منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة البقرة: الآيات من 271-280

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 271-280 Empty
مُساهمةموضوع: سورة البقرة: الآيات من 271-280   سورة البقرة: الآيات من 271-280 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 2:42 am

إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [٢٧١]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

فإن أظهرتم الصدقة فنعم ما تفعلون؛ لتكونوا قدوة لغيركم، ولتردوا الضغن عن المجتمع.

وإن أخفيتم الصدقة وأعطيتموها الفقراء فإن الله يكفر عنكم بذلك من سيئاتكم، والله خبير بالنية وراء إعلان الصدقة ووراء إخفاء الصدقة.

والتذييل في هذه الآية الكريمة يخدم قضية إبداء الصدقة وقضية إخفاء الصدقة، فالحق خبير بنية من أبدى الصدقة، فإن كان غنياً فعليه أن يبدي الصدقة حتى يحمي عرضه من وقوع الناس فيه؛ لأن الناس حين يعلمون بالغني فلابد أن يعلموا بإنفاق الغني، وإلا فقد يحسب الناس على الغني عطاء الله له، ولا يحسبون له النفقة في سبيل الله.

لماذا؟

لأن الله يريد أن يحمي أعراض الناس من الناس.

أما إن كان الإنسان غير ظاهر الغنى فمن المستحسن أن يخفي الصدقة.

وإن أظهرت الصدقة كما قلت ليتأسى الناس بك، وليس في ذهنك الرياء فهذا أيضاً مطلوب.

والحق يقول: {وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [البقرة: 271] أي أن الله يجازي على قدر نية العبد في الإبداء أو في الإخفاء.

إنه باستقراء الآيات التي تعرضت للإنفاق نجده سبحانه يسد أمام النفس البشرية كل منافذة الشُح، ويقطع عنها كل سبيل تحدثه به إذا ما أرادت أن تبخل بما أعطاها الله، والخالق الذي وهب للمخلوق ما وهبه يطلب منه الإنفاق، وإذا نظرنا إلى الأمر في عرف المنطق وجدناه أمراً طبيعياً؛ لأن الله لا يسأل خلقه النفقة مما خَلَقُوا ولكنه يسألهم النفقة مما خلقه لهم.

إن الإنسان في هذا الكون حين يُطلب إيمانياً منه أن ينفق فلازم ذلك أن يكون عنده ما ينفقه، ولا يمكن أن يكون عنده ما ينفقه إلا إذا كان مالكاً لشيء زاد على حاجته وحاجة من يعوله، وذلك لا يتأتى إلا بحصيلة العمل.

إذن فأمر الله للمؤمن بالنفقة يقتضي أن يأمره أولاً بأن يعمل على قدر طاقته لا على قدر حاجته، فلو عمل كل إنسان من القادرين على قدر حاجته، فكيف توجد مقومات الحياة لمن لا يقدر على العمل؟.

إذن فالحق يريد منا أن نعمل على قدر طاقتنا في العمل لنعول أنفسنا ولنعول من في ولايتنا، فإذا ما زاد شيء على ذلك وهبناه لمن لا يقدر على العمل.

ولقائل أن يقول: إذا كان الله قد أراد أن يحنن قلوب المنفقين على العاجزين فلماذا لم يجعل العاجزين قادرين على أن يعملوا هم أيضاً؟

نقول لصاحب هذا القول: إن الحق حين يخلق، يخلق كوناً متكاملاً منسجماً دانت له الأسباب، فربما أطغاه أن الأسباب تخضع له، فقد يظن أنه أصبح خالقاً لكل شيء، فحين تستجيب له الأرض إن حرث وزرع، وحين يستجيب الماء له إن أدلى دلوه، وحين تستجيب له كل الأسباب، ربما ظن نفسه أصيلاً في الكون.

فيشاء الله أن يجعل القوة التي تفعل في الأسباب لتنتج، يشاء -سبحانه- أن يجعلها عرضاً من أعراض هذا الكون، ولا يجعلها لازمة من لوازم الإنسان، فمرة تجده قادراً، ومرة تجده عاجزاً.

فلو أنه كان بذاتيته قادراً لما وُجَدَ عَاجزٌ.

إذن فوجود العاجزين عن الحركة في الحياة لفت للناس على أنهم ليسوا أصلاء في هذا الكون، وأن الذي وهبهم القدرة يستطيع أن يسلبهم إياها ليعيدها إلى سواهم، فيصبح العاجز بالأمس قادراً اليوم، ويصبح القادر بالأمس عاجزاً اليوم وبذلك يظل الإنسان منتبهاً إلى القوة الواهبة التي استخلفته في الأرض.

ولذلك كان الفارق بين المؤمن والكافر في حركة الحياة أنهما يجتمعان في شيء، ثم ينفرد المؤمن في شيء، يجتمعان في أن كل واحد من المؤمنين ومن الكافرين يعمل في أسباب الحياة لينتج ما يقوته ويقوت من يعول، ذلك قدر مشترك بين المؤمن والكافر.

والكافر يقتصر على هذا السبب في العمل فيعمل لنفسه ولمن يعول.

ولكن المؤمن يشترك معه في ذلك ويزيد أنه يعمل لشيء آخر هو: أن يفيض عنه شيء يمكن أن يتوجه به إلى غير القادر على العمل.

محتسباً ذلك عند الله.

ولذلك قلنا سابقاً: إن الحق سبحانه حينما تكلم عن الزكاة تكلم عنها مرة مطلوبة أداء، وتكلم عنها مرة أخرى مطلوبة غاية فقال: {وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ} [المؤمنون: 4] ولم يقل للزكاة مؤدون، فالمؤمنون لا يعملون لقصد الزكاة إلا إن عملوا عملاً على قدر طاقاتهم ليقوتهم وليقوت من يعولهم، ثم يفيض منهم شيء يؤدون عنه الزكاة.

والحق سبحانه وتعالى في أمر الزكاة: {وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتُواْ ٱلزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُواْ لأَنْفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 110].

إذن فحصيلة الأمر أن الزكاة مقصودة لهم حين يقبلون على أي عمل.

ولقد صارت الزكاة بذلك الأمر الإلهي مطلوبة غاية، فهي أحد أركان الإسلام وبذلك يتميز المؤمن على الكافر.

والحق سبحانه وتعالى حين تعرض لمنابع الشُح في النفس البشرية أوضح: أن أول شيء تتعرض له النفس البشرية أن الإنسان يخاف من النفقة لأنها تنقص ما عنده، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الشح في قوله: "اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم" .

هي كذلك ولكن الحق سبحانه أوضح لكل مؤمن: أنها تنقص ما عندك، ولكنها تزيدك مما عند الله؛ فهي إن أنقصت ثمرة فعلك فقد أكملتك بفعل الله لك.

وحين تكملك بفعل الله لك، يجب أن تقارن بين قوة مخلوقة عاجزة وقوة خالقة قادرة.

ويلفتنا سبحانه: أن ننظر جيداً إلى بعض خلقه وهي الأرض، الأرض التي نضع فيها البذرة الواحدة -أي الحبة الواحدة- فإنها تعْطِي سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، فلو نظر الإنسان أول الأمر إلى أن ما يضعه في الأرض حين يحرث ويزرع يقلل من مخازنه لما زرع ولما غرس، ولكنه عندما نظر لما تعطيه الأرض من سبعمائة ضعف أقبل على البذر، وأقبل على الحرث غير هياب؛ لأنها ستعوضه أضعاف أضعاف ما أعطى.

وإذا كانت الأرض وهي مخلوقة لله تعطي هذا العطاء، فكيف يكون عطاء خالق الأرض؟

{مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 261].

إذن فقد سدّ الحق بهذا المثل على النفس البشرية منفذ الشُح.

وشيء آخر تتعرض له الآيات، وهو أن الإنسان قد يُحْرَج في مجتمعه من سائل يسأله فهو في حرصه على ماله لا يحب أن ينفق، ولحرصه على مكانته في الناس لا يحب أن يمنع، فهو يعطي ولكن بتأفف، وربما تعدى تأففه إلى نهر الذي سأله وزجره، فقال الحق سبحانه وتعالى ليسد ذلك الموقف: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263].

وقول الله: "قول معروف ومغفرة" يدل على أن المسئول قد أحفظه سؤال السائل وأغضبه الإحراج، ويطلب الحق من مثل هذا الإنسان أن يغفر لمن يسأله هذه الزلة إن كان قد اعتبر سؤاله له ذنباً: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ} [البقرة: 263].

وبعد ذلك يتعرض الحق سبحانه وتعالى إلى "المن" الذي يفسد العطاء؛ لأنه يجعل الآخذ في ذلة وانكسار، ويريد المعطي أن يكون في عزة العطاء وفي استعلاء المنفق، فهو يقول: إنك إن فعلت ذلك ستتعدى الصدقة منك إلى الغير فيفيد، ولكنك أنت الخاسر؛ لأنك لن تفيد بذلك شيئاً، وإن كان قد استفاد السائل.

إذن فحرصاً على نفسك لا تتبع الصدقة بالمن ولا بالأذى.

ثم يأتي الحق ليعالج منفذاً من منافذ الشح في النفس البشرية هو: أن الإنسان قد يحب أن يعطي، ولكنه حين تمتد يده إلى العطاء يعز عليه إنفاق الجيد من ماله الحسن، فيستبقيه لنفسه ثم يعزل الأشياء التي تزهد فيها نفسه ليقدمها صدقة فينهانا -سبحانه- عن ذلك فيقول: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [البقرة: 267].

أي إن مثل هذا لو أُعطي لك لما قبلته إلا أن تغمض وتتسامح في أخذه وكأنك لا تبصر عيبه لتأخذه، فما لم تقبله لنفسك فلا يصح أن تقبله لسواك.        

ثم بعد أن تكلم القرآن عن منافذ الشُح في النفس الإنسانية بين لنا أن الذي ينتج هذه المنافذ ويغذيها إنما هو الشيطان: {ٱلشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ ٱلْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِٱلْفَحْشَآءِ وَٱللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 268].

فإن سوّيتم بين عِدَةِ الشيطان ووعد الله لكم بالرضوان كان الخسران والضياع.

فراجعوا إيمانكم، وعليكم أن تجعلوا عدة الشيطان مدحورة أمام وعد الله لكم بالفضل والمغفرة.

ثم يتكلم بعد ذلك عن زمن الصدقة وعن حال إنفاقها -ظاهرة أو باطنة- وتكون النية عندك هي المرجحة لعمل على عمل، فإذا كنت إنساناً غنياً فارحم عرضك من أن يتناوله الناس وتصدق صدقة علنية فيما هو واجب عليك لتحمي عرضك من مقولهم، وأن أردت أن تتصدق تطوعاً فلا مانع أن تُسر بها حتى لا تعلم شمالك ما أنفقت يمينك.

فعن ابن عباس رضي الله عنهما: صدقات السر في التطوع تفضل علانيتها سبعين ضعفاً، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفاً.

وكأن الله فتح أمام النفس البشرية كل منافذ العطاء وسد منافذ الشح.

انظروا بعد ذلك إلى الحق سبحانه حينما يحمي ضعاف المؤمنين ليجعلهم في حماية أقوياء المؤمنين.

اعلم أيها العبد المؤمن أنك حين تتلقى حكم الله لا تتلقاه على أنه مطلوب منك دائماً، ولكن عليك أن تتلقى الحكم على أنه قد يَصير بتصرفات الأغيار مطلوباً لك، فإن كنت غنياً فلا تعتقد أن الله يطالبك دائماً، ولكن قَدّرْ أنك إن أصبحت بعرض الأغيار في الحياة فقيراً سيكون الحكم مطلوباً لك.

فقدر -حال كونه مطلوباً منك الآن؛ لأنك غني- أنّه سيطلُب لك إن حصلت لك أغيار، فصرت بها فقيراً.

إذن فالتشريع لك وعليك، فلا تعتبره عليك دائماً لأنك إن اعتبرته عليك دائماً عزلت نفسك عن أغيار الحياة، وأغيار الحياة قائمة لا يمكن أن يبرأ منها أحد أبداً لذلك أمر -سبحانه- المؤمن أن يكفل أخاه المؤمن.

انظروا إلى طموحات الإيمان في النفس الإنسانية، حتى الذين لا يشتركون معك في الإيمان.

إن طُلب منك أن تعطي الصدقة المفروضة الواجبة لأخيك المؤمن فقد طلب منك أيضاً أن تتطوع بالعطاء لمن ليس مؤمناً.

وتلك ميزة في الإسلام لا توجد أبداً في غيره من الأديان، إنه يحمي حتى غير المؤمن.

ولذلك يقول الحق: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ...}.



سورة البقرة: الآيات من 271-280 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الجمعة 19 أبريل 2019, 5:46 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 271-280 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 271-280   سورة البقرة: الآيات من 271-280 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 2:48 am

لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ [٢٧٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ما أصل هذه المسألة؟

أصل هذه المسألة أن بعض السابقين إلى الإسلام كانت لهم قرابات لم تُسلم.

وكان هؤلاء الأقرباء من الفقراء وكان المسلمون يحبون أن يعطوا هؤلاء الأقارب الفقراء شيئاً من مالهم، ولكنهم تحرَّجُوا أن يفعلوا ذلك فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر.

وهاهي ذي أسماء بنت أبي بكر الصديق وأمها "قُتَيْلَةَ" كانت ما زالت كافرة.

وتسأل أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعطي من مالها شيئاً لأمِّها حتى تعيش وتقتات.

وينزل الحق سبحانه قوله: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ} [البقرة: 272]، وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: قَدِمَتْ عليَّ أمِّي وهي مُشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم قُلت: قَدِمَتْ عليَّ أمِّي وهي راغبة، أفأصِلُ أمِّي؟ قال: "نعم صِلِي أمَّكِ".

ولقد أراد بعض من المؤمنين أن يضيقوا على أقاربهم ممن لم يؤمنوا حتى يؤمنوا، لكن الرحمن الرحيم ينزل القول الكريم: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ} [البقرة: 272].

إنه الدين المتسامي.

دين يريد أن نعول المخلوق في الأرض من عطاء الربوبية وإن كان لا يلتقي معنا في عطاء الألوهية؛ لأن عطاء الألوهية تكليف، وعطاء الربوبية رزق وتربية.

والرزق والتربية مطلوبات لكل من كان على الأرض؛ لأننا نعلم أن أحداً في الوجود لم يستدع نفسه في الوجود، وإنما استدعاه خالقه، وما دام الخالق الأكرم هو الذي استدعى العبد مؤمناً أو كافراً، فهو المتكفل برزقه.

والرزق شيء، ومنطقة الإيمان بالله شيء آخر، فيقول الحق: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ} [البقرة: 272].

أو أن الآية حينما نزلت في الحثّ على النفقة ربما أن بعض الناس تكاسل، وربما كان بعض المؤمنين يعمدون إلى الرديء من أموالهم فينفقونه.

وإذا كان الإسلام قد جاء ليواجه النفس البشرية بكل أغيارها وبكل خواطرها، فليس بعجيب أن يعالجهم من ذلك ويردهم إلى الصواب إن خطرت لهم خاطرة تسيء إلى السلوك الإيماني.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب حين ينزل أي أمر أن يلتفت المسلمون إليه لفتة الإقبال بحرارة عليه، فإذا رأى تهاوناً في شيء من ذلك حزن، فيوضح له الله: عليك أن تبلغهم أمر الله في النفقة، وما عليك بعد ذلك أن يطيعوا.

{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ} [البقرة: 272].

ولقائل أن يقول: ما دام الله هو الذي يهدي فيجب أن نترك الناس على ما هم عليه من إيمان أو كفر، وما علينا إلا البلاغ، ونقول لأصحاب هذا الرأي: تنبهوا إلى معطيات القرآن فيما يتعلق بقضية واحدة، هذه القضية التي نحن بصددها هي الهداية، ولنستقرئ الآيات جميعاً، فسنجد أن الذين يرون أن الهداية من الله، وأنه ما كان يصح له أن يعذب عاصياً، لهم وجهة نظر، والذين يقولون: إن له سبحانه أن يعذبهم؛ لأنه ترك لهم الخيار لهم وجهة نظر، فما وجهة النظر المختلفة حتى يصير الأمر على قدر سواء من الفهم؟

إن الحق سبحانه وتعالى حينما يتكلم في قرآنه الكلام الموحَى، فهو يطلب منا أن نتدبره، ومعنى أن نتدبره ألا ننظر إلى واجهة النص ولكن يجب أن ننظر إلى خلفية النص.

"أفلا يتدبرون" يعني لا تنظر إلى الوجه، ولكن انظر ما يواجه الوجه وهو الخلف.

{أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ ٱلْقُرْآن} [النساء: 82].

فالحق سبحانه وتعالى قد قال: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ} [فصلت: 17].

كيف يكون الله قد هداهم، ثم بعد ذلك يستحبون العمى على الهدى؟

إذن معنى "هدام" أي دلَّهم على الخير.

وحين دلَّهم على الخير فقد ترك فيهم قوة الترجيح بين البدائل، فلهم أن يختاروا هذا، ولهم أن يختاروا هذا، فلما هداهم الله ودلَّهم استحبوا العمَى على الهدى.

والله يقول لرسوله في نصين آخرين في القرآن الكريم:
{إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ...} [القصص: 56].

فنفى عنه أنه يهدي.

وأثبت له الحق الهداية في آية أخرى يقول فيها: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

فكيف يثبت الله فعلاً واحداً لفاعل واحد ثم ينفي الفعل ذاته عن الفاعل ذاته؟

نقول لهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه أن يدل الناس على منهج الله ولكن ليس عليه أن يحملهم على منهج الله؛ لأن ذلك ليس من عمله هو، فإذا قال الله: "إنك لا تهدي" أي لا تحمل بالقسر والقهر من أحببت، وإنما أنت "تهدي" أي تدل فقط، وعليك البلاغ وعلينا الحساب.

إذن فقول الحق: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ} [البقرة: 272] ليس فيه حجة على القسرية الإيمانية التي يريد بعض المتحللين أن يدخلوا منها إلى منفذ التحلل النفسي عن منهج الله ونقول لهؤلاء: فيه فرق بين هداية الدلالة وهداية المعونة، فالله يهدي المؤمن ويهدي الكافر أي يدلهم، ولكن من آمن به يهديه هداية المعونة، ويهديه هداية التوفيق، ويهديه هداية تخفيف أعمال الطاعة عليه.

{لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُم} [البقرة: 272] تلك قضية تعالج الشُح منطقياً، وكل معطٍ من الخلق عطاؤه عائد إليه هو، ولا يوجد معطٍ عطاؤه لا يعود عليه إلا الله، هو وحده الذي لا يعود عطاؤه لخلقه عليه، لأنه -سبحانه- أزلا وقديماً وقبل أن يخلق الخلق له كل صفات الكمال، فعطاء الإنسان يعود إلى الإنسان وعطاء ربنا يعود إلينا.

ولذلك قال بعض السلف الذين لهم لمحة إيمانية: ما فعلت لأحد خيراً قط؟ فقيل له: أتقول ذلك وقد فعلت لفلان كذا ولفلان كذا ولفلان كذا؟ فقال: إنما فعلته لنفسي.

فكأنه نظر حينما فعل للغير أنه فعل لنفسه.

ولقد قلنا سابقاً: إن العارف بالله "الحسن البصري" كان إذا دخل عليه مَنْ يسأله هَشَّ في وجهه وبَشَّ وقال له: مرحباً بِمَنْ جاء يحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة.

إذن فقد نظر إلى أنه يعطيه وإن كان يأخذ منه.

فالحق سبحانه وتعالى يعالج في هذه القضية {وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ} [البقرة: 272] أي إياكم أن تظنوا أنني أطلب منكم أن تعطوا غيركم، لقد طلبت منكم أن تنفقوا لأزيدكم أنا في النفقة والعطاء، ثم يقول: {وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ} [البقرة: 272] ومعنى التوفية: الأداء الكامل.

ولا تظنوا أنكم تنفقون على من ينكر معروفكم؛ لأن ما أنفقتم من خير فالله به عليم.

إذن فاجعل نفقتك عند من يجحد، ولا تجعل نفقتك عند من يحمد، لأنك بذلك قد أخذت جزاءك ممن يحمدك وليس لدى الله جزاء لك.

كنت أقول دائماً للذين يشكون من الناس نكران الجميل ونسيان المعروف: أنتم المستحقون لذلك؛ لأنكم جعلتموهم في بالكم ساعة أنفقتم عليهم، ولو جعلتم الله في بالكم لما حدث ذلك منهم أبداً.

{وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ٱبْتِغَآءَ وَجْهِ ٱللَّهِ} [البقرة: 272] أهذه الآية تزكية لعمل المؤمنين،، أم خبر أريد به الأمر؟ إنها الاثنان معاً، فهي تعني أنفقوا ابتغاء وجه الله.

{وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272] أنتم لا تظلمون من الخلق، ولا تظلمون من الخالق، أما من الخلق فقد استبرأتم دينكم وعرضكم حين أديتم بعض حقوق الله في أموالكم، فلن يعتدي أحد عليكم ليقول ما يقول، وأما عند الله فهو سبحانه يوفي الخير أضعاف أضعاف ما أنفقتم فيه.

وبعد ذلك يتكلم الحق سبحانه وتعالى عن مصرف من مصارف النفقة كان في صدر الإسلام: {لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ...}.



سورة البقرة: الآيات من 271-280 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 271-280 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 271-280   سورة البقرة: الآيات من 271-280 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 2:56 am

لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [٢٧٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

ساعة أن نسمع "جاراً ومجروراً" قد استهلت به آية كريمة فنعلم أن هناك متعلقاً.

ما هو الذي للفقراء؟

هو هنا النفقة، أي أن النفقة للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله.

وإذا سألنا: ما معنى "أحصروا" فإننا نجد أن هناك "حَصر" وهناك "أحصر" وكلاهما فيه المنع، إلا أن المنع مرة يأتي بما لا تقدر أنت على دفعه، ومرة يأتي بما تقدر على دفعه.

فالذي مرض مثلاً وحُصِرَ على الضرب في الأرض، أكانت له قدرة أن يفعل ذلك؟

لا، ولكن الذي أراد أن يضرب في الأرض فمنعه إنسان مثله فإنه يكون ممنوعاً، إذن فيئول الأمر في الأمرين إلى المنع، فقد يكون المنع من النفس ذاتها أو منعٌ من وجود فعل الغير، فهم أحصروا في سبيل الله.

حُصِرُوا لأن الكافرين يضيقون عليهم منافذ الحياة، أو حَصَرُوا أنفسهم على الجهاد، ولم يحبوا أن يشتغلوا بغيره؛ لأن الإسلام كان لا يزال في حاجة إلى قوم يجاهدون.

وهؤلاء هم أهل الصُّفة {لِلْفُقَرَآءِ ٱلَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ} [البقرة: 273] وعدم استطاعتهم ناشئ من أمر خارج عن إرادتهم أو من أمر كان في نيتهم وهو أن يرابطوا في سبيل الله، هذا من الجائز وذاك من الجائز.

وكان الأنصار يأتون بالتمر ويتركونه في سبائطه، ويعلقونه في حبال مشدودة إلى صواري المسجد، وكلما جاع واحد من أهل الصُّفَّة أخذ عصاه وضرب سباطة التمر، فينزل بعض التمر فيأكل، وكان البعض يأتي إلى الرديء من التمر والشيص ويضعه، وهذا هو ما قال الله فيه: {وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ...} [البقرة: 267].

وإذا نظرنا إلى قول الحق: {لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي ٱلأَرْضِ} [البقرة: 273] و"الضرب" هو فعل مِن جارحة بشدة على متأثر بهذا الضرب، وما هو الضرب في الأرض؟

إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يبين لنا أن الكفاح في الحياة يجب أن يكون في منتهى القوة، وإنك حين تذهب في الأرض فعليك أن تضربها حرثاً، وتضربها بذراً، لا تأخذ الأمر بهوادة ولين ولذلك يقول الحق: {هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلأَرْضَ ذَلُولاً فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ} [الملك: 15].

إن الأرض مسخرة من الحق سبحانه للإنسان، يسعى فيها، ويضرب فيها ويأكل من رزق الله الناتج منها.

وحين يقول الله سبحانه في وصف الذين أحصروا في سبيل الله فلا يستطيعون الضرب في الأرض {يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ} [البقرة: 273] أي يظنهم الجاهل بأحوالهم أنهم أغنياء، وسبب هذا الظن هو تركهم للمسألة، وإذا كان التعفف هو ترك المسألة فالله يقول بعدها: {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة: 273].

والسمة هي العلامة المميزة التي تدل على حال صاحبها، فكأنك ستجد فيهم خشوعاً وانكساراً ورثاثة هيئة وإن لم يسألوا أو يطلبوا، ولكنك تعرفهم من حالتهم التي تستحق الإنفاق عليهم، وإذا كان التعفف هو ترك المسألة فالله يقول بعدها: {لاَ يَسْأَلُونَ ٱلنَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة: 273] فكأنه أباح مجرد السؤال ولكنه نهى عن الإلحاحٍ والإلحاف فيه، ولو أنهم سألوا مجرد سؤال بلا إلحاف ولا إلحاح أَمَا كان هذا دليلاً على أنهم ليسوا أغنياء؟

نعم، لكنه قال: {يَحْسَبُهُمُ ٱلْجَاهِلُ أَغْنِيَآءَ مِنَ ٱلتَّعَفُّفِ} [البقرة: 273] إذن فليس هناك سؤال، لا سؤال على إطلاقه، ومن باب أولى لا إلحاف في السؤال؛ بدليل أن الحق يقول: {تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ} [البقرة: 273]، ولو أنهم سألوا لكنا قد عرفناهم بسؤالهم، إذن فالآية تدلنا على أن المنفي هو مطلق السؤال، وأما كلمة "الإلحاف" فجاءت لمعنى من المعاني التي يقصد إليها أسلوب الإعجازي، ما هو؟

إن "السيما" -كما قلنا- هي العلامة المميزة التي تدل على حال صاحبها، فكأنك ستجد خشوعاً وانكساراً ورثاثة هيئة وإن لم يسألوا أي أنت تعرفهم من حالتهم البائسة، فإذا ما سأل السائل بعد ذلك اعتبر سؤاله إلحاحاً؛ لأن حاله تدل على الحاجة، وما دامت حالته تدل على الحاجة فكان يجب أن يجد من يكفيه السؤال، فإذا ما سأل مجرد سؤال فكأنه ألحف في المسألة وألح عليها.

وأيضاً يريد الحق من المؤمن أن تكون له فراسة نافذة في أخيه بحيث يتبين أحواله بالنظرة إليه ولا يدعه يسأل، لأنك لو عرفت بـ "السيما" فأنت ذكي، أنت فطن، أنما لو لم تعرف بـ"السيما" وتنتظر إلى أن يقول لك ويسألك، إذن فعندك تقصير في فطنة النظر، فهو سبحانه وتعالى يريد من المؤمن أن يكون فطن النظر بحيث يستطيع أن يتفرس في وجه إخوانه المؤمنين ليرى مَن عليه همُّ الحاجة ومن عنده خواطر العوز، فإذا ما عرف ذلك يكون عنده فطنة إيمانية.

ولنا العبرة في تلك الواقعة، فقد دق أحدهم الباب على أحد العارفين فخرج ثم دخل وخرج ومعه شيء، فأعطاه الطارق ثم عاد باكياً فقالت له امرأته: ما يبكيك؟.

قال: إن فلاناً طرق بابي.

قالت: وقد أعطيته فما الذي أبكاك؟.

قال: لأني تركته إلى أن يسألني.

إن العارف بالله بكى؛ لأنه أحس بمسئولية ما كان يجب عليه أن يعرفه بفراسته، وأن يتعرف على أخبار إخوانه .

ولذلك شرع الله اجتماعات الجمعة حتى يتفقد الإنسان كل أخ من إخوانه، ما الذي أقعده: أحاجة أم مرض؟

أحدث أم مصيبة؟

وحتى لا يحوجه إلى أن يذل ويسأل، وحين يفعل ذلك يكون له فطنة الإيمان.

{وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273] يجب أن تعلم أنه قبل أن تعطي قد علم الله أنك ستعطي، فالأمر محسوب عنده بميزان، ويجيء تصرف خلقه على وفق قدره، وما قدره قديماً يلزم حالياً، وهو سبحانه قد قدر؛ لأنه علم أن عبده سيفعل وقد فعل.

وكل فعل من الأفعال له زمن يحدث فيه، وله هيئة يحدث عليها.

والزمن ليل أو نهار.

ثم يقول الحق سبحانه وتعالى مبيناً حالات الإنفاق والأزمان التي يحدث فيها وذلك في قولهتعالى: {ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً...}.



سورة البقرة: الآيات من 271-280 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 271-280 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 271-280   سورة البقرة: الآيات من 271-280 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 2:58 am

الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [٢٧٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

إن المسألة في الإنفاق تقتضي أمرين: إما أن تنفق سراً، وإما أن تنفق علانية.

والزمن هو الليل والنهار، فحصر الله الزمان والحال في أمرين: الليل والنهار فإياك أن تحجز عطيّةً تريد أن تعطيها وتقول: "بالنهار أفعل أو في الليل أفعل؛ لأنه أفضل" وتتعلل بما يعطيك الفسحة في تأخير العطاء، إن الحق يريد أن تتعدى النفقة منك إلى الفقير ليلاً أو نهاراً، ومسألة الليلية والنهارية في الزمن، ومسألة السرية والعلنية في الكيفية لا مدخل لها في إخلاص النية في العطاء.

{ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِٱلَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 274] أقالت الآية: الذين ينفقون أموالهم بالليل أو النهار؟

لا، لقد طلب من كل منا أن يكون إنفاقه ليلاً ونهاراً وقال: "سراً وعلانية" فأنفق أنت ليلاً، وأنفق أنت نهاراً، وأنفق أنت سراً، وأنفق أنت علانية، فلا تحدد الإنفاق لا بليل ولا بنهار، لا بزمن؛ ولا بكيفية ولا بحال.

إن الحق سبحانه استوعب زمن الإنفاق ليلاً ونهاراً، واستوعب أيضاً الكيفية التي يكون عليها الإنفاق سراً وعلانية ليشيع الإنفاق في كل زمن بكل هيئة، وهنا يقول الحق سبحانه وتعالى عن هؤلاء: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 274] وهذا القول يدل على عموم من يتأتى منه الإنفاق ليلاً أو نهاراً، سراً أو علانية.

وإن كان بعض القوم قد قال: إنها قيلت في مناسبة خاصة، وهي أن الإمام عليًّا كرم الله وجهه ورضي عنه كانت عنده أربعة دراهم، فتصدق بواحد نهاراً، وتصدق بواحد ليلاً، وتصدق بواحد سراً، وتصدق بواحد علانية، فنزلت الآية في هذا الموقف، إلا أن قول الله: "فلهم" يدل على عموم الموضوع لا على خصوص السبب، فكأن الجزاء الذي رتبه سبحانه وتعالى على ذلك شائع على كل من يتأتى منه هذا العمل.

وقول الله: {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 274] هنا نجد أن كلمة "أجر" تعطينا لمحة في موقف المؤمن من أداءات الإنفاق كلها؛ لأن الأجر لا يكون إلا عن عمل فيه ثمن لشيء، وفي أجر لعمل.

فالذي تستأجره لا يقدم لك شيئاً إلا مجهوداً، هذا المجهود قد ينشأ عنه مُثْمَنٌ، أَيْ شيء له ثمن، فقول الله {فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 274] يدل على أن المؤمن يجب أن ينظر إلى كل شيء جاء عن عمل فالله يطلب منه أن ينفق منه.

إن الله لا يعطيه ثمن ما أنفق، وإنما يعطيه الله أجر العمل، لماذا؟

لأن المؤمن الذي يضرب في الأرض يخطط بفكره، والفكر مخلوق لله، وينفذ التخطيط الذي خططه بفكره بوساطة طاقاته وأجهزته؛ وطاقاتُه وأجهزته مخلوقة لله، ويتفاعل مع المادة التي يعمل فيها، وكلها مخلوقة لله، فأي شيء يملكه الإنسان في هذا كله؟ لا الفكر الذي يخطط، ولا الطاقة التي تفعل، ولا المادة التي تنفعل؛ فكلها لله.

إذن فأنت فقط لك أجر عملك؛ لأنك تُعمل فكراً مخلوقاً لله، بطاقة مخلوقة لله، في مادة مخلوقة لله، فإن نتج منها شيء أراد الله أن يأخذه منك لأخيك العاجز الفقير فإنه يعطيك أجر عملك لا ثمن عملك.

لكن المساوي لك في الخلق وهو الإنسان إن أخذ منك حصيلة عملك فهو يعطيك ثمن ما أخذ منك، فهي من المخلوق المساوي "ثمن"، وهي من الخالق الأعلى أجر؛ لأنك لا تملك شيئاً في كل ذلك.

وبعد ذلك يقول الحق: {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 274] والخوف هو الحذر من شيء يأتي، فمن الخائف؟

من المُخوفُ؟

ومن المخَوفُ عليه؟ "

ولا خوف عليهم" ممن؟

يجوز أن يكون "ولا خوف عليهم" من أنفسهم؛ فقد يخاف الطالب على نفسه من أن يرسب، فالنفس واحدة خائفة ومخوف عليها، إنها خائفة الآن ومخوف عليها بعد الآن.

فالتلميذ عندما يخاف أن يرسب، لا يقال: إن الخائف هو عين المخوف؛ لأن هذا في حالة، وهذا في حالة.

أو "لا خوف عليهم" من غيرهم، فمن الجائز أن يكون حول كثير من الأغنياء أناس حمقى حين يرون أيدي هؤلاء مبسوطة بالخير للناس فيغمزونهم ليمسكوا مخافة أن يفتقروا كأن يقولوا لهم: "استعدوا للزمن فوراءكم عيالكم".

لكن أهل الخير لا يستمعون لهؤلاء الحمقى.

إذن فـ "لا خوف عليهم" لا من أنفسهم، ولا من الحمقى حولهم.

ويتابع الحق: "ولا هم يحزنون" أي لا خوف عليهم الآن، ولا حزن عندهم حين يواجهون بحقائق الخير التي ادخرها الله سبحانه وتعالى لهم بل إنهم سيفرحون.

بعد ذلك يتعرض الحق سبحانه وتعالى إلى قضية من أخطر قضايا العصر، وهذه القضية كان ولابد أن يتعرض لها القرآن؛ لأنه يتكلم عن النفقة وعن الإنفاق، ولا شك أن ذلك يقتضي منفِقاً ومنفَقاً عليه؛ لأنه عاجز، فهب أن الناس شحّوا، ولم ينفقوا، فماذا يكون موقف العاجز الذي لا يجد؟

إن موقفه لا يتعدى أمرين: إما أن يذهب فيقترض، وإن لم يقبل أحد أن يقرضه فهو يأخذ بالربا والزيادة وإلا فكيف يعيش؟

إذن فالآيات التي نحن بصددها تعرّضت للهيكل الاقتصادي في أمة إسلامية جوادة، أو أمة إسلامية بخيلة شحيحة، لماذا؟

لأن الذي خلق الخلق قد صنع حساباً دقيقاً لذلك الخلق، بحيث لو أحصيت ما يجب على الواجدين من زكاة، وأحصيت ما يحتاج إليه من لا يقدر لأن به عجزاً طبيعياً عن العمل، لوجدت العاجزين يحتاجون لمثل ما يفيض عن القادرين بلا زيادة أو نقصان، وإلا كان هناك خطأ والعياذ بالله في حساب الخالق، ولا يمكن أن يتأتى ذلك أبداً.

وحين ننظر إلى المجتمعات في تكوينها نجد أن إنساناً غنياً في مكان قد نبا به مكانه، واختار أن يقيم في مكان آخر، فيعجب الناس لماذا ترك ذلك المكان وهو في يسر ورخاء وغنى؟

ربما لو كان فقيراً لقلنا طلباً للسعة، فلماذا خرج من هذا المكان وهو واجد، وهو على هذا الحال من اليسر؟

إنهم لم يفطنوا إلى أن الله الذي خلق الخلق يُدير كونه بتسخير وتوجيه الخواطر التي تخطر في أذهان الناس، فتجد مكانه قد نبا به، وامتلأت نفسه بالقلق، واختار أن يذهب إلى مكان آخر.

ولو أن عندنا أجهزة إحصائية دقيقة وحسبنا المحتاجين في البيئة التي انتقل منها لوجدنا قدراً من المال زائداً على حاجة الذين يعيشون في هذه البيئة؛ فوجهه الله إلى مكان آخر يحتاج إلى مثل هذا الكم منه.

وهكذا تجد التبادل منظماً.

فإن رأيت إنساناً محتاجاً أو إنساناً يريد أن يرابي فاعلم أن هناك تقصيراً في حق الله المعلوم، ولا أقول في الحق غير المعلوم.

أي أن الغني بخل بما يجب عليه إنفاقه للمحتاج.

والقرآن حين يواجه هذه المسألة فهو يواجهها مواجهة تُبشِّع العمل الربوي تبشيعاً يجعل النفس الإنسانية المستقيمة التكوين تنفر منه فيقول سبحانه وتعالى: {ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ...}.



سورة البقرة: الآيات من 271-280 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 271-280 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 271-280   سورة البقرة: الآيات من 271-280 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:04 am

الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [٢٧٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وانظروا إلى كلمة "يأكلون"، هل كل حاجات الحياة أكل؟ لا، فحاجات الحياة كثيرة، الأكل بعضها، ولكن الأكل أهم شيء فيها؛ لأنه وسيلة استبقاء النفس.        

و"الربا" هو الأمر الزائد، وما دام هو الأمر الزائد يعني هو لا يحتاج أن يأكل، فهذا تقريع له.        

إن الحق يريد أن يبشع هذا الأمر فيقول: لهم سمة.

هذه السمة قال العلماء أهي في الآخرة يتميزون بها في المحشر، كما يقول الحق: { يُعْرَفُ ٱلْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ} [الرحمن: 41].

فهؤلاء غير المصلين لهم علامة مميزة، وهؤلاء غير المزكين لهم علامة أخرى مميزة بحيث إذا رأيتهم عرفتهم بسيماهم، وأنهم من أي صنف من أصناف العصاة، فكأنهم حين يقومون يوم القيامة يقومون مصروعين كالذي يتخبطه ويضربه الشيطان من المس فيصرعه، أو أن ذلك أمر حاصل لهم في الدنيا، ولنبحث هذا الأمر: {ٱلَّذِينَ يَأْكُلُونَ ٱلرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ} [البقرة: 275].       

نريد أن نعرف كلمة "التخبط" وكلمة "الشيطان" وكلمة "المس".

"التخبط" هو الضرب على غير استواء وهدى، أنت تقول: فلان يتخبط، أي أن حركته غير رتيبة، غير منطقية، حركة ليس لها ضابط، ذلك هو التخبط.

و"الشيطان" جنس من خلق الله؛ لأن الله قال لنا: إنه خلق الإنس والجن، والجن منهم شياطين، وجن مطلق، والشيطان هو عاصي الجن.

ونحن لم نر الشيطان، ولكننا علمنا به بواسطة إعلام الحق الذي آمنا به فقال: أنا لي خلق مستتر، ولذلك سميته الجن، من الاستتار ومنه المجنون أي المستور عقله، والعاصي من هذا الخلق اسمه "شيطان".

إذن فإيماننا به لا عن حس، ولكن عن إيمان بغيب أخبرنا به من آمنا به.

وحين نجد شيئاً اسمه الإيمان يجب أن نعرف أنه متعلق بشيء غير مُحس؛ لأن المُحس لا يقال لك: آمن به؛ لأنه مشهود لك، فأنا لا أقول: أنا أؤمن بأن المصباح منير الآن، أنا لا أؤمن بأننا مجتمعون في المسجد الآن، لا أقول ذلك لأن هذا واقع مشهود ومُحسّ.

إذن فالأمر الإيماني يتعلق بالغيب، مثل الإيمان بوجود الملائكة.

فإذا ما كنا قد آمنا بالغيب نجد الحق سبحانه وتعالى يعطي لنا صورة للشيطان، ولكنه حين يعطينا صورة للشيطان أو لرأس الشيطان المميزة له، كما أن رءوسنا نحن هي التي تميزنا يتكلم سبحانه عن شجرة الزقوم فيقول جل شأنه: { إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِيۤ أَصْلِ ٱلْجَحِيمِ * طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ ٱلشَّيَاطِينِ} [الصافات: 64-65].

وشجرة الزقوم في الآخرة في النار، إذن فنحن لا نراها، ورءوس الشياطين لا نراها، فكيف يشبه الله ما لم نره بما لم نره، يشبه شيئاً مجهولاً بشيء مجهول؟

نقول: نعم، وذلك أمر مقصود للإعجاز القرآني؛ لأن للشيطان صورة مُتخيَّلة بشعة، بدليل أنك لو طلبت من رسامي العالم في فن الكاريكاتير، وقلت لهم: ارسموا لنا صورة الشيطان، ولم تعطهم ملامح صورة محددة، فكل منهم يرسم وفق تخيله كياناً غاية في القبح: فهذا يصوره بالقبح من ناحية، وذاك يصوره بالقبح من ناحية أخرى بحيث لو جمعت الرسوم لما اتحد رسم مع رسم.

إذن فكل واحد يستبشع صورة يرسمها.

وساعة نعطي الجائزة لمن رسم صورة الشيطان أنعطي الجائزة لأجملهم صورة أم لأقبحهم صورة؟

إننا نعطي الجائزة لصاحب أشد الصور قبحاً.

إذن فصورة الشيطان المتمثلة صورة بشعة قبيحة، ولو جاء على صورة واحدة من القبح لاختلف الناس حول هذه الصورة فلعل هذا يكون قبحاً عندك ولا يكون قبحاً عند آخر، ولكن حين يُطلق الله أخيلة الناس في تصور القبح، يكون القبح مائلاً وواضحاً في عمل كل إنسان فتكون الصورة أكمل وأوفى فالأكمل والأوفى أن يكون القبح شائعاً فيها جميعاً.

ويقول الحق: {ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ} [البقرة: 275] الشيطان قلنا: إنه العاصي من الجن، وقلنا: إن ربنا سبحانه وتعالى حكى لنا كثيراً أنّ الشياطين لهم التصاق واتصال بكثير من الإنس: { وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ ٱلإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ ٱلْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} [الجن: 6].

و{لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ} [البقرة: 275] كأن الشيطان قد مس التكوين الإنساني مساً أفسد استقامة ملكاته، فالتكوين الإنساني له استقامة ملكات مع بعضها البعض؛ فكل حركة لها استقامة، فإذا ما مسّه الشيطان فسد تآزر الملكات، فملكاته النفسية تكون غير مستقيمة وغير منسجمة مع بعضها البعض، فتكون حركته غير رتيبة وغير منطقية.

وما المناسبة بين هذه الصورة وبين عملية الربا؟.

إن أردنا في الآخرة ميزة، فساعة ترى واحداً مصروعاً فاعرف أنه من أصحاب الربا، هذا في الآخرة، وفي الدنيا تجد أيضاً أن له حركة غير منطقية، هستيرية، كيف؟ انظر إلى العالم الآن، لقد خلق الله العالم على هيئة من التكامل.

فهذا إنسان يتمتع بإمكانات ومواهب، وذاك يتمتع بمواهب وإمكانات أخرى، حتى يحتاج صاحب هذه الإمكانات إلى صاحب تلك الإمكانات فيكتمل الكون، ولو أن كل إنسان كان وحدة متكررة لاستغنى الكل عن الكل.

ولو أن الأفراد متساوون في المواهب لما احتاج الناس لبعضهم البعض.

لكن المواهب تختلف؛ لأنك إن أَجَدْتَ فنًا من فنون الحياة فقد أجاد سواك فنوناً أخرى أنت محتاج إليها، فإن احتاجوا إليك فيما أَجَدْتَ، فقد احتجت إليهم فيما أجادوا، وهكذا يتكامل العالم.

وكذلك خلق الله الكون: مناطق حارة، ومناطق باردة، ومناطق بها معادن، ومناطق بها زراعة؛ حتى يضطر العالم إلى أن يتكامل، ويضطر العالم إلى أن يتعايش مع بعضه ولذلك يقول الحق في سورة "الرحمن": {وَٱلأَرْضَ وَضَعَهَا لِلأَنَامِ} [الرحمن: 10].

"وضعها" لمن؟.

"والأرض"، أي أرض، وأي أنام؟.

الأرض كل الأرض، والأنام كل الأنام، فإن تحددت بحواجز فسدت.

إن منع الإنسان من حرية الانتقال من مكان إلى مكان يفسد حركة الإنسان في الكون، فقد يرغب إنسان في أن ينتقل إلى أرض بكر ليعمرها، فيرفض أهل تلك الأرض، فلو أن الأرض كل الأرض كانت للأنام بحيث إن ضاق العمل في مكان ذهبت إلى مكان آخر، بدون قيود عليك، تلك القيود التي نشأت من السلطات الزمنية التي تحتجز الأماكن لأنفسها، فهذا ما يفسد الكون.

فهناك بيئات تشتكي قلة القوت، وبيئات تشتكي قلة الأيدي العاملة لأرض خراب وهي تصلح أن تزرع، فلو أن الأرض كل الأرض للأنام كل الأنام لما حدث عجز.

ونلاحظ ما يُقال: ازدحام السكان أو الانفجار السكاني، بينما توجد أماكن تتطلب خلقاً! ويوجد خلق تتطلب أماكن، فلماذا هذا الاختلال؟

هذا الاختلال ناشئ من أن السلوك البشري غير منطقي في هذا الكون.

والكون الذي نعيش فيه، فيه ارتقاءات عقلية شتّى، وطموحات ابتكارية صعدت إلى الكواكب، وتغزو الفضاء، ووُجِدَت في كل بيت آلات الترفيه، أما كان المنطق يقتضي أن يعيش العالم سعيداً مستريحاً؟

كان المنطق يقتضي أن يعيش العالم مستريحاً هادئاً؛ لأنه في كل يوم يبتكر أشياءً تعطي له أكبر الثمرة بأقل مجهود في أقل زمن، فماذا نريد بعد هذا؟

ولكن هل العالم الذي نعيش فيه منطقي مع هذا الواقع؟

لا، بل نحن نجد أغنى بلاد العالم وأحسنها وفرة اقتصادية هي التي يعاني الناس فيها القلق، وهي التي تمتلئ بالاضطراب، وهي التي ينتشر فيها الشذوذ، وهي التي تشكو من ارتفاع نسبة الجنون بين سكانها.

إذن فالعالم ليس منطقياً.

وهذا التخبط يؤكد ما يقوله الحق: {إِلاَّ كَمَا يَقُومُ ٱلَّذِي يَتَخَبَّطُهُ ٱلشَّيْطَانُ مِنَ ٱلْمَسِّ} [البقرة: 275] إنها حركة هستيرية في الكون تدل على أنه كَوْنٌ غير مستريح، كون غير منسجم مع طموحاته وابتكاراته.

أما كان على هذا الكون بعقلائه أن يبحثوا عن السبب في هذا، وأن يعرفوا لماذا نشقى كل هذا الشقاء وعندنا هذه الطموحات الابتكارية؟

كان يجب أن يبحثوا، فالمصيبة عامة، لا تعم الدول المتخلفة أو النامية فقط، بل هي أيضاً في الدول المتقدمة، كان يجب أن يعقد المفكرون المؤتمرات ليبحثوا هذه المسألة، فإذا ما كانت المسألة عامة تضم كل البلاد متقدمها ومتأخرها وجب أن نبحث عن سبب مشترك، ولا نبحث عن سبب قد يوجد عند قوم ولا يوجد عند قوم آخرين؛ لأننا لو بحثنا لقلنا: يوجد في هذه البيئة.

وكذلك هو موجود في كل البيئات، فلابد أن يوجد القدر المشترك.

فالأرزاق التي توجد في الكون تنقسم إلى قسمين: رزق أنتفع به مباشرة، ورزق هو سبب لما أنتفع به مباشرة.

أنا آكل رغيف الخبز، هذا اسمه رزق مباشر، وأشرب كوب الماء، وهو رزق مباشر، وأكتسي بالثوب وذلك أيضاً رزق مباشر، وأسكن في البيت وهذا رابعاً رزق مباشر، وأنير المصباح رزق مباشر.

ولكن المال يأتي بالرزق المباشر، ولا يغني عن الرزق المباشر.

فإذا كان عندي جبل من ذهب وأنا جوعان، ماذا أفعل به؟.

إذن فرغيف العيش أحسن منه، هذا رزق مباشر، فالنقود أو الذهب أشتري بها هذا وهذا، لكن لا يغنيني عن هذا وهذا.

وقد جاء وقت أصبح الناس يرون فيه أن المال هو كل شيء حتى صار هدفاً وتعلق الناس به.

وفي الحق أنّ المال ليس غاية، ولا ينفع أن يكون غاية بل هو وسيلة.

فإن فقد وسيلته وأصبح غاية فلابد أن يفسد الكون؛ فعِلّة فساد الكون كله في القدر المشترك الذي هو المال، حيث أصبح المال غاية، ولم يعد وسيلة.

والحق سبحانه وتعالى يريد أن يطهر حياة الاقتصاد للناس طهارة تضمن حِلّ ما يطعمون، وما يشربون، وما يكتسون، حتى تصدر أعمالهم عن خليات إيمانية طاهرة مصفاة؛ ذلك أن الشيء الذي يصدر عن خلية إيمانية طاهرة مصفاة لا يمكن أن ينشأ عنه إلا الخير.

ومن العجيب أن نجد القوم الذين صدروا لنا النظام الربوي يحاولون الآن جاهدين أن يتخلصوا منه، لا لأنهم ينظرون إلى هذا التخلص على أنه طهارة دينية، ولكن لأنهم يرون أن كل شرور الحياة ناشئة عن هذا الربا.

وليست هذه الصيحة حديثة عهد بنا، فقديماً أي من عام ألف وتسعمائة وخمسين قام رجل الاقتصاد العالمي "شاخت" في ألمانيا وقد رأى اختلال النظام فيها وفي العالم، فوضع تقريره بأن الفساد كله ناشئ من النظام الربوي، وأن هذا النظام يضمن للغني أن يزيد غنى، وما دام هذا النظام قد ضمن للغني أن يزيد غنى، فمن أين يزداد غنى؟

لاشك أنه يزداد غنى من الفقير.

إذن فستئول المسألة إلى أن المال سيصبح في يد أقلية في الكون تتحكم في مصائره كلها ولاسيما المصائر الخلقية.

لماذا؟.

لأن الذين يحبون أن يستثمروا المال لا ينظرون إلا إلى النفعية المالية، فهم يديرون المشروعات التي تحقق لهم تلك النفعية.

وهناك رجل اقتصاد آخر هو "كينز" الذي يتزعم فكرة "الاقتصاد الحر" في العالم يقول قولته المشهورة: إن المال لا يؤدي وظيفته في الحياة إلا إذا انخفضت الفائدة إلى درجة الصفر.

ومعنى ذلك أنه لا ربا.

وإذا ما نظرنا إلى عملية عقد الربا في ذاتها وجدناها عقداً باطلاً؛ لأن كل عقد من العقود إنما يوجد لحماية الطرفين المتعاقدين، وعقد الربا لا يحمي إلا الطرف الدائن فقط، وهناك أمر خلقي آخر وهو أن الإنسان لا يعطي ربا إلا إذا كان عنده فائض زائد على حاجته.

ولا يأخذ إنسان من المرابي إلا إذا كان محتاجاً.

فانظروا إلى النكسة الخلقية في الكون.

إن المعدم الفقير الذي لا يجد ما يسد جوعه وحاجته يضطر إلى الاستدانة، وهذا الفقير المعدم هو الذي يتكفل بأن يعطي الأصل والزائد إلى الغني غير المحتاج.

إنها نكسة خلقية توجد في المجتمع ضِغناً، وتوجد في المجتمع حقداً، وتقضي على بقية المعروف وقيمته بين الناس، وتنعدم المودة في المجتمع.

فإذا ما رأى إنسان فقيرٌ إنساناً غنياً عنده المال، ويشترط الغني على الفقير المعدم أن يعطيه ما يأخذه وأن يزيد عليه، فعلى أية حال ستكون مشاعر وأحاسيس الفقير؟
كان يكفي الغني أن يعطي الفقير، وأن يسترد الغني بعد ذلك ما أخذه الفقير، ولكن الغني المرابي يطلب من الفقير أن يسدد ما أخذه ويزيد عليه.

وكانوا يتعللون ويقولون: إن النص القرآني إنما يتكلم عن الربا في الأضعاف المضاعفة، فإذا ما منعنا القيد في الأضعاف المضاعفة لا يكون حراماً.

أي أنهم يريدون تبرير إعطاء الفقير مالاً، وأن يرده أضعافاً فقط لا أضعافاً مضاعفة؛ حتى لا يصير ذلك الاسترداد بالزيادة حراماً.

ولهؤلاء نقول: إن الذين يقولون ذلك يحاولون أن يتلصصوا على النص القرآني، وكأن الله قد ترك النص ليتلصصوا عليه ويسرقوا منه ما شاءوا دون أن يضع في النص ما يحول دون هذا التلصص، ولو فطنوا إلى أن الله يقول في آخر الأمر: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279].

هذا القول الحاسم يوضح أن الله لم يستثن ضعفاً ولا أضعافاً.

إذن فقوله الحق: {يَآ أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ ٱلرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران: 130].

إن هذا القول الحكيم لم يجئ إلا ليبين الواقع الذي كانوا يعيشونه، ولم يستثن الله ضعفاً أو أضعافاً؛ لأن الحق جعل التوبة تبدأ من أن يأخذ الإنسان رأس ماله فقط، فلا يسمح الله لأحد أن يأخذ نصف الضعف أو الضعف أو الضعفين، ولا يسمح بالأضعاف ولا بالمضاعفات.

وكانوا يتعللون أن اتفاق الطرفين على أي أمر يعتبر تراضياً ويعتبر عقداً.

قد يكون ذلك صحيحاً إن لم يكن هناك مشرع أعلى من كل الخلق يسيطر على هذا التراضي.

فهل كلما تراضى الطرفان على شيء يصير حلالاً؟

لو كان الأمر كذلك لكان الزنا حلالاً: لأنهما طرفان قد تراضيا.

وكل ذلك لا يتأتى -أي رضاء الطرفين- إلا في الأمور التي ليس فيها تشريع صدر عن المشرع الأعلى، وهو الله الحيّ القيوم.

إن الله قد فرض أمراً يقضي على التراضي بيني وبينك؛ لأنه هو المسيطر، وهو الذي حكم في الأمر، فلا تراضي بيننا فيما يخالف ما شرع الله أو حكم فيه.

وإذا نظرنا نظرة أخرى فإننا نجد أن التراضي الذي يدعونه مردود عليه.

إنه "تراضٍ" باطل بالفحص الدقيق والبحث المنطقي.

لماذا؟

لأننا نقول إن التراضي إنما ينشأ بين اثنين لا يتعدى أمر ما تراضيا عليه إلى غيرهما، أما إذا كان الأمر قد تعدى من تراضياً عليه إلى غيرهما فالتراضي باطل.

فهب أن واحداً لا يملك شيئاً، وواحداً آخر يملك ألفاً، والذي يملك ألفاً هي ملكه، وأدار بها عملاً من الأعمال، وحين يدير صاحب الألف عملاً فالمطلوب له أجر عمله ليعيش من هذا الأجر.

أما الذي لا يملك شيئاً إذا ما أراد أن يعمل مثلما عمل صاحب الألف، فذهب إلى إنسان وأخذ منه ألفاً ليعمل عملاً كعمل صاحب الألف، فيشترط من يعطيه هذه الألف من الأموال أن يزيده مائة حين السداد، فيكون المطلوب من الذي اقترض هذه الألف أجر عمله كصاحب الألف الأول ومطلوب منه أيضاً أن يزيد على أجره تلك المائة المطلوبة لمن أقرضه بالربا.

فمن أين يأتي من اقترض ألفاً بهذه المائة الزائدة؟

إن سلعته لو كانت تساوي سلعة الآخر فإنه يخسر.

وإن كانت سلعته أقل من سلعة الآخر فإنها تكسد وتبور.

إذن فلابد له من الاحتيال النكد، وهذا الاحتيال هو أن يخلع على سلعته وصفاً شكلياً يساوي به سلعة الآخر، ويعمد إلى إنقاص الجواهر الفعالة في صنعة سلعته، فيحسب منها ما يوازي المائة المطلوب سدادها للمرابي.

فمن الذي سيدفع ذلك؟

إنه المستهلك.

إذن فالمستهلك قد أضير بهذا التراضي؛ فهو الذي سيغرم؛ لأنه هو الذي يدفع أخيراً قيمة قرض الرجل المتاجر بالسلعة وقيمة النسبة الربوية التي حددها المرابي.

إذن فالعقد بين المقترض والمرابي ـحتى في عرفهم- عقد باطل رغم أن الاثنين -المُقترض والمُرابي- قد اعتبرا هذا العقد تراضياً.

إذن فالحق سبحانه وتعالى أراد أن يشيع في الناس الرحمة والمودة.

وأن يشيع في الناس التعاطف.

إنه الحق -سبحانه- صاحب كل النعمة أراد أن يشيع في الناس أن يعرف كل صاحب نعمة في الدنيا أنه يجب عليه أن تكون نعمته متعدية إلى غيره، فإن رآها المحروم علم أنه مستفيد منها، فإذا كان مستفيداً منها فإنه لن ينظر إليها بحقد، ولا أن ينظر إليها بحسد، ولا يتمنى أن تزول لأن أمرها عائد إليه.

ولكن إذا كان السائد هو أن يريد صاحب النعمة في الدنيا أن يأخذ بالاستحواذ على كل عائد نعمته، ولا يراعي حق الله في مهمة النعمة، ولا تتعدى هذه النعمة إلى غيره، فالمحروم عندما يرى ذلك يتمنى أن تزول النعمة عن صاحبها وينظر إليها بحسد.

ويشيع الحقد ومعه الضغينة، ويجد الفساد فرصة كاملة للشيوع في المجتمع كله.

إن الحق سبحانه وتعالى يريد أن يسيطر على الاقتصاد عناصر ثلاثة: العنصر الأول: الرفد والعطاء الخالص، فيجد الفقير المعدم غنياً يعطيه، لا بقانون الحق المعلوم المفروض في الزكاة، ولكن بقانون الحق غير المعلوم في الصدقة، هذا هو الرفد.

العنصر الثاني: يكون بحق الفرض وهو الزكاة.

العنصر الثالث: هو بحق القرض وهو المداينة.

إذن فأمور ثلاثة هي التي تسيطر على الاقتصاد الإسلامي: إما تطوع بصدقة، وإما أداءٌ لمفروض من زكاة، وإما مداينة بالقرض الحسن، وذلك هو ما يمكن أن ينشأ عليه النظام الاقتصادي في الإسلام.

ولننظر إلى قول الحق سبحانه وتعالى حين عرض هذه المسألة وبشّع هيئة الذين يأكلون الربا بأنهم لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه ويصرعه الشيطان من المس.

لماذا؟

لأن الحق قال فيهم: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوۤاْ إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَا} [البقرة: 275] فهل الكلام في البيع، أو الكلام في الربا؟ إن الكلام في الربا.

وكان المنطق يقتضي أن يقول: "الربا كالبيع"، فما الذي جعلهم يعكسون الأمر؟ إن النص القرآني هنا يوحي إلى التخبط حتى في القضية التي يريدون أن يحتجوا بها.

كأنهم قالوا: ما دمت تريد أن تحرم الربا، فالبيع مثل الربا، وعليك تحريم البيع أيضاً.

وكان القياس أن يقولوا: "إنما الربا مثل البيع"، لكن الحق سبحانه أراد أن يوضح لنا تخبطهم فجاء على لسانهم: إنما البيع مثل الربا فإن كنتم قد حرمتم الربا فحرموا البيع، وإن كنتم قد حللتم البيع فحللوا الربا.

إنهم يريدون قياساً إما بالطرد، وإما بالعكس.

فقال الله القول الفصل الحاسم: {وَأَحَلَّ ٱللَّهُ ٱلْبَيْعَ وَحَرَّمَ ٱلرِّبَا فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ} [البقرة: 275].

وعن أبي مسعود رضي الله عنه قال: "لَعَنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله".

إنها موعظة من الله جاءت، الموعظة إن كانت من غير مستفيد منها، فالمنطق أن تُقبل -بضم التاء- أما الموعظة التي يُشَك فيها، فهي الموعظة التي تعود على الواعظ بشيء ما.

فإذا كانت الموعظة قد جاءت ممن لا يستفيد بهذه الموعظة، فهذه حيثية قبولها {فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ} [البقرة: 275]، ولنر كلمة "ربه" حينما تأتي هنا فلنفهم منها أن المقصود بها الحق سبحانه الذي تولى تربيتكم، ومتولي التربية خلقاً بإيجاد ما يستبقي الحياة، وإيجاد ما يستبقي النوع، ومحافظة على كل شيء بتسخير كل شيء لك أيها الإنسان، فيجب أن تكون أيها الإنسان مهذباً أمام ربك فلا توقع نفسك في اتهام الرب الخالق في شبهة الاستفادة من تلك الموعظة -معاذ الله-.

لماذا؟

لأن الخالق رب، وما دام الخالق رباً فهو المتولي تربيتكم، فإياك أيها الإنسان أن تتأبَّى على عظة المُربّي.

{فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ} [البقرة: 275] ومعنى ذلك أن الأمر لن يكون بأثر رجعي فلا يؤاخذ بما مضى منه؛ لأنه أخذ قبل نزول التحريم؛ تلك هي الرحمة، لماذا؟ لأنه من الجائز أن يكون المرابي قد رتب حياته ترتيباً على ما كان يناله من ربا قبل التحريم، فإذا كان الأمر كذلك فإن الحق سبحانه وتعالى يعفو عما قد سلف.

وعلى المرابي أن يبدأ حياته في الوعاء الاقتصادي الجديد.

تلك هي عظمة التشريع الرباني {فَٱنْتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ} [البقرة: 275] أي أن له ما سبق وما مضى قبل تحريم الربا.

وتفيد كلمة "وأمره إلى الله" أن الله سبحانه وتعالى حينما يعفو عما سلف فله طلاقة الحرية في أن يقنن ما شاء، فيجب أن تتعلق دائماً باستدامة الفضل من الله.

"وأمره إلى الله" إن مثل هذا الإنسان ربما قال: سأنهار اقتصادياً ومركزي سيتزعزع، وسأصبح كذا وكذا.

لا.

اجعل سندك في الله، ففي الله عوض عن كل فائت، هو سبحانه لا يريد أن يزلزل مراكز الناس، ولكن يريد أن يقول لهم: إنني إن سلبتكم نعمتي فاجعلوا أنفسكم في حضانة المنعم بالنعمة.

وما دمت قد جعلت نفسك في حضانة المنعم بالنعمة، إذن فالنعمة لا شيء؛ لأن المنعم عوض عن هذه النعمة، والربا من السبع الموبقات التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم باجتنابها حيث قال: "اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: الشِّرك بالله والسِّحر، وقتل النفس التي حَرَّمَ الله إلا بالحق، وأكل الرِّبا، وأكل مال اليتيم، والتَّولّي يوم الزَّحف، وقذف المُحصنات المُؤمنات الغافلات".


{وَأَمْرُهُ إِلَى ٱللَّهِ وَمَنْ عَادَ} [البقرة: 275] أي عاد بعد الموعظة ماذا يكون أمره؟ {فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275].

وكان يكفي أن يقول عنهم: إنهم {أَصْحَابُ ٱلنَّارِ} [البقرة: 275] فلعل واحد يكون مؤمناً وبعد ذلك عاد إلى معصية، فيأخذ حظه من النار.

إنما قوله: {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275] يدل على أنه خرج عن دائرة الإيمان.

وافهم السابق جيداً لتفهم التذييل اللاحق؛ لأن هنا أمرين: هنا ربا حرمه الله، وأناس يريدون أن يُحلّلوا الربا عندما قالوا: {إِنَّمَا ٱلْبَيْعُ مِثْلُ ٱلرِّبَا} [البقرة: 275]، فإن عدت إلى الربا حاكماً بحرمته فأنت مؤمن عاصٍ تدخل النار.

إنما إن عدت إلى ما سلف من المناقشة في التحريم، وقلت: البيع مثل الربا، وناقشت في حرمة الربا وأردت أن تحلله كالبيع فقد خرجت عن دين الإسلام.

وحين تخرج عن دين الإسلام فلك الخلود في النار.

ومن هنا يجب أن نلفت الذين يقولون بالربا، ونقول لهم: قولوا: إن الربا حرام، ولكننا لا نقدر على أنفسنا حتى نبطله ونتركه، وعليكم أن تجاهدوا أنفسكم على الخروج منه حتى لا تتعرضوا لحرب الله ورسوله.

إنهم باعتقادهم أن الربا حرام يكونون عاصين فقط، أما أن يحاولوا تبرير الربا ويحللوه فسيدخلون في دائرة أخرى شر من ذلك، وهي دائرة الكفر والعياذ بالله.

وقد عرفنا أن آدم عليه السلام عصى ربه، وأكل من الشجرة، وإبليس عصى ربه، فلما تلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه، أما إبليس فقد طرده الله، ولماذا طرد الله إبليس وأحل عليه اللعنة؟ لأن آدم أقر بالذنب وقال: { رَبَّنَا ظَلَمْنَآ أَنفُسَنَا} [الأعراف: 23].

لقد اعترف آدم: حكمك يا رب حكم حق، ولكني ظلمت نفسي.

ولكن إبليس عارض في الأمر وقال: {أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً} [الإسراء: 61]، فكأنه رد الأمر على الآمر.

وبعد ذلك حين بيَّن الله الحكم في الربا، وبين أن من انتهى له ما سلف، فماذا عن الذي يعود؟

{وَمَنْ عَادَ} [البقرة: 275] وهي المقابل {فَأُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 275]، يريد سبحانه أن يقول: إياكم أن يخدعكم الربا بلفظه، فالألفاظ تخدع البشر؛ لأنكم سميتموه "ربا" بالسطحية الناظرة: لأن الربا هو الزيادة، والزكاة تنقص، فالمائة في الربا تكون مائة وعشرة مثلاً حسب سعر الفائدة، وفي الزكاة تصبح المائة (975)، في الأموال وعروض التجارة، وتختلف عن ذلك في الزروع وغيرها، وفي ظاهر الأمر أن الربا زاد، والزكاة أنقصت، ولكن هذا النقصان وتلك الزيادة هي في اصطلاحاتكم في أعرافكم.

والحق سبحانه وتعالى يمحق الزائد، ويُنَمّي الناقص؛ فهو سبحانه يقول: {يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ...}.



سورة البقرة: الآيات من 271-280 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 271-280 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 271-280   سورة البقرة: الآيات من 271-280 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:06 am

يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ [٢٧٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وكلمة "يمحق" من "محق" أي ضاع حالاً بعد حال، أي لم يضع فجأة، ولكن تسلل في الضياع بدون شعور، ومنه "المحاق" أي الذهاب للهلال.

"ويمحق الله الربا" أي يجعله زاهياً أمام صاحبه ثم يتسلل إليه الخراب من حيث لا يشعر.

ولعلنا إن دققنا النظر في البيئات المحيطة بنا وجدنا مصداق ذلك.

فكم من أناس رابوا، ورأيناهم، وعرفناهم، وبعد ذلك عرفنا كيف انتهت حياتهم.

{يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَات} [البقرة: 276] ويقول في آية أخرى:{وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن رِّباً لِّيَرْبُوَاْ فِي أَمْوَالِ ٱلنَّاسِ فَلاَ يَرْبُواْ عِندَ ٱللَّه} [الروم: 39].

فإياكم أن تعتقدوا أنكم تخدعون الله بذلك.

ما هو المقابل؟

{وَمَآ آتَيْتُمْ مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ ٱللَّهِ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39].

و"المضعفون" هم الذين يجعلون الشيء أضعافاً مضاعفة.

وعندما يقول الحق:{يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا} [البقرة: 276] فلا تستهن بنسبة الفعل لله؛ إن نسبة الفعل لفاعله يجب أن تأخذ كيفيته من ذات الفاعل، فإذا قيل لك: فلان الضعيف يصفعك، أو فلان الملاكم يصفعك، فلابد أن تقيس هذه الصفعة بفاعلها، فإذا كان الله هو الذي قال:{يَمْحَقُ ٱللَّهُ} [البقرة: 276].

أيوجد محق فوق هذا؟

لا، لا يمكن.

وأيضاً حين يقول الله:{يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَات} [البقرة: 276] في القرآن الذي يُتلى وهو معجز؛ ومحفوظ ومُتحدي بحفظه، فهذه قضية مصونة{يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَات} [البقرة: 276]؛ لأن الذي قالها هو الله في كتاب الله المحفوظ، الذي يُتلى مُتَعَبَّداً به، أي أن القضية على ألسنة الجماهير كلها، وفي قلوب المؤمنين كلها، أيقول الله قضية يحفظها ذلك الحفظ ليأتي واقع الزمن ليكذبها؟ لا، لا يمكن.

فالإنسان لا يحفظ إلا المستند الذي يؤيده!! أنا لا أحفظ إلا "الكمبيالة" التي تخصني! فما دام هو حافظه وهو القائل:{ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].

فمعنى ذلك أنه سبحانه سيطلق فيه قضايا، وهذه القضايا هو الذي تَعهد بحفظها، ولا يتعهد بحفظها إلا لتكون حجة على صدقه في قولها.

فالشيء الذي لا يكون فيه حُجة لا نحافظ عليه.

وهو سبحانه القائل:{ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ} [الصافات: 173].

إن هذه قضية قرآنية تعهد الله بحفظها، فلابد أن يأتي واقع الحياة ليؤيدها، فإذا كان واقع الحياة لا يؤيدها، ماذا يكون الموقف؟ أنكذب القرآن -وحاشانا أن نكذب القرآن- الذي قاله الحق الذي لا إله سواه ليُدير كوناً من ورائه.

{يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرِّبَا وَيُرْبِي ٱلصَّدَقَاتِ وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].

ولماذا قال الحق: "كفار" ولم يقل: "كافر"، ولماذا قال: "أثيم" وليس مجرد "آثم"؟ لأنه يريد أن يرد الحكم على الله وما دام يريد أن يرد الحكم على الله، فقد كفر كفرين اثنين: كفر لأنه لم يعترف بهذه، وكفر لأنه ردّ الحكم على الله، وهو "أثيم"، ليس مجرد "آثم"، وفي ذلك صيغة المبالغة لنستدل على أن القضية التي نحن بصددها قضية عمرانية اجتماعية كونية، إن لم تكن كما أرادها الله فسيتزلزل أركان المجتمع كله.

وبعد أن شرح لنا الحق مرارة المبالغة في "كفار" وفي "أثيم" يأتي لنا بالمقابل حتى ندرك حلاوة هذا المقابل.

ومثال ذلك ما يقول الشاعر:
فالـوجه مـثل الصـبح مـبـيضّ والشـعر مـثل اللـيل مسـودُّ
ضـدّان لمـا اسـتـجـمـعا حَسُنا والضـد يظـهر حسـنَه الضدُّ

فكأن الله بعد أن تكلم عن الكَفَّار والأثيم يرجعنا لحلاوة الإيمان فيقول:{إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلاَةَ وَآتَوُاْ ٱلزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ...}.



سورة البقرة: الآيات من 271-280 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 271-280 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 271-280   سورة البقرة: الآيات من 271-280 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:08 am

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [٢٧٧]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وقلنا: إن كلمة "أجر" تقتضي أنه لا يوجد مخلوق يملك سلعة، إنما كلنا مستأجرون، لماذا؟

لأننا نشغل المخ المخلوق لله، بالطاقة المخلوقة لله، في المادة المخلوقة لله، فماذا تملك أنت أيها الإنسان إلا عملك، وما دمت لا تملك إلا عملك فلك أجر: {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ} [البقرة: 277].

وكلمة "عند ربهم" لها ملحظ؛ فعندما يكون لك الأجر عند المساوي لك قد يأكلك، أما أجرك عند رب تولّى هو تربيتك، فلن يضيع أبداً.

ويتابع الحق: {وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} [البقرة: 277] لا من أنفسهم على أنفسهم، ولا من أحبابهم عليهم، {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 277]؛ لأن أي شيء فاتهم من الخير سيجدونه مُحضراً أمامهم.

وبعد ذلك يقول الحق: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ...}.



سورة البقرة: الآيات من 271-280 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 271-280 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 271-280   سورة البقرة: الآيات من 271-280 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:09 am

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [٢٧٨]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

وحين يقول الحق: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} [البقرة: 278] فنحن نعرف أن النداء بالإيمان حيثية كل تكليف بعده، وساعة ينادي الحق ويقول:{يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} [البقرة: 278] أي يا من آمنتم بي إلهاً قادراً حكيماً، عزيزاً عنكم غالباً على أمري، لا تضرني معصيتكم، ولا تنفعني طاعتكم، فإذا كنتم قد آمنتم بي وأنا إله قادر حكيم فاسمعوا مني ما أحبه لكم من الأحكام.

إذن فكل {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ} [البقرة: 278] في القرآن هي حيثية كل حكم يأتي بعدها، وأنت تفعل ما يأمرك به الله، وإن سألك أحد: وقال لك: لماذا فعلت هذا الأمر؟

فقل له فعلته لأني مؤمن، والذي أمرني به هو الذي آمنت بحكمته وقدرته.

وأنت لا تدخل في متاهة علل الأحكام، لأنك آمنت بأن الله إله حكيم قادر، أنزل لك تلك التكاليف، وإياك أن تدخل في متاهة علّة الأحكام، لماذا؟

لأن هناك أشياء قد تغيب علّتها عنك، أكنت تؤجلها إلى أن تعرف العلة؟.

أكنا نؤجل تحريم لحم الخنزير إلى أن يثبت حالياً بالتحليل أنه ضار؟

لا، إذا كان قد ثبت حالياً بالتحليل أنه ضار فنحن نزداد ثقة في كل حكم كلفنا الله به، ولم نهتد إلى علته، والحق يقول: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} [البقرة: 278] ومن عجائب كلمة "اتقوا" أنها تأتي في أشياء يبدو أنها متناقضة، إنما هي ملتقية {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ} [البقرة: 278] ولم يقل هنا: اتقوا النار كما قال في آية أخرى: "اتقوا النار".

إذن فكيف يقول: "اتقوا الله" ويقول: "اتقوا النار"؟

لأن معنى "اتقوا": أي اجعلوا وقاية بينكم وبين ربكم.

كيف نجعل وقاية بيننا وبين ربنا مع أن المطلوب منا إيمانياً أن نلتحم بمنهج الله لنكون دائماً في معية الله؟

نقول: الله سبحانه وتعالى له صفات جلال كالقهار، والمنتقم، والجبار، وذي الطول وشديد العقاب؛ فهو يطلب من عبده المؤمن أن يجعل بينه وبين صفات جلاله وقاية، فالنار جند من جنود صفات الجلال، وحين يقول سبحانه: "اتقوا الله" يعني: اجعلوا وقاية بينكم وبين صفات الجلال التي من جنودها النار.

إذن فـ "اتقوا الله" مثل "اتقوا النار" أي اجعلوا وقاية بينكم وبين النار.

ويتابع الحق: {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 278]، و"ذروا" أي اتركوا، ودعوا، وتناسوا، واطلبوا الخير من الله فيما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين حقاً بالله.

كأن الله أراد أن يجعلها تصفية فاصلة، يولد من بعدها المؤمن طاهراً نقياً.

إنه أمر من الحق: دعوا الربا الذي لم تقبضوه؛ لأن الذي قبضتموه أمره "فله ما سلف" والذي لم تقبضوه اتركوه: {ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ ٱلرِّبَا إِن كُنْتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [البقرة: 278] فإن قلتم إن التعاقد قد صدر قبل التحريم، والتعاقد قد أوجب لك الحق في ذلك، تذكر أنك لم تقبض هذا الحق ليصير في يدك، ولا تقل إن حياتي الاقتصادية مترتبة عليه، فترتيب الحياة الاقتصادية لم ينشأ بالاتفاق على هذا الربا، ولكنه ينشأ بقبضه وأنت لم تقبضه.

ويتابع الحق: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ...}.



سورة البقرة: الآيات من 271-280 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 271-280 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 271-280   سورة البقرة: الآيات من 271-280 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:12 am

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ [٢٧٩]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

في هذه الآية قضية كونية يتغافل عنها كثير من الناس.

لقد جاء نظام ليحمي طائفة من ظلم طائفة، ولم يأت هذا النظام إلا بعد أن وجدت طائفة المرابين الذين ظلموا طائفة الفقراء المستضعفين.

وحَسْبُ هؤلاء المستضعفين الذين استغلوا من المرابين أن ينصفهم القرآن وأن يُنهي قضية الربا إنهاءً يعطي الذين رابوا ما سلف لأنهم بنوا حياتهم على ذلك.

و "فأذنوا بحرب" كلمة (الألف والذال والنون) من "الأذن" وكل المادة مشتقة من "الأذن" و"الأُذن" هي الأصل الأول في الإعلام؛ لأن الإنسان ليس مفروضاً أنه قارئ أولاً، إنّه لا يكون قارئاً إلا إذا سمع، إذن فلا يمكن أن ينشأ إعلام إلا بالسماع.

والحق سبحانه وتعالى حينما تكلم عن أدوات العلم للإنسان قال: {وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [النحل: 78].

ولذلك عندما جاء علم وظائف الأعضاء ليبحث ذلك وجدوها طبق الأصل كما قال الله عنها.

فالوليد الصغير حين يولد إن جاء أصبع إنسان عند عينيه فلا يهتز له رمش؛ لأن عينه لم تؤد مهمتها بعد، ولكن إن تصرخ بجانب أذنه فإنه ينفعل.

وعرفنا أن أول أداة تؤدي مهمتها بالنسبة للإنسان الوليد هي أذنه، وهي أيضاً الأداة التي تؤدي مهمتها بالنسبة للإنسان مستيقظاً كان أو نائماً.

إن العين تغمض في النوم فلا ترى، لكن الأذن مستعدة طوال الوقت لأن تسمع؛ لأنها آلة الاستدعاء.

إذن فمادة "الأَذَان" و"الأُذُن" كلها جاءت من مهمة السمع، وقال الله سبحانه وتعالى:{وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق: 5].

ما معنى أذنت؟

أنت حين تسمع من مساو لك، فقد تنفذ وقد لا تنفذ، لكن حين تسمعه من إله قادر فلا مناص لك إلا أن تنفذ، فكأن الله يقول: إن الأرض تنشق حين تسمع أمري بالانشقاق.

فبمجرد أن تسمع الأرض أمر الحق فإنها تفعل، وحق لها أن تفعل ذلك؛ إنها أذنت لأمر الله، أي خضعت؛ لأن القائل لها هو الله.

إذن كل المادة هنا جاءت من "الأذن".

ولذلك فالله يقول لمن لا يفعل ما أمر به الله في الربا؛ {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279].

أما حرب الله فلا نقول فيها إلا قول الله: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر: 31].

ولا يستطيع أحد أن يحتاط لها.

وأما حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه هي الأمر الظاهر.

كأن الله سبحانه وتعالى يجرد على المرابين تجريدة هائلة من جنوده التي لا يعلمها إلا هو، وحرب رسول الله جنودها هم المؤمنون برسوله، وعليهم أن يكونوا حرباً على كل ظاهرة من ظواهر الفساد في الكون؛ ليطهروا حياتهم من دنس الربا.

وهكذا وضع الله نهاية لأسلوب التعامل، حتى يتطهر المال من ذلك الربا، فإذا قال الحق: {فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] فمعنى هذا أنه سبحانه يبين لنا بهذا القول أنه لا حق للمرابين في ضعف ولا ضعفين، ولا في أضعاف مضاعفة.

وحينئذ "لا تظلمون" من رابيتم، بأن تأخذوا منهم زائداً عن رأس المال.

ولكن ما موقع "ولا تظلمون"، ومن الذي يظلمهم؟

قد يظلمهم الضعيف الذي ظُلِمَ لهم سابقاً، ويأخذ منهم بعض رأس المال بدعوى أنهم طالما استغلوه فأخذوا منه قدراً زائداً على رأس المال.

إن المشرع يريد أن يمنع الظالم السابق فينهي ظلمه، وأن يسعف المظلوم اللاحق فيعطيه حقه، وهو سبحانه لا يريد أن يوجه ظلماً ليستغل به من ظُلم فيظلم الذي ظلمه أولاً، بل سبحانه يشاء بهذا الحكم أن ينهي هذا النوع من الظلم على إطلاقه، وأن يجعل الجميع على قدر سواء في الانتفاع بمزايا الحكم.

وكثير من النظريات التي تأتي لتقلب نظاماً في مجتمع ما تعمد إلى الطائفة التي ظَلَمَت، فلا تكتفي بأن تكفها عن الظلم، ولكن تمكن للمظلوم أن يظلم من ظلمه، وذلك هو الإجحاف في المجتمع، وهذا ما يجب أن يتنبه إليه الناس جيداً؛ لأن الله الذي أنصفك أيها المظلوم من ظالمك، فمنع ظلمه لك، هنا يجب أن تحترم حكمه حينما قال: "فله ما سلف" وبهذا القول انتهت القضية.

ويستأنف سبحانه الأمر بعدالة جديدة تجمعك وتجمعه على قدم المساواة بدون ظلم منك أيها المظلوم سابقاً بحجة أنه طالما ظلمك.

والمجتمعات حين تسير على هذا النظام "لا تظلمون ولا تظلمون" إنما تسير على نمط معتدل لا على ظلم موجه.

فنحن نعيب على قوم أنهم ظلموا، ثم نأتي بقوم لنجعلهم يَظْلِمون، لا.

إن الجميع على قدم المساواة من الآن.

وفساد أي نظام في المجتمع يأتي من توجيه الظلم من فئة جديدة إلى فئة قديمة، فبذلك يظل الظلم قائماً، طائفة ظَلَمَت، وتأتي طائفة كانت مظلومة لتظلم الطائفة الظالمة سابقاً، نقول لهم: ذلك ظلم موجه، ونحن نريد أن تنتظم العدالة وتشمل كل أفراد المجتمع بأن يأخذ كل إنسان حقه، فالذي ظَلَمَ سابقاً منعناه من ظلمه، والمغلوب سابقاً أنصفناه، وبذلك يصير الكل على قدم المساواة؛ ليسير المجتمع مسيرة عادلة تحكمه قضية إيمانية.

إننا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.

وبعد ذلك يجيء القرآن ليفتح باباً جديداً من الأمل أمام المظلومين.

وليضع حداً للذين كانوا ظالمين أولاً، وحكم لهم برأس المال ومنعهم من الزائد على رأس المال، فَحَنَّن قلوبهم على هؤلاء.

أَيْ ليست ضربة لازب أن تأخذوا رأس المال الآن، ولكن عليكم أن تُنْظِروا وتمهلوا المدين إن كان معسراً، وإن تساميتم في النضج الإيماني اليقيني وارتضيتم الله بديلاً لكم عن كل عوض يفوتكم، فعليكم أن تتجاوزوا وتتنازلوا حتى عن رؤوس أموالكم التي حكم الله لكم بها لترتفعوا بها وتهبوها لمن لا يقدر.

فيأتي قول الحق: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ...}.



سورة البقرة: الآيات من 271-280 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 271-280 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 271-280   سورة البقرة: الآيات من 271-280 Emptyالجمعة 19 أبريل 2019, 3:18 am

وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [٢٨٠]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

و {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] حكم بأن للدائن رأس المال، ولكن هب أنّ المدين ذو عسرة، هنا قضية يثيرها بعض المستشرقين الذين يدعون أنهم درسوا العربية، لقد درسوها صناعة، ولكنها عزت عليهم ملكة؛ لأن اللغة ليست صناعة فقط، اللغة طبع، واللغة ملكة، اللغة وجدان، يقولون: إن القرآن يفوته بعض التقعيدات التي تقعدها لغته.

فمثلاً جاءوا بهذه الآية: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280].

قال بعض المستشرقين: نريد أن نبحث مع علماء القرآن عن خبر "كان" في قوله: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280]، صحيح لا نجد خبر "كان"، ولكن الملكة العربية ليست عنده؛ لأنه إذا كان قد درس العربية كان يجب أن يعرف أن "كان" تحتاج إلى اسم وإلى خبر، اسم مرفوع وخبر منصوب وهذه هي التي يقال عنها كان الناقصة، كان يجب أن يفهم أيضاً معها أنها قد تأتي تامة أي ليس لها خبر، وتكتفي بالمرفوع، وهذه تحتاج إلى شرح بسيط.

إن كل فعل من الأفعال يدل على حدث وزمن، وكلمة "كان" إن سمعتها دلت على وجود وحدث مطلق لم تبين فيه الحالة التي عليها اسمها، كان مجتهداً؟ كان كسولاً؟

مثلاً فهي تدل على وجود شيء مطلق أي ليس له حالة، ومعنى ذلك أن "كان" دلت على الزمن الوجودي المطلق أي على المعنى المجرد الناقص، والشيء المطلق لا يظهر المراد منه إلا إذا قيد، فإن أردت أن تدل على وجود مقيد ليتضح المعنى، ويظهر، فلا بد أن تأتيها بخبر، كأن تقول: كان زيد مجتهداً، هنا وجد شيء خاص وهو اجتهاد زيد.

إذن فـ (كان) هنا ناقصة تريد الخبر يكملها وليعطيها الوجود الخاص، فإذا لم يكن الأمر كذلك وأردنا الوجود فقط تكون (كان) تامة أي تكتفي بمرفوعها فقط مثل أن تقول: عاد الغائب فكان الفرح أي وجد، أو أشرقت الشمس فكان النور.

والشاعر يقول:
وكـانت وليـس الصـبح فيـها بأبيـض
وأضـحت وليـس اللـيـل فيـها بأسـود

فقوله: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 280] أي فإن وَجد ذو عسرة، أي إن وُجِدَ إنسان ليس عنده قدرة على السداد، "فنظرة" من الدائن "إلى ميسرة" أي: إلى أن يتيسر، ويكون رأس المال في هذه الحالة "قرضاً حسناً"، وكلما صبر عليه لحظة أعطاه الله عليها ثواباً.

ولنا أن نعرف أن ثواب القرض الحسن أكثر من ثواب الصدقة؛ لأن الصدقة حين تعطيها فقد قطعت أمل نفسك منها، ولا تشغل بها، وتأخذ ثواباً على ذلك دفعة واحدة، لكن القرض حين تعطيه فقلبك يكون متعلقاً به، فكلما يكون التعلق به شديداً، ويهب عليك حب المال وتصبر فأنت تأخذ ثواباً.

لذلك يجب أن تلحظ أن القرض حين يكون قرضاً حسناً والمقترض معذور بحق؛ لأن فيه فرقاً بين معذور بحق، ومعذور بباطل، المعذور بحق هو الذي يحاول جاهداً أن يسدد دينه، ولكن الظروف تقف أمامه وتحول دون ذلك، أما المعذور بباطل فيجد عنده ما يسد دينه ولكنه يماطل في السداد ويبقى المال ينتفع به وهو بهذا ظالم.

ولذلك جرب نفسك، ستجد أن كل دين يشتغل به قلبك فاعلم أن صاحبه قادر على السداد ولم يسدد، وكل دين كان برداً وسلاماً على قلبك فاعلم أن صاحبه معذور بحق ولا يقدر أن يسدد، وربما استحييت أنت أن تمر عليه مخافة أن تحرجه بمجرد رؤيتك.

وهؤلاء لا يطول بهم الدَّيْنُ طويلاً؛ لأن الرسول حكم في هذه القضية حكماً، فقال صلى الله عليه وسلم: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله".

فما دام ساعة أخذها في نيته أن يؤديه فإن الله ييسر له سبيل الأداء، ومن أخذها يريد إتلافها، فالله لا ييسر له أن يسدد؛ لأنه لا يقدر على ترك المال يسدد به دينه، وهذه حادثة في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم تفسر لنا هذا الحديث، فقد مات رجل عليه دين، فلما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه مدين؛ قال لأصحابه: صلوا على أخيكم.

إذن فهو لم يصل، ولكنه طلب من أصحابه أن يصلوا، لماذا لم يصل؟ لأنه قال قضية سابقة: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه"، ما دام قد مات ولم يؤد إذن فقد كان في نيته أن يماطل، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يمنع أصحابه من الصلاة عليه.

والرسول صلى الله عليه وسلم يأتي للمعسر ويعامله معاملة الأريحية الإيمانية فيقول: "مَنْ أَنْظَر معسراً أَوْ وَضَعَ عنه أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله".

ومعنى "أنظر" أي أمهله وأخر أخذ الدين منه فلا يلاحقه، فلا يحبسه في دَيْنِه، فلا يطارده، وإن تسامى في اليقين الإيماني، يقول له: "اذهب، الله يعوض عليَّ وعليك" وتنتهي المسألة، ولذلك يقول الحق: {وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 280] والثمرة هي حسن الجزاء من الله.

فإما أن تنظر وتؤخر، وإما أن تتصدق ببعض الدين أو بكل الدين، وأنت حر في أن تفعل ما تشاء.

فانظروا دقة الحق عند تصفية هذه القضية الاقتصادية التي كانت الشُّغل الشَّاغل للبيئة الجاهلية.

ولقد عرفنا مما تقدم أن الإسلام قد بنى العملية الاقتصادية على الرفد والعطاء، وتكلم الحق سبحانه وتعالى عنها في آيات النفقة التي سبقت من أول قوله تعالى: {مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ} [البقرة: 261].

وتكلم طويلاً عن النفقة.

والنفقة تشمل ما يكون مفروضاً عليك من زكاة، وما تتطوع به أنت.

والمتطوع بشيء فوق ما فرض الله يعتبره سبحانه حقاً للفقير، ولكنه حق غير معلوم، ولذلك حينما تعرضنا إلى قوله سبحانه: {إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيلِ مَا يَهْجَعُونَ} [الذاريات: 15-17].

أيتطلب الإسلام منا ألا نهجع إلا قليلاً من الليل؟

لا، إن للمسلم أن يصلي العشاء وينام، ثم يقوم لصلاة الفجر، هذا ما يطلبه الإسلام.

لكن الحق سبحانه هنا يتكلم عن المحسنين الذين دخلوا في مقام الإحسان مع الله.

{إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَآ آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُواْ قَلِيلاً مِّن ٱلَّيلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 15-18].

هل التشريع يُلزم المؤمن أن يقوم بالسحر ليستغفر؟

لا، إن المسلم عليه أن يؤدي الفروض، ولكن إن كان المسلم يرغب في دخول مقام الإحسان فعليه أن يعرف الطريق: {وَبِٱلأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 18].

والكلام هنا في مقام الإحسان.

ويضيف الحق عن أصحاب هذا المقام: {وَفِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ} [الذاريات: 19].

إن الله سبحانه قد حدد في أموال مَنْ يدخل في مقام الإحسان حقاً للسائل والمحروم، ولم يحدد الله قيمة هذا الحق أو لونه.

هل هو معلوم أو غير معلوم؟.

لكن حين تكلم الله عن المؤمنين قال سبحانه: {وَٱلَّذِينَ فِيۤ أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّآئِلِ وَٱلْمَحْرُومِ} [المعارج: 24-25].

وهكذا نجد في أموال صاحب مقام الإحسان حقاً للسائل والمحروم، لكن في أموال صاحب الإيمان حق معلوم وهو الزكاة.

ومقام الإحسان يعلو مقام الإيمان؛ لأن الحق في مال المؤمن معلوم، أما في مقام الإحسان، فإن في مالهم حقاً للإحسان إلى الفقير وإن لم يكن معلوماً، أي لم يحدد.

وقد رأينا بعض الفقهاء قد اعتبر الزكاة -ما دامت حقاً للفقير عند الغني- فإن منع الغني ما قدره نصاب سرقة تُقطع يد الغني، لأنه أخذ حق الفقير.

ونصاب السرقة ربع دينار ذهباً، فيبني الإسلام قضاياه الاجتماعية إما على النفقة غير المفروضة وإما على النفقة المفروضة.

فإذا ما شحّت نفوس الناس، ولم تستطع أن تتبرع بالقدر الزائد على المفروض، وتمكن حب مالها في نفسها تمكناً قوياً بحيث لا تتنازل عنه يقول الله سبحانه لكل منهم: أنت لم تتنازل عن مالك، وأنا حرمت الربا، فكيف نلتقي لنضع للمجتمع أساساً سليماً؟

سنحتفظ لك بمالك ونمنع عنك فائدة الربا، وهكذا نلتقي في منتصف الطريق، لا أخذنا مالك، ولا أخذت من غيرك الزائد على هذا المال.

وشرح الحق سبحانه آية الديْن، وأخذت هذه الآية أطول حيز في حجم آيات القرآن، لماذا؟.

لأن على الديْن هذا تُبنى قضايا المجتمع الاقتصادية عند من لا يجد مورداً مالياً يُسيّر به حركة حياته.

وحين وضع الحق آية الديْن لم يضعها وضعاً تقنينياً جافاً جامداً، وإنما وضعها وضعاً وجدانياً.

أي مزج التقنين بالوجدان، مزج الحق جمود القانون بروح الإسلام، فلم يجعلها عملية جافة.

والمشرعون من البشر عندما يُقَنِّنُون فهم يضعون القانون جافاً، فمثال ذلك: مَنْ قَتَلَ يُقْتَلْ، وغير ذلك.

لكن الحق يقول غير ذلك حتى في أعنف قضايا الخلاف، وهي خلافات الدَّم، فقال سبحانه: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَٱتِّبَاعٌ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 178].

والحق سبحانه وتعالى قبل أن يأتي بآية الدَّيْن، يقول: {وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ...}.



سورة البقرة: الآيات من 271-280 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة البقرة: الآيات من 271-280
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» سورة البقرة: الآيات من 11-15
» سورة البقرة: الآيات من 36-40
» سورة البقرة: الآيات من 121-125
» سورة البقرة: الآيات من 206-210
» سورة البقرة: الآيات من 01-05

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: البقرة-
انتقل الى: