لَنْ تَنَالُوا الْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُوا ممَّا تُحبُّونَ وَمَا تُنْفقُوا منْ شَيْءٍ فَإنَّ اللَّهَ به عَليمٌ [٩٢] كُلُّ الطَّعَام كَانَ حلًّا لبَني إسْرَائيلَ إلَّا مَا حَرَّمَ إسْرَائيلُ عَلَىٰ نَفْسه منْ قَبْل أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بالتَّوْرَاة فَاتْلُوهَا إنْ كُنْتُمْ صَادقينَ [٩٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
{لَن تَنَالُواْ ٱلْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُواْ ممَّا تُحبُّونَ وَمَا تُنْفقُواْ من شَيْءٍ فَإنَّ ٱللَّهَ به عَليمٌ} [آل عمران: 92].
وتؤدي كل مادة الباء والراء المضعفة إلى معنى "السعة"، فـ "البَرّ" أي الواسع والبَرّ أي الأرض المتسعة ومقابله "البحر" وإن قال قائل: "إن البحر أوسع من البر، لأن حجم القارات ليس في حجم البحار والمحيطات التي تفصل بينها": نقول لمثل هذا القائل: لا، إن حركتك في البر -الأرض- موسعة، وحركتك في البحر مضيقة؛ لأنك لا تتحرك في البحر إلا على شكل خاص، إما أن تتحرك بسفينة أو حتى على لوح من الخشب، أما حركتك في البر -الأرض- فأنت تمشي أو تركب، تذهب أو تجيء، فمجالك في البر متسع عن مجالك في البحر.
و"البرّ" هو التقوى، والطاعة، أو هو "الجنة" وكلها معان ملتقية، لأنها تؤدي إلى السعة، فالطاعة تؤدي إلى السعة، وكذلك التقوى، وكذلك الجنة، كلها ملتقية؛ لأن كلها سعة، فأحدهم أخذ معنى الكلمة من مرحلتها الأولى أي بالسبب وهو الطاعة، وبعضهم أخذها من المرحلة الأخيرة أي بالمسبب وهو الجنة، وقد يسأل سائل، لماذا أراد الله أن يجيء بحديث عن النفقة بعد الحديث عن تعذيب الكفار؟
ونقول: إن الحق حين يتكلم عمن يصيبه العذاب الأليم لأنه كفر ومات كافراً، وماله من ناصرين فإن المقابل يأتي إلى الذهن، وهو من آمن وعمل صالحاً، ومات على إيمانه، فله عكس العذاب الأليم وهو النعيم، وسيجد مَنْ يأخذ بيده، بينما الكافر لن يجد ناصرين له.
إن المؤمن سيجد جزاء الله على الطاعة وهي البر؛ لأن البر هو كل خير، وإن جاء إطلاقه فإنه ينصرف إلى الجزاء من الله وقمته هو الجنة.
وهكذا نرى المقابل لمعاملة الحق للكفار وهو معاملة الحق للمؤمنين، لقد جاء هذا القول في القرآن وهو كلام الله المعجز، وحين يخاطب سبحانه المكلفين بالمنهج، فهو يخاطب بكلامه ملكات إنسانية خلقها هو، إذن فلابد أن يغذي هذا الكلام كل الملكات المخلوقة لله، فلو كان الخالق للملكات غير المتكلم لكان من الممكن ألا ينسجم الكلام مع الملكات، ولكن الكلام هنا لله الذي خلق، لذلك لابد أن تنسجم الملكات مع كلام الله.
وفي النفس الإنسانية ملكات متعددة، وهذه الملكات المتعددة متشابكة تشابكاً دقيقاً فتستطيع حين تخاطب ملكة سمعية أن تحرك مواجيد وجدانية، فإن لم يكن العالم بالملكات عليما بها لما أمكن أن يجيء المنطق موافقاً لملكة سمعية، وموافقاً لملكات وجدانية قد تتأتى بها طبيعة تداعي المعاني.
و"تداعي المعاني" هو الخاصية الموجودة في الإنسان، ومعنى "تداعى المعاني" أن الإنسان يستقبل معنى من المعاني فيشير ذلك المعنى إلى معان خبيئة يستدعيها لتحضر في الذهن، فمثلاً حين ترى إنساناً تعرفه.
فإن تداعي المعاني يعطيك تاريخك معه وتاريخه معك، ويصور بخاطرك أيضاً صوراً عن أهله وأصدقائه، ومعارفه، ويأتي لك تداعي المعاني بالأحداث التي كانت بينك وبينه أو شاهدتها أنت وهذا هو ما نسميه "تداعي المعاني"أي أن المعنى يدعو المعنى.
وحين يخاطب الله سبحانه وتعالى الإنسان، فإنه يخاطب كل ملكة فيه في آن واحد، حتى لا تأخذ ملكة غذاءها، دون ملكة أخرى لا تجد لها غذاء إن كلام الله جاء مستوفياً وكافياً لكل الملكات، ومثال ذلك حينما أراد الحق سبحانه وتعالى أن يمنع المشركين من أن يطوفوا بالبيت، وكان المشركون قبل تحريم الله لطوافهم، يطوفون بالبيت، ويأتون من أماكن سحيقة بعيدة ليطوفوا في موسم الحج، وكانوا يأتون بأموالهم لينفقوا على أهل مكة، ويشتروا كل شيء يلزمهم منها، فموسم الحج كان موسماً اقتصادياً.
وحين يريد الله أن يمنع المشركين من الحج فهو يخاطب المسلمين المقيمين بمكة حتى يحولوا بين المشركين وبين الطواف، وهو سبحانه قد علم -وهو العليم- بما خلق من ملكات، يعلم سبحانه أن ملكة أخرى ستتدخل في هذا الوقت، فيقول: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُوۤاْ إنَّمَا ٱلْمُشْركُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامهمْ هَـٰذَا} [التوبة: 28].
وعندما ينزل هذا الحكم فلابد أن تتحرك ملكات في النفس الإنسانية، والحق قد علم أزلاً أن ملكة النفعية الاقتصادية عند أهل مكة ستتحرك عند سماع هذا الحكم، بمعنى أن بعضاً من المسلمين المقيمين بمكة وقت نزول هذا الحكم قد يقولون: "وإذا كنا نمنع المشركين الذين يفدون علينا بالأموال ليشتروا بضائعنا وموسمهم الاقتصادي هو الذي يعولنا طيلة العام فماذا نصنع إذن؟
إن الله يعلم أنه عند نزول حكم بتحريم البيت على المشركين أن يقربوه فلابد أن تتحرك في النفس الإنسانية تلك الملكية النفعية، فيقول -سبحانه- عقب ذلك مباشرة: {وَإنْ خفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنيكُمُ ٱللَّهُ من فَضْله إن شَآءَ إنَّ ٱللَّهَ عَليمٌ حَكيمٌ} [التوبة: 28].
الخوف من العيلة، أي الخوف من الفقر، وتلك هي عظمة الكلام الإلهي لأن رَبّاً يتكلم إن الإنسان حينما يتكلم قد تفوته معان كثيرة، وبعد ذلك قد تحدث ضجة وبلبلة وثورة بين الناس، لكن الحق الأعلى عندما يقول: {إنَّمَا ٱلْمُشْركُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامهمْ هَـٰذَا} [التوبة: 28] ويتبع ذلك فوراً بقوله المطمئن: {وَإنْ خفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنيكُمُ ٱللَّهُ من فَضْله} [التوبة: 28].
وقد فعل وجبى الحق وجلب إلى البيت الحرام ثمرات كل شيء، وكأنه يقول لنا: لا تعتقدوا أن هذه الثمرات قادمة عن طريق التطوع ولكنها رزق من لدنا، كما جاء في قوله الحق: {وَقَالُوۤاْ إن نَّتَّبع ٱلْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ منْ أَرْضنَآ أَوَلَمْ نُمَكّن لَّهُمْ حَرَماً آمناً يُجْبَىٰ إلَيْه ثَمَرَاتُ كُلّ شَيْءٍ رّزْقاً مّن لَّدُنَّا وَلَـٰكنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [القصص: 57].
أي أنه ليست هناك حرية لأحد أن يعطي أهل البيت الحرام أو لا يعطي، إنها جباية، لطمأنة الملكية النفعية في النفس، وهو سبحانه يعطي الأمان الاقتصادي الذي يترتب عليه قوام الحياة، وعندما نمعن النظر في آيات القرآن نجد أن هناك آية قد تتقدم وآية قد تتأخر، وآية قد تأتي في الوسط، ونجد أن الآية الوسطى، مرتبطة بتداعي المعاني بالآية التي قبلها، ومرتبطة بتداعي المعاني بالآية التي بعدها، وذلك لترتوي وتتغذى كل ملكات الإنسان فلا يأتي أمر يوحي بأن هناك ما ينقص النفس البشرية، لنتأمل مثالاً لذلك وهو قوله الحق: {وَيَقُولُونَ فيۤ أَنفُسهمْ لَوْلاَ يُعَذّبُنَا ٱللَّهُ بمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبئْسَ ٱلْمَصيرُ} [المجادلة: 8].
إن المشركين لم يقولوا لأحد: "إنما قالوا لأنفسهم"، ويكشفهم الحق سبحانه العليم في أخفى خباياهم، ويُظهر ما في أنفسهم، وهو العليم بكل خفايا عباده والكاشف لكل الملكات النفسية في خلقه.
وحين يقول الحق سبحانه: {لَن تَنَالُواْ ٱلْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُواْ ممَّا تُحبُّونَ وَمَا تُنْفقُواْ من شَيْءٍ فَإنَّ ٱللَّهَ به عَليمٌ} [آل عمران: 92].
فإن الآية تحريض على الإنفاق، وجاءت بعد آية تفيد أن هناك إنفاقاً لا يقبله الله في قوله سبحانه: {إنَّ الَّذينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ منْ أَحَدهم مّلْءُ ٱلأَرْض ذَهَباً وَلَو ٱفْتَدَىٰ به أُوْلَـٰئكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَليمٌ وَمَا لَهُمْ مّن نَّاصرينَ} [آل عمران: 91].
إذن فهناك لون من النفقة يرفضه الله، وتداعى المعاني في النفس الإنسانية قد يجعل الإنسان يسأل "ما هي إذن النفقة المقبولة؟” لذلك كان لابد وأن يأتي قوله تعالى: {لَن تَنَالُواْ ٱلْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُواْ ممَّا تُحبُّونَ} [آل عمران: 92] فإذا كانت هناك نفقة مردودة فهناك أيضاً نفقة مقبولة، وهكذا نرى الآية التي تحرض على الإنفاق منسجمة مع ما قبلها.
{لَن تَنَالُواْ ٱلْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُواْ ممَّا تُحبُّونَ} [آل عمران: 92]، قد يسأل سائل، ولماذا لا ينال الإنسان البر إلا بعد ان ينفق مما يحب؟
وله أن يعرف أن طبيعة النفس الإنسانية هي "الشح" ولهذا جاء في القرآن الكريم:
{فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ وَٱسْمَعُواْ وَأَطيعُواْ وَأَنْفقُواْ خَيْراً لأَنفُسكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسه فَأُوْلَـٰئكَ هُمُ ٱلْمُفْلحُونَ} [التغابن: 16].
وشح النفس يأتي لأن الإنسان لا يأمن أبداً أن يأتيه العجز من بعد القدرة، لذلك فإنه يحاول إن كان يملك شيئاً أن يؤمن العجز المتوهم، فيحافظ على ما عنده من حاجات، ومن هنا جاءت الحيازة والملكية ولم تنشأ هذه الأشياء من أول الخلق، وإنما نشأت من يوم أن ضاقت الأمكنة المُعْطية دون الحاجات، فحين تكون الأمكنة المعطية تسع الحاجات فلا داعي لهذا العجز المتوهم.
لنفترض أن رجلاً اشترى صندوقاً من البرتقال، ودخل منزله وعندما يحتاج ابن هذا الرجل لبرتقالة أو اثنتين فإنه يأخذ ما يريد، لكن لو أحضر الرجل قليلاً من البرتقال فإن زوجة الرجل تكون حريصة على أن تقسم البرتقال بين الأولاد حتى لا تترك كل ابن على سجيته بما قد يحرم الآخرين.
وهكذا كان الأمر في بدء استخلاف الله للإنسان في الأرض، فمن أراد الأرض أخذ، ومن أراد أكل الثمار فهي أمامه، وعندما قلت مُعطيات الحاجات وذلك بضيق الأمكنة المعطية بدأت في الظهور الرغبة في الملكية، وامتياز الأشياء، والحق سبحانه يلفتنا في هذه المسألة وكأنه يقول لنا: إن النفقة لو نظرت إليها نظرة واقعية حقيقية لوجدت أنك أيها العبد مضارب لله في خير الله.
ومعنى "مضارب" أي أنك تعمل عند الله بالعقل الذي خلقه لك، وتخطط به، وتعمل عند الله بالطاقة التي خلقها الله، والمادة التي خلقها الله لك تنفعل معها فماذا لك أنت؟
إن كل شيء لله، وأنت مجرد مضارب لا تملك شيئاً وما دمت مضارباً أيها العبد، فأعط لله حقه، وحق الله لا يأخذه هو؛ فهو أغنى الأغنياء، إن حق الله يأخذه أخوك غير القادر الذي لا يستطيع أن يتفاعل مع المادة، ولا تظن أيها العبد أن الله حين طلب منك النفقة مما تحب أنه -جل شأنه- قد استكثر عليك ما طلب منك أن تنفقه، إنه ساعة يأخذ منك لأخيك وأنت قادر، إنما يطمئنك أنك إن عجزت فسيأخذ لك من القادرين ذلك هو التأمين في يد الله.
إن الحق يريد أن يحببنا في أن ننفق، لكن الإنسان يحاول أن ينفق مما لا يحب، فيهدي الإنسان الثوب الذي لم يعد صالحاً للاستعمال يعطيه لفقير، أو يعطي الحذاء المستهلك لواحد محتاج.
لكن الله يأمرنا بأن ننفق مما نحب لذلك انفعل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حينما سمعوا هذا النص: {لَن تَنَالُواْ ٱلْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُواْ ممَّا تُحبُّونَ} [آل عمران: 92] هذا أبو طلحة حينما يسمعها يقول: يا رسول الله، إن أحب مالي إليّ هو "بيرحاء" فأنا أخرجه في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اجعله في أقاربك، فجعله في أقاربه، وهذا زيد بن حارثة يسمع الآية الكريمة فينفعل بها كذلك، وكان عنده فرس اسمه "سَبَل" وكان يحبه، فيقول: يا رسول الله أنت تعلم حبي لفرسي، وأنا أجعله في سبيل الله، فأخذه منه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وجاء بأسامة بن زيد وأركبه الفرس قال زيد: "فوجدت في نفسي" أي أنه حزن، وقال زيد: يا رسول الله أنا أردت أن أجعل الفرس في سبيل الله وأنت تعطي الفرس لابني ليركبه.
فقال رسول الله لزيد: "أمَا إنّ الله قبله منك”.
وبعد ذلك ينفعل سيدنا أبو ذر رضي الله عنه وكان عنده إبل، والإبل لها فحل يلقح إناث الإبل، وكان هذا الفحل أحب مال أبي ذر إليه وجاء ضيف إلى أبي ذر, فقال له: إني مشغول، فاخرج إلى إبلي فاختر خيرها لنذبحه لضيافتك.
فخرج الضيف، ثم عاد وفي يده ناقة مهزولة، فلما رآها أبو ذر قال: خنتني، قلت لك هات خير الإبل، قال الضيف: يا أبا ذر لقد رأيت خيرها فحلاً لك وقدرت يوم حاجتكم إليه.
فقال أبو ذر: إن يوم حاجتي إليه ليوم أوضع في حفرتي.
إن الصحابي الجليل أبا ذر يعرف أن يوم أن يوضع في الحفرة هو اليوم الجليل الذي يستحق من المرء أن يستعد له.
وسيدنا ابن عمر كان عنده جارية جميلة من فارس، وكان يحبها، فلما سمع الآية، قال: ليس عندي أحب إليّ من هذه الجارية، وأعتقها، وكان من الممكن أن يتزوجها بعد أن أعتقها لكنه قال: لولا أن ذلك يقدح في عتقها لتزوجتها.
وسيدنا أبو ذر -رضي الله عنه- يعطينا في مسألة الإنفاق درساً من أروع الدروس المستوعبة للملكة النفسية، فيقول: في المال شركاء ثلاثة: القَدَر لا يستأمرك أن يذهب بخيره وشره من هلك أو موت.
أي أن القَدَر لا يستأذن عبداً في أن يذهب بالمال حيث يريد، فتأتي أي مصيبة فتأخذ المال إلى هالك أو موت.
هذا هو الشريك الأول في المال، إنه القَدَر.
والشريك الثاني في المال يوضحه لنا أبو ذر فيقول: إنّه الوارث، ينتظرك إلى أن تضع رأسك، ثم يستاقها وأنت قد سلبت بالموت كل ما تملك في الدنيا وأصبحت من غير أهلها.
إن الوارث يقول لنفسه: "فلأستمتع بما ترك لي"، وهذا هو الشريك الثاني في المال.
ويوضح لنا أبو ذر رضي الله عنه الشريك الثالث في المال فيقول: والثالث أنت، فإن استطعت ألاّ تكون أعجز الثلاثة فلا تكن أعجزها، أي إياك أن يغلبك على المال القدر أو الوارث، ينبغي عليك أن تغلب بإنفاق المال في سبيل الله وإلا أخذه منك باقي الشركاء.
إذن لقد انفعل صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالآية حينما نزلت حتى عدا الخير المحبوب منهم إلى غيرهم، وكان جزاء ذلك الجنة.
لقد عرفوا قول الحق: {لَن تَنَالُواْ ٱلْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُواْ ممَّا تُحبُّونَ} [آل عمران: 92] أي الجنة المترتبة على الطاعة أو التقوى، أو سعة البركة أو سعة القوة، وكلها معان ملتقية، ولذلك يقول الله في الحديث القدسي: "قد كان العباد يكافئون في الدنيا بالمعروف وأنا اليوم أكافئ بالجنة“.
إن الحق سبحانه الذي يعطي البر ثمناً لنفقة مما تحب يعلم هل أنفقت مما تحب فعلاً أو تيممت الخبيث لتنفق منه، فإياك أيها المؤمن أن تخدع نفسك في هذا الأمر، لأن الذي يعطي البر ثمناً لنفقة مما تحب يعلم خبايا النفس، لذلك يقول سبحانه: {وَمَا تُنْفقُواْ من شَيْءٍ فَإنَّ ٱللَّهَ به عَليمٌ} [آل عمران: 92].
وعلم الله شامل، إنه يعلم ما في نيتك، وكيف أنفقت.
ولقد بين الحق سبحانه النفقة المرفوضة حتى ولو كانت ملء الأرض ذهباً، ثم أوضح لنا أن هناك نفقة مقبولة وجزاؤها الجنة، وبذلك نرى التقابل بين النفقتين ولماذا جاء هذا الحديث؟
لقد كذب بعض أهل الكتاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مستهل أمر الدعوة وكذبوا البشارة به، والنعت والبشارة جاءا في التوراة والإنجيل، وأنكروا الأوصاف التي ذُكرت في كتبهم السماوية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتمادوا ومحوا هذه الأوصاف من كتبهم.
حدث ذلك مع أنهم قد تورطوا من قبل في إعلان البشارة به {وَكَانُواْ من قَبْلُ يَسْتَفْتحُونَ عَلَى ٱلَّذينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ به} [البقرة: 89].
لقد أراد الله أن يفضحهم في التوراة التي يعتقدون أنها كتابهم وقد حرفوا بعض أحكام الله، وظنوا أن هذه التحريفات ستظل مستورة، لذلك جاء لهم بأحداث ولم ينتبهوا إليها لتقوم الحجة على أنهم قاموا بتحريف التوراة مثلما قلنا من قبل عن الخيبرية التي ارتكبت فاحشة الزنَى، وأراد رؤساء اليهود أن يخففوا العقوبة عنها، لأن العقوبة الواردة في التوراة على جريمة الزنَى هي الرجم وقال هؤلاء الرؤساء: "نذهب إلى محمد، لعل لديه حكماً مخففاً" فلما ذهبوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وضح لهم أنه الرجم.
قالوا: لا، إنك لم تنصف في حكمك.
فبَيَّنَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لهم إنه يرضى بحكم التوراة التي عندكم وجيء بالتوراة وأمرهم الرسول أن يقرأوا فلما جاءوا إلى آية الرجم أرادوا أن يغفلوها فقال ابن سلام: إنهم يا رسول الله قد وثبوا وأغفلوا الآية.
وهكذا انتبه الجميع إلى أن رؤساء اليهود أرادوا ان يتخطوا حكماً لله موجوداً عندهم وأرادوا أن ينكروه، كما فعلوا وأحدثوا في وصف النبي عليه الصلاة والسلام ومحوا هذا الوصف، ولم يتركوا له أثراً، لكن الله أنساهم بعض الأشياء لتكون بينة وآية على رسالة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وعندما أحل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الإبل وألبانها، قالوا: هذه محرمة من أيام إبراهيم ومن قبله من أيام نوح، ولا يمكن أن نقبل تحليلها، فوضح النبي -صلى الله عليه وسلم- لهم أنها ليست محرمة، الله أحلها.
وكان يجب أن يفهموا أن الإبل وألبانها حتى وإن كانت محرمة من قبل إلا أن رسولاً قد جاء من عند الله بتشريع له أن ينسخ ما قبله مع أنّ الإبل وألبانها لم تكن محرمة، لذلك أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بأن يحتكم إلى التوراة.
وهذه هي العظمة النورانية المحمدية، فلا يمكن أن يقول -صلى الله عليه وسلم-: "نحتكم إلى التوراة" إلا وهو واثق أن التوراة إنما تأتي بالحكم الذي يؤيد ما يقول، مع أنه لا يقرأ ولا يكتب.
ويحضرون التوراة، فيجدون الكلام مطابقاً لما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لذلك قال الله: {كُلُّ ٱلطَّعَام كَانَ حـلاًّ لّبَنيۤ إسْرَائيلَ إلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائيلُ عَلَىٰ نَفْسه من قَبْل أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بٱلتَّوْرَاة فَٱتْلُوهَا إن كُنتُمْ صَادقينَ} [آل عمران: 93].
وحين يحرم نبي الله يعقوب - إسرائيل - طعاماً ما، فهو حر؛ فقد يحرم على نفسه طعاماً كنذر، أو كوسيلة علاج أو زهادة، لكن الله لم يحرم عليه شيئاً، وما تحتجون به أيها اليهود إنما هو خصوصية لسيدنا يعقوب {كُلُّ ٱلطَّعَام كَانَ حـلاًّ لّبَنيۤ إسْرَائيلَ إلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائيلُ عَلَىٰ نَفْسه} [آل عمران: 93] فلماذا تقولون: إن الإبل وألبانها كانت محرمة؟
لقد فعلوا ذلك لأنهم أرادوا أن يستروا على أنفسهم نقيصة لا يحبون أن يُفْضحوا بها، وتلك هي النقيصة التي كشفها القرآن بالقول الكريم: {وَعَلَى ٱلَّذينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذي ظُفُرٍ وَمنَ ٱلْبَقَر وَٱلْغَنَم حَرَّمْنَا عَلَيْهمْ شُحُومَهُمَآ إلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَو ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بعَظْمٍ ذٰلكَ جَزَيْنَاهُم ببَغْيهمْ وإنَّا لَصَادقُونَ} [الأنعام: 146].
إذن فهناك أشياء قد حُرمت على اليهود لأنهم ظلموا، وهذه الآية الكريمة هي التي أوضحت أن الحق قد حرم عليهم هذه الأطعمة لظلمهم.
ومعنى: "كل ذي ظفر" أي القدم التي تكون أصابعها مندمجة ومتصلة، فليست الأصابع منفصلة، ونجدها في الإبل والنعام والأوز، والبط، وهذه كلها تسمى ذوات الظفر "إلا ما حملت ظهورهما" يعني الشحم الذي على الظهر.
أما "الحوايا" فهي الدهون التي في الأمعاء الغليظة "أو ما اختلط بعظم”.
أي الشحم الذي يختلط بالعظم إن التحريم هنا لم يكن لأن هذه الأشياء ضارة، ولكن التحريم إنما كان عقاباً لهم على ظلمهم لأنفسهم وبغيهم على غيرهم.
وأقول ذلك حتى لا يقول كل راغب في الانفلات من حكم الله ما الضرر في تحريم الأمر الفلاني؟
إن محاولة البحث عن الضرر فيما حرمه الله هي رغبة في الانفلات عن حكم الله.
فالتحريم قد يأتي أدباً وتأديباً، ونحن على المستوى البشري -ولله المثل الأعلى- يمنع الإنسان منا "المصروف" عن ابنه تأديباً، أو يمنع عنه الحلوى، لأن الابن خرج عن طاعة أمه، إذن كان التحريم جزاءً لهم وعقاباً قال تعالى: {فَبظُلْمٍ مّنَ ٱلَّذينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهمْ طَيّبَاتٍ أُحلَّتْ لَهُمْ وَبصَدّهمْ عَن سَبيل ٱللَّه كَثيراً * وَأَخْذهمُ ٱلرّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلهمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاس بٱلْبَاطل وَأَعْتَدْنَا للْكَافرينَ منْهُمْ عَذَاباً أَليماً} [النساء: 160-161].
وذلك هو الجزاء الذي أراده الله عليهم.
إن التشريع السماوي حينما يأتي لظالم يخرج عن منهج الله فكأنه يقول له ما هو القصد من خروجه عن منهج الله؟
لماذا يظلم؟
لماذا يأخذ الربا؟
لماذا يصد عن سبيل الله؟
لماذا يأكل أموال الناس بالباطل؟
إن الظالم يفعل ذلك حتى يمتع نفسه بشيء أكثر من حقه، لذلك يأتي التشريع السماوي ليفوت عليه حظ المتعة، وكان هذا الحظ من المتعة حقاً وحلاًّ له، لكن التشريع يحرمه.
ومثال ذلك القاتل يحرم من ميراث من يقتله؟
لأن القاتل استعجل ما أخره الله, وأراد أن يجعل لنفسه المتعة بالميراث، فارتكب جريمة قتل، لذلك يأتي التشريع ليَحرمَهُ من الميراث.
كأن التشريع يقول له: "ما دامت نيتك هكذا فأنت محروم من الميراث" والتشريع حين وضع ذلك إنما حمى كل مورث, وإلا لكان كل مورث عرضة لتعدي ورثته عليه بالقتل لينتقل إليهم ما يملك، فقال: لا.
نحرمة من الميراث وكذلك هنا نجد الظلم بأنواعه المختلفة، الظلم بإنكار الحق, والصد عن سبيل الله، وأخذ الربا، وأكل أموال الناس بالباطل، وما دام اليهود قد أدخلوا على أنفسهم أشياء ليست لهم فالتشريع يسلب منهم أشياء كانت حقاً لهم.
وكان اليهود في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يرغبون ألا يُشاع عنهم هذا الأمر فقالوا: إن هذا الطعام مُحَرَّمٌ على بني إسرائيل.
وبعد ذلك وجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن هذا اللون من الطعام حلال في التوراة، فكشف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذا الأمر الذي فضحهم.
ولماذا تجيء هذه الآية بعد قوله الحق في الآية السابقة: {لَن تَنَالُواْ ٱلْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُواْ ممَّا تُحبُّونَ} [آل عمران: 92]؟
ونحن نعرف أن آية "لن تنالوا البر" قد جاءت بعد آية توضح النفقة غير المقبولة من الله.
ولنذكر ما قلناه أولاً، عن تداعي المعاني في الملكات الإنسانية: إن في النفس الإنسانية ملكة تستقبل، فتتحرك ملكة أخرى، وحين يقول الحق: {كُلُّ ٱلطَّعَام كَانَ حـلاًّ لّبَنيۤ إسْرَائيلَ} [آل عمران: 93] فالذين يسمعون هذا سينفعلون انفعالات مختلفة، فالشبعان من الناس لن يلتفت إلى هذه المسألة بانتباه بالغ، ومن عنده بعض الطعام فإن نفسه قد تتحرك إلى ألوان أخرى من الطعام، أما من ليس عنده طعام فلسوف يلتفت بانتباه شديد ليتعرف على الحلال من الطعام والحرام منه.
إذن فقبل أن يأتي الله بالحكم الذي يحلل ويحرم، هذا الحكم الذي يثير عند الجائع شجن الافتقار وشجن ذكر الطعام الذي يسيل له لعابه، إن الحق قبل أن يحرك معدماً على غير موجود معه، فإنه يحرك معطياً على موجود معه، لذلك فقبل أن يأتي الحق سبحانه ويذكر الطعام، وقبل أن يُقلب الأمر على النفس الإنسانية التي لا تجد طعاماً، نجد الرسول قد نطق قبلها بما أنزله عليه الحق {لَن تَنَالُواْ ٱلْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُواْ ممَّا تُحبُّونَ} [آل عمران: 92].
فبتداعي المعاني في النفس الإنسانية يكون -سبحانه- قد حرك ملكة واجدة ومالكة قبل أن يحرك ملكة معدمة.
وهكذا يكون التوازن الذي أراده الله في الكون المخلوق له.
إنه رب يحكم كونه، فلا ينسى شيئاً ويذكر شيئاً. {لاَّ يَضلُّ رَبّي وَلاَ يَنسَى} [طه: 52] إن كل شيء في علمه كما قَدّره وهو الخلاق القدير العليم، وهو لا يذكر بعضاً من الخلق، وينسى بعضاً آخر، فهو قد كتب العدم لحكمة، وأعطى النعمة لحكمة.
لقد جعل الفقير عبرة، ولكنه لم يتركه، وذلك حتى يرى كل إنسان أن القدرة على الكسب ليست إلا عرضاً زائلاً، فمن الممكن أن يصبح القادر الآن عاجزاً بعد دقائق أو ساعات، ومن الممكن أن يصبح القوي ضعيفاً، فإذا ما علم القوي أو القادر ذلك فإنه يتحرك إلى إعطاء الآخرين؛ حتى يضمن لنفسه التأمين الإلهي لو صار ضعيفاً، فيعطيه الأقوياء، فعندما يأمر الله الأقوياء بأن يعطوا وينفقوا فإن عليهم إن يستجيبوا؛ لأن الواحد منهم لو صار ضعيفاً فسوف يأخذ.
إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {لَن تَنَالُواْ ٱلْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُواْ ممَّا تُحبُّونَ} [آل عمران: 92] هذا القول قد خدم قضية سبقتها، وهي أنه لن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً ولو افتدى به، ما دام كافراً، إنها نفقة مرفوضة لا اعتبار لها، إنها هدر.
ويأتي من بعد ذلك بتحديد النفقة التي ليست هدراً، ثم يفضح اليهود بقضية توجد عندهم في التوراة ولكنهم كذبوها، وهي قضية تتعرض للطعام، وما دامت القضية تتعرض للطعام فهناك الكثير من الملكات التي يمكن أن تتحرك، فملكات الواجد حين تتحرك فحركتها تكون بأسلوب غير الأسلوب الذي تتحرك به ملكات المعدم.
فقيل أن يُحَرّك وجدان المعدم إلى أنه معدم، حتى لا يتلقى ذلك بحسرة، فإنه سبحانه يكون قد عمل رصيداً لهذا المعدم، فيرقق قلب الواجد أولاً {لَن تَنَالُواْ ٱلْبرَّ حَتَّىٰ تُنْفقُواْ ممَّا تُحبُّونَ وَمَا تُنْفقُواْ من شَيْءٍ فَإنَّ ٱللَّهَ به عَليمٌ} [آل عمران: 92] وبعد ذلك يأتي قوله الحق سبحانه: {كُلُّ ٱلطَّعَام كَانَ حـلاًّ لّبَنيۤ إسْرَائيلَ إلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائيلُ عَلَىٰ نَفْسه من قَبْل أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُواْ بٱلتَّوْرَاة فَٱتْلُوهَا إن كُنتُمْ صَادقينَ} [آل عمران: 93].
ومعنى كلمة "حل" هو "حلال"، ويقابلها "حرام" وحل هي مصدر، وما دامت مصدراً فلا نقول "هذان حلالان" بل نقول: "هذان حل"، ونقول: "هؤلاء حل" وإن شئت فاقرأ قوله تعالى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذينَ آمَنُواْ إذَا جَآءَكُمُ ٱلْمُؤْمنَاتُ مُهَاجرَاتٍ فَٱمْتَحنُوهُنَّ ٱللَّهُ أَعْلَمُ بإيمَانهنَّ فَإنْ عَلمْتُمُوهُنَّ مُؤْمنَاتٍ فَلاَ تَرْجعُوهُنَّ إلَى ٱلْكُفَّار لاَ هُنَّ حلٌّ لَّهُمْ وَلاَ هُمْ يَحلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10].
"لا هن" هذه لجماعة النساء، والحل مفرد، وعندما يقول الحق سبحانه: {كُلُّ ٱلطَّعَام كَانَ حـلاًّ لّبَنيۤ إسْرَائيلَ إلاَّ مَا حَرَّمَ إسْرَائيلُ عَلَىٰ نَفْسه} [آل عمران: 93] فهذا يعني أنه قد حرم بعضاً من الطعام على نفسه فهو حر في أن يأخذ أو يترك، أو أنه قد حرمه على نفسه فوافقه الله؛ لأن الناذر حين ينذر شيئاً لم يفرضه الله عليه فهو قد ألزم نفسه بالنذر أمام الله.
إن الزمن الذي حرم فيه إسرائيل على نفسه بعضاً من الأطعمة هو {من قَبْل أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ} [آل عمران: 93] أي أن هذا التحريم لم يحرمه الله، ويأتي الأمر لرسوله الكريم أن يخاطب بني إسرائيل: {قُلْ فَأْتُواْ بٱلتَّوْرَاة فَٱتْلُوهَا إن كُنتُمْ صَادقينَ} [آل عمران: 93] إنه قد كشف سترهم، وعلموا أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم أن النص الذي يؤيد صدقه موجود في التوراة، ولهذا لم يأت اليهود بالتوراة، وذلك لعلمهم أن فيها نصا صريحاً يصدق ما جاء به رسول الله، ولا يحتمل اللجاجة، أو المجادلة، وما داموا لم يحضروا التوراة فهذا يعني أنهم غير صادقين.
ويقول الحق: {فَمَن ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّه ٱلْكَذبَ...}.