| سورة آل عمران الآيات من 031-040 | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: سورة آل عمران الآيات من 031-040 الأحد 21 أبريل 2019, 7:17 am | |
| قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [٣١] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
ولنا أن نعرف أن كل "قل" إنما جاءت في القرآن كدليل على أن ما سيأتي من بعدها هو بلاغ من الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه، بلاغ للأمر وللمأمور به، إن البعض ممن في قلوبهم زيغ يقولون: كان من الممكن أن يقول الرسول: {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ} [آل عمران: 31] لهؤلاء نقول: لو فعل الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك لكان قد أدى "المأمور به" ولم يؤد الأمر بتمامه.
لماذا؟
لأن الأمر في "قل”. والمأمور به {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ} [آل عمران: 31] وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم في كل بلاغ عن الله بدأ بـ"قل" إنما يبلغ "الأمر" ويبلغ "المأمور به" مما يدل على أنه مبلغ عن الله في كل ما بلغه من الله.
إن الذين يقولون: يجب أن تحذف "قل" من القرآن، وبدلاً من أن نقول: {قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] فلننطقها: "الله أحد”.
لهؤلاء نقول: إنكم تريدون أن يكون الرسول قد أدى "المأمور به" ولم يؤد "الأمر”.
إن الحق يقول: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ} [آل عمران: 31] هذه الآية تدل على ماذا؟
إنهم لابد قد ادعوا أنهم يحبون الله، ولكنهم لم يتبعوا الله فيما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأنهم جعلوا الحب لله شيئاً، واتباع التكليف شيئاً آخر، والله سبحانه وتعالى له على خلقه إيجاد، وإمداد، وتلك نعمة، ولله على خلقه فضل التكليف؛ لأن التكليف إن عاد على المُكَلَّف "بفتح اللام وتشديدها" ولم يعد منه شيء على المُكَلِّف "بكسر اللام وتشديدها" فهذه نعمة من المكلِّف.
إن الحق سبحانه لا يحتاج إلى أحد ولا من أحد.
إن الحق سبحانه عندما كلفنا إنما يريد لنا أن نتبع قانون صيانة حياة الإنسان.
وقد ضربنا المثل -ولله المثل الأعلى-، بالآلة المصنوعة بأيدي البشر، إن المهندس الذي صممها يضع لها قانون صيانة ما، ويضع قائمة تعليمات عن كيفية استعمالها؛ وهي تتلخص في "افعل كذا" و "لا تفعل كذا"، ويختار لهذه الآلة مكاناً محدداً، وأسلوباً منظماً للاستخدام.
إذن فوضع قائمة بالقوانين الخاصة بصيانه واستعمال آلة ما وطبعها في كراسة صغيرة، هي لفائدة المنتفع بالصنعة.
هذا في مجال الصنعة البشرية، فما بالنا بصنعة الله عز وجل؟
إن لله إيجاداً للإنسان، ولله إمداداً للإنسان، ولله تكليفاً للإنسان، والحق قد جعل التكليف في خدمة الإيجاد والإمداد.
إن الحق لو لم يعطنا نظام حركة الحياة في "افعل" و"لا تفعل" لفسد علينا الإيجاد والإمداد، إن من تمام نعمة الحق على الخلق أن أوجد التكليف، وإن كان العبد قد عرف قدر الله فأحبه للإيجاد والإمداد فليعرف العبد فضل ربه عليه أيضاً من ناحية قبول التكليف، وأن يحب العبد ربه لأنه كلفة بالتكاليف الإيمانية.
إنك قد تحب الله، ولكن عليك أن تلاحظ الفرق بين أن تحب أنت الله، وأن يحبك الله.
إن التكليف قد يبدو شاقاً عليك فتهمل التكليف؛ لذلك نقول لك: لا يكفي أن تحب الله لنعمة إيجاده وإمداده؛ لأنك بذلك تكون أهملت نعمة تكليفه التي تعود عليك بالخير، إن نعمة التكليف تعود عليك بكل الخير عندما تؤديها أيها الإنسان، فلا تهملها، ومن الجائز أن تجد عباداً يحبون الله لأنه أوجدهم وأمدهم بكل أسباب الحياة، ولكن حب الله لعبده يتوقف على أن يعرف العبد نعمته -سبحانه- في التكليف، إن الله يحب العبد الذي يعرف قيمة النعمة في التكليف.
ونحن في مجالنا البشري نرى إنساناً يحب إنساناً آخر، لكن هذا الآخر لا يبادله العاطفة.
والمتنبي قال: أنت الحبيب ولكني أعــــــوذ به من أن أكون حبيباً غير محبوب
إن المتنبي يستعيذ أن يحب واحداً لا يبادله الحب.
فكأن الذين يدعون أنهم يحبون الله، لأنهم عبيد إحسانه إيجاداً وإمداداً، ثم بعد ذلك يستنكفون، أو لا يقدرون على حمل نفوسهم على أداء التكليف لهؤلاء نقول: أنتم قد منعتم شطر الحب لله، لأن الله لن يكلفكم لصالحه ولكنه كلفكم لصالحكم؛ لأن التكليف لا يقل عن الإيجاد والإمداد.
لماذا؟
لأن التكليف فيه صلاح الإيجاد والإمداد، والحب -كما نعرف- هو ودادة القلب وعندما تقيس ودادة القلب بالنسبة لله، فإننا نرى آثارها، وعملها، من عفو ورحمة ورضا.
وعندما تقيس ودادة القلب من العبد إلى الله فإنها تكون في الطاعة.
إن الحب الذي هو ودادة القلب يقدر عليه كل إنسان، ولكن الحق يطلب من ودادة القلب ودادة القالب، وعلى الإنسان أن يبحث عن تكاليف الله ليقوم بها، طاعة منه وحباً لله، ليتلقى محبة الله له بآثارها، من عفو، ورحمة، ورضا.
والحب المطلوب شرعاً يختلف عن الحب بمفهومه الضيق، أقول ذلك لنعلم جميعاً، أنه الحق سبحانه قائم بالقسط، فلا يكلف شططاً, ولا يكلف فوق الوسع أو فوق الطاقة.
إن الحب المراد لله في التكليف هو الحب العقلي، ولابد أن نفرق بين الحب العقلي والحب العاطفي، العاطفي لا يقنن له.
لا أقول لك: "عليك أن تحب فلاناً حباً عاطفياً" لأن ذلك الحب العاطفي لا قانون له.
إن الإنسان يحب ابنه حتى ولو كان قليل الذكاء أو صاحب عاهة، يحبه بعاطفته، ويكره قليل الذكاء بعقله.
والإنسان حينما يرى ابن جاره أو حتى ابن عدوه، وهو متفوق، فإنه يحب ابن الجار أو ابن العدو بعقله، لكنه لا يحب ابن الجار أو العدو بعاطفته، ودليل ذلك أن الإنسان عندما توجد لديه أشياء جميلة فإنه يعطيها لابنه لا لابن الجيران، هناك -إذن- فرق بن حب العقل، وحب العاطفة.
والتكليف دائماً يقع في إطار المقدور عليه وهو حب العقل، ومع حب العقل قد يسأل الإنسان نفسه: ماذا تكون حياتي وكيف.
لو لم أعتنق هذا الدين؟
وماذا تكون الدنيا وكيف، لولا رحمة الله بنا عندما أكرمنا بهذا الدين؟
وأرسل لنا هذا الرسول الكريم؟
إن هذا حديث العقل وحب العقل.
وقد يتسامى الحب فيصير بالعاطفة أيضاً، لكن المكلف به هو حب العقل، وليس الحب العاطفي، ولذلك يجب أن نفطن إلى ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه - حينما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين“.
وقف سيدنا عمر عند هذه النقطة فقال: أمعقول أن يكون الحب لك أكثر من النفس؟
إنني أحبك أكثر من مالي، أو من ولدي، إنما من نفسي؟
ففي النفس منها شيء.
وهكذا نرى صدق الأداء الإيماني من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكرَّرها النبي صلى الله عليه وسلم ثانياً، وثالثاً، فعرف سيدنا عمر أنه قد أصبحت تكليفاً وعرف أنها لابد أن تكون من الحب المقدور عليه، وهو حب العقل، وليس حب العاطفة.
وهنا قال عمر: "الآن يا رسول الله؟" فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر، أي كمل إيمانك الآن، أي أن سيدنا عمر قد فهم المراد بهذا الحب وهو الحب العقلي.
ونريد هنا أن نضرب مثلاً حتى لا تقف هذه المسألة عقبة في القلوب أو العقول -نقول- ولله المثل الأعلى: إن الإنسان ينظر إلى الدواء المر طعماً ويسأل نفسه هل أحبه أو لا؟
إن الإنسان يحب هذا الدواء بعقله، لا بعاطفته.
إذن فحب العقل هو ودادة من تعلم أنه صالح لك ونافع لديك وإن كانت نفسك تعافه، وعندما تتضح لك حدود نفع بالشيء فأنت تحبه بعاطفتك إذاً فالمطلوب للتكليف الإيماني "الحب العقلي"، وبعد ذلك يتسامى ليكون "حباً عاطفياً" وهكذا يكون قول الحق: {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ} وهذا الحب ليس دعوى.
إن الإنسان منا عندما يدعى أنه يحب إنساناً آخر، فكل ما يتصل به يكون محبوباً.
ألم يقل الشاعر: "وكل ما يفعل المحبوب محبوب"؟
فإن كنتم تحبون رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاتبعوه بتنفيذ التكاليف الإيمانية، ولنلتفت إلى الفرق بين "اتبعني" و "استمع لي”.
إن الاتباع لا يكون إلا في السلوك، فإن كانت تحب رسول الله فعليك أن ترى ماذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تفعل مثله، أما إذا كنت تدعي هذا الحب، ولا تفعل مثلما فعل رسول الله صلى فهذا عدم صدق في الحب، إن دليل صدقكم في الحب المدعى منكم أن تتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن اتبعنا رسول الله نكون قد أخذنا التكليف من الله على أنه نعمة، ونقبلها من الله مع ما فيها من مشقة علينا، فيحبنا الله؛ لأننا آثرنا تكليفه على المشقة في التكليف.
إن فهم هذه الآية يقتضي أن نعرف أن الحق ينبهنا فكأنه يقول لنا: أنتم أحببتم الله للإيجاد والإمداد، وبعد ذلك وقفتم في التكليف لأنه ثقيل عليكم، وهنا نقول: "انظروا إلى التكليف أهو لصالح من كلف أم هو لصالح من تلقى التكليف؟”.
إنه لصالح المكلَّف أي الذي تلقى التكاليف.
وهكذا يجب أن نضم التكليف للنعم، فتصبح النعم هي "نعم الإيجاد"، و"الإمداد"، و"التكليف"، فإن أحببت الله للإيجاد والإمداد، فهذا يقتضي أن تحبه أيضاً للتكليف، ودليل صدق الحب هو قيام العبد بالتكليف، وما دمت أنت قد عبرت عن صدق عواطفك بحبك لله، فلابد أن يحبك الله، وكل منا يعرف أن حبه لله لا يقدم ولا يؤخر، لكن حب الله لك يقدم ويؤخر.
إن قول الحق سبحانه وتعالى فيما يعلّمه لرسول الله ليقول لهم: {فَٱتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ} [آل عمران: 31] أي أن الرسول صلى الله عليه وسلم المرسل من عند الله جاء بكل ما أنزله الله ولم يكتم شيئاً مما أُمِرَ بتبليغه، فلا يستقيم أن يضع أحد تفريقاً بين رسول الله وبين الله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مبلغ عن الله كل ما أنزل عليه.
وبعد ذلك يقول الحق: {وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران: 31] إن مسألة "ويغفر لكم" هذه تتضمن ما تسميه القوانين البشرية بالأثر الرجعي، فمن لم يكن في باله هذا الأمر؛ وهو حب الله، واتباع الرسول صلى الله عليه وسلم، فعليه أن يعرف أن عليه مسئولية أن يبدأ في هذه المسألة فوراً ويتبع الرسول لله وينفذ التكليف الإيماني، وسيغفر له الله ما قد سبق، وأي ذنوب يغفرها الله هنا؟
إنها الذنوب التي فر منها بعض العباد عن اتباع الرسول، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالحكم فيها.
وهكذا نعرف ونتيقن أن عدالة الله أنه سبحانه لن يعاقب أحداً على ذنب سابق ما دام قد قبل العبد أن ينفذ التكليف الإيماني، إن الذين أبلغهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجب عليهم أن يفطنوا بعقولهم إلى ما أعلنه الرسول لهم، إن هذا الأمر لا يكون حجة إلا بعد أن صار بلاغاً، وقد جاء البلاغ، ولذلك يغفر الله الذنوب السابقة على البلاغ، وبعد ذلك يقول الحق: {وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: 31] إننا نعلم أن المغفرة من الله والرحمة منه أيضاً، وبعد ذلك يقول الحق: {قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ...}.
عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الإثنين 22 أبريل 2019, 8:39 am عدل 1 مرات |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 031-040 الأحد 21 أبريل 2019, 7:24 am | |
| قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [٣٢] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وقد قلت من قبل في مسألة الأمر بالطاعة، إنها جاءت في القرآن الكريم على ثلاثة ألوان: فمرة يقول الحق: {أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ} [آل عمران: 32].
كما جاء بهذه الآية التي نحن بصدد تناولها بخواطرنا الإيمانية.
ونلاحظ هنا أن الحق سبحانه لم يكرر أمر الطاعة، بل جعل الأمر واحداً، هو "أطيعوا"، فإذا سألنا مَنْ المُطاع؟
تكون الإجابة.
الله والرسول معاً.
إذن فقول الرسول صلى الله عليه وسلم بلاغاً عن الله "اتبعوني يحببكم الله" يعني أن طاعة المؤمنين للرسول من طاعة الله.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بطاعته، ولكنه يأمرنا بطاعة الله، ولذلك لم يكرر الحق أمر الطاعة، إنّ الحق هنا يوحد أمر الطاعة فيجعلها لله وللرسول معاً، إنه يعطف على المطاع الأول وهو الله بمطاع ثانٍ هو الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويقول الحق في كتابه العزيز: {قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ} [النور: 54].
إن الحق يورد أمر الطاعة ثلاث مرات، فمرة يكون أمر الطاعة لله، ومرة ثانية يكون أمر الطاعة للرسول صلى الله عليه وسلم، ومرة ثالثة يقول الحق: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
فما مسألة هذه الأوامر بالطاعة؟
إنها طاعة بألوان التكليف وأنواعها، إن الأحكام المطلوب من المؤمنين أن يطيعوا فيها، مرة يكون الأمر من الله قد جاء بها وأن يكون الرسول قد أكدها بقوله وسلوكه، إن المؤمن حين يطيع في هذا الأمر الواحد، فهو يطيع الله والرسول معاً، ومرة يأتي حكم من الله إجمالاً، ويأتي الرسول ليفصله.
{وَأَقِيمُواْ ٱلصَّـلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَـاةَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور: 56].
إن الواحد منا لم يكن يعرف كم صلاة في اليوم، ولا عدد الركعات في كل صلاة، ولا نعرف كيفيتها لكن الرسول صلى الله عليه وسلم قد فصل لنا الأمر في كل صلاة، إذن، فالمؤمن يطيع الله في الإجمال، ويطيع الرسول في التفصيل.
إن علينا أن نلتفت إلى أن هنا طاعتين: الأولى: طاعة الله.
والثانية: طاعة الرسول.
أما في الأمر المتحد، فتكون الطاعة لله والرسول؛ لأنه أمر واحد.
وأما الأمر الذي جاء من الله فيه تكليف إجمالي فقد ترك الله للرسول صلى الله عليه وسلم بيانه، فالمؤمن يطيع الله في الأمر الإجمالي كأمر الصلاة، وإقامتها، ويطيع الرسول في تفصيل أمر الصلاة؛ وكيفيتها، وأحيانا يجيء الحكم بالتفويض الأعلى من الله للرسول، فيقول الله لرسوله ما معناه إنك أنت الذي تقرر في هذه الأمور، كما قال الحق: {وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ} [الحشر: 7].
لقد ترك الحق سبحانه للرسول أن يصدر التشريعات اللازمة "لاستقامة حياة المؤمنين" لقد أعطاه الحق سبحانه التفويض العام، وما دام سبحانه قد أعطى الرسول صلى الله عليه وسلم التفويض العام فإن طاعة المؤمن تكون للرسول فيما يقوله الرسول وإن لم يقل الله به.
إننا على سبيل المثال لا نجد في القرآن دليلاً على أن صلاة الفجر ركعتان، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي فصل لنا الصلاة فعرفنا أن الفجر ركعتان، والظهر أربع ركعات، والعصر مثل الظهر، والمغرب ثلاث ركعات، والعشاء أربع ركعات.
إن الدليل هو تفصيل الرسول، وقول الحق: {وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ} [الحشر: 7].
إنه دليل من القرآن الكريم.
هكذا نعرف أن الأمر بالطاعة جاء بالقرآن على ألوان ثلاثة:
اللون الأول: إن اتحد المطاع "الله والرسول" إن عطف الرسول هنا يكون على لفظ الجلالة الأعلى.
اللون الثاني: هو طاعة الله في الأمر الإجمالي وطاعة الرسول في تفصيل هذا الأمر، فإن الحق يقول: {أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ} [النساء: 59].
اللون الثالث: وهو الذي لم يكن لله فيه حكم، ولكنه بالتفويض العام للرسول، بحكم قوله الحق: {وَمَآ آتَاكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ} [الحشر: 7] هذه طاعة للرسول، ثم يأتي في أمر طاعة أولي الأمر فيقول الحق: {يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ ذٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} [النساء: 59].
إن الحق لم يورد طاعة أولي الأمر مندمجة في طاعة الله والرسول، لتكون طاعة واحدة.
لا.
إن الحق أورد طاعة أولي الأمر في الآية التي يفرق فيها بين طاعة الله وطاعة الرسول، ثم من بطن طاعة الرسول تكون طاعة أولي الأمر.
لماذا؟
لأنه لا توجد طاعة ذاتية لأولي الأمر؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم له الطاعة الذاتية.
أما طاعة أولي الأمر فهي مستمدة من طاعة أولي الأمر لله ورسوله، ولا طاعة لأولي الأمر فيما لم يكن فيه طاعة لله وللرسول صلى الله عليه وسلم.
إن الحق يقول: {قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَٱلرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32].
إن الله يبلغ الرسول أن يبلغ هؤلاء الذين قالوا: إنهم يحبون الله، بالشروط التي يمكن أن يبادل بها الحق عباده الحب، وذلك حتى تتحقق الفائدة للبشر، لأن محبة الله تفوق ما يقدمه البشر من حب.
إن اتباع الرسول وتنفيذ التكليف بالطاعة لله والرسول.
ذلك هو أسلوب تعبير العباد عن حبهم لله وللرسول صلى الله عليه وسلم، أما إن تولوا، أي لم يستمعوا إليك يا محمد، ولم يتبعوك، فإن موقفهم -والعياذ بالله- ينتقل إلى الكفر؛ لأن الحق يقول عن الذين يتولون عن الله والرسول: {فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْكَافِرِينَ} [آل عمران: 32].
وليس هناك تفظيع أكثر من هذا.
إن كلمة "تولوا" توحي بأن الذين استمعوا إلى أوامر الحق قد نفروا وأعرضوا، فهم لم يأخذوا حكم الله، ثم منعهم الكسل من تنفيذه.
لا.
إنهم أعرضوا عن حكم الله -والعياذ بالله- ولذلك فقد قلت وما زلت أقول: فليحذر الذين يخالفون عن أوامر الله ألا يفرقوا بين أمر متقبل على أنه الحكم الحق وبين حمل النفس على اتباع الحكم وتنفيذه.
إياك أيها المسلم أن تنكر حكماً لا تستطيع أن تحمل نفسك عليه أو لا تقدر عليه.
إنك إن أنكرت تنقل نفسك من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر والعياذ بالله.
ولكن عليك أن تؤمن بالحكم، وقل: "إنه حكم الله وهو صواب ولكني لا أستطيع أن أقدر على نفسي" إن ذلك يجعل عدم تنفيذ الحكم معصية فقط.
ويأتي الحق -سبحانه- بعد أن بَيَّنَ لنا أصول العقائد في قوله: {شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ قَآئِمَاً بِٱلْقِسْطِ لاَ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
وبعد أن بشر الحق المؤمنين بأنه سبحانه وتعالى يعطيهم الملك الإيماني وأنه الإله القادر، وطلاقة قدرته تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل، وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي، وبعد أن رسم سبحانه طريق محبته، فإن كنتم قد أحببتم الله للإيجاد والإمداد، وتريدون أن يحبكم فعليكم بطاعة الله والرسول صلى الله عليه وسلم في تنفيذ التكاليف.
وبعد أن وضع الله سبحانه وتعالى المبادئ الإيمانية عقدية وتشريعية، بعد هذا وذاك يعطي لنا نماذج تطبيقية من سلوك الخلق، ذلك أن هناك فرقاً بين أن توضع نظريات ويأتي الأمر للتطبيق فلا تجد من يطبق، إن الحق لم يكلف شططاً ولا عبثاً، إن الله يقول لنا: أنا كلفت بالتكاليف الإيمانية ومن الخلق أمثالكم من استطاع أن يسير عليها وأن ينفذها، لذلك يعرض الحق لنا النماذج التي توضح ذلك.
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مبعوثاً إلى أمة أمية، وكان الإسلام جديداً عليهم، ولذلك يعرض الحق نماذج قديمة، وهذه النماذج تؤكد لنا أننا في دين الإسلام لا نجد تعصباً، لأن الدين الذي جاء من الله على آدم عليه السلام هو الدين الذي جاء به إبراهيم عليه السلام من عند الله وهو الدين الذي نزل إلى آل عمران وموسى عليه السلام وعيسى عليه السلام إن الحق يعطي صفات التكريم لأهل أديان منسوبين إلى ما أنزل الله عليهم من منهج.
وجاء الإسلام لينسخ بعضاً مما جاء في تلك الرسالات السابقة ويضعها في منهج واحد باق إلى يوم القيامة، هو منهج الإسلام، إنه مطلق العظمة.
ها هو ذا الحق يقول: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 031-040 الأحد 21 أبريل 2019, 7:28 am | |
| إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ [٣٣] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
إنها عدالة القرآن الكريم، إنه الحق العادل الذي ينزل على الرسول بلاغاً يذكر الأبناء بطهارة أصول الآباء، ومن الخسارة أن يصير الأبناء إلى ما هم عليه.
{إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ} [آل عمران: 33] وكلمة "اصطفى" تدل على اختيار مُرضٍ.
ولنا أن نسأل: هل اصطفى الحق هؤلاء الرسل، آدم ونوحاً، وآل إبراهيم، وآل عمران فكانوا طائعين، أم علم الحق أزلاً أنهم يكونون طائعين فاصطفاهم؟
إن الحق علمه أزلي، وعلمه ليس مرتباً على كل شيء.
وساعة أن تأتي أنت بقانونك البشري وتتفرس في إنسان ما، وتوليه أمراً، وينجح فيه، هنا تهنئ نفسك بأن فراستك كانت في محلها، بعلم الله واقتداره؟
إن الذين اصطفاهم الله هم الذين علم الله أزلاً أنهم سيكونون طائعين، وقد يقول قائل: إنهم طائعون لله بالاصطفاء، لمثل هذا القائل نرد: إنهم طائعون بالنفس العامة ويكونون في مزيد من الطاعة بعد أن يأخذوا التكليف بالنفس الخاصة، إنهم طائعون من قبل أن يأخذوا أمور التكليف، ولو تركهم الحق للأمور العقلية لاهتدوا إلى طاعته، وعندما جاءهم الأمر التكليفي ويصطفيهم الله يكونون رسلاً وحملة منهج سماوي.
عندما يسمع الإنسان قول الحق: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ} [آل عمران: 33] فقد يتساءل عن معناها، ذلك أن من اصطفاء الله لآدم تأتي إلى الذهن بمعنى "خصه" بنفسه أو أخذه صفوة من غيره، فكيف كان اصطفاء آدم، ولم يكن هناك أحد من قبله، أو معه لأنه الخلق الأول؟
إننا يمكن أن نعرف بالعقل العادي أن اصطفاء الله لنوح عليه السلام؛ كان اصطفاء من بشر موجودين، وكذلك اصطفاء إبراهيم خليل الرحمن وبقية الأنبياء.
إذن، فكيف كان اصطفاء آدم؟
إن معنى "اصطفى آدم" -كما قلنا- تعني أن الله قد اختاره أو أن "المصطفى عليه" يأتي منه ومن ذريته.
نعم وقد جاء المصطفى عليه من ذريته، وهذا المعنى يصلح، والمعنى السابق عليه يصلح أيضاً.
إن الحق يقول: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً} [آل عمران: 33] ونحن نعلم أن سيدنا نوحاً عليه السلام واجه جماعة من الكافرين به، فأغرقهم الله في الطوفان، ونجا نوح ومن معه بأمر الله.
{حَتَّىٰ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَآ آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ} [هود: 40].
إن الذين بقوا من بعد نوح عليه السلام كانوا مؤمنين، ثم تعرضوا للأغيار.
وجاءت هذه الأغيار في أعقابهم، فنشأ كفر وإيمان،
لماذا؟
لأن آدم عليه السلام حين خلقه الله وضع له التجربة التكليفية في الجنة، كان من الواجب أن ينقل ما علمه له الله لأبنائه.
لقد نقل آدم لهم مسائل صيانة مادتهم وعلمهم كيف يأكلون، وكيف يشربون، وغير ذلك.
وكان يجب أن تكون معهم القيم.
إن آدم عليه السلام قد أدى ذلك، وعلم أبناءه كيفية صيانة مادتهم وعلمهم القيم أيضاً، ولكن بمرور الزمان، ظل بعض من أبناء آدم يتخففون من التكاليف حتى اندثرت وذهبت.
ومن رحمة الله بخلقه يجدد سبحانه وتعالى الرسالة ببعث رسول جديد.
والرسالة الجديدة تعطي ما كان موجوداً أولاً، فيما يتعلق بالعقائد والأخبار، والأشياء التي لا تتغير، وتأتي الرسالة الجديدة بالأحكام المناسبة لزمن الرسالة.
فإذا ما أمكن للبشر أن يعدلوا من سياسة البشر، يظل الأمر كما هو، فإن ارتكب واحد منكراً وضرب قومه على يده، استقام أمر الرسالة وبقيت هذه الأمة على الخير.
لماذا؟
لأن مصافي اليقين في النفس الإنسانية موجودة، ونحن نراها ونلمسها.
إن هناك واحداً تجد مصافي اليقين في ذاته، وقد لا يقدر على نفسه، فيرتكب المعصية، وتلومه نفسه، فيرجع عن المعصية.
ومرة أخرى نجد إنساناً آخر لا يجد في نفسه مصافي اليقين، ولكنها موجودة في غيره، فنجد من يأمره بالمعروف، وينهاه عن المنكر، فإذا امتنعت المصافي الذاتية للإيمان، وكذلك امتنعت المصافي الإيمانية في المجتمع، فلا أمل هنالك؛ لذلك يجب أن يأتي رسول جديد، وينبه الناس بمعجزة ما.
لقد شاءت إرادة الحق سبحانه ألا يأتي رسول آخر بعد سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وفي ذلك شهادة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم بأن الله أمنها على منهج الله، فإذا مُنِعت من أي نفس مصافيها الذاتية فستبقى مصافيها الاجتماعية، ولابد أن يكون في أمة محمد ذلك؛ لأن امتناع ذلك كان يستدعي وجود نبيّ جديد.
إن الله أمن أمة محمد على منهجه، ولذلك لم يأت نبيّ بعد سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
لقد أمن الحق أمة محمد فلم يمنع فيها أبداً المصافي الذاتية أو الاجتماعية، ولذلك يأتي القول الحق: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ} [آل عمران: 110].
إن هذا توجيه لنا من الحق لنعرف أن المصافي الاجتماعية ستظل موجودة في أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، إذن فبعد حدوث الغفلة من بعد نوح عليه السلام جاء الله باصطفاءات أخرى رحمة منه بالعالمين، ويقول الحق: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33].
ونحن نقول على إبراهيم عليه السلام: "أبو الأنبياء" وأورد الحق نبأ بعض من أبناء آل إبراهيم، وهم آل عمران وأعطاهم ميزة.
وكلمة "عمران" هذه حين ترد في الإسلام فلنا أن نعرف أن هناك اثنين لهما الاسم نفسه، هناك "عمران" والد موسى وهارون عليهما السلام.
وهناك "عمران" آخر.
إن عمران والد موسى وهارون كان اسم أبيه "يصهر" وجده اسمه "فاهاث", ومن بعده "لاوى" ومن بعده "يعقوب"، ومن بعده "إسحاق"، وبعده "إبراهيم"، أما عمران الآخر، فهو والد مريم عليها السلام.
وقد حدث إشكال عند عدد من الدارسين هو "أي العمرانين يقصده الله هنا؟"
والذي زاد من حيرة هؤلاء العلماء هو وجود أخت لموسى وهارون عليهما السلام اسمها مريم، وكانت ابنة عمران والد موسى وهارون فكلتاهما اسمها مريم بنت عمران.
وكانوا في ذلك الزمن يتفاءلون باسم "مريم" لأن معناه "العابدة"، ولما اختلفوا لم يفطنوا إلى أن القرآن قد أبان وأوضح المعنى، وكان يجب أن يفهموا أن المقصود هنا ليس عمران والد موسى وهارون عليهما السلام، بل عمران والد مريم، ومنها عيسى عليه السلام، وعمران والد مريم هو ابن ماثان، وهو من نسل سليمان، وسليمان من داود، وداود من أوشى، وأوشى من يهوذا، ويهوذا من يعقوب، ويعقوب من إسحاق.
وكنا قديماً أيام طلب العلم نضع لها ضبطاً بالحرف، فنقول "عمعم سدئياً" ومعناها.
عيسى ابن مريم، ومريم بنت عمران، وعمران ابن ماثان، وماثان من سليمان، من داود من أوشى وأوشى من يهوذا ويهوذا من يعقوب ويعقوب من إسحاق.
لقد التبس الأمر على الكثير فقالوا: أي العمرانين الذي يقول الله في حقه هذا القول الكريم؟
ولهؤلاء نقول: إن مجيء اسم مريم عليها السلام من بعد ذلك يعني أنه عمران والد مريم، وأيضاً يجب أن نفطن إلى أن الحق قد قال عن مريم: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يٰمَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].
وزكريا عليه السلام هو ابن آذن، وآذن كان معاصراً لماثان.
إن المراد هنا هو عمران والد مريم.
هكذا حددنا أي العمرانين يقصد الحق بقوله: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ ءَادَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى ٱلْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33].
وعندما تقول: اصطفيت كذا على كذا، فمعنى ذلك أنه كان من الممكن أن تصطفى واحداً من مجموعة على الآخرين، ولذلك نفهم المقصود بـ "على العالمين" أي على عالمي زمانهم، إنهم قوم موجودون وقد اصطفى منهم واحداً، أما الذي سيولد من بعد ذلك فلا اصطفاء عليه، فلا اصطفاء على محمد صلى الله عليه وسلم.
ويقول الحق بعد ذلك: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 031-040 الأحد 21 أبريل 2019, 7:29 am | |
| ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [٣٤] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وحين يقول: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} [آل عمران: 34] فلنا أن نسأل: هل المقصود بذلك الأنساب أم الدين والقيم؟
ولنا أن نلتفت أن الحق قد علمنا في مسألة إبراهيم عليه السلام أن الأنساب بالدم واللحم عند الأنبياء لا اعتبار لها، وإنما الأنساب المعترف بها بالنسبة للأنبياء هي أنساب القيم والدين.
وكنا قد عرضنا من قبل لما قاله الحق: {وَإِذِ ٱبْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي} [البقرة: 124].
فردها الله عليه قائلاً: {لاَ يَنَالُ عَهْدِي ٱلظَّالِمِينَ} [البقرة: 124].
لماذا؟
لأن الإمام هو المقتدى في الهدايات.
إذن فالمسألة ليست وراثة بالدم.
وهكذا علم سيدنا إبراهيم ذلك بأن النسب للأنبياء ليس بوراثة الدم، إذن فنحن نفهم قول الحق: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ} [آل عمران: 34] على أنها ذرية في توارثها للقيم.
ونحن نسمع في القرآن: {ٱلْمُنَافِقُونَ وَٱلْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِٱلْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: 67].
إن هذا النفاق ليس أمراً يتعلق بالنسب وإنما يتعلق بالقيم، إنها كلها أمور قيمية، وحين يقال: {وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 34] أي أن الله يعرف الأقوال وكذلك الأفعال والخبايا.
وبعد ذلك يقول الحق: {إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 031-040 الأحد 21 أبريل 2019, 7:33 am | |
| إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [٣٥] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وعندما تقرأ "إذْ" فلتعلم أنها ظرف ويُقدر لها في اللغة "اذكر"، ويقال "إذ جئتك" أي "اذكر أني جئتك”.
وعندما يقول الحق: {إِذْ قَالَتِ ٱمْرَأَتُ عِمْرَانَ} [آل عمران: 35] فبعض الناس من أهل الفتح والفهم يرون أن الحق سبحانه سميع عليم وقت أن قالت امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي} [آل عمران: 35]، وهم يحاولون أن يربطوا هذه الآية بما جاء قبلها، بأن الله سميع وعليم.
ونقف عند قول امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} [آل عمران: 35].
إننا عندما نسمع كلمة "محرراً" فمعناها أنه غير مملوك لأحد فإذا قلنا: "حررت العبد" يعني ينصرف دون قيد عليه.
أو "حررت الكتاب" أصلحت ما فيه.
إن تحرير أي أمر، هو إصلاح ما فيه من فساد أو إطلاقه من أي ارتباط أو قيد.
أما قولها: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً} [آل عمران: 35] هو مناجاة لله، فما الدافع إلى هذه المناجاة لله؟
إن امرأة عمران موجودة في بيئة ترى الناس تعتز بأولادها، وأولاد الناس -كما نعلم- يحكمون حركة الناس، والناس تحكم حركة أولادهم، ويكد الناس من أجل أن يكون الأبناء عزوة، وقرة عين، ويتقدم المجتمع بذلك التواصل المادي، ولم تعجب امرأة عمران بذلك، لقد أرادت ما في بطنها محرراً من كل ذلك، إنها تريده محرراً منها، وهي محررة منه.
وهذا يعني أنها ترغب في أن يكون ما في بطنها غير مرتبط بشيء أو بحب أو برعاية.
لماذا؟
لأن الإنسان مهما وصل إلى مرتبة اليقين، فإن المسائل التي تتصل بالناس وبه، تمر عليه، وتشغله، لذلك أرادت امرأة عمران أن يكون ما في بطنها محرراً من كل ذلك، وقد يقال: إن امرأة عمران إنما تتحكم بهذا النذر في ذات إنسانية كذاتها، ونرد على ذلك بما يلي: لقد كانوا قديماً عندما ينذرون ابناً للبيت المقدس فهذا النذر يستمر ما دامت لهم الولاية عليه، ويظل كما أرادوا إلى أن يبلغ سن الرشد، وعند بلوغ سن الرشد فإن للابن أن يختار بين أن يظل كما أراد والداه أو أن يحيا حياته كما يريد.
إن بلوغ سن الرشد هو اعتراف بذاتية الإنسان في اتخاذ القرار المناسب لحياته.
كانت امرأة عمران لا تريد مما في بطنها أن يكون قرة عين، أو أن يكون معها، إنها تريده محرراً لخدمة البيت المقدس، وكان يستلزم ذلك في التصور البشري أن يكون المولود ذكراً؛ لأن الذي كان يقوم بخدمة البيت هم الذكران.
ونحن نعرف أن كلمة "الولد" يطلق أيضاً على البنت، ولكن الاستعمال الشائع، هو أن يطلق الناس كلمة "ولد" على الذكر.
لكن معنى الولد لغوياً هو المولود سواء أكان ذكراً أم أنثى.
وعندما نسمع كلمة "نذر" فلنفهم أنها أمر أريد به الطاعة فوق تكليف المكلف من جنس ما كلّفه به الله.
إن الله قد فرض علينا خمس صلوات، فإذا نذر إنسان أن يصلي عدداً من الركعات فوق ذلك، فإن الإنسان يكون قد ألزم نفسه بأمر أكثر مما ألزمه به الله، وهو من جنس ما كلف الله وهو الصلاة.
والله قد فرض صيام شهر رمضان، فإذا ما نذر إنسان أن يصوم يومي الاثنين والخميس أو صيام شهرين فالإنسان حر، ولكنه يختار نذراً من جنس ما فرض الله من تكاليف، وهو الصيام.
والله فرض زكاة قدرها باثنين ونصف بالمائة، ولكن الإنسان قد ينذر فوق ذلك، كمقدار عشرة بالمائة أو حتى خمسين بالمائة.
إن الإنسان حر، ولكنه يختار نذراً من جنس ما فرض الله من تكاليف، إن النذر هو زيادة عما كلف المكلف من جنس ما كلف سبحانه.
وكلمة "نذرت" من ضمن معانيها هو أن امرأة عمران سيدة تقية وورعة ولم تكن مجبرة على النذر، ولكنها فعلت ذلك، وهو أمر زائد من أجل خدمة بيت الله.
والنذر كما نعلم يعبر عن عشق العبد لتكاليف الله، فيلزم نفسه بالكثير من بعضها.
ودعت امرأة عمران الله من بعد ذلك بقبول ذلك النذر فقالت: "فتقبل مني”.
"والتقبل" هو أخذ الشيء برضا، لأنك قد تأخذ بكره، أو تأخذ على مضض، أما أن "تتقبل" فذلك يعني الأخذ بقبول وبرضا.
واستجابة لهذا الدعاء جاء قول الحق: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} [آل عمران: 37].
ونلاحظ أن امرأة عمران قالت في أول ما قالت: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} [آل عمران: 35]، ولم تقل: "يا الله" وهذا لنعلم أن الرب هو المتولي التربية، فساعة ينادي "ربي" فالمفهوم فيها التربية.
وساعة يُنادي بـ "الله" فالمفهوم فيها التكليف.
إن "الله" نداء للمعبود الذي يطاع فيما يكلف به، أما "رب" فهو المتولي التربية.
قالت امرأة عمران: {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ} [آل عمران: 35].
هذا هو الدعاء، وهكذا كانت الاستجابة: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} [آل عمران: 37].
وبعد ذلك تكلم الحق عن الأشياء التي تكون من جهة التربية.
{وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37].
كل ذلك متعلق بالتربية وبالربوبية، فساعة نادت امرأة عمران عرفت كيف تنادي ونذرت ما في بطنها.
وبعد ذلك جاء الجواب من جنس ما دعت بقمة القبول وهو الأخذ برضا.
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ} [آل عمران: 37].
فالحسن هنا هو زيادة في الرضا، لأن كلمة "قبول" تعطينا معنى الأخذ بالرضا، وكلمة "حسن" توضح أن هناك زيادة في الرضا، وذلك مما يدل على أن الله قد أخذ ما قدمته امرأة عمران برضا، وبشيء حسن، وهذا دليل على أن الناس ستلمح في تربيتها شيئاً فوق الرضا، إنه ليس قبولاً عادياً، إنه قبول حسن.
{وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً} [آل عمران: 37].
مما يدل على أن امرأة عمران كانت تقصد حين نذرت ما في بطنها، ألا تربي ما في بطنها إلى العمر الذي يستطيع فيه المولود أن يخدم في بيت الله.
ولكنها نذرت ما في بطنها من اللحظة الأولى للميلاد.
إنها لن تتنعم بالمولود، ولذلك قال الحق: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37]، وزكريا هو زوج خالة السيدة مريم.
وبعد دعاء امرأة عمران، يجيء القول الحكيم: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 031-040 الأحد 21 أبريل 2019, 7:45 am | |
| فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَىٰ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ [٣٦] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
لقد جاء هذا القول منها، لأنها كانت قد قالت إنها نذرت ما في بطنها محرراً لخدمة البيت، وقولها: "محرراً" تعني أنها أرادت ذكراً لخدمة البيت، لكن المولود جاء أنثى.
فكأنها قد قالت: ان لم أُمَكّنْ من الوفاء بالنذر، فلأن قدرك سبق، لقد جاءت المولودة أنثى.
لكن الحق يقول بعد ذلك: {وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران: 36].
وهذا يعني أنها لا تريد إخبار الله، ولكنها تريد أن تظهر التحسر، لأن الغاية من نذرها لم تتحقق وبعد ذلك يقول الحق: {وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ} [آل عمران: 36].
فهل هذا من كلامها، أم من كلام الله؟
قد قالت: {إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ} [آل عمران: 36] وقال الله: {وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ} [آل عمران: 36].
إن الحق يقول لها: لا تظني أن الذكر الذي كنت تتمنينه سيصل إلى مرتبة هذه الأنثى، إن هذه الأنثى لها شأن عظيم.
أو أن القول من تمام كلامها: {إِنِّي وَضَعْتُهَآ أُنْثَىٰ} [آل عمران: 36] ويكون قول الحق: {وَٱللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ} [آل عمران: 36] هو جملة اعتراضية ويكون تمام كلامها {وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ} [آل عمران: 36].
أي أنها قالت: يا رب إن الذكر ليس كالأنثى، إنها لا تصلح لخدمة البيت.
وليأخذ المؤمن المعنى الذي يحبه، وسنجد أن المعنى الأول فيه إشراق أكثر، إنه تصور أن الحق قد قال: أنت تريدين ذكراً بمفهومك في الوفاء بالنذر، وليكون في خدمة البيت، ولقد وهبت لك المولود أنثى، ولكني سأعطي فيها آية أكبر من خدمة البيت، وأنا أريد بالآية التي سأعطيها لهذه الأنثى مساندة عقائد، لا مجرد خدمة رقعة تقام فيها شعائر.
إنني سأجعل من هذه الآية مواصلة لمسيرة العقائد في الدنيا إلى أن تقوم الساعة.
ولأنني أنا الخالق، سأوجد في هذه الأنثى آية لا توجد في غيرها، وهي آية تثبت طلاقة قدرة الحق، ولقد قلت من قبل: إن طلاقة القدرة تختلف عن القدرة العادية، إن القدرة تخلق بأسباب، ولكن من أين الأسباب؟
إن الحق هو خالق الأسباب أيضاً.
إذن فما دام الخالق للأسباب أراد خلقاً بالأسباب فهذه إرادته.
ولذلك أعطانا الحق القدرة على رؤية طلاقة قدرته؛ لأنها عقائد إيمانية، يجب أن تظل في بؤرة الشعور الإيماني، وعلى بال المؤمن دائماً.
لقد خلق الله بعضاً من الخلق بالأسباب كما خلقنا نحن، وجمهرة الخلق عن طريق التناسل بين أب وأم، أما خلق الحق لآدم عليه السلام فقد خلقه بلا أسباب.
ونحن نعلم أن الشيء الدائر بين اثنين له قسمة عقلية ومنطقية، فما دام هناك أب وأم، ذكر وأنثى، فسيجيء منهما تكاثر.
إن الحق يقول: {وَمِن كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الذاريات: 49].
وعندما يجتمع الزوجان، فهذه هي الصورة الكاملة، وهذه الأولى في القسمة المنطقية والتصور العقلي، وإما أن ينعدم الزوجان فهذه هي الثانية في القسمة المنطقية والتصور العقلي.
أو أن ينعدم الزوج الأول ويبقى الطرف الثاني، وهذه هي الثالثة في القسمة المنطقية والتصور العقلي، أو أن ينعدم الزوج الثاني ويبقى الطرف الأول، وهذه هي الرابعة في القسمة المنطقية والتصور العقلي.
تلك إذن أربعة تصورات للقسمة العقلية.
وجميعنا جاء من اجتماع العنصرين، الرجل والمرأة.
أما آدم فقد خلقه الله بطلاقة قدرته ليكون السبب.
وكذلك تم خلق حواء من آدم.
وأخرج الحق من لقاء آدم وحواء نسلاً.
وهناك أنثى وهي مريم ويأتي منها المسيح عيسى ابن مريم بلا ذكر.
وهذه هي الآية في العالمين، وتثبت قمة عقدية.
فلا يقولن أحد: ذكراً، أو أنثى، لأن نية امرأة عمران في الطاعة أن يكون المولود ذكراً، وشاء قدر ربكم أن يكون أسمى من تقدير امرأة عمران في الطاعة، لذلك قال: {وَلَيْسَ ٱلذَّكَرُ كَٱلأُنْثَىٰ} [آل عمران: 36].
أي أن الذكر لن يصل إلى مرتبة هذه الأنثى.
وقالت امرأة عمران: {وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ} [آل عمران: 36].
إن امرأة عمران قالت ما يدل على شعورها، فحينما فات المولودة بأنوثتها أن تكون في خدمة بيت الله فقد تمنَّت امرأة عمران أن تكون المولودة طائعة، عابدة، فسمَّتها "مريم" لأن مريم في لغتهم -كما قلنا- معناها "العابدة”.
وأول ما يعترض العبودية هو الشيطان.
إنه هو الذي يجعل الإنسان يتمرد على العبودية.
إن الإنسان يريد أن يصير عابداً، فيجيء الشيطان ليزين له المعصية.
وأرادت إمرأة عمران أن تحمي ابنتها من نزغ الشيطان لأنها عرفت بتجربتها أن المعاصي كلها تأتي من نزغ الشيطان، وقد سمتها "مريم" حتى تصبح "عابدة لله"، ولأن إمرأة عمران كانت تمتلك عقلية إيمانية حاضرة وتحمل المنهج التعبدي كله لذلك قالت: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ} [آل عمران: 36].
إن المُستعاذ به هو الله، والمُستعاذ منه هو الشيطان، وحينما يدخل الشيطان مع خلق الله في تزيين المعاصي، فهو يدخل مع المخلوق في عراك، ولكن الشيطان لا يستطيع أن يدخل مع ربه في عراك، ولذلك يُقال عن الشيطان إنه إذا سمع ذِكْرَ اللهِ فإنه يَخنس أي يتراجع، ووصفه القرآن الكريم بأنها "الخنَّاس"، إن الشيطان إنما ينفرد بالإنسان حين يكون الإنسان بعيداً عن الله، ولذلك فالحق يُعَلِّمُ الإنسان: {وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَٱسْتَعِذْ بِٱللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [الأعراف: 200].
إن الشيطان يرتعد فرقاً ورعشة من الاستعاذة بالله.
وعندما يتكرر ارتعاد الشيطان بهذه الكلمة؛ فإنه يعرف أن هذا الإنسان العابد لن يحيد عن طاعة الله إلى المعاصي.
وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يجيء الرجل امرأته، ومجيء الأهل هو مظنة لمولود قد يجيء، فيقول العبد: "اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني" (من دعاء رسول الله).
إن من يقول هذا القول قبل أن يحدث التخلق "فلن يكون للشيطان ولاية أو قدرة على المولود الذي يأتي بإذن الله”.
ولذلك قالت إمرأة عمران: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ} [آل عمران: 36].
والذرية قد يفهمها الناس على أنها النسل المتكاثر، ولكن كلمة "ذرية" تطلق على الواحد وعلى الاثنين، وعلى الثلاثة أو أكثر.
والذرية هنا بالنسبة لمريم عليها السلام هي عيسى عليه السلام، وتنتهي المسألة.
وبعد دعاء إمرأة عمران {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ ٱلشَّيْطَانِ ٱلرَّجِيمِ} [آل عمران: 36] يجيء القول الحق: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 031-040 الأحد 21 أبريل 2019, 7:50 am | |
| فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَٰذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [٣٧] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
وقد عرفنا القبول الحسن والإنبات الحسن، أما قوله الحق: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] فهذا يعني أن المسألة جاءت من أعلى، إنه الرب الذي تقبل بقبول حسن، وهو الذي أنبتها نباتاً حسناً.
إذن، فرعاية زكريا لها إنما جاءت بأمر من الله.
والدليل على ما حدث عند كفالة مريم.
لقد اجتمع كبار القوم رغبة في كفالتها وأجروا بينهم قرعة من أجل ذلك.
وساعة تجد قرعة، أو إسهاماً.
فالناس تكون قد خرجت من مراداتها المختلفة إلى مراد الله.
فعندما نختلف على شيء فإننا نجري قرعة، ويخصص سهم لكل مشترك فيها، ونرى بعد ذلك من الذي يخرج سهمه، ويلجأ الناس لهذا الأمر؛ ليمنعوا هوى البشر عن التدخل في الاختيار، ويصبح الأمر خارجاً عن مراد البشر إلى مراد الله سبحانه وتعالى، وهذا ما حدث عند كفالة زكريا لمريم.
ولذلك فالحق يقول لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ذٰلِكَ مِنْ أَنَبَآءِ ٱلْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ} [آل عمران: 44].
إذن فالكفالة لمريم أخذت لها ضجة، وهذا دليل على أنهم اتفقوا على إجراء قرعة بالنسبة لكفالتها، ولا يمكن أن يكونوا قد ذهبوا إلى هذه القرعة إلا إذا كان قد حدث تنازع بينهم، عن أيهم يكفل مريم، ومن فضل الله أن زكريا عليه السلام كان متزوجاً من "إشاع" " أخت" "حنة" وهي أم مريم، فهو زوج خالتها.
وكلمة "أقلامهم" قال فيها المفسرون: إنها القداح التي كانوا يصنعونها قديماً، أو الأقلام التي كتبوا بها التوراة، فرموها في البحر، فمن طفا قلمه لم يأخذ رعاية مريم، ومن غرق قلمه في البحر فهو الذي فاز بكفالة مريم.
إذن فهم قد خرجوا عن مراداتهم إلى مراد الله.
والخروج عن المرادات، والخروج عن الأهواء بجسم ليس له اختيار -كقداح القرعة- لا يوجد في النفس غضاضة.
لكن لو كان هناك من سيأخذ رعاية مريم بالقوة والغصب فلابد أن يجد نفوس الآخرين وقد امتلأت بالمرارة أو الغضب.
ولذلك فقد كان سائداً في ذلك العصر عملية إجراء السهام إذا ما خافوا أن يقع الظلم على أحد أو أن يساء الظن بأحد، وهناك قصة سيدنا يونس عندما قاربت السفينة على الغرق، وكان لابد لإنقاذها أن ينزل واحد إلى البحر، وجاء القول الحكيم: {وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ * إِذْ أَبَقَ إِلَى ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ * فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ ٱلْمُدْحَضِينَ * فَٱلْتَقَمَهُ ٱلْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ ٱلْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 139-144].
كان لابد أن ينزل واحد من تلك السفينة، لذلك تم إجراء قرعة بالسهام حتى لا تقوم معركة بين الموجودين على ظهر السفينة، وحتى لا تكون الغلبة للأقوياء، ولكن القرعة حمت الناس من ظلم بعضهم بعضاً.
قالوا: لنجر قرعة السهام، فمن يخرج سهمه فهو الذي يلقى به، وكان على يونس عليه السلام أن ينزل إلى اليم فيلتقمه الحوت.
ولأنه من المسبحين فإن الله ينقذه.
لقد قبل يونس عليه السلام اختيار الله ولم ينس تسبيح الله فكان في ذلك الإنقاذ له.
وهكذا نقرأ قول الله لنفهم أن كفالة زكريا كانت باختيار الله.
{فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37].
وكلمة "كفلها" أي تولى كل مهمة تربيتها، هذه هي الكفالة، ونحن نعرف أن الكفيل في عرفنا هو الضامن، والضامن هو من يسد القرض عندما يعجز الإنسان عن السداد، وقوله الحق: {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آل عمران: 37] يعطينا المعنى الواضح بأن زكريا عليه السلام هو الذي قام برعاية شئون مريم.
ويتابع الحق الكريم قوله: {كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا ٱلْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً} [آل عمران: 37] إنه لم يدخل مرة واحدة، بل دخل عليها المحراب مرات متعددة.
وكان زكريا عليه السلام كلما دخل على مريم يجد عندها الرزق، ولذلك كان لابد أن يتساءل عن مصدر هذا الرزق، ولابد أن يكون تساؤله معبرا عن الدهشة، لذلك يجيء القول الحق على لسان زكريا: {أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا} [آل عمران: 37].
وساعة أن تسمع "أنى لك هذا؟" فهذا يدل على أنه قام بعمل محابس على المكان الذي توجد به مريم، وإلا لظن أن هناك أحداً قد دخل على مريم، وكما يقولون: فإن زكريا كان يقفل على مريم الأبواب.
وإلا لو كانت الأبواب غير مغلقة لظن أن هناك من دخل وأحضر لها تلك الألوان المتعددة من الرزق.
والرزق هو ما ينتفع به -بالبناء للمجهول- وعندما يقول زكريا عليه السلام: {أَنَّىٰ لَكِ هَـٰذَا} [آل عمران: 37].
فلنا أن نتذكر ما قلناه سابقاً من أن أي إنسان وكله الله على جماعة ويرى عندهم ما هو أزيد من الطاقة أو حدود الدخل، فلابد أن يسأل كُلاًّ منهم: من أين لك هذا؟
ذلك أن فساد البيوت والمجتمعات إنما يأتي من عدم الإهتمام بالسؤال وضرورة الحصول على إجابة على السؤال المحدد: من أين لك هذا؟
إن الذي يدخل بيته ويجد ابنته ترتدي فستاناً مرتفع الثمن ويفوق طاقة الأسرة، أو يجد ابنه قد اشترى شيئاً ليس في طاقة الأسرة أن تشتريه، هنا يجب أن يتوقف الأب أو الولي ليسأل: من أين لك هذا؟
إن في ذلك حماية لأخلاق الأسرة من الانهيار أو التحلل.
فلو فطن كل واحد أن يسأل أهله ومن يدخلون في كفالته - "من أين لك هذا؟"
لعرف كل تفاصيل حركتهم، لكن لو ترك الحبل على الغارب لفسد الأمر.
وقول زكريا: "أنّى لك هذا؟" هو سؤال محدد عن مصدر هذا الرزق، ولننظر إلى إجابتها: {قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ} [آل عمران: 37] ثم لا تدع البديهة الإيمانية عند سيدنا زكريا دون أن تذكره أنها لا تنسى حقيقة واضحة في بؤرة شعور كل مؤمن: {إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37] وأثارت هذه المسألة في نفس زكريا نوازع شتى؛ إنها مسألة غير عادية، لقد أخبرته مريم أن الرزق الذي عندها هو من عند الله الذي يرزق من يشاء بغير حساب، إنه الإله هو القادر على أن يقول: "كن" فيكون.
وهنا ذكر زكريا نفسه، وكأن نفسه قد حدثته: "إذا كانت للقدرة طلاقة في أن تفعل بلا أسباب، وتعطي من غير حساب، فأنا أريد ولداً يخلفني، رغم أنني على كبر ورغم بلوغي من السن عتيّا، وامرأتي عاقر.
إن مسألة الرزق الذي وجده زكريا كلما دخل على مريم هي التي نبهت زكريا إلى ما يتمنى ويرغب.
ونحن نعلم أن المعلومات التي تمر على خاطر النفس البشرية كثيرة، ولكن لا يستقر في بؤر الشعور إلا الذي يصر عليه الإنسان، وهناك فرق بين معلومات توجد في بؤرة الشعور.
ومعلومات في حاشية الشعور يتم استدعاؤها عند اللزوم، فلما وجد زكريا الرزق المنوع عند مريم وقالت له عن مصدره: {هُوَ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللًّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 37].
هنا تساءل زكريا: كيف فاتني هذا الأمر؟
ولذلك يقول الحق عن زكريا: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 031-040 الأحد 21 أبريل 2019, 7:53 am | |
| هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ [٣٨]تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
إنها ساعة أن قالت له: إن الرزق من عند الله، وأنه الحق الذي يرزق من يشاء بغير حساب، هنا أيقظت فيه القضية الإيمانية فجاءت أمنيته إلى بؤرة الشعور، فقال زكريا لنفسه: فلنطلب من ربنا أن يرزقنا ما نرجوه لأنفسنا، وما دام قد قال هذا القول فلابد أنه قد صدق مريم في قضيتها، بأن هذا الرزق الذي يأتيها هو من عند الله، ودليل آخر في التصديق, هو أنه لابد وقد رأى أن الألوان المتعددة من الرزق التي توجد عند مريم ليست في بيئته، أو ليست في أوانها؛ وكل ذلك في المحراب.
ونحن نعرف أن المحراب كلمة يراد بها بيت العبادة.
يقول الحق: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَٱلْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ ٱعْمَلُوۤاْ آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ ٱلشَّكُورُ} [سبأ: 13].
أو "المحراب" وهو مكان الإمام في المسجد، أو هو حجرة يصعد إليها بسلم، كالمبلغات التي تقام في بعض المساجد.
وما دامت مريم قد أخبرت زكريا وهي في المحراب بأن الرزق من عند الله، وأيقظت بذلك تلك القضية الإيمانية في بؤرة شعوره، فماذا يكون تصرفه؟
هنا دعا زكريا أثناء وجوده في المحراب.
{رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ} [آل عمران: 38] إنه هنا يطلب الولد.
ولكن لابد لنا أن نلاحظ ما يلي: هل كان طلبه للولد لما يطلبه الناس العاديون من أن يكون زينة للحياة أو "عزوة" أو ذكرا؟
لا، إنه يطلب الذرية الطيبة، وذكر زكريا الذرية الطيبة تفيد معرفته أن هنالك ذرية غير طيبة.
وفي قول زكريا الذي أورده الحق: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ} [مريم: 6].
أي أن يكون دعاء لإرث النبوة وإرث المناهج وإرث القيم، هكذا طلب زكريا الولد.
لقد طلبه لمهام كبيرة، وقول زكريا: "رب هب لي" تعني أنه استعطاء شيء بلا مقابل، إنه يعترف.
أنا ليس لي المؤهلات التي تجعل لي ولداً؛ لأني كبير السن وامرأتي عاقر، إذن فعطاؤك يارب لي هو هبة وليس حقاً، وحتى الذي يملك الاستعداد لا يكون هذا الأمر حقاً له، فلابد أن يعرف أن عطاء الله له يظل هبة، فإياك أن تظن أن اكتمال الأسباب والشباب هي التي تعطي الذرية، إن الحق سبحانه ينبهنا ألاّ نقع في خديعة وغش أنفسنا بالأسباب.
{لِلَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً وَيَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} [الشورى: 49-50].
إن في ذلك لفتاً واضحاً وتحذيراً محدداً ألا نفتتن بالأسباب، إذن فلكل عطاء من الله هو هبة، والأسباب لا تعطي أحداً ما يريد.
إن زكريا يقول: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ} [آل عمران: 38] وساعة أن تقول من: "لدنك" فهو يعني "هب لي من وراء أسبابك”.
لماذا؟
لأن الكل من الله.
ولكن هناك فرقاً بين عطاء الله بسبب، كأن يذهب إنسان ليتعلم العلم ويمكث عشرين عاماً ليتعلم، وهناك إنسان يفيض الله عليه بموهبة ما، ولذلك يقول أهل الإشراقات: إنه علم لدنى، أي من غير تعب، وساعة أن نسمع "من لدن" أي انعزلت الأسباب، كان دعاء زكريا هو {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ} [آل عمران: 38] وكلمة "هب" توضح ما جاء في سورة مريم من قول زكريا: {قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ ٱلْكِبَرِ عِتِيّاً} [مريم: 8].
إن "هب" هي التي توضح لنا هذه المعاني، هذا كان دعاء زكريا: {رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ ٱلدُّعَآءِ} [آل عمران: 38] فهل المراد أن يسمع الله الدعاء؟
أم أن يجيب الله الدعاء؟
إنه يضع كل أمله في الله، وكأنه يقول: إنك يارب من فور أن تسمعني ستجيبني إلى طلبي بطلاقة قدرتك.
لماذا؟
لأنك يا رب تعلم صدق نيتي في أنني أريد الغلام لا لشيء من أمور كقرة العين، والذكر، والعز، وغيرها، إنما أريد الولد ليكون وارثاً لي في حمل منهجك في الأرض، وبعد ذلك يقول الحق: {فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 031-040 الأحد 21 أبريل 2019, 7:56 am | |
| فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [٣٩] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
هل كل الملائكة اجتمعوا أو نادوا زكريا؟
لا، لأن جبريل عليه السلام الذي ناداه.
ولماذا جاء القول الحق هنا بأن الملائكة هي التي نادته؟
لقد جاء هذا القول الحق لنفطن إلى شيء هو، أن الصوت في الحدث -كالإنسان- له جهة يأتي منها، أما الصوت القادم من الملأ الأعلى فلا يعرف الإنسان من أين يأتيه، إن الإنسان يسمعه وكأنه يأتي من كل الجهات، وكأن هناك ملكا في كل مكان.
والعصر الحديث الذي نعيشه قد ارتقى في الصوتيات ووصل لدرجة أن الإنسان أصبح قادراً على جعل المؤثر الصوتي يحيط بالإنسان من جهات متعددة، إذن فقوله الحق: {فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ} [آل عمران: 39] فهذا يعني أن الصوت قد جاء لزكريا من جميع الجهات.
{فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39].
لقد نادته الملائكة في أورع لقاءاته مع ربه, أو هو حينما دعا أخذ ما علمه الله للأنبياء إذا حزبهم أمر قاموا إلى الصلاة.
أليس طلبه من الله؟
إذن فليقف بين يدي الله.
وليجربها كل واحد منا عندما يصعب عليك أي شيء، وتتأزم الأمور، وتمتنع الأسباب، فليقم ويتوضأ وضوءاً جديداً ويبدأه بالنية حتى ولو كان متوضئاً.
وليقف بين يدي الله، وليقل - إنه أمر يارب عزّ عليّ في أسبابك، وليصل بخشوع، وأنا أجزم بأن الإنسان ما إن يسلم من هذه الصلاة إلاّ ويكون الفرج قد جاء.
ألم نتلق عن رسول الله هذا السلوك البديع؟
إنه كلما حزبه أمر قام إلى الصلاة؟
ومعنى حزبه أمر، أي أن أسبابه ضاقت، لذلك يذهب إلى الصلاة لخالق الأسباب، إنها ذهاب إلى المسبب.
وبدلاً من أن تلف وتدور حول نفسك، اذهب إلى الله من أقصر الطرق وهو الصلاة، لماذا تتعب نفسك أيها العبد ولك رب حكيم؟
وقديماً قلنا: إن من له أب لا يحمل هما، والذي له رب أليس أولى بالإطمئنان؟
إن زكريا قد دعا الله في الأمر الذي حزبه، وبمجرد أن دعا في الأمر الذي حزبه، قام إلى الصلاة، فنادته الملائكة، وهو قائم يصلي، إن الملائكة لم تنتظر إلى أن ينتهي من صلاته، {فَنَادَتْهُ ٱلْمَلاۤئِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي ٱلْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ} [آل عمران: 39].
والبشارة هي إخبار بخير زمنه لم يأت، فإذا كانت البشارة بخير زمنه لم يأت فلنر من الذي يخبر بالبشارة؟
أمن يقدر على إيجاده أم من لا يقدر؟
فإذا كان الله هو الذي يبشر، فهو الذي يقدر، لذلك فالمبشر به قادم لا محالة، {أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَـىٰ} [آل عمران: 39] لقد قال له الله: سأعطيك.
وزيادة على العطاء سماه الله بـ "يحيـي" وفوق كل ذلك: {مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ} [آل عمران: 39].
ولننظر إلى دقة الحق حين يقول: {بِيَحْيَـىٰ مُصَدِّقاً} [آل عمران: 39].
هذا دليل على أنه سيعيش بمنهج الله وما يعرفه من الطاعات سيسير في هذا الطريق وهو مصدق، وهو سيأتي بكلمة من الله، أو هو يأتي ليصدق بكلمة من الله، لأن سيدنا يحيى هو أول من آمن برسالة عيسى عليه السلام.
وهو موصوف بالقول الحق: {وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ} [آل عمران: 39].
أي ممنوعاً عن كل ما حُرم عليه، أو ممنوعاً عن قمة الغرائز وهي الشهوة، وهو نبيّ، أي قدوة في اتباع الرسول الذي يجيء في عصره، لقد دعا زكريا، وقام ليصلي، وتلقى البشارة بيحيى، وهنا ارتجت الأمور على بشرية زكريا.
ويصوره الحق بقوله: {قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ...}. |
|
| |
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn مؤسس ومدير المنتدى
عدد المساهمات : 52644 العمر : 72
| موضوع: رد: سورة آل عمران الآيات من 031-040 الأحد 21 أبريل 2019, 7:57 am | |
| قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَٰلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ [٤٠] تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
{قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} [آل عمران: 40].
إن زكريا -وهو الطالب- يصيبه التعجب من الاستجابة فيتساءل.
كيف يكون ذلك؟
والحق يورد ذلك ليعلمنا أن النفس البشرية دائماً تكون في دائرات التلوين، وليست في دائرات التمكين، وذلك ليعطي الله لخلقه الذين لا يهتدون إلى الصراط المستقيم الأسوة في أنه إذا ما حدث له ابتلاء فعليه الرجوع إلى الله، فيقول زكريا: {أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ} [آل عمران: 40].
إن بلوغ الكبر ليس دليلاً على أنه عاجز عن الإنجاب لأنه يكون كبير العمر، وقادراً على إخصاب امرأة، ذلك أن الإخصاب بالنسبة لبعض الرجال ليس أمراً عسيراً مهما بلغ من العمر إن لم يكن عاقراً، ولكن المرأة هي العنصر المهم، فإن كانت عاقراً، فذلك قمة العجز في الأسباب.
ولو أن زكريا قال فقط: "وامرأتي عاقر" لكان أمراً غير مستحب بالنسبة لزوجته، ولكان معنى ذلك أنه نسب لنفسه الصلاحية وهي غير القادرة.
إنه أدب النبوة وهو أدب عال؛ لذلك أوردها من أولها: {وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ} [آل عمران: 40] ولنر دقة القول في: "بلغني الكبر"، إنه لم يقل: "بلغت الكبر" بل يقول: إن الكبر هو الذي جاءني ولم أجيء أنا إلى الكبر؛ لأن بلوغ الشيء يعني أن هناك إحساساً ورغبة في أن تذهب إليه، وذكر زكريا "وامرأتي عاقر" هو تضخيم لطلاقة القدرة عند من يستمع للقصة، لقد أورد كل الخوالج البشرية، وبعد ذلك يأتي القول الفصل: {قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ} [آل عمران: 40] إنها طلاقة القدرة التي فوق الأسباب لأنها خالقة الأسباب. |
|
| |
| سورة آل عمران الآيات من 031-040 | |
|