منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers

(إسلامي.. ثقافي.. اجتماعي.. إعلامي.. علمي.. تاريخي.. دعوي.. تربوي.. طبي.. رياضي.. أدبي..)
 
الرئيسيةالأحداثأحدث الصورالتسجيل
(وما من كاتب إلا سيبلى ** ويبقى الدهر ما كتبت يداه) (فلا تكتب بكفك غير شيء ** يسرك في القيامة أن تراه)

IZHAR UL-HAQ

(Truth Revealed) By: Rahmatullah Kairanvi
قال الفيلسوف توماس كارليل في كتابه الأبطال عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لقد أصبح من أكبر العار على أي فرد مُتمدين من أبناء هذا العصر؛ أن يُصْغِي إلى ما يظن من أنَّ دِينَ الإسلام كَذِبٌ، وأنَّ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم- خَدَّاعٌ مُزُوِّرٌ، وآنَ لنا أنْ نُحارب ما يُشَاعُ من مثل هذه الأقوال السَّخيفة المُخْجِلَةِ؛ فإنَّ الرِّسَالة التي أدَّاهَا ذلك الرَّسُولُ ما زالت السِّراج المُنير مُدَّةَ اثني عشر قرناً، لنحو مائتي مليون من الناس أمثالنا، خلقهم اللهُ الذي خلقنا، (وقت كتابة الفيلسوف توماس كارليل لهذا الكتاب)، إقرأ بقية كتاب الفيلسوف توماس كارليل عن سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم-، على هذا الرابط: محمد بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم-.

يقول المستشرق الإسباني جان ليك في كتاب (العرب): "لا يمكن أن توصف حياة محمد بأحسن مما وصفها الله بقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين) فكان محمدٌ رحمة حقيقية، وإني أصلي عليه بلهفة وشوق".
فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ على سائر البُلدان، كما فَضَّلَ بعض الناس على بعض والأيام والليالي بعضها على بعض، والفضلُ على ضربين: في دِينٍ أو دُنْيَا، أو فيهما جميعاً، وقد فَضَّلَ اللهُ مِصْرَ وشَهِدَ لها في كتابهِ بالكَرَمِ وعِظَم المَنزلة وذَكَرَهَا باسمها وخَصَّهَا دُونَ غيرها، وكَرَّرَ ذِكْرَهَا، وأبَانَ فضلها في آياتٍ تُتْلَى من القرآن العظيم.
المهندس حسن فتحي فيلسوف العمارة ومهندس الفقراء: هو معماري مصري بارز، من مواليد مدينة الأسكندرية، وتخرَّجَ من المُهندس خانة بجامعة فؤاد الأول، اشْتُهِرَ بطرازهِ المعماري الفريد الذي استمَدَّ مَصَادِرَهُ مِنَ العِمَارَةِ الريفية النوبية المَبنية بالطوب اللبن، ومن البيوت والقصور بالقاهرة القديمة في العصرين المملوكي والعُثماني.
رُبَّ ضَارَّةٍ نَافِعَةٍ.. فوائدُ فيروس كورونا غير المتوقعة للبشرية أنَّه لم يكن يَخطرُ على بال أحَدِنَا منذ أن ظهر وباء فيروس كورونا المُستجد، أنْ يكونَ لهذه الجائحة فوائدُ وإيجابيات ملموسة أفادَت كوكب الأرض.. فكيف حدث ذلك؟!...
تخليص الإبريز في تلخيص باريز: هو الكتاب الذي ألّفَهُ الشيخ "رفاعة رافع الطهطاوي" رائد التنوير في العصر الحديث كما يُلَقَّب، ويُمَثِّلُ هذا الكتاب علامة بارزة من علامات التاريخ الثقافي المصري والعربي الحديث.
الشيخ علي الجرجاوي (رحمه الله) قَامَ برحلةٍ إلى اليابان العام 1906م لحُضُورِ مؤتمر الأديان بطوكيو، الذي دعا إليه الإمبراطور الياباني عُلَمَاءَ الأديان لعرض عقائد دينهم على الشعب الياباني، وقد أنفق على رحلته الشَّاقَّةِ من مَالِهِ الخاص، وكان رُكُوبُ البحر وسيلته؛ مِمَّا أتَاحَ لَهُ مُشَاهَدَةَ العَدِيدِ مِنَ المُدُنِ السَّاحِلِيَّةِ في أنحاء العالم، ويُعَدُّ أوَّلَ دَاعِيَةٍ للإسلام في بلاد اليابان في العصر الحديث.

أحْـلامٌ مِـنْ أبِـي (باراك أوباما) ***

 

 سورة البقرة: الآيات من 01-05

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: سورة البقرة: الآيات من 01-05   سورة البقرة: الآيات من 01-05 Emptyالجمعة 22 مارس 2019, 12:16 am

سورة البقرة: الآيات من 01-05 Untit312

http://ar.assabile.com/read-quran/surat-al-baqara-2

سورة البقرة

الم [1]

تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)

(نـال شــرف تنسيــق هــذه السـورة الكريمـة: أحمد محمد لبن)


بدأت سورة البقرة بقوله تعالى: {الم} [البقرة: 1]، وهذه الحروف حروف مقطعة، ومعنى مقطعة أن كل حرف ينطق بمفرده.


لأن الحروف لها أسماء ولها مسميات، فالناس حين يتكلمون ينطقون بمسمى الحرف وليس باسمه، فعندما تقول كتب تنطق بمسميات الحروف.


 فإذا أردت أن تنطق بأسمائها.


تقول كاف وتاء وباء، ولا يمكن أن ينطق بأسماء الحروف إلا مَنْ تعلّم ودرس، أما ذلك الذي لم يتعلّم فقد ينطق بمُسمَّيات الحُروف ولكنه لا ينطق بأسمائها، ولعل هذه أول ما يلفتنا.


فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمِّيّاً لا يقرأ ولا يكتب ولذلك لم يكن يعرف شيئاً عن أسماء الحروف، فإذا جاء ونطق بأسماء الحروف يكون هذا إعجازاً من الله سبحانه وتعالى، بأن هذا القرآن مُوحَىً به إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم درس وتعلّم لكان شيئاً عاديّاً أن ينطق بأسماء الحروف.


ولكن تعالَ إلى أي أمِّيِ لم يتعلَّم، إنه يستطيع أن ينطق بمُسمَّيات الحروف، يقول الكتاب وكوب وغير ذلك، فإذا طلبت منه أن ينطق بأسماء الحروف فإنه لا يستطيع أن يقول لك.


إن كلمة كتاب مكونة من الكاف والتاء والألف والباء، وتكون هذه الحروف دالّةٌ على صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن ربه.


وأن هذا القرآن موحى به من الله سبحانه وتعالى ونجد في فواتح السور التي تبدأ بأسماء الحروف.


تُنطق الحروف بأسمائها وتجد الكلمة نفسها في آية أخرى تنطق بمسمَّياتِها.


فـ "الم" في أول سورة البقرة نطقتها بأسماء الحروف ألف لام ميم.


بينما تنطقها بمسميات الحروف في شرح السورة في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1].


وفي سورة الفيل في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل: 1].


ما الذي جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ينطق {الم} [البقرة: 1] في سورة البقرة بأسماء الحروف، وينطقها في سورتي الشرح والفيل بمُسمَّيات الحروف.


لابد أن رسول الله عليه الصلاة والسلام سمعها من الله كما نقلها جبريل عليه السلام إليه هكذا.


إذن، فالقرآن أصله السَّماع لا يجوز أن تقرأه إلا بعد أن تسمعه.


 لتعرف أن هذه تُقرأ ألف لام ميم والثانية تقرأ ألم، مع أن الكتابة واحدة في الاثنين، ولذلك لابد أن تستمع إلى فقيه يقرأ القرآن قبل أن تتلوه، والذي يتعب الناس أنهم لم يجلسوا إلى فقيه ولا استمعوا إلى قارئ، ثم بعد ذلك يريدون أن يقرأوا القرآن كأي كتاب.


نقول لا، القرآن له تميز خاص، إنه ليس كأي كتاب تقرؤه، لأنه مرة يأتي باسم الحرف.


ومرة يأتي بمسميات الحرف.


وأنت لا يمكن أن تعرف هذا إلا إذا استمعت لقارئ يقرأ القرآن.


والقرآن مبني على الوصل دائما وليس على الوقف، فإذا قرأت في آخر سورة يونس مثلا: {وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ} [يونس: 109] لا تجد النون عليها سكون بل تجد عليها فتحة، موصولة بقول الله سبحانه وتعالى بسم الله الرحمن الرحيم.


 إذن فكل آيات القرآن الكريم مبنية على الوصل، ما عدا فواتح السور المكونة من حروف فهي مبنية على الوقف، فلا تقرأ في أول سورة البقرة: {الم} [البقرة: 1] والميم عليها ضمة.


بل تقرأ ألفا عليها سكون ولاما عليها سكون وميما عليها سكون.


اذن كل حرف منفرد بوقف.


مع أن الوقف لا يوجد في ختام السور ولا في القرآن الكريم كله.


وهناك سور في القرآن الكريم بدأت بحرف واحد مثل قوله تعالى: {ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ} [ص: 1].


{ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} [القلم: 1].


ونلاحظ أن الحرف ليس آية مستقلة.


بينما "الم" في سورة البقرة آية مستقلة.


و:"حم".


و: "عسق" آية مستقلة مع أنها كلها حروف مقطعة.


وهناك سور تبدأ بآية من خمسة حروف مثل "كهيعص" في سورة مريم، وهناك سور تبدأ بأربعة حروف.


مثل "المص" في سورة "الأعراف".


وهناك سور تبدأ بأربعة حروف وهي ليست آية مستقلة مثل "المر" في سورة "الرعد" متصلة بما بعدها، بينما تجد سورة تبدأ بحرفين هما آية مستقلة مثل: "يس" في سورة يس.


و"حم" في سورة غافر وفصلت، و: "طس" في سورة النمل.


وكلها ليست موصلة بالآية التي بعدها، وهذا يدلنا على أن الحروف في فواتح السور لا تسير على قاعدة محددة.


 "الم" مكونة من ثلاثة حروف تجدها في ست سور مستقلة، فهي آية في البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم والسجدة ولقمان.


و"الر" ثلاثة حروف ولكنها ليست آية مستقلة.


بل جزء من الآية في أربع سور هي: يونس ويوسف وهود وإبراهيم، و: "المص" من أربعة حروف وهي آية مستقلة في سورة "الأعراف" و "المر" أربعة حروف، ولكنها ليست آية مستقلة في سورة الرعد إذن فالمسألة ليست قانوناً يعمم، ولكنها خصوصية في كل حرف من الحروف.


وإذا سألت ما هو معنى هذه الحروف؟.


نقول إن السؤال في أصله خطأ، لأن الحرف لا يسأل عن معناه في اللغة إلا إن كان حرف معنى، والحروف نوعان: حرف مَبْنَى وحرف معنى.


حرف المبنى لا معنى له إلا للدلالة على الصوت فقط، أمَّا حروف المعاني فهي مثل: في ومِنْ، وعلى، (في) تدل على الظرفية، و(مِنْ) تدل على الابتداء و(إلى) تدل على الانتهاء، و(على) تدل على الاستعلاء، هذه كلها حروف معنى.


وإذا كانت الحروف في أوائل السور في القرآن الكريم قد خرجت عن قاعدة الوصل لأنها مبنية على السكون لابد أن يكون لذلك حكمة، أولاً لنعرف قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حَسَنَةٌ والحَسَنَةُ بعَشْر أمْثَالها، لا أقولُ الم حرف ولكن ألفٌ حرْفٌ ولاَمٌ حرف ومِيمٌ حرف".


ولذلك ذكرت في القرآن كحروف استقلالية لنعرف ونحن نتعبد بتلاوة القرآن الكريم أننا نأخذ حسنة على كل حرف.


فإذا قرأنا بسم الله الرحمن الرحيم.


يكون لنا بالباء حسنة وبالسين حسنة وبالميم حسنة فيكون لنا ثلاثة حسنات بكلمة واحدة من القرآن الكريم.


والحسنة بعشر أمثالها.


وحينما نقرأ "الم" ونحن لا نفهم معناها نعرف أن ثواب القرآن على كل حرف نقرؤه سواء فهمناه أم لم نفهمه، وقد يضع الله سبحانه وتعالى من أسراره في هذه الحروف التي لا نفهمها ثواباً وأجراً لا نعرفه، ويريدنا بقراءتها أن نحصل على هذا الأجر.


والقرآن الكريم ليس إعجازاً في البلاغة فقط.


ولكنه يحوي إعجازاً في كل ما يمكن للعقل البشري أن يحوم حوله.


فكل مفكر متدبر في كلام الله يجد إعجازاً في القرآن الكريم.


فالذي درس البلاغة رأى الإعجاز البلاغي، والذي تعلم الطب وجد إعجازاً طبياً في القرآن الكريم.


وعالم النباتات رأى إعجازاً في آيات القرآن الكريم، وكذلك عالم الفلك.


 وإذا أراد إنسان منا أن يعرف معنى هذه الحروف فلا نأخذها على قدر بشريتنا، ولكن نأخذها على قدر مراد الله فيها، وقدراتنا تتفاوت وأفهامنا قاصرة.


فكل منا يملك مِفْتاحاً من مفاتيح الفهم كل على قدر علمه، هذا مفتاح بسيط يفتح مرة واحدة وآخر يدور مرتين، وآخر يدور ثلاث مرات وهكذا، ولكن مَنْ عنده العلم يملك كل المفاتيح، أو يملك المفتاح الذي يفتح كل الأبواب.


 ونحن لا يصح أن نجهد أذهاننا لفهم هذه الحروف.


فحياة البشر تقتضي منا في بعض الأحيان أن نضع كلمات لا معنى لها بالنسبة لغيرنا، وإذن كانت تمثل أشياء ضرورية بالنسبة لنا.


تماماً ككلمة السر التي تستخدمها الجيوش لا معنى لها إذا سمعتها.


ولكن بالنسبة لمَنْ وضعها يكون ثمنها الحياة أو الموت، فخذ كلمات الله التي تفهمها بمعانيها، وخذ الحروف التي لا تفهمها بمرادات الله فيها.


فالله سبحانه وتعالى شاء أن يبقى معناها في الغيب عنده.


 والقرآن الكريم لا يؤخذ على نسق واحد حتى نتنبه ونحن نتلوه أو نكتبه.


لذلك تجد مثلا بسم الله الرحمن الرحيم مكتوبة بدون ألف بين الباء والسين.


ومرة تجدها مكتوبة بالألف في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1].


 وكلمة تبارك مرة تكتب بالألف ومرة بغير الألف، ولو أن المسألة رتابة في كتابة القرآن لجاءت كلها على نظام واحد.


ولكنها جاءت بهذه الطريقة لتكون كتابة القرآن معجزة وألفاظه معجزة.


ونحن نقول للذين يتساءلون عن الحكمة في بداية بعض السور بحروف، نقول إن لذلك حكمة عند الله فهمناها أو لم نفهمها، والقرآن نزل على أمة عربية فيها المؤمن والكافر، ومع ذلك لم نسمع أحداً يطعن في الأحرف التي بدأت بها السور.


وهذا دليل على أنهم فهموها بملكاتهم العربية، ولو أنهم لم يفهموها لطعنوا فيها.


وأنا أنصح مَنْ يقرأ القرآن الكريم للتعبد، ألا يشغل نفسه بالتفكير في المعنى.


أما الذي يقرأ القرآن ليستنبط منه فليقف عند اللفظ والمعنى، فإذا قرأت القرآن لتتعبد فاقرأه بسر الله فيه، ولو جلست تبحث عن المعنى، تكون قد حددت معنى القرآن الكريم بمعلوماتك أنت.


وتكون قد أخذت المعنى ناقصاً نقص فكر البشر، ولكن اقرأ القرآن بسر الله فيه.


إننا لو بحثنا معنى كل لفظ في القرآن الكريم فقد أخرجنا الأمي وكل مَنْ لم يدرس اللغة العربية دراسة متعمقة من قراءة القرآن.


ولكنك تجد أمياً لم يقرأ كلمة واحدة ومع ذلك يحفظ القرآن كله.


فإذا قلت كيف؟ نقول لك بسر الله فيه.


والكلام وسيلة إفهام وفهم بين المتكلم والسامع.


المتكلم هو الذي بيده البداية، والسامع يفاجأ بالكلام لأنه لا يعلم مقدماً ماذا سيقول المتكلم، وقد يكون ذهن السامع مشغولا بشيء آخر، فلا يستوعب أول الكلمات، ولذلك قد تنبهه بحروف أو بأصوات لا مهمة لها إلا التنبيه للكلام الذي سيأتي بعدها.


 وإذا كنا لا نفهم هذه الحروف.


فوسائل الفهم والإعجاز في القرآن الكريم لا تنتهي، لأن القرآن كلام الله.


والكلام صفة من صفات المتكلم، ولذلك لا يستطيع فهم بشري أن يصل إلى منتهى معاني القرآن الكريم، إنما يتقرب منها.


لأن كلام الله صفة من صفاته، وصفة فيها كمال بلا نهاية.


فإذا قلت إنك قد عرفت كل معنى للقرآن الكريم، فإنك تكون قد حددت معنى كلام الله بعلمك، ولذلك جاءت هذه الحروف إعجازاً لك.


حتى تعرف إنك لا تستطيع أن تحدد معاني القرآن بعلمك.


 إن عدم فهم الإنسان لأشياء لا يمنع انتفاعه بها، فالريفي مثلاً ينتفع بالكهرباء والتليفزيون وما يذاع بالقمر الصناعي وهو لا يعرف عن أي منها شيئاً.


فلماذا لا يكون الله تبارك وتعالى قد أعطانا هذه الحروف نأخذ فائدتها ونستفيد من أسرارها ويتنزل الله بها علينا بما أودع فيها من فضل سواء أفهم العبد المؤمن معنى هذه الحروف أو لم يفهمها.


 وعطاء الله سبحانه وتعالى وحكمته فوق قدرة فهم البشر، ولو أراد الإنسان أن يحوم بفكره وخواطره حول معاني هذه الحروف لوجد فيها كل يوم شيئاً جديداً.


لقد خاض العلماء في البحث كثيراً.


وكل عالم أخذ منها على قدر صفائه، ولا يدَّعي أحد العلماء أن ذلك هو الحق المراد من هذه الحروف، بل كل منهم يقول والله أعلم بمراده.


ولذلك نجد عالما يقول (الر) و(حم) و(ن) وهي حروف من فواتح السور تكوِّن اسم الرحمن، نقول إن هذا لا يمكن ان يمثل فهماً عاماً لحروف بداية بعض سور القرآن، ولكن ما الذي يتعبكم أو يرهقكم في محاولة إيجاد معان لهذه الحروف؟!


           لو أن الله سبحانه وتعالى الذي أنزل القرآن يريد أن يفهمنا معانيها، لأوردها بمعنى مباشر أو أوضح لنا المعنى.


فمثلاً أحد العلماء يقول إن معنى (الم) هو أنا الله اسمع وأرى، نقول لهذا العالم لو أن الله أراد ذلك فما المانع من أن يورده بشكل مباشر لنفهمه جميعا، لابد أن يكون هناك سر في هذه الحروف، وهذا السر هو من أسرار الله التي يريدنا أن ننتفع بقراءتها دون أن نفهمها.


 ولابد أن نعرف أنه كما أن للبصر حدوداً.


وللأذن حدوداً وللمس والشم والتذوق حدوداً، فكذلك عقل الإنسان له حدود يتسع لها في المعرفة، وحدود فوق قدرات العقل لا يصل إليها.


والإنسان حينما يقرأ القرآن والحروف الموجودة في أوائل بعض السور يقول إن هذا أمر خارج عن قدرة عقلي، وليس ذلك حجراً أو سَدّاً لباب الاجتهاد، لأننا إن لم ندرك فإن علينا أن نعترف بحدود قدراتنا أمام قدرات خالقنا سبحانه وتعالى التي هي بلا حدود.


وفي الإيمان هناك ما يمكن فهمه وما لا يمكن فهمه، فتحريم أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر لا ننتظر حتى نعرف حكمته لنمتنع عنه.


ولكننا نمتنع عنه بإيمان أنه ما دام الله قد حرمه فقد أصبح حراماً.


ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما عرفتم من محكمه فاعملوا به، وما لم تدركوا فآمنوا به".


والله سبحانه وتعالى يقول: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ} [آل عمران: 7].


إذن، فعدم فهمنا للمتشابه لا يمنع أن نستفيد من سر وضعه الله في كتابه، ونحن نستفيد من أسرار الله في كتابه فهمناها أم لم نفهمها.



سورة البقرة: الآيات من 01-05 2013_110


عدل سابقا من قبل أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn في الثلاثاء 18 يونيو 2019, 3:16 pm عدل 3 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 01-05   سورة البقرة: الآيات من 01-05 Emptyالسبت 23 مارس 2019, 4:04 am

ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [٢]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
في الآية الثانية من سورة البقرة وصف الله سبحانه وتعالى القرآن الكريم بأنه الكتاب، وكلمة (قرآن) معناها أنه يُقرأ، وكلمة (كتاب) معناها أنه لا يحفظ فقط في الصدور، ولكن يُدوّن في السطور، ويبقى محفوظاً إلى يوم القيامة، والقول بأنه الكتاب، تمييز له عن كل كتب الدنيا، وتمييز له عن كل الكتب السماوية التي نزلت قبل ذلك، فالقرآن هو الكتاب الجامع لكل أحكام السماء، منذ بداية الرسالات حتى يوم القيامة، وهذا تأكيد لارتفاع شأن القرآن وتفرده وسماويته ودليل على وحدانية الخالق، فمنذ فجر التاريخ، نزلت على الأمم السابقة كتب تحمل منهج السماء، ولكن كل كتاب وكل رسالة نزلت موقوتة، في زمانها ومكانها، تؤدي مهمتها لفترة محددة وتجاه قوم مُحدَّدين.

فرسالة نوح عليه السلام كانت لقومه، وكذلك إبراهيم ولوط وشعيب وصالح عليهم السلام، كل هذه رسالات كان لها وقت محدود، تمارس مهمتها في الحياة، حتى يأتي الكتاب وهو القرآن الكريم الجامع لمنهج الله سبحانه وتعالى.          

ولذلك بُشر في الكتب السماوية التي نزلت قبل بعثة محمد عليه الصلاة والسلام بأن هناك رسولاً سيأتي، وأنه يحمل الرسالة الخاتمة للعالم، وعلى كل الذين يصدقون بمنهج السماء أن يتبعوه، وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالى: { ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلرَّسُولَ ٱلنَّبِيَّ ٱلأُمِّيَّ ٱلَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي ٱلتَّوْرَاةِ وَٱلإِنْجِيلِ، } [الأعراف: 157].

والقرآن هو الكتاب، لأنه لن يصل إليه أي تحريف أو تبديل، فرسالات السماء السابقة ائتمن الله البشر عليها، فنسوا بعضها، وما لم ينسوه حرفوه، وأضافوا إليه من كلام البشر، ما نسبوه إلى الله سبحانه وتعالى ظلماً وبهتاناً، ولكن القرآن الكريم محفوظ من الخالق الأعلى، مصداقاً لقوله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] .

ومعنى ذلك ألا يرتاب انسان في هذا الكتاب، لأن كل ما فيه من منهج الله محفوظ منذ لحظة نزوله إلى قيام الساعة بقدرة الله سبحانه وتعالى: يقول الحق جل جلاله: {لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2].

والإِعجاز الموجود في القرآن الكريم هو في الأسلوب وفي حقائق القرآن وفي الآيات وفيما رُوِيَ لنا من قصص الأنبياء السابقين، وفيما صحح من التوراة والإنجيل، وفيما أتى به من علم لم تكن تعلمه البشرية وما زالت حتى الآن لا تعلمه، كل ذلك يجعل القرآن لا ريب فيه، لأنه لو اجتمعت الإنس والجن ما استطاعوا أن يأتوا بآية واحدة من آيات القرآن، ولذلك كلما تأملنا في القرآن وفي أسلوبه، وجدنا أنه بحق لا ريب فيه، لأنه لا أحد يستطيع أن يأتي بآية، فما بالك بالقرآن.         

 فهذا الكتاب ارتفع فوق كل الكتب، وفوق مدارك البشر، يوضح آيات الكون، وآيات المنهج، وله في كل عصر معجزات.          

إن كلمة الكتاب التي وصف الله سبحانه وتعالى بها القرآن تمييزاً له عن كل الكتب السابقة، تلفتنا إلى معان كثيرة، تحدد لنا بعض أساسيات المنهج التي جاء هذا الكتاب ليبلغنا بها.          

وأول هذه الأساسيات، أن نزول هذا الكتاب، يستوجب الحمد لله سبحانه وتعالى.          

واقرأ في سورة الكهف:
{ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِّيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً } [الكهف: 1-2.]

ويلفت الله سبحانه وتعالى عباده الى أن إنزاله القرآن على رسوله صلى الله عليه وسلم يستوجب الحمد من البشر جميعاً، لأن فيه منهج السماء، وفيه الرحمة من الله لعباده، وفيه البشارة بالجنة والطريق إليها، وفيه التحذير من النار وما يقود إليها، وهذا التحذير أو الإنذار هو رحمة من اللهتعالى لخلقه.          

لأنه لو لم ينذرهم لفعلوا ما يستوجب العذاب، ويجعلهم يخلدون في عذاب أليم.          

ولكن الكتاب الذي جاء ليلفتهم إلى ما يغضب الله، حتى يتجنبوه، إنما جاء برحمة تستوجب الحمد، لأنها أرتنا جميعاً، الطريق الى النجاة من النار، ولو لم ينزل الله سبحانه وتعالى الكتاب، ما عرف الناس المنهج الذي يقودهم الى الجنة، وما استحق أحد منهم رضا الله ونعيمه في الآخرة.          

وفي سورة الكهف، نجد تأكيداً آخر، إن كتاب الله، وهو القرآن الكريم لن يستطيع بشر أن يبدل منه كلمة واحدة، واقرأ قوله جل جلاله: { وَٱتْلُ مَآ أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً } [الكهف: 27] .

ويبين الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب، جاء لنفع الناس، ولنفع العباد، وأن الله ليس محتاجاً لخلقه، فهو قادر على أن يقهر من يشاء على الطاعة، ولا يمكن لخلق من خلق الله أن يخرج من كون الله عن مرادات الله، واقرأ قوله سبحانه وتعالى: { طسۤمۤ * تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 1-4] .

ويأتي الله سبحانه وتعالى بالقسم الذي يلفتنا الى أن كل كلمة من القرآن هي من عند الله، كما أبلغها جبريل عليه السلام لمحمد صلى الله عليه وسلم في قوله سبحانه: { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ ٱلنُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ * إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ ٱلْمُطَهَّرُونَ * تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [الواقعة: 75-80].

ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى ذلك الكتاب الذي هو منهج للإنسان على الأرض، فبعد أن بيَّن لنا جل جلاله، بما لا يدع مجالاً للشك أن الكتاب منزل من عنده، وأنه يصحح الكتب السابقة كالتوراة، والإنجيل والتي أئتمن الله عليها البشر، فحرفوها وبدلوها، وهذا التحريف أبطل مهمة المنهج الإلهي بالنسبة لهذه الكتب، فجاء الكتاب الذي لم يصل إليه تحريف ولا تبديل، ليبقى منهجاً لله، إلى أن تقوم الساعة.          

أول ما جاء به هذا الكتاب هو إيمان القمة، بأنه لا إله إلا الله الواحد الأحد، والله سبحانه وتعالى يقول:
{ الۤمۤ * ٱللَّهُ لاۤ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْحَيُّ ٱلْقَيُّومُ * نَزَّلَ عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ بِٱلْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ } [آل عمران: 1-3].

وهكذا نعرف ان الكتاب نزل ليؤكد لنا، ان الله واحد أحد، لا شريك له، وأن القرآن يشتمل على كل ما تضمنته الشرائع السماوية من توراة وإنجيل، وغيرها من الكتب.         

 فالقرآن نزل ليُفَرِّقَ بين الحق الذي جاءت به الكتب السابقة، وبين الباطل الذي أضافه أولئك الذين ائتمنوا عليها.         

 ثم يحدد الحق تبارك وتعالى لنا مهمتنا في أن هذا الكتاب مطلوب أن نبلغه للناس جميعاً، واقرأ قوله سبحانه: { الۤمۤصۤ * كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }
[الأعراف: 1-2].

فالخطاب هنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكل خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم، يتضمن خطاباً لأمته جميعاً، فالرسول صلى الله عليه وسلم كُلِّف بأن يُبَلِّغَ الكتاب للناس، ونحن مكلفون بأن نتبع المنهج نفسه ونبلغ ما جاء في القرآن للناس حتى يكون الحساب عدلاً، وأنهم قد بلغوا منهج الله، ثم كفروا به أو تركوه، إذن فإبلاغ الكتاب من المهمات الأساسية التي حددها الله سبحانه وتعالى بالنسبة للقرآن.         

 والكتاب فيه رد على حجج الكفار وأباطيلهم.          

واقرأ قول الله تبارك وتعالى: { الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْحَكِيمِ * أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ قَالَ ٱلْكَافِرُونَ إِنَّ هَـٰذَا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ } [يونس: 1-2].

وفي هذه الآيات الكريمة: يلفتنا الله سبحانه وتعالى إلى حقيقتين، الحقيقة الأولى هي إن الكفار يتخذون من بشرية الرسول حُجة بأن هذا الكتاب ليس من عند الله.          

وكان الرد هو: إن كل الرسل السابقين كانوا بشراً، فما هو العجب في أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً بشراً.         

 واللفتة الثانية هي إن هذا القرآن مكتوب بالحروف نفسها التي خلقها الله لنا لنكتب بها، ومع ذلك فإن القرآن الكريم نزل مستخدماً لهذه الحروف التي يعرفها الناس جميعاً، معجزاً في ألا يستطيع الإنس والجن، مجتمعين أن يأتوا بسورة واحدة منه.          

ثم يلفتنا الحق سبحانه وتعالى لفتة اخرى إلى أن هذا الكتاب محكم الآيات، ثم بَيَّنَهُ الله لعباده، واقرأ قوله جل جلاله في سورة هود: { الۤر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ * أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ ٱللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ }
[هود: 1-2].

هذه هي بعض الآيات في القرآن الكريم، التي أراد الله سبحانه وتعالى أن يلفتنا فيها إلى معنى الكتاب، فآياته من عند الله الحكيم الخبير، وكل آية فيها إعجاز مُتَحدَّي به الإنس والجن، وهذا الكتاب لابد أن يبلغ للناس جميعاً، فالكتاب ينذرهم ألا يعبدوا إلا الله، ليكون الحساب عدلاً في الآخرة، فمَنْ أنذر وأطاع كان له الجنة، ومَنْ عصى كانت له النار والعياذ بالله.          

ثم يلفتنا الله إلى أن هذا الكتاب فيه قصص الأنبياء السابقين منذ آدم عليه السلام، يقول جل جلاله:
{ الۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ ٱلْمُبِينِ * إِنَّآ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ * نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ ٱلْقَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ ٱلْغَافِلِينَ} [يوسف:1-3].

وهكذا نجد أن القرآن الكريم، قد جاء ليقص علينا أحسن القصص بالنسبة للأنبياء السابقين، والأحداث التي وقعت في الماضي، ولم يأت القرآن بهذه القصص للتسلية أو للترفيه، وإنما جاء بها للموعظة ولتكون عبرة إيمانية، ذلك أن القصص القرآني يتكرر في كل زمان ومكان.          

ففرعون هو كل حاكم طغى في الأرض، ونصب نفسه إلهاً، وقارون هو كل مَنْ أنعم الله عليه فنسب النعمة إلى نفسه، وتكبَّر وعصى الله، وقصة يوسف هي قصة كل إخوة حقدوا على أخ لهم، وتآمروا عليه، وأهل الكهف هم كل فتية آمنوا بربهم، فنشر الله لهم من رحمته في الدنيا والآخرة، ما عدا قصة واحدة هي قصة مريم وعيسى عليهما السلام، فهي معجزة لن تتكرَّر ولذلك عرَّف الله سبحانه وتعالى أبطالها، فقال عيسى بن مريم وقال مريم ابنة عمران.         

 والكتاب الذي أنزله الله سبحانه وتعالى فيه لفتة الى آيات الله في كونه.          

واقرأ قوله تعالى:
{ الۤمۤر تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَٱلَّذِيۤ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ٱلْحَقُّ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ * ٱللَّهُ ٱلَّذِي رَفَعَ ٱلسَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَسَخَّرَ ٱلشَّمْسَ وَٱلْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأَجَلٍ مُّسَمًّـى يُدَبِّرُ ٱلأَمْرَ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَآءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ } [الرعد: 1-2].

وهكذا بيَّن لنا الله في الكتاب آياته في الكون ولفتنا إليها، فالسماء مرفوعة بغير عمد نراها، والشمس والقمر مسخران لخدمة الإنسان، وهذه كلها آيات لا يستطيع أحد من خلق الله أن يدعيها لنفسه أو لغيره، فلا يوجد حتى يوم القيامة مَنْ يستطيع أن يدَّعي أنه رفع السماء بغير عمد، أو أنه خلق الشمس والقمر وسخرهما لخدمة الإنسان.          

ولو تدبر الناس في آيات الكون لآمنوا ولكنهم في غفلة عن هذه الآيات.          

ثم يحدد الحق سبحانه وتعالى مهمة هذا الكتاب وكيف أنه رحمة للناس جميعاً، فيقول جل جلاله:
{ الۤر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ ٱلنَّاسَ مِنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَىٰ صِرَاطِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَمِيدِ * ٱللَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَوَيْلٌ لِّلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ } [إبراهيم: 1-2].

أي أن مهمة هذا الكتاب هي أن يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر والشرك إلى نور الإيمان، لأن كل كافر مشرك تحيط به ظلمات، يرى الآيات فلا يبصرها، ويعرف أن هناك حساباً وآخرة ولكنه ينكرهما، ولا يرى إلا الحياة الدنيا القصيرة غير المأمونة في كل شيء، في العمر والرزق والمتعة، ولو تطلع إلى نور الإيمان، لرأى الآخرة وما فيها من نعيم أبدي ولَعَمِلَ من أجلها، ولكن لأنه تحيط به الظلمات لا يرى، والطريقُ لأن يرى هو هذا الكتاب، القرآن الكريم لأنه يخرج الناس إذا قرأوه من ظلمات الجهل والكفر إلى نور الحقيقة واليقين.          

وبيَّن الحق سبحانه وتعالى أن الذين يلتفتون إلى الدنيا وحدها، هم كالأنعام التي تأكل وتشرب، بل إن الأنعام أفضل منهم، لأن الأنعام تقوم بمهمتها في الحياة، بينما هم لا يقومون بمهمة العبادة، فيقول الحق تبارك وتعالى: { الۤرَ تِلْكَ آيَاتُ ٱلْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُّبِينٍ * رُّبَمَا يَوَدُّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ كَانُواْ مُسْلِمِينَ * ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ ٱلأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } [الحجر: 1-3].

هكذا يخبرنا الحق أن آيات كتابه الكريم ومنهجه لا تؤخذ بالتمني، ولكن لابد أن يعمل بها، وأن الذين كفروا في تمتعهم بالحياة الدنيا لا يرتفعون فوق مرتبة الأنعام، وأنهم يتعلقون بأمل كاذب في أن النعيم في الدنيا فقط، ولكن الحقيقة غير ذلك وسوف يعلمون.          

وهكذا بعد أن تعرضنا بإيجاز لبعض الآيات التي ورد فيها ذكر الكتاب أنه كتاب يبصرنا بقضية القمة في العقيدة وهي أنه لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله.         

وهو بهذا يخرج الناس من الظلمات الى النور.          

ويلفتهم إلى آيات الكون، وليعرفوا أن هناك آخرة ونعيماً أبدياً وشقاء أبدياً، وليقيم الدليل والحجة على الكافرين، وأن قوله تعالى: {ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ،} [البقرة: 2] يحمل معنى التفوق الكامل الشامل على كل ما سبقه من كتب.          

وأنه سيظل كذلك حتى قيام الساعة ولذلك وصفه الحق تبارك وتعالى بأنه "كتاب" ليكون دليلاً على الكمال.          

ولابد أن نعرف أن {ذَلِكَ،} [البقرة: 2] ليست كلمة واحدة، وإنما هي ثلاث كلمات، "ذا" إسم إشارة، "واللام" تدل على الابتعاد ورفعة شأن القرآن الكريم، و"ك" لمخاطبة الناس جميعاً بأن القرآن الكريم له عمومية الرسالة إلى يوم القيامة.          

ونحن عندما نقرأ سورة البقرة نستطيع أن نقرأ آيتها الثانية بطريقتين، الطريقة الأولى أن نقول {الۤمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ،} [البقرة: 1-2] ثم نصمت قليلاً ونضيف: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] والطريقة الثانية أن نقول: {الۤمۤ * ذَلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ،} [البقرة: 2] ثم نصمت قليلاً ونضيف: {فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] وكلتا الطريقتين توضح لنا معنى "لا ريب" أي: لا شك، أو نفي للشك وجزم مطلق أنه كتاب حكيم منزل من الخالق الأعلى.         

 وحتى نفهم المنطلق الذي نأخذ منه قضايا الدين، والتي ستكون دستورنا في الحياة، فلابد أن نعرف ما هو الهدى ومَنْ هم المتقون؟ الهدى هو الدلالة على طريق يوصلك إلى ما تطلبه.          

فالإشارات التي تدل المسافر على الطريق هي هدى له لأنها تبين له الطريق الذي يوصله إلى المكان الذي يقصده، والهدى يتطلب هادياً ومهدياً وغاية تريد أن تحققها.          

فإذا لم تكن هناك غاية أو هدف فلا معنى لوجود الهدى لأنك لا تريد أن تصل إلى شيء، وبالتالي لا تريد مَنْ أحد أن يدلك على طريق.          

إذن لابد أن نوجد الغاية أولا ثم نبحث عمَّنْ يوصلنا اليها.          

وهنا نتساءل: مَنْ الذي يحدد الهدف ويحدد لك الطريق للوصول إليه؟ إذا أخذنا بواقع حياة الناس، فإن الذي يحدد لك الهدف لابد أن تكون واثقاً من حكمته، والذي يحدد لك الطريق لابد أن يكون له من العلم ما يستطيع به أن يدلك على أقصر الطرق لتصل إلى ما تريد.         

 فإذا نظرنا إلى الناس في الدنيا نجد أنهم يحددون مطلوبات حياتهم ويحددون الطريق الذي يحقق هذه المطلوبات، فالذي يريد أن يبني بيتاً مثلاً يأتي بمهندس يضع له الرسم، ولكن الرسم قد يكون قاصراً على أن يحقق الغاية المطلوبة فيظل يُغَيِّر ويُبدِّل فيه.          

ثم يأتي مهندس على مستوى أعلى فيضع تصوراً جديداً للمسألة كلها، وهكذا يكون الهدف متغيراً وليس ثابتاً.          

وعند التنفيذ قد لا توجد المواد المطلوبة فنغير ونبدل لنأتي بغيرها ثم فوق ذلك كله قد تأتي قوة أعلى فتوقف التنفيذ أو تمنعه.          

إذن، فأهداف الناس متغيرة تحكمها ظروف حياتهم وقدراتهم: والغايات التي يطلبونها لا تتحقق لقصور علم البشر وإمكاناته.          

إذن، فكلنا محتاجون إلى كامل العلم والحكمة ليرسم لنا طريق حياتنا، وأن يكون قادراً على كل شيء، ومالكا لكل شيء، والكون خاضع لإرادته حتى نعرف يقينا أن ما نريده سيتحقق، وأن الطريق الذي سنسلكه سيوصلنا إلى ما نريده.          

وينبهنا الله سبحانه وتعالى إلى هذه القضية فيقول: { قُلْ إِنَّ هُدَى ٱللَّهِ هُوَ ٱلْهُدَىٰ، } [البقرة: 120].

إن الله يريد أن يلفت خلقه ألى أنهم إذا أرادوا أن يصلوا إلى الهدف الثابت الذي لا يتغير فليأخذوه عن الله.          

وإذا أرادوا أن يتبعوا الطريق الذي لا توجد فيه أي عقبات أو متغيرات، فليأخذوا طريقهم عن الله تبارك وتعالى، إنك إذا أردت باقياً، فخذ من الباقي، وإذا أردت ثابتاً، فخذ من الثابت.          

ولذلك كانت قوانين البشر في تحديد أهدافهم في الحياة وطريقة الوصول إليها قاصرة، علمت أشياء وغابت عنها أشياء، ومن هنا فهي تتغير وتتبدل كل فترة من الزمان.          

ذلك أن مَنْ وضع القوانين من البشر له هدف يريد أن يحققه، ولكن الله جل جلاله لا هوى له، فإذا أردت أن تحقق سعادة في حياتك، وأن تعيش آمنا مطمئناً، فخذ الهدف عن الله، وخذ الطريق عن الله.          

فإن ذلك ينجيك من قلق متغيرات الحياة التي تتغير وتتبدل.          

والله قد حدد لخلقه ولكل ما في كونه أقصر طريق لبلوغ الكون سعادته.          

والذين لا يأخذون هذا الطريق يتعبون أنفسهم ويتعبون مجتمعهم ولا يحققون شيئاً.         

 إذن، فالهدف يحققه الله لك، والطريق يبينه الله لك، وما عليك إلا أن تجعل مراداتك في الحياة خاضعة لما يريده الله.         

 ويقول الله سبحانه وتعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، ما معنى المتقين؟ متقين جمع مُتَّقٍ.          

والاتقاء من الوقاية، والوقاية هي الاحتراس والبعد عن الشر، لذلك يقول الحق تبارك وتعالى: { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ،} [التحريم: 6].

أي اعملوا بينكم وبين النار وقاية.          

احترسوا من أن تقعوا فيها، ومن عجيب أمر هذه التقوى أنك تجد الحق سبحانه وتعالى يقول في القرآن الكريم - والقرآن كله كلام الله -{ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ،} [البقرة: 278].

ويقول: { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ، } [البقرة: 24].          

كيف نأخذ سلوكاً واحداً تجاه الحق سبحانه وتعالى وتجاه النار التي سيعذب فيها الكافرون؟

الله تعالى يقول: { فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ، } [البقرة: 24]  أي لا تفعلوا ما يغضب الله حتى لا تعذبوا في النار، فكأنك قد جعلت بينك وبين النار وقاية بأن تركت المعاصي وفعلت الخير.         

 وقوله تعالى: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ، } [البقرة: 278].

كيف نتقيه بينما نحن نطلب من الله كل النعم وكل الخير دائماً.          

كيف يمكن أن يتم هذا؟ وكيف نتقي مَنْ نحب؟.         

 نقول إن لله سبحانه وتعالى صفات جلال وصفات جمال، صفات الجلال تجدها في القهار والجبار والمذل، والمنتقم، والضار.          

كل هذا من متعلقات صفات الجلال، بل إن النار من متعلقات صفات الجلال.         

 أما صفات الجمال فهي الغفار والرحيم وكل الصفات التي تتنزل بها رحمات الله وعطاءاته على خلقه.          

فاذا كنت تقي نفسك من النار ـ وهي من متعلقات صفات الجلال ـ لابد أن تقي نفسك من صفات الجلال كلها.          

لأنه قد يكون من متعلقاتها ما أشد عذاباً وإيلاماً من النار، فكأن الحق سبحانه وتعالى حين يقول:
{ فَٱتَّقُواْ ٱلنَّارَ،} [البقرة: 24].

و: { ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ،} [البقرة: 278] يعني أن نتقي غضب الله الذي يؤدي بنا إلى أن نتقي كل صفات جلاله، ونجعل بيننا وبينها وقاية.          

فمَنْ اتقى صفات جلال الله أخذ صفات جماله، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كانت آخر ليلة من رمضان تجلى الجبار بالمغفرة).

وكان المنطق يقتضي أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تجلى الرحمن بالمغفرة) ولكن ما دامت هناك ذنوب، فالمقام لصفة الجبار الذي يعذب خلقه بذنوبهم.          

فكأن صفة الغفار تشفع عند صفة الجبار، وصفة الجبار مقامها للعاصين، فتأتي صفة الغفار لتشفع عندها، فيغفر الله للعاصين ذنوبهم، وجمال المقابلة هنا حينما يتجلى الجبار بجبروته بالمغفرة فساعة تأتي كلمة جبار، يشعر الإنسان بالفزع والخوف والرعب.          

لكن عندما تسمع (تجلى الجبار بالمغفرة) فإن السعادة تدخل إلى قلبك.          

لأنك تعرف أن صاحب العقوبة وهو قادر عليها قد غفر لك.          

والنار ليست آمرة ولا فاعلة بذاتها ولكنها مأمورة.          

إذن فاستعذ منها بالآمر أو بصفات الجمال في الآمر.         

 يقول الحق سبحانه وتعالى {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] ولقد قلنا إن الهدى هدى الله، لأنه هو الذي حدد الغاية من الخلق ودلنا على الطريق الموصل إليها.          

فكون الله هو الذي حدد المطلوب ودلنا على الطريق إليه فهذه قمة النعمة، لأنه لم يترك لنا أن نحدد غايتنا ولا الطريق إليها.          

فرحمنا بذلك مما سنتعرض له من شقاء في أن نخطئ ونصيب بسبب علمنا القاصر، فنشقى وندخل في تجارب، ونمشي في طرق ثم نكتشف أننا قد ضللنا الطريق فنتجه إلى طريق آخر فيكون أضل وأشقى.          

وهكذا نتخبط دون أن نصل إلى شيء، وأراد سبحانه أن يجنبنا هذا كله فأنزل القرآن الكريم، كتاباً فيه هداية للناس وفيه دلالة على أقصر الطرق لكي نتقي عذاب الله وغضبه.         

 والله سبحانه وتعالى قال: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2] أي أن هذا القرآن هدى للجميع، فالذي يريد أن يتقي عذاب الله وغضبه يجد فيه الطريق الذي يحدد له هذه الغاية، فالهدى من الحق تبارك وتعالى للناس جميعاً.          

ثم خَصَّ مَنْ آمن به بهديً آخر، وهو أن يعينه على الطاعة.          

إذن، فهناك هدى من الله لكل خلقه وهو أن يدلهم سبحانه وتعالى ويبين لهم الطريق المستقيم.          

هذا هو هدى الدلالة، وهو أن يدل الله خلقه جميعاً على الطريق إلى طاعته وجنته.          

واقرأ قوله تبارك وتعالى: { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَٱسْتَحَبُّواْ ٱلْعَمَىٰ عَلَى ٱلْهُدَىٰ }[فصلت: 17].

إذن الحق سبحانه وتعالى دلهم على طريق الهداية، ولكنهم أحبوا طريق الغواية والمعصية واتبعوه، هذه هداية الدلالة، أما هداية المعونة ففي قوله سبحانه: { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ }
[محمد: 17].

وهذه هي دلالة المعونة، وهي لا تحق إلا لمَنْ آمن بالله واتبع منهجه وأقبل على هداية الدلالة وعمل بها، والله سبحانه وتعالى لا يعين مَنْ يرفض هداية الدلالة، بل يتركه يضل ويشقى، ونحن حين نقرأ القرآن الكريم نجد أن الله تبارك وتعالى يقول لنبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ،} [القصص: 56].

وهكذا نفى الله سبحانه وتعالى عن رسوله صلى الله عليه وسلم أن يكون هادياً لمَنْ أحب، ولكن الحق يقول لرسوله صلى الله عليه وسلم: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52].

فكيف يأتي هذا الاختلاف مع أن القائل هو الله؟.          

نقول: عندما تسمع هذه الآيات اعلم أن الجهة منفكة، يعني ما نفى غير ما أثبت، ففي غزوة بدر مثلاً أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصى قذفها في وجه جيش قريش.          

يأتي القرآن الكريم إلى هذه الواقعة فيقول الحق سبحانه: { وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ، }
[الأنفال: 17].

نفي للحدث وإثباته في الآية نفسها، كيف رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن الله تبارك وتعالى قال: { وَمَا رَمَيْتَ، } [الأنفال: 17]!

نقول إنه في هذه الآية الجهة منفكة، الذي رمى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن الذي أوصل الحصى إلى كل جيش قريش لتصيب كل مقاتل فيهم هي قدرة الله سبحانه وتعالى.         

 فما كان لرمية رسول الله صلى الله عليه وسلم حفنة من الحصى يمكن أن تصل إلى كل جيش الكفار، ولكن قدرة الله هي التي جعلت هذا الحصى يصيب كل جندي في الجيش.          

أما قول الحق سبحانه وتعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: { وَإِنَّكَ لَتَهْدِيۤ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [الشورى: 52]، فهي هداية دلالة.          

أي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغه للقرآن وبيانه لمنهج الله قد دل الناس - كل الناس - على الطريق المستقيم وبينه لهم.          

وقوله تبارك وتعالى: { إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ} [القصص: 56]، أي إنك لا توصِّل الهداية إلى القلوب لأن الله سبحانه وتعالى هو الذي يهدي القلوب ويزيدها هدى وإيماناً.          

ولذلك أطلقها الله تبارك وتعالى قضية إيمانية عامة في قوله: { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ،} [آل عمران: 73] فالقرآن الكريم يحمل هداية الدلالة للذين يريدون أن يجعلوا بينهم وبين غضب الله وعذابه وقاية.



سورة البقرة: الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 01-05   سورة البقرة: الآيات من 01-05 Emptyالسبت 23 مارس 2019, 4:14 am

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ [٣]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
بعد أن بيَّن الله سبحانه وتعالى لنا أن هذا الكتاب، وهو القرآن الكريم{ :هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، أي أنَّ فيه المنهج والطريق لكل مَنْ يريد أن يجعل بينه وبين غضب الله وقاية، أراد أن يعرفنا صفات هؤلاء المتقين ومَنْ هم، وأول صفة هي قوله تعالى: {ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ،} [البقرة: 3].

ما هو الغيب الذي جعله الله أول مرتبة في الهدى، وفي الوقاية من النار ومن غضب الله؟.          

الغيب هو كل ما غاب عن مدركات الحس.          

فالأشياء المُحَسَّة التي نراها ونلمسها لا يختلف فيها أحد، ولذلك يقال: "ليس مع العين أين"، لأن ما تراه لا تريد عليه دليلاً، ولكن الغيب لا تدركه الحواس، إنما يدرك بغيرها.         

 ومن الدلالة على دقة التعريف أنهم قالوا أن هناك خمس حواس ظاهرة هي: السمع والبصر والشم والذوق واللمس، ولكن هناك أشياء تدرك بغير هذه الحواس.          

لنفرض أن أمامنا حقيبتين، نفس الشكل ونفس الحجم.          

هل تستطيع بحواسك الظاهرة أن تدرك أيهما أثقل من الأخرى؟.          

هل تستطيع الحواس الخمس أن تقول لك أي الحقيبتين أثقل؟، لا، لابد أن تحمل واحدة منهما ثم تحمل الأخرى لتعرف أيهما أثقل.         

 بأي شيء أدركت هذا الثقل؟، بحاسة العَضَل، لأن عضلاتك أُجهدت عندما حملت إحدى الحقيبتين، ولم تجهد عندما حملت الثانية، فعرفت بالدقة أيهما أثقل، لا تقل باللمس؛ لأنك لو لمست إحداهما ثم لمست الأخرى لا تعرف أيهما أثقل، إذن فهناك حاسة العضل التي تقيس بها ثقل الأشياء.          

ولنفرض أنك دخلت محلاً لبيع القماش، وأمامك نوعان من قماش واحد، ولكن أحدهما أرق من الآخر، بمجرد أن تضع القماشين بين أناملك تدرك أن أحدهما رقيق والآخر أكثر سمكاً، بأي حاسة أدركت هذا؟ ليس بحاسة اللمس ولكن بحاسة البينة وحكمها لا يخطىء.         

 وعندما تشعر بالجوع، بأي حاسة أدركت أنك جوعان؟.

 ليس بالحواس الظاهرة، وكذلك عندما تظمأ، ما هي الحاسة التي أدركت بها أنك محتاج إلى الماء، وعندما تكون نائماً، أي حاسة تلك التي توقظك من النوم، لا أحد يعرف.         

 إذن هناك ملكات في النفس وهي الحواس الظاهرة، وهناك إدراكات في النفس، وهي حواس لا يعلمها إلا خالقها، لذلك عندما يأتي العلماء ليضعوا تعريفاً للنفس البشرية نقول لهم: ماذا تعرفون عن هذه النفس؟!.             

إنكم لا تعلمون إلا ظاهراً من الحياة الدنيا، ولكن هناك أشياء داخل النفس لا تعرفونها، هناك إدراكات لا يعلم عنها الإنسان شيئاً، وهي إدراكات كثيرة ومتعددة، لذلك يخطئ مَنْ يقول إن ما لا يدرك بالحواس البشرية الظاهرة هو غيب، لأن هناك ملكات وإدراكات متعددة تعمل بغير علم منا.          

لو أُعْطِيَ لطالب تمرين هندسي فحلَّه وأتى بالجواب، هل نقول: إنه عَلِمَ غيباً؟، لأن حَلَّ التمرين كان غيباً عنه ثم وصل إليه، لا، لأن هناك مقدمات وقوانين أوصلته الى هذا الحل، والغيب بلا مقدمات ولا قوانين تؤدي إليه، وهل عندما تعلن الأرصاد الجوية أن غداً يوم مطير شديد الرياح، أتكون قد عَلمَتْ غيباً؟، لا، لأنها أخذت المقدمات ووصلت بها إلى نتائج وهذا ليس غيباً.         

 وإذا جاء أحد من الدجالين وقال لك إن ما سرق منك عند فلان، أيكون قد علم الغيب؟، لا، لأنه يشترط في الغيب ألا يكون معلوماً لمثلك، وما سرق منك معلوم لمثلك، فالسارق والذي بيعت له المسروقات يعرفان من الذي سرق، وما الذي حدث، والشرطة تستطيع بالمقدمات والبصمات والبحث أن تصل إلى السارق ومَنْ اشترى المسروقات، وإذا جاءك دجال من الذين يسخرون الجن، والمعروف أن الجن مستور عنا يمتاز بخفة الحركة وسرعتها، والله سبحانه وتعالى يقول عن الشيطان: { إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ،} [الأعراف: 27] .

فقد يكون هذا المستعان به من الجن قد رأى شيئاً، أو انتقل من مكان إلى آخر، فيعرف شيئاً لا تعرفه أنت، هذا لا يكون غيباً لأنك جهلته، ولكن غيرك يعلمه بقوانينه التي خلقها الله له، والعلماء الذين يكتشفون أسرار الكون، أيقال إنهم أطلعوا على الغيب؟، لا، لأن هؤلاء العلماء اكتشفوا موجوداً له مقدمات فوصلوا إلى هذه النتائج فهو ليس غيباً.         

 ولكن ما هو الغيب؟.          

هو الشيء الذي ليس له مقدمات ولا يمكن أن يصل إليه علم خَلْقٍ من خلق الله حتى الملائكة، واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى حينما عَلَّمَ آدم الأسماء كلها وعرضهم على الملائكة قال جل جلاله: { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى ٱلْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ * قَالَ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إِنِيۤ أَعْلَمُ غَيْبَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 31-33].

والجن أيضا لا يعلم الغيب، ولذلك عندما مات سليمان عليه السلام، وكان الله سبحانه وتعالى قد سَخَّرَ له الجن لم تعلم الجن بموته إلا عندما أكلت دابة الأرض عصاه، واقرأ قوله تبارك وتعالى: { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ ٱلْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَىٰ مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ ٱلْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ ٱلْغَيْبَ مَا لَبِثُواْ فِي ٱلْعَذَابِ ٱلْمُهِينِ} [سبأ: 14].

إذن فالغيب هو ما لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، واقرأ قول الحق جل جلاله: { عَالِمُ ٱلْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ٱرْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً} [الجن: 26-27
وهكذا فإن الرسل لا يعلمون الغيب، ولكن الله سبحانه وتعالى يعلمهم بما يشاء من الغيب ويكون هذا معجزة لهم ولمَنْ اتبعوهم.          

وقمة الغيب هي الإيمان بالله سبحانه وتعالى، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله والإيمان باليوم الآخر، كل هذه أمور غيبية، وحينما يخبرنا الله تبارك وتعالى عن ملائكته ونحن لا نراهم، نقول ما دام الله قد أخبرنا بهم فنحن نؤمن بوجودهم، وإذا أخبرنا الحق سبحانه وتعالى عن اليوم الآخر، فما دام الله قد أخبرنا فنحن نؤمن باليوم الآخر، لأن الذي أخبرنا به هو الله جل جلاله، آمنت به أنه إله، واستخدمت في هذا الإيمان الدليل العقلي الذي جعلني أؤمن بأن لهذا الكون إلهاً وخالقاً، وما يأتيني عن الله حيثية الإيمان به أن الله سبحانه وتعالى هو القائل.         

 ولابد أن نعرف أن وجود الشيء مختلف تماماً عن إدراك هذا الشيء، فأنت لك روح في جسدك تهبك الحياة، أرأيتها؟، أسمعتها؟، أذقتها؟، أشممتها؟، ألمستها؟، الجواب طبعاً لا، فبأي وسيلة من وسائل الإدراك تدرك أن لك روحاً في جسدك؟ بأثرها في إحياء الجسد.

إذن، فقد عرفت الروح بأثرها، والروح مخلوق لله، فكيف تريد وأنت عاجز أن تدرك مخلوقاً في جسدك وذاتك وهو الروح بآثارها، أن تدرك الله سبحانه وتعالى بحواسك.         

 ونحن إذا آمنا بالقمة الغيبية وهو الله جل جلاله، فلابد أن نؤمن بكل ما يخبرنا عنه وإن لم نَرَه، ولقد أراد الله تبارك وتعالى رحمة بعقولنا أن يقرب لنا قضية الغيب فأعطانا من الكون المادي أدلة على أن وجود الشيء، وإدراك هذا الوجود شيئان منفصلان تماماً.          

فالجراثيم مثلاً موجودة في الكون تؤدي مهمتها منذ بداية الخلق، وكان الناس يشاهدون آثار الأمراض في أجسادهم من ارتفاع في الحرارة وحمى وغير ذلك وهم لا يعرفون السبب، فلما ارتقى العلم وأذن الله لخلقه أن يروا هذا الوجود للجراثيم، جعل الله العقول قادرة على أن تكتشف المجهر، الذي يعطينا الصورة مكبرة، لأن العين قدرتها البصرية أقل من أن تدرك هذه المخلوقات الدقيقة.
 
فلما اكتشف العلم المجهر، استطعنا أن نرى هذا الجراثيم، ونعرف أن لها دورة حياة وتكاثر إلى غير ما يكشفه الله لنا من علم كلما تقدم الزمن.         

 إن عدم قدرتنا على رؤية أي شيء لا يعني أنه غير موجود، ولكن آلة الإدراك -وهي البصر- عاجزة عن أن تراه، لأنه غاية في الصغر، فاذا جئت بالمجهر كبَّر لك هذا الميكروب ليدخل في نطاق وسيلة رؤيتك وهي العين، ورؤيتنا للجراثيم والميكروبات ليست دليلاً على أنها خُلقت ساعة رأيناها، بل هي موجودة تؤدي مهمتها، سواء رأيناها أو لم نرها.          

فلو حدثنا أحد عن الميكروبات والجراثيم قبل أن نراها رؤية العين، هل كنا نصدق؟، والله سبحانه وتعالى ترك بعض خلقه غير مدرك في زمنه لبعض حقائق الكون ليرتقي الإنسان ويدرك بعد ذلك، وكان المفروض أنه يزداد إيماناً عندما يدرك وليعرف الخلق بالدليل المادي أن ما هو غيب عنهم موجود وإن كنا لا نراه.         

 والله تبارك وتعالى قد أعطانا من آياته في الكون ما يجعلنا ندرك أن لهذا الكون خالقاً، فالشمس والقمر والنجوم والأرض والإنسان والحيوان والجماد لا يستطيع أحد أن يدَّعي أنه خلقهم، ولا أحد يمكن أن يدَّعي أنه خلق نفسه أو غيره.          

ولا يمكن لهذا الكون بهذا النظام الدقيق أن يوجد بالصدفة؛ لأن الصدفة أحداث غير مرتبة أو غير منظمة، ولو وجد هذا الكون بالصدفة لتصادمت الشمس والقمر والنجوم والأرض ولاختل الليل والنهار.         

 ولكن كل ما في الكون من آيات يؤكد لنا أن هناك قوة هائلة هي التي خلقت ونظمت وأبدعت، فإذا جاءنا رسول يبلغنا أن الله سبحانه وتعالى هو الذي خلق هذا الكون فلابد أن نصدقه.         

 ثم يقول الحق سبحانه وتعالى: {وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلاةَ،} [البقرة: 3]، والصلاة هي إدامة ولاء العبودية للحق تبارك وتعالى وهي لا تسقط عن الإنسان أبداً، فالإنسان يصلي وهو واقف، فإن لم يستطع يصلي وهو جالس.          

فإن لم يستطع، فيصلي وهو راقد، ولا تسقط الصلاة عن الإنسان من ساعة التكليف إلى ساعة الوفاة كل يوم خمس مرات.          

ويقول الحق تبارك وتعالى: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3]، وحين نتكلم عن الرزق يظن كثير من الناس أن الرزق هو المال، نقول له لا، الرزق هو ما ينتفع به.          

فالقوة رزق، والعلم رزق، والحكمة رزق، والتواضع رزق، وكل ما فيه حركة للحياة رزق، فإن لم يكن عندك مال لتنفق منه فعندك عافية تعمل بها لتحصل على المال، وتتصدق بها على العاجز المريض، وإن كان عندك حلم، فإنك تنفقه بأن تقي الأحمق من تصرفات قد تؤذي المجتمع وتؤذيك، وإن كان عندك علم فأنفقه لتعلِّم الجاهل، وهكذا نرى: {وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [البقرة: 3] تستوعب جميع حركة الحياة.



سورة البقرة: الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 01-05   سورة البقرة: الآيات من 01-05 Emptyالسبت 23 مارس 2019, 5:09 am

وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ [٤]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
الحق سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة يعطينا صفات أخرى من صفات المؤمنين، فبعد أن أبلغنا أن من صفات المؤمنين الإيمان بالغيب وإقامة الصلاة والإنفاق مما رزقهم الله، يأتي بعد ذلك إلى صفات أخرى.         

 فهؤلاء المؤمنون هم: {وٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ،} [البقرة: 4] أي بالقرآن الكريم الذي أنزله الله سبحانه وتعالى، و {وَمَآ أُنْزِلَ مِن قَبْلِكَ،} [البقرة: 4] وهذه لم تأت في وصف المؤمنين إلا في القرآن الكريم، ذلك أن الإسلام عندما جاء كان عليه أن يواجه صنفين من الناس، الصنف الأول هم الكفار وهم لا يؤمنون بالله ولا برسول مُبَلِّغ عن الله، وكان هناك صنف آخر من الناس، هم أهل الكتاب يؤمنون بالله ويؤمنون برسل عن الله وكتب عن الله.          

والإسلام واجه الصنفين، لأن أهل الكتاب ربما ظنوا أنهم على صلة بالله، يؤمنون به ويتلقون منه كتباً ويتبعون رسلاً وهذا في نظرهم كاف، نقول لا، فالإسلام جاء ليؤمن به الكافر، ويؤمن به أهل الكتاب، ويكون الدين كله لله.          

والله سبحانه وتعالى في كتبه التي أنزلها أخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن اسمه وأوصافه، وطلب من أهل الكتاب الذين سيدركون رسالته صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به.          

ولقد أعطى الله جل جلاله أوصاف رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الكتاب حتى إنهم كانوا يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، بل كانت معرفتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم وزمنه وأوصافه معرفة يقينية، وكان يهود المدينة يقولون للكفار، أَطَلَّ زمن رسول سنؤمن به ونقتلكم قتل عاد وإرم، فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أول مَنْ حاربه وأنكر نبوته، فأوصاف رسول الله عليه الصلاة والسلام موجودة في التوراة والإنجيل، ولذلك كان بعض أهل الكتاب من اليهود ينذرون الكفار بأنهم سيؤمنون بالرسول الجديد ويسودون به العرب، واقرأ قول الحق سبحانه وتعالى: { وَلَمَّا جَآءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَآءَهُمْ مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ} [البقرة: 89.]

أي أن رسالة محمد صلى الله عليه وسلم لم تكن مفاجئة لأهل الكتاب بل كانوا ينتظرونها، كانوا يؤكدون أنهم سيؤمنون بها كما تأمرهم بها كتبهم، ولكنهم رفضوا الإيمان وأنكروا الرسالة عندما جاء زمنها.          

ثم يقول سبحانه وتعالى: {وَبِٱلآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ} [البقرة: 4] ونلاحظ هنا أن كلمة {وَبِٱلآخِرَةِ} [البقرة: 4] قد جاءت، لأنك اذا تصفحت التوراة التي هي كتاب اليهود، أو قرأت التلمود لا تجد شيئاً عن اليوم الآخر، فقد أخذوا الأمر المادي فقط من كتبهم، والله تبارك وتعالى أكد الإيمان باليوم الآخر حتى يعرف الذين يقولون آمنا بالله وكتبه ورسله ولا يلتفتون إلى اليوم الآخر، أنهم ليسوا بمؤمنين، فلو لم يجئ هذا الوصف في القرآن الكريم ربما قالوا إن الإسلام موافق لما عندنا، ولكن الله جل جلاله يريد تصوير الإيمان تصويراً كمالياً بأن الإيمان بالله قمة ابتداء والإيمان باليوم الآخر قمة انتهاء، فمن لم يؤمن بالآخرة وأنه سيلقى الله وسيحاسبه، وأن هناك جنة ينعم فيها المؤمن، وناراً يُعذَّبُ فيها الكافر؛ يكون ايمانه ناقصاً، ويكون قد اقترب من الكافر الذي جعل الدنيا غايته وهدفه.         

 فالمؤمن يتبع منهج الله في الدنيا ليستحق نعيم الله في الآخرة، فلو أن الآخرة لم تكن موجودة، لكان الكافر أكثر حظاً من المؤمن في الحياة، لأنه أخذ من الدنيا ما يشتهيه ولم يقيد نفسه بمنهج، بل أطلق لشهواته العنان، بينما المؤمن قَيَّدَ حركته في الحياة طبقاً لمنهج الله وتعب في سبيل ذلك.          

ثم يموت الاثنان وليس بعد ذلك شيء، فيكون الكافر هو الفائز بنعم الدنيا وشهواتها.          

والمؤمن لا يأخذ شيئاً والأمر هنا لا يستقيم بالنسبة لقضية الإيمان، ولذلك كان الإيمان بالله قمة الإيمان بداية والإيمان بالآخرة قمة الإيمان نهاية.



سورة البقرة: الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn
مؤسس ومدير المنتدى
أحمد محمد لبن Ahmad.M.Lbn


عدد المساهمات : 52644
العمر : 72

سورة البقرة: الآيات من 01-05 Empty
مُساهمةموضوع: رد: سورة البقرة: الآيات من 01-05   سورة البقرة: الآيات من 01-05 Emptyالسبت 23 مارس 2019, 5:16 am

أُولَٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [٥]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
قوله تعالى: (أولئك) إشارة إلى الذين تنطبق عليهم كل الصفات التي يبينها الله سبحانه وتعالى في الآيتين السابقتين، فأولئك الذين تنطبق عليهم هذه الصفات وصلوا الى الهدى أي: إلى الطريق الموصل للإيمان، ووصلوا إلى الفلاح، وهو الهدف من الإيمان.          

وقوله تعالى: {أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] تشمل الجميع.          

ولكن لماذا استخدم الله تبارك وتعالى {أُوْلَـٰئِكَ} مرتين؟ تلك من بلاغة القرآن الكريم، ولماذا دمج الخبرين مع بعضهما؟ حتى نعرف أنه ليس في الإسلام إيمانان، بل إيمان واحد يترتب عليه جزاء واحد، وسيلته الهدى، وغايته الفلاح، ولو نظر إلى التكليفات التي هي الهدى الموصلة إلى الغاية نجد أن الله سبحانه وتعالى رفع المهتدي على الهدى، لنعرف أن الهدى لم يأت ليقيد حركتك في الحياة ويستذلك، وانما جاء ليرفعك.          

إن السطحيّين يعتقدون أن الهدى يقيد حركة الإنسان في الحياة ويمنعه من تحقيق شهواته العاجلة، ولكن الهدى في الحقيقة يرفع الإنسان ويحفظه من الضرر، ومن غضب الله، ومن إفساد المجتمع الذي سيكون هو أول من يعاني منه، لذلك قال تبارك وتعالى: {عَلَىٰ هُدًى،} [البقرة: 5.]

و (على) تفيد الاستعلاء.          

فإذا قلت أنت على الجواد فإنك تعلوه، كأن المهتدي حين يلزم نفسه بالمنهج لا يذل، ولكنه يرتفع إلى الهدى ويصبح الهدى يأخذه من خير إلى خير، وذلك بعكس الضلالة التي تأخذ الإنسان إلى أسفل، وذلك حين تقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [سبأ: 24].

ترى ما يفيد الارتفاع والعلو في الهداية، وما يفيد الانخفاض والنزول في الضلالة؛ وإنما كان العلوّ في الهدى، لأن المنهج قَيَّدَ حركة حياتك إعزازاً لك لعلوك وسمو مقامك في أنك لا تأخذ من بشر تشريعاً، ولا تأخذ من ذاتك حركة، وإنما يرتفع بك لتتلقى عن الله سبحانه وتعالى، وهذا علو كبير، ولكن عند الضلال قال: "في ضلال"، و(في) تدل على الظرفية المحيطة، وهو كما وصفه الله سبحانه وتعالى في آية أخرى بقوله جل جلاله: { بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيـۤئَتُهُ فَأُوْلَـۤئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 81].

أحاطت به الخطيئة، أي لا يستطيع أن يفلت منها لأنه مظروف في الضلال، وما دامت الخطيئة محيطة به فلا يجد منفذاً لأنها تحكمه، وما دامت تحكمه فلا يمكن أن يصل إلى هدى مطلقاً، فالحق سبحانه وتعالى حينما قال: {أُوْلَـٰئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]، اختار لفظاً عليه دلالة دنيوية تقرب المعنى إلى السامع.           ما هو الفلاح؟، المعنى العام هو الفوز والْمُفْلِحُ هو الفائز.          

ومعنى الآية الكريمة أولئك هم الفائزون وقال: "هم المفلحون"، لأن الفلاح مأخوذ من شق الأرض للبذر، ومنه سُمِّيَ الفلاح الذي صفته شق الأرض ورمي البذور فيها.          

والحق سبحانه وتعالى جاء بهذا اللفظ بالنسبة للآخرة لآنه يريد أن يأتي لنا مع الشيء بدليله، وهناك فرق بين أمر غيبي عنا لا نعرفه، وأمر غيبي يستدل عليه بمشهود.          

فالدين يقيد حريتك في الحياة في أن تفعل ولا تفعل، ومنهج الله جاء ليقول لك: افعل كذا ولا تفعل كذا.          

وكثير من الناس يظن أن ذلك تقييد لحركة حياة المؤمن وإثقال عليه، لأنه أخذ منه حرية حركته فقيَّدها.          

إن الله تبارك وتعالى حين يقول لك: لا تفعل، معناها عند السطحيين أنه ضيَّقَ عليك ما تريد أن تفعله، وحين يقول لك افعل، معناها يكون قد ضيق عليك في شيء لا تريد أن تفعله، فمثلاً: حين يطلب منك الزكاة، فالزكاة في ظاهرها نقص المال، وإن كانت في حقيقتها بركة ونماء، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً، وما تواضع أحد لله إلا رفعه).         

فالحق سبحانه وتعالى إذا قيد حركتك في الحياة، لا تظن أن هذا تضييق عليك، بل إن هذا لفائدتك، لأنه لم يأمرك وحدك، ولكن الأمر للناس جميعاً حين يقول جل جلاله: لا تسرق، فقد قالها للناس جميعاً؛ ولذلك تكون أنت الرابح، لأنه قيدك وأنت فرد من أن تسرق من غيرك، ولكنه قيد ملايين الناس من أن يسرقوا منك، إذن فالله لم يضيق عليك، ولكنه حمى مالك من الناس كل الناس، قيدك وأنت فرد أن تسرق من مال غيرك، وقيد ملايين أن يسرقوا من مالك، فمن الفائز؟، أنت طبعاً.          

وقوله تعالى: {وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5] (المفلحون) من مادة فلح، فإذا كانت الأرض صمّاء فحينما نشقَّها ونبذرها تعطي محصولاً عظيماً، العملية أخذناها أباً عن جد، فالأرض حين تشق وتُبذر تُعطي محصولاً وافراً، وإذا كانت هذه العملية أُخذت أباً عن جد، يأتي السؤال مَنْ الذي علم آدم البذر والزرع؟، نقول علمه الله سبحانه وتعالى كما علمه الأسماء، وكما علمه ما يمكنه به أن يباشر مهمته في الأرض.         

 والحق جل جلاله لم يكن يترك آدم في حياته على الأرض دون أن يعلمه ما يضمن استمرار حياته وحياة أولاده، يعلمه على الأقل بدايات، ثم بعد ذلك تتطور هذه البدايات بما يكشفه الله من علمه لخلقه، وبعد ذلك جاءت القرون المتقدمة فاستطعنا أن نستخدم آلات حديثة متطورة تقوم بعملية الحرث والبذر.          

ولكن الحقيقة الثابتة التي لم تتغير منذ بداية الكون ولن تتغير حتى نهايته، هي أن مهمة الانسان أن يحرث ويضع البذرة في الأرض ويسقيها، أما نمو الزرع نفسه فلا دخل للإنسان فيه، وكذلك الثمر الذي ينتجه لا عمل للإنسان فيه.         

 ولقد نبهنا الله تبارك وتعالى إلى هذه الحقيقة حتى لا نغتر بحركتنا في الحياة ونقول إننا نحن الذين نزرع، واقرأ قول الحق جل جلاله في سورة الواقعة: { أَفَرَأَيْتُم مَّا تَحْرُثُونَ * أَأَنتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ ٱلزَّارِعُونَ * لَوْ نَشَآءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ * إِنَّا لَمُغْرَمُونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ } [الواقعة: 63-67].

وهكذا ظلت مهمة الفلاحة في الأرض مقصورة على الحرث والسقي والبذر، وحينما تلقى الحبة في الأرض يخلق الله في داخلها الغذاء الذي يكفيها حتى تستطيع أن تأخذ غذاءها من الأرض، وإذا جئت بحبة وبللتها تجد أنها قد نبت لها ساق وجذور، من أين جاء هذا النمو؟.          

من تكوين الحبة نفسها، والله تبارك وتعالى قد قدَّر في كل حبة من الغذاء ما يكفيها حتى تستطيع أن تتغذى من الأرض، وعلى قدر كمية الغذاء المطلوبة يكون حجم الحبة، وحين تضعها في الأرض فإنها تبدأ أولاً بأن تغذِّي نفسها، بحيث ينبت لها ساق وجذور وورقتان تتنفس منهما، كل هذا لا دخل لك فيه ولا عمل لك فيه، وتبدأ الحبة تأخذ غذاءها من الأرض والهواء، لتنمو حتى تصبح شجرة كبيرة تنتج الثمر من نوع البذرة نفسه.          

ومن هنا جاءت كلمة (المفلحون)، ليعطينا الحق جل جلاله من الأمور المادية المشهودة ما يعين عقولنا المحدودة على فهم الغيب، فيشبه التكليف وجزاءه في الآخرة بالبذور والفلاحة، أولا لأنك حين ترمي بذرة في الأرض تعطيك بذوراً كثيرة.          

واقرأ قول الله سبحانه وتعالى:
{ مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261].

وإذا كانت الأرض وهي المخلوقة من الله تهبك أضعاف أضعاف ما أعطيتها، فكيف بالخالق؟، وكم يضاعف لك من الثواب في الطاعة؟، هذا هو السبب في أن الحق تبارك وتعالى يقول: {وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ} [البقرة: 5]، حتى يلفتنا بمادة الفلاحة، وهي شيء موجود نراه ونشهده كل يوم.         

وكما أن التكليف يأخذ منك أشياء ليضاعفها لك، كذلك الأرض أخذت منك حبة ولم تعطك مثل ما أخذت، بل أعطتك بالحبة سبعمائة حبة، وهكذا نستطيع أن نصل بشيء مشهود يُفَصِّلُ لنا شيئاً غيبياً.         

المصدر:
موقع السبيل جزاهم الله خير الجزاء
الرابط:
http://ar.assabile.com/read-quran/surat-al-baqara-2



سورة البقرة: الآيات من 01-05 2013_110
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://almomenoon1.0wn0.com/
 
سورة البقرة: الآيات من 01-05
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات إنما المؤمنون إخوة (2024 - 2010) The Believers Are Brothers :: (العربي) :: الشيخ محمد متولي الشعـراوي :: البقرة-
انتقل الى: