أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة آل عمران الآيات من 126-130 الأربعاء 24 أبريل 2019, 10:01 pm | |
| وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلتَطْمَئنَّ قُلُوبُكُمْ به وَمَا النَّصْرُ إلَّا منْ عنْد اللَّه الْعَزيز الْحَكيم [١٢٦] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
فإياك أن تظن أن المدد بالثلاثة آلاف أو الخمسة آلاف، الذين أنزلهم الله وأمدكم بهم أو بالملائكة المدربين على القتال.
إياكم أن تظنوا أن هذا المدد، هو شرط في نصر الله لك.
بذاتك أو بالملائكة؛ إنه قادر على أن ينصرك بدون ملائكة، ولكنها بشرى لتؤنس المادة البشرية، فساعة يرى المؤمنين أعداداً كبيرة من المدد، والكفار كانوا متفوقين عليهم في العدد، فإن أسباب المؤمنين تطمئن وتثق بالنصر.
إذن فالملائكة مجرد بُشْرَى، ولكن النصر من عند الله العزيز الذي لا يُغلب.
وكل الأمور تسير بحكمته التي لا تعلوها حكمة أبداً.
يقول الحق من بعد ذلك: {ليَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ ٱلَّذينَ كَفَرُوۤاْ...}. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 126-130 الأربعاء 24 أبريل 2019, 10:02 pm | |
| ليَقْطَعَ طَرَفًا منَ الَّذينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبتَهُمْ فَيَنْقَلبُوا خَائبينَ [١٢٧] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وقطع الطرف يتحدد بمعرفة ما هو طرف
لماذا؟
فإن كان الطرف هو العدد الكثير فقطع الطرف أن يُقتل بعضه.
وإن كان الطرف هو أرضاً واسعة فقطع الطرف أن يأخذ من أرضهم.
ولذلك يقول الحق سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتي ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا منْ أَطْرَافهَا وَٱللَّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقّبَ لحُكْمه وَهُوَ سَريعُ ٱلْحسَاب} [الرعد: 41].
لقد كانت الأرض الكُفْريّة تخسر كل يوم جزءاً منها لينضم هذا الجزء إلى الأرض الإيمانية، هذا بالنسبة لسعة الأرض، وافرض أن الطرف هو المال، فقطع الطرف هنا يكون بأن نأخذ بعض المال كغنائم، ثم هناك المنزلة التي كانت تهابها الجزيرة كلها، كل الجزيرة تهاب قريشاً، وقوافلها التجارية للشمال والجنوب لا تستطيع قبيلة أن تتعرض لها؛ لأن كل القبائل تعرف أنها ستذهب إلى البيت في موسم الحج، فلا توجد قبيلة تتعرض لها لأنها غداً ستذهب إلى قريش، إذن فالسيادة والعظمة كانت لقريش، وساعة تعلم القبائل أن رجال قريش قد كسروا وانهزموا، وأن رحلتهم إلى الشام أصبحت مهددة، فإنهم يبحثون عن فريق آخر يذهبون إليه.
إن قطع الطرف كان على أشكال متعددة، فإن كان طرفَ عددٍ فيقتل بعضهم، وإن كان طرفَ أرض فبعضها يؤخذ وتذهب إلى أرض إيمانية، وإن كانت عظمة وقهراً تأتيهم الهزيمة، وإن كان نفوذاً في الجزيرة فهو يتزلزل {ليَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ ٱلَّذينَ كَفَرُوۤاْ} [آل عمران: 127].
ولنلحظ أن الحق قد قال: "ليقطع طرفاً" -لم يقل ليستأصل- لأن الله سبحانه وتعالى أبقى على بعض الكفار لأن له في الإيمان دوراً، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ممتلئاً بالعطف والرحمة والحنان على أمَّتِهِ، وكان يُحسِنُ الظّنَّ بالله أن يهديهم، ولذلك تعدَّدت آيات القرآن التي تتحدَّث في هذا الأمر.
ها هو ذا الحق يقول: {فَلَعَلَّكَ بَاخعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارهمْ إن لَّمْ يُؤْمنُواْ بهَـٰذَا ٱلْحَديث أَسَفاً} [الكهف: 6].
وفي موقع آخر بالقرآن الكريم يقول الحق: {لَعَلَّكَ بَاخعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمنينَ * إن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهمْ مّنَ ٱلسَّمَآء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضعينَ} [الشعراء: 3-4].
والله يقول لرسول -صلى الله عليه وسلم-: "فإنّما عليك البلاغ" والرسول يحب أن يهتدي إلى الإيمان كل فرد في أمته، فقال الحق: {لَيْسَ لَكَ منَ ٱلأَمْر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهمْ...}. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 126-130 الأربعاء 24 أبريل 2019, 10:04 pm | |
| لَيْسَ لَكَ منَ الْأَمْر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإنَّهُمْ ظَالمُونَ [١٢٨] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
أي ليس لك يا محمد من الأمر شيء إلا أن يتوب الله عليهم فتفرح بتوبتهم، أو يعذبهم، فلا يحزنك ذلك لأنهم ظالمون أي ما عليك يا محمد إلاَّ البلاغ فقط.
أما هم فقد ظلموا أنفسهم بالكفر.
والظلم كما نعرف هو أخذ الحق من ذي الحق وإعطاؤه لغيره.
وقمة الظلم هو إضفاء صفة الألوهية على غير الله, وهو الشرك.
ولذلك يقول الحق: {إنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ} [لقمان: 13].
إن الحق يقول لرسوله -صلى الله عليه وسلم-: {لَيْسَ لَكَ منَ ٱلأَمْر شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهمْ أَوْ يُعَذّبَهُمْ فَإنَّهُمْ ظَالمُونَ} [آل عمران: 128].
وهذه مسألة لم تخرج عن ملك الله.
لماذا؟
لأن السماوات والأرض وما فيهن ملك لله: قيل أراد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد أن خضّب المشركون وجهه بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم - أراد عليه الصلاة والسلام أن يدعو عليهم فنهاه الله لعلمه -سبحانه- أن فيهم من يؤمن وأنزل قوله تعالى: {وَللَّه مَا في ٱلسَّمَاوَات وَمَا في ٱلأَرْض يَغْفرُ لمَن يَشَآءُ...}. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 126-130 الأربعاء 24 أبريل 2019, 10:05 pm | |
| وَللَّه مَا في السَّمَاوَات وَمَا في الْأَرْض يَغْفرُ لمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحيمٌ [١٢٩] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وبما أننا نتحدث عن ملامح في غزوة أحد أريد أن أقول: "جبل أُحُدٍ -رضي الله عنه-"؛ لأننا سمعنا بعض العارفين بالله حين تذكر كلمة "أحد" قال: أحد -رضي الله عنه- فتعجب القوم لقول الشيخ عبد الله الزيدان الذي قال ذلك، فما رأى عجبهم قال لهم: ألم يخاطبه رسول الله بقوله: "اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان"، ألم يقل فيه رسول الله: "أحُدٌ جبل يحبنا ونحبه".
أتريدون أحسن من ذلك في الصحبة!, قل: أحد -رضي الله عنه- وقلنا سابقاً: إنك إذا وقف عقلك في حاجة فلا تأخذها بمقاييسك أنت، بل خذها بالمقاييس الأعلى.
ونحن نقول هذا الكلام لأن العلم الآن يجري ويسعى سعياً حثيثاً مسرعاً حول استخراج بعض أسرار الله في الكون، فبين لنا أن الحيوانات لها لغات تتفاهم بها, ويحاولون الآن أن يضعوا قاموسا للغة الأسماك.
والحق سبحانه وتعالى ذكر لنا حكاية النملة مع سليمان -عليه السلام- فقال: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكنَكُمْ لاَ يَحْطمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} [النمل: 18].
هذا القول يدل على أنّ نملة خرجت وقامت بعمل (وردية) كي تحافظ على من معها ثم عادت لتتكلم مع أبناء فصيلتها، وسمعها سيدنا سليمان، فتبسم من قولها.
إذن العلم يتسابق ويجد وَيُسَارع الآن ليثبت أن لكل جنس في الوجود لغة يتفاهم بها، وكل جنس في الوجود له انفعال، وكل جنس في الوجود له تكاثر، ولذلك قال الحق لنا على لسان سيدنا سليمان: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ عُلّمْنَا مَنطقَ ٱلطَّيْر وَأُوتينَا من كُلّ شَيْءٍ إنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْمُبينُ} [النمل: 16].
وكانت هذه خصوصية لسيدنا سليمان عليه السلام، إذن فللطير منطق.
وعندما نتسامى ونذهب إلى الجماد نسمع قول الحق سبحانه في آل فرعون وعدم بكاء الجماد عليهم: {كَمْ تَرَكُواْ من جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَريمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فيهَا فَاكهينَ * كَذَلكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرينَ} [الدخان: 25-29].
هل تبكي السماء والأرض؟
إنه أمر عجيب؛ فالجماد من سماء وأرض لا تتفاهم فقط ولكن لها عواطف أيضاً؛ لأن البكاء إنما ينشأ عن انفعال عاطفي وجداني.
وهذا يعني أن الجمادات لا تتكلم فقط، ولكنها تحس أيضاً.
فالأرض تخرج أثقالها، وتحدث أخبارها، كيف {بأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا} [الزلزلة: 5].
والسماء والأرض أتيا إلى الله في منتهى الطاعة والخشوع: {ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إلَى ٱلسَّمَآء وَهيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَللأَرْض ٱئْتيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئعينَ} [فصلت: 11].
إذن فهناك ما هو أكثر من التفاهم، إن لها عواطف مثلك تماماً، وكما تحزنك حاجة فالأرض أيضاً تبكي، وما دامت تبكي إذن فلها مقابل بأن تفرح، ويقول الله تعالى عن أرض فرعون: {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهمُ ٱلسَّمَآءُ وَٱلأَرْضُ} فلو أنها لم تبك مع بعض الناس؛ لما كان لهذا الكلام ميزة.
لذلك قال الإمام علي -كرَّم الله وجهه-: إذا مات المؤمن بكى عليه موضعان: موضع مصلاه؛ لأنه سيحرم من نعمة الإيمان، ومصعد عمله، موضع في الأرض وموضع في السماء.
إذن فلابد أن نفهم أن لكل شيء شعوراً.
وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات المؤمن استبشرت له بقاع الأرض فليس من بقعة إلا وهي تتمنى أن يدفن فيها“.
لماذا نقول هذا الكلام الآن؟
نقول ذلك حتى إذا ثبت بالعلم أن لكل شيء لغة، ولكل شيء في أجناس الكون تفاهماً، يقال إن فيه ناساً هبت عليهم نسمات الإيمان فأدركوها وأحسوها من القرآن، فلا يدعي أحد أنه ابتكر من ذات نفسه لأنها في القرآن وإن كنا لا نعرف كيف تأتي.
وهذه المعركة -معركة أُحُدٍ- التي أخذت ستين آية، نجد أن الحق تكلم عنها هنا فقال: {وَإذْ غَدَوْتَ منْ أَهْلكَ} [آل عمران: 121] و {إذْ هَمَّتْ طَّآئفَتَان} [آل عمران: 122], وقوله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ ٱللَّهُ ببَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذلَّةٌ} [آل عمران: 123]، وبعد ذلك يترك الغزوة في حرارتها ويأتينا بأشياء يضعها هنا، ثم يأتي ليكمل الغزوة.
لو أن هذه لقطة من الغزوة وتنتهي ثم يأتي موضوع آخر، لما شغلنا أنفسنا، إنما الغزوة ستأتي فيها ستون آية، فكيف ينهي الكلام في الغزوة ولا يعطينا إلا استهلال الغزوة، وبعد ذلك ينصب القرآن على معانٍ بعيدة عن الغزوة؟
فما الذي يجعله -سبحانه- يترك أمر الغزوة ليقول: {يَآ أَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلحُونَ * وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ ٱلَّتيۤ أُعدَّتْ للْكَافرينَ * وَأَطيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ * وَسَارعُوۤاْ إلَىٰ مَغْفرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَاوَاتُ وَٱلأَرْضُ أُعدَّتْ للْمُتَّقينَ * ٱلَّذينَ يُنفقُونَ في السَّرَّآء وَٱلضَّرَّآء وَٱلْكَاظمينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافينَ عَن ٱلنَّاس وَٱللَّهُ يُحبُّ ٱلْمُحْسنينَ * وَٱلَّذينَ إذَا فَعَلُواْ فَاحشَةً أَوْ ظَلَمُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُواْ لذُنُوبهمْ وَمَن يَغْفرُ ٱلذُّنُوبَ إلاَّ ٱللَّهُ وَلَمْ يُصرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَـٰئكَ جَزَآؤُهُمْ مَّغْفرَةٌ مّن رَّبّهمْ وَجَنَّاتٌ تَجْري من تَحْتهَا ٱلأَنْهَارُ خَالدينَ فيهَا وَنعْمَ أَجْرُ ٱلْعَاملينَ * قَدْ خَلَتْ من قَبْلكُمْ سُنَنٌ فَسيرُواْ في ٱلأَرْض فَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقبَةُ ٱلْمُكَذّبينَ * هَـٰذَا بَيَانٌ لّلنَّاس وَهُدًى وَمَوْعظَةٌ لّلْمُتَّقينَ} [آل عمران: 130-138].
لماذا لم يعطنا الحق إلا استهلال الغزوة وبعد ذلك انصب على قضايا أولها قضية الربا، ما العلاقة بين هذه القضايا وتلك الغزوة؟.
وأقول: رحم الله صاحب الظلال الوارفة الشيخ سيد قطب فقد استطاع أن يستخلص من هذه النقلة مبادئ إيمانية عقدية لو أن المسلمين في جميع بقاع الأرض جعلوها نصب أعينهم لما كان لأي دولة من دول الكفر غلب علينا.
ونريد أن نفهم هذه اللقطات، ولماذا استهلت بمسألة الربا؟
لأن الذي كان سبباً في الهزيمة أو عدم النصر في معركة أُحد أنهم طمعوا في الغنيمة.
والغنيمة مال زائد، والربا فيه طمع في مال زائد.
والقرآن حين يعالج هنا قضية حدثية، والأحداث أغيار تمر وتنتهي، فهو سبحانه يريد أن يستبقي عطاء الحدث ليشيع في غير زمان الحدث، وإلا فالحدث قد يمر بعظاته وعبره وينتهي ولا تكون له فائدة.
والنفس حين تمر بالأحداث تكون ملكاتها متفتحة؛ لأن الحدث -كما قال المغفور له الشيخ سيد قطب- يكون ساخناً، فحين يستغل القرآن الحدث قبل أن يبرد فإن القضية التي تتعرض لها الموعظة تتمكن من النفس البشرية.
وهو سبحانه لم يرد أن تمر أحداث أُحد بما فيها من العبر والعظات إلا ويستغلها القرآن الكريم ليثبت بها قضايا إيمانية تشيع في غير أزمنة الحدث من الحروب وغيرها لتنتظم أيضاً وقت السلام.
فآية الربا هنا كأنما سقطت وسط النصوص التي تتعرض لغزوة أحد.
والسطحيون قد يقولون: ما الذي جعل القرآن ينتقل من الكلام عن أُحد إلى أن يتكلم في الربا مرة ثانية بعد أن تكلم عنه أولاً؟
ونقول: إن القرآن لا يؤرخ الأحداث، وإنما يُريد أن يستغل أحداثاً ليبسط ويوضح ما فيها من المعاني التي تجعل الحدث له عرض وله طول وله عمق؛ لأن كل حدث في الكون يأخذ من الزمن قدر الحدث، والحدث له طول هو قدر من الزمن، يكون ساعة أو ساعتين أو ليلة مثلاً، هذا هو طول الحدث.
والأحداث التي يجريها الله لها طول يحدده عمر الحدث الزمني، ولها عرض يعطيها الاتساع، فبعد أن كانت خطاً مستقيماً صارت مساحة، ويجعلها الحق شاملة لأشياء كثيرة، فهو لا يريد للحدث أن يسير كخط مستقيم، بل يريده طريقاً واسعاً له مساحة وله عرض.
هذا العرض يعطيه رقعة مساحية تأخذ كثيراً من الأشياء، وهذا أيضاً قد ينتهي مع الحدث، ولذلك يريد الله أن يعطي للحدث بعداً ثالثاً وهو العمق في التاريخ فيعطي عطاءه، كما نستفيد نحن الآن من عطاء حدث هو غزوة أُحد.
إذن فالحدث له حجم أيضاً، وهذا ما يجعل الناس تقف لتقول: إن صلة الرحم تطيل العمر، والعمر له حد زمني محدد وهو الخط المستقيم له، فهناك واحد يزيد من عرض عمره، فبدلاً من أن ينفع الناس في مجال صغير فهو يعمل وينفع في مجال أوسع، إذن فهو يعطي لعمره مساحة.
وهناك إنسان آخر يريد أن يكون أقوى في العمر، فماذا يعمل؟
إنه يعطي لعمره عمقاً، فبدلاً من أن يعمل لمجرد حياته وينتهي عمره مهما كانت رقعته واسعة، فهو يزيد من عمله الصالح ويترك أثراً من علم أو خير يستمر من بعد حياته كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له“.
ولذلك يقول الحق: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً كَلمَةً طَيّبَةً كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابتٌ وَفَرْعُهَا في ٱلسَّمَآء * تُؤْتيۤ أُكُلَهَا كُلَّ حينٍ بإذْن رَبّهَا وَيَضْربُ ٱللَّهُ ٱلأَمْثَالَ للنَّاس لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم: 24-25].
هي كلمة طيبة قيلت، لكنّها مثل الشجرة الطيبة؛ لأنها ترسخ في أذن من يسمعها فتصير حركة خاضعة للكلمة، وكلما فعل السامع لهذه الكلمة فعلاً ناتجاً من تأثير هذه الكلمة فإن بعض الثواب يعود إلى من قال هذه الكلمة حتى ولو كان قد مات.
فكأن قائل هذه الكلمة ما زال يعيش، وكأن عمره قد طال بكلمته الطيبة, إذن فأعمال الخير التي تحدث من الإنسان ليس معناها أنها تطيل العمر؛ لأن العمر محدود بأجل، ولكنْ هناك إنسان يعطي عمره عرضاً، وآخر يعطيه عمقاً ويظل العطاء منه موصولاً إلى أن تقوم الساعة، فكأنه أعطى لنفسه عمراً خالداً.
ويقولون: والذكر للإنسان عمر ثان.
والحق سبحانه وتعالى يوضح الدروس المستفادة من غزوة أُحد، إن أول مخالفة كانت سبباً ليس في الهزيمة، ولكن دعنا نقل: "في عدم إتمام النصر"، لأنهم بدأوا منتصرين، ولم يتم النصر لأنه قد حدثت مخالفة، ودوافع هذه المخالفة انهم ساعة رأوا الغنائم، اندفعوا إليها، إذن فدوافعها هي طلب المال من غير وجه مشروع؛ لأن النبي قال لهم: "انضحوا عنا الخيل ولا نؤتين من قبلكم، الزموا أماكنكم إن كانت النوبة لنا أو علينا، وإن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم".
وبهذا صارت مبارحة المكان أمراً غير مشروع، فتطلع النفس إلى شيء في غير ما أمر به رسول الله يعتبر أمراً غير مشروع والتطلع هنا كان للمال، وهكذا الربا.
وأراد الحق أن تكون سخونة الحدث، والأثر الذي نشأ من الحدث في أن المسلمين لم يتم نصرهم، وتعبوا، وكان مصدر التعب أن قليلاً منهم أحبوا المال الزائد من غير وجهه المشروع.
فأراد -سبحانه- أن يكون ذلك مدخلاً لبيان الأثر السيء للتعامل بالربا.
إذن فهذه مناسبة في أننا نجد آية الربا هنا وهي توضح الآثار السيئة للطمع في المال الزائد عن طريق غير مشروع، والقرآن فيه الكثير من المواقف التي توضح آثاراً تبدو في ظاهرها غير مترابطة، ولكن النظرة العميقة تؤكد الترابط.
وقلنا من قبل في قول الله تعالى: {حَافظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَات وٱلصَّلاَة ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّه قَانتينَ * فَإنْ خفْتُمْ فَرجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإذَآ أَمنتُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 238-239].
قد يقول أحد السطحيين: إن الحق سبحانه وتعالى كان يتكلم عن الطلاق قبل هاتين الآيتين فقال سبحانه: {وَإن طَلَّقْتُمُوهُنَّ من قَبْل أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَريضَةً فَنصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَاْ ٱلَّذي بيَده عُقْدَةُ ٱلنّكَاح وَأَن تَعْفُوۤاْ أَقْرَبُ للتَّقْوَىٰ وَلاَ تَنسَوُاْ ٱلْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إنَّ ٱللَّهَ بمَا تَعْمَلُونَ بَصيرٌ} [البقرة: 237].
ويترك الحق الحديث عن الطلاق ويأمر بالحفاظ على الصلاة بقوله الحكيم: {حَافظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَات وٱلصَّلاَة ٱلْوُسْطَىٰ وَقُومُواْ للَّه قَانتينَ} [البقرة: 238].
وبعد ذلك يعود الحق لاستكمال حديث الطلاق والفراق بالموت.
{وَٱلَّذينَ يُتَوَفَّوْنَ منكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجاً وَصيَّةً لأَزْوَاجهمْ مَّتَاعاً إلَى ٱلْحَوْل غَيْرَ إخْرَاجٍ فَإنْ خَرَجْنَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ في مَا فَعَلْنَ فيۤ أَنْفُسهنَّ من مَّعْرُوفٍ وَٱللَّهُ عَزيزٌ حَكيمٌ} [البقرة: 240].
إنه يتكلم عن الطلاق، والوفاة، ثم ينزل بينهما آية الصلاة،
لماذا؟
ليتضح لنا أن المنهج الإسلامي منهج متكامل.
إياك أن تقول: إن الطلاق غير الصلاة، غير الوفاة، أبداً، إنه منهج متكامل.
ولأنه -سبحانه وتعالى- يريد أن ينبهنا إلى أن الطلاق عملية تأتي والنفس فيها غضب, وتأتي والزوج والزوجة وأهل الزوج وأهل الزوجة في كدر، فيقول لهم المنهج: لو كنتم تحسنون الفهم لفزعتم إلى الصلاة حين تواجهكم هذه الأمور التي فيها كدر.
وساعة تكون في كدر قم وتوضأ وصَلّ، لأن النبي علمنا أنه إذا حَزَبَه أمر قام إلى الصلاة، فساعة تجد الجو المشحون بالتوتر بين الزوج والزوجة وأهلهما قل لهم: المسألة صارت أكبر من حيلنا، فهيا نصل ليساعدنا الله على حل هذه المسائل الصعبة, وأنا أتحدى ألا يوجد الله حلاً لمشكلة لجأ فيها المسلم إلى الصلاة قبلها.
وهكذا نفهم أن الحق قال: {حَافظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَات وٱلصَّلاَة ٱلْوُسْطَىٰ} [البقرة: 238] لأن محافظتكم عليها هي التي ستنهي كل الخلافات؛ لأن الله لايكون في بالكم ساعة ضيقكم وفي ساعة شدتكم فتستسلمون للضيق والشدة وتنسون الصلاة، في الوقت الذي يكون فيه الإنسان أحوج ما يكون إلى الصلاة.
إنك في وقت الضيق والشدة عليك أن تذهب إلى ربك، وأقول هذا المثل -ولله المثل الأعلى- إن الولد الذي يضربه أصحابه يذهب إلى أبيه، كذلك زوجتك إذا أغضبتها تذهب إلى أهلها، فكيف لا تذهب إلى ربك وقت شدتك وكربك؟.
وهكذا نجد أن قوله الحق: {حَافظُواْ عَلَى ٱلصَّلَوَات وٱلصَّلاَة ٱلْوُسْطَىٰ} [البقرة: 238] جاء في المكان الصحيح، وهكذا آية الربا، جاءت في مكانها هنا وخصوصاً أنه تكلم عن الربا أولاً، فتأتي الحادثة وسخونة الحدث وينزل هذا القرآن الكريم كي يعرف كل من يريد مالاً زائداً على غير ما شرع الله أنه سيأتي منه البلاء على نفسه وعلى غيره، فالبلاء في أُحد شمل الجميع: الرماة وغير الرماة أيضاً.
إذن فكل الدنيا تتعب عندما تخالف منهج الله، والمال الزائد من غير ما شرع الله إن لم يترك فقد آذن الله من يأكله بحرب من الله ومن رسول الله. |
|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 126-130 الأربعاء 24 أبريل 2019, 10:30 pm | |
| يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلحُونَ [١٣٠] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
والربا زيادة في المال، فهل يؤكل؟
نعم؛ لأن كل المسائل المالية من أجل اللقمة التي تأكلها، هذا هو الأصل.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من أصبح منكم آمناً في سرْبه مُعَافىً في جسده عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا“.
ونعرف أنه عندما يكون الواحد منا في منطقة ليس فيها رغيف خبز، فلن تنفعه ملكية جبل من الذهب.
{لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً} [آل عمران: 130] وقوله سبحانه: "أضعافاً" و "مضاعفة" هو كلام اقتصادي على أحدث نظام، فالأضعاف هي: الشيء الزائد بحيث إذا قارنته بالأصل صار الأصل ضعيفاً، فعندما يكون أصل المال مائة -على سبيل المثال- وسيؤخذ عليها عشرون بالمائة كفائدة فيصبح المجموع مائة وعشرين.
إذن فالمائة والعشرون تجعل المائة ضعيفة، هذا هو معنى أضعاف.
فماذا عن معنى "مضاعفة"؟
إننا سنجد أن المائة والعشرين ستصبح رأس مال جديداً، وعندما تمر سنة ستأخذ فائدة على المائة وعلى العشرين أيضاً، إذن فالأضعاف ضوعفت أيضاً، وهذا ما يسمى بالربح المركب، وهل معنى هذا أننا نأكله بغير أضعاف مضاعفة؟!
لا؛ لأن الواقع في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان هكذا.
وقد يقول لك واحد: أنا أفهم القرآن وأن المنهي هو الأضعاف المضاعفة، فإذا لم تكن أضعافاً مضاعفة فهل يصح أن تأخذ ربحاً بسيطاً يتمثل في نسبة فائدة على أصل المال فقط؟
ولكن مثل هذا القائل نرده إلى قول الله: {وَإنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالكُمْ لاَ تَظْلمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279].
إن هذا القول الحكيم يوضح أن التوبة تقتضي أن يعود الإنسان إلى حدود رأس ماله ولا يشوب ذلك ربح بسيط أو مركب.
وعندما نجد كلمة "أضعافاً مضاعفة" فهي قد جاءت فقط لبيان الواقع الذي كان سائداً في أيامها.
وبعد ذلك يقول الحق تذييلاً للآية: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلحُونَ} ونقول دائماً ساعة نرى كلمة "اتقوا" يعني اجعلوا بينكم وبين الله وقاية، وهل تكون الوقاية بينكم وبين الله بكل صفات جماله وجلاله؟
لا، فالوقاية تكون مما يتعب ومما يؤلم ويؤذي، إذن فاتقوا الله يعني: اجعلوا بينكم وبين صفات جلاله من جبروت وقهر وانتقام وقاية، وعندما يقول الحق: "واتقوا النار" فهي مثل قوله: "واتقوا الله"، لأن النار جند من جنود صفات الجلال.
وعندما يقول الحق: {لَعَلَّكُمْ تُفْلحُونَ} [آل عمران: 130] نعرف أن كلمة "الفلاح" هذه تأتي لترغيب المؤمن في منهج الله، وقد جاء الحق بها من الشيء المحس الذي نراه في كل وقت، ونراه لأنه متعلق ببقاء حياتنا، وهو الزرع، والفلاحة، أنت تحرث وتبذر وتروي، وبعد ذلك تحصد.
إذن فهو يريد أن يوضح لك أن المتاعب التي في الحرث، والمتاعب التي في البذر، والمتاعب التي في السقي كلها متى ترى نتيجتها؟
أنت ترى النتيجة ساعة الحصاد، فالفلاح يأخذ (كيلتين) من القمح من مخزنه كي يزرع ربع فدان، ولا نقول له: أنت أنقصت المخزن؛ لأنه أنقص المخزن للزيادة، ولذلك فالذي لم ينقص من مخزنه ولم يزرع، يأتي يوم الحصاد يضع يده على خده نادماً ولا ينفع الندم حينئذ!
إن الحق يريد أن يقول لنا: إن المنهج وإن أتعبك، وإن أخذ من حركتك شيئاً كثيراً إلا أنه سيعود عليك بالخير حسب نيتك وإقبالك على العمل، ولقد ضرب لنا الله المثل في قوله: {كَمَثَل حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابلَ في كُلّ سُنبُلَةٍ مّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعفُ لمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسعٌ عَليمٌ} [البقرة: 261].
هذا أمر واضح، حبة نأخذها منك فتنقص ما عندك، لكنها تعطيك سبعمائة، إذن فساعة تؤخذ منك الحبة لا تقل: إنك نقصت، إنما قَدّرْ أنك ستزيد قدر كذا.
ويعطينا الله ذلك المثل في خلق من خلقه وهو الأرض.
الأرض الصماء، أنت تعطيها حبة فتعطيك سبعمائة.
فإذا كان خلق من خلق الله وهو الأرض يعطيك أضعاف أضعاف ما أعطيت.
أفلا يعطيك رَبّ هذه الأرض أضعافاً مضاعفة؟
إنه قادر على أجزل العطاء، هذا هو الفَلاحُ على حقيقته، وبعد ذلك فإنه ساعة يتكلم عن الفلاح يقول لك: إنك لن تأخذ الفلاح فقط ولكنك تتقي النار أيضاً.
فيقول الحق سبحانه: {وَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ...}. |
|