الباب الثاني: (المجتمع والإرهـاب)
الفصل الأول: المجتمع وحاجته للأمن
إنَّ الأمن ضرورة ملحة للمجتمع الإسلامي إذ به تتحقق رفاهية الفرد ويعم الخير جميع أفراده ويرتقي به المجتمع إلى مصاف الدول المتحضرة لذا نجد الإسلام قد أولاه اهتماماً بالغاً ونوه عنه في تشريعاته لقد جاءت النصوص من الكتاب والسنة المطهرة تؤكده وتحث عليه وتأمر به، تـأمَّل قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).

أي لم يخلطوا إيمانهم بشرك أولئك لهم الأمن الكامل في الدنيا والآخرة ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

قال تعالى:
(وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ).

إن من لا هم له إلا إهلاك الحرث والنسل بالقتل والسبي أو بالإضلال المفضي إلى القتل والسبي يعتبر جريمة في حق المجتمع فالأمن ركيزة أساسية، وقاعدة عظمى تستند عليها حياةُ البشرية، ودعامة كبرى يرتكز عليها إبداع وعطاء الإنسانية ومقصِدٌ سام، يتطلع لتحقيقه الأفراد والجماعات، وتسعى لتوفيره الدول والحكومات، ويرتبط ما يطمحُ إليه المجتمع من رقي وازدهار، بقدر ما يتحقق في أرجائه من أمنٍ واستقرار، ويتعطشُ المجتمع للأمن كلما حَلَّت المآسي والنكبات، ولامست أرجاءه القلاقل والاضطرابات والمجتمع المسلم ينفرد عن غيره من المجتمعات بتشريعاته الفريدة، في ضبط الأمن ونُظُمِه الخاصة، التي يستقيها من عقيدته الصافية، ويستمدها من جوهر شريعته الغراء السامية فوحدته قوية، ورابطته وثيقة، عَمَّت أفراده على اختلاف ألوانهم وتعدد أجناسهم، وتفاوت مستوياتهم،وإذا جئنا إلى الأحاديث المروية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نجدها تجسّد مبدأ الأمن)، ولذا لما دخل -صلى الله عليه وسلم- مكة فاتحاً بدأ به فقال -صلى الله عليه وسلم- مقالته المشهورة: (مَنْ دخل دار أبي سفيان فهو آمن).

وختم -صلى الله عليه وسلم- حياته الكريمة بترسيخ هذا المبدأ فقال -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع أمام الناس يسمعها الحاضر ويبلغها للغائب: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض). 

ولم يكتف الإسلام في تشريعاته على الأمر به والحث عليه، بل إنه وضع عقوبات زاجرة لمن يخل به، خذ مثلاً قوله تعالى: "إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ". 

فلا جزاء للذين يحاربون الله ورسـوله ويسـعون في الأرض فساداً، إلا ما ذكر الله من التقـتيل أوالتصلـيب أو تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف، أو النفي من الأرض لأنه اعـتداء على الحق والعدل الذي أنزله وقوله تعالى “وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا“ أي يفسدون لما صلح من أمور الناس في نظام الاجتماع وأسباب العيش). 

وفي هذا أبلغ الأثر في الردع والزجر لإن إيجاب العقوبات في الإسلام لمن ينتهك الأمن يعتـبر حماية من حدوث الفوضى والاضطراب في المجتمعات فالأمن بكل جوانبه عملية مهمة لا بد من تضافر الجهود لتحقيقها فالكل مسؤول عنها المسجد، والبيت, والأسرة, والجامعة, والقضاء والمؤسسات على اختلافها شرعية وتربوية وأمنية حيث يعد الأمن ركيزة هامة للحياة والشعور بالاستقرار لكافة أفراد المجتمع منذ الولادة ومروراً بالطفولة والفتوة والشباب وانتهاءً بالكهولة والعجز فالأمن نعمة عظيمة لا تقدر بثمن مهما كان فاستتباب الأمن في حياة الأفراد والشعوب نتيجة للحب والولاء واحترام حقوق الغير والقيام بوجبات الضيافة والوفادة لغير المسلم في المجتمعات المسلمة ومنحهم كافة حقوقهم الشرعية والأمنية التي يتعبد المسلمون بها ربهم ولا يخالفونه.