وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَىٰ حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ [٩٦]
تفسير الأية: خواطر محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ)
الحق سبحانه وتعالى بعد أن فضح كذبهم، في أنهم لا يمكن أن يتمنوا الموت لأنهم ظالمون، وما داموا ظالمين فالموت أمر مخيف بالنسبة لهم، وهم أحرص الناس على الحياة، حتى إن حرصهم يفوق حرص الذين أشركوا، فالمشرك حريص على الحياة لأنه يعتقد أن الدنيا هي الغاية، واليهود أشد حرصاً على الحياة من المشركين لأنهم يخافون الموت لسوء أعمالهم السابقة، لذلك كلما طالت حياتهم ظنوا أنهم بعيدون عن عذاب الآخرةِ، الحياة لا تجعلهم يواجهون العذاب ولذلك فهم يفرحون بها.
إن اليهود لا يبالون أن يعيشوا في ذلة أو في مسكنة، أو أي نوع من أنواع الحياة، المهم أنهم يعيشون في أي حياة، ولكن لماذا هم حريصون على الحياة أكثر من المشركين؟ لأن المشرك لا آخرة له فالدنيا هي كل همه وكل حياته، لذلك يتمنى أن تطول حياته بأي ثمن وبأي شكل، لأنه يعتقد أن بعد ذلك لا شيء، ولا يعرف أن بعد ذلك العذاب، واليهود أحرص من المشركين على حياتهم.
وقوله تعالى: {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ} [البقرة: 96]، الود هو الحب، أي أنهم يحبون أن يعيشوا ألف سنة أو أكثر، ولكن هب أنه عاش ألف سنة أو حتى أكثر من ذلك، أيزحزحه هذا عن العذاب؟ لا، طول العمر لا يغير النهاية.
فما دامت النهاية هي الموت.
يتساوى من عاش سنوات قليلة ومن عاش ألوف السنين، قوله تعالى: "يعمر" بفتح العين وتشديد الميم يقال عنها إنها مبنية للمجهول دائماً، ولا ينفع أن يقال يعمر بكسر الميم، فالعمر ليس بيد أحد ولكنه بيد الله، فالله هو الذي يعطي العمر وهو الذي ينهيه، وبما أن العمر ليس ملكاً لإنسان فهو مبني للمجهول، والعمر هو السن الذي يقطعه الإنسان بين ميلاده ووفاته، ومادة الكلمة مأخوذة من العمار لأن الجسد تعمره الحياة.
وعندما تنتهي يصبح الجسد أشلاء وخراباً، قوله تعالى: "ألف سنة"، لماذا ذكرت الألف؟ لأنها هي نهاية ما كان العرب يعرفونه من الحساب.
ولذلك فإن الرجل الذي أسر في الحرب أخت كسرى فقالت كم تأخذ وتتركني؟ قال ألف درهم، قالوا له بكم فديتها؟ قال بألف، قالوا لو طلبت أكثر من ألف لكانوا أعطوك، قال والله لو عرفت شيئاً فوق الألف لقلته، فالألف كانت نهاية العدد عند العرب، ولذلك كانوا يقولون ألف ألف ولم يقولوا مليوناً، وقوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ ٱلْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ} [البقرة: 96]، معناها أنه لو عاش ألف سنة أو أكثر فلن يهرب من العذاب.
وقوله تعالى: {وَٱللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: 96]، أي يعرف ما يعملونه وسيعذبهم به سواء عاشوا ألف سنة أو أكثر أو أقل.