسوا ولم يتذكروا أن هناك خالقاً للكون.
وهذا ما يسمى "غاية العاقبة" وليست غاية وعلة للإرادة، لأنهم لم يريدوا نسيان ذكر الله ولكن أمرهم انتهى إلى ذلك.
وسيُعذّب الله الكافرين عذاباً أليماً وعظيماً ومُهيناً.
ولكل وصف مراده في النص حتى يستوعب كل حالات الإهانة من إيلام، فالذي لا يألم بشيء صغير ولا يتحمل الألم القوي سيجد الألم الكبير، وكذلك الذي يتجلد على الألم العظيم، سيجد الألم المهين.
ثم يقول الحق سبحانه: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسهمْ إنَّمَا نُمْلي...}. |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 176-180 الجمعة 26 أبريل 2019, 7:16 am | |
| وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسهمْ إنَّمَا نُمْلي لَهُمْ ليَزْدَادُوا إثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهينٌ [١٧٨] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وعندما نسمع قول الله: "ولا يحسبن" فهو نهي، وقد نهى الله الكافرين عن ماذا؟
إن الكافر عندما يجد نفسه قد أفلت في المعركة من سيف المؤمنين وأن عمره قد طال في الكفر، فهو يظن أن الحق سبحانه وتعالى تركه لخير له؛ لأنه يفهم أن عمره هو أثمن شيء عنده، فما دام قد حوفظ له على عمره فهو الخير.
نقول لمثل هذا الكافر: إن العمر زمن، والزمن وعاء الأحداث، إذن فالزمن لذاته لا يُمَجد إلا بالحدث الذي يقع فيه، فإن كان الحدث الذي يقع في الزمن خيراً؛ فالزمن خير.
وإن كان الحدث الذي يقع في الزمن شراً، فالزمن شر، وما دام هؤلاء كافرين، فلابد أن كل حركاتهم في الوجود والأحداث التي يقومون بها هي من جنس الشر لا من جنس الخير، لأنهم يسيرون على غير منهج الله.
وربما كانوا على منهج المضادة والمضارة لمنهج الله.
وذلك هو الشر.
إذن فالله لا يملي لهم بقصد الخير، إنما يملي الله لهم لأنهم ما داموا على الكفر فهم يشغلون أوقات أعمارهم بأحداث شرّية تخالف منهج الله.
وكل حدث شرّى له عذابه وجزاؤه.
إذن, فإطالة العمر لهم شر.
والحق سبحانه يقول: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسهمْ} [آل عمران: 178] و"يحسَبَنَّ" هي فعل مضارع، والماضي بالنسبة له هو "حسب" -بكسر السين- ولذلك قال الحق سبحانه في موقع آخر من القرآن الكريم: {أَحَسبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ أَن يَقُولُوۤاْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} [العنكبوت: 2].
إن الماضي هو "حَسبَ" -بكسر السين- والمضارع "يحسَب" -بفتح السين-.
أما حَسَبَ "يحسب" -بكسر السين- في المضارع وفتحها في الماضي فهي من الحساب والعدد، وهو عدد رقمي مضبوط.
أمر "حَسبَ" و"يحسَب" فتأتي بمعنى الظن، والظن كما نعرف أمر وهمي، والحق سبحانه يذكرهم أن ظنونهم بأن بقاء حياتهم هو خير لهم ليست حقاً.
بل هي حدس وتخمين لا يرقى إلى اليقين.
صحيح أن العمر محسوب بالسنوات؛ لأن العمر طرف للأحداث، والعمر بذاته -مجرداً عن الأحداث- لا يقال إن إطالته خير أو شر، وإنما يقال: إن العمر خير أو شر بالأحداث التي وقعت فيه، والأحداث التي تقع من الكافر تقع على غير منهج إيماني فلابد أن تكون شراً، حتى ولو فعل ما ظاهره أنه خير فإنه يفعله مضارة لمنهج الله.
فلو كانت المسألة بالعملية الرقمية؛ لقلنا: "حسَب" و"يحسب" -بفتح السين في الماضي وكسر السين في المضارع- لكن هي مسألة وهمية ظنية؛ لذلك نقول "يحسَب" -بفتح السين في المضارع- أي يظن.
وهو سبحانه يقول: {إنَّمَا نُمْلي لَهُمْ} [آل عمران: 178] ما الإملاء؟
الإملاء هو تمديد الوقت وإطالته.
ولذلك نجد في القرآن: {قَالَ أَرَاغبٌ أَنتَ عَنْ آلهَتي يٰإبْرَاهيمُ لَئن لَّمْ تَنتَه لأَرْجُمَنَّكَ وَٱهْجُرْني مَليّاً} [مريم: 46].
إنه يأمر سيدنا إبراهيم أن يهجره مدة طويلة.
هذا هو معنى "واهجرني ملياً”.
والمقصود هنا أن إطالة أعمارهم بعد أن أفلتوا من سيوف المؤمنين.
ليست خيراً لهم ولا يصح أن يظنوا أنها خير لهم، لأن الله إنما يملي لهم؛ "ليزدادوا إثماً ولهم عذاب مهين" وهنا نجد "لام العاقبة”.
وإياك أن تقول أيها المؤمن: إن الله قد فعل ذلك ليعاقبهم.
لا؛ لأن الله سبحانه وتعالى قد وضع سننه في الكون ويطبقها على من يخرج على منهجه، فمن يصنع إثماً يعاقبه الله عليه {إنَّمَا نُمْلي لَهُمْ ليَزْدَادُوۤاْ إثْمَاً} [آل عمران: 178] فكل ظرف من الزمن يمر عليهم يصنعون فيه أعمالاً آثمة على غير المنهج.
{وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهينٌ} [آل عمران: 178] وتأتي كلمة "مهين" وصفاً للعذاب مناسبة تماماً؛ لأن الكافر قد يخرج من المعركة وقد تملكه الزهو والعجب بأن أحداً لم يستطع أن يقطع رقبته بالسيف، ويتيه بالعزة الآثمة، لذلك فالإيلام هنا لا يكفي، لأنه قد يكتم الألم ويتجلد عليه، ولكن العذاب عندما يكون مهيناً فهو العقاب المناسب لمثل هذا الموقف.
والمتكلم هنا هو الله، وسبحانه العليم بالمناسب لكل حال.
ومن بعد ذلك يقول الحق: {مَّا كَانَ ٱللَّهُ ليَذَرَ ٱلْمُؤْمنينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْه حَتَّىٰ يَميزَ ٱلْخَبيثَ منَ ٱلطَّيّب وَمَا كَانَ ٱللَّهُ ليُطْلعَكُمْ...}. |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 176-180 الجمعة 26 أبريل 2019, 7:25 am | |
| مَا كَانَ اللَّهُ ليَذَرَ الْمُؤْمنينَ عَلَىٰ مَا أَنْتُمْ عَلَيْه حَتَّىٰ يَميزَ الْخَبيثَ منَ الطَّيّب وَمَا كَانَ اللَّهُ ليُطْلعَكُمْ عَلَى الْغَيْب وَلَٰكنَّ اللَّهَ يَجْتَبي منْ رُسُله مَنْ يَشَاءُ فَآمنُوا باللَّه وَرُسُله وَإنْ تُؤْمنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظيمٌ [١٧٩] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وساعة نسمع "ما كان" فلنعرف أن هنا "جحوداً" أي أن هناك من يجحد القضية, ويسمونها "لام الجحود”.
فقبل حادثة أُحُد، كان المنافقون متداخلين مع المؤمنين.
أكان الله يترك الأمر مختلطاً هكذا، ولا يُظهر المنافقين بأحداث تبين مواقعهم الحقة من الإيمان؟
لا، إنه سبحانه وتعالى لا يقبل ذلك؛ حتى لا يظل المنافقون دسيسة في صفوف المؤمنين.
وكان لابد أن تأتي الأحداث لتكشفهم.
وجاءت أحداث أُحُد لتهيج الصف المنسوب إلى الإيمان، وتفرزه ليتميز الخبيث من الطيب، مصداقاً لقوله الحق: {فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ في ٱلأَرْض} [الرعد: 17].
إذن كانت أحداث أُحُد ضرورية.
وقوله الحق: {مَّا كَانَ ٱللَّهُ ليَذَرَ ٱلْمُؤْمنينَ} [آل عمران: 179] مقصود بها أن الله لم يكن ليدع المؤمنين ويتركهم عرضة لاختلاط المنافقين بهم بدون أن يتميز المنافقون بشيء من الأشياء، حتى لا تظل المسألة مقصورة على ما يُعلمه الله لرسوله من أمر المنافقين.
فلو أعلم الله رسوله فقط بأمر المنافقين، ولو أعلن الرسول ذلك للمؤمنين دون اختبار واقعي للمنافقين لكان ذلك مجرد تشخيص نظري للنفاق يأتي من جهة واحدة، وأراد الله أن تأتي حادثة واضحة وتجربة معملية واقعية تبين وتظهر الواقع، حتى ينكشف المنافقون، وحتى لا يعترض أحد منهم عندما يوصف بأنه منافق، وحتى لا يكون هذا الوصف مجرد كلام من الخصم، بل بفعل ارتكبوه هم عملياً، وبذلك تكون الحجة قوية للغاية.
لقد كان المنافقون أسبق الناس إلى الصفوف الأولى في الصلاة؛ لأن كل منافق منهم أراد أن يَحْبكَ مسألة نفاقه، ويُواريه، فيحرص على ما يندفع المؤمنون إليه، والمنافق كان يعرف أن المؤمنين يتسابقون إلى الصلاة، فهو يسارع ليكون في الصف الأول من الصلاة.
ويخبر الله سبحانه وتعالى رسوله: {وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بسيمَاهُمْ وَلَتَعْرفَنَّهُمْ في لَحْن ٱلْقَوْل وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30].
أي لو لاحظت كلامهم لعرفتهم، مثلهم مثل كل المنافقين في الدنيا، تلاحظ في كلامهم لقطة من نفاق؛ فالمؤمن حين يجلس مع جماعة من المنافقين ويأتي وقت صلاة الظهر ويدعو الأذان إلى الصلاة، تجد المؤمن يقول: فلنقم إلى الصلاة, وهنا يسخر المنافق ويقول للمؤمن: لتأخذني على جناحك للجنة يوم القيامة.
ومثل هذه الكلمة يكون "لحن القول”.
أو عندما يدخل مؤمن على جماعة من الناس فيهم منافق، فيستقبل المنافق المؤمن بلهجة من السخرية في التحية، "كيف حالك أيها الشيخ (فلان)"؟
ومعنى ذلك أنه غير مستريح لوجود المؤمن فيسخر منه.
وذلك من "لحن القول" الذي يظهر به المنافق.
ومثل هذه العمليات عندما يواجهها المؤمن الواعي المستنير الذي يتجلّى الله عليه بالإشراقات النورانية، مثل هذه العمليات تكون وقوداً للمؤمن وتزيد من إيمانه؛ لأن المؤمن على منهج الحق، وقادر على نفسه؟
هذا ما يغيظ المنافق كثيراً؛ فالمنافق يتسائل بينه وبين نفسه: لماذا يقدر المؤمن على نفسه؟
والمنافق لا يقدر على نفسه؛ لذلك يريد أن يسحب المؤمن من عقيدته ليكون معه على النفاق والعياذ بالله.
وعلى المؤمن أن يوطن نفسه على أنه سيواجه منافقين يريدون أن يردوه عن الإيمان، وسيجد أناساً يسخرون منه ويتغامزون عليه، مصداقاً لقوله الحق: {إنَّ ٱلَّذينَ أَجْرَمُواْ كَانُواْ منَ ٱلَّذينَ آمَنُواْ يَضْحَكُونَ * وَإذَا مَرُّواْ بهمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإذَا ٱنقَلَبُوۤاْ إلَىٰ أَهْلهمُ ٱنقَلَبُواْ فَكهينَ * وَإذَا رَأَوْهُمْ قَالُوۤاْ إنَّ هَـٰؤُلاَء لَضَالُّونَ * وَمَآ أُرْسلُواْ عَلَيْهمْ حَافظينَ} [المطففين: 29-33].
والمنافق أو الكافر قد يقول لأهله: لقد رأيت اليوم شيخاً أو رجل دين أو متديناً فسخرت منه وأهنته ويتندر المنافق بمثل هذا القول في بيئته الفاسدة، ويكشفها الحق لنا بقوله الكريم.
ليطمئن المؤمنين، ويعوض كل مؤمن عما يصيبه من أهل النفاق والفساد: {فَٱلْيَوْمَ ٱلَّذينَ آمَنُواْ منَ ٱلْكُفَّار يَضْحَكُونَ * عَلَى ٱلأَرَآئك يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوّبَ ٱلْكُفَّارُ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المطففين: 34-36].
فالحق سبحانه يسأل المؤمنين يوم القيامة: هل قدرنا أن نجازي الكفار والمنافقين الذين سخروا منكم؟
فيقولون: نعم يارب العالمين قد جوزوا وأثيبوا على فعلهم أوفى الجزاء وأتمه وأكمله.
إن سخرية المنافقين والكافرين من المؤمنين لها أمد دنيوي ينقضي، ولكن السخرية في الآخرة لا تنقضي أبداً.
وعندما نقيسها نحن المؤمنين، نجد أننا الفائزون الرابحون إن شاء الله.
فلو ترك أي منافق ليتداخل في أحضان المؤمنين، ولا يظهر ذلك للمؤمنين لكانت المسألة صعبة العلاج، ولهذا يقول الحق للرسول -صلى الله عليه وسلم-: {وَلَوْ نَشَآءُ لأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بسيمَاهُمْ وَلَتَعْرفَنَّهُمْ في لَحْن ٱلْقَوْل وَٱللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 30].
والحق لا يكتفي بذلك، لكنه يكشف لنا واقع المنافقين بتجارب معملية حتى لا يقول واحد منهم: لست منافقاً.
وعندما يظهر الله المنافق ويكشفه بحادثة مدوية فعليه، ومخجلة تبين أنه منافق، فيكون قد وُصم بالنفاق، لأن كثيراً من الناس الذين يظلون طوال عمرهم ينافقون اعتماداً على أنهم مسلمون في الظاهر لا يتركهم الله، بل لابد أن يأتي الله لهم بخاطر من الخواطر ويقعوا في فخ اكتشاف المؤمنين لهم حتى يعرفهم المؤمنون ويقيّموهم على حقيقتهم، فسبحانه وتعالى القائل: {مَّا كَانَ ٱللَّهُ ليَذَرَ ٱلْمُؤْمنينَ عَلَىٰ مَآ أَنْتُمْ عَلَيْه حَتَّىٰ يَميزَ ٱلْخَبيثَ منَ ٱلطَّيّب} [آل عمران: 179].
وكلمة "يذر" تعني "يترك" أو "يدع”.
والدارسون للنحو يعرفون أن هناك فعلين هما "يذر" و"يدع"، أهملت العرب الفعل الماضي لهما، فهذان الفعلان ليس لهما فعل ماضٍ.
ونستخدمهما في صيغة المضارع.
والحق سبحانه لم يكن ليدع المؤمنين على ما هم عليه من الاختلاط واندساس المنافقين بينهم وعدم معرفة المؤمنين للمنافقين؛ لذلك يميز ويظهر الخبيث من الطيب.
فلا يكتفي بإخبار النبي بأمر الخبثاء فقط، ولكنه يكشف الخبثاء بفعل واقعي.
فيقول: {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ ليُطْلعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْب} [آل عمران: 179]؛ لأن الله لو أطلعكم على الغيب لتعرفوا المنافقين لأنكروا أنفسهم منكم وستروها عنكم، ولذلك يجري سبحانه الوقائع لتكشف الخبيث من الطيب، وبعد ذلك يوصم المنافق بالنفاق بإقرار نفسه وإقرار فعله.
{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ ليُطْلعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْب وَلَكنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبي من رُّسُله مَن يَشَآءُ} [آل عمران: 179].
إنه جل وعلا يختار من رسله من يشاء ليطلعهم على بعض الغيب حتى يزدادوا ثقة في أن الله لا يتخلّى عنهم، أي يعطي للرسول دلالات على المنافقين، حتى يزداد الرسول ثقة في أن الله لا يتخلّى عنه.
والله برحمته لا يكشف الغيب لكل المؤمنين، فلو اطلع المؤمن على الغيب لفسدت أمور كثيرة في الكون.
وَهَبْ أن الله أطلع الإنسان على غيب حياته، فعرف الإنسان ألف حادثة سارة ثم حادثة واحدة مكدرة؛ فإن كدر الإنسان بالحادثة الواحدة المكدرة التي تقع بعد عشرين عاماً يفسد على الإنسان تنعمه بالأحداث السارة.
وإن كان الإنسان يريد أن يطلع على غيب الناس فهل يقبل أن يطلع على غيبه أحد؟
فلماذا تريد أيها الإنسان أن تعرف غيب غيرك؟
أيرضى أي واحد منا أن يعرف الناس غيبه؟
لا.
إذن فستر المعلومات عن الناس وجعلها غيباً هي نعمة كبرى.
ومع ذلك فالناس تُلح أن تعرف الغيب.
ونرى من يجري على الدجالين والعرافين ومن يدعون كذباً أنهم أولياء لله، وكل ذلك من أجل أن يعرف الواحد بعضاً من الغيب.
وهنا نقول: ليست مهارة العارف في أن يقول لك ماذا سيحدث لك في المستقبل، لكنها في أن يقول واحد من هؤلاء المدّعين لمعرفة الغيب: إن حادثاً مكروهاً سيقع لك، وسأمنعه أو أدفعه بعيداً عنك.
لا أحد يستطيع دفع قدر الله, ولذلك فلنترك المستقبل إلى أن يقع.
لماذا؟
حتى لا يحيا الواحد منا في الهم والحزن قبل أن يقع.
إذن فقول الحق: {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ ليُطْلعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْب} [آل عمران: 179] هو سنة من الله لأن نظام الملك ينتظم بها ويحتاج إليها.
فكل إنسان له هزات مع نفسه، وقد تأتي له فترة يضعف فيها في شيء من الأشياء، فإذا ما عرف الغير منطقة الضعف في إنسان ما، وعرف هذا الإنسان منطقة الضعف في أخيه، فلسوف يبدو كل الناس في نظر بعضهم بعضاً ضعافاً.
ومن فضل الله أن أخفى غيب الناس عن الناس.
وجعل الله إنساناً ما قوياً فيما لا نعلم، وذلك قوياً فيما لا نعلم، وبذلك تسير حركة الحياة بانتظامها الذي أراده الله.
{وَمَا كَانَ ٱللَّهُ ليُطْلعَكُمْ عَلَى ٱلْغَيْب وَلَكنَّ ٱللَّهَ يَجْتَبي من رُّسُله مَن يَشَآءُ} [آل عمران: 179] والحق يجتبي من الرسل، أي بعضاً من الرسل -لا كل الرسل- ليطلعهم على الغيب حتى يعطي لهم الأمان بأنهم موصولون بمن أرسلهم، فهو سبحانه لم يرسلهم ليتخلّى عنهم، لا، إنهم موصولون به؛ لذلك يطلعهم على الغيب، وقلنا: إن الغيب أنواع: فمطلق الغيب: هو ما غاب عنك وعن غيرك.
ولكنَّ هناك غيباً غائباً عنك وهو معلوم لغيرك، وهذا ليس غيباً.
مثال ذلك إن ضاعت من أحدكم حافظة نقوده، وسارقها غيب، ومكانها غيب عن صاحبها، لكن الذي سرقها عارف بمكانها، إذن فهذا غيب على المسروق، ولكنه ليس غيباً على السارق.
لأنه ليس غيباً مطلقاً، وهذا ما يضحك به الدجالون على السذج من الناس، فبعض من الدجالين والمشعوذين قد يتصلون بالشيطان أو الجن؛ ويقول للمسروق حكاية ما عن الشيء الذي سُرق منه وهؤلاء المشعوذون لا يعرفون الغيب؛ لأن الغيب المطلق هو الذي لا يعلمه أحد، فقد استأثر به الله لنفسه.
ومثال آخر: الأشياء الابتكارية التي يكتشفها البشر في الكون، وكانت سراً ولكن الله كشف لهم تلك الأشياء، وقد يتم اكتشافها على يد كفار أيضاً.
فهل قال أحدٌ: إنهم عرفوا غيباً؟
لا؛ لأن لمثل هذا الغيب مقدمات، وهم بحثوا في أسرار الله، ووفقهم سبحانه أن يأخذوا بأسبابه ما داموا قد بذلوا جهداً، والله يعطي الناس -مؤمنهم وكافرهم- أسبابه.
وما داموا يأخذون بها فهو يعطيهم المكافأة على ذلك.
ولله المثل الأعلى، وسبحانه منزه عن كل تشبيه، أقول لكم هذا المثل للتقريب: المدرس الذي يعطي تمرين هندسة للتلميذ ليقوم بحله، فهل مجيء الحل غيب.؟
لا؛ لأن التلميذ يعرف كيف يحل التمرين الهندسي؛ لأن فيه المعطيات التي يتدبر فيها بأسلوب معين فتعطي النتيجة.
وما دام التلميذ يخرج بنتيجة لتمرين ما بعد معطيات أخذها، فذلك ليس غيباً.
ولذلك فعلينا أن نفطن إلى أن الغيب هو ما غاب عن الكل، وهذا ما استأثر الله بعلمه وهو الغيب المطلق، وهو سبحانه وتعالى يطلع عليه بعضاً من خلقه من الرسل، وهو سبحانه القائل: {عَالمُ ٱلْغَيْب فَلاَ يُظْهرُ عَلَىٰ غَيْبه أَحَداً * إلاَّ مَن ٱرْتَضَىٰ} [الجن: 26-27].
وأما الأمر المخفي في الكون، وكان غيباً على بعض من الخلق ثم يصبح مشهداً لخلق آخرين فلا يقال إنه غيب، وعرفنا ذلك أثناء تناولنا بالخواطر لآية الكرسي: {ٱللَّهُ لاَ إلَـٰهَ إلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا في ٱلسَّمَاوَات وَمَا في ٱلأَرْض مَن ذَا ٱلَّذي يَشْفَعُ عنْدَهُ إلاَّ بإذْنه يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْديهمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحيطُونَ بشَيْءٍ مّنْ علْمه إلاَّ بمَا شَآءَ وَسعَ كُرْسيُّهُ ٱلسَّمَاوَات وَٱلأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حفْظُهُمَا وَهُوَ ٱلْعَليُّ ٱلْعَظيمُ} [البقرة: 255].
إن الحق سبحانه قد نسب هنا الإحاطة للبشر، ولكن بإذن منه، فهو يأذن للسر أن يولد، تماماً كما يوجد للإنسان سلالات ولها أوقات معلومة لميلادها، كذلك أسرار الكون لها ميلاد.
وكل سر في الكون له ميلاد، هذا الميلاد ساعة يأتي ميعاده فإنه يظهر، ويحيط به البشر.
فإن كان العباد قد بحثوا عن السر وهم في طريق المقدمات ليصلوا إليه ووافق وصولهم ميعاد ميلاده، ليكونوا هم المكتشفين له.
وإن لم يحن ميعاد ميلاد هذا السر فلن يتم اكتشافه واذا حان ميلاد السر ولم يوجد عالم معملي يأخذ بالأسباب والمقدمات فالله يخرج هذا السر كمصادفة لواحد من البشر.
وحينئذ يقال: إن هذا السر قد ولد مصادفة من غير موعد ولا توقع.
وأسرار الله التي جاءت على أساسها الاكتشافات المعاصرة، كثير منها جاء مصادفة.
فالعلماء يكونون بصدد شيء، ويعطيهم الله ميلاد سر آخر.
إذن فليس كل اكتشاف ابناً لبحث العلماء في مقدمات ما، ولكن العلماء يشتغلون من أجل هدف ما، فيعطيهم الله اكتشاف أسرار أخرى؛ لأن ميلاد تلك الأسرار قد جاء والناس لم يشتغلوا بها.
ويتكرم الله على خلقه ويعطيهم هذه الأسرار من غير توقع ولا مقدمات.
ويستمر سياق الآية {فَآمنُواْ بٱللَّه وَرُسُله وَإن تُؤْمنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظيمٌ} [آل عمران: 179] وهو سبحانه يخاطب المؤمنين.
والحق سبحانه وتعالى إذا خاطب قوماً بوصف، ثم طلب منهم هذا الوصف فما معناه؟.
ومثال ذلك قول الحق سبحانه: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ آمنُواْ} [النساء: 136].
إنهم مؤمنون، والحق قد ناداهم بهذا الوصف.
معنى ذلك أنه يطلب منهم الالتزام بمواصفات الإيمان على مر الأزمان لأن الإيمان هو يقين بموضوعات الإيمان في ظرف زمني، والأزمان متعاقبة لأن الزمن ظرف غير قارٍ.
و"غير قارٍ" تعني أن الحاضر يصير ماضياً، والحاضر كان مستقبلاً من قبل.
فالماضي كان في البداية مستقبلاً، ثم صار حاضراً، ثم صار ماضياً.
والزمن "ظرف"، ولكن ظرف غير قار.
أي غير ثابت.
لكن المكان ظرف ثابت قار.
فكأن الله يخاطبك: إن الزمن الذي مر قبل أن أخاطبك شُغل بإيمانك، والزمن الذي يجيء أيضاً اشغله بالإيمان.
إذن معنى ذلك: يا أيها الذين آمنوا داوموا على إيمانكم.
{وَإن تُؤْمنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظيمٌ} [آل عمران: 179] ولنا أن نتصور عظمة عطاء الحق، فالمنهج الإيماني يعود خيره على من يؤديه، ومع ذلك فالله يعطي أجراً لمن اتبع المنهج.
إذن فعندما يضع الحق سبحانه وتعالى منهجاً فإنه قد فعله لصالح البشر وأيضاً يثيبهم عليه، وهو يقول: {فَمَن ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضلُّ وَلاَ يَشْقَىٰ * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذكْري فَإنَّ لَهُ مَعيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ ٱلْقيامَة أَعْمَىٰ} [طه: 123-124].
إن المتَّبع للمنهج يأخذ نفعه ساعة تأدية هذا المنهج.
ويزيد الله فوق ذلك أنه سبحانه يعطي المتبع للمنهج أجراً، وهذا محض الفضل، وقلنا من قبل: إن العمر الذي يمده الله للكافرين والمنافقين ليس خيراً.
إذن فعلى الناس أن يأخذوا المسائل والأزمنة بتبعات وآثار ونتائج ما يحدث فيها.
ويقول الحق بعد ذلك: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذينَ يَبْخَلُونَ بمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ من فَضْله هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخلُواْ به يَوْمَ ٱلْقيَامَة...}. |
| | | أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 176-180 الجمعة 26 أبريل 2019, 7:26 am | |
| وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذينَ يَبْخَلُونَ بمَا آتَاهُمُ اللَّهُ منْ فَضْله هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخلُوا به يَوْمَ الْقيَامَة وَللَّه ميرَاثُ السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَاللَّهُ بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ [١٨٠] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
لقد ظن بعض من المنافقين والكفار أن طول العمر ميزة لهم، وها نحن أولاء بصدد قوم آخرين ظنوا أن المال الذي يجمعونه هو الخير فكلما زاد فرحوا.
فيقول الحق: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذينَ يَبْخَلُونَ بمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ من فَضْله} [آل عمران: 180].
فالمال قد جاءهم من فضل الله، ذلك بأنهم دخلوا الدنيا بغير جيوب.
ولا أحد فينا قد رأى كفناً له جيوب.
ولا أحد فينا قد رأى قماط طفل وليد له جيوب.
فالإنسان يدخل الدنيا بلا جيب، ويخرج بلا جيب.
وكل ما يأتي للإنسان هو من فضل الله، فلا أحد قد ابتكر الأشياء التي يأتي منها الرزق.
ويمكن أن تبتكر من رزق موجود.
فتطور في الوسائل والأسباب وللإنسان جزء من الحركة التي وهبها الله له ليضرب في الأرض، ولكن لا أحد يأتي بأرض من عنده ليزرع فيها، ولا أحد يأتي ببذور من عنده لم تكن موجودة من قبل ويزرعها، ولا أحد يأتي بماء لم يوجد من قبل ليروي به، فالأرض من الله، والبذور عطاء من الله، والماء من رزق الله، وحتى الحركة التي يتحرك بها الإنسان هي من فضل الله.
فبالله لو أراد إنسان أن يحمل الفأس ليضرب في الأرض ضربة، فهل يعرف الإنسان كم عضلة من العضلات تتحرك ليرفع الفأس؟
وكم عضلة تتحرك حين ينزل الفأس؟!!
وعندما يضرب الإنسان الفأس.
فهو يضربها في أرض الله.
والذي أراد لنفسه فأساً فإنه يذهب إلى الحداد ليصنعها له، لكن هل سأل الإنسان نفسه من أين أتى الحديد؟
وفي هذه قال الحق: {وَأَنزَلْنَا ٱلْحَديدَ فيه بَأْسٌ شَديدٌ وَمَنَافعُ للنَّاس} [الحديد: 25].
إذن فماذا تُوجد أنت أيها الإنسان؟
أنت تأخذ المواد الخام الأولية من عند الله، وتبذل فيها الحركة الممنوحة لك من الله، وأنت لا توجد شيئاً من معدوم؛ بل إنك توجد من موجود، فكل شيء من فضل الله.
وأنت أيها الإنسان مضارب في كون الله.
فعقلك الذي يفكر، من الذي خلقه؟
إنه الله.
وجوارحك التي تنفعل للعقل من الذي خلقها؟
إنه الله.
وجوارحك تنفعل في منفعل هو الأرض، بآلة هي الفأس، ثم ترويها بماء هو نازل من السماء.
فما الذي هو لك أيها الإنسان؟
إن عليك أن تعرف أنه ليس لك شيء في كل ذلك، إنما أنت مضارب لله.
فلتعطه حق المضاربة.
والحق سبحانه لا يطلب إلا قدراً بسيطاً من نتاج وثمرة الأرض.
إن كانت تروى بماء السماء فعليك عشر نتاجها.
وإن كانت الأرض تروى بآلة الطنبور أو الساقية فعليك نصف العشر.
والذي يزرع أرضاً فإنه يحرثها في يوم، ويرويها كل أسبوعين.
أما الذي يتاجر في صفقات تجارية فهي تحتاج إلى عمل في كل لحظة، لذلك فإن الحق قدّر الزكاة عليه بمقدار اثنين ونصف بالمائة.
إذن فكلما زادت حركة الإنسان قلل الله قدر الزكاة.
وهذه العملية على عكس البشر.
فكلما زادت حركته.
فإنهم يأخذون منه أكثر!!
والله سبحانه يريد أن توجد الحركة في الكون؛ لأنه إن وجدت الحركة في الكون انتفع الناس وإن لم يقصد التحرك.
وبعد ذلك فأين يذهب الذي يأخذه الله منك؟.
إنه يعطيه لأخ لك ولغيره.
فما دام سبحانه يعطي أخاً لك وزميلاً لك من ثمرة ونتيجة حركتك، ففي هذا اطمئنان وأمان لك، لأن الغير سيعطيك لو صرت عاجزاً غير قادر على الكسب.
وفي هذا طمأنينة لأغيار الله فيك.
فإن جاءت لك الأغيار فستجد أناساً يساعدونك، وبذلك يتكاتف المجتمع, وهذا هو التأمين الاجتماعي في أرقى معانيه.
أليس التأمين أن تعطي وأنت واجد وأن تأخذ وأنت فاقد؟.
إذن فهذا كله من فضل الله.
{وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذينَ يَبْخَلُونَ بمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ من فَضْله هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ} [آل عمران: 180] إن الذين يبخلون بفضل الله يظنون أن البخل خير لمجرد أنه يكدس عندهم الأموال، وليس ذلك صحيحاً؛ لأن الحق يقول: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخلُواْ به يَوْمَ ٱلْقيَامَة} [آل عمران: 180] أي أن ما بخلوا به يصنعه الله طوقاً في رقبة البخيل، وساعة يرى الناس الطوق في رقبة البخيل يقولون: هذا منع حق الله في ماله.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يصور هذه المسألة تصويراً دقيقاً حين يبين لنا أن من يُطلب منه حق الله ولم يؤده، يأتي المال الذي منعه وضن وبخل به يتمثل لصاحبه يوم القيامة "شجاعاً أقرع" وهو ثعبان ضخم، ويطوق رقبته.
قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته مُثّلَ له شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمتيه -يعني شدقيه- يقول: "أنا مالُك أنا كنزك" ثم تلا قوله تعالى: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ ٱلَّذينَ يَبْخَلُونَ بمَآ آتَاهُمُ ٱللَّهُ من فَضْله} إلى آخر الآية.
إذن فالذي يدخر بخلاً على الله فهو يزيد من الطوق الذي يلتف حول رقبته يوم القيامة.
{وَللَّه ميرَاثُ ٱلسَّمَاوَات وَٱلأَرْض وَٱللَّهُ بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ} [آل عمران: 180] نعم فلله ميراث السماوات والأرض، ثم يضعها فيمن يشاء، فكل ما في الكون نسبته إلى الله، ويوزعه الله كيفما شاء.
إن الإيمان يدعونا ألاَّ ننتظر بالصدقة إلى حالة بلوغ الروح الحلقوم، فقد روي عن أبي هريرة أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول أي الصدقة أعظم أجراً؟
قال: "أن تصدّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان".
لأنه عند وصول الروح الى الحلقوم لا يكون له مال.
قول الحق: {وَٱللَّهُ بمَا تَعْمَلُونَ خَبيرٌ} [آل عمران: 180] قضية تجعل القلب يرتجف خوفاً ورعباً، فقد يدلس الإنسان على البشر، فتجد من يتهرب من الضرائب ويصنع تزويراً دفترين للضرائب، واحداً للكسب الصحيح وآخر للخسارة الخاطئة ويكون هذا المتهرب من الضرائب يملك المال ثم ينكر ذلك، هذا الإنسان عليه أن يعرف أن الله خبير بكل ما يعمل.
وبعد ذلك يقول الحق: {لَّقَدْ سَمعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذينَ قَالُوۤاْ إنَّ ٱللَّهَ فَقيرٌ وَنَحْنُ أَغْنيَآءُ...}. |
| | | | سورة آل عمران الآيات من 176-180 | |
|
مواضيع مماثلة | |
|
| صلاحيات هذا المنتدى: | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
| |
| |
| |
|